أيار 19
 
مقدمــة
يتجلى جوهر الإصلاح الزراعي، في مجموعة من التدابير والإجراءات القانونية الهادفة الى تنظيم ملكية الارض، وذلك لتأمين الإستخدام الافضل للأراضي الزراعية، وتوفير شروط إدارة كفوءة للعملية الإنتاجية، ومعالجة التأثيرات السلبية لغياب القوانين واللوائح الناظمة للعلاقات الاقتصادية والاجتماعية العادلة في الريف، حيث للزراعة دور أساسي في تلبية حاجات الناس المتنامية، من سلع، كمّا ونوعا، فضلا عن كونها الحجر الأساس لتحديات التنمية وميدانها الأرحب، والسبيل لتحقيق الأمن الغذائي، ذلك الذي بات جزءا مهماً من منظومة الأمن الوطني الشامل، لاسيما في عالم يعتبر الدول العاجزة عن توفير الغذاء لرعاياها او عدم تسهيل الوصول اليه، دولا منتهكة لحقوق الإنسان الأساسية.
وقد شغل موضوع الإصلاح الزراعي، كل المهتمين بمستقبل البلاد والطامحين الى تحقيق تنمية مستدامة فيها، والباحثين عن سبل الإستفادة من التجارب الانسانية، خاصة التي وضعت القطاع الزراعي في بلدانها في المكان المناسب، فلعب دوره المتميز في زيادة ونمو الدخل القومي وتراكم رأس المال وتنشيط الأسواق المحلية، وذلك عبر توفير مستلزمات إدارة الانتاج الزراعي الحديث القائم على أساس التخصص والتركيز سواءً في إطار مشاريع التكامل الإفقي، أي داخل قطاع إنتاجي محدد، أو في إطار التكامل العمودي، أي بين مشاريع القطاعات الإنتاجية المختلفة.
وبدل أن يحظى هذا القطاع الحيوي في بلادنا بالإهتمام المرتجى، ظل رهيناً للسياسات الاقتصادية والاجتماعية الخاطئة وغير الموضوعية ولتقلباتها المفاجئة، والتي انعكست سلباً على نموه وتحسين مؤشراته ودوره، منذ ان أدخل النظام الدكتاتوري البائد، العراق في حروب عبثية لعقود ثلاثة، وحتى يومنا هذا، الذي أحال فيه المتنفذون البلاد الى سوق مفتوحة على مصراعيها للإستيراد، وذلك بعد أن تم تعطيل العملية الإنتاجية في أهم قطاعات الاقتصاد الوطني الرئيسية، الزراعة والصناعة.
هذا ولا بد لنا أن نشير الى أن مساحة الاراضي الصالحة للزراعة في العراق لا تتجاوز 11 مليون هكتار من مجموع مساحته الكلية البالغة زهاء 44 مليون هكتار، وإن ما يستثمر من هذه الأراضي اليوم لا يتجاوز 4 ملايين هكتار فقط. كما أن هذه المساحة مهددة بالتناقص بأرقام مخيفة تصل الى 50 في المائة(1)، بسبب خسارة العراق التدريجية لثروته المائية في دجلة والفرات، جراء مصادرة تركيا وإيران لما يقارب 60 في المائة من المياه المتدفقة الى نهري دجلة والفرات. علماً أن العراق يمتلك مياهاً جوفية، تقّدر المتجددة منها بحوالي 730 مليار متر مكعب، وشبه المتجددة بحوالي 5 مليار متر مكعب. ولعل من نافل القول الإشارة الى ما يسببه هذا الأمر الخطير من قلق شديد لدى العراقيين على مستقبل بلادهم وحياتهم.
 
ملكية الأرض في العراق
عمدت سلطات المستعمر البريطاني الى تسجيل الأراضي الزراعية الخاصة بكل عشيرة عراقية باسم شيخ العشيرة، وخلقت بذلك طبقة من الإقطاعيين، تمثل القاعدة الإجتماعية للنظام الملكي الذي أنشأته. وأدى هذا الإجراء الى حرمان مئات الآلاف من الفلاحين المعدمين من الأرض. وبهذا الصدد تقول الكاتبة وارنر “إن تسوية حقوق الأراضي في العراق، كانت في الواقع طريقة لنزع ملكية الأرض من الزراع الشاغلين لها وإسباغها على رؤساء العشائر كملاك أراضي كبار”(2). ويشير الباحث حنا بطاطو الى النمو الكبير لتأثير هؤلاء الإقطاعيين في سياسة البلاد، حيث زاد تمثيلهم في البرلمان الملكي من 19 في المائة عام 1929 الى 40 في المائة عام 1958(3).
ويّعد قانون تسوية حقوق الأراضي رقم 50 لعام 1932 وقانون اللزمة رقم 51 في نفس السنة، أكثر الإجراءات التي إتخذها النظام الملكي لتعزيز مكانة الإقطاعيين، حيث حقق القانونان إعترافاً رسمياً بانتزاع الأراضي من العشيرة ومن جيرانها الضعفاء ومن الدولة ومنحها ملكية خاصة وصرفة للاقطاعيين وبالمجان. وقد وصلت هذه الأراضي الى 2.5 مليون هكتار بصيغة ممنوحة باللزمة و2.75 مليون هكتار بصيغة الطابو(4). وهكذا لم يبق أمام الفلاحين المعدمين سوى خيار من خيارين، إما القبول بالأمر الواقع ومواصلة العمل لدى الشيخ الإقطاعي بأصعب ظروف الحياة شقاءً وجوعاً وقهراً، حيث وصل معدل ما يحصل عليه في الشهر 50 كغم من القمح، أو الهرب الى المدن والبحث فيها عن حياة أفضل. وتشير الإحصائيات الى وصول عدد صرائف هؤلاء المهاجرين الى 16450 صريفة في أطراف بغداد عام 1956.
 
قانون الإصلاح الزراعي رقم (30) لعام 1958
بعد سقوط الملكية في 14 تموز 1958 واقامة الجمهورية العراقية، شرعت الحكومة بإنصاف الفقراء في الريف العراقي، أولئك الذين كانت تتحكم في مصائرهم فئة صغيرة من الإقطاعيين، لا تتجاوز 2 في المائة من السكان، عبر استحواذها على 68 في المائة من المساحة الكلية لمجموع الاراضي. كما شرعت حكومة الجمهورية بالعمل على وضع الريف على طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، عبر جملة من السياسات والاجراءات المنصفة، والتي كان من أبرزها قانون رقم (30) للاصلاح الزراعي، الصادر في 30 ايلول 1958، والذي يّعد رغم اهميته التاريخية، قاصراً عن تلبية المزاج الثوري للمجتمع العراقي وتطلعاته في تحقيق طموح الفلاحين في تصفية علاقات الانتاج الاقطاعية وشبه الاقطاعية في الريف وتأمين الحياة الحرة والعيش الكريم لسكانه، إضافة الى عدم إتساقه مع رؤية إستراتيجية في هذا الميدان.
لقد حدد القانون أقصى مساحة من الاراضي الزراعية، يسمح لأحد بإمتلاكها، بألف دونم إذا كانت تسقى سيحاً وبألفي دونم إذا كانت تسقى بمياه الأمطار، مع السماح للمشمولين بالقانون إختيار أراضي هذا الحد، الأمر الذي سمح للإقطاعيين وكبار مالكي الارض، السيطرة على 60 في المائة من الاراضي الخصبة والقريبة من مصادر المياه(5). كما قرر تقديم تعويضات سخية لهم مقابل الإستيلاء على ما اغتصبوه، مما يفوق الحد الأقصى المسموح به في القانون. وأبقى القانون ملكية مضخات المياة وأنظمة الري لأصحاب الأرض، مما وفّر للإقطاعيين اداة قوية للتضييق على الفلاحين الواقعة اراضيهم بعيداً عن مصادر المياه. وألزم القانون الفلاحين، الذين وزعت عليهم الحكومة 30 دونماً لكل فلاح بعقود تأجير، دفع بدل سنوي عن تلك الاراضي الموزعة عليهم، ولمدة عشرين عاماً.
لقد عبّرت تلك الاجراءات، عن الطبيعة الطبقية لنظام الحكم الجمهوري، وتناقض المصالح الطبقية بين اركانه، إضافة الى التأثير السلبي للقوى الرجعية والبرجوازية، والتي تمكنت من إفراغ القانون من بعده الجذري، معيقة تحقيق إصلاح زراعي، يخلق بيئة ملائمة لرفع وتائر الانتاج وتحسين معيشة الفلاحين.  
 
قانون الإصلاح الزراعي رقم ( 117) لعام 1970
عاد البعث الى السلطة على اثر انقلاب عسكري في 17 تموز 1968، حاملاً في جعبته خطة مراوغة لمحو ما علق في ذاكرة العراقيين من اوجاع وجراح، منذ إنقلابه الاسود في 8 شباط 1963. فبادر الى اطلاق سراح السجناء السياسيين، الذين كان هو من أودعهم في السجون والمعتقلات، كما قام بتأميم النفط، مستثمراً قانون رقم (80) لسنة 1961، الذي اصدرته حكومة 14 تموز، والذي حرر معظم الثروة النفطية من براثن الشركات الغربية، وأصدر قانوناً جديداً للإصلاح الزراعي برقم 117 في العام 1970، مدعيّاً رغبته في تجاوز نقاط الضعف التي إعترت قانون رقم 30. وشرع النظام في تنشيط الحركة التعاونية وإنشاء مزارع الدولة، التي استوعبت خريجي المعاهد والجامعات الزراعية. كما الغى حق الاقطاعيين في التعويض وفي اختيار الارض التي تبقى لهم، وقلّل من مساحاتها، وفق مقاييس تعتمد الموقع ودرجة الخصوبة ومدى توفر مصادر المياه وغيرها.
وأصدر النظام قانوناً برقم (90) لسنة 1975، خاص بالإصلاح الزراعي في إقليم كردستان، والذي قضى بتوزيع الاراضي المملوكة للإقطاعيين وكبار المالكين على الفلاحين العاملين فيها، والزامهم بانشاء جمعيات تعاونية زراعية عليها. ويعّد القانون الذي لم يشمل جميع المناطق الزراعية في العراق، قانوناً جيداً وذا أبعاد تؤشر رؤية جدية لإصلاح زراعي جذري.
وقد استقبل المواطنون هذه الإجراءات بآمال كبيرة، سرعان ما خابت حيث لم يجر الاهتمام بصغار المزارعين وتحولت الجمعيات الفلاحية والتعاونيات الزراعية الى منظمات ملحقة بالحزب الحاكم وأجهزته الأمنية، مما أفرغها من محتواها الحقيقي. وبعد أن زج النظام البلاد بحرب عبثية مع إيران، وجنّد كل القوى العاملة في القطاع الزراعي وأرسلها الى جبهات القتال، معطّلاً العملية الإنتاجية، قام بإصدار قانون رقم 35 لعام 1983، والذي حُلّت بموجبه التعاونيات الزراعية ومزارع الدولة ووزعت اراضيها على عائلة رأس النظام والمقربين منه من قيادات الحزب وكبار الضباط .
من كل ما تقدم، يتضح لنا بأن جميع المحاولات التي إستهدفت تطبيق إصلاح زراعي حقيقي، لم يكتب لها النجاح ولم تتمكن من تلبية مصالح الفلاحين، وذلك لغياب البيئة السياسية المستقرة، وللخلل في توازن القوى بين الرجعية من جهة وبين القوى الوطنية التقدمية، المؤمنة بضرورة ارساء اسس بناء دولة عصرية حديثة مستقلة من جهة أخرى. ولهذا غابت أو غيّبت الرؤية الإستراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما أبقى البلاد أسيرة سياسات الفوضى الخلاقة، تلك التي أرادتها الإمبريالية سبيلاً للهيمنة على العراق وإستنزاف ثرواته الطبيعية وطاقاته وتعطيل دوره الحيوي في منطقة الشرق الاوسط.
 
أي إصلاح زراعي نريد؟
يعّد التدهور الذي يعيشه العراق اليوم، شكلاً من أشكال الكوارث التاريخية. وليس أبلغ على ذلك من ملاحظة المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الدالة عليه، كوصول 32 في المائة من السكان الى ما دون مستوى خط الفقر وإنتشار الأمية الأبجدية لتشمل عشرة ملايين مواطن (بعد أن كانت منظمة الثقافة والعلوم التابعة للامم المتحدة (اليونسكو) قد إحتفلت بالقضاء على الأمية في البلاد عام 1975)، فيما تنهش الأمية الثقافية أعداداً أكبر من ذلك. كما بلغت نسبة القوى العاملة من غير النشيطين اقتصاديا 60.5 في المائة، نسبة الذكور فيهم 13.6 في المائة والإناث 86.6 في المائة، أي بمعنى أن 12 مليون إمرأة تعيش خارج سوق العمل حالياً(6).
ويعتبر سكان الريف العراقي، البالغ عددهم 11 مليونا و790 ألف نسمة (30 في المائة من مجموع السكان)، من اكثر المتضررين مما تعيشه البلاد، حيث 13.2 في المائة من رجاله وأكثر من 40 في المائة من نسائه من العاطلين عن العمل، وحيث يعاني تهميشاً مريعاً في الخدمات التعليمية والصحية وغيرها، وحيث يتدهور إنتاجه الزراعي ليصل الى 4.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2020 حسب الجهاز المركزي للإحصاء(7)، وحيث تشتد المنافسة بين إنتاجه الضئيل في السوق و السلع المستوردة من الخارج في إطار الباب المفتوح أمام الإستيراد، فيما تشح المياه ويتقلص الدعم الحكومي للفلاحين في ظل هذا الجفاف وإرتفاع تكاليف الإنتاج، بسبب الأزمة العالمية وجراء التغيير المفاجئ لسعر صرف الدولار(8)، إضافة الى إرتفاع معدلات الهجرة من الريف الى المدينة، والتي أدت الى خراب الزراعة من جهة وزيادة أعداد العاطلين وإنتشار العشوائيات في المدينة من جهة أخرى، حيث ظهرت مجددا نماذج من “مدن الصفيح” التي ستفضي أيضا الى إعادة إنتاج الفقر والتهميش بمديات جديدة بكل ما يحمله ذلك من مخاطر اجتماعية على السلم الأهلي. وتشير بعض التقديرات إلى ان نصف عدد فلاحي العراق دفعتهم الظروف الصعبة إلى ترك الزراعة في السنوات الماضية واللجوء الى الهجرة أو الى ممارسة مهن ونشاطات اخرى(9).
إن هذه الأزمة البنيوية تحتم العمل الجاد للخروج من دوائر التخلف هذه، والانطلاق نحو صياغة أنظمة زراعية جذرية تعيد تنظيم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية في الريف، وخاصة في ما يتعلق بتنظيم الحيازات وانماط الانتاج الاجتماعي، أنظمة تحافظ على كل ما كان إيجابياً في قوانين الإصلاح الزراعي الصادرة منذ تأسيس الجمهورية العراقية.
ولعلي لا أغالي في القول بأن حل المسألة الزراعية، هو أكبر التحديات التي واجهت وتواجه الادارات الحكومية المتعاقبة، وهي مفتاح من مفاتيح الخروج من الكارثة الشاملة. ويمكن بهذا الصدد الإشارة الى المقترحات التالية:
أولاً. اعتماد نمط الاقتصاد المختلط الذي سيمنح القطاع الوطني الخاص وكذلك الحكومي فرصاً كبيرة، لتبادل الطاقة فيما بينهما ولتكامل نشاطاتهما، استجابة الى معطيات الواقع الموضوعي لبلادنا، كدولة نامية، اقتصادا بديلا عن الاقتصاد الريعي الذي خلق مجتمعا هشا تدنت فيه القيم الثقافية والانسانية، خاصة وان العراق قد سبق له وجرب الاقتصاد المختلط في اطار الاقتصاد الموجه، وحقق نسبة 60 % من القيمة المضافة في مجال انتاج المواد الغذائية عام 1989م.
ثانياً. تغيير النظام الداخلي لوزارة الزراعة، الذي حصر وظائفها في الخدمات الإرشادية واجراء البحوث وتنظيم القروض الزراعية، تماشيا مع سياسات تصفية الحركة التعاونية ومزارع الدولة ولضمان خدمة مصالح الطبقة الاقطاعية والبرجوازية الطفيلية العائدة الى الريف. لقد جمّد هذا النظام الداخلي دور الوزارة في المشاركة والإشراف وتوجيه الانتاج الزراعي، علماً بان الإرشاد والبحوث وتنظيم القروض تعّد من صلب وظائف الوزارة ايضاً، تلك الوظائف التي تشكل مجتمعة الاساس الموضوعي لادارة وتحسين الانتاج في القطاع الزراعي العراقي.
ثالثاً. توطيد التنسيق والعمل المشترك على اساس الوحدة العضوية بين كافة الوزارات والهيئات والمنظمات الساندة للقطاع الزراعي، وإدراك اهمية استيعاب القوانين الموضوعية للتطور الاقتصادي والاجتماعي المتسق وعلاقات التاثير المتبادل فيما بين هذه الهيئات، لتجاوز ما نحن عليه من تدنِ في إدارة الموارد المادية والبشرية الهائلة في بلادنا.
رابعاً. إشاعة اساليب الزراعة الحديثة القائمة على التخصص، والتركيز وفق مبادئ التكامل الافقي بين مشاريع القطاع الزراعي، المعبّر عنها بالحركات التعاونية الزراعية الإنتاجية او الخدمية المختلفة (شريطة التعامل مع الجمعية الزراعية كإتحاد طوعي لفلاحين أحرار، وليس كما الزمهم النظام الداخلي أيام حكم الدكتاتورية (الدفاع عن الحزب والثورة) تمهيدا لاقامة مشاريع التكامل العمودي بين قطاعي الزراعة والصناعة والتي تجلت حسب حجم المشاريع المتكاملة في صور مختلفة.
خامساً. دعم إنشاء وتطوير المزارع والمصانع التحويلية والتي تدخل في ميدان تحقيق الأمن الغذائي كمزارع تربية الأسماك والحيوانات ومصانع تعليب اللحوم والأسماك، ومزارع المحاصيل الزيتية ومصانع إنتاج الزيوت والأعلاف، وبساتين النخيل ومشاريع تعليب وتصنيع التمور، ومزارع الأشجار سريعة النمو ومصانع عجينة الورق، ومزارع النباتات الطبية ومعامل الأدوية، ومزارع الزيتون ومصانع الزيوت والتعليب والأعلاف والأسمدة، وحقول حيوانات الحليب ومعامل الألبان.
سادساً. دعم إنشاء وتطوير المعامل الساندة للإنتاج الزراعي ومنها مصانع منظومات الري بالرش والتنقيط، ومضخات الري ومعدات الحراثة والحصاد والباذرات والجني ورش المبيدات والتسميد، ومصانع الأسمدة العضوية من المخلفات الزراعية والحيوانية، ومصانع الأغطية البلاستيكية والزجاجية والمواد الخاصة بالتغليف والتعبئة، وإنتاج المكائن الخاصة بالطحن ومعجون الطماطة والغزل والنسيج وغيرها.
 
التكامل الصناعي - الزراعي
يعّرف التكامل الصناعي الزراعي على انه مفهوم تنظيمي، يتصف بالوحدة والتطور الواعي المنهجي لوسائل الانتاج الصناعي وطرق الانتاج الزراعي، ضمن كيان اقتصادي موحد. وهو بهذا يشمل مفهومين هما تكامل الانتاج الزراعي والانتاج الصناعي من جهة وتكامل العمل الزراعي والعمل الصناعي من جهة مكملة. ولهذا تعتبر مشاريع التكامل الصناعي - الزراعي، أرقى شكل من أشكال إدارة الانتاج الزراعي، لأنها تحقق الاستغلال الامثل للقوى العاملة في كل من الاقسام الزراعية والصناعية، وفي فترات متصلة من العام، وتزيد من تراكم رأس المال، وتدخل التقنية الحديثة للريف فتقلص الفوارق بينه وبين المدينة، وتنظم التوزيع السكاني والانتاجي. كما تحقق هذه المشاريع تلبية مناسبة لحاجات المجتمع من انتاج الغذاء وتقليل الخسائر الطبيعية فيه وتنمية فعالية الانتاج الاجتماعي عبر التركيز والتخصص، وتحسين مداخيل المنتجين الزراعيين.
ويجري تصنيف اشكال التكامل الصناعي الزراعي على اساس حجم الهيكل التنظيمي للمشاريع:
  1. المشاريع الصناعية - الزراعية
ويفهم منها بأنها شكل لتنظيم الانتاج والادارة في إطار مزرعة واحدة تضمن الوحدة التنظيمية والاقتصادية والتقنية والجغرافية لانتاج المحاصيل الزراعية وتصنيعها وحفظها (الشكل رقم 1).
  1. المجمعات الصناعية - الزراعية
يعتبر هذا الشكل اكثر تعقيدا من سابقه، حيث في ظله يجري إتحاد مجموعة متقاربة من الفروع الزراعية والصناعية التي تربط بينهما بقوة عوامل جغرافية وفنية وإقتصادية وتنظيمية متينة. وتشكل المحاصيل الزراعية فيه مواد اولية للصناعة التحويلية، وياتي نتيجة لإتحاد إثنين أو ثلاثة من المزارع ذات الفروع الإنتاجية الضخمة مع عدة مشاريع لفروع الصناعة التحويلية الملائمة (الشكل رقم 2).
  1. الاتحادات الصناعية - الزراعية
يعتبر اعقد أشكال تنظيم وإدارة الانتاج، الذي في ظله، وعلى أساس التخصص العلمي وتعاون عدة مشاريع صناعية وزراعية ونظم مشاريع اخرى، يتكون جهاز إداري موحد (تحت قيادة كفوءة) يضمن التطابق العضوي للانتاج الصناعي والزراعي ونشاطات المشاريع المساعدة الداخلة في الاتحاد. وقد تحتفظ المشاريع الداخلة في الاتحاد بوجهها القانوني واستقلالها الانتاجي والمالي وتبني علاقاتها على اساس نظام استغلال اقتصادي كامل (الشكل رقم 3).
 
خاتمة
تجدر الإشارة الى أن إخراج القطاع الزراعي مما هو فيه من ركود يقتضي حماية الانتاج الزراعي من إغراق الأسواق بالسلع المستوردة، وأن يخصص للزراعة من الميزانية العامة بين 10 الى 15 في المائة (المخصص الأن لا يتجاوز 1.5 في المائة)، الى جانب العمل على مكافحة التصحر وتحسين خصوبة التربة ومساعدة الفلاحين على استخدام وسائل الري الحديثة، واعادة تأهيل وتطوير البنى التحتية للقطاع الزراعي، وإعادة هيكلة وزارة الزراعة بما يرشق هيكلها الاداري ويطهرها من الفساد. فضلا عن العمل الجاد على الغاء الفوارق بين المدينة والريف لاستقطاب آلاف الشباب العاطل عن العمل بعد تأهيلهم عبر معاهد فنية خاصة.
وأخيراً، لا بد من الإشارة الى وهم يسعى البعض لنشره من أن إقتصاد السوق لا يسمح بتدخل الدولة في الإنتاج الزراعي. فمن المعروف أن آليات السوق لوحدها لا تؤدي الى التخصيص الأمثل للموارد، مما قد يؤدي الى نمو اقتصادي غير متوازن اقليميا وقطاعياً. كما أن عقوداً من الحكم الشمولي والحروب والحصار الدولي، ثم الحرب الطائفية وغياب الأمان وكارثة الإرهاب والصراع للقضاء عليه، قد خلق أوضاعاً قاسية للفلاحين وللمستثمرين في الزراعة، وعطّل دورهم في النشاط الاقتصادي الوطني. ولهذا لابد من تدخل الدولة، ففي الولايات المتحدة مثلاً، وهي الدولة الرأسمالية الأولى في العالم، تم دعم الانتاج الزراعي من قبل الدولة بخمسين مليار دولار سنوياً، لمنع هجرة رأس المال من الزراعة الى الصناعة.
 
الهوامش
  1. تصريح للمدير العام للغابات ومكافحة التصحر، تموز 2022.
  2. حميد العاني، أضواء على العملية الزراعية في العراق، بغداد 2015.
  3. حنا بطاطو، الشيخ والفلاح في العراق، ترجمة صادق طريخم وسلمان الهلالي، بغداد، دار سطور، 2018.
  4. المصدر نفسه.
  5. عبد الرزاق زبير، محاضرات في الإصلاح الزراعي.
  6. التقرير السنوي للجهاز المركزي للإحصاء ـ المكتب الإعلامي لوزارة التخطيط تموز 2022.
  7. التقرير السنوي للجهاز المركزي للإحصاء 2020.
  8. تصريح وكيل وزير الزراعة، أب 2022.
  9. التقرير السياسي للمؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب الشيوعي العراقي 2021.