أيار 19
 
تمهيد
    حقوق الإنسان حقوق متأصلة في جميع البشر. من الحقوق الأساسية: الحياة والصحة والغذاء والمأوى والمستوى المعيشي اللائق والتربية والتعليم والعمل، الخ. وهي حقوق حيوية وهامة ومترابطة عضوياً.
    إدراكاً لضرورتها ولأهميتها الحيوية في حياة المجتمع والأسرة والمواطن، أي الدولة برمتها، أولتها الدول المتحضرة، المعتمدة والملتزمة بحقوق الإنسان، وتوليها على الدوام إهتماماً خاصاً ومتواصلا.
    والمعروف منذ عدة عقود، وعلى نطاق واسع عالمياً، ان حقوق الإنسان الأساسية مُعترف بها دوليا، لكن الإلتزام بها يختلف بين الدول والحكومات.
        رغم المسيرة الطويلة التي قطعها النضال العالمي من أجل البيئة، والتطورات الكبيرة التي حصلت بشأنها، ووضعت مشكلاتها ضمن أولويات الحكومات، لم يتم الإعتراف بالحق ببيئة امنة ونظيفة وصحية ومستدامة كحق أساسي من حقوق الإنسان، إلا قبل عدة اشهر.
    لكن صدى الإعتراف الدولي الجديد كان متميزا، وأُعثبرَ إنتصارا مشهودا، لا بل أكبر إنتصار لجهود أنصار البيئة في العالم طيلة نصف قرن، وتحديداً منذ مؤتمر ستوكهولم للبيئة البشرية في عام 1972.
فما أهمية هذا الاعتراف؟
     تكمن أهمية الإعتراف دولياً بالحق ببيئة اَمنة صحية ومستدامة، كحق أساسي من حقوق الإنسان، بأنه جاء ليكمل الحقوق الأساسية المعترف بها دولياً: وشكل إقرارا بضرورة هذا الحق واَنيته الملحة. وعدا هذا فهو تعزيز لمنظور الترابط العضوي الوثيق لهذه الحقوق، وخاصة بين الحياة والصحة والبيئة. وهو تأكيد اَخر لمراعاة حالة البيئة وتأثيرها على حياة وصحة ورفاهية المواطنين إيجاباً أو سلباً.
    ورقتنا ستوضح ما ورد من خلال تسليط الضوء على تعريف ومفهوم ودور وتأثير كل عنصر من العناصر ذات العلاقة بالصحة والبيئة.
حق الصحة وحمايتها
 أسلفنا بان الحق بالصحة هو من حقوق الإنسان الأساسية. وهو يأتي من حيث الأهمية بعد الحق بالحياة.
   وقد حصل خلال العقود الستة المنصرمة تطور كبير على مفهوم الصحة، منطلقاً من ان الصحة هي الحياة، وهي أغلى وأثمن ما يمتلكه الانسان. وقد أثبت الواقع المعاش على مر العصور صحة القول المأثور"العقل السليم في الجسم السليم"، وان الأصحاء وحدهم الذين يتمتعون بحياتهم وينعمون بها أفضل من غيرهم بكثير.
    ومن هنا، جاء إقرار مفهوم الصحة بوصفه: "حالة من المعافاة الكاملة بدنياً ونفسياً واجتماعياً وروحياً، وليس مجرد الخلو من المرض أو العجز"- كما نص عليه دستور منظمة الصحة العالمية (WHO)(1).
   ويؤكد هذا المفهوم الذي تبنته منظمة الصحة العالمية في عام 1978 في (إعلان ألما آتا لمبادئ الرعاية الصحية الأولية)، على وجود إرتباط وثيق بين الصحة البدنية والعقلية والاجتماعية، وان سلامة الصحة البدنية والعقلية والاجتماعية ضرورة لتنشئة المواطن الصالح القادر على تكوين أسرة صالحة وبناء حياة أفضل. وإذا نقص أحد هذه العناصر ينتج عن هذا عدم تكامل الصحة.
    وقد حظي هذا المفهوم بإجماع عالمي، وإقترن باعتماد الرعاية الصحية الأولية منهجاً لتقديم الخدمات الطبية في الوقاية والعلاج. وإستناد الرعاية الصحية على مجموعة من الطرق والتقنيات العملياتية التي يقرّها العلم ويقبلها المجتمع، كمرتكزات. وأن يُتاح للأفراد والأسر الوصول الى الخدمات الطبية بتكلفة ميسّرة.
وأصبح حق الإنسان في الصحة مسلما به في العديد من الصكوك الدولية. فالفقرة 1 من المادة 15 من (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)، الصادر في عام 1948، تقر بأن: "لكل شخص الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة له ولأسرته، ويشمل المأكل والملبس والمسكن والرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية ".
    ونص (العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) الصادر عام 1966 في المادة 12(1)  "تقر الدول الأطراف بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه".
   وأكد (دستور منظمة الصحة العالمية) أن التمتع بالصحة هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان. ويشمل الحصول على الرعاية الصحية المقبولة والميسورة التكلفة ذات الجودة المناسبة في التوقيت المناسب.
    وعدا معاهدات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية، تم التأكيد على الحق بالصحة في الدساتير الوطنية لغالبية الدول. وأقرت بأنه يحق لكل إنسان أن يتمتع بمستوى من الصحة يمكن بلوغه ويفضي إلى العيش برفاهية وكرامة.
    وفي هذا السياق يعني الحق في الصحة وجوب ان تهيئ الحكومات في بلدانها الظروف التي تؤمن لكل فرد موفور الصحة قدر الإمكان. وتتراوح هذه الظروف بين ضمان توفير الخدمات الصحية وظروف العمل الصحية والمأمونة والإسكان الملائم والأطعمة المغذية.
   ويمكن السعي إلى إعمال الحق في الصحة عن طريق منهجيات عديدة ومتكاملة مثل وضع سياسات صحية وطنية، أو تنفيذ برامج الصحة التي تضعها منظمة الصحة العالمية، أو اعتماد صكوك قانونية محددة. وعلاوة على ذلك، يشمل الحق في الصحة بعض المكونات التي يمكن تطبيقها قانونياً.
ولا بد من إدراك جيداً ان الحق بالصحة لا غنى عنه من أجل التمتع بحقوق الإنسان الأخرى. فهذا الحق يرتبط وثيق الإرتباط بإعمال الحقوق الأخرى، ويعتمد على ذلك، مثلما يرد في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، بما فيها الحق في الحياة، والمأكل، والمسكن، والعمل، والتعليم، والمساواة، والكرامة الإنسانية، وعدم التمييز، وحظر التعذيب، والخصوصية، والوصول إلى المعلومات، وحرية تكوين الجمعيات، والتجمع، والتنقل. فهذه الحقوق والحريات وغيرها تتصدى لمكونات لا تتجزأ عن الحق في الصحة. وترافق ذلك مع اعتماد مبادئ أساسية لتوفير الصحة، وإتاحتها للجميع، واعتبارها حقاً أساسياً للبشر.
   ومن بين ما تتطلبه الاستجابة لتحديات التنمية في المجال الصحي تقديم خدمات الوقاية، وتحسين صحة الأسرة، ومكافحة الأمراض، مع اعتبار هذه الأمور مُكوّناً رئيساً في رسم السياسة الصحية بطريقة تجعلها منسجمة مع الاستراتيجيات الوطنية في التخفيف من وطأة الفقر.
   وتأكّد هذا أكثر عِبر التوجّه دولياً لتحقيق أهداف التنمية للألفية الثالثة، التنموية والاجتماعية، التي تبنتها منظمة الأمم المتحدة في إطار إعلان الألفية المنبثق عن القمة التي عقدت في أيلول 2000، والذي تضمن مجموعة من الالتزامات الهادفة إلى القضاء على الفقر، والنهوض بالتنمية، وحماية البيئة.
وأثبتت تجربة الدول المتحضرة ان بلوغ الصحة المطلوبة للمواطنين لا يتم إلا في ظل بيئة امنة وصحية. ولن يتحقق توفير الرعاية الصحية الحديثة المطلوبة، والعيش في بيئة صحية محمية، من دون مراعاة حقوق الأنسان واحترامها حقاً وفعلا، بوصفها حقوقاً أصلية في طبيعتها لا يستطيع البشر ان يعيشوا بدونها، ولن يكون لوجودهم كبشر قيمة ومعنى بدونها، وهي حقوق مستحقة لكل شخص بوصفه إنسانا.
ومع ان الوكالات الدولية المتخصصة التابعة للأمم المتحدة تساعد الدول لبلوغ مجتمعاتها مستوى جيدا من الصحة باعتبارها أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان، بيد ان الواقع الراهن في الدول النامية والفقيرة مغاير تماماً، حيث تتحمل الفئات الضعيفة والمهمشة في المجتمع عبئا لا داعي له من المشاكل الصحية. ويعاني كل عام نحو150 مليون شخص في العالم من كوارث مالية، ويقع 100 مليون شخص في دائرة الفقر بسبب الإنفاق على الرعاية الصحية (2).ويقترن ذلك على نحو صارخ بالواقع البيئي المتردي وتداعياته الخطيرة. ولذا نجد ان القطاعين البيئي والصحي، ومؤسساتهما الحكومية، تعاني في العديد من دول العالم، من التخلف والبؤس، وسوء الإجراءات العلاجية، وإنعدام الإجراءات الوقائية تقريباً، بسبب الفقر، من جهة، وبسبب السياسات الهوجاء والفساد الاداري والمالي وانعدام الضمير والمسؤولية لدى المسؤولين. ولذا نجد في تلك الدول إرتفاع معدلات الاصابات المرضية، والوفيات، خاصة وسط حديثي الولادة والرضع والأطفال دون سن الخامسة، والأمهات الحوامل، ولا رقابة ولا محاسبة للمقصرين.
    وكل هذا يتطلب المعالجة الجذرية، التي لن تتحقق إلا في ظل نظام مدني ديمقراطي حقيقي، حريص على الشعب والوطن، ويعترف بحقوق الإنسان، ويلتزم بها، وبضمنها إقرار وتنفيذ حق المواطنين بالحياة والصحة والبيئة الصحية والمستدامة.
الحق الجديد: بيئة آمنة وصحية ومستدامة
في مفهومها الواسع، تعتبر البيئة هي الإطار الذي يعيش فيه الإنسان، ويحصل منه على مقومات حياته من هواء وماء وغذاء وغيرها. ويُعرفها علم البيئة بأنها الطبيعة، بما فيها من أحياء وغير أحياء. وهي الوسط الذي يحيى به الإنسان مع غيره من الكائنات الحية، ويحصل منه على مقومات حياته من مأكل وملبس ومسكن، ويمارس فيه مختلف علاقاته مع بني جنسه(3).
    والبيئة، التي تشمل: الهواء والماء والتربة والمعادن والمناخ والكائنات نفسها، ليست مجرد موارد يتجه إليها الإنسان ليستمد منها مقومات حياته، وإنما تتضمن أيضاً علاقة الإنسان بالإنسان التي تنظمها المؤسسات القانونية والإجتماعية والعادات، والتقاليد والقيم الوطنية.
أسلفنا بان (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) نص في مادته الثالثة، على حق الإنسان في الحياة والحرِّية وفي الأمان على شخصه. ويقضي هذا الحق بالضرورة - برأي الخبراء- في حصول المواطن على بيئة سليمة تضمن استمرار شروط حياته. بينما يشكل التلوث تهديداً حقيقياً ليس فقط لحياة الفرد وسلامته ونوعية حياته، بل ولوجود الحياة بالذات ولاستمرارها.   
    وورد ذكر الصحة والبيئة بتفاصيل أوفى في "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادیة والاجتماعية والثقافية"، حيث نصت المادة 12:
(1) تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه.
(2) تشمل التدابير التي يتعين على الدول الأطراف في هذا العهد اتخاذها لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق، تلك التدابير اللازمة من أجل:
(أ) العمل علي خفض معدل وفيات حديثي الولادة والرضع، وتأمين نمو الطفل نمواً صحياً،
(ب) تحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية،
(ج) الوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها،
(د) تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض.   
    من هذا المنطلق جرى في اَذار 1997 تنبيه "لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان" (أصبحت فيما بعد "مجلس حقوق الإنسان") الى أن العوامل البيئية هي عائق كبير أمام تحقيق حقوق الإنسان، وتهديد رئيس لحق الحياة، إن لم نقل للبقاء على هذا الكوكب، فينبغي مراعاة ذلك(4).
    وكان المحامي مروان يوسف صباغ قد طرح قبل ثلاثة عقود وجوب اعتبار الحق في بيئة صحية سليمة ضلعاً من ضلوع حقوق الإنسان، وحاجة من حاجات بقاء البشر، مُدَلِلا بان الحياة تشهد في الواقع يومياً وبإضطراد معالم الإرتباط الوثيق بين حق الإنسان في الحياة وحقه في الحصول على بيئة نظيفة، سليمة، ومتوازنة. وإلا فان حق الإنسان في الحياة لا ينتهك فحسب، بل وتتعرض حياته للخطر(5).
صحة الانسان مرتبطة بصحة النظام البيئي
 أكد العلم ان للبيئة تأثيرا كبيرا على صحة المجتمع وجميع أفراده، وذلك لإرتباط المؤشرات الحياتية والصحية في المجتمع وثيق الإرتباط بالوضع البيئي ومشكلاته، وفي مقدمتها التلوث وسوء معالجته(6). ويتمثل هذا الترابط بأنه كلما كانت البيئة التي يعيش فيها البشر، خالية من التلوث ومن بقية العوامل المؤثرة والضارة بصحة الإنسان، ضمن الإصحاح البيئي، كلما كانت صحة المواطنين أفضل، وضمان وقايتها من المخاطر البيئية المباشرة منها، الناجمة عن الملوثات الكيميائية والإشعاعية والبيولوجية، وغير المباشرة، كالسكن والعمل والمواصلات وبقية عوامل التنمية الحضرية، التي تؤثر حالتها على البشر جسدياً ونفسياً واجتماعياً وثقافياً، سلباً وإيجاباً.
واقتراناً بذلك، تُعدُ حماية البيئة من الدعامات الأساسية ضمن ممارسات الصحة العامة بسبب الأثر الكبير للبيئة على الصحة العامة(7). وفي هذا الشأن فان أي استراتيجيات بيئية لا تأخذ منظور الصحة بعين الاعتبار تعتبر استراتيجيات مبتورة. وهكذا الأمر بالنسبة للاستراتيجيات الصحية التي يجب أن تأخذ المنظور البيئي بعين الاعتبار، وإلا تصبح مبتورة أيضا.
باعتماد هذه الرؤية العلمية الثاقبة حققت الدول المتقدمة في عصرنا الراهن إنجازات باهرة في مجالات الصحة والبيئة والتنمية المستدامة. وفي ضوء نتائجها البينية والصحية المتحققة، طُرِحت خلال العقود الثلاثة الأخيرة، خاصة عقب ما سببته الأسلحة التي إستخدمت في الحروب في المنطقة من كوارث صحية وبيئية، دعوة الدول الى ضرورة الإستفادة من خبرة وتجارب الدول المتطورة، وإعتماد التنسيق والعمل المشترك ضمن استراتيجيات وخطط وبرامج مدروسة للمشكلات الصحية والبيئة القائمة، ذات منظور طويل الأمد حول الصحة وتحدياتها المستقبلية، تنفذها وزارات: الصحة والبيئة والعلوم والتكنولوجيا والتعليم العالي والبحث العلمي والتربية والصناعة والزراعة والدفاع والمؤسسات الرسمية المعنية الأخرى ومنظمات المجتمع المدني، الخ.
    واستطراداً، شددت الدعوة على وجوب أخذ الاستراتيجيات البيئية منظور الصحة بعين الاعتبار، وأخذ الاستراتيجيات الصحية المنظور البيئي بعين الاعتبار، وإلا فان عدم المراعاة تجعل هذه الستراتيجيات مبتورة.
     الى هذا، أكدت دراسات علمية عديدة أجرتها منظمة الصحة العالمية منذ عدة عقود بان صحة الانسان مرتبطة شديد الإرتباط بصحة النظام البيئي، الذي يلبي الكثير من احتياجات البشر الاساسية. فان زيادة عدد السكان عشوائياً، والتطور الاقتصادي المستنزف للموارد الطبيعية والمصحوب بالتلوث البيئي، الذي أصبح من أكبر المشاكل البيئية التي يواجهها العالم اليوم، تؤدي الى حدوث تغييرات سريعة في النظام البيئي العالمي، ويؤثر هذا على صحة البشر، حيث تتسبب المشكلات البيئية الساخنة، مثلا، بنحو 40% من الامراض والوفيات التي تحدث في عمر مبكر. وكانت دراسة نادرة نشرتها منظمة الصحة العالمية في حزيران| يونيو 2006 بعنوان "تفادي الامراض من خلال الحرص على بيئة صحية"، نبهت الى انه يمكن سنويا انقاذ حياة 4 ملايين إنسان اذا ما تم تفادي المشكلات الصحية المرتبطة بالمكونات البيئية، كالهواء والماء والتربة والاشعاعات والضجيج والحقول الكهرومغناطيسية والانشاءات والزراعة والسلوكيات الصحية والنظافة. وأوضحت بان عوامل الخطر البيئية تشهد تحولا كبيرا مع التنمية.
    وحذر تقرير هام للأمم المتحدة حول "حالة البيئة العالمية في السنوات الخمس الأخيرة"، نشر في اذار| مارس 2019 من أن الأضرار التي تلحق بالكوكب بالغة الخطورة وتعرض صحة البشر للخطر بشكل متزايد ما لم يتم اتخاذ إجراء عاجل. وجاء في التقرير الذي ألفه 250 عالما من أكثر من 70 دولة: "إننا إما أن نزيد من حماية البيئة، أو أن المدن والمناطق في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا قد تشهد ملايين الوفيات المبكرة بحلول منتصف القرن".
البيئة الصحية
الصحة البيئية (Environmental Health ) – كما تُعرفُها منظمة الصحة العالمية - هي تلك الأمور الخاصة بصحة الإنسان ومرضه التي تحددها عوامل بيئية. وتشمل الآثار المرضية المباشرة، الناتجة عن المواد الكيمائية والفيزيائية والبيولوجية والإشعاعية، وغيرها، والآثار التي تنتج غالبا بشكل غير مباشر وتؤثر على صحة الإنسان وصحة البيئة، سلباً أو إيجاباً، بدنياً أو نفسياً أو اجتماعياً او ثقافياً.
   وتُعرفُ أيضاً بأنها العلم الذي يبحث في البيئة من الناحية الصحية ومدى صلاحيتها لمعيشة البشر والكائنات الحية الأخرى.
    ولأهميتها الفائقة، تُعدُ الصحة البيئية احد أهم فروع الصحة العامة المعني بجميع العناصر البيئية، سواء البيئة الطبيعية أو العمرانية، والتي تؤثر على صحة الإنسان وجميع أشكال النُظم الحيوية. والإنسان هو أكثر هذه النظم عرضة للضرر، الى جانب كونه المسبب الرئيس لتدهور أو لازدهار البيئة الصحية، بأفعاله التي يقوم بها، حيث تتأثر البيئة الصحية بشكل عام بسلوكيات الأفراد سلباً أو إيجاباً.
   وإدراكاً لهذا استُحدِثت تخصصات عديدة تهتم بموضوعاتها، كعلم الأوبئة البيئية، وعلم التعرض للأمراض، وعلم السموم، والهندسة البيئية، والقانون البيئي وغيرها.
    وللصحة البيئية خدمات محددة، تُعرفُها منظمة الصحة العالمية بأنها: الخدمات التي تطبق سياسات الصحة البيئية من خلال أنشطة الرصد والمراقبة. كما أنها تنفذ هذا الدور من خلال تعزيز وتحسين المعايير البيئية وتشجيع استخدام تقنيات وسلوكيات صحية وصديقة للبيئة. ولهذه الخدمات دور رائد في تطوير واقتراح مجالات جديدة.
    وهي تعالج كافة العوامل الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية خارج جسم الإنسان، بالإضافة الى جميع العوامل التي تؤثر على السلوك والتصرفات، ساعية نحو الوقاية من الأمراض وخلق بيئة داعمة للصحة (8).
واليوم، فان البيئة الصحية تعتبر جزءاً أساسياً وهاماً، إن لم تكن أهم مكونات البرامج الصحية للمجتمع. وفي الواقع يعتبر برنامج صحة البيئة أهم عامل في خفض نسبة إنتشار الأمراض والمشاكل الصحية الأخرى. وتشمل صحة البيئة الموضوعات التالية: الماء ووقايته من التلوث وسبل تنظيفه، الهواء ووقايته من الملوثات، التهوية، التدفئة، الاضاءة، تصريف الفضلات، وسائل التطهير المختلفة، الحشرات والقوارض، المساكن الصحية، الضوضاء، الإشعاعات المؤينة، صحة الأغذية، وحدات الخدمات الصحية في البيئة (9).
الإستدامة البيئية
 وُضعت قضية البيئة في إطار التنمية المستدامة منذ مؤتمر ستوكهولم التاريخي في 1972.وتم تبني مفهوم البيئة المستدامة (Environmental sustainability) وتطور تدريجياً، وأصبح له تعريفات عديدة نتناول ثلاثة منها:
1- الاستدامة هي القدرة على تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم الخاصة. هذا التعريف وضعته "اللجنة العالمية للأمم المتحدة المعنية بالبيئة والتنمية" (WCED)، وقد تم توسيعه على مر السنين ليشمل احتياجات الانسان ورفاهيته، فإمكانية بقاء الإنسان لعدة أجيال قادمة على هذا الكوكب مرتبطة بمدى حفاظه على الطبيعة ومواردها.
2- الاستدامة هي القدرة على تحسين نوعية حياة الإنسان أثناء عيشه ضمن القدرة الاستيعابية للأنظمة البيئية الداعمة للأرض. هذا التعريف تم وضعه من قبل "الاتحاد الدولي لصون الطبيعة"  (IUCN)، وقد جاء بسبب أنماط الإنتاج والاستهلاك العالمية التي تدمّر الطبيعة بمعدلات مستمرة ومرتفعة بشكل خطير؛ فزيادة اعتماد الإنسان على الموارد الطبيعية مع زيادة عدد السكان غيّر التوازن الطبيعي للطبيعة، وأثّر سلباً على كل من البشر والأنظمة الحية الأخرى، وسبّب انخفاض الموارد الطبيعية الموجودة فيها.
3- الاستدامة هي الحفاظ على التوازن في علاقة الإنسان بعالم الكائنات الحية على الأرض. وضع هذا التعريف عالم البيئة بول هوكين، الذي بيّن أن الإنسان يستخدم موارد الأرض ويدمّرها بشكل يفوق قدرتها على التجدّد(10).
    واختصاراً، هي تفاعل مسؤول مع البيئة لتجنب استنزاف أو تدهور الموارد الطبيعية والسماح بجودة بيئية طويلة الأجل(11).وهي تعني كيفية بقاء الانظمة الحيوية متنوعة ومنتجة مع مرور الوقت. والاستدامة بالنسبة للبشر هي القدرة على حفظ نوعية الحياة التي نعيشها على المدى الطويل وهذا بدوره يعتمد على حفظ العالم الطبيعي والاستخدام المسؤول للموارد الطبيعية (12).
    وتساعد ممارسة الاستدامة البيئية على ضمان تلبية احتياجات سكان اليوم دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم (13).
      وإرتباطاً بذلك، تعتبر حماية البيئة هي الدعامة الأساسية للاستدامة وللعديد من الشواغل الرئيسية لمستقبل البشرية. فهي تحدد كيف يجب أن ندرس ونحمي النظم البيئية، ونوعية الهواء، وسلامة واستدامة مواردنا، والتركيز على العناصر التي تضع ضغوطًا على البيئة، كما أنها تتعلق بكيفية توظيف التكنولوجيا الحديثة لخدمة مستقبل أكثر خضرة للجميع.
    ولذا، دعت "وكالة حماية البيئة"(ُEPA) الى إدراك أن تطوير التكنولوجيا والتكنولوجيا الحيوية هو مفتاح الاستدامة البيئية ولحماية بيئة المستقبل من الأضرار المحتملة التي يمكن أن تسببها التطورات التكنولوجية (14).
    وليس بعيداً عن ذلك جاء إعلان الإمارات تسمية سنة 2023 "عام الاستدامة"، وإنطلاقه تحت شعار «اليوم للغد» من خلال مبادراته وفعالياته وأنشطته المتنوعة لتسليط الضوء على تراثها الغني في مجال الممارسات المستدامة، ولنشر الوعي حول قضايا الاستدامة البيئية وتشجيع المشاركة المجتمعية في تحقيق استدامة التنمية ودعم الاستراتيجيات الوطنية في هذا المجال نحو بناء مستقبلٍ أكثر رخاءً وازدهاراً.
   ويكتسب "عام الاستدامة" أهمية خاصة بإعتباره عام إستضافة الإمارات لأكبر حدث دولي في مجال العمل المناخي والبيئي، مؤتمر "COP 28"، في تشرن الثاني 2023 (15).
بيئة صحية ومستدامة.. مجتمع سليم
تؤكد المعطيات العلمية يومياً الصلة الوثيقة بين الصحة العامة والعوامل البيئية. وكشفت الوكالات الدولية المتخصصة مسؤولية العوامل البيئية الضارة عن نحو ربع مجموع الوفيات السنوية في العالم، والتي يمكن تجنبها. وحذرت المديرة التنفيذية لـمنظمة الصحة العالمية الدكتورة مارغريت تشان:" إذا لم تتخذ البلدان إجراءات لجعل البيئات صحية، حيث يعيش الناس ويعملون، فإن الملايين سيمرضون ويلقون حتفهم في سن مبكرة للغاية".
     الى هذا، أملى تنامي المخاطر البيئية ضرورة وضع وتنفيذ استراتيجيات تحد من عبء الأمراض ذات العلاقة بالبيئة. فدعت منظمة الصحة العالمية في بيان لها عام 2016 الى إعتماد التدابير ذات المردودية التي يمكن للبلدان اتخاذها لعكس الاتجاه التصاعدي للأمراض وحالات الوفاة المرتبطة بالبيئة. وتشمل هذه التدابير تقليص استخدام الوقود الصلب لأغراض الطهي، وتعزيز إتاحة تكنولوجيات الطاقة منخفضة الكربون.
    وإستشهدت منظمة الصحة العالمية باستراتيجيات أثبتت فعاليتها لتحسين البيئة والوقاية من الأمراض. فعلى سبيل المثال، ان استخدام تقنيات أنظف ووقود أنظف للطهي والتدفئة والإضاءة يقلل التهابات الجهاز التنفسي الحادة، والأمراض التنفسية المزمنة، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والحروق. كما أن أمراض الإسهال ستقل كثيراً من خلال زيادة فرص الحصول على المياه المأمونة الصالحة للشرب ونظم الصرف الصحي الملائمة وتعزيز غسل اليدين. ومن شأن تحسين وسائط المواصلات الحضرية والتخطيط الحضري وبناء مساكن ملائمة تحقق الكفاءة في استخدام الطاقة، تقليل الأمراض المرتبطة بتلوث الهواء إضافة إلى تعزيز النشاط البدني الصحي.
    وفي الدورة الثالثة لـ "جمعية الأمم المتحدة للبيئة"، أعرب وزراء البيئة عن التزامهم بالعمل من أجل كوكب خالٍ من التلوث من أجل صحة ورفاهية شعوبهم وبيئتهم. وكمتابعة لذلك، وضع برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP خطة تنفيذ "نحو كوكب خالٍ من التلوث"، رحبت بها الجمعية في دورتها الرابعة في اَذار| مارس 2019 من خلال القرار 4/21.
    وفي إطار "مبادرة المدن الصحية"، شجعت منظمة الصحة العالمية الحكومات الوطنية والمحلية على إدماج قضايا الصحة في جميع جوانب السياسة العامة. وأعلنت مديرة إدارة الصحة العمومية والمحددات البيئية والاجتماعية للصحة الدكتورة ماريا نيرا: "هناك حاجة ملحة للاستثمار في استراتيجيات تهدف إلى الحد من المخاطر البيئية في مدننا ومنازلنا وأماكن عملنا. ويمكن لهذه الاستثمارات أن تخفض كثيراً ارتفاع عبء أمراض القلب والأوعية الدموية والأمراض التنفسية والسرطانية على نطاق العالم، وتؤدي إلى تحقيق وفورات فورية في تكاليف الرعاية الصحية".
ثمرة جهود مضنية طويلة ومتواصلة
لم يكن تبلور فكرة الحق في البيئة الصحية والإقرار القانوني لها وليد الصدفة، وإنما ارتبط بمسار شاق، طويل، ومتواصل من النضال الدولي، ومن التحولات والتطورات في موقف المجتمعات الإنسانية، ووعيها بحيوية البعد البيئي ضمن مختلف مناحي الحياة العامة المشتركة فيها.
    وكانت بداية المسار الحقيقية هي مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة البشرية الذي إنعقد في ستوكهولم عام 1972، وأنهى أعماله بإعلان تاريخي، كان الأول الذي وضع قضايا البيئة على واجهة الإهتمامات الدولية الساخنة، وأسس لبداية حوار بين الدول الصناعية والدول النامية بشأن الترابط بين النمو الاقتصادي ورفاهية الشعوب وبين تلوث الهواء والتربة والماء والمحيطات. وأعلنت الدول الأعضاء في ذلك الحين "ينبغي ان يتمتع الناس بحق أساسي لهم: بيئة ذات جودة تسمح لهم بالتنعم بالحياة بكرامة ورفاهية".
   ودعت إلى العمل المشترك الملموس بين الدول الأعضاء، مثلما دعت مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة للتحرك في هذا المضمار.
    بيد ان هذا الحق الهام لم يتم الاعتراف به دولياً طيلة عقود مضت. لكن حماة البيئة واصلوا مسيرتهم النضالية المثابرة، وأثمرت عن تبني "مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة في قراره المرقم 10/19، في 22/3/2012، تعيين خبير مستقل يُعنى بمسألة التزامات حقوق الإنسان المتعلقة بالتمتع ببيئة اَمنة ونظيفة وصحية ومستدامة، وتكون من ضمن واجباته إجراء دراسة بشأن إلتزامات حقوق الإنسان، بما في ذلك الإلتزامات بعدم التمييز فيما يتعلق بضمان التمتع ببيئة امنة ونظيفة وصحية ومستدامة.
    وإستكمالآ لهذه الخطوة، نص قرار المجلس رقم 13/48 في 8/10/ 2021: أن التمتع ببيئة نظيفة وصحية ومستدامة يعتبر حقا من حقوق الإنسان. ودعا دول العالم إلى العمل معا ومع شركاء آخرين لتنفيذ هذا الحق المعترف به حديثا . وحث الجمعية العامة للأمم المتحدة على تبني الموضوع وإتخاذ قرار مماثل.
   من جهته، أوصى "مؤتمر ستوكهولم +50" في حزيران 2022، بأن "تعترف الدول بالحق في بيئة اَمنة ونظيفة وصحية ومستدامة، وتنفيذ ذلك ."
     وبفضل الدور المشهود والفعال لعلماء وأكاديميين وباحثين ومسؤولين إداريين ومنظمات مجتمع مدني حريصة، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 28/7/2022، قرارها التاريخي، الذي إعتبر الوصول إلى بيئة اَمنة ونظيفة وصحية ومستدامة هو حق عالمي من حقوق الإنسان الأساسية. ودعا القرار، الذي جاء إستجابة لقرار مجلس حقوق الإنسان المذكور، كافة الدول والمؤسسات والمنظمات الدولية والشركات التجارية إلى تكثيف الجهود لضمان بيئة صحية للجميع.
    وقد رحب به الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وقال إنه يبرهن على إمكانية أن تتحد الدول الأعضاء في النضال الجماعي ضد أزمة الكوكب الثلاثية المتمثلة في التلوث وتغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي. وإنه سيساعد في الحد من المظالم البيئية، وسد فجوات الحماية لصالح الناس والمعرضين للخطر في الأوضاع الهشة، على وجه الخصوص، بمن فيهم المدافعون عن حقوق الإنسان البيئية، والأطفال، والشباب، والنساء، والشعوب الأصلية. وسيساعد الدول أيضا على تسريع تنفيذ التزاماتها وتعهداتها المتعلقة بالبيئة وحقوق الإنسان.
    وحث غوتيريش دول العالم على جعل هذا الحق المعترف به حديثا حقيقة للجميع حيثما وجدوا.
من جهتها دعت المفوضة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليت الدول الأعضاء إلى اتخاذ إجراءات جريئة "لضمان أن يكون هذا القرار بمثابة نقطة انطلاق للضغط من أجل سياسات اقتصادية واجتماعية وبيئية تحويلية من شأنها حماية الناس والطبيعة ".
    واعتبر مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان والبيئة ديفيد بويد إن هذا القرار سيغير طبيعة القانون الدولي لحقوق الإنسان نفسه. وقال إن الحكومات قطعت وعودا بتنظيف البيئة والتصدي لحالة الطوارئ المناخية لعقود من الزمن، لكن امتلاك الحق في بيئة صحية يغير منظور الناس من "استجداء"  الحكومات إلى مطالبتها بالتصرف.
    ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن الاعتراف بالحق في بيئة صحية ومستدامة على المستوى العالمي سيدعم الجهود المبذولة لمعالجة الأزمات البيئية بطريقة أكثر تنسيقا وفعالية وغير تمييزية، ويساعد في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتوفير حماية أقوى للحقوق والأشخاص الذين يدافعون عن البيئة، ويساعد في إنشاء عالم يمكن للناس فيه العيش في انسجام مع الطبيعة.
الخلاصة
تناولت ورقتنا الصحة والبيئة وحقوق الإنسان بوصفها إشكاليات هامة وحيوية في حياة الإنسان، مترابطة وثيق الإرتباط. أوضحت حيثياته، ودللت عليه بأمثلة حية قائمة لليوم. وتؤكد الحياة بإضطراد الأرتباط الوثيق بين حق الإنسان في الحياة وحقه في العيش في بيئة نظيفة، سليمة، ومتوازنة. ومثل هذه البيئة هي خير ضمانة لتعزيز صحة الانسان وحمايتها، وهي كفيلة بدرء العوامل البيئية الضارة، كالتلوث البيئي وما يسببه من إنتشار للأمراض القاتلة.. أما العيش في بيئة غير نظيفة، غير سليمة، وغير متوازنة، فيُعدُ إنتهاكا لحق الإنسان في الحياة، ويُعرضها للخطر.
لقد قطع البيئيون مسيرة طويلة وشاقة، تكللت بإعتراف صكوك حقوق الإنسان، والصكوك البيئية، بالصلة بين حقوق الإنسان والبيئة. والاعتراف بالأبعاد البيئية التي تنطوي عليها حقوق الإنسان في الحياة والغذاء والصحة والسكن والتملك والحياة الخاصة والحيـاة الأسرية، في جملة حقوق أخرى. وإعتُبار أي استراتيجيات بيئية لا تأخذ منظور الصحة بعين الاعتبار مبتورة، وكذلك الاستراتيجيات الصحية التي لا تأخذ المنظور البيئي بعين الاعتبار.
    بصدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 28/7/2022 بالإعتراف بالحق ببيئة اَمنة صحية ومستدامة، وهو القرار التأريخي الذي إستكمل حقوق الإنسان الأساسية، تحقق أكبر نصر لحماة البيئة والمدافعين عن حقوق الإنسان في العالم.
ما أوردناه، يؤكد ان الحق في البيئة الآمنة والصحية والمستدامة يعد ضرورة، ومكملا لإعمال حقوق الإنسان الأخرى، بما فيها الحق في الحياة والصحة والغذاء والمأوى والمستوى المعيشي اللائق.
    ومن هنا، ينبغي أن يتوفر لكل فرد العيش في بيئة تفي بمتطلبات صحته ورفاهيته. ويتعين على الدول اتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة لوضع الأطر المناسبة لتوفير كافة المقوّمات الضرورية لبيئة صحية ومستدامة، وكذلك التعاون فيما بينها من أجل معالجة الآثار البيئية العابرة للحدود، مثل تغيرّ المناخ والتلوث بالسموم.
بيد ان ما نشهده اليوم من إنجازات باهرة حققتها الدول المتحضرة في مجالات الصحة والبيئة والتنمية المستدامة، لا نشهده في دول أخرى، حيث ما تزال العديد من الدول النامية والفقيرة يعاني مواطنوها من تهديدات بيئية وصحية خطيرة، يموت من جرائها سنوياً عشرات الآلاف. ومن بين هذه الدول من تحكمها أحزاب فاسدة ومليشيات متسلطة لا تعترف لمواطنيها بحقوق الإنسان الأساسية، بل وبعضها تدوس عليها يومياً.
    العراق، للأسف، من ضمن هذه الدول، حيث عاثت فيه الطغمة الحاكمة فساداً وخراباً، طيلة عقدين، ونهبت ثرواته، وأفقرت شعبه وأذلته، وسببت انهياراً بيئياً وصحياً فضيعاً، وأوصلته الى أدنى مستوى في الشرق الأوسط. ونتيجة لسوء إدارتها وفشلها وإنعدام المسؤولية والضمير، حل العراق في أسفل قائمة الدول المهتمة بالبيئة والصحة وحقوق الإنسان.
    فلا بد للمجتمع الدولي من إيجاد مخرج مقبول دولياً للضغط في مثل هذه الحالات على الأنظمة المتسلطة والمستهترة للانصياع لقرارات الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة المتعلقة بالصحة والبيئة وبقية حقوق الإنسان الأساسية.
 
    د. كاظم المقدادي أكاديمي وباحث في الصحة والبيئة
                                                                                   
الهوامش
1-World Health Organization ,Constitution of the World Health Organization, Basic Documents, Forty-fifth edition, Supplement, October 2006.
2- Horizon Foundation for Development , 5 Oktober 2022.
-3 Environment, From the free encyclopedia
4-  رانيا المصري، "الإعتداء على البيئة في العراق"، المستقبل العربي، العدد 259، أيلول 2000.
5- مروان يوسف صباغ، البيئة وحقوق الإنسان، كومبيونشر للدراسات والاعلام والنشر، 1992، ص 23.
6 - كاظم المقدادي، التلوث البيئي وتداعياته الصحية والإجتماعية في العراق، بحث قُدم في المؤتمر الدولي حول البيئة العراقية، الذي عقد في جامعة لندن في 26 / 11 / 2006
7- محمود مهدي بربوتي، "الصحة البيئية"، مجلة البيئة والحياة، العدد 9، تشرين الأول 2006.
8- صحية بيئية، من "وكيبيديا" الموسوعة الحرة.
9- حكمت فريحات وآخرون، مبادئ في الصحة العامة، عمان، دار اليازوري العلمية، 2002، ص 101- 102.
10-Marni Evans, "What Is Environmental Sustainability ? ",The Balance, 11 Aug 2019 .
11-Stydy.com, Environmental Sustainability: Definition and Application
https://study.com/academy/lesson/environmental-sustainability-definition-and-application.html
12- استدامة، من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
13-Study.com, Environmental Sustainability: Definition and Application
https://study.com/academy/lesson/environmental-sustainability-definition-and-application.html
14- Michiel J.F. Van Pelt,  at al,. Environmental Sustain-ability: Issues of definition and measurement, International Journal of Environment and Pollution, vol. 5, no. 2-3, 4, Aug. 2014.
15- الإمارات تسمّي 2023 "عام الاستدامة"، الشرق الأوسط، 23/1/2023