أيار 17
 
قرأت العرض المترجم لكتاب محاسبة القيمة في رأس المال لماركس: اليد الخفية المنشور في مجلة الثقافة الجديدة، العدد 430، أيار 2022 الذي كما يبدو من العرض أنه يقدم رؤية جديدة لقانون القيمة في كتاب راس المال لكارل ماركس. يتمنى المرء أن يترجم هذا الكتاب الى اللغة العربية للتعرف على أطروحة مؤلفه بشكل أفضل، إذ لا يكفي تكوين نظرتنا لهذه الأطروحة من خلال قراءة عرض له. وقد طلب مني الزميل مصباح كمال، مترجم عرض الكتاب، الكتابة عنه لفتح مجال لمناقشة المفاهيم المحاسبية من منظور أوسع، خارج السياقات الفنية التطبيقية لهذه المفاهيم، فكتبت هذا الهامش.
بداية، أود الإشارة الى ان نموذج (نظرية ماركس للمحاسبة) لم أجد تفاصيل كثيرة عنه في المقال، لربما موجودة في الفصلين الثاني والرابع من الكتاب، لم أطلع عليها. ادناه أدرج بعض ملاحظاتي المتواضعة بصدده المقال، وكالاتي:
  1. ان المحاسبة الحديثة، يطلق عليها النظام المحاسبي، ويتكون من شقين: المحاسبة المالية ومحاسبة التكاليف، أحدهما يكمل الثاني. وتستند مبادئها على طريقة القيد المزدوج. وهذا يعني تسجيل كل المعاملات الاقتصادية مرتين، بقيد مدين يقابله قيد دائن، وبذلك يكون المجموع الجبري لطرف المدين يساوي المجموع الجبري للطرف الدائن، والفرق بينهما يساوي صفرا، وبذلك تحتفظ التسجيلات على الموازنة خلال مرحلة الدورة المحاسبية، أي اجراء حساب النتيجة، (الأرباح والخسائر)، والحالة المالية/ الميزانية العمومية (الموجودات ـ المطلوبات، و/ أو الأصول ـ الخصوم).
  2. ان إشكالية التطبيقات في النظام المحاسبي بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي، تكمن في استخدام المحاسبة، وخاصة التكاليف من قبل الأول لغرض الاقتصاد النقدي، أي رأس المال، بينما في الثاني يأخذ بنظر الاعتبار ايضا الجانب الاجتماعي.
  3. ان الهدف الأساسي للنظام الاقتصادي الرأسمالي، الذي تكون فيه وسائل وأدوات الإنتاج ملكية خاصة، هو تحقيق مزيد من الربح، باعتباره عائدا لرأس المال، والذي يعتبر أهم عنصر من عناصر الإنتاج. ولتحقيق ذلك يركز النظام اهتمامه على الكفاءة الاقتصادية في الانتاج، ويوجه أرباحه نحو راس المال الذي يتراكم لدى فئة محددة، أو توجه الارباح الى العمل، عبر الأجور التي تتجه نحو الاستهلاك.
    اما في النظام الاشتراكي الذي يستند على التخطيط الاقتصادي، والملكية العامة لوسائل الإنتاج، حيث يهدف الى ربط البيانات المحاسبية في ترشيد القرارات على مستوى الوحدة الاقتصادية والمستوى القومي، لتحقيق مجموعة من الأهداف، (من دون الدخول في التفاصيل): التسعير المحلي، أسعار صرف العملة ودورها في تحديد هيكل أسعار الصادرات، استغلال الطاقة الإنتاجية، توزيع الدخل القومي بين عوامل الإنتاج، هياكل الإنتاج والمدخلات والمخرجات، قرارات مالية وائتمانية داخلية وخارجية، وذلك لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية من النشاط الاقتصادي. لذلك فان العمل يعتبر هو اساس القيمة، التي تتكون من تكلفة اجوره، بالإضافة الى قيمة جديدة إضافية، تسمى (فائض القيمة)، الناتجة من الربح. ويعتبر العمل من اهم عناصر الإنتاج، ومشاركته بشكل عادل في توزيع الارباح وتحقيق العدالة الاجتماعية.
  1. بما ان الإشكالية تكمن في تطبيقات محاسبة التكاليف، فان مصطلح التكلفة يستخدم بمفاهيم مختلفة، بحيث لا يمكن وضع تعريف واحد يرضي جميع الأطراف. فالتكلفة تمثل تضحية (عبئا نقديا او ارتباطا لتحمل هذا العبء في المستقبل) للحصول على فائدة معينة. والفائدة قد تكون في صورة ملموسة مثل: شراء مواد وآلات، او تأخذ شكل خدمات، مثل: الأجور والايجار والقوة المحركة.
إن ألفاظا مثل التكلفة والمصروف شائعة الاستعمال في المحاسبة دون تحديد واضح لمضمون كل لفظ من هذه الالفاظ؛ ففي قائمة الدخل فان التخفيضات عن الإيرادات، اللتين تربطان بعلاقة واضحة ومباشرة يطلق عليها لفظ تكلفة، بينما التخفيضات التي لا توجد بينها وبين الإيرادات هذه العلاقة الواضحة المباشرة يطلق عليها لفظ (مصروف). ان التكاليف هي البيانات الاصلية في المحاسبة ويجب استخدام اللفظ بمعناه الواسع. فمفهوم التكلفة يعادل مفهوم تجميع السعر الذي يساوي (وحدة السعر مضروبا بالكمية او السعر المتفق عليه). ويمكن النظر الى المصروف على انه تكلفة مستخدمة، أي أعباء على الايراد توضع في التقسيم المناسب لها.
  1. إن مصطلح الكلفة له معنى واسع في الادب الاقتصادي. تدخل ضمن تعاريفه الأفكار الاقتصادية والإدارية والاحصائية. وفق المفهوم الماركسي وفي نظرية القيمة ومنها نظرية العمل، يمكن تصنيف ثلاث مقولات اقتصادية في تحديد الكلفة، وهي: كلفة الإنتاج الاجتماعي، كلفة الإنتاج، الكلفة الحقيقية للإنتاج، وفق المعادلة الاتية:
Q = C+ V+ M
C ـ يعبر عن قيمة وسائل الإنتاج الضرورية للإنتاج؛
V ـ يعبر عن قيمة العمل المنفقة في الإنتاج؛
M ـ الإنتاج المضاف وهو عبارة عن:
M2, M1
Q - يمثل كلفة الإنتاج الاجتماعي الاجمالي
يمكن التعبير عن هذه المفاهيم بمفهومها المبسط، كالاتي:
 يمثل كلفة الإنتاج، وهو مفهوم الكلفة وفق الاقتصاد الجزئي، أي من وجهة نظر الوحدة C+Vأن
الاقتصادية.
اما C+V+M1  فهو يمثل الكلفة الحقيقية للإنتاج، أي كلفة الإنتاج مضافا اليها الجزء من الفائض للوحدة الانتاجية.
اما C+V+M = Q فهو يمثل قيمة الناتج او المنتوج الاجتماعي الإجمالي، وهو مفهوم الكلفة وفق زاوية الاقتصاد الكلي، أي على الصعيد الوطني. وهذا يعني تحميل كلفة الإنتاج تكاليف إضافية وهي بالأصل لا تعتبر تكاليف بالمعنى الكلي ومنها على سبيل المثال: بعض الضرائب، مصاريف التامين الاجتماعي للعمال، فوائد البنوك اللازمة للإعادة توزيع الإنتاج الاجتماعي، أي تحويل جزء من الفائض (M) الى ميزانية الدولة. 
(M2) ويسمى هذا الفائض في الاقتصاد المخطط بالفائض الاقتصادي، وفي الاقتصاد الرأسمالي بفائض القيمة.
ان تحديد مفهوم الكلفة بهذه الطريقة سيساعد الوحدة على أساس احتساب الدخل القومي الذي هو
Q=V+M))، أي الناتج الإجمالي، وتوزيع نصيب عوائد عوامل الإنتاج من هذا الدخل.
ويكمن التعبير عن ذلك بالرسم الاتي:
  1. ظهر في أوائل السبعينيات من القرن الماضي فرع متخصص ضمن محاسبة التكاليف عُرف باسم (المسؤولية الاجتماعية للمحاسبة)، وذلك لضرورة مساهمة جزء من الارباح المتحققة في النشاط الاقتصادي، بهدف الربط بين الأهداف النقدية (رأس المال) للوحدة الاقتصادية ومردودها الاجتماعي، في مجالات: اعداد وتنمية وتطوير الموارد البشرية في العمل، وفي حماية البيئة من التلوث والتدهور والاضرار، وكذلك الاهتمام بتحسين الاداء النوعي للانتاج وحماية المستهلك، ومعالجتها محاسبيا.
وسبق لي ان كتبت في هذه المواضيع ونشرتها في مجلة (الثقافة الجديدة) والعديد من المواقع الالكترونية، ومنها البحوث التالية:
ـ “محاسبة تكاليف (المعضلية): محاسبة عوامل الإنتاج/ الموارد البشرية، كمثال على ذلك” الثقافة الجديدة العدد 406، أيار، 2019  وأعيد نشر البحث في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين بتاريخ 08 /06 /2019، وموقع الحوار المتمدن بتاريخ 08 /06 /2019
ـ “محاسبة التكاليف (المعضلية): محاسبة حماية البيئة انموذجا” مجلة الثقافة الجديدة، العدد 419 - 420، اذار 2021، واعيد نشر البحث في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 19 /03 /2021. ومتاح على الانترنيت على الرابط التالي:                                          https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=712659                          
ـ “محاسبة تكاليف (المعضلية): محاسبة تكاليف النوعية/الجودة مثالا”، الثقافة الجديدة، العدد 424ـ425 أيلول 2021، وأعيد نشره على موقع الحوار المتمدن بتاريخ 13 /09 /2021.