أيار 17
 
تمهيد
العواصف الغبارية Dust Storms ، وتسمى أيضاً الرملية والترابية، هي ظاهرة جوية معروفة في المناطق الجافة وشبه الجافة من الكرة الارضية. وتمثل رياحاً شديدة محملة بدقائق الغبار والأتربة من تربة الأرض السطحية المفككة، منقولة لعشرات ومئات آلاف الكيلومترات من منطقة الى منطقة أو مناطق أخرى.
كظاهرة، تُعدُ اليوم مشكلة بيئية عالمية ساخنة نظراً لتداعياتها الوخيمة بيئياً وصحياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً. وقد شهدت تفاقماً ملحوظاً في العقود الأخيرة. وتشكل اليوم بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية تحديا هائلا وواسع النطاق في طريق تحقيق التنمية المستدامة. وأصبحت مصدر قلق عالمي خطير بسبب آثارها الكبيرة على البيئة والصحة والزراعة وسبل العيش والرفاه الاقتصادي - الاجتماعي.
العراق، كجزء من هذا العالم، يتأثر جزء كبير منه، منذ عقود طويلة، بالعواصف الغبارية الناشئة في المناطق الجافة وشبه الجافة في المنطقة، لكن العواصف الشديدة، المتتالية والمتكررة في اجوائه تفاقمت كثيراً عقب الحروب العبثية، التي لعبت دوراً كبيراً في اشتداد التغيرات المناخية. وتداعياتها الجسيمة.
ويؤكد ذلك ما شهده العراق خلال شهري نيسان وايار 2022 من موجة عواصف غبارية شديدة ومتتالية عديدة، غطّت سحب الغبار الأصفر الكثيفة أغلب محافظاته، بما فيها العاصمة بغداد..
ويتوقع الخبراء تفاقم الظاهرة في العراق أكثر فأكثر، وحذروا من تزايدها، عدداً وشدة، في السنوات القادمة.
مقالنا هذا يسلط الضوء على أبرز عوامل تفاقم العواصف الغبارية في العراق وتأثيراتها الصحية.
 
أبرز عوامل تفاقم العواصف الغبارية
أولا- الحروب العبثية
لم يتم الإهتمام بدور الحروب العبثية في العراق على مستوى التغيرات المناخية وتفاقم مؤشراتها، ومنها العواصف الغبارية، وحتى لم يتم تناولها في الأدبيات ووسائل الإعلام العراقية إلا نادرا..
لقد شهد العراق خلال العقود الاربعة الماضية شن عدة حروب مدمرة، داخلية وخارجية. والخارجية هي: الحرب العراقية - الإيرانية، التي دامت 8 سنوات (1980 - 1988)، وغزو النظام العراقي السابق للكويت عام 1990، وحرب الخليج الثانية (وسميت “حرب تحرير الكويت”) في عام 1991، التي شاركت فيها 34 دولة ضد العراق، وغزو العراق واحتلاله في عام 2003 من قبل الجيوش الأمريكية والبريطانية والتحالف الدولي.
جميعها كانت، باختصار، حروبا إجرامية عبثية.. تجاهل مشعل فتيلها، أيا كان، ان الحرب وسيلة وحشية، لا تمثل سوى القتل والدمار والخراب والفواجع. وقد تجسد ذلك بأبشع صوره في الحروب المذكورة التي سببت للعراق ولشعبه هلاكاً بشرياً جسيماً (نحو مليوني نسمة)، ودماراً فظيعاً للبنى التحتية الحيوية، وتشويها بشعا للمجتمع العراقي، وخرابا لكل عناصر بيئته، وفاقمت التغيرات المناخية ومؤشراتها. والحصيلة: كوارث رهيبة، بيئية وصحية ونفسية وإقتصادية وإجتماعية.
 
ما الذي حصل للبيئة العراقية؟
الذي حصل، بايجاز، ان تحركات القطاعات العسكرية اثناء الحروب أدت الى تخريب الأرض وحركت الاتربة، سواء الصلبة او الرخوة، وبالتالي حدثت انجرافات في التربة، وحدوث العواصف.
وقد أكد علماء وخبراء في الجيولوجيا ان الحروب على العراق هي السبب وراء تحريك العواصف الهامدة في المنطقة نحو الأجواء العراقية..
فأوضح العالم فاروق الباز، مدير مركز الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن الأميركية، والمشارك في تأليف كتاب “حرب الخليج والبيئة”، الذي نشر عام 1994، وله العديد من الدراسات الجيولوجية لتأثيرات الحرب على الصحراء:
انطلقت أرتال من ألوف الدبابات وناقلات الجند المدرعة من الكويت قاصدة بغداد. السباق عبر الصحراء شوه الطبقة السطحية المثبِّتة المكونة من الحصى، وعرَّض التربة الناعمة تحتها للريح. وقد أظهرت الصور المتلفزة لحركة الآليات نتائج هذا التشويه: سحب من الغبار الكثيف”.
وأشار البازالى انه “خلال الأشهر التي سبقت الحرب، أمضت القوات المسلحة العراقية وجيوش التحالف أوقاتاً طويلة وهي تحفر الخنادق وتبني الممرات والجدران الرملية. وهذه من الأعمال التي تقوم بها القوات المسلحة في صحراء مكشوفة”..
وأكد البرفسور الباز ان “تشويه التضاريس الصحراوية بهذه الحفريات والأكداس، يدمر أيضاً الطبقة الحصويّة الواقية ويعرض التربة تحتها للانجراف بفعل الريح. وتمثل التشوهات السطحية عوائق في طريق الريح، التي تعمل على اعادة الأرض الى وضعها المسطح الأصلي الأقل مقاومة. والحصيلة مزيد من الغبار الذي يفاقم المخاطر الصحية ومخاطر الرؤية، ومزيد من الكثبان الرملية التي تغزو الطرقات ومدارج المطارات والمزارع والمنازل [1].
من جهته، أكد د. حسني الخردجي - رئيس فريق الادارة المستدامة للبيئة في اللجنة الاقتصادية الاجتماعية لغرب آسيا (اسكوا): “فيما يتعلق بالبيئة الصحراوية، خاصة في جنوب العراق، فإن حركة الآليات الثقيلة والمجنزرات، وكذلك حفر الخنادق والاستحكامات، أدت بلا شك إلى تآكل الطبقة الكاسية لسطح الصحراء، وكذلك إلى تدمير الغطاء النباتي. وسيؤدي ذلك إلى كشف طبقات الرمال الناعمة وتعرضها للرياح التي سوف تحملها، لتفاقم من مشكلة زحف الكثبان الرملية، ما يتسبب بقطع الطرق الصحراوية وردم المنشآت وتدمير الغطاء النباتي والزحف على الأراضي الزراعية، والتسبب بزيادة التصحر”.
وأشار الخردجي الى إستخدام القوات الاميركية لقذائف ذات قوة تدميرية غير مسبوقة ومجهولة العواقب. والى إعراب بعض علماء الجيولوجيا عن تخوفهم من حدوث هزات أرضية في هذه المنطقة غير المستقرة سيزموغرافياً، نتيجة لاستخدام القذائف، ولاستخراج مئات الملايين من أطنان النفط سنوياً. ومن المحتمل أيضاً حدوث تصدعات وشروخ في الطبقات المصمتة من التركيبات الجيولوجية القريبة من السطح، قد تؤدي إلى تسرب المياه من الخزانات الجوفية القريبة من السطح إلى طبقات أكثر عمقاً، مما يصعب ويزيد كلفة استخراجها. كما أن احتمالات تسرب الملوثات من خلال الشقوق الناتجة عن الانفجارات الضخمة إلى خزانات المياه الجوفية واردة بشكل جدي[2]..
وأفاد علماء جيومورفولوجيا كويتيون، متخصصون بدراسة شكل الأرض وتضاريسها، إن حرب عام 1991 كشفت عن الكثير من تلال الرمال المتحركة التي قد تبتلع يوماً ما مدينة الكويت بكاملها  [3]
وأكدت وزارة العلوم والتكنولوجيا العراقية في عام 2011 ان تكسر التربة الذي حصل في اعقاب حرب الخليج الثانية عام 1991 ادى الى تزايد العواصف الغبارية خلال السنوات التالية. وأوضحت: “كانت العواصف الترابية تأتي الى البلاد مرة واحدة او اثنتين خلال فصل الصيف في ثمانينيات القرن الماضي، بينما تزايدت بشكل غير طبيعي في تسعينياته، واستمرت حتى يومنا هذا بسبب ظاهرة التصحر وقلة الامطار وتدمير البساتين”.
وبينت: “ان تزايد العواصف الغبارية سببه تكسر التربة في المناطق التي دارت فيها العمليات الحربية على الحدود العراقية السعودية الكويتية والتي كانت قبل ذلك صلدة نتيجة الامطار التي سقطت عليها انذاك، وقد حصل ذلك إثر تحرك الدبابات والاليات الحربية وسقوط القنابل على تلك المناطق” [4].
 
ثانياً- التغيرات المناخية
بين واقع الحال البيئي جليا ان الحروب التي دارت على أرض العراق، من خلال التحركات العسكرية، واستخدام أسلحة فتاكة وشديدة التدمير، الى جانب التلوث الخطير بالغازات السامة نتيجة لحرق مئات ابار النفط الكويتية والعراقية، والتلوث بالانبعاثات الغازية المصاحبة لإستخراج النفط، وبعوادم السيارات، وبالملوثات الصناعية (لمعامل الطابوق والإسمنت، مثلا)، وغيرها (الخوض في تفاصيلها يحتاج الى أكثر من مقال)، قد لعبت دوراً كبيراً في تفاقم التغيرات المناخية ومؤشراتها في العراق: تزايد موجات الحر الشديد، قلة الأمطار، شحة المياه، الجفاف، التصحر، نقص الغطاء النباتي، وهبوب العواصف الغبارية والترابية والرملية، وتداعياتها..
وقد تأكد علمياً ان للتغيرات المناخية دورا كبيرا في نشوء واتساع وتزايد هبوب العواصف الغبارية، التي تُعدُ في العراق، والدول المجاورة، عموماً، أحد أبرز مؤشرات التغير المناخي.
بالمقابل، لعب التغير المناخي دوراً كبيراً في تفاقم العواصف الغبارية وتداعياتها..
في هذا السياق، أوضح الخبير البيئي الدكتور علي حسين حنوش عميد كلية الزراعة في جامعة المثنى : “ان العواصف الترابية التي تجتاح مدن وأرياف العراق كافة قد تجاوزت الفترات الزمنية المحددة لها، وازدادت شدتها وكميات الغبار والأتربة التي تحمله”. وأضاف: “كثيرا ما كانت الرياح الرملية والترابية تعصف على خطي العرض 32 و34 واقل منها على المنطقة الشمالية (خط العرض 36)”.
وبين “ان التطورات المناخية الحديثة اظهرت اشتداد موجات الرياح على جميع الأراضي العراقية خلال اشهر الصيف، وان غالبية الرياح هي من نوع العواصف القوية، التي تؤثر سلبا على استقرار البيئة وتساعد على تنشيط التعرية”. وأكد أن “نوعية الرياح وشدتها هي من عوامل التغيرات المناخية ذات التأثير الكبير على البيئة. فسرعة حركة الرياح ذات ارتباط مباشر بعملية التعرية، ومستويات التعرية ذات صلة بالجفاف والتصحر.. وتحمل الرياح كميات ضخمة من الغبار والرمل، وتبرز كرياح جنوبية - شرقية، وشمالية - غربية، وتصل ارتفاعاتها ما بين 20 الى 100متر، وهي مصدر متجدد لتلوث الهواء”.
ولفت الأنظار الى ما تسببه “التعرية الهوائية تحت تأثير العواصف الترابية (وكذلك التعرية المطرية او المائية)، من فقدان تربة الأراضي الزراعية جزءا من طبقتها العليا، فضلا عن المناطق الشمالية والأراضي ذات المنحدرات”، مؤكدا ان “التعرية تتسبب بإحداث تلوث وتدهور لنوعية التربة الزراعية وبالذات عندما تكون الرياح العاصفة شديدة الوضوح بنتائجها”. وأكد: “ان العراق وجيرانه يعانون من نقص في الغطاء النباتي”، مشيراً الى ان “المسطحات المائية تلعب دور المصفاة البيولوجية للرياح والتي تخفف من عبء أضرارها على الحياة الطبيعية وتقلل من مستويات التلوث”.
ونوه د. حنوش بـ “تعرض أراضي العراق الى تدهور لغطائها النباتي الطبيعي، وتقلص مساحات ونوعية المراعي، بسبب الرعي الجائر، وعمليات قطع الأشجار والشجيرات للوقود، وزراعة الأراضي الهامشية غير مضمونة الأمطار. وهذه جميعا أسباب تؤدي الى تدهور غطاء التربة”، مؤكداً ان “للغطاء النباتي أهمية بالغة في الحفاظ على التربة من الانجراف، حيث تجعلها جذور النباتات متماسكة، وتساعد على زيادة نسبة المادة العضوية فيها، فضلا عن ان تلك الأشجار والشجيرات تقلل من شدة الرياح وتأثيراتها على انجراف التربة وفقدانها لغطائها بحيث تصبح جرداء” [5]
 
 ثالثاً-الجفاف والتصحر ونقص الغطاء النباتي
الجفاف والتصحر ظاهرتان متلازمتان، وحصيلتهما نقص الغطاء النباتي وتهديد الأمن الغذائي، الى جانب دورهما الكبير في هبوب العواصف الغبارية وتفاقمها..   
يُعرفُ الجفاف Drough، بإيجاز شديد، بأنه ظاهرة تتجلى في نقص أو انعدام هطول الأمطار، الذي يتبعه شح الغطاء النباتي. وهذه الظاهرة تمثل تهديداً جدياً للأمن الغذائي، مؤثرة على المحاصيل الزراعية بشدة.
بفعل التغيرات المناخية، التي فاقمتها عوامل عديدة، يشهدها العراق، منذ سنوات، مواسم جفاف حاد، هي الاكثر جفافاً على مدى الاربعين عاما الاخيرة – كما أكدت منظمة “UNICEF”.. وتزامن ذلك مع شحة المياه وقلة الأمطار، ما تسبب بتناقص حاد في تدفق المياه لنهري دجلة والفرات، بلغت نسبة النقص 29 % في عام 2020 وإرتفعت الى 73 % في عام 2021.[6]
وقد لعبت السياسات الإيرانية والتركية دوراً كبيراً في الإنخفاض غير المسبوق في منسوب المياه الواصلة من أراضيهما للعراق، من خلال قطع مياه الروافد القادمة من إيران، أو تحويل مسارها، وبناء السدود على نهر الفرات من قبل تركيا.. وتتواصل أزمة انخفاض المياه في نهري دجلة والفرات والروافد التي تصب فيهما، ما يجعل البلد أمام مواجهة حقيقية مع الجفاف وتداعياته الكبيرة.
واستكمالا للكارثة، كما يبدو، تواصل تراجع هطول الأمطار. فقد نبهت “الوكالة الامريكية للبيئة” (USEA) في عام 2009 الى ان حالات الجفاف ستزيد خلال الأعوام القليلة المقبلة، بسبب الاستغلال الخاطئ للموارد الطبيعية كالنبات والتربة والمياه، من قبل الانسان.
وأكد التقرير الشهري، الذي تصدره منظمة الأغذية والزراعة الدولية (FAO) مع 3 منظمات دولية أخرى، بان معدل هطول الامطار ومستوى المياه في فصل شتاء العراق لعام 2020 - 2021 هو ثاني ادنى معدل يشهده البلد منذ 4 عقود خلت.
واستنادا لـ “مرصد مؤشر التغير المناخي الدولي “ (CCKP) ومؤسسات مرتبطة بالبنك الدولي، فانه من المتوقع ان يسجل العراق ارتفاعا بمعدلات درجات الحرارة بنسبة 2 درجة مئوية، وتراجع آخر بمعدلات هطول الامطار بنسبة 9%، بحلول العام 2050. وسيكون وقع ذلك اكثر صعوبة على شرائح متضررة تعتمد أساسا في معيشتها على الزراعة وتربية المواشي وصيد الأسماك .
وحذر “المجلس النرويجي للاجئين” (NRC) في عام 2021 من تفاقم الكارثة مع ارتفاع درجات الحرارة، وقلة الأمطار والجفاف في جميع أنحاء المنطقة، مما يؤدي لحرمان الأهالي من مياه الشرب ومياه الري.
والحال، تفاقمت ظاهرة التصحر اقتراناً بتفاقم ظاهرة الجفاف وارتباطاً بها.. فما هو التصحر؟  
يُعرفُ التصحر Desertification بأنه ظاهرة تحول مناطق منتجة، معطاءة إلى صحاري خالية من الحياة، أي انخفاض البايولوجيا الإنتاجية للأرض. وأبرز مظاهره – كما أوضحها الخبير البيئي طعمة عبد الحمزة الحلو، هي: تدهور الغطاء النباتي الطبيعي، والتعرية الريحية وتكون الكثبان الرملية، اضافة الى التعرية المائية، وانخفاض نسبة المادة العضوية، وتكون المستنقعات الغدقة. وتتمثل الاثار البيئية لهذه الظاهرة في تدهور الغطاء النباتي وملوحة التربة وخسارة الاراضي القابلة للزراعة [7] .
وعملياً، يؤدي التصحر الى زيادة زحف البيئة الصحراوية على الأراضي الخضراء، ويتمثل في فقدان الغطاء النباتي لسطح الأرض.    
ويُعدُ تدهور انتاجية التربة اولى مراحل خروجها من الانتاج الزراعي ومن ثم تترك وتتحول الى ارض جرداء وتتحول بعدها الى صحراء[8]  .
 
الجفاف والتصحر والعواصف الغبارية في العراق
يُعدُ العراق من الدول الخمس الأكثر عرضة لتغير المناخ والجفاف والتصحر في العالم. وقد إرتفعت نسب التصحر ارتباطاً بالجفاف الناجم عن قلة مياه الامطار وتجاوز دول الجوار على حصصه المائية. وهو يشهد اليوم تدهورا متصاعدا لظاهرتي الجفاف والتصحر، وأصبحتا تشكلان تهديدا خطيرا للأمن الغذائي وللقمة عيش السكان. فقد أعلن مؤخراً المتحدث باسم وزارة الزراعة حميد النايف: ان “مساحة الأراضي التي تعاني التصحر في البلاد تقدر بـ 93 مليونا و734 ألفا و314 دونما. ما يشكل اكثر من 53 بالمائة من مساحة البلاد الكلية” [9]. ويذكر أنه عقب انخفاض مياه دجلة في العراق حصل في عام 2009 انخفاض الموارد الزراعية الى 80 % “[10]..
وقدرت إحصاءات للأمم المتحدة في 2021، أن العراق يفقد نحو 100 ألف دونم من الأراضي الصالحة للزراعة سنويا، نتيجة التغير المناخي والاستخدام الجائر للتربة جراء الزراعة المتكررة ونظام الري الذي يسبب تملح التربة[11]..
ووفقاً “لتقرير خطة التنمية الوطنية” التابع لوزارة التخطيط العراقية لعام 2021، فإن الأراضي الصالحة للزراعة تبلغ 28 مليون دونم، إلا أن المساحة المُستغلة في الزراعة لم تتجاوز 11.5 مليون دونم من مجموع المساحة الكلية بالرغم من وجود مساحات شاسعة صالحة للزراعة، وثروة بشرية منتجة، فضلاً عن تنوع مصادر المياه المستخدمة في الري بين السقي الناجم عن نهري دجلة والفرات والمياه الجوفية، ومياه الأمطار [12].
حيال هذا، كشفت أحدث البيانات الرسمية في ايار 2022 أن الخزين الاستراتيجي للعراق من الحنطة (القمح) لا يسد حاجة البلاد سوى لشهر واحد، مما ينذر بحصول أزمة خانقة خلال الأيام المقبلة. ووصنف تقرير عالمي العراق كواحد من البلدان ذات المخزون المتدني للقمح، وسط ارتفاع أسعار تلك المادة عالمياً [13].
وبسبب الجفاف وقلة الأمطار سيكون موسم رز العنبر هذا العام محدوداً جداً. وأكّدت وزارة الزراعة أن زراعته ستقتصر على أراضٍ مساحتها 10 آلاف دونم فقط تمتد في محافظتي النجف والديوانية، بعدما كان البلد يستغل حوالي 350 ألف دونم لهذه الزراعة خلال السنوات الماضية[14].
واقتراناً بظاهرتي الجفاف والتصحر وحصيلتهما نقص الغطاء النباتي، اصبحت العواصف الغبارية صفة ملازمة لفصل الصيف حيثما حل في اغلب المناطق والمدن العراقية، فقلة الزراعة وشح المياه وتعرية مساحات شاسعة من التربة وتحولها الى اراض جرداء ادت الى انجراف كميات كبيرة من الرمال والاتربة مع التيارات الهوائية التي تهب مرات متعددة خلال شهر واحد [15]..
في عام 2009 تعرّض العراق إلى واحدة من أسوأ العواصف الرملية التي تعيها الذاكرة لغاية ذلك العام، وقد تجاوزت الأسبوع، وسببت مشاكل كثيرة. وحذر علماء بمراكز أرصاد جوية عربية وعالمية من امتداد العاصفة الرملية إلى باقي بلدان المنطقة، حاملة معها مئات ملايين الأطنان من الأتربة [16] .
وتوقعت بيانات القمر الصناعي “TERA” التابع لوكالة الفضاء الأمريكية “NASA” الذي يعنى بأحوال الطقس والأجواء في المنطقة، أن تستمر العاصفة الترابية العنيفة نحو اسبوع. والتقط القمر المذكور صوراً من الفضاء، لأعنف عاصفة رملية تمر بالشرق الأوسط في التاريخ الحديث، بينت حدة العاصفة، التي غطت رقعة واسعة من شمال غرب العراق.
من جهتها، توقعت دراسة موسعة اجرتها وزارة البيئة عام 2012 أن ترتفع الأيام المغبرة في العراق من 272 يوماً إلى 300 يوم في السنة حتى عام 2050، وهو ما يهدد بحصول كارثة في الصحة وفي مجالات الحياة الأخرى [17]..
وأكد تقرير دولي أنه قد طارت كمية كبيرة من التربة الخصبة في العراق إلى أماكن بعيدة مع اشتداد التصحر [18]. وازاء تفاقم الظاهرة تطرق أمين عام الأمم المتحدة الأسبق بان كي مون اليها في تقريره الدوري عن العراق الذي قدمه الى مجلس الأمن في عام 2013، وثبت فيه توقع ان يتعرض العراق الى نحو 300 عاصفة ترابية سنويا. وأشار الى أن العراق أصبح بلدا مصدِرا للعواصف الترابية، ولم يعد يتأثر بها فحسب، وأكد أن تدهور البيئة في العراق بدأ يؤثر سلبا على القطاعين الاقتصادي والصحي فيه  [19] .
 وكانت الجهات العراقية قد أحصت في عام 2016 نحو 122 عاصفة ترابية و283 يوماً غبارياً في سنة واحدة. وتوقع معدو التقرير أن يشهد العراق خلال السنوات العشر المقبلة تزايد أعداد الأيام المغبرة في السنة أكثر فأكثر[20].
 
أشد هجمات “الزائر الأصفر”
سجل شهرا نيسان وايار 2022 قمة تصاعد العواصف الغبارية وتفاقمها، إذ شهدت المدن العراقية تفاقماً غير مسبوق، عزز التوقعات العلمية التي نبهت الى تزايد العواصف، اتساعا وشدة، حيث اجتاحتها نحو 10عواصف ترابية شديدة، ومتتالية، ومتكررة، ودامت أياماً عديدة، وغطت سحب الغبار الأصفر الكثيفة العاصمة وأغلب المحافظات العراقية. وسببت الكثير من المشاكل وخسائر كبيرة.
هذه الموجة اعتبرها خبراء في البيئة والمناخ هي نتيجة حتمية للتغيرات المناخية، وللجفاف ونقص الغطاء النباتي، والتصحر، الذي زحف سريعاً نحو المدن. وجددوا التحذير من زيادة هذه العواصف وتأثيرها على حياة المواطنين في ظل انعدام الحلول.
ويبدو أن “الزائر الأصفر” يأبى الرحيل عن بلاد الرافدين، حيث تتوالى موجات العواصف العاتية الترابية بصورة غير مسبوقة، خلال النصف الأول من 2022.فبعد توقف دام لأيام قليلة، تعرضت من جديد اغلب المحافظات جنوبا، مرورا ببغداد، ووصولا للمحافظات الشمالية والغربية [21] للعواصف الترابية.
وتوقعت هيئة الأنواء الجوية العراقية استمرار العواصف الترابية طوال الموسم الحالي، وأرجعت ذلك إلى قلة الامطار والتصحر وهشاشة التربة، لاسيما في المناطق الغربية [22.]..
 
تداعيات جسيمة للعواصف الغبارية
قبل نحو عقدين أوضح العالم فاروق الباز ان الريح تنفث الجسيمات التي يقل قطرها عن 0.05 مليمتر في الفضاء في شكل غبار. وتلك التي يراوح قطرها بين 0.05 و 0.5 مليمتر تذروها الريح لتتراكم في شكل كثبان رملية. والحبيبات التي يتراوح قطرها بين 0.5 و2 مليمتر تتدحرج على السطح بلا انتظام.
أما الحصويات التي يزيد قطرها على مليمترين فتتخلف لتشكل “رصفة صحراوية” (Desert pavement)، وتعمل هذه الطبقة، التي هي بسماكة حبيبة واحدة، كدرع تحمي الرسوبيات التحتية من الانجراف مع الريح [23] .
تقسم ذرات أو جسيمات الغبار (PM) حسب حجمها وتقاس بالميكرون (µm) والميكرون يعدل جزءا من مليون من المتر. وقد أكدت الأبحاث ان جسيمات الغبار والحبيبات الترابية الدقيقة تنتقل على متن العواصف الى مئات والاف الكيلومترات. فعلى سبيل المثال، قيمت دراسة مساهمة العواصف الترابية العراقية والسورية في تركيز جسيمات الغبار الدقيقة µm 2.5 و10 أوPM) 2.5) و(10 PM)  في طهران خلال عاصفة ترابية، وتوصلت الى أن الانبعاثات المحلية تشكل معظم تركيزات الجسيمات، إلا أن مصادر الغبار العابرة للحدود أثرت بشدة على مستويات الجسيمات في جميع محطات المراقبة. وتبين ان %28 تقريباً من متوسط تركيزات الجسيمات الدقيقة عبارة عن جزيئات غبار تشكلت في العراق وسوريا. وأظهرت المحاكاة للغبار أن صحراء العراق كانت مسؤولة عن ضعف كمية تركيز الجسيمات الملحوظة في طهران، مقارنة بصحراء سوريا [24[.
 
خسائر باهظة
للعواصف الغبارية تداعيات جسيمة، صحية وبيئية وإقتصادية وإجتماعية وجغرافية وأمنية.. تناول جميعها يستلزم عدة مقالات.. نكتفي هنا بالإشارة الى تأكيد تقرير للبنك الدولي في عام 2021 بان الخسائر العالمية الناتجة عن العواصف الترابية والغُبار المحمول جواً وصلت لنحو 3.6 تريليون دولار سنوياً. وبلغت الخسائر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نحو 150 مليار دولار، أي أعلى بقليل من 2.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي سنوياً. وتُعدّ اقتصادات باكستان ومصر وإيران والسعودية والعراق الأكثر عرضةً في المنطقة للأضرار الناجمة عن العواصف الترابية [25] ..ونركز على التداعيات الصحية:
   
تأثيرات وخيمة على صحة وحياة الملايين
سببت موجة العواصف الغبارية التي اجتاحت العراق في نيسان وايار 2022 الاختناق وفاقمت حالات الربو والمشاكل التنفسية الأخرى والأزمات القلبية، وغيرها، لأكثر من 15 ألف مواطن ومواطنة - تقديرات أولية. وإكتظت ردهات المستشفيات بأضعاف طاقتها طلباً للإسعافات وللعلاج الطبي وتوفي العشرات منهم.
ولإنعدام الرؤية، التي بلغ مداها أقل من 100 ـ 500 متر، تعطل الدوام الرسمي، وتوقفت الرحلات الجوية القادمة والمغادرة للمطارات، وشُلَت حركة السير، وحصلت العديد من حوادث الطرق. وسبب كل ذلك خسائر بشرية ومادية باهظة.
التأثيرات الصحية للعواصف الغبارية كثيرة وأغلبها خطرة، وهي معروفة جيداً للوسط الطبي وللباحثين المختصين. وقد شهدت في حاضرنا تفاقماً متواصلا.
عموماً، أكدت الدراسات إمكانية نقل العواصف لمسببات امراض، ومنها خطيرة، اضافة لمواد مؤذية، تُحدثُ مشاكل صحية حادة ومزمنة في الجهاز التنفسي، وتؤثر على القلب والدورة الدموية، إضافة الى الحساسية الجلدية وإلتهابات وإحتقان العين والأنف والبلعوم.
أوضح أ.د. أحمد باهمام، أستاذ الأمراض الصدرية، أنه خلال العواصف الترابية يتشبع الهواء بذرات الغبار التي تتعرض لها جميع الكائنات بصورة مباشرة، سواء عن طريق الاستنشاق أو التلامس المباشر. وأكد إهتمام الكثير من الباحثين في مختلف دول العالم بظاهرة العواصف الترابية وتأثيراتها الصحية، واهتمت أكثر الأبحاث بالجسيمات التي يقل حجمها عن 2.5 ميكرون (2.5 PM)  لأن الهواء يمكن أن يحملها لمسافات بعيدة جدا تصل لآلاف الكيلومترات، كما أن احتمال وصولها إلى الرئة في حال الاستنشاق يكون أكثر من الجزيئات الكبيرة التي تعلق في العادة في الجهاز التنفسي العلوي. واشار الى ازدياد تركيز الجزيئات الدقيقة (2.5 (PM خلال عواصف الغبار بنسبة قد تصل إلى %200 [26].
وقد ارتبطت مجموعة متنوعة من الأمراض المعدية وغير المعدية بالتعرض للغبار. فوجدت دراسة علمية ان مسببات الحالات المرضية المذكورة هي العوالق من السبورات وحبوب اللقاح النباتية والمواد العضوية العالقة الاخرى واشكالها المهيجة للجهاز التنفسي، التي اتت من المناطق الزراعية التي مرت عليها العواصف، اضافة الى مكونات معدنية مختلفة [27]
وبيولوجياً، درس الباحثون انواع البكتريا والفطريات والفيروسات المرضية وغير المرضية في الغبار، وأظهرت النتائج أن معظم البكتريا المعزولة، هي: عصيات الباسيلاس الموجبة (42,9 %)، تأتي بعدها: العصيات المعوية السالبة (9,5 %)، والمكورات الموجبة الرئوية، والمكورات الموجبة الجلدية (6,7 %)، وعصيات سالبة معوية مختلفة، منها الكلوكا (4,3 %) والكوكاس - النوع الاول ( 3,9 %)، والثاني (1,9 %)، والبسيدوموناس (2,7 %).. وبالنسبة للفطريات المرضية المعزولة فكانت بالمرتبة الأولى الأسبيرجيليس الرئوية (13,8 %)، بعدها - الكانديدا المرضية (8,4 %) [28].
وتسبب العدوى عدة كائنات حية، منها البكتريا والفيروسات والفطريات والطفيليات. أما الأمراض غير المعدية، فمنها: الربو والانسداد الرئوي المزمن، والساركويد، والتليف الرئوي [29]
 
أخطر عدوى مرضية
تُعدُ فيروسات الأنفلونزا وداء الكروانيديا الرئوي، والالتهاب الرئوي الجرثومي، والتهاب السحايا، أمثلة على الأمراض المعدية المرتبطة بالغبار.
بيد ان الخطير هنا هو إمكانية نقل العواصف لبعض مسببات العدوى والأمراض المعدية الخطيرة، مثل التهاب السحايا  (Meningitis)، ويسمى أيضاً (مرض الحمى الشوكية)، وهو أخطر الأمراض المعدية المنقولة. تأتي خطورته من مهاجمته للغشاء المغطي للدماغ وتلفه للجهاز العصبي المركزي، الذي يتحكم بكامل الجسم. وأكدت منظمة الصحة العالمية (WHO) أنه مرض مدمر يسبب معدلات مرتفعة من الوفيات ويؤدي إلى مضاعفات خطيرة طويلة الأجل ..
تسبب العدوى عدةُ كائنات حية، منها البكتيريا والفيروسات والفطريات والطفيليات. بيد ان التهاب السحايا البكتيري يثير قلقاً خاصاً. إذ يتسبب هذا النوع في وفاة 1 من كل 10 أشخاص مصابين به ويعاني 1 من كل 5 أشخاص مصابين به من مضاعفات وخيمة[30] وفيما تحدث تفشياته المرضية في جميع أنحاء العالم، إلا ان أعلى معدل له يحصل في “حزام التهاب السحايا”، وهو جزء من افريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ويقدّر عدد سكانه بنحو 300 مليون نسمة، ويعاني من الجفاف وانخفاض الرطوبة [31].
وقد وجدت WHO أن العواصف الترابية التي حدثت في مناطق الصحراء في إفريقيا عام 1996 قد تسببت في انتشار وبائي لالتهاب السحايا، أصاب 250 ألف شخص، ونتج عنه وفاة 25 ألف شخص. وتبين ان سبب انتشار العدوى هو حمل ذرات غبار العواصف للبكتيريا المسببة لها لمسافات طويلة، وحين يستنشق الإنسان هذه البكتيريا بكميات كافية فإن احتمالية إصابته بالمرض تزداد[32]..
واستطاع الباحثون عزل البكتيريا المسببة من ذرات الغبار الدقيقة  µm) 2.5) التي نقلتها العاصفة لآلاف الكيلومترات. وأظهرت الأبحاث أن ذرات الغبار الدقيقة تستطيع حمل كائنات اخرى، ونقل أكثر من 40 % من انواع خطيرة من البكتيريا، التي يمكن أن تصل إلى داخل رئة الإنسان عند استنشاقها وإصابته بالالتهابات الرئوية الحادة.
وعند دراسة تأثير الجسيمات الدقيقة في خلايا الرئة لدى فئران التجارب وجد الباحثون تأثيرات ضارة على عدد من الخلايا، مثل الخلايا البلعمية النخروبية .(Alveolar Macrophages) وأظهرت نتائج أبحاث أخرى أن تعريض خلايا الرئة والقلب والكبد للجسيمات الدقيقة وبتركيز عال للغبار، يزيد من أكسدة الخلايا [33].
ووجدت دراسة كُرست لتأثير جسيمات الغبار على الخلايا الظهارية للرئة البشرية على مستوى الخلية المنفردة، وجود مصير خلوي (البقاء أو الموت) مختلف حتى عند الاستجابة لتركيز الغبار نفسه. وقد تفاعلت الخلايا التي ماتت مع جسيمات الغبار لفترات أطول، والتهمت المزيد من الجسيمات، مقارنة بالخلايا الباقية على قيد الحياة  [34]
 
عواصف الغبار ناشرة للإشعاعات
حملت موجات الغبار التي ضربت العراق تلوثا إشعاعيا قادما من المناطق التي تم استخدام أسلحة اليورانيوم فيها الى مناطق مكتظة بالسكان، وسمي الغبار الملوث “غبار الموت” نظرا لما سببه لآلاف للسكان من امراض سرطانية وتشوهات خلقية واسقاطات وولادات ميتة، وعلل أخرى غير قابلة للعلاج، لم يسلم منها حتى الجنود الامريكيين الذين شاركوا في حرب عام 1991، وما زال يعاني أكثر من نصف عددهم من اعراض صحية خطيرة[35].
نشير في هذا المضمار الى دراسة أجريت في النجف بهدف التحقق من وجود أشعة (غاما) في عينات من العواصف الترابية، وتقدير مؤشرات المخاطر الإشعاعية. وقد جُمِع العينات من اجواء العراق عام 2013 ووجدت قيمة مدى مخاطر الإصابة بالسرطان مدى الحياة من (0.0762194) إلى (0.144037637) بمتوسط . (0.1132494 ± 0.025147) وتم العثور أيضاً على مؤشرات مخاطر الإشعاع ومخاطر الإصابة بالسرطان مدى الحياة الزائدة متوافقة مع تلك الواردة في المستوى الدولي [36].
هذه الدراسة مثال اخر من الدراسات التي تؤكد صحة ما نشرناه خلال العقود الثلاثة الماضية حول الذخيرة الحاوية على اليورانيوم المنضب وما سببه استخدامها في العراق من تلوث كيميائي واشعاعي نجمت عنه كارثة صحية، من أبرز معالمها الارتفاع الكبير في اعداد المصابين بمرض السرطان، التي بلغت لغاية عام 2012 نحو مليون اصابة، وقد ومات آلاف العراقيين بالسرطان . [37]
وأكد الباحث هاني كرم ان استخدام أسلحة اليورانيوم أسفر عن تلوث البيئة وزيادة معدلات الإصابة بأمراض سرطان الدم والرئة والجهاز الهضمي والجلد، وكانت 75 في المئة من الإصابات بين الأطفال، كما سجلت حالات متزايدة من الإسقاط والاعتلال العصبي والتشوهات الجنينية، اغلبها سُجل في المحافظات التي تعرضت للقصف بقذائف اليورانيوم المنضب [38].
على صعيد متصل، قيمت دراسة 5 معادن ثقيلة في العواصف الترابية والرملية، هي: الكادميوم والنيكل والزنك والرصاص والحديد، من 10 مواقع في وسط وجنوب العراق، ووجدت ان المعادن الثقيلة قد سجلّت مؤشر تلوث مرتفع في الغبار. وتبين ان الكادميوم والنيكل والزنك والحديد كانت من نفس مصادر التلوث، بينما كان عنصر الرصاص من مصادر التلوث المختلفة [39].
وكانت دراسة للعواصف الغبارية الهابة على العراق خلال الفترة كانون الثاني 2008 ولغاية آذار 2009، بيّنت تحاليل النماذج المأخوذة من الغبار بان محتوياتها المعدنية كانت تتكون من: معادن الكوارتز (%58,6) والفلدسبار (%17,3) والكالسايت (%15,4)، والجبسوم (%5,5)، مع وجود المعادن الطينية: الكلورايت والألايت والمنتمورلولايت والباليغوسكايت والكاؤولينايت. الى جانب انواع المعادن الثقيلة [40].
ويطول استعراض نتائج الأبحاث العلمية، التي أثبتت بما لا يقبل الشك ان خطر التأثيرات الصحية للعواصف الغبارية جسيم، وهو يهدد مجموعة واسعة من الناس، وضرورة الرعاية الجدية، وقائياً وعلاجياً لشرائح كبار السن والأطفال والحوامل، الى جانب مرضى الربو والقلب والرئة، وغيرهم..
مثلما بينت التجارب تفاقم المشكلات الناجمة عن العواصف أكثر فأكثر في ظل سوء الإدارة والإهمال والتقصير في الحد من تأثيراتها، والتأخير في وضع المعالجات المطلوبة.. وهذا ما نشهده للأسف في العراق.
ـــــــــــــــــ
ملاحظة: لمن يرغب من القراء الكرام الإطلاع على مصادر البحث، يمكنه مراسلة الباحث على البريد الالكتروني الآتي:
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.