أيار 17
 
مقدمة 
واجه العراق بعد عام 2003 وهو عام الاحتلال مشكلات متعددة ابرزها غياب الامن والاستقرار السياسي، وتبعا لذلك ليس هناك استقرار اقتصادي واجتماعي، لان هذه المحاور مترابطة مع بعضها في مجتمع له تقاليد واعراف متجذرة تاريخيا ومجتمعيا. وابرز الاسباب التي ادت الى كل ذلك هو طبيعة النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والقومية والمناطقية. وعطفا على هذه الحالة تراجع البلد الى سنوات عدة بحيث اصبح البعض يتغنى بماضيه، لأنه كان  الافضل في حين دول العالم تتفاخر بما تحققه من تطورات في وقتها الحالي، رغم قلة ثرواتها  قياسا بثروة العراق. وتوالت الحكومات وفق مبادئ المحاصصة بكل تصنيفاتها، وتنامي ظاهرة السلاح المنفلت والميليشيات غير القانونية في امتلاكها السلاح بحيث جعلت من العراق بيئة استثمارية طاردة. وفي تقرير نشرته New york Times  في 29 تموز2020 وصفت النظام في العراق بالدولة اللصوصية، كما نشر على موقع جامعة كوبنهاكن بحث بإشراف كبيرة اقتصاديي البنك الدولي، أعد من قبل ثلاثة من الباحثين، والذي اعترض البنك على نشره الامر الذي دفعها لتقديم استقالتها، وعملت على نشر البحث في موقع الجامعة. وقد تضمن البحث المذكور بيانات ومعلومات تتمثل في ان القروض والمساعدات التي يقدمها البنك الدولي الى الدول الفقيرة والتي يؤمل اسهامها في انعاش التنمية الاقتصادية، تذهب الى مسؤولين في حكومات الدول التي منحت إليها هذه القروض او المساعدات وبلغ عددها 22 دولة منها دولتان عربيتان، وتذهب كودائع في الملاذات الامنة، وهذا يسبب احراجا للبنك الدولي لانه ليست هناك متابعة للقروض التي تمنح لهؤلاء. وهذه الودائع هي من القروض والمساعدات التي تمنحها المؤسسات المالية الدولية الى الدول الفقيرة، فتذهب باتجاهين الاول المسؤولين الحكوميين وباتجاه الملاذات الامنة كودائع في دول مختلفة، كما تمت الاشارة الى ذلك. والثاني مشروعات تحال الى شركات ذات صلة بالمؤسسات الدولية التي قدمت هذه القروض ومن ثم عودة الاموال الى حيث اتت. وسيتم عرض الموضوع من الزوايا الاتية:
أولا: الايرادات والنفقات
ثانيا: الازمة المالية في العراق – الاسباب والتداعيات
ثالثا: تغيير سعر الصرف
رابعا: الحلول لإدارة الازمة المالية
خامسا: الخلاصة والاستنتاجات
أولا: الإيرادات والنفقات: 
تظهر الايرادات والنفقات وما يتعلق بهما كفقرتين هامتين ضمن الموازنة العامة التي عرّفها قانون الادارة المالية رقم 6 لسنة 2019 في مادته الاولى – الفقرة ثانيا، بانها “خطة مالية تعبر عما  تعتزم الدولة القيام به  من برامج ومشروعات، تتضمن جداول تخطيطية  لتخمين الايرادات وتقدير النفقات بشقيها الجارية والاستثمارية لسنة مالية واحدة، تعين في قانون الموازنة العامة “. وسيتم استعراض هذه الفقرة على مستوى السنوات الخمس الاخيرة وهي 2017 – 2021 وكما ياتي:
 
اولا/ الايرادات والنفقات:
الايرادات
تشمل الايرادات كلا من الايرادات النفطية والايرادات غير النفطية (انظر الجدولين رقم 1 ورقم 2)، ولذلك سيتم تناول كل منهما على حدة.
أ. الايرادات النفطية
 بلغت الايرادات النفطية لسنة 2017 ما يقارب 68 ترليون دينار فيما ارتفعت بمقدار عشرة ترليونات دينار لسنة 2018 لتصبح حوالي 77 ترليون دينار، وواصلت ارتفاعها في 2019 الى حوالي 94 ترليون دينار غير انها انخفضت الى 81 ترليونا في سنة 2021 ، علما انه لا توجد موازنة لسنة 2020 وكانت الايرادات النفطية لهذه السنة قد انخفضت الى حوالي 42 ترليونا بسبب انخفاض اسعار النفط والتي وصل سعر برميل النفط فيها الى ادنى مستوى له وهو 14 دولارا، في نيسان عام 2020، وذلك نظرا لانخفاض الطلب اثر شيوع جائحة كورونا وتوقف النشاط الاقتصادي في اغلب المصانع وحركة الطيران التي تستهلك 11 مليون برميل يوميا. اما الايرادات النفطية للفصل الاول من عام 2022 فقد بلغت 27.88 مليار دولار لثلاثة اشهر وبمعدل سعر 83.3 دولار للبرميل الواحد لشهر كانون الثاني من عام 2022، فيما اصبح سعر البيع لشهر شباط 92.1 دولار للبرميل، وفي اعقاب الحرب الروسية – الاوكرانية ارتفعت الاسعار الى رقم تجاوز 100 دولار صعودا ونزولا مع اشتداد وهدوء الازمة الاوكرانية.
ب.  الايرادات غير النفطية:
تشمل الايرادات غير النفطية الايرادات التي تحصل عليها الدولة من مصادر مختلفة كالرسوم الجمركية والضرائب على الدخول وعلى السلع المستوردة، وهي لا تشكل نسبة كبيرة من الموازنة لان مبالغها ضئيلة، وتشمل:
  • الرسوم الجمركية على الاستيرادات
  • الرسوم على التعاملات اليومية في دوائر الدولة
  • إيرادات المطارات وشركة الخطوط الجوية
  • حصة الدولة من ارباح القطاع العام باختلاف انشطته الصناعية والزراعية والخدمية وهذا القطاع معطل تماما.
  • الايرادات الشهرية لاجور الكهرباء والماء وكل الخدمات التي تقدمها دوائر القطاع الحكومي المركزي او مؤسسات القطاع العام باختلاف عائديتها الى الوزارات وباختلاف انشطتها الاقتصادية.
  • ايرادات المطارات وشركات الاتصال وهي مبالغ تشكل نسبة كبيرة من الايرادات.
  • ايرادات الاستهلاك النفطي اليومي في الداخل، وتتراوح بين 700 - 880 الف برميل بمشتقاتها المختلفة.
 
 النفقات: 
تشمل النفقات، النفقات الجارية والنفقات الاستثمارية (انظر جدول رقم 3) الممولة من مصادر متعددة، كالمصرف العراقي للتجارة والرافدين والرشيد ومن الموازنة العامة اضافة الى القروض *الخارجية التي تحمل الدولة فوائد سنوية ليست قليلة، اذ لو تم اعتماد الرشد والعقلانية في الانفاق لما كانت هناك حاجة للاقتراض. هذا اضافة الى فقرة العجز المخطط وهي تحايل على الموازنة حيث الهدف منها توسيع الانفاق ليسمح بالاقتراض في حالة عدم كفاية الايرادات السنوية لتغطية النفقات، اضافة الى اثقال الموازنة السنوية برواتب عالية لا تستند الى اساس قانوني، وقد اشير الى ذلك من قبل العديد من المسؤولين والباحثين والكتاب ولكن لا استجابة، لان من لديه القرار هو احد اطرافها المستفيدين.
 
ثانيا: الأزمة المالية – الأسباب والتداعيات
  1. أسباب الأزمة المالية
 أ‌.  انخفاض أسعار النفط:
انخفضت اسعار النفط في اعوام ظهور وانتشار جائحة كورونا، وقد القت الجائحة بثقلها على مجمل الانشطة الاقتصادية في عموم البلدان الامر الذي ادى الى انخفاض اسعار النفط الى ما دون 30 دولارا لانخفاض الطلب على النفط نتيجة لتوقف المصانع عن العمل وشل الحركة الاقتصادية وحركة النقل البري والجوي. وكان لانخفاض اسعار النفط العامل الرئيس للازمة المالية العراقية لان الايرادات النفطية تشكل النسبة الاكبر من الايرادات العامة. اذ وصل سعر برميل النفط في نيسان عام 2014 الى 12 دولارا، ولكنها تحسنت تدريجيا ثم ارتفعت الى مستوى تجاوز 100 دولار بعد الحرب الروسية – الاوكرانية وقد سبقت الاشارة الى ذلك.
 
ب‌. الفساد المالي والاداري:
ظاهرة الفساد الاداري والمالي لا يخلو منها مجتمع او دولة ما، بل هي موجودة في كل الدول ولكن نسبية في بعضها مع وجود محاسبة وسيادة للقانون تحاسب الفاسدين. غير ان هذه الظاهرة قد تفشت في العراق بشكل واسع وكبير بحيث لا يستطيع مسؤول محاسبة آخر لأنه متورط ايضا، وهكذا عمت الظاهرة في كل مفاصل الدولة. وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز الامريكية The New York Times   في عددها الصادر يوم 29 تموز 2020 تقريرا بعنوان (الدولة اللصوصية في العراق: نظرة من الداخل) وردت فيه نماذج من حالات الفساد المالي الكبيرة ولكن لا حساب بل مزيد من الفساد وامعان فيه. ومما ورد في التقرير ان احد رجال الاعمال تحدث بشكل واضح وصريح وكمثال على ذلك، انه احيل عليه مشروع بقيمة 40 مليار دينار، اي ما يعدل 33 مليون دولار، وذكر بانه انجز المشروع بعشرة مليارات، وحصل هو على خمسة مليارات دينار. اما المبلغ المتبقي وهو 25 مليار دينار فكان مآلها الى المسؤولين والاحزاب كرشى. والسؤال الذي يطرح نفسه هو اذا كان المشروع ينجز بعشرة مليارات فلماذا هذه المغالاة في التكاليف، الا يعد ذلك اسلوب تحايل للسرقات، وأين دور ديوان الرقابة المالية او هيئة النزاهة؟ ولكن هذه الاجهزة ذاتها تحتاج الى سلطة قوية، تمكنها من اتخاذ قرارها المناسب في المحاسبة واحالة الفاسدين الى المحاكم، وهذه السلطة غير موجودة على الاقوياء ولكنها متوفرة على الفقراء.
 
ج. غياب سيادة القانون:
عندما تفشل الدولة في بسط القانون على شعبها لا يعد للقانون معنى ولا دور فاعل او مهم   للدولة طالما ليس هناك امكانية لفرض القانون ومحاسبة الخارجين عليه. وهكذا ستكون الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تراجع، عندها سيؤدي ذلك الى اتساع فقدان الامن والاستقرار الامني والسياسي، وهو ما حدث ويحدث في بعض الدول باستمرار، ومنها العراق.
 
د. غياب المساءلة القانونية:
تعددت حالات الفساد المالي والإداري، ولكن الحساب غائب، او ان الحساب يكون على الفقراء ومن لا احد يساندهم كسجن طفل سرق علب مناديل صحية، بينما يفرج عن سارق مليارات أو يودع في السجن ولكن اي سجن، ثم يصدر عنه اعفاء ويخرج وكأنه كان في فندق 5 نجوم. أي عدالة اجتماعية هذه في عراق ما بعد الاحتلال؟ هذا مأ فرزته ديمقراطية الاحتلال.
 
هـ. غياب الامن:
أدى غياب الامن الى انعدام الثقة بالبيئة الاستثمارية في العراق، وجعل منها بيئة طاردة وبالتالي ليست هناك رغبة لدى المستثمرين على الاستثمار في العراق، عدا ذوي الرغبة في المضاربات ومحبي المخاطرة. اما الباحثون عن بيئة آمنة فهي غير موجوده.
 
و. السلاح المنفلت:
يشكل السلاح المنفلت تحديا كبيرا للدولة، وبالتالي ليس بالإمكان محاسبة الفاسدين الامر الذي عمّق الفساد في كل مفاصل الدولة. وهي مشكلة يبدو انها اصبحت مستعصية وتشكل امرا محرجا للدولة، ولمن يريد ان يعمل بنيّة خالصة. 
 
ز. النفقات الضاغطة:
هذه النفقات تضغط على الميزانية وهي ضارة وغير نافعة ولكن هناك تساهل او تهاون في الانفاق، ومن بين هذه النفقات مصاريف الحمايات والحرس التي تشمل الطعام والسكن لأعداد كبيرة تعمل لحماية المسؤول المنتخب مع الصيانة التي تشكل ارقاما خيالية احيانا لارتفاع مبالغها ولأعدادها، لان السيارات العاملة في خدمة المسؤول الحزبي او الحكومي كثيرة وتحتاج الى الوقود والصيانة، وكلاهما مجال للفساد.
 
ح. ضعف الادارات الحكومية في تحصيل الإيرادات:
الايرادات غير النفطية مصادرها متعددة، ولكن ادارتها وتحصيلها ضعيفان، ولذلك تكون المبالغ المحصلة منخفضة قياسا بمصادرها وحجم عملها وانتاجها.
 
ط. غياب الافصاح والشفافية:
الافصاح هو عملية الكشف عن المعلومات والبيانات بشكل دقيق، وكما هي دون تضليل، والشفافية قبول الاجراءات بروح رياضية دون رد فعل غير مناسب. كان يقال لشخص ما انت مخطئ، فيقبل ذلك ويطلب بيان الخطأ لتلافيه مستقبلا، دون اي اعتراض.
 
ي. تلكؤ مؤسسات الرقابة والنزاهة:
في حالات يكون تلكؤ هذه الهيئات ناجما عن المحاصصة الطائفية والقومية، اي قد يتم اختيار شاغلي هذه الهيئات من اشخاص يدينون لجهة معينة بالولاء والفاسدين ممن ينتمون الى هذه الأطراف، وفي حالات من هذا النوع تتم التغطية على المشكلة وعلى الفاسدين.
ك. تراجع دور القضاء في حسم القضايا التي تعرض عليه والابطاء في اصدار القرارات الاصولية بالتجريم والحكم ويأتي هذا التردد من حالات التهديد للقضاة واستهدافهم، حيث يولد ذلك تخوفا من الاستهداف في بلد لا مان فيه.
 
  1. تداعيات الازمة:
أ. البطالة:
تشكل البطالة مشكلة كبيرة في الاقتصاديات الوطنية، اذ انها تكون سببا رئيسيا في حصول مشاكل مجتمعية ربما كحالات السرقة والذي قد يكون مقرونا بالجرائم الجنائية كحالات القتل من اجل السرقة.
 
ب. ارتفاع الاسعار:
ارتفعت اسعار المواد الغذائية والاستهلاكية في اعقاب خفض قيمة العملة الوطنية (الدينار) تجاه الدولار، الأمر الذي هيّأ حجة للباعة برفع اسعار السلع المستوردة قبل خفض قيمة العملة الوطنية. صحيح ان هذا التغيير يزيد من كلفة المستورد، ولكن ليس بهذا المستوى وان الارتفاع في الاسعار عالمي، لكنه فاق المعقول عندنا، ما ادى الى معاناة اصحاب الدخول الواطئة.
 
ج. المخدرات:
عكست الازمة آثارها على المجتمع العراقي، ولذلك ادت الى بروز حالات كانت غير مألوفة في العراق، وهي اللجوء الى المخدرات بسبب البطالة وعدم وجود ايراد؛ اذ يعتبر البعض ان تناول المخدرات وسيلة للتهدئة وراحة البال، بينما اثارها مدمرة لحياة من يتناولها وعائلته، ويترتب عليها مشاكل مجتمعية مؤثرة ومدمرة.
 
د. الانتحار:
وقد شكلت نسبة المنتحرين بعمر اقل من 20 سنة  36.6 %، اما المنتحرون بعمر بين 20 - 30 سنة فشكلوا نسبة 32.2 %, وشكل الذكور المنتحرون نسبة 55.9 % والنساء 44.1 % وكانت نسبة ربات البيوت المنتحرات 29.9 % وبلغت نسبة العزاب 55 %، اما المتزوجون فكانت نسبتهم 40 %، وعلى مستوى متعلم او غير متعلم من المنتحرين، كانت النسبة للمنتحرين الذين يقل مستوى تعليمهم عن الابتدائية 62.2 %، ونسبة من كان تعليمهم ادنى من المتوسطة 16.9 %
هـ. الطلاق:
تعددت اسباب الطلاق ولكن كان العامل الاقتصادي واحدا منها، اذ ادى ويؤدي عجز رب الاسرة عن الايفاء بمتطلبات اسرته الى تصعيد الخلاف بين ربي الاسرة، الامر الذي يؤدي الى حالات غير مقبولة او غير مرضية للمجتمع ولأسرتي طرفي حالة الطلاق، وهي حالة آثارها كبيرة مجتمعيا وخصوصا على الاطفال.
 
و. هجرة الشباب:
ازدادت هجرة الشباب بحثا عن فرص عمل او عيش لائق في دول المهجر ولكن بعض هؤلاء يواجه بواقع مختلف يلوم نفسه احيانا على إقدامه على الهجرة، وهناك من كان مصيره الموت غرقا في البحار، اما من يحصلون على فرص مرضية في الهجرة ونتائج مرضية فهم ليسوا كثر.
ز. تراجع في الخدمات: 
الخدمات التي يحتاج اليها الانسان الذي يعيش في مجتمع معين وفي دولة نفطية تحديدا وموازنتها تعدل موازنات 3-4 دول من دول الجوار، يفترض ان سكان هذا البلد ينعمون بالخدمات بكل انواعها، ولكن ما يحدث في الواقع هو عكس ذلك، حيث يلاحظ تراجع في الكهرباء والمياه الصالحة للشرب وانعدام الامن وتراجع الخدمات الصحية وتراجع التعليم... الخ.
 
ثالثا: تغيير سعر الصرف: 
معدل سعر الصرف هو عدد الوحدات النقدية من العملة الوطنية مقابل عملة اجنبية اخرى، إلا ان هذه الوحدات النقدية تقل وتزداد حسب القوة الاقتصادية للعملة الوطنية، وتأتي هذه القوة للعملة الوطنية من عوامل عديدة، من بينها الاستغلال الكامل للموارد الاقتصادية الوطنية في ظل استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي، مع اختلاف تأثير كل من انواع الاستقرار هذه. فقبل حرب الثماني سنوات 1980 - 1988 كان الدينار العراقي يساوي  3.333دولار وبسبب الحروب والحصار والخسائر التي مني بها الاقتصاد العراقي تراجعت قيمة الدينار الى ما هو عليه اليوم، وقد وصلت الى ارقام خيالية عام 1995 اذ زادت على 3500 دينار لكل دولار، وكان سعر الصرف في تقلب مستمر. اما تغيير سعر الصرف والذي كان على حساب الطبقات الكادحة وقد اضر كثيرا بها، بالمقابل كان سببا للبعض من التجار والباعة لزيادة الاسعار، وهو اجراء جاء من البرلمان العراقي في حين ان سعر الصرف هو من ضمن اعمال السياسة النقدية وهي مسؤولية البنك المركزي، فما شان البرلمان في ذلك؟ بعد تغيير سعر الصرف أصبحت ورقة فئة 100 دولار بـ 145000 – 148000 دينار، وهذا يعني ان من يحتاج الى الف دولار يجب ان يوفر 1450000 – 1480000 دينار بفارق مقداره 250000 – 280000 دينار عن سعره السابق البالغ 120000 دينار لكل ورقة من فئة الـ 100 دولار. لقد اضرت هذه العملية بذوي الدخل المحدود وبالمرضى الذين يطلبون العلاج في دول اجنبية لعجز الحكومة عن توفير العلاج في الداخل. كما اضرت بطلبة الدراسات على النفقة الخاصة ايضا واولئك الذين يرغبون في السفر والسياحة. ان الاقدام على هذه الخطوة انما يعبر عن عدم الشعور بالمسؤولية وغياب التفكير بالفئات ذات الدخل الواطئ. ثم ان الدول قد تلجأ الى خفض عملتها الوطنية في حالة وجود فيض في الانتاج الوطني لديها من اجل اقبال الدول الاخرى على الاستيراد من منتجات البلد الذي خفض عملته  وبالتالي انخفاض سعر منتجاته، ما يشجع الآخرين على الاستيراد. وهنا يطرح سؤال آخر: ما هو الفيض في الانتاج العراقي ليخفض عملته؟ ام انها اجراءات غير مسؤولة في بلد تعم فيه الفوضى.
 
رابعا: الحلول لإدارة الأزمة المالية:
  1. المشكلة اساسا ليست اقتصادية او مالية فقط، بل انها سياسية والاهم في ذلك الادارة الكفوءة والامينة للمال العام، وهو الذي افتقد خلال الفترة التي اعقبت عام الاحتلال في 2003. لذلك من الضروري والملح ان يحصل تحول في النظام السياسي من خلال التخلي عن المحاصصة الطائفية والقومية والمناطقية، وان يحظى العراق بحكومة وطنية هدفها بناء البلاد وخلق دولة موحدة وذات سيادة وصاحبة قرار مستقل، وان يتم بناء جيش مهني واعادة العمل بنظام الخدمة الإلزامية، وتفعيل قانون الاحزاب السياسية، على ان يكون برنامج الحكومة الذي يجب ان يعلن مقدما، برنامجا وطنيا واعضاء الحكومة يعملون من اجل بناء البلاد من خلال تنشيط وزاراتهم على اساس برنامج يهدف الى تطوير كل وزارة للنشاط المسؤولة عنه، وللبرلمان صلاحية المراقبة على ان لا تسيّس او تشخصن كأن يطلب النائب من الوزير عملا معينا لا ينسجم مع القانون، وفي حالة عدم تنفيذ الوزير لهذا الطلب يبدأ النائب بطلب الاستجواب، علما ان من يريد بناء دولة يجب ان يبتعد عن هذه  المناكدات.
  2. إعادة هيكلة الحكومة والهيئات المستقلة: هناك وزارات ومؤسسات او هيئات مستقلة ضاغطة بالنفقات وبالأطر الادارية (الكوادر) وفي حقيقة الامر اما لم يكن لها ضرورة حيث يمكن ان تقوم بمهامها مديريات عامة في الوزارات كل حسب الاختصاص، مثال وزارتي حقوق الانسان والهجرة والمهجرين وهيئة النزاهة وهيئة الحج والمساءلة والعدالة ودواوين الاوقاف واية هيئات لم يرد ذكرها لأنها تحمّل الميزانية تكاليف عالية.
  3. اعادة النظر في الرواتب الخيالية سواء لاعضاء مجلس البرلمان او الوزراء ومن في حكمهم وتقليص عدد الحمايات والحراس الأمنيين وقوافل السيارات المرافقة حتى لأناس ليست لديهم مسؤوليات في الدولة، والرواتب التقاعدية التي تدفع لأشخاص غير عراقيين، وما يسمى رواتب رفحة. اذ ليس من المعقول ان من لديه 14 سنة خدمة فعلية يحرم من التقاعد من موظفي الدولة لان قانون التقاعد يشترط 15 سنة خدمة فعلية، في حين يمنح راتب تقاعدي وبأرقام خيالية الى من لا تتجاوز خدمته عدة اشهر او بضع سنوات، اي عدالة اجتماعية هذه؟ وكذلك الارقام الخيالية للرواتب التي يتقاضاها مسؤولون لم يخدموا الا لبضعة اشهر او سنوات.
  4. الغاء ما يسمى بدل المعونات الاجتماعية التي تمنح لبعض المسؤولين وكذلك بدلات الايجار التي تمنح للنواب او الوزراء ومن في حكمهم، وفي اقل اجراء اعادة النظر في حجم المبالغ، لانها عالية واعلى من مستويات الايجار السائدة في بغداد.
  5. تأهيل القطاعات الاقتصادية، كالقطاع الصناعي العام والخاص والقطاع الزراعي وتشغيلها كاستثمار لموارد البلد الوفيرة ولتساهم في تقليص حجم البطالة مع توفير الحماية للمنتج الوطني وهو اجراء تعمل به جميع دول العالم. وكذلك الأمر بالنسبة لقطاع الخدمات والسياحة. اما القطاع الزراعي فهو الآخر يعاني من الاهمال وشحة المياه، حيث ان السدود التي تم بناؤها على نهر دجلة والفرات خفضت المياه الى حد كبير كسد أليسو وسد الطبقة السوري على نهر الفرات، ومن ناحية اخرى غيرت ايران مجرى نهرين يصنفان بالأنهر الدولية، وفي نية تركيا اقامة سد جديد هو سد جزرة الاكثر ضررا على حصة العراق المائية، وليس هناك من تحرك جاد مع الدول ذات العلاقة، ولا احد يعرف سبب هذا الصمت. كما هناك اربعة سدود تجري اقامتها في المحافظات الشمالية ودون تنسيق مع حكومة بغداد، وليس هناك حراك او اعتراض منها. وهناك ايضا الصمت الحكومي إزاء حصة العراق الدولية في مياه دجلة والفرات مع تركيا وسوريا، ما يضر بمصلحة العراق وشعبه.
  6. الاستفادة من الفوائض النفطية في تأسيس صندوق سيادي وادارته من قبل اطر كفوءة لضمان النفع العام للأجيال القادمة والحالية، على حد سواء.
  7. القضاء على ظاهرة الفساد المالي والاداري، واحالة الفاسدين الى القضاء وتفعيل استعادة الاموال العائدة للعراقيين والمنهوبة بأساليب الفساد المتنوعة والمودعة في الملاذات الامنة.
  8. الادارة الكفوءة للمال العام لتجنيب البلد طروحات واقتراحات صندوق النقد الدولي المدمرة للدول، لان العراق فيه موارد كثيرة ولكنها بحاجة الى ادارة أمينة وكفوءة ومخلصة.
  9. دعم القطاع الخاص وكل الوحدات المنتجة الصناعية والزراعية بما فيها حقول انتاج اللحوم بكل انواعها وحقول الدواجن وبحيرات الاسماك والمراعي الطبيعية.
خامسا: الخلاصة والاستنتاجات
يواجه الاقتصاد العراقي تحديات ومشاكل كبيرة، منها فقدان الامن وغياب الاستقرار السياسي، اضافة الى مشكلة الفساد المالي التي تأصلت في مفاصل الدولة وقوضت كل التوجهات الرامية الى إصلاحه. وهناك ايضا امتداد للعشوائيات لقضم اراض زراعية صالحة للزراعة وخصبة وقريبة الى السوق، قام اصحابها ببيعها قطعاً سكنية مع وجود قانون يمنع ذلك ولكنه لم ينفذ. وهناك مصادر ايرادات متعددة مثل اجور الماء والكهرباء والضرائب والرسوم والمطارات والمنافذ الحدودية وايرادات داخلية من الاستهلاك النفطي الداخلي أو ايرادات شركات الاتصالات، وهناك تراجع في ادارة الموارد وتحصيل هذه الايرادات. هذا اضافة الى الاهمال المتعمد لكل القطاعات الاقتصادية، اذ ليس هناك صناعة او دعم لهذا القطاع، بل جرى تحييده بشكل مبرمج، علما ان هذا القطاع كان نشطا حتى في زمن الحصار. اما القطاع الزراعي فهناك من حاول ومازال يستمر في هذه المحاولات لتقويض القطاع الزراعي، بل ودفع المزارعين والفلاحين الى التراجع عن الزراعة من خلال طرح منتجات اجنبية اقل سعرا من المنتج العراقي الذي يتحمل كلفة اعلى بسبب غياب الدعم الحكومي. اضافة الى ان هناك دولا تحاول من خلال ادواتها داخل البلد تحييد القطاع الزراعي العراقي وهو قطاع له تاريخ معروف، اذ عُد العراق من خلاله دولة زراعية حيث كان يصدر المنتجات الزراعية الى دول عربية واجنبية. كما يعاني من وجود ضغوطات كبيرة على الميزانية بسبب الانفاق غير القانوني لقسم من الرواتب وكأن ما يصرف للآخرين هو هبة من اموال العراقيين على حساب زيادة معدل الفقر ومشكلة البطالة، بسبب عدم توفر فرص العمل التي يمكن توفيرها وتقليل البطالة بدعم القطاعات الاقتصادية وتشغيلها، صناعيا وزراعيا، وبالتالي دعم السياحة وهناك مواقع سياحية جاذبة لو تم الاهتمام بها. وتبعا لذلك هناك تلكؤ في الخدمات كالكهرباء والتعليم والصحة، اما على صعيد الانفاق غير المنضبط فهناك ظواهر وحالات غريبة وتعبر عن عدم وجود اي حرص واهتمام بالمال العام، بل هناك شعور بالكسب الشخصي على حساب حقوق الشعب المهدورة.
 
المصادر
1 -Andersen,Jule, Jargen &Jabannesen, Niek and Rijkers,Bab, Elite Capture of Foreign Aid  Evidence from offshore  Bank Accounts, World Bank Group  2020
2- جريدة الوقائع العراقية، العدد 4550 اب. قانون الادارة المالية رقم 6 لسنة 2019.
2 - الميزانيات السنوية العراقية للسنوات 2017 – 2021 .
3  -  موقع شركة سومو لتسويق النفط  http s //somoo. Gov.iq
4 -  وزارة النفط – مديرية توزيع المنتوجات النفطية .
5 – الربيعي، حاكم محسن محمد، وباء كورونا وتداعيات انخفاض اسعار النفط، مجلة (الثقافة الجديدة)، العدد413  - 414 ، 2020.
6 - The New york Magazine, Times, ,In side the Iraq kleptocracy,29, July-. 2020