أيار 17
أستاذ جامعي وباحث، حصل على البكالوريوس في علم الجغرافية من كلية الآداب/ جامعة البصرة عام 1974. نال شهادة الدكتوراه - التخصص الدقيق الجغرافية السكانية والدراسات السكانية من أكاديمية العلوم الهنغارية عام 1989. عمل في التدريس والبحث العلمي في المدارس الثانوية ومعاهد المعلمين والجامعات ومراكز البحث العلمي في العراق والمغرب وليبيا وهولندا. شارك في عدد من المؤتمرات والندوات في العديد من الدول. نشر العديد من الكتب والدراسات والبحوث والمقالات ومراجعات الكتب وله ترجمات من اللغة الانكليزية إلى اللغة العربية. عضو الهيئة الاستشارية لمجلة مقاربات الأكاديمية التي تصدر في المغرب.
 
مقدمة
     نعتقد أن الدراسات الأكاديمية باللغة العربية الخاصة بهجرة ولجوء العراقيين ما زالت قاصرة أو محدودة إن لم تكن معدومة في البلدان الأوروبية المستقبِلة للاجئين، وربما يعود ذلك إلى الضعف التنظيمي للجاليات العراقية المهاجرة وغياب المؤسسات الأكاديمية التي تدعم مثل هذه الدراسات، وإلى حداثة هجرة العراقيين بأعداد كبيرة، إضافة إلى أن الجامعات العراقية والوزارات العراقية خصوصا وزارة التخطيط لم تهتم بهذا الموضوع إطلاقا. ولهذا نراه غائبا تماما على مستوى البحث العلمي والتوثيق في العراق.
     تتميز أزمات الهجرة القسرية بشيوعها، وتنتج من تطورات ذات ميزات أساسية مشتركة. ومن تلك الميزات الأكثر أهمية هي فشل الأنظمة الأساسية للبقاء على قيد الحياة، وضعف أو انهيار البنى الاجتماعية والسياسية، غالبا ما يحدث هذا على المستوى المحلي. هذه الأزمات من جانبها ترتبط مباشرة بالتغيرات الاقتصادية والسياسية على المستوى العالمي. لذلك من أجل فهم الهجرة القسرية يتطلب الأمر فهم عمليات التنمية بأبعادها المتعددة والمترابطة على المستوى العالمي. لكن يلاحظ أن معظم التعامل مع حركات اللاجئين يضعها في سياقات مختلفة، علما أن أزمات اللاجئين تنشأ بنحو متزايد من مجموعة واسعة من الأسباب(1).
    على مستوى المنطقة العربية يلاحظ أن نمط الهجرة القسرية منتشر من المنطقة وإليها وعبرها. إذ تقع فيها ثلث النزاعات التي أسفرت عن النزوح واللجوء على مستوى العالم، وذلك بسبب الكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية، والكوارث الإنسانية الناتجة عن غزو العراق، والأعمال الإرهابية الطائفية والمذهبية، واستمرار العنف في الصومال، بالإضافة إلى الأزمة السودانية، وتبعات الأحداث في كل من سوريا وليبيا واليمن، لذا تبرز تحديات ما تفرضه هذه الأزمات ذات الجوانب المتعددة، وهو ما يحتم على المجتمع الدولي البحث عن حلول لما أفرزته هذه الأزمات من لجوء ونزوح أعداد كبيرة من سكان المنطقة العربية(2) إلى مناطق وبلدان مختلفة منها أوروبا. 
 
  تطور عدد اللاجئين العراقيين في أوروبا
    تعد ظاهرة هجرة العراقيين إلى الخارج بأعداد كبيرة ظاهرة حديثة، إذ لم يعرف تاريخ العراق المعاصر لها مثيلا باستثناء هجرة اليهود العراقيين إلى إسرائيل بعد قيامها في الفترة 1948 - 1951. وكانت أعداد قليلة من العراقيين تهاجر إلى الخارج قبل وصول نظام البعث للسلطة العام 1968. فقد بلغ عدد العراقيين المسجلين في الخارج 42464 عام 1957، منهم حوالي 31000 عامل، أي بنسبة 74 في المئة في الكويت. وقد تناقص العدد الأخير إلى 25897 عام 1965(3).
    هناك الكثير من الأسباب المتشابكة التي تقف وراء موجات هجرة العراقيين القسرية في مراحل مختلفة من تاريخ العراق. ولعل أبرز الأسباب يكمن في فشل الدولة العراقية الحديثة والخلل في بناء الدولة - الأمة. وعدم الاستقرار السياسي نتيجة تعاقب الأنظمة المستبدة الفاقدة للشرعية والتي وصلت إلى السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية وإقامة نظام الحزب الواحد المتمثل بحزب البعث وانتهاجه سياسات القمع السياسي والفكري والتبعيث القسري والتمييز القومي والديني والمذهبي والمناطقي، والحروب الداخلية والخارجية التي ساهم هذا النظام في اندلاعها، وكذلك احتلال العراق عام 2003 وما تبعه من تفكك مؤسسات الدولة وإقامة نظام يتبنى المحاصصة الطائفية والإثنية، وشيوع ظاهرة الإرهاب والفساد وارتفاع معدلات البطالة وتدني الخدمات الأساسية ما دفع آلاف العراقيين وخصوصا الشباب لطلب اللجوء خصوصا في أوروبا.
    من خلال فحص الأسباب الدافعة لتوجه العراقيين إلى هولندا مثلا، وهذا ينطبق أيضا إلى حد كبير على البلدان الأوروبية الرئيسة المستقبلة للاجئين، يتبيّن من الشكل (1) أن النسبة الأكبر من العراقيين جاءت إلى هذا البلد لطلب اللجوء (4)؛ إذ بلغت 66 في المئة عام 2009، وإذا أضفنا إليها نسبة جمع شمل الأسرة المرتبطة أساسا باللاجئين الذين جاؤوا في وقت سابق والبالغة 25 في المئة تصل النسبة إلى 91 في المئة. أما أسباب العمل والدراسة والأسباب الأخرى الدافعة للهجرة إلى هولندا فنسبتها قليلة جدا أو معدومة عامي 2005 و2009. وهذا ينطبق على المجموعات اللاجئة الأخرى مثل الصوماليين والأفغان والإيرانيين بدرجات مختلفة. أما
النسبة إلى المجموعات المهاجرة مثل المغاربة والأتراك والسوريناميين فترتفع نسبة جمع شمل الأسرة وتكوين العائلة كسبب للهجرة وتنخفض نسبة اللجوء، إذ تتراوح بين 1 و3 في المئة. 
الشكل (1)
أسباب هجرة العراقيين إلى هولندا عامي 2005 و2009 (النسبة المئوية)
المصدر: من إعداد الباحث استنادا إلى:
CBS, Jaarrapport Integratie 2010 (Den Haag| Heerlen: 2010), p. 42.
 
    بلغ عدد طالبي اللجوء العراقيين في أوروبا 24750 في الفترة 1980 - 1989 موزعين على 15 دولة(5). وقد تصاعد عددهم في الدول الصناعية بعد السماح لهم بالسفر اثر توقف الحرب العراقية –الإيرانية؛ ففي عام 1989 بلغ عددهم 3901(6). وهذا الرقم مرتفع مقارنة بالسنوات السابقة (الشكل 2). علما أن أعدادا أخرى توجهت إلى دول عربية وغير عربية وأقامت بها ولكن ليس كلاجئين.
عند مقارنة الثمانينيات بالتسعينيات نرى أن أكبر عدد من طالبي اللجوء العراقيين  في أوروبا قد توجه في العقد الأول إلى السويد بنسبة 32 في المئة من مجموعهم في القارة، واليونان 19 في المئة، وألمانيا 16 في المئة. أما في العقد الثاني فقد حدث تغير هام في توجههم إذ استقبلت ألمانيا أكبر عدد في أوروبا  بنسبة 29 في المئة، وهولندا 19 في المئة، والسويد 13 في المئة. ويبدو أن هذا التغير يعود بشكل أساسي إلى نسبة قبول طلبات اللجوء في الدول الأوروبية، فكلما كانت النسبة أعلى كان التوجه أكبر. 
الشكل (2)
عدد طلبات اللجوء المقدمة من قبل العراقيين في الدول الصناعية، 1982 – 2009
 
المصدر: من إعداد الباحث استنادا إلى:
UNHCR Statistical Yearbook, 2001 , pp. 11.5-11.6, edition of 2004, Annex, II, p. 16, edition of 2005, Annex 11, p. 150, Asylum Levels and Trends in Industrialized Countries 2009, p.15. 
 
وبلغ صافي الهجرة من العراق 650,000 نسمة، بمعدل 7 بالألف للفترة 1990 - 1995، وساهم هذا بخفض معدل النمو السكاني بـ 32,2 في المئة خلال الفترة ذاتها(7). إذ ارتفع عدد طالبي اللجوء العراقيين في أوروبا في الفترة 1990 - 1999 إلى  191040 في 19 دولة أوروبية(8). وتوجه إلى الدول الصناعية مجتمعة 52,290 من طالبي اللجوء العراقيين عام 2002 فقط، وهو أعلى رقم يسجل وانخفض العدد السنوي إلى 10,881 عام 2004. يبدو أن تغيير النظام بعد الاحتلال عام 2003 ساهم في هذا الانخفاض، ليعود العدد مرتفعا إلى نحو 40,000 عام 2008، بسبب ضعف الأمن والاستقرار في العراق بعد هذا التغيير. علما أنه احتل العراقيون من مجموع طالبي اللجوء في الدول الصناعية المرتبة الثانية في الفترة 2000 - 2002 بنسبة 9 في المئة. وفي أوروبا حوالي 11 في المئة، وعلى صعيد العالم احتلوا المرتبة الأولى بعد تراجع أعداد اللاجئين الأفغان العام 2002(9). واحتل العراق المرتبة الثانية بعد أفغانستان على المستوى نفسه في عدد اللاجئين للفترة 2008 - 2011(10). والمرتبة الثالثة في عدد طلبات اللجوء الجديدة (100,000 طلب) عام 2014، بعد السوريين الذين احتلوا المرتبة الثانية، ومعظم طلبات العراقيين كانت مقدمة في تركيا، الأردن، لبنان، ألمانيا، والسويد(11).
وبحسب الأمم المتحدة فإن اللاجئين العراقيين هم أكثر اللاجئين تشتتا في العالم؛ إذ يتوزعون على ثمانين بلدا. هذا إضافة إلى البلدان الأخرى التي يقيمون فيها ولكن ليس بصفة لاجئين ومن الصعب معرفة أعدادهم فيها بدقة مثل البلدان العربية التي لا تنشر إحصاءات مفصلة عنهم(12).
 في منتصف عام 2016، كان نحو 46 في المئة من جميع اللاجئين في العالم من المنطقة العربية، أكثرهم من العراق وسوريا والصومال والسودان. ويمثل السوريون ثلث اللاجئين في العالم. وفي حين بقي معظم اللاجئين من البلدان العربية في المنطقة العربية، إلا أن أعدادا كبيرة منهم توجهت إلى أوروبا وأفريقيا وأمريكا الشمالية. واستقبل الاتحاد الأوروبي أكثر من مليون طلب لجوء للمرة الأولى من المنطقة العربية بين عامي 2015 و2016 (تقريبا 550,000 و540,000 على التوالي)، بزيادة كبيرة عن 41,000 عام 2010. ويمثل طالبو اللجوء من المنطقة العربية 45 في المئة من جميع المتقدمين بطلبات اللجوء في الاتحاد الأوروبي عام 2016. ويشكل السوريون تقريبا 28 في المئة منهم(13). ويأتي العراقيون في المرتبة الثانية ثم الصوماليون والمغاربة(14) (الجدول 1). علما أن أوروبا تسلمت 1,2 مليون طلب لجوء جديد عام 2016. وهذه الطلبات تعود بشكل رئيس إلى العراقيين والسوريين والأفغان، بنسبة 9 في المئة أعلى من عام 2015(15). واحتل طالبو اللجوء للمرة الأولى من السوريين المرتبة الأولى في بلدان الاتحاد الأوربي بعدد بلغ 102,415 نسمة، وتلاهم العراقيون بعدد 47,560 نسمة عام 2017(16).
 
الجدول (1)
طالبو اللجوء للمرة الأولى من المنطقة العربية في الاتحاد الأوروبي عام 2016
المصدر: الإسكوا والمنظمة الدولية للهجرة، تقرير حالة الهجرة الدولية لعام 2017 (بيروت: 2018)، ص، 26.
 
    كانت الدول الثمانية والعشرون الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قد منحت حالة الحماية لـ 710400 طالب لجوء عام 2016. وكان العراقيون ثاني أكبر مجموعة استفادت من هذه الحماية بعدد بلغ 65800 أو 9 في المئة من مجموع الأشخاص الذين منحوا هذه الحماية، علما أن السوريين احتلوا المرتبة الأولى بعدد بلغ  405600، أو 57 في المئة من المجموع. وفي المرتبة الثالثة حل الأفغان بعدد 61800 أو 9 في المئة.
 
     وقد بلغت نسبة القرارات الإيجابية بمنح الحماية والمتخذة لأول مرة في بلدان الاتحاد 63,5 في المئة للعراقيين، و98,1 في المئة للسوريين، و65,7 في المئة للصوماليين و52,3 في المئة للسودانيين و5,2 في المئة للجزائريين(17).
                              
    ومنحت دول الاتحاد حالة الحماية لـ تقريبا 333400 طالب لجوء عام 2018. وأكبر مجموعة استفادت من ذلك هم السوريون أيضا بواقع 96100 نسمة أو 29 في المئة من مجموع الأشخاص الذين منحوا هذه الحماية. وجاء بعدهم الأفغان (53500 أو 16 في المئة) ثم العراقيون (24600 أو 7 في المئة)، مقارنة بعام 2017 عندما كانت الأرقام 172900 أو 32 في المئة، و99800 أو 19 في المئة، و63800 أو 12 في المئة على التوالي(18).
 
   وعن توزيع اللاجئين العراقيين على الدول نرى أن أكبر عدد يوجد في ألمانيا 86,045، وأقل عدد في بلغاريا 1385 نهاية عام 2016 (الجدول 2)، علما أن هذه الأرقام متحركة وهي لا تعني العدد الكلي للعراقيين في هذه البلدان. 
  
                                    
                                        الجدول (2)
عدد اللاجئين العراقيين* باستثناء طالبي اللجوء بحسب بلدان اللجوء، نهاية 2016
* أعداد اللاجئين في هذا الجدول تحسب إذا كانت 1000 لاجئ أو أكثر في نهاية عام 2016.
** هذا العدد يعود إلى العراقيين المسجلين كلاجئين من قبل المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة. أما الحكومة الأردنية فتقدر عدد العراقيين بـ 400,000 نسمة في نهاية آذار/ مارس 2015. وهذا الرقم يشمل اللاجئين وأصنافا أخرى من العراقيين.
*** هذا الرقم يعود إلى تقديرات حكومية.
المصدر: من إعداد الباحث استنادا إلى UNHCR, Statistical Yearbook 2016 (Geneva: 2017), p. 34.
 
   أما توزيع طالبي اللجوء العراقيين للمرة الأولى في البلدان الأوروبية عام 2018، فنرى أن أكبر عدد في ألمانيا (16330) وأقل عدد في كرواتيا (55) (الجدول 3).
 
الجدول (3)
عدد طالبي اللجوء العراقيين للمرة الأولى في البلدان الأوروبية، 2018
المصدر: من إعداد الباحث استنادا إلى:
 
    وعلى صعيد هجرة الكفاءات العراقية إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فقد ارتفع عددها بقوة من 34255 عام 1990 إلى 95086 عام 2000 (19). وقسم مهم من هذه الهجرة هي هجرة لجوء، وتغيرت نسبة توزيع الكفاءات، حيث باتت أوروبا تستقطب النسبة الأكبر بعد أن كانت أمريكا تحتل هذه المرتبة. في حين ارتفعت نسبة آسيا والمحيط قليلا للفترة 1990 – 2000 (الشكل 3).
 
الشكل (3)
  التغير في هجرة الكفاءات العراقية إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، 1990 - 2000
(النسبة المئوية)
المصدر: من إعداد الباحث استنادا إلى: جامعة الدول العربية، التقرير الإقليمي لهجرة العمل العربية، هجرة الكفاءات نزيف أم فرص؟ (القاهرة: 2008)، ص 53.
 
    في الفترة 1999 - 2003 كانت نسبة العراقيين ذوي الكفاءة العالية في السويد (6,8 في المئة) والدنمارك (4 في المئة) وهولندا (3,5 في المئة) وفنلندا (1,2 في المئة) في حين كانت النسب الأعلى للإيرانيين (6,9 في المئة) والنرويجيين (6,2 في المئة) والاندونيسيين (15,1 في المئة) والروس (34 في المئة) والنسب الأقل للهنود (1,3 في المئة) والأفغان (1,4 في المئة) والأفغان أيضاً (2,2 في المئة) والأثيوبيين (0,7 في المئة) بحسب الدول المقيمين بها على التوالي(20). وهذه النسب تعكس إقرار مصادر الدول المتقدمة بالكفاءات المقيمة في أراضيها ومنها العراقية.
 
    لا تشهد البلدان الأوروبية هجرة اللجوء الوافدة فقط، بل هناك هجرة معاكسة من هذه البلدان إلى خارجها. وتختلف وتيرة هذه الهجرة باختلاف أوضاع هذه البلدان الاقتصادية - الاجتماعية والسياسية، وباختلاف ظرف المجموعات اللاجئة والمهاجرة خصوصا ظروف بلدانها الأصلية. وإذا أخذنا السويد مثالا نجد أن أكبر عدد من الهجرة المغادرة يعود إلى العراقيين، وهي أكثر وسط الرجال مقارنة بالنساء عامي 2017 و2018. أما السوريون والصوماليون والإيرانيون والأتراك فتتراوح هجرتهم هذه بين 299 و612  نسمة في الفترة نفسها، وينخرط فيها الرجال أكثر من النساء أيضا (الشكل 4 والجدول 4 ).
 
المصدر: من إعداد الباحث استنادا إلى الجدول (4).
 
الجدول (4)
         الهجرة المغادرة من السويد بحسب بلد الأصل والجنس، 2017 - 2018 
المصدر: الجدول من إعداد الباحث استنادا إلى مكتب الإحصاء المركزي السويدي Statistics Sweden (scb.se)
 
   من الصعب معرفة العدد الإجمالي للعراقيين في أوروبا لعدة أسباب منها أن الإحصاءات الرسمية دأبت على عدم ذكره. ثم أن العدد عنصر متحرك حيث الهجرة مستمرة من العراق، وهناك تكاثر ناتج من الولادات الجديدة في الخارج، وكذلك الوفيات وكثير من هذه الولادات والوفيات غير موثق في السجلات الرسمية العراقية. ثم هناك دول تحذف الحاصلين على جنسيتها من دولهم الأصلية، وتدخلهم في سجلات مواطنيها.
     
هولندا
   في السنوات الماضية، جاءت أعداد أقل من اللاجئين من العراق وأرتيريا وإيران وأفغانستان، في حين جاء أكثر اللاجئين إلى هولندا من سوريا خصوصا. وقد بلغت هجرة اللجوء ذروتها عام 2016. وإن أكثر من 20 في المئة من المهاجرين الوافدين من هذه البلدان في ذات السنة هم من أفراد الأسر التابعين للاجئين(21).                 
    بالنسبة إلى طالبي اللجوء من العراق وأفغانستان وإيران ودول أخرى واضح أن الأشخاص الذين جاؤوا بعد عام 2014 من الصعب أن يحصلوا على الإقامة مقارنة بأولئك الذي جاءوا عام 2014. وبالنسبة إلى فئة طالبي اللجوء التي جاءت عام 2015 وبعد 30 شهرا من وجودها في مراكز الاستقبال فإن 1900 شخص منهم (4,3 في المئة) لم يحصلوا على الإقامة. أكثر من نصف هذه المجموعة هم من العراقيين أو من الأفغان. وحصلت نسبة 90 في المئة من جميع طالبي اللجوء من السوريين والأرتيريين الذين كانوا في مراكز استقبال طالبي اللجوء في أعوام 2014 و2015 و2016، على إقامة طالب لجوء لفترة محددة بعد 12 شهرا على وجودهم. هذا النسبة تعد مرتفعة جدا مقارنة بطالبي اللجوء من الجنسيات الأخرى، حيث تنخفض ولذات الوقت إلى 12 - 57 في المئة. وحوالي 98 في المئة من السوريين والأرتيريين حصلوا على الإقامة في غضون سنة ونصف، إذ حصل هؤلاء على الإقامة أسرع بكثير مقارنة بالقادمين من العراق وبلدان أخرى (22). وهذا يعود إلى قرارات سياسية تتخذها السلطات الهولندية، تقلل بموجبها من منح اللجوء لجنسيات معينة.
    ويؤكد الشكل (5) هذا التوجه، حيث نرى أن نسبة قبول طالبي اللجوء العراقيين كلاجئين تبلغ 39 في المئة، في حين ترتفع في حالة الأرتيريين إلى 88,5 في المئة، والسوريين 85 في المئة، والأتراك حوالي 81 في المئة(23). وهذا شيء لافت لأن الغالبية الساحقة من الأتراك في هولندا هم ليسوا لاجئين وإنما عمالة مهاجرة، وربما تقف من وراء ذلك دوافع سياسية. أما نسبة الرفض فهي عالية وسط المغاربة والجزائريين والجورجيين، و100 في المئة وسط الألبانيين، على اعتبار أن البلدان التي ينحدر منها هؤلاء الأشخاص تعد مستقرة.   
 
                                          الشكل (5)
القرارات الأولى المتعلقة بطلب اللجوء بحسب الجنسية في هولندا، 2017 (النسبة المئوية)
  المصدر: من إعداد الباحث استنادا إلى:
Vluchtelingen Werk Nederland, Vluchtelingen in getallen 2018 (Nederland:19 Juli 2018), p. 16.                       
 
   من الشكل (6) والجدول (5) يتبيّن أن أكبر جالية لاجئة في هولندا عام 2020 هي الجالية السورية (105 الاف)، تأتي بعدها الجالية العراقية (65 ألفا)، وأكبر جالية مهاجرة هي الجالية التركية (417 ألفا)، تأتي بعدهم الجالية المغربية (409 الاف).
 
الشكل (6)
أعداد الجاليات اللاجئة والمهاجرة في هولندا عام 2020
المصدر: من إعداد الباحث استنادا إلى الجدول (5).
 
الجدول (5)
تطور أعداد الجاليات اللاجئة والمهاجرة في هولندا للفترة 2010 - 2020 (الأعداد بالألف)
المصادر: من إعداد الباحث استنادا إلى:
CBS, Jaarrapport Integratie 2010, p. 33, CBS, Jaarrapport Integratie 2012, p. 37, CBS, Jaarrapport Integratie 2014, p. 26, CBS, Jaarrapport Integratie 2016, pp. 26, 38, CBS, Jaarrapport Integratie 2018, p. 29, CBS, Jaarrapport Integratie 2020, p. 35.
 
البنية العمرية والنوعية
ارتفع متوسط عمر العراقيين في هولندا من 37 إلى 39 سنة للجيل الأول، وظل على المستوى نفسه وهو 9 سنوات للجيل الثاني، لأن أغلبه حديث الولادة في هولندا. ومقارنة بالمجموعات اللاجئة يلاحظ أقل متوسط عمر وسط للأريتيريين 24 سنة والسوريين 28 سنة للجيل الأول عام 2016 (الشكل 7). وهذا راجع إلى ارتفاع نسبة الشباب وسطهم، وحداثة هجرتهم إلى هولندا، أما أعلى متوسط عمر فيعود إلى الإيرانيين 42 سنة للجيل الأول عام 2016، وهو أعلى حتى من متوسط الأنتيليين وهم مجموعة مهاجرة قديمة في هولندا، علما أن المتوسط يتراوح بين المجموعات المهاجرة الأخرى مثل المغاربة والأتراك والسوريناميين بين 47 - 51 سنة للجيل الأول للعام نفسه. وبالنسبة إلى السوريين والأرتيريين الذين وصلوا حديثا إلى هولندا فإن 40 في المئة منهم تقل أعمارهم عن 20 سنة. أما الذين أمضوا وقتا أطول في هولندا فتكون نسبتهم 33 في المئة. ويلاحظ بأن واحدا من عشرة من المجموعتين ولد في هولندا. وبالنسبة إلى الصوماليين تكون النسبة واحدة من ثلاث. ويكون في المتوسط عمر الجيل الثاني للمجموعات اللاجئة أقل من عمر الأشخاص من جاليات البلدان غير الغربية (24) في هولندا.
 
الشكل (7)
متوسط العمر للمجموعات اللاجئة والمهاجرة في هولندا، 2016
المصدر: من إعداد الباحث استنادا إلى: CBS, Jaarrapport Integratie 2016, pp. 26, 38, CBS, Jaarrapport Integratie 2014, p. 26
 
بالنسبة إلى البنية الجنسية (النوعية) للعراقيين في هولندا، يمثل الذكور الغالبية خصوصا الجيل الأول (56,4 في المئة) عام 2018. وقد كانت النسبة أعلى (58,6 في المئة) عام 2008 لكنها انخفضت بسبب ارتفاع نسبة الجيل الثاني الذي يكون الفرق وسطه بين الجنسين أقل؛ إذ بلغت 51,7 في المئة للذكور عام 2018 (الشكل 8). وهي عموما تشبه بنية العراقيين في بلدان اللجوء الأخرى، فيمثل الذكور في النرويج 67 في المئة، وفنلندا 59 في المئة(25)، والدنمارك 54,7 في المئة عام 2017(26). وفي السويد بلغت نسبة المهاجرين العراقيين الذكور 56,7 في المئة و55,3 في المئة عامي 2017 و2018 على التوالي(27). وفي هولندا تظل النسبة أعلى مقارنة بالمجموعات المهاجرة الأخرى. وكانت النسبة بين الذكور والإناث متوازنة تقريبا في الفئتين العمريتين  0 - 14 و65 وأكثر وتشكل نسبة الذكور 61,5 في المئة في الفئة 30 – 44(28). وهذا يعود لحداثة هجرة العراقيين كما أسلفنا وارتفاع نسبة الشباب الذكور في الهجرة. ومقارنة بالبنية الجنسية في العراق، وبحسب اسقاطات عام 2017 بلغت نسبة الذكور في العراق 50,5 في المئة(29). علما أن آخر تعداد في 1997 يثبت أن نسبة الإناث عند 51,3% وهذه النسبة لا يمكن أن تكون واقعية، نتيجة لخسائر الحروب واستمرار الهجرة(30) التي غالبيتها من الرجال.
                     المصدر: من إعداد الباحث استنادا إلى مكتب الإحصاء المركزي الهولندي:
 
     الهجرة المغادرة من هولندا
     نلاحظ من الجدول (6) أن الهجرة المغادرة وسط العراقيين، كانت أعلى من الهجرة الوافدة في الفترتين 2005 - 2006، 2011 - 2013، وكذلك الحال بالنسبة إلى الأفغان للفترة 2005 - 2008 فقط، أما الإيرانيون فينطبق عليهم هذا التوجه خلال الفترة 2005 - 2006 فقط، والمغاربة للفترة 2006 - 2007، فقط، والأتراك خلال الفترتين 2006 - 2007 و2012 - 2015. وهذا يعني أنه في أغلب سنوات الفترة 2005 - 2017 كانت الهجرة الوافدة هي أعلى من الهجرة المغادرة، وهذا يعكس أسباب استمرار الهجرة من هذه البلدان.    
 
 
الجدول (6)
الهجرة الوافدة والهجرة المغادرة لعدد من المجموعات اللاجئة والمهاجرة في هولندا، بحسب بلد المولد، 2005 - 2017 (بضمنها صافي التصحيح الإداري بالنسبة إلى الهجرة المغادرة)
 
المصدر: من إعداد الباحث استنادا إلى:
                     CBS, Statistisch bulletin 2019 (Den Haag| Heerlen| Bonaire: 2019), pp. 15-16.
 
     علما أن الهجرة من هولندا ازدادت عموما في الخمس عشرة سنة الماضية وسط المجموعات اللاجئة الأربع (العراقيون، الصوماليون، الأفغان، الإيرانيون)؛ ففي العام 2005 كانت الهجرة المغادرة بالنسبة إلى جميع هذه المجموعات أعلى من الهجرة الوافدة. وهذا ينطبق بقوة على الصوماليين، حيث في عامي 2003 و2004 انخفضت الهجرة بأكثر من ألفي نسمة سنويا(31). أما السوريون، واستنادا إلى دراسة نشرها مكتب التخطيط الاجتماعي والثقافي والذي استفتى 3200 سوري قبلوا كلاجئين في السنوات الماضية ويحملون الإقامة، فإن 55 في المئة منهم ترغب في البقاء في هولندا، بغض النظر عمّا إذا تحسن الوضع في بلدهم أم لا. وهذه النسبة هي أعلى مقارنة بالمجموعات المهاجرة الأخرى(32). وهذا يعكس قوة استمرار الأسباب الدافعة للهجرة من سوريا.
 
الهوامش:
 (1) Philip Marfleet, Refugees in a Global Era (New York: Palgrave Macmillan, 2006), pp. 21-23.
(2) جامعة الدول العربية، الهجرة القسرية في المنطقة العربية: نظرة عامة حول الأزمة وجهود جامعة الدول العربية (القاهرة: د.ت)، ص 3.
(3) فاضل الأنصاري، مشكلة السكان: نموذج القطر العراقي (دمشق: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، 1980)، ص 126.
(4) من الجدير بالذكر، أن اللاجئين وطالبي اللجوء مصطلحان غالبا ما يُستخدمان بطريقة ملتبسة. فالمصطلح الأول يكون عاما، أما الثاني فهو مصطلح قانوني يتعلق باللاجئين الذين قدموا طلبا للجوء (السياسي)، وطلباتهم ما زالت في طور النظر فيها من قبل سلطات بلدان الاستقبال.
(5) UNHCR, Refugees and Others of Concern to UNHCR (Geneva: July, 2000). Tables, VI, 4. p.110. and VI .6.  p. 112
(6) UNHCR, Statistical Yearbook (Geneva: 2001), pp.11.5-11.6
(7) UN, World Population Monitoring (New York: 1998), p. 18.
(8) UNHCR, Refugees and Others of Concern to UNHCR, Tables, VI, 4. p.110. and VI .6.  p. 112
(9) هاشم نعمة فياض، العالم العربي: دراسات في المتغيرات  السكانية ونظرياتها، ط 1 (عمّان: دار غيداء للنشر والتوزيع)، ص 295.
(10) UNHCR, Statistical Yearbook 2011, p. 2.
(11) UNHCR, Statistical Yearbook 2014 (Geneva: 2014),  p. 54.
(12) هاشم نعمة فياض، العراق: دراسات في الهجرة السكانية الخارجية (بغداد: دار الرواد للنشر والتوزيع)، ص 14.
(13) احتل السوريون المرتبة الأولى في العالم في عدد اللاجئين العام 2017، بعدد 6,3 مليون لاجئ، تبعهم الأفغان 2,6 مليون وجنوب السودان 2,4 مليون وماينمار 1,2 مليون والصومال 986,400 نسمة. أنظر:
UNHCR, Global Trends: Forced Displacement in 2017 (Geneva: 2016), p. 3.
(14) الإسكوا والمنظمة الدولية للهجرة، تقرير حالة الهجرة الدولية لعام 2017 ( بيروت: 2017)، ص، 24-26.
(15) UNHCR Global Report 2016, p. 89.
(16) Vluchtelingen Werk Nederland, Vluchtelingen in getallen 2018 (Nederland:19 Juli 2018), p. 35.
(17) Eurostat News release 26 April 2017, pp. 1, 4.
(18) Eurostat News release 25 April 2019, p. 1.
(19) جامعة الدول العربية، التقرير الإقليمي لهجرة العمل العربية، هجرة الكفاءات نزيف أم فرص؟ (القاهرة: 2008)، ص 53.
(20) Louka T. Katseli et la,  Effects of Migration on Sending Countries What do We Know? (Italy: OECD, 2006), Table A1, pp. 64-69.
(21) CBS, Jaarrapport Integratie 2018 (Den Haag| Heerlen| Bonaire: November, 2018), p. 25.
(22) CBS, Asiel en integratie, Cohortonderzoek asielzoekers en statushouders 2019, pp. 27-29.
(23) Vluchtelingen Werk Nederland, p. 16.      
(24) CBS, Jaarrapport Integratie 2016, p. 37.
(25) أنظر: فياض، العراق، ص 35.
(26) النسبة من حساب الباحث استنادا إلى: Statistical Yearbook of Denmark 2017, Table 9
(27) النسبة من حساب الباحث استنادا إلى مكتب الإحصاء المركزي السويدي Statistics Sweden (scb.se)
(28) من حساب الباحث استنادا إلى مكتب الإحصاء المركزي الهولندي، 2008. Centraal Bureau voor de Statistiek (cbs.nl)
(29) النسبة من حساب الباحث استنادا إلى الجهاز المركزي للإحصاء، المجموعة الإحصائية السنوية (بغداد: 2017)، الجدول 2|7، ص 60.
(30) أنظر: فياض، العراق، ص 35.
(31) CBS, Jaarrapport Integratie 2016, pp. 36-37.
(32) NRC, Handelsblad, 16-05-2019.