أيار 14
 
مقدمــة
   الماء هو أثمن مورد على وجه الأرض وهو أيضا أكبر مكوّن لمعظم الكائنات الحية، التي تعتمد عليه من أجل بقائها. وتمتص النباتات كمية كبيرة من الماء من التربة أو من الهواء عبر أجزائها الخضرية، لكي تتمكن من إنجاز العمليات الفسيولوجية والكيميائية الحيوية، اللازمة لنموها وتطورها ولإنتاج الثمار. وبديهي أن يكون للماء أهمية أساسية في ضمان الأمن الغذائي للبشرية، حيث تستهلك الزراعة 70 في المائة من إمدادات المياه العذبة في العالم و 95 في المائة من جميع عمليات سحب المياه الجوفية، خاصة في البلدان النامية. ويتم إنتاج 40 في المائة من السعرات الحرارية، والتي توفر الغذاء الى 3.4 مليار إنسان، من الأراضي المروية، فيما يمكن توفير الغذاء لمليار ونصف المليار من البشر، إذا ما حول 35 في المائة من الأراضي الديميّة الى مزارع مروية(1).
وبسبب تغير المناخ والنقص المتواصل في توفر المياه العذبة، إشتدت المنافسة على الموارد المائية المتاحة، لاسيما مع نمو سكان العالم (سيزدادون بنسبة 60 في المائة العام 2050)(2)، والذي يسبب طلباً متزايداً على الغذاء مما ستصبح زراعة أي أرض صالحة للزراعة على هذا الكوكب، وداخل حدود أي بلاد، أمراً ضرورياً، لا لإنتاج الغذاء لسكانها فقط بل وللبشرية جمعاء. وقد أجبر تفاقم المشكلة عالمياً على تسارع في البحث عن حلول وإبتكار تقنيات حديثة تساعد في إستثمار كل قطرة ماء في زيادة إنتاج المحاصيل إلى أقصى حد ممكن، وتقليل فقد المياه، وتحسين كفاءة إستخدامها، فتم دمج تقنيات الري الموفرة للمياه وإعتماد زراعة محاصيل صديقة للبيئة والمزج بين عمليات زراعية مختلفة كالري والتسميد ومكافحة الأدغال(3). ولتحقيق المزيد من النجاح في المستقبل، تتصاعد أهمية وجود سياسة إروائية علمية ومناسبة، تتبناها الحكومات، وإستثمارات كبيرة في مجال البحث العلمي والإبتكار التقني.
 
الأمن المائي في العراق
قامت الأمم المتحدة بتصنيف العراق كأحد البلدان الخمسة الأولى الأكثر تأثراً بتغير المناخ في جميع أنحاء العالم، وأشارت الى تزايد فقدانه للأراضي الصالحة للزراعة بسبب التملح وقلة هطول الأمطار وموجات الحر الطويلة والعواصف الترابية.
ومع ما يتميز به الإنتاج الزراعي في البلاد من ظروف معقدة، منها وجود مناخ حار وجاف صيفاً مع انخفاض هطول الأمطار شتاءً وربيعاً، وتربة رسوبية ذات خصوبة منخفضة، وارتفاع في معدلات تملح التربة، وتناقص مياه الرافدين الأساسيين بسبب تقليص الإطلاقات من دول المنبع، وغياب إسترتيجية توفير الأصناف المناسبة من البذور، القادرة على التكيف مع ظروف التربة والمناخ، وارتفاع معدلات الإصابة بأمراض الحيوان والآفات الزراعية، تشتد الحاجة الى حلول جذرية سريعة، تضمن الأمن الغذائي للعراقيين، خاصة مع وصول درجات الحرارة في الصيف إلى أكثر من 50 درجة مئوية في بعض مناطق البلاد، والإعتماد على الري في نطاق واسع لتحقيق إنتاج زراعي مناسب.
وتشتد الأهمية أيضاً بسبب فقد العراق مؤخراً لـ 90 في المائة من المياه التي كانت تتدفق اليه من ايران وحوالي 70 في المائة من المياه التي كانت تتدفق اليه من تركيا، ما خلق أزمة شديدة بالإمدادات المائية وترك تأثيرات سلبية قاسية على الإنتاجين الزراعي والحيواني، لاسيما حين ترافق هذا الحصار المائي مع جفاف استثنائي تعيشه البلاد هذا العام.
فبعد أن كانت حصة العراق من نهر دجلة تصل الى 20.5 مليار متر مكعب ومن نهر الفرات 30 مليار متر مكعب عام 1933، بلغت في العام الفائت 9.7 و 9.5 مليار متر مكعب فقط، ومن النهرين على التوالي(4) وقد دفع هذا الأمر الخطير بالبنك الدولي الى التحذير من أن الموارد المائية ستصل إلى 20 بالمائة من احتياجات العراق بحلول عام 2050 في حال استمر الوضع على ما هو عليه. وأشار البنك الى أن ذلك سيعني حرمان ثلث الأراضي المروية حاليا من حصتها المائية وتراجع الناتج المحلي بنسبة 4 بالمائة، إضافة الى تراجع الطلب على العمالة بنسبة لا تقل عن 12 بالمئة في الأنشطة الزراعية، وهجرة سبعة ملايين شخص، من العمل في الزراعة(5). كما حذرت وزارة الموارد المائية العراقية، في تقرير صادم، أصدرته في ديسمبر 2021، من أن استمرار فقدان المياه من نهري دجلة والفرات، اللذين يشكلان العمود الفقري لإمدادات المياه العذبة، يمكن أن يحّول البلاد إلى أرض بلا أنهار بحلول عام 2040(6).
 
الري والأمن المائي
الري هو تزويد التربة إصطناعياً بالماء لتلبية الحاجة المائية للمحاصيل، وذلك من أجل زيادة الإنتاج إلى أقصى حد. وعلى الرغم من التقدم التكنولوجي، واستخدام أنواع البذور الأكثر مقاومة للحرارة، والأصناف المعّدلة وراثيًا، فلا يزال الري، بكل أشكاله، وفي الوقت المناسب لإنجازه، العامل الأكثر أهمية في تحديد الإنتاجية الزراعية(7). ولهذا يجب أن يتحقق الأمن المائي، كي تكون المياه متاحة بانتظام لنمو المحاصيل بشكل مطرد، ولإعادة نمو الغطاء النباتي للتربة والحماية من الصقيع في الشتاء، والحد من نمو الأدغال والتقليل من إنجراف وتعرية التربة.
وللري أنظمة متعددة، منها نوعان رئيسيان، يعتمدان على القوة الدافعة للنظام سواء كانت عبر قوة الجاذبية أم عبر قوة الضغط. ومهما كانت طريقة الري المتبعة، فإن الغرض منها يجب أن يضمن تحقيق إدارة أفضل للمياه وعائداً أعلى. وفي ما يأتي ملخص مكثف لطرق الري التقليدية والحديثة(8).
  1. الري السطحي أو بقوة الجاذبية
يعتبر هذا النوع من الري، تقليدياً وقديماً جداً، حيث يعتمد على قدرة الماء على التحرك في جداول وقنوات صغيرة، فيتقدم في البداية ليغمر الحقل كله ثم يبدأ بالتسلل الى التربة، قبل أن يركد ليتسرب الى عمق الأرض، فيما يتبخر قسم منه بسبب حرارة الهواء وحركته. ولا يتطلب هذا النوع رأسمالاً كبيراً، لأنه يعمل بطاقة الجاذبية، كما يسهل التحكم به ولا يتطلب خبرة فنية عالية. وتسبب هذه الطريقة، وهي الأكثر إتباعاً في العراق، هدراً كبيراً في المياه، من خلال الترشيح العميق والجريان السطحي والتسلل، وتخريبا تدريجيا للتربة، التي تظل خاضعة لظروف لا هوائية، وزيادة في معدلات التبخر وبالتالي حدوث التملح. كما تؤثر هذه الطريقة سلباً على نمو النبات وتطوره بسبب تدني نسبة الأوكسجين في التربة.
 
  1. الري بالضغط
يعتمد نظام الري هذا على تزويد النبات بالماء بقوة الضغط، حيث يجري استخدام التقنيات في تحديد الكمية المناسبة للمياه وأحياناً العناصر الغذائية التي يحتاجها النبات في نموه، وذلك على ضوء معرفة نوع النبات ونوع التربة وخصائص الحقل وأدنى تكلفة ممكنة مع أعلى معدل تشغيل. ومن أمثلة نظام الري بالضغط، نذكر ما يأتي:
1.2. نظام الري بالتنقيط
وهو نظام ري فعال يستخدم في زراعة المحاصيل وأشجار البستنة بكفاءة عالية. ويتم في هذا النظام توفير المياه مباشرة إلى التربة المحيطة بمنطقة الجذر، من خلال أنابيب التنقيط الموضوعة على سطح التربة، إذا كان التنقيط سطحياً، أو تحت التربة بعمق سينتمترات محدودة، إذا كان التنقيط تحت السطح. وبالمقارنة مع طرق الري التقليدية، يمكن لنظام الري بالتنقيط زيادة كفاءة المياه للمزارع بنسبة تصل إلى 70 في المائة وتقليل تكاليف الطاقة الى النصف. وتتمثل قدرة هذا النظام على توفير المياه بترطيب جزء محدد من التربة (يصل الى 15 في المائة كحد أدنى و60 في المائة كحد أعلى)، وبالتالي لا يكون هناك جريان سطحي أو ترشيح أو تبخر كبير يسبب الهدر في الماء وتملح الأراضي(9).
لقد أدت كفاءة الري بالتنقيط ومزاياه من زيادة في الإنتاج وتحسين للنوعية ومنع للهدر في المياه، الى زيادة شعبيته بين مزارعي العالم، وخاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، التي تفتقد المياه العذبة. كما تم تطوير الري بالتنقيط بحيث أصبح ممكناً إستخدامه للتسميد فيما يطلق عليه التسميد بالتنقيط (Fertigation)(10). وأظهرت دراسة أجراها معهد فالنسيا الإسباني للبحوث الزراعية بأن إستخدام نصف كمية المياه، في نظام الري بالتنقيط ذي التدفق المنخفض أو المنخفض جداً، قد حقق مستويات اعلى في الإنتاج الزراعي، حين تم الري والتسميد في نظام واحد. كما وثقت العديد من الدراسات بأن التسميد بالتنقيط زاد من كفاءة استخدام السماد بنسبة 25 في المائة، وقلل نسبة إستخدام النيتروجين والبوتاسيوم بمعدل 20 في المائة، ورفع من معدل إمتصاص السماد غير العضوي الصلب من 10- 40 في المائة الى 90 في المائة(11).
وتعد فعالية وكفاءة نظام الري بالتنقيط عاملاً مهماً في نجاحه، حيث تنظم فوهات التنقيط، عددها ونسبة التدفق منها والضغط فيها، على ضوء نوع التربة والمياه وحاجة المحصول ووقت الري. وتؤدي المياه العكرة سواءً بسبب تركيبها الفيزياوي (جزيئات الرمل) أو البيولوجي (البكتيريا) أو الكيميائي (الأسمدة غير العضوية والأملاح) إلى انسداد الفوهات، مما يؤثر سلباً على إنتاجية الحقل. ولهذا ينبغي العمل على معالجة المياه وجعلها أقل تعكراً قبل ضخها في النظام. ويمكن سقي أي محصول بالري بالتنقيط، لكن هذا النظام أكثر انتشاراً في حقول الخضروات وبساتين الفاكهة.
ويمكن هنا أن نذكر العديد من إيجابيات نظام الري بالتنقيط، والذي يشكل أحد حلول مشكلة الجفاف في العراق. فهو أكثر أنظمة الري كفاءة في استخدام المياه، ووسيلة للتوفير في استخدام الأسمدة والمبيدات، وتقليل الأمراض الفطرية التي يسببها تعرض الأجزاء الخضرية للماء، ويفيد النمو على المدى القصير في ظروف الجفاف. كما يتميز النظام بمرونة عالية في التصميم بحيث يمكن تقليصه أو توسيعه حسب الحاجة. ومن المهم أيضاً الإشارة الى أنه نظام مكلف ويتطلب عمالة كبيرة نسبياً لإدارته وإدامته. هذا ويخضع نظام الري بالتنقيط لتطوير متواصل، كانت آخر أشكاله الري بالتنقيط ذي المعدل المتغير، حيث يتحكم الذكاء الاصطناعي بوقت ومكان تغيير كمية المياه المستخدمة، إعتماداً على ظروف الرطوبة والمناخ وحاجة النبات الأنية للماء.
2.2. نظام الري بالرش
يشمل الري بالرش سقي النباتات من خلال عملية تحاكي هطول الأمطار الطبيعي، حيث يتم رش الماء في الهواء من خلال سلسلة من الأنابيب لتشكيل قطرات قبل أن تهبط فوق الأوراق والأجزاء الخضرية الأخرى. ويتم رش الماء من خلال رشاشات أو قاذفات ضغط عالي. وهناك أنواع مختلفة من أنظمة الري بالرش، كنظام المحور المركزي ونظام المسدس المطري ونظام الأنابيب المثقبة ونظام الرأس الدوار. ويتكون كل نظام منها من وحدة ضخ وخط رئيسي وآخر جانبي ومرشات.
ويعد الري بالرش نظاماً قابلاً للتكيّف مع معظم أنواع الترب، ولكنه مفضل للتربة الرملية ذات القدرة المنخفضة على الاحتفاظ بالمياه. ويسمح هذا النظام بالاستخدام الفعال للمياه ويقلل من العمالة الإضافية اللازمة لاستخدام الأسمدة ومبيدات الآفات والأعشاب، ويعتبر أكثر كفاءة في ري النباتات ذات التركيز العالي لكل وحدة مساحة من الأرض مثل الحبوب والخضراوات. ويمكن أن يستمر لفترة أطول من الري بالتنقيط. ومن عيوبه التكلفة الأولية العالية، وتكلفة الطاقة المستخدمة وتأثره بالرياح وتسببه بشيء من التبخر، على عكس الري بالتنقيط(12).
3.2. ري النسيج النموذجي تحت السطح
يحتوي هذا النظام على طبقة أساسية غير منفذة (عادة ما تكون مصنوعة من البولي إيثيلين)، وخط بالتنقيط يمتد على طول تلك الطبقة، وطبقة من التكسية الأرضية أعلى خط التنقيط، وطبقة ضيقة غير منفذة أعلى التكسية الأرضية. وتخلق الطبقة غير المنفذة منسوباً مائياً إصطناعياً فعالاً. ومن مزايا هذا النظام عدم التأثر بالطقس والرياح، وتوفير المياه بنسبة 50 الى 70 في المائة قياساً بأنظمة السقي العلوية، وإنخفاض تكاليف الطاقة، وتقليل التبخر، ومنع نمو الأدغال بسبب عدم وجود ماء على سطح التربة.
 
نظام تقييم الري
وهو طريقة لتحديد كفاءة وفعالية استخدام المياه، وتأثيرها على نمو وإنتاجية وجودة المحاصيل. وقد شمل هذا التقييم، في الآونة الأخيرة، إستخدام الإنسان الآلي وأجهزة التحكم الذكية والاستشعار عن بعد وأجهزة تقدير رطوبة التربة، مع الأخذ بالإعتبار أن فعالية هذه التقنيات تعتمد على تصميم نظام الري.
وتستخدم أنظمة الري الذكية أجهزة لقياس ظروف التربة في أوقات محددة، عبر الأقمار الصناعية أو مستشعرات مجسات التربة، والتي يتم دمجها بعد ذلك مع تحليل البيانات وتوقعات الطقس لتنظيم كمية المياه التي يتم ايصالها للمحاصيل. وعموماً، تتيح هذه التقنية التحكم الكامل في جرعات المياه وتوفير نظرة ثاقبة على الحالة الصحية للمحاصيل، بحيث تقلل من 30 الى 50 في المائة من الحاجة للمياه وتزيد الغلة بنسبة الضعف الى ثلاثة أضعاف مقارنة بالحقول التي لا تحتوي على أنظمة الري الذكية. ويجب عند تصميم أنظمة الري، حساب النقاط التالية:
  • مصدر المياه
مصدر المياه هو عامل حاسم في تصميم نظام ري فعال، وهناك ثلاثة مصادر رئيسية للمياه وهي المياه الجوفية والمياه السطحية ومياه الأمطار. كما يمكن جمع مياه الأمطار من الغلاف الجوي واستخدامها في الري.
  • الخصائص الميدانية
وتشمل خصائص الحقل مثل حجم الحقل والتضاريس وأنواع التربة، وهي عوامل محددة في اختيار نظام الري وتصميمه ونوع المحصول ونمط الزراعة. وفيما يحدد حجم الحقل وتضاريس الأرض كمية الضغط المطلوب إستخدامها لإرواء الحقل، تشمل خصائص التربة قدرتها على الاحتفاظ بالمياه، والتي تعتمد على تركيبها ونسجتها ومحتواها العضوي.
  • جدولة الري
تختلف النباتات في إحتياجاتها المائية في مراحل نموها المختلفة، ولهذا يجب أن تتم جدولة للري مناسبة لذلك. وتعتمد الجدولة على قياس رطوبة التربة ومستويات التبخر (من التربة ومن النبات نفسه) وتحديد حاجة النبات للماء في كل مرحلة من مراحل نموه، على ضوء المتغيرات المورفولوجية والفسيولوجية الحاصلة فيه (كتجعد الأوراق وتوقف النمو وسقوط الأزهار وتعثر عقد الثمار وتغيير صبغة الكلوروفيل)(13)
  • تغطية التربة
تتم تغطية التربة لتحسين ظروفها (كالمحتوى العضوي والميكروبي) والمحافظة على رطوبتها وتقليل درجة حرارتها، وكذلك لحماية الجذور وتقليل إستخدام مياه الري، ومكافحة الأدغال وبعض الآفات الحشرية. وتستخدم في التغطية مواد عديدة كنشارة الخشب وقلف الأشجار وقش الأرز والتبن ونفايات قصب السكر وبعض المواد البلاستيكية (14).
أبرز النصائح للتقليل من إستخدام المياه في العراق
  1. إعتماد الرى بالتنقيط
تقوم أنظمة الري بالتنقيط بتوصيل المياه مباشرة إلى جذور النبات، مما يقلل التبخر الذي يحدث مع أنظمة الري بالرش. ويمكن استخدام الموقتات لجدولة الري أثناء أوقات اليوم التي تشهد معدلات أدنى للحرارة، مما يقلل من فقد الماء، حيث يوفر الري بالتنقيط المثبت بشكل صحيح ما يصل إلى 80 في المائة من المياه أكثر من الري التقليدي، كما يساهم في زيادة غلة المحاصيل.
  1. التقاط المياه وتخزينها
يمكن أن تعتمد المزارع الصغيرة على المياه الجوفية، أو إقامة برك خاصة محمية من أشعة الشمس لتجميع وتخزين مياه الأمطار على مدار السنة.
  1. جدولة الري
الإدارة الذكية للمياه لا تتعلق فقط بكيفية توصيل المياه، ولكن أيضاً، في تجنب نقص الري أو الإفراط في ري المحصول، أي في تحديد أوقات الري وكمية المياه الواجب إستخدامها وعدد الريات. ولهذا على المزارعين ودوائر الإرشاد الزراعي مراقبة توقعات الطقس بعناية، وقياس رطوبة التربة والنباتات وبالتالي تكييف جدول الري الخاص بهم مع الظروف السائدة. كما يمكن الري ليلاً للتقليل من التبخر أثناء السقي مما يسمح للمياه بالتسرب إلى التربة وتجديد منسوب المياه الجوفية.
  1. زراعة المحاصيل التي تتحمل الجفاف
تعد زراعة المحاصيل المناسبة لمناخ المنطقة طريقة أخرى يستثمر المزارعون فيها كل قطرة ماء في إنتاج محصول أكثر. وعادة تكون المحاصيل المستوطنة الأكثر تحملاً للجفاف وشحة المياه. كما أن هناك لكل نوع نبات عشرات وأحياناً مئات الأصناف التي تم تطوير خصائصها الجينية بغية تقليل احتياجاتها من المياه، ويمكن أن نضرب أمثلة على ذلك في الزيتون والخيار والفاصوليا البيضاء والأوراش.
  1. الزراعة ديماً
لا يقوم المزارع هنا بالري، بل يعتمد على ما تجود به السماء وعلى رطوبة التربة بشكل أساسي. ولضمان ذلك لا بد من معرفة ظروف الطقس في منطقة الإنتاج المحددة، عبر متابعتها لعشر سنوات مثلاً، وإتباع طرق حراثة خاصة ومتابعة المناخ المحلي دورياً. وعموما لا تحقق هذه الزراعة ذات الغلة التي تحققها الأراضي المروية.
  1. الرعي
رعي المزارع بعد الحصاد عبر نقل الماشية بين الحقول، يساعد في إعادة نمو الغطاء النباتي، وزيادة امتصاص الحقول للمياه والتقليل من جريانها، مما يجعلها أكثر مقاومة للجفاف، ويزيد المواد العضوية في التربة.
  1. السماد والنشارة
من المعروف أن السماد والمواد العضوية المتحللة المستخدمة كسماد، تزيد خصوبة التربة وتحسن من تركيبها ونسجتها وبالتالي قدرتها على الاحتفاظ بالمياه. تستخدم بعض المزارع في الدول المتقدمة مواداً لتغطية التربة، كما ذكرنا سابقاً، وذلك للحفاظ على الرطوبة وتقليل نمو الأدغال المستهلكة للماء وتقليل التبخر، علماً بأن هذه المواد ستتحلل تدريجياً وتتحول الى سماد، يواصل تحسين قدرة التربة على الاحتفاظ بالمياه.
  1. الغطاء الخضري
تقوم بعض المزارع بإنبات غطاء خضري في جميع المساحات الخالية من المحصول. وتستخدم عادة النباتات التي لا تحتاج الى مياه والقادرة على تثبيت النتروجين في التربة. وقد وجدت دراسة أمريكية عام 2012 بأن هذه المزارع تحقق زيادة في الإنتاج تصل الى 11 - 14 في المائة خلال سنوات الجفاف. وفيما تساعد هذه الطريقة على زيادة خصوبة التربة ومحتواها من المواد العضوية، تمنع تآكلها والضغط عليها وبالتالي تُحسن من قدرتها على الاحتفاظ بالمياه (15).
  1. الزراعة العضوية
أكدت دراسة أجراها معهد رودال في الولايات المتحدة، واستمرت لثلاثين سنة، على أن الزراعة العضوية قد زادت في سنوات الجفاف من منتوج الذرة بنسبة 30 في المائة قياساً بالزراعة التقليدية. كما تم تقليل تسمم المياه الجوفية بسبب إستخدام المبيدات الكيمياوية، وحسّنت من قدرة التربة على الاحتفاظ بالرطوبة، بسبب كونها تربة صحية غنية بالمواد العضوية والأحياء الدقيقة، تعمل كحاوية إسنفجية للماء. علماً بأن ذات التجربة قد بينت بأن منسوب المياه الجوفية في المنطقة قد زاد بمعدل 20 في المائة.
استخدام الذكاء الاصطناعي AI
في العقود التي سبقت اختراع تقنية الذكاء الإصطناعي في الري، إعتاد المزارعون على الاعتماد إلى حد كبير على خبرتهم لتقدير الظروف والاحتياجات المائية للمحاصيل. الا أن الذكاء الإصطناعي مكّن الشركات من إنتاج نظام ري رقمي، حيث يمكن للمزارعين، وإعتماداً على عدد كبير من أجهزة الاستشعار التي تراقب المحصول، معرفة كمية المياه اللازمة للري.
تقوم هذه الأجهزة بمراقبة مستويات الرطوبة وأشعة الشمس وسرعة الرياح بالإضافة إلى كمية المياه التي يتم ضخها في الحقل. كما تستخدم أجهزة حديثة لقياس كمية النتح (الماء المتبخر من الجزء الخضري من النبات)، وبالتالي التعرف على مستوى الضمأ الذي يعاني منه المحصول في ذلك اليوم، بمعنى مستوى التوتر (stress) في النبات (16).
ورغم أن تقنيات الري اعتمادا على الذكاء الاصطناعي تكون مكلفة أحياناً، فإن زيادة الإنتاج الذي تحققه والتصرف العلمي بكميات المياه (لاسيما في ظروف التغيير المناخي والجفاف) والتحسن الكبير في الجودة، تحقق زيادة كبيرة في المردود المالي مما يمكن معه تغطية الفرق في التكاليف قياساً بالري التقليدي (17).
في إسبانيا وفرنسا وتركيا، بدأت الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار (UAV) في مساعدة المزارعين على زيادة وتنظيم إنتاجية حقولهم، وذلك كجزء من تقنية الذكاء الإصطناعي، والتي يمكنها أن تتنبأ بكمية الإنتاج النهائي وموعد القطاف ـ الحصاد، وتساعد المزارعين على تحديد خطط التسويق والحفظ والتخزين، مما يحّسن من مداخيلهم ويقلل معدلات التلف في المحصول.
 
خاتمة
لقد إختفت الفاكهة العراقية منذ فترة طويلة من على موائد العوائل، بسبب ما تشهده أشهر الصيف، وهو فترة إنتاج معظم أصنافها، من موجات حر شديدة وجفاف، في ظل الإبقاء على طرق الري التقليدية، وحلت محلها الفاكهة المستوردة، التي يعرف كل العراقيين الفرق بين نوعيتها ونوعية فاكهتهم التي وأدها الضمأ. إن إنقاذ الزراعة العراقية وتحقيق اكتفاء ذاتي كامل أو شبه كامل يستوجب وجود استثمارات كبيرة للارتقاء بأنظمة الري إلى مستوى نافع، مع إيلاء اهتمام خاص لنوعية المزروعات، ولإتباع أساليب الزراعة الحديثة.
إن الأوضاع الخطرة التي يعيشها العراق على صعيد الأمن الغذائي والمائي، والتي حذرت منها إستراتيجية موارد المياه والأراضي التي اعتمدتها وزارة الري العراقية عام 2015 (18)، تتطلب وضع إستراتيجية عاجلة، لا لانتزاع حقوق البلد من المياه من دول المنبع وحسب الشرائع الدولية، بل وأيضاً تغيير وتحديث أنظمة الري وتقليص الهدر الحاصل في المياه، فهناك أنظمة ري تتبع في البلاد منذ عصر السومريين، أدت الى زيادة تملح التربة، ما أخرج 300 ألف هكتار من الأراضي الزراعية من الإنتاج (19). كما أدت الى تحول نصف اراضي العراق الى ظروف المناخ شبه الصحراوية حيث تتأثر 60 مليون دونم سنوياً بالرياح والرمال المتحركة (20) وحيث يتقلص الغطاء النباتي وتتحطم الطبقة الغذائية للتربة والواقعة على عمق 30 سم من السطح. 
ولهذا بات ضرورياً للغاية، تبنى إستراتيجية مبنية على دراسات توضح مستوى النتح ـ التبخر (Evapotranspiration (ET، والحرارة على ضوء تغير المناخ عالمياً، وتحدد الحاجة من مياه الري (Irrigation water requirement، IWR)، وتوازن المياه في حوض نهري دجلة والفرات على ضوء المتغيرات المناخية (كارتفاع حرارة الأرض العراقية بمعدلات سريعة تقارب 1.5 درجة مئوية)، والتي زادت من معدلات التبخر لتتجاوز 8 مليار متر مكعب من المياه سنوياً. كما لابد من تطوير الريف وتدريب المزارعين على طرق الري الحديثة واستخدام طرق الزراعة العصرية ووضع سياسات زراعية مستقرة وتطوير البحث العلمي والإستفادة من نتائجه. 
 
الهوامش
  1. Lorenzo Rosa، 2022. Adapting agriculture to climate change via ustainable irrigation: biophysical potentials and feedbacks. Environ. Res. Lett. 17. 063008.
  2. Busschaert، L.، de Roos، Sh.، Thiery، W.، Raes، D. and De Lannoy، G. 2022. Net irrigation requirement under different climate scenarios using AquaCrop over Europé. Hydrol. Earth Syst. Sci. 26. pp. 3731–3752.
  3. https://agri.com.sa/blog/5-irrigation-solutions-for-industrial-farming-in-hot-climates/
  4. www.mirs.co
  5. تقرير للبنك الدولي صادر في 25 نوفمبر 2021.
  6. تصريح وزير الموارد المائية مهدي الحمداني، ديسمبر 2021.
  7. Tuong، TP.، Bouman، BAM.، Mortimer، M. 2005. More rice، less water - integrated approaches for increasing water productivity in irrigated rice-based systems in Asia. Plant Production Science. 8(3) pp.231-241. DOI: 10.1626/pps.8.231
  8. Bouwman، BAM.، Hengsdijk، H.، Hardy، B.، Bindraban، PS.، Tuong، TP.، Ladha، JK.2002. Water-wise rice production. Philippines: International Rice Research Institute; 2002. pp. 356
  9. Fanish، SA.، Muthukrishnan، P.، Santhi، P. 2011. Effect drip fertigation on field crops. Agricultural Review. 32(1) pp.14-25
  10. Tahir، I.، Johansson، E. and Olsson، M. 2008. Improving the Productivity، Quality، and Storability of ‘Katja’ Apple by Better Orchard Management Procedures. HortScince 43(3)،725–729.
  11. Singh، AK. And Singh، RB. 1999. Effect of mulches on nutrient uptake of Albiziaproceraand subsequent nutrient enrichment of coal mine overburden. Journal of Tropical Science. 11.345-355
  12. https://agri.com.sa/blog/5-irrigation-solutions-for-industrial-farming-in-hot-climates/
  13. Tahir، I. and Gusstavson، K-E. 2010. Improving Quality and Storability of Apples by a Combination of Aluminum Reflective Mulch، Summer Pruning and Controlled Nitrogen Fertilization، Acta Hort. 877.
  14. Tahir، H.، Svenson، S. and Hansson، D. 2015. Floor Management Systems in an Organic Apple Orchard Affect Fruit Quality and Storage Life. HortScince 50(2). pp.1–8.
  15. http://driptips.visual-impact.net/10-ways-to-save-water/
  16. https://cuesa.org/article/10-ways-farmers-are-saving-water.
  17. Dukes MD. Water conservation potential of landscape irrigation smart controllers. Transactions of the ASABE. 2012;55(2):563-569.
  18. Talaviya، T.، DharaShah، Patel، N.، Yagnik، Y. and MananShah. 2020. Implementation of artificial intelligence in agriculture for optimisation of irrigation and application of pesticides and herbicides. Artificial Intelligence in Agriculture، V.4، 58-73.
  19. حسن الجنابي 2015. الموارد المائية في العراق، المشكلات والحلول. ورقة دراسية موجزة.
  20. المنظمة العربية للتنمية الزراعية. توثيق السياسات الزراعية في عقد السبعينات في العراق بغداد كانون الثاني ص 4111.