أيار 17
 
محمد كحط عبيد الربيعي، بكالوريوس علوم زراعية جامعة بغداد، كلية الزراعة، سنة 1978م. ماجستير في الإعلام والإتصال سنة 2007م. دكتوراه في الاعلام والاتصال سنة 2011م. عضو نقابة الصحفيين العراقية والسويدية والعالمية ستوكهولم السويد.
 
مقدمة:
أيقظت انتفاضة تشرين المجيدة الحس الثوري في العراق، وهي تعد أهم حدث في تاريخه الحديث، قام به أحفاد ثورة العشرين عشية مرور قرن على ثورة أجدادهم العظام؛ فهي انتفاضة، وهيّ حدث ثوري شعبي، يعتبرها البعض ثورة ناقصة. كما اشار الدكتور فارس كمال نظمي حيث قال ان “مصطلح الثورة لا يطلق فقط في حالات انتصار الحراك الشعبي وقدرته على إحداث التغيير الفوري للأنظمة السياسية والبنى الاجتماعية، بل إنه في جذره الأساسي يمثل أقصى لحظة (سياسية/ اجتماعية/ اقتصادية/ ثقافية) صراعية احتجاجية فارقة بين الماضي والمستقبل، مهما طال استعصاء الجديد على الولادة في مقابل استعصاء القديم على الزوال. ولحظة تشرين 2019 بهذا المعنى فقد مثلت أقصى حدث ثوري شعبي في تاريخ الدولة العراقية منذ قرن من الزمن”(1).
شكلت انتفاضة تشرين انعطافه  في مسار الحركة الثورية العراقية، وأحيت الشعور الوطني وساهمت في إعادة الهوية الوطنية العراقية التي غيبتها سياسة المحاصصة الطائفية، وكسرت حاجز الخوف من أجهزة السلطة القمعية، وإشاعة روح التحدي، وفضحت خضوع المتنفذين للدول الأجنبية، وكشفت حقدهم الدفين على كل ما هو وطني وديمقراطي. فهي خطوة عملية جريئة وهنا نتذكر قول ماركس: “كل خطوة عملية تخطوها الحركة أهم من دزينة برامج”.
 
في هذا السياق نشير هنا الى عدة نقاط:
-1 مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الالكترونية المختلفة كان لها أثر ايجابي على مسار الانتفاضة لقدرتها على سرعة وسهولة التواصل والتنظيم مع جميع الفصائل ومعرفة مواقفهم، أولاً بأول.
2 - أدى التراكم الكمي إلى تغيير كيفي، فقد أدت التراكمات الكمية والتي أسهمت في تأجيج غضب الجماهير وشعورهم بالظلم إلى تغيير في تفكير وحياة الإنسان.
لقد وصلت حالات الفساد الى مستويات غير طبيعية، وأدخلت البلاد في مستقبل مظلم، وبسبب إخفاق القوى المتسلطة في دفع مسيرة البلاد الى النهج الصحيح، تحول مزاج الجماهير من حالة الهدوء النسبي الى الانتفاضة على الأوضاع المزرية. هذه التراكمات وما سبقها من حملات الاحتجاجات والمظاهرات والهبّات والاعتصامات الرافضة لنظام المحاصصة الطائفية والفساد المدعوم بسلطة الميليشيات المسلحة وأتباعها منذ 2010/ 2011 واحتجاجات 2015 وصولا الى انتفاضة تشرين 2019، أوصلت وعي الجماهير إلى حالة المطالبة بالتغيير الكيفي، لكنه للأسف لم يتحول الى ثورة. أي أن التراكمات الكمية لم تبلغ الذروة، لكن لم يصبح التغيير حتميا، فإن ذلك يحتاج الى تراكم أكبر وتحت ظروف أفضل؛ فالظروف الذاتية والموضوعية لم تكن ناضجة لعدة أسباب، منها:
 
لماذا لم تبلغ انتفاضة تشرين مرحلة الثورة...؟
نعود الى صراع الأضداد، فوجودهما معا يجعل أحدهما يقاوم الآخر، ويحصل التغيير عندما  تصل التراكمات التدريجية إلى درجة يصبح فيها التغيير حتمياً، ويتحول الى ثورة، فلا الشعب قادر على العيش بهذه الظروف، ولا السلطات الحاكمة قادرة على البقاء والتحكم بالجماهير وبمصير البلاد.
القوى التي جاءت مع المحتل ـ وهي السائدة ـ تحالفت مع قوى طفيلية محلية لتشابك مصالحهما معا، بالإضافة الى وجود قوى دينية ورجعية، وقوى أخرى تريد العودة للنظام الدكتاتوري السابق. وبسبب الاقتصاد الريعي وعدم توفر فرص العمل اضطر الكثير الى الالتحاق بالجيش والشرطة والحشد الشعبي والقوى الأمنية الأخرى، وهؤلاء بالضرورة يسيرون في كنف القوى المتنفذة، ناهيك عن قوى أخرى مرتبطة مع أنظمة خارجية. هذه القوى تتصارع في ما بينها، لكن مصالحها مرتبطة مع بعض.
من جهة أخرى، هناك قوى تقدمية ووطنية وديمقراطية وشعبية، تريد بناء دولة وطنية ديمقراطية، تسود فيها العدالة الاجتماعية.
هنا يتصارع النقيضان: فالقوى التقدمية في حالة نضال من أجل أن تخلق وعيا جماهيريا إلى أن يصل الأمر لمرحلة ثورية. هذه الانتفاضة أوجدت وعيا وطنيا وثوريا وأيقظت شعبنا من سبات عميق.
 
الظروف الذاتية والموضوعية وراء انحسار انتفاضة تشرين المجيدة:
اولاً- الظروف الذاتية لانحسار انتفاضة تشرين المجيدة
1 - عدم وجود تجانس طبقي: القوى التي ساهمت في الانتفاضة، تمتد من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، تتصدرها مجاميع من الشباب والشابات، من الطلبة والخريجين العاطلين عن العمل ومن الكسبة، والمثقفين والفنانين، من العوائل الفقيرة المعدمة والكادحين والفئات الوسطى، ونسبة كبيرة منهم لم تشترك سابقاً بأي نشاط سياسي.
2 - وعي القوى والفئات المساهمة في الانتفاضة: هي خليط من وعي سياسي ووطني وديمقراطي، من وعي طبقي غير متجانس، لكنهم جميعاً رفضوا الطائفية وطالبوا بالهوية الوطنية العراقية، وتواجد بعض الفصائل الممثلة للقوى المتنفذة. ولا بد من أن نؤشر الدور المتميز للمرأة العراقية في هذا الحضور الذي فاجأ الجميع.
3 - غياب وحدة المصالح والأهداف: هناك من يريد حصرها بأهداف مطلبية ومهنية، وهناك من رفع شعارات وطنية وديمقراطية، وتجذرت لاحقاً أهداف الحرية والخلاص من نظام المحاصصة والفساد. والبعض رفع شعار “اسقاط النظام”، والبعض يريد الاصلاح فقط وآخرون طالبوا بالتغيير، وصولا الى شعار “أريد وطن”، أي استعادة الوطن المنهوب من القوى الظلامية والطائفية.
4 - غياب التنظيم والفكر: لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية وبدون تنظيم ثوري.
انطلاقا مما سبق فإن من نقاط ضعف الانتفاضة: عدم وجود التنظيم، ولا نظرية فكرية جامعة لها. وكانت بعض الشعارات غير واقعية، منها شعار “لا للأحزاب كافة”. وقاموا بحرق مقرات العديد من الأحزاب، منها مقرات الحزب الشيوعي، وهو الموجود طيلة فترة الانتفاضة في قلب الأحداث، موجها ومنبها للأخطاء، ومنطلقا من أن مهمة التنظيم الثوري لا تكون فقط نشر الأفكار الثورية، بل يجب على الثوريين الانخراط في كل المعارك اليومية للجماهير بشكل عام، حتى وان كانت نضالات مطلبية.
افتقار المنتفضين للفكر الثوري أو المعرفة النظرية، فالنظرية ليست ديكورا، بل هي قبل كل شيء، تعميم للتجارب الماضية للجماهير وخبرتها النضالية، وهي دليل للعمل أيضاً.
وهنا على الحزب الشيوعي في حالة تفاعله مع الانتفاضة، أخذ موقف التوازن بين الانخراط في النضالات الجماهيرية وهدفه الاستراتيجي وهذا ليس سهلاً، لقد تحدثت روزا لوكسمبورج في هذا الموضوع قائلةً: “لدينا من جانب الجماهير، ومن الجانب الآخر هدفنا التاريخي ومكانه خارج المجتمع الموجود حاليًا. لدينا من جانب النضال اليومي، ومن جانب آخر الثورة الاشتراكية. هذه هي جوانب التناقض الجدلي الذي يجب من خلاله أن تتطور الحركة الاشتراكية. وبالتالي فإن أفضل وسيلة لتقدم الحركة هي السير ما بين الخطرين اللذين يهددانها بشكل دائم: فقد الطابع الجماهيري أو التخلي عن الهدف النهائي، الثورة الاشتراكية. الاول هو خطر الانزلاق في ظروف الحلقة المعزولة، والثاني هو خطر الانزلاق في حركة إصلاح اجتماعي برجوازي”(2).
أكد فريدريك إنجلز، عام 1874، على أهمية النظرية في بناء الحركة الثورية، بجانب النضال السياسي والنضال الاقتصادي، فهو يضع النضال الفكري على قدم المساواة مع النضال السياسي والنضال الاقتصادي.
على الحزب الشيوعي ان يكون فعلا مع الجماهير في كل نضالاتها. وهذا ما أكده أيضا أنطونيو غرامشي(3) في كتابه (أطروحات ليون) “إن القدرة على قيادة الطبقة العاملة لا علاقة لها بإعلان الحزب نفسه كأداتها الثورية، ولكنها تتعلق بنجاح الحزب بالفعل كجزء من الطبقة العاملة على ربط نفسه بكل قطاعات الطبقة.. فقط من خلال نشاطه في وسط الجماهير يستطيع الحزب أن يكسب اعتراف الجماهير به كحزبهم”(4).
لقد لعب رفاق ورفيقات الحزب الشيوعي دورا جماهيرياً متميزاً رغم الظروف المعقدة والصعبة والمخاطر التي أحاطت بالانتفاضة منذ بدئها، محاولين ان يرفعوا وعي المنتفضين، وهذا واجب مهم للحزب الشيوعي وكما يقول لينين: “مهمتنا ليست أن ندافع عن تخفيض الثوري إلى مستوى الهاوي، بل رفع الهواة إلى مستوى الثوريين”. وهذه ليست مهمة سهلة، في ظروف العراق ووضع المنتفضين، فهذا يحتاج الى جهد استثنائي وفترة زمنية وهذا ما أكده أيضا لينين الذي قال: “تدريب المرء ليكون ثوريا محترفا يستغرق سنوات”(5).
لم يكن من السهل تغيير مفاهيم المنتفضين حول الانتفاضة رغم انخراط رفاق الحزب في معظم المعارك اليومية، وكان مع الجماهير فعلاً، وليس مجرد كلام.
5 - غياب القيادة السياسية الموحدة: للأسف لم تكن هناك وحدة فكرية ولا تنظيمية، وعدم وجود قيادة موحدة للانتفاضة. وتبين التجارب أنه بدون قيادة لن تنجح الثورة أو الانتفاضة بالرغم من الدور البطولي الذي تلعبه الجماهير. لقد كانت القيادة الموحدة غائبة، بل كان هناك تعارض في الشعارات التي ترفع هنا وهناك. ان غياب تنظيم فعال يوحد المنتفضين، ويقرب بينهم من أجل توحيد مطالبهم السياسية وشعاراتهم المركزية، كان ضعفا واضحا. ورغم بروز قيادات سياسية لكنها لم تكن ذات تجارب ثورية.
كانت الانتفاضة تسير بشكل اجتهادي لكل مجموعة من مجاميعها، وحصل على أثر ذلك العديد من الخلافات والمشاكل التي أثرت على مسيرة الانتفاضة، مثلاً: البعض أراد استخدام العنف والآخرون يريدون البقاء والحفاظ على سلمية الانتفاضة. كذلك شعار “لا للأحزاب” والموقف السلبي من كل الأحزاب مما يدل على عدم الدراية السياسية. من جهة أخرى هو انعدام التنسيق بين المجاميع المختلفة، لذا فعدم وجود التنظيم والتنسيق وعدم توفر قيادة موحدة سهل على قوى العدو التغلغل والاندساس في صفوفها، من عدة جهات متنفذة؛ فكان بعضهم يقوم بتصوير المنتفضين وينقلون أخبارهم ويراقبون تحركاتهم أولا بأول، بل كان هناك تواجد لخيم معروفة المصدر والأهداف جيداً. أي جرى فرز طبقي؛ فهناك قوى انتهازية وضعت نفسها مع القوى المعادية للانتفاضة، رغم أنهم من الطبقات الفقيرة، لذا يقع على الحزب الشيوعي مهام صعبة في هذه المرحلة. وهنا نستذكر ما قاله لينين: “بقدر ما تتسع الحركة الشعبية، بقدر ما تتكشف الطبيعة الحقيقية لمختلف الطبقات، وتتزايد إلحاحاً مهمة الحزب بأن يقود الطبقة، ان يكون منظمها، لا ان يجرجر نفسه في ذيل الأحداث..”(6)، وتلك برأيي كانت مهمة صعبة، رغم ما بذله الرفاق الشيوعيون ـ قادة ورفاق ـ من جهود وسط الثوار.
 
ثانياً- الظروف الموضوعية لانحسار انتفاضة تشرين المجيدة:
1 - عدم انتشار شرارة الانتفاضة في عموم العراق بل انحسارها في بغداد والمحافظات الجنوبية، ولأسباب عديدة.
2 - كان لعدم تكافؤ القوى بين رجال الانتفاضة العزل السلميين، والسلطات المتنفذة والميليشيات المسلحة والمنفلتة، أثر على مسيرة الانتفاضة، حيث استخدمت السلطات عدة أساليب في تشويه سمعة الانتفاضة حتى قبل انطلاقها، ناهيك عن استخدام العنف المفرط، وتعرض المنتفضون الى القتل والاختطاف والتغييب والتشهير والاندساسات، وشراء الذمم وغيرها من الأساليب القذرة والقمعية. لقد جرت عدة محاولات لاختراق قوى الانتفاضة من قبل أحزاب الاسلام السياسي، بل وقاموا بتكوين تجمعات عديدة بأسماء مختلفة، ونصبوا الخيم، وأدعوا الاصلاح والتغيير وكانوا كحصان طروادة وسط المنتفضين الحقيقيين، وحاولوا زرع الشقاق وافتعال الصراعات بين المجاميع، وبعضهم كان يهدد بشكل علني، وآخرون طرحوا شعارات متطرفة بهدف زرع الفتنة.
وتشير المعلومات المتوفرة الى “ان رئيس الوزراء العراقي وفريقه المدني والعسكري يسعون الى اختراق فعلي لقوى الانتفاضة من خلال تشكيل جماعات مؤيدة لهم أولاً، والدخول بنقاشات مع بعض قوى الانتفاضة لعزلهم عن البعض الآخر ثانياً، وبالتالي إضعاف وخلخلة قوى الانتفاضة وإنهاء الحملة الاحتجاجية والانتفاضة الباسلة”(7).
3 - كان لانتشار جائحة كورونا أثرها السلبي على مسيرة الانتفاضة، إذ استغلت بعض  الجهات الخارجة على القانون حالة الوباء لتمارس أساليب القتل والاعتقال والاختطاف، وللأسف بتواطؤ مع الحكومة، ما أدى الى انحسار الانتفاضة لحين.
 
مستقبل الانتفاضة وطموحات شعبنا
الانتفاضة لم تنته؛ فالعوامل والأسباب التي شخصناها لانطلاق الانتفاضة ما زالت قائمة، فلا نظام المحاصصة والفساد قد زال، ولا الفقر والبطالة، ولم يتم القصاص من القتلة والمجرمين وسراق المال العام والمخربين، رغم محاولات اجهاضها ووأدها. ويتطلب من المنتفضين الحذر من مناورات ودسائس القوى المتنفذة وما يحاك ضدهم. فرغم كل ما تعرضت له لكنها زرعت الأمل بالتغيير، فمن نعت المنتفضين بالعمالة هم من كشفت الانتفاضة عن وجوههم الحقيقية.
بالمقابل، خلقت الانتفاضة وعياً سياسياً واجتماعياً وثورياً بين أبناء الشعب كافة، بعد فترة سبات طويلة، وكشفت عن قدرات كبيرة لدى أبناء شعبنا واستعدادهم للتضحية والفداء، وخصوصاً في جيل الشباب الجديد. كما كشفت عن قدرات كبيرة في القيادة والابداع في الفن باختلاف أشكاله من رسم وغناء ومسرح، وفي مجال الأدب من شعر وخطابة وغيرهما.
من جهة اخرى، اتهمت السلطات الحكومية الرسمية “طرفا ثالثا” وحملته كل الجرائم التي ارتكبت ضد جماهير شعبنا خلال الانتفاضة، وهو اقرار بعجز الدولة عن الحفاظ على أبناء شعبها، لكن الحقيقة هي التواطؤ وخضوع الأجهزة الأمنية العراقية لإرادات القوى المتنفذة. وعجزت الحكومة عن نزع سلاح الميليشيات المنفلتة، بل حتى هي كانت مهددة من قبلهم بمن فيهم القائد العام للقوات المسلحة.
كشفت الانتفاضة عن ضعف أداء السلطات التشريعية وتواطؤها مع القوى المتنفذة.
كما أجبرت الانتفاضة السلطات كافة على التراجع واعادة حساباتها من جديد، بل وقدمت عدة تنازلات، رغم عدم جدية معظمها.
وأيقظت منظمات المجتمع الدولي المختلفة، بما فيها الأمم المتحدة لتنتبه الى ما يتعرض له بلدنا من دمار، بسبب سلطة المحاصصة والطائفية والفساد. وقدمت العديد من هذه الجهات الدعم والتضامن والتأييد للمطالب العادلة، وكذلك وقفت العديد من الدول والأحزاب الديمقراطية في دول العالم مع الانتفاضة.
خلاصة القول: ان الانتفاضة لم تنته لأنها انتفاضة شبابية سلمية ديمقراطية وهي “حركة لا تحقق أهدافها بضربة واحدة أو معركة، فهي ليست انقلابا عسكريا أو حزبيا أو عشائريا، بل هي حركة شبابية شعبية تتسع باستمرار، وتمتد في الزمن لتحقق الأهداف أو تنتزعها الواحد تلو الآخر...”(8).
 
مستقبل العراق السياسي
- إن الانتخابات هي لتدوير سلطة المحاصصة والفساد، وليس لتحقيق إرادة الشعب. الانتخابات أدت الى تدهور الأوضاع أكثر، والمخاطر ازدادت اليوم؛ فالقوى الماسكة بالسلطة لا تتقبل الهزيمة أو حتى تقليص سلطاتها ونفوذها.
- ما زال العامل الخارجي يلعب دوراً كبيراً في الوضع السياسي في العراق، لما يملكه العراق من اقتصاديات وموقع جغرافي مهم، لذا فالتدخلات كثيرة وكبيرة من دول الجوار والولايات المتحدة وحتى الدول الأوربية.
- أوجدت الانتخابات ظرفا جديدا لصالح المنتفضين، فهناك عدد لا بأس به من النواب الجدد، من الذين كان لهم دور معروف خلال انتفاضة تشرين؛ فهؤلاء سيكونون صوتا من داخل البرلمان، وسيكون المنتفضون خارج البرلمان عامل ضغط وعونا وداعما لهم. وهذا يحتاج الى المتابعة والتنسيق وتوحيد الجهود، مع القوى المدنية والديمقراطية والتقدمية لتغيير ميزان القوى لصالح قوى التغيير الفعلي.
- الانتخابات كشفت وهم التغيير للذين كانوا يعولون عليها، بل العكس ان الانتخابات كانت عامل إنقاذ للقوى المتنفذة التي كادت تحتضر بفعل انتفاضة تشرين.
- لم تتمكن السلطات العراقية حتى الآن من كشف ومحاكمة قتلة المتظاهرين، ولم تتمكن من نزع السلاح المنفلت من الميليشيات والعشائر التي بات بعضها يملك أسلحة متوسطة وثقيلة.
- لم تتمكن السلطات العراقية حتى الآن من تقديم ومحاكمة الفاسدين الكبار والذين هم وراء خراب البلد.
- لم تتمكن السلطات العراقية حتى الآن من تقديم ومحاكمة المسؤولين عن سقوط المحافظات العراقية وعن جرائم سبايكر، بل ما زالوا هم المتنفذون بالواقع العراقي، ورشحوا أنفسهم بالانتخابات الأخيرة.
- لم يتم تفعيل قوانين مهمة كقانون الأحزاب، وقانون انتخابات عادل، وما زال مشروع الاحصاء السكاني العام على الرفوف. ولا توجد قوانين عادلة في التعيينات والرواتب والتقاعد....الخ.
- ما زالت أساليب المماطلة والتسويف والوعود هي سيدة الموقف.
- اليوم تشكلت عدة أحزاب وتيارات تدعي المدنية وترفع شعارات تشرين، وهي فصائل وجهات تابعة لنفس الأحزاب المتنفذة والمسببة لكل التردي بالواقع العراقي.
- ما زالت القوى المدنية والديمقراطية مشتتة، ولم تجمع قواها وتتوحد لإيجاد عمل سياسي حديث، وتتقارب وتوحد جهودها مع منتفضي تشرين. وتبدو اليوم هذه المهمة ملحة جدا ولا بد من المضي فيها بسرعة لتوحيد الجهود والانطلاق لتهيئة الشارع العراقي لما هو قادم؛ فقوى الاسلام السياسي لم تعد قادرة على قيادة البلاد كالسابق، فما زالت سياسة المحاصصة هي السائدة.
- لا بدّ من فصل الدين عن الدولة، وبناء نظام مدني وطني، ينبذ الطائفية والمحاصصاتية.
- على القوى المدنية الديمقراطية، الاعتماد على الجماهير وتعبئتها لأجل تحقيق مصالحها وأن نثق بالجماهير، بل ونتعلم منها ونعلمها. هذا لا يعني ان الجماهير منزهة كما يشير تروتسكي: “ليست الجماهير، بالطبع، منزهة لا تشوبها شائبة على الإطلاق. إن تقديس الجماهير أمر غريب عنا. لقد رأيناها في ظروف مختلفة وفي مراحل مختلفة، وأثناء أكبر الصدمات السياسية كذلك. لقد لاحظنا جوانبها القوية وجوانبها الضعيفة. إن عزمها القوي واستعدادها للتضحية بالنفس والبطولة تظهر دوما في أوقات النهوض الثوري”(9).
- اليوم العراق بحاجة الى تغيير جذري وليس اصلاحيا، وان يعاد بناء الدولة على أسس جديدة تؤسس لروح المواطنة، وتعيد بناء القوات الأمنية والمسلحة بروح حب الوطن وخدمة الشعب وبالروح المهنية، واستقلال القضاء التام بعيدا عن التأثيرات الحزبية وغيرها، وقبل كل هذا وذاك عدم فسح المجال للتدخلات الخارجية في شؤونه الداخلية والخارجية، أي الاستقلال الحقيقي والتام.
 
 
الهوامش:
  1.  فارس كمال نظمي، دروس ثورة تشرين التي باتت تنضج تباعاً، 04/12/2020.
  2.  الناشر مجلة الاشتراكية الثورية، مجلة الاشتراكي، المقال منشور يوم السبت 1 أبريل 2000، متاح للقراءة على الرابط التالي: https://revsoc.me/theory/ltnzym-  lthwry-wljmhyr/  ، تاريخ الدخول 7/ اكتوبر/ 2021.
  3.  القائد الماركسي الثوري الإيطالي، / التنظيم الثوري والجماهير، متاح للقراءة على الرابط التالي:  https://revsoc.me/theory/ltnzym-lthwry-wljmhyr تاريخ الدخول 1/ اكتوبر/ 2021.
  4.  أنطونيو جرامشي  في كتابه (أطروحات ليون)، من مقال متاح للقراءة على الرابط التالي:https://revsoc.me/theory/ltnzym-lthwry-wljmhyr/    تاريخ الدخول 2/ اكتوبر/ 2021.
  5.  مدونات/ الدروس الثورية لكتاب لينين (ما العمل)، متاح للقراءة على الرابط: تاريخ الدخول 9/ اكتوبر/ 2021.  https://leftorg.com
  6.  لينين، حول عمل الحزب بين الجماهير، دار التقدم، موسكو، ص18.
  7.  د. كاظم حبيب، الانتفاضة التشرينية 2019 في العراق، دار الرواد المزدهرة، 2021، ط1، ص167.
  8.  د. كاظم حبيب، الانتفاضة التشرينية 2019 في العراق، المصدر السابق، ص220.
  9.  الدروس الثورية لكتاب لينين- (ما العمل) الحوار المتمدن، العدد: 6916 - تاريخ 2021 / 6/ 2، من مؤلف تروتسكي  Trotsky, Their Morals and Ours