أيار 17
خلفيات تاريخية
شهدت الفترة ما بعد الحرب العالمية الاولى موجة من التحركات السياسية بين رجال السياسة والمثقفين في كوردستان عبر تشكيل منظمات وجمعيات سياسة مدنية بلغت عشر جمعيات من عام 1914 الى عام 1946، منها جمعية كوردستان عام 1922 والتي اصدرت صحيفة باسم نداء كوردستان وجمعية الدفاع الوطني عام 1925 وجمعية العلوم الكوردية عام 1925 وجمعية المثقفين. وكانت مطالب هذه الجمعيات تخص حقوق شعب كوردستان في كوردستان الجنوبية ـ أي اقليم كوردستان الحالي. وكان نضال هذه الجمعيات يتمحور حول المطالبة بحقوق الشعب الكوردستاني وتشكيل دولة أسوة بالدول القومية التي تشكلت في المنطقة بعد انهيار الامبراطورية العثمانية. وكانت هناك عدة معاهدات دولية بهذا الشأن منها معاهدة سيفر عام 1919 التي اشارت الى تشكيل دولة كوردستانية وجرى التراجع عنها بمعاهدة لوزان عام 1921 رغم ان المعاهدة تعترف بتشكيل حكومة كوردية في حالة انضمام ولاية الموصل والتي كانت تشمل كوردستان الجنوبية الى دولة العراق. وقد تشكلت دولة العراق عام 1920 وجرى الحاق كوردستان الجنوبية بها عام 1924 بعد معاهدة بروكسل حول رسم الحدود بين تركيا والعراق، دون ارادة شعب كوردستان وفق شروط لم تتقيد بها الحكومة البريطانية والدولة العراقية.
تزامن نضال هذه المنظمات مع الكفاح المسلح للحركة الكوردية وخاصة في اعوام 1919 و1920 و1941 و1943 اضافة الى النضال الجماهيري ضد الاحتلال البريطاني والانتداب البريطاني وقرارات عصبة الامم.
شاركت الشخصيات اليسارية والتقدمية في بناء تلك المنظمات ومن تلك المنظمات التي اتسمت بطابع وطني مع تأثير اليسار عليها منظمة داركر ـ أي الحطاب ـ عام 1938 وقد شاركت شخصيات يسارية منهم الرفيق مكرم طالباني وهو حي يرزق، وكان عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي لغاية الثمانينات، اضافة الى الشاعر الشيوعي دلدار الذي نظم قصيدة (ئه ي رقيب) التي تعتبر النشيد الوطني الكوردستاني في الوقت الحاضر.
وقد تحولت هذه المنظمة الى حزب هيوا الذي توسعت تنظيماته عام 1943، وكان للحزب موقف مناوئ للثورة المسلحة عام 1941.
ضم الحزب جناحين سياسيين. كان الجناح اليميني يؤكد على التعاون مع الانكليز لكونهم الجهة المؤثرة على الوضع السياسي في العراق، في حين كان الجناح اليساري يؤكد على التعاون مع الاتحاد السوفيتي. وقد انشق الحزب نهاية 1944 وبداية 1945 الى حزبين رزكاري ـ اي التحرير ـ نسبة الى جريدتهم المركزية وجرى تطور الحزب عام 1946 الى الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وشورش ـ اي الثورة ـ الجريدة المركزية للحزب الذي جرت تسميته بالحزب الشيوعي الكوردستاني عام 1945. وقد دخل الحزب الشيوعي الكوردستاني في مفاوضات مع الحزب الشيوعي العراقي وجرى انضمامهم الى الحزب الشيوعي العراقي في اطار تنظيم فرع للحزب يضم محليات كركوك و السليمانية و اربيل باسم الفرع الكوردي. وقد انضمت الكوادر الكوردستانية الى الفرع.
اما من الناحية الفكرية فقد انتشر الفكر الاشتراكي في كوردستان بعد ثورة اكتوبر الاشتراكية على يد الشعراء والمثقفين الكورد ـ رجال ونساء ـ ونرى في قصيدة لشاعرة كوردية من مدينة كويسنجق التابعة الى اربيل واسمها زينب خان اشارة الى ايديولوجية ماركس وانجلز في قصيدة لها حول تحرير المرأة عام 1924 اضافة الى كتاب تقدميين كانوا ينشرون الفكر الاشتراكي منهم عبدالواحد نوري. وتواصل دور المثقفين الشيوعيين من شعراء وكتاب في سنوات الخمسينات والستينات من القرن الماضي بعد تشكيل الفرع الكوردي للحزب وتطويره الى فرع كوردستان.
ومن الحركات الاجتماعية التي لها طابع اشتراكي حركة الحق التي تأسست من خلال تحويل احدى الطرق الصوفية الى حركة اشتراكية طوباوية عام 1920 حيث تمكنت الحركة من تشكيل تعاونيات زراعية وتنظيم ادارات ذاتية تعاونية وممارسة المساواتية في التوزيع والتوجه نحو العمل المشترك والمساواة بين الرجل والمرأة.
 اما ما يتعلق بالناحية التنظيمية، ففي المؤتمر الاول للحزب الشيوعي العراقي عام (1945) جرى الاعلان عن الفرع الكوردي. وحسب النظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي كان للفرع الكوردي الحق في وضع البرنامج والنظام الداخلي الخاصين به. وسمي الفرع بعد فترة وجيزة بفرع كوردستان.
في أيّار (1966) عقد فرع كوردستان كونفرانسه الأول. وتحول الفرع في الكونفرانس الثالث للحزب الشيوعي العراقي، كانون الاول 1967 الى (منظمة اقليم كوردستان للحزب الشيوعي العراقي)، التي عقدت مؤتمرها الأول في حزيران (1969)، وأقرت فيه برنامجا وطنيا وديمقراطيا خاصا بكوردستان.
وبعد التحول التاريخي الذي حدث اثر انتفاضة آذار (1991) عقدت منظمة اقليم كوردستان مؤتمرها الثاني في (30/6/1993)، واعتبر ذلك مؤتمر اعلان الحزب الشيوعي الكوردستاني ـ العراق. وقد أيد المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي العراقي هذا التوجه، وساهم في توفير مستلزماته.
           
هل يقتصر اليسار الكوردستاني على الشيوعيين؟
غير ان اليسار الكوردستاني لم يقتصر على الشيوعيين الكوردستانيين، فقد كانت هناك شخصيات وعناصر يسارية ومتأثرة بالفكر الماركسي في بدايات تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني في نهاية الاربعينيات، كما تشكلت منظمات ماركسية واشتراكية في كوردستان وخاصة بعد عام 1975 حيث تشكلت عصبة الماركسيين الللينينين أي (كومه له) وكذلك الحزب الاشتراكي الكوردستاني وحزب الشعب، وبعد ذلك حزب كادحي كوردستان. وقد حدثت تطورات تنظيمية في تركيبة هذه المنظمات والاحزاب حيث حلت العصبة نفسها، وانضمت الى الاتحاد الوطني الكوردستاني، كما حدثت تغييرات في الوجهات الفكرية للكثير من تلك التنظيمات، في حين يواصل حزب كادحي كوردستان وجهته الفكرية كيسار ديمقرطي كوردستاني.
 
العلاقة التنظيمية بين الحزب الشيوعي الكوردستاني والحزب الشيوعي العراقي
تطورت العلاقة التنظيمية بين الحزبين من وجود كوتا داخل قيادة الحزب الشيوعي العراقي لعدد من قيادة الحزب الشيوعي الكوردستاني، واعتبار سكرتير الحزب الشيوعي الكوردستاني عضوا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي بشكل مباشر، الى علاقة تنسيقية بين الحزبين منذ المؤتمر السادس للحزب الشيوعي الكوردستاني والمؤتمر العاشر للحزب الشيوعي العراقي حيث يجتمع المكتبان السياسيان للحزبين كل ستة اشهر اضافة الى تبادل للمحاضر والرسائل الحزبية والتنسيق العملي في المواقف بين المنظمات والمختصات الحزبية والترحيل الحزبي. ويتشارك الحزبان في ذكرى التاسيس الذي يصادف 31 آذار 1934 اضافة الى يوم الشهيد الشيوعي 14 شباط من كل عام، ذكرى اعدام الرفيق الخالد فهد.
 
ماهو الحزب الشيوعي الكوردستاني؟
الحزب الشيوعي الكوردستاني اتحاد طوعي للمناضلين الذين يسترشدون بالماركسية والتراث التقدمي للشعب الكوردستاني وللانسانية، يكرسون جلّ طاقاتهم وامكانياتهم للشعب والوطن وحق تقرير المصير ولقضية الطبقة العاملة والكادحين ولمصلحة المجتمع الكردستاني، ويناضلون من أجل التقدم والعدالة الاجتماعية والاشتراكية.
 يستند الحزب في صياغة برنامجه ورسم سياساته على دراسة الواقع الكوردستاني بكل تجلياته ويسترشد بالماركسية وبالاستفادة من تجارب اليساريين والديمقراطيين ونضال الجماهير وتراث النضال الانساني من اجل الحرية والتقدم الاجتماعي.
يناضل الحزب الشيوعي الكوردستاني من اجل حق تقرير مصير الشعب الكوردستاني ومساواة جميع المكونات القومية والدينية والمذهبية والطوائف الكوردستانية في الحقوق على أساس المواطنة الكوردستانية.
يناضل الحزب في مجال ادارة السلطة من اجل تحقيق مفهوم "الحكم الرشيد"، بمعنى توزيع وادارة ثروات البلد من منظور معالجة المشاكل الاجتماعية وتفعيل مشاركة المواطنين والاستجابة لمطالبهم وسيادة القانون وتحقيق العدالة وانجاز الاعمال على اساس الكفاءة والمسؤولية امام الشعب ووجود رؤية ستراتيجية في التخطيط. وهذا التوجه بحاجة الى بناء نظام سياسي يستند الى مبدأ الديمقراطية والتعددية الحزبية وتداول السلطة واشراك المواطنين في صنع القرار السياسي وشؤون حياتهم، واحترام قيم المواطنة والحريات العامة ومبادئ حقوق الانسان والخصوصيات الثقافية لجميع المكونات الاجتماعية.
في مشروعه لتحقيق التغيير الاجتماعي يربط الحزب نضاله الوطني الديمقراطي بنضاله الطبقي، ويسعى من اجل انجاز التنمية البشرية المستدامة، بمعنى توسيع وتوفير الفرص الملائمة لجميع المواطنين والتأكيد على التنمية المساواتية بين المرأة والرجل في هذه العملية، والاهتمام الاكثر بالفقراء والفئات المهمشة، وتوفير فرص حياة افضل للاجيال القادمة والحفاظ على النظام البيئي. والمقصود من هذه التنمية ليس فقط الجانب الاقتصادي، بل الى جانب ذلك تنمية الطاقات البشرية في مجالات التأهيل العلمي والاكاديمي وتوفير الامن والاستقرار من اجل بناء مجتمع مدني فعال، وتأمين التقدم الاجتماعي والتأمين الصحي وشبكة الرعاية الاجتماعية ومصالح العمال والفلاحين والمثقفين والشرائح ذات الدخل المحدود والفئات المهمشة، وتهيئة الارضية المناسبة لمشاركة المرأة في مراكز القرار، والاهتمام بالشباب في عملية التغيير.
إن الحزب الشيوعي الكوردستاني جزء من الحركة التحررية الوطنية لشعب كوردستان يؤمن بحق تقرير مصير الشعب الكوردستاني في كافة اجزاء الوطن، بما في ذلك حقه في اقامة الدولة الوطنية الموحدة، ويبني علاقاته مع قوى الحركة التحررية الكوردستانية على اسس التعاون والاخذ بنظر الاعتبار الخصوصيات والنضال من اجل تحقيق الديمقراطية وحقوق الانسان والتقدم الاجتماعي، ويعمل في سبيل تقوية اواصر النضال مع الاحزاب اليسارية والديمقراطية والتقدمية في منطقة الشرق الاوسط عموما ومع الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية وقوى اليسار فيها، على اساس النضال المشترك من اجل الديمقراطية والحرية والسلام و التنمية.
كيف يرى الحزب الشيوعي الكوردستاني أزمة اليسار بشكل عام؟
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ودول المنظومة الاشتراكية ظهرت الازمة بشكل واضح في الحركة الشيوعية واحزاب اليسار عموما وانقسمت ردود الفعل الى التمسك بالسلفية واعتبار ما جرى مؤامرة امبريالية فقط، في حين توجه البعض الى خيارات ليبرالية ونيوليبرالية، وعمل البعض مع احزاب الخضر/ البيئة كما في التجربة الأوروبية. اما بالنسبة لنا فقد انتهجنا نهجا اخر وهو التمسك بالمنهج الماركسي والاعتماد على الواقع وتفسيره من اجل التغيير والابتعاد عن الجمود العقائدي (الدوكما)، وأكدنا على المراجعة الانتقادية لتجربة بناء الاشتراكية والتجربة النضالية لحزبنا مع متابعة التطورات الجديدة في العالم الرأسمالي وفي منطقتنا، وتحديد مهامنا من خلال ربط النضال الوطني والتحرري لشعبنا الكوردستاني بالنضال الطبقي والنضال من اجل الحريات العامة وحقوق المواطنين و المساواة الجندرية.
 
ملامح الوضع الحالي
يمكن تشخيص النقاط الانية حول ملامح الوضع الحالي:
ـ تصاعد هجمة النيوليبرالية مع ازدياد أزمات الرأسمالية وزيادة الفقر والبطالة ومخاطر البيئة واستمرار بؤر التوتر في العالم وتراجع ما تحقق من عدالة اجتماعية.
ـ تواجد رأسماليات تابعة ومتخلفة في بلداننا في السلطة تمارس الفساد وتخدم مصالح البرجوازية البيروقراطية والطفيلية الحاكمة التي تربط مصالحها بمصالح المراكز الرأسمالية.
ـ التعثر الواضح في عمليات التنمية وفي تحقيق الاستقرار السياسي في بلداننا وتفاقم الطائفية والتبعية والارتهان بقوى دولية وإقليمية تتصارع من خلال مصالحها وتخلق حالة من الفوضى المستمر في بلداننا، مما شكل الارضية المناسبة لانتشار الارهاب.
ـ تأثر الحركة الجماهيرية في بلداننا بالشعبوية، وتستمر المساعي لتوجيه مسار النقمة الشعبية للفئات المهمشة اي "البريكاريا" الى صراعات وتوجهات لا تضع النقاط على الحروف في ما يخص طبيعة التناقضات، مما يخلق مجالا واسعا لسيادة العفوية وتأطير المطالب.
المطلوب برنامج يساري واضح!
ـ في العراق وفي عدة بلدان في المنطقة نرى أن الازمة الحالية هي ازمة الدولة وازمة المجتمع، ويأتي الحديث عن ازمة اليسار الكوردستاني بسبب عدم تمكن اليسار من المواجهة التي تتطلب طرح بديل وبرنامج يساري واضح يتضمن ما يأتي:
 1ـ وجود برنامج يساري مشترك في كوردستان للشيوعيين والقوى اليسارية الاخرى الداعمة للتغيير الاجتماعي وتكون خطوطه الاساسية الربط بين النضال الوطني التحرري الكوردستاني وحق شعبنا في تقرير مصيره بالنضال الطبقي عبر التاكيد على النضال المشترك مع القوى المدنية العراقية وبلورة المواضيع المتعلقة بالتغيير الديمقراطي في بلدنا ودور المجتمع المدني والنضال من أجل تغيير السياسة الاقتصادية ووجهة الخصخصة المفرطة وفق شروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ومكافحة الفساد ووجهة الاقتصاد الريعي، وتحقيق ارادة سياسية ترفض التبعية وتحافظ على الثروات الطبيعية للشعب، وتعمل من اجل التنمية المستدامة والحكم الرشيد وتضمن حق العمل والتعليم والصحة بشكل متكافئ.
2ـ مراجعة الآليات المتعلقة بالتغيير الاجتماعي في مجتمعنا عبر العودة الى ارادة الشعب وتفعيل الوعي الطبقي وتحديد القوى المحركة للتغيير الاجتماعي وهي قوى شغيلة اليد والفكر مع الاخذ بنظر الاعتبار التغييرات التي جرت على تركيبة الطبقة العاملة والشغيلة عموما بسبب التقدم العلمي التكنولوجي وزيادة حجم الياقات البيض في مجالات العمل.
3ـ مواجهة الحملات الدعائية الرامية الى تشويه دور اليسار والشيوعيين تاريخيا، فمعظم الانجازات التي كانت في مصلحة العدالة الاجتماعية وما حققته الطبقة العاملة والكادحون والحديث عن مجتمع الرفاه وما جرى من انتصار لحركات التحرر العالمية كان بفضل نضالات قوى اليسار التي استطاعت الربط بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية.
4ـ لم تكن نضالات اليسار مجتمعيا وفي اطار الثقافات غير مثمرة. فالكثير من الكتاب والفنانين والسينمائيين والمسرحيين والمبدعين في مجالات الرواية والشعر والصحافة كانوا ضمن اليسار. هذا اضافة الى دور اليسار السابق والحالي في مناهضة الفاشيين القدامى والجدد.
ولا يزال العالم عند مواجهة المشاكل والازمات يولي وجهه نحو اليسار، كما حدث في أزمة الرأسمالية عام 2008 حيث كانت اكثر مبيعات الكتب "راسمال" ماركس.
5ـ نرى أن اليسار ضرورة انسانية والانتماء الى اليسار بهذا المعنى حتى لو كان على الصعيد الذاتي يعتبر مجالا لاكتشاف الذات للعمل من اجل تحقيق برنامج تاريخي يتسم بالمشروعية الثورية. فالانتماء لليسار شرف نضالي والتزام تاريخي.
6ـ يحتاج اليسار على الصعيد الوطني وعلى الصعيد العالمي بصورة جماعية الى مراجعة ذاتية من الجوانب النظرية وطرائق العمل دون الاكتفاء فقط بترديد المقولات التي تعبر عن التجديد. ان ما نحتاجه ضمن الابتعاد عن الدوكما هو الاستعداد لقراءة ماركسية خاصة بمجتمعاتنا، لكي تكون الماركسية اداة معرفية لفهم وتفسير المجتمع الكوردستاني وفهم تناقضاته والنضال من اجل التغيير، لكي يكون منهجنا الماركسي الخاص قراءة للواقع لا لوي الواقع ومفرداته، لكي ينسجم مع منهجنا الفكري.
ماذا تتطلب القراءة المتجددة؟
إن القراءة المتجددة تتطلب ما يأتي:
ـ تحديد طبيعة المرحلة التاريخية في مجتمعنا الكوردستاني باعتباره اساسا لتحديد المواضيع النضالية والمسألة الاساسية في الكفاح.
ـ تحديد طبيعة التناقضات الحالية وما يجرى في العالم من تغييرات تتعلق بطابع العصر.
ـ قراءة متجددة لطبيعة الصراعات على الصعيد العالمي وطبيعة التناقضات والصراعات الداخلية والكشف عن التناقض الرئيسي والتناقضات الثانوية.
 ـ مواجهة حملات تشويه دور اليسار والشيوعية.
ـ الابتعاد عن التبرير عند تقييم التجارب، ودراسة الجانب الذاتي في العمل النضالي وفي مجالات الفكر والممارسة اعتمادا على القاعدة الاساسية في الماركسية التي تؤكد على وحدة الفكر والممارسة.
ـ العمل من اجل صياغة تعريف حداثوي متجدد لليسار، يتحلى بموجبه اليسار بالنفس الطويل الدائم للنضال عبر التركيز على المطالب الجماهيرية الانية وتراكمها، وانجاز نقلة نوعية من خلال حركات اجتماعية تمارس ضغوطها على السلطات في الشارع وتحقق انجازات مستمرة، وتعمل من اجل تهيئة ناخبين تقدميين يؤمنون ببرنامج اليسار.
ـ صياغة تعريف واضح لليسار بحيث تكون المطالب والقيم اليسارية واضحة في العمل النضالي. اي يسار واضح الرؤية، آخذا بنظر الاعتبار التعقيدات الموجودة في الوضع الكوردستاني داخليا وخارجيا، ويتطلب الامر ان يكون خطابه السياسي مع الشعب الكوردستاتي في كل اجزائه، ومع النضالات الديمقراطية لشعوب المنطقة. وان يكون موقف هذا اليسار واضحا من الانظمة القمعية، بعيدا عن تبرير سياسات تلك الانظمة بشكل او آخر. ومن الضروري تشخيص الانظمة الرأسمالية المعاصرة حاليا بشكل طبقي واضح لا ان يفضل دولة على اخرى ضمن الراسماليات المعاصرة. وعلينا ان ندرك باننا نتحدث عن اليسار في القرن الحادي والعشرين.
ـ توجيه خطاب اليسار الى قوى التغيير، الى الشباب والنساء وشغيلة اليد والفكر.
ـ العمل على ان يتجاوز اليساريون والماركسيون دائرة التجارب الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية، والعمل على اعادة الاعتبار لمفاهيم المساواتية والعدالة الاجتماعية والاشتراكية وامكانية تحقيق حياة افضل للانسان. وتتطلب هذه الوجهة ان يكون اليسار الكوردستاني حاملا لفلسفة التغيير.
ـ حماية مشروع اليسار وخطابه السياسي من اللبرلة. فالليبرالية تقوض الخطاب اليساري وتساهم في نشر الوعي المزيف وترويض السياسات المتعلقة بخيار اليسار والاشتراكية كخيار تاريخي. فالخطاب اليساري في كوردستان يجب ان يجمع بين مهام التحرر الوطني الكوردستاني مع مواجهة نهج الخصخصة في السياسات الاقتصادية المتبعة التي هي سياسات الليبرالية الجديدة. ودمج هذه المهام في اجندة تتكامل مع الدعوة الى المساواة الجندرية وحماية الحريات العامة. وتجنب الحديث عن ديمقراطية سياسية بمعزل عن المحتوى الاقتصادي والاجتماعي لفهمنا كيسار ماركسي للديمقراطية اي المحتوى الطبقي مع التأكيد على نشر مفاهيم الحداثة والعقلانية.
ـ ايجاد اساليب جديدة في العمل من خلال ايجاد خيمة للعمل المشترك يشارك الجميع في بنائها وليس نصبها من قبلنا ودعوة الاخرين للانضمام اليها. وتتطور اليات العمل المشترك من خلال النضال الجماهيري الملموس في الشارع، حيث تبدع الجماهير اساليب جديدة ويكون عملنا من خلال البيت الموحد او الخيمة الموحدة لليسار.
ـ الاستفادة من الشخصيات والعناصر اليسارية غير المنتمية للاحزاب السياسية او المنتمية للاحزاب ودعوتها الى العمل المشترك وفق برنامج يساري محدد.
هل بالامكان صياغة برنامج يساري مشترك على صعيد الاحزاب الشيوعية والقوى اليسارية والتقدمية في العالم؟
نرى في الحزب الشيوعي الكوردستاني امكانية رسم وصياغة برنامج أممي عبر التركيز على المفردات الاساسية الاتية:
ـ الابتعاد عن عقلية المفتي في الحديث عن أزمة اليسار في المنطقة أو أزمة اليسار العالمي.
فعندما نتحدث عن ازمة اليسار نتحدث عنها بمعناها العام، فنحن لا نتعامل مع هذه القضية من منطلق اعتبار بعض الاحزاب السياسية مركزا لليسار، وبالتالي نعيد اخطاء الماضي ونستنسخ التجارب. فالحديث عن ازمة لليسار حديث عن خصوصية هذه الازمة، التي نشعر بها في مجتمعنا دون تعميم والاستفادة منها من قبل الاخرين كتجربة نضالية، بعيدا عن عقلية الافتاء.
ـ التركيز على النضال المشترك أمميا في مواجهة الفقر والبطالة والضغط على الحكومات والمنظمات الدولية باتجاه فرض اجندات عالمية وبرامج تحد من الفقر والبطالة باعتبارها مشاكل تتطلب المسؤولية الدولية للحد من تلك الظواهر ومعالجتها، اضافة الى مسؤوليات الحكومات على نطاق كل بلد في مواجهة الفقر والبطالة والفساد.
ـ النضال المشترك للتركيز على المسؤولية الدولية في مواجهة الاوبئة العالمية كـ"كورونا" مثلا عبر التركيز على الحوكمة الصحية ومسؤولية الدول والحكومات في مجال التامين الصحي وتوفير انظمة صحية فعالة قادرة على مواجهة الكوارث الصحية.
ـ العمل من أجل الحوكمة في مجال البيئة ومواجهة المخاطر التي تهدد البيئة البشرية، ويتطلب ذلك مواجهة المراكز الراسمالية العالمية وسياسات الليبرالية الجديدة، فهي إضافة إلى جلبها الفقر والبطالة، تهدد البيئة البشرية في العالم، عبر النضال من اجل تنفيذ الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية البيئة.
ـ النضال من أجل مجتمع المصير المشترك للبشرية من خلال اعتبار التنمية وتوفير العيش الكريم للانسان وحل قضايا الشعوب وفق ارادتها الحرة، قضايا عالمية تمس السلام العالمي، مما يتطلب النضال من اجل الضغط لمنع الحروب الاستباقية واطفاء بؤر التوتر.
ـ العمل على الصعيد الوطني في ما يخص قوى اليسار في كل بلد، على استكمال المهام الوطنية والربط الديالكتيكي بين المهام الوطنية والمهام الطبقية والنضال من أجل الحريات العامة.
ـ يبني الحزب مفهومه للاشتراكية استنادا الى توسيع الديمقراطية واعتبار الاشتراكية عملية حياتية وتنموية مستقبلية ومتجددة حسب تجدد حاجات البشرية وسبل توفيرها. وهي عملية تدريجية مستمرة تبنى على اساس ابداع الجماهير وخياراتها وتفضيل طاقات المنتجين الاحرار وقوى العمل. وهذا يتطلب الارتقاء بمستوى النضال ضد اللامساواة السياسية والاجتماعية والتوزيع غير العادل للثروات وغيرها من عيوب النظام الرأسمالي الناتجة عن الجشع والاستغلال.
كما ان الحزب الشيوعي الكوردستاني جزء من الحركة الديمقراطية اليسارية والاشتراكية التقدمية في العالم، ويناضل من اجل تأسيس نظام عالمي جديد وعادل مبني على رفض سيادة القطب الواحد ومواجهة مشاريع الليبرالية الجديدة التي تقوض مكتسبات الكادحين، وتقضي على شبكة الرعاية الاجتماعية والضمان الاجتماعي، وتوسع الفقر والتمييز على المستويين الداخلي والدولي.
ـ يؤكد الحزب على مفهومه لعولمة انسانية مبني على حوار وتفاعل الحضارات والابتعداد عن التنمر وفرض العقوبات الاقتصادية، ويعمل من اجل الوقوف بالضد من الجوانب السلبية للعولمة الرأسمالية وتوجيه مكتسبات التطور التكنولوجي، وفي مجال الاتصالات في كافة المجالات، من اجل خدمة الانسانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 كاوه محمود: سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوردستاني
نص مداخلة الاستاذ كاوة محمود سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوردستاني، والتي قدمها في الندوة التي أقامها التيار الديمقراطي الفلسطيني المستقل.