نيسان/أبريل 26
 
     تمثل دراسة التيارات الفكرية اليسارية الأوربية ما بعد ماركس مهمة ضرورية للشيوعيين وقوى اليسار  كون  الفضاء  الذي  تتحرك به النخب السياسية و الثقافية  اليسارية وفي جميع  بلدان العالم و منها الشرق الأوسط والعراق، مشبعا بها، وقد يؤدي إذا لم يتم فهمه واستيعابه والتعامل معه  بالارتباط مع المهمات الوطنية والطبقية، الى مواقف واستنتاجات تترك اثارها في إشاعة الإحباط  واللاجدوى من النضال العملي باتجاه التغيير والذي على نقيض مهمات النضال على الجبهة الفكرية والترابط الديالكتيكي بين النظرية المتجددة والممارسة الثورية.
في هذا السياق تأتي أهمية البحث التاريخي في "المدرسة النقدية" التي كان لها تأثير على تشكل الاتجاهات الفكرية اليسارية المتعددة في أوروبا خاصة في مرحلة الستينات، وبين أوساط الطلبة و الشباب وصولا الى تحديد موضوعي لمساهماتها الفكرية وبمنظور تقييمي نقدي و التي كانت لدى البعض ممن كتبوا عنها أشبه بمغامرة فلسفية و نظرية لاحتلالها موقعين متميزين الأول في فترة التأسيس عندما كان هاجس رموزها العمل على تنقية المنظومة الفكرية الماركسية مما أطلق عليه شوائب و ترسبات الدوغماتية والأرثوذكسية واغناؤها بعلوم ومعارف اجتماعية وإنسانية جديدة لم تكن موجودة في حياة ماركس، والثاني انتقالها في مرحلة لاحقة الى فضاء فكري اخر مختلف كليا عن المنهج الماركسي تسوده مفاهيم   مستقاة من مدارس معرفية  كانت  جزءا من المعسكر الفلسفي المثالي و تبني مفاهيم سادت ما بعد الخمسينات  في القرن الماضي هي  اقرب  الى اطروحات ما بعد الحداثة  و شاعت في كتابات رموز المدرسة النقدية على شكل مصطلحات غامضة ومعقدة وصعبة الفهم وتضفي هالة زائفة من العمق و التي وصفها الفيلسوف الفرنسي  ميشيل فوكو ( 1926-1984) بـ"غموض الإرهابي".
ومن الجدير بالإشارة ان العمل الفكري ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي شهد حراكا غير مسبوق من الشك والنقد  في كل مفردة وموضوعة ذات صلة بالماركسية  نظرية كانت أم ممارسة، مقابل ذلك كان هناك نشاط ملحوظ  من أجل تجديد الفكر الماركسي ولكن تعددت الآراء و الاتجاهات حول ما يعني ذلك وكيف يمكن أن يكون مواكبا لمرحلة ما بعد نهاية القرن العشرين و التحولات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و العلمية و خاصة الثورة الرقمية  التي بدأت ملامحها تتضح بشكل دراماتيكي.
بين مدرسة فرنكفورت والحركة النقدية
 من النادر جدا ان تسمى مدرسة فكرية باسم مدينة فعلى سبيل المثال كان اغلب مفكري "البنيوية" من فرنسا ولكن لم تسمِ بمدرسة باريس ولكن اختلف الامر مع مدرسة فرانكفورت والتي احد مسمياتها أيضا "المدرسة النقدية" وهنا من الضروري عدم الخلط مع المدارس النظرية النقدية الأدبية.
  وقد تناول ألن هاو في كتابه عن النظرية النقدية الصادر عام 2003 بعدم تحبيذ استخدام تسمية المعهد باسم المدينة، لأنها لم تأت من داخله وشخص الجانب التأملي في منهج المعهد البعيد عن العقائدية الجامدة.
بينما يشير الباحث الألماني رولف ويكرزهاوس في كتابه عن مدرسة فرانكفورت الذي نشر عام (1995) الى ان اول استخدام توصيف   "المدرسة" كان من خارج المعهد في عام 1960 مع صعود الانتفاضة الطلابية في أوروبا التي حظي بها هربرت ماركوزة (1898 - 1979) بشهرة واسعة كأحد منظري اليسار الجديد في نقده المجتمع الصناعي "الرأسمالي والسوفيتي". واصبح تعبير المدرسة اشبه بالعلامة الفارقة للمعهد والتي استخدمها ادورنو (1870-1964) باعتزاز لاحقا الا انها في الواقع ندرت الإشارة اليها من قبل كتاب المعهد بينما شاعت بين من كتبوا عنه من خارجه ولكن بقي يحمل دلالة تاريخية. 
ولخص ويكرزهاوس الأسباب التي دعت الى إطلاق لقب "المدرسة" عليها منها وجود إطار أكاديمي مؤسساتي ارتبط بجامعة غوته العريقة في فرانكفورت دخلته رموز ونخب كان لها حضور في الفضاء الثقافي الألماني والأوروبي. كما كانت هناك رؤية للمعهد ودوره الثقافي المستقبلي قدمها ماكس هوكهايمر عام 1931 في محاضرته حول واقع الفلسفات الاجتماعية ودور المعهد في تقييمها ودراستها وطرح فيها مقاربة "النظرية النقدية"، والتي قصد بها تكامل منهجي ومدروس بين المادية التاريخية مع علوم الاجتماع والتحليل النفسي والمدارس الفلسفية الألمانية الناقدة للاتجاهات اللاعقلانية المستقاة من هيجل (1770-1831) وكانت (1724-1804)  وشوبنهاور(  1766-1838) و نتيشه (1844-1900).
ويرى معظم من كتبوا عن المعهد ان الطريقة الأفضل هي في تقسيم مراحل تطور المدرسة النقدية الى مرحلة التأسيس التي انتهت مع تولي ماكس هوكهايمر (1895-1973) إدارة المعهد التي دشنت بداية مرحلة الجيل الأول وأعقبها الجيلان الثاني والثالث، بينما يرى ويكرزهاوس بان مرحلة ما بعد 1970 تختلف جوهريا ونوعيا عمّا سبقها.
وأكدت المقاربة النقدية على المنهج العلمي ورفض الالتزام بضوابط مفروضة من قبل تنظيم سياسي او أيديولوجي عبر طريق البحث التأملي بما هو خلف المنظومات الفكرية مثلا في الماركسية نمط الإنتاج او التمرحل او الحتمية التاريخية.
  وقد علق الناقد والكاتب الماركسي المجري المعروف جورج لوكاتش (1885 - 1971) من ان "النظرية النقدية" قد استقرت في هاوية الفندق الكبير عاكسا الآراء التي سادت في بعض أوساط اليسار حول المدرسة النقدية وانها تحولت في سنواتها الأخيرة الى مجرد سفسطة تتسم بالتشاؤم   لنخب من الطبقة الوسطى وهم يجلسون في مقعد وثير بعيدا عن المخاطر الحقيقية التي تواجه الانخراط في النضال الثوري ولا علاقة لها بالماركسية بل هي مجرد تبرير للاعتكاف عن الممارسة .
واعتبر اندرو بنداكس المدرسة النقدية نموذجا لانهيار "البراكسيس" في النصف الثاني من القرن العشرين بين النخب الفكرية اليسارية التي انتشرت في الجامعات الغربية في أوروبا والولايات المتحدة عبر فصل النشاط الفكري النظري عما أطلق عليه ماركس القوى المادية من عقل وطاقة ونشاط المضطهدين في النظام الرأسمالي وبين المشاركة في النضال الثوري من أجل الاشتراكية.
بينما يرى اخرون ان المدرسة النقدية قد تركت بصماتها بعمق لأنها فتحت آفاقا رحبة للنشاط والتدقيق الفكري ومراجعة مسلمات أيديولوجية سادت في أوساط اليسار، ومارست تأثيرها لعقود من السنين خاصة في بداياتها كمركز لدراسة النظرية والمنهج الماركسي بعيدا عن التأثر بالاتجاهات الرئيسية في الماركسية الغربية التي انتشرت في أوروبا في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وأن ما ميزها عن غيرها من الاتجاهات الفكرية هو كونها مثيرة للجدل واتسامها بالغموض منذ الكتابات الأولى لماكس هوكهايمر ويوجين هيبرماس (ولد في عام 1929).
ومن الضروري التوضيح هنا ان المدرسة النقدية لم تطرح منظومة فكرية او أيديولوجية متفق عليها بين منتسبي المعهد، بل كان هناك طيف واسع من الآراء والتصورات حول ما تعني الماركسية أو تجديدها ورفض تقديسها واتباع المعالجات النقدية للوصول الى فهم أفضل وأعمق لها مما كان سائدا في زمن ماركس. ولهذا فهمت النظرية "النقدية" بأشكال مختلفة مع شبه اتفاق بان مقاربتها تبتعد عن التطبيق الجامد لمفاهيم ارتبطت بشغف ماركس بتحليل بنية النظام الرأسمالي كالقاعدة التحتية والبناء الفوقي أو النمطية والتمرحل التاريخي مع التركيز على كتابات نتاجات ماركس الشاب.
وقد اعتمد عدد من كتاب المعهد على العلوم النفسية أيضا واستخدمت مفاهيم مثل اليات التحليل النفسي وتوصيفات نفسية مثل القلق والعصاب والإحباط في دراسة القيم الاجتماعية او التركيب الطبقي المجتمعي.                  
مرحلة النشوء والتكون
شكلت الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية التي سادت في المانيا بعد الحرب العالمية الأولى المشهد والسياق التاريخي لنشوء المعهد. فقد سقطت الملايين من الضحايا البشرية رافقها انتشار الأوبئة وتفاقم الجوع والفقر والبؤس والتشرد ومظاهر التدهور الاقتصادي والاجتماعي نتيجة تحطم البنى التحتية للطاقة والصناعة وتراجع مكانة أوروبا الاقتصادية والسياسية.
وبعد خسارة ألمانيا الحرب العالمية الأولى تشكلت جمهورية فايمار التي قادها الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني (انشق عنه الحزب الشيوعي الألماني الذي كان مناهضا للحرب ومن ابرز قياداته روزا لوكسمبورغ (1871 - 1919) و كارل ليبكنخت (1871 - 1919).
وقد عصفت رياح التغيير في أوروبا مع انتصار الثورة الروسية عام 1917 كأول ثورة اشتراكية ظافرة، ولكن في بلد تميز بضعف التطور الرأسمالي بسبب غلبة علاقات القنانة والإقطاع في روسيا القيصرية. فمثلا شهدت أوروبا انتفاضات عمالية واحتجاجات شعبية وظهور بلدان جديدة بعد تفكك الإمبراطورية العثمانية والروسية. أما في المانيا فقد قمعت الانتفاضة التي قادها الحزب الشيوعي الألماني (1919) بعنف وقسوة بالغة والذي كان يقف في نشاطه الدعائي والتحريضي مع البلاشفة مقابل موقف الاشتراكيين الديمقراطيين المعادي لها، حفاظا على مواقعهم ومكاسبهم في قمة السلطة.
ومع حالة الاستقطاب التي سادت في أوساط اليسار الألماني مع او ضد ثورة أكتوبر، برز اتجاه ثالث بين النخب الثقافية الناشطة في المنتديات الاجتماعية الفكرية اليسارية المتعددة آنذاك، يدعو الى مراجعة أسس   الماركسية، بهدف تصحيح مساراتها من اخطاء الماضي ومن ضمنها  العلاقة بين النظرية والممارسة والعمل من أجل تنظيم فعاليات فكرية تهدف الى مراجعة  للتراث الماركسي بشكل مستقل، بعيدا عن الضغوط السياسية.
ويعود الفضل في انشاء المدرسة الى الشاب اليساري فيلكس فييل (1898-1975) المنحدر من عائلة ثرية الذي كان طامحا لإنشاء مؤسسة أكاديمية تهتم بالدراسات الفكرية الماركسية والكشف عن العقبات التي تواجه الحركات اليسارية والعمالية. وكانت نيته في البداية إقامة المعهد ومن ثم تسليمه الى الحكومة السوفيتية التي يتم تشكيلها بعد انتصار الثورة في المانيا.
وقد ولد فيلكس في بونيس ايريس وعاش فيها حتى عمر التاسعة عندما أرسله والده الى مدينة فرانكفورت في المانيا لمواصلة الدراسة فيها كأحد تلامذة الاشتراكي الألماني روبرت وليبرانت (1875-1954) الذي شغل مقعدا في جامعة توبرنجن. وكتب فيلكس آنداك مقالة حول جوهر وآليات الانتقال الى الاشتراكية نشرت في مجلة برلين للمجاس العمالية والتي طورها لاحقا بتشجيع من استاذه وليبرانت كأساس لأطروحة الدكتوراه والتي منحتها له جامعة فرانكفورت بعد طرده من توبرنجن، متهما بنشاطات تحريضية ضد أستاذ في الجامعة عرف بعنصريته. وكان عنوان اطروحته "محاولة لتوضيح ونقد الأسس المفاهيمية للانتقال الى الاشتراكية"، ونشرت كأحد فصول المجلد السابع والأخير المعنون "في التطبيق الاشتراكي"، الذي يشرف عليه كارل كورش ( 1886-1961) وهو ماركسي الماني كان شديد النقد لأطروحات كاوتسكي ( 1854-1938) و لينين ( 1870-1924) و كان يعمل مساعد وليبرانت عند  رئاسته هيئة التحول الاشتراكي التي تشكلت أثناء انتفاضة 1919.
لقد كان فيلكس شابا دفعته مآسي الحرب العالمية الأولى وتصاعد معاداة السامية و انتفاضة نوفمبر 1919 العمالية في المانيا الى حلبة النشاط السياسي بقوة مؤمنا بالاشتراكية كمشروع انساني يمتاز برقي في تنظيم قدرات الانسان المادية و الروحية، وفي نفس الوقت كرس نشاطاته الأكاديمية لدراسة النظريات الاشتراكية ومنها الماركسية، وهدفه ان يلعب دورا في دعم النظام الاشتراكي القادم الذي سيتحقق في حالة انتصار الثورة العمالية في المانيا. ولكن كانت مشاركته الفعلية في النضالات المباشرة ومعارك الشوارع محدودة حيث أطلق على نفسه لقب "بلشفي الصالونات" في عام 1973 في محاضرة قدمها بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس المعهد.
  ولم يكن فيلكس عضوا في الحزب الشيوعي الألماني بل صديقا مقربا من القائدة الشيوعية الألمانية كلارا زتكين، وتزوج بنت احد صديقاتها وأيضا كان صديقا لبول فروليغ ( 1884-1953) الذي كان رئيس تحرير جريدة الحزب الشيوعي الالماني، وانشق عنه لاحقا. كما مول فيلكس أيضا دار نشر مالك فيرلاك الألمانية التي اهتمت بنشر الادبيات الشيوعية والاعمال الريادية في الفن و الادب، فمثلا قامت بنشر الطبعة الأولى لكتاب جورج لوكاتش "التاريخ والوعي الطبقي".
وكان اول لقاء جمع فيلكس مع ماكس هوكهايمر و فردريك بولوك (1894-1970) في كانون اول 1919، وغالبا ما أستشارهما حول طموحه بإقامة المعهد وكيف يتم ضمان استقلاليته وطبيعة علاقته مع الجامعة بما يضمن أجواء اكاديمية رحبة لدراسة و اجراء البحوث عن الماركسية والحركات العمالية، بلا قيود سياسية ولا ضوابط جامعية او من ضغوط معاداة السامية. وكان الهدف هو بلورة علاقة مناسبة مع جامعة رصينة مثل جامعة فرانكفورت التي تم افتتاحها عام 1914، والعمل من اجل ان يصبح رئيس المعهد بدرجة أستاذ فيها، ولكن يبقى المعهد مستقلا إداريا وماليا واكاديميا.
وقد ضمت مدينة فرانكفورت آنذاك أكبر جالية يهودية في المانيا بعد برلين، تواجد عدد كبير من المتعاطفين مع الفكر الاشتراكي والشيوعي الذين يلتقون في صالونات ومنتديات منتشرة آنذاك في المدينة.  
أسبوع الدراسات الماركسي
وبسبب طبيعة وتركيبة اليسار الألماني المعقدة آنذاك لم تلتحق التنظيمات اليسارية والعمالية في المانيا بالأممية الثالثة (1919-1943) لدراسة الثورة الروسية خاصة بين مجموعة من النخب الثقافية وتقييم الجوانب النظرية والتطبيقية في الماركسية. وأحد هذه المبادرات هو تنظيم "أسبوع الدراسات الماركسية".
 وشارك في هذا الأسبوع 12 من المهتمين بالفكر الماركسي مع زوجاتهم. وكان اغلبهم بعمر الثلاثين عاما ومن حملة شهادة الدكتوراه ماعدا   لوكاتش (1885-1971) وكورش اللذين كانا أكبر عمرا. و حضر الأسبوع أيضا ريتشارد سورج (1895- 1944) الذي كان صحفيا وعضوا في الحزب الشيوعي الألماني (أعدمته السلطات اليابانية بتهمة التجسس لصالح الاتحاد السوفيتي) وكان مساعدا للبروفسور كورت البرت كيرلاغ ( 1886-1922)  .
وقد عقد هذا الأسبوع خلال صيف 1922 خارج مظلة الحزب الشيوعي الألماني وكانت مؤشرا لتوتر العلاقة بين المثقفين الاشتراكيين والشيوعيين المنخرطين في التنظيم الحزبي مع أن كورش كان عضوا في الحزب الشيوعي الألماني بينما كان لوكاتش عضوا في الحزب الشيوعي المجري. وبرز فيلكس في الأسبوع كراع وممول لنشاطات اليسار في المانيا وأعلن عن طموحه بخلق معهد للماركسية يخرج النقاش من أوساط انتلجنيسيا الطبقة الوسطي المتناثرين في المراكز الاكاديمية الى معهد أكاديمي رصين ومستقل .
وقدم كورش الذي كان مهتما بالفكر الديمقراطي الراديكالي الاشتراكي ولوكاتش الذي كان مهتما بموضوع الثقافة وتمثلها مجتمعيا مادة النقاش الأساسية في الأسبوع وعلى شكل ورشات عمل.
معهد الدراسات لاجتماعية  
من العوامل التي سهلت إقامة المعهد هو تعاطف وزارة الثقافة التي يهيمن عليها الاشتراكيون الديمقراطيون مع النشاطات الثقافية اليسارية و الاجتماعية وتجاوبها إيجابيا مع مقترحات فيلكس عندما فتح في 1920 نقاشا مع وزارة العلوم والتعليم والفن في برلين للموافقة على إقامة معهد لدراسة الاشتراكية العلمية وحظيت بدعم خاص من وزير الثقافة كونراد هينيش ( 1876-1925) الذي كان من يسار الحزب الاشتراكي الديمقراطي . وكان الخيار الأول لاسم المعهد هو معهد الدراسات الماركسية الا انه استبعد باعتباره مباشرا ومثيرا للانتباه كما رفض فيلكس مقترح وزارة التربية الألمانية التي اقترحت ان يكون باسم "معهد فيليكس فييل للدراسات الاجتماعية" والذي رفضه فيلكس ورسا الحوار بأن يطلق عليه اسم معهد الدراسات الاجتماعية (والذي اسمه مماثل لمعهد كان آنذاك  في اليابان).
وكان اول مرشح لإدارته كورت ألبرت كيرلاغ الذي كان من يسار التيار الاشتراكي الديمقراطي وأستاذ العلوم الاقتصادية في جامعة أخين. وفي 1922 عرض عليه منصب مدير المعهد. وكان المقرر تدشين ادارته بتقديم سلسلة من المحاضرات حول تاريخ الفوضوية والاشتراكية والماركسية، ولكن المدير توفي بشكل مفاجئ بسبب مضاعفات مرض السكري وعمره 36 سنة.
 وقبل مرضه فتح كورت وبالتنسيق مع فيلكس حوارا مع جامعة فرانكفورت حول صيغة العلاقة مع المعهد على ضوء مذكرة كتبها في 1922 حدد فيها رؤيته للمعهد و الأهداف المتوخاة من نشاطاته والذي يكون دوره بالأساس بحثيا مع تخصيص كرسي في علوم الاجتماع لمدير المعهد، والذي واجه معارضة من بعض الأكاديميين في الجامعة الذين اعتبروه نافذة لتسلل البلاشفة الحمر الى الصرح الاكاديمي الذي يجب ان يحافظ على حيادتيه. وقد قدّم فيلكس استعداده لتغطية نفقات المعهد من بناء ومرتبات للعاملين فيه وبضمنها راتب مدير المعهد (وفعلا تم وضع الدعم المالي في حساب خاص في جامعة فرانكفورت وتكون تحت تصرف مدير المعهد و برقابة من الجامعة) ولكن بشرط ان يكون له رأي في اختيار مدير المعهد. 
وبعد وفاة كورت كيرلاغ تحول الاهتمام نحو غوستاف ماير (1871-1948) الذي كان صحفيا ومهتما بتاريخ الحركات العمالية وأيضا كتب عن حياة فردريك انجلز نشرها عام 1919 واصبح في 1920 أستاذ التاريخ في احد جامعات برلين، ولكن رفضه فيلكس الذي وصفه "شيوعي بثياب أرستقراطية".
واتجه بعدها البحث عن مدير للمعهد صوب فيينا حيث يوجد الاكاديمي كارل كرونبرغ (1861- 1940) الذي كان من عائلة يهودية نمساوية  وقام بدراسة القانون في جامعة فيينا وفي 1894 اعتنق المسيحية الرومانية الكاثوليكية، ودخل السلك الاكاديمي فشغل موقع أستاذ القانون والعلوم السياسية في جامعة فيينا منذ عام 1912 وكان أيضا رئيس تحرير مجلة  الأرشيف الاشتراكي والحركات العمالية التي قام بتأسيسها عام 1910. ويعتبره البعض أحد مؤسسي التيار الماركسي النمساوي، ولكن نظر اليه اخرون انه كان مجرد ناشط طلابي ذي نزعات ماركسية. وكانت له علاقات وثيقة مع رموز الاتجاه النمساوي الماركسي مثل ماكس ادلر (1873-1937) وأوتو باور (1881 - 1938) على سبيل المثال.
 ومن وجهة نظر فيلكس كان كرونبرغ ماركسيا أكاديميا فأعطى اسمه الى وزارة الثقافة والجامعة التي وافقت عليه كمدير المعهد. وقد كانت هناك معارضة لتسمية كورش او لوكاتش كمدراء للمعهد بسبب التزامهم ونشاطهم الشيوعي كما لم يعرض على الأكاديمي الاشتراكي ويالبراندت بسبب ميولة السياسية اليسارية.
وقد بدا كرونبرغ إدارته للمعهد في ظرف شهد جزرا في النشاطات الثورية المباشرة بعد حظر الحزب الشيوعي الألماني عقب فشل الانتفاضة الشعبية التي قادها.  واستمرت إدارته للمعهد حتى استقالته نتيجة إصابته بجلطة دماغية عام 1929 وتسلم بولوك الإدارة مؤقتا لحين تعيين ماكس هوكهايمر والذي دشن بداية مرحلة جديدة من تاريخ المعهد.
وفي 1924 فتح معهد الدراسات الاجتماعية أبوابه للطلبة للتسجيل وهدفه المعلن هو نقل الماركسية من النشاط الثوري السياسي إلى الفضاء الأكاديمي مع التركيز على علوم التاريخ والاجتماع والاقتصاد السياسي باعتبارها نظرية علمية وابعادها عن التأثيرات الثورية المتشددة لأنها تهدد جوهرها المعرفي ومصداقيتها وقيمتها الحقيقية.   
وفي يوم الاحد 22 حزيران 1924 افتتح المعهد رسميا وكانت المادة الرئيسية هي الكلمة التي قدمها كرونبرغ التي تضمنت برنامجه الاكاديمي اللاحق، أكد فيها على دور المعهد في دعم البحث العلمي وليس تخريج بيروقراطيين والانطلاق من المفاهيم الماركسية غير الدوغماتيه مع رسم عام لنشاطات المعهد المستقبلية وعكس فيها التزامه بالفهم المادي للتاريخ  تشوبها بعض الأفكار من الداروينية الاجتماعية وعكست أيضا المفارقة بين نجاح ثورة أكتوبر في روسيا والفشل الدراماتيكي للثورة في المانيا والبلدان الأوروبية الأخرى والذي وضع امام المثقفين الالمان خيارات صعبة مثل دعم التيار المعتدل الذي يمثله الاشتراكيون الداعمون لحكومة وايمار او القبول بقيادة البلاشفة في موسكو والانضمام الى الحزب الشيوعي الألماني الذي يعمل لإسقاط حكومة فايمار. أما الخيار الثالث الذي تبناه المعهد وعكسه خطاب الافتتاح فهو العمل على مراجعة المفاهيم الماركسية بحيادية تامة لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء فشل تجربة اليسار الألماني ومن موقع الاستقلالية عبر تشجيع البحوث والدراسات الاجتماعية. وتضمنت كلمته اقتباسا من "البيان الشيوعي" حول التفسير المادي للتاريخ وان فهمه للماركسية هو علمي وليس سياسيا او حزبيا. وقد فتح المعهد ستة اقسام منها الفلسفة المادية والاقتصاد السياسي ودور البروليتاريا والعلوم الاجتماعية.
وقد بدء الشروع ببناء مقر المعهد في عام 1923 وصممها المعماري فرانز روكل على شكل مكعب من خمسة طوابق مستلهما التصميمات الحديثة وضمت غرفة للقراءة من 36 مقعدا و16 غرفة صغيرة للدراسة: أربع غرف للسيمنارات تسع مئة طالب. وقد وفر المعهد إمكانات بحثية جيدة تمثلت بمكتبة فيها غرفة خاصة للمطالعة حوت 75 ألف كتاب و340 مجلة أكاديمية و37 صحيفة بلغات متعددة. كما كان هناك أرشيف مميز ضم الألف من الوثائق والنشريات الصادرة عن الحركات والأحزاب العمالية والشيوعية في المانيا وثمانية عشر غرفة لطلبة الدكتوراه. وقد كان لمدير المعهد مساعدان هما فردريك بولوك الذي شغل موقع مدير مؤقت حتى التحاق كرونبرغ بمنصبه الإداري وقد ألف الكتاب الثاني للمعهد وهو "تجارب التخطيط الاقتصادي في الاتحاد السوفيتي: 1917 - 1927" وهنريك كروسمان (1881 - 1950) الذي كان ماركسيا بولنديا أستاذ العلوم الاقتصادية في وارشو والذي كان كتابه "حول قانون التراكم والانهيار الرأسمالي"، المطبوع الأول للمعهد. والتحق أيضا كارل ويتفوجيل (1896 - 1988) وهو مؤرخ وكاتب مسرحي الماني - امريكي وعضو في الحزب الشيوعي الألماني، ومن ثم اصبح معاديا للفكر الشيوعي، وألّف كتاب "الاقتصاد والمجتمع في الصين" وكان احد منشورات المعهد. وقد التحق بالمعهد عدد من طلبة للدكتوراه، وبعضم قد منح زمالة دراسية. ومن أوائل خريجي المعهد والذين استمروا بالعمل فيه كورت مندلبوم (1904- 1995) وهو اقتصادي واطروحته كانت "مناقشة لمشكلة الامبريالية في التيار الاشتراكي الديمقراطي الألماني"، وأيضا هيلدا ويس (1900-1981) المتخصصة بالعلوم الاجتماعية وناشطة نقابية والتي كانت اطروحتها حول "اليوتوبيا الرأسمالية"، وكانا من أوائل خريجي المعهد. والتحق بعدها جوليان غومبيز (1898-1972) وكان امريكي من أصول المانية وناشط شيوعي ومهتم بعلم الاجتماع وكانت أطروحة الدكتوراه بعنوان "نظرية الازمة الزراعية الرأسمالية"، ناقشت المشاكل البنيوية في النظام الزراعي الأمريكي واستمر بعدها في المعهد كمساعد حتى ترك اهتماماته اليسارية واصبح تاجرا للاسهم والسندات المالية. ومن الذين انضموا للمعهد ليو لونثال (1900-1993) وهو عالم اجتماع وفيلسوف الماني حصل على زمالة من المعهد في 1926 وكان مهتما بسوسيولوجيا القصة الألمانية القصيرة، واعتبر كتابه من اولى الدراسات في اختصاص سوسيولوجيا الادب. وشارك في تقديم المحاضرات وتنظيم السيمنارات في المعهد كورش و الماركسي النمساوي ماكس ادلر (1873-1937) و السياسي النمساوي فرتز ادلر ( 1879-1960) واحد مؤسسي اليسار النمساوي اوتو باور ( 1881- 1938).
وبذل المعهد جهدا لنشر الأعمال الكاملة لماركس وانجلز التي كانت معظمها على شكل مخطوطات في عهدة ادورد برنشتاين (1850-1923) و أيضا اوغست بيبل (1840-1913) من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، ولم ينشر منها سوى طبعة غير مكتملة لمراسلات ماركس وانجلز  حتى بادر ديفيد ريازونوف (1870-1938) وكان اشتراكيا ديمقراطيا روسيا ومؤسس "معهد ماركس وانجلز" في موسكو في 1919، الهادف الى دراسة تطور الفكر الماركسي والاشكال المتنوعة لوحدة النظرية والممارسة وتطبيق الاشتراكية العلمية، وبالتعاون مع بيبل بإصدار اول طبعة من الاعمال المختارة لماركس وانجلز والتي كانت بمساعدة إدارة المعهد التي لعبت دور الوسيط و المساعدة و العمل على استنساخ الوثائق و المخطوطات وتسهيل نشرها. وتم أيضا إنشاء دار نشر خيرية يديرها فيليكس فيل و فردريك بولوك مهمتها نشر الطبعة الألمانية من الاعمال الكاملة، والتي اعتبرتها الشرطة الألمانية السرية غير شرعية لا تنسجم مع صلاحيات المعهد و تدل على دعمه للحزب الشيوعي الألماني المحظور وفتحت تحقيقا مع مدير المعهد كرونبرغ. واتخذ لاحقا قرارا بفصل دار النشر عن المعهد كأحد إجراءات لتجنب المشاكل القانونية مع تبني تحقيق المخطوطات ونشرها باعتبارها شكلا من النشاط الاكاديمي المشروع والذي انصرف اليه عددا من طلاب الدكتوراه والباحثين في تجميع وتدقيق وتحرير المخطوطات واعدادها للنشر.
وفي كانون الأول 1928 توقف كرونبرغ عن نشاطه في المعهد بسبب اصابته بالجلطة الدماغية التي اثرت على قدراته العقلية والجسدية حتى وفاته في 1940. وقد استمرت إشكالية البحث عن مدير جديد للمعهد لمدة سنة (1929-1930) كان خلالها بولوك مديرا مؤقتا. وبعد حوارات ساخنة مع وزير الثقافة وإدارة الجامعة تم إقرار تعيين ماكس هوركهايمر كمدير للمعهد وأستاذ الفلسفة الاجتماعية الذي قدم في 24 كانون الاول1931 خطاب تدشين تعيينه كمدير جديد والتي اعتبرت نهاية مرحلة التأسيس وبداية مرحلة "الجيل الأول" من تاريخ معهد الدراسات الاجتماعية في فرانكفورت.
 
المصادر
  1. ثريا بن مسمية، مدرسة فرانكفورت: دراسة في نشأتها وتياراتها النقدية واضمحلالها، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، 2020.
  2. Stephen Eric Bronner, Critical Theory (a very short introduction) , Oxford University Press, 2011.
  3. Andrew Pendakis in “A Companion to Critical and Cultural Theory”, Edited by Imre Szeman, Sarah Blacker and Justin Sully, John Wiley & Sons Ltd, 2017.
  4. Alan How, Critical Theory, Palgrave Macmillan 2003.
  5. Rolf Wiggershaus, The Frankfurt School: Its History, Theories, and Political Significance, Studies in Contemporary German Social Thought, MIT Press,1995.
  6. Tom Bottomore, The Frankfurt School and its Critics, Routledge, 2002.
  7. Martin Jay, the dialectical Imagination, a history of the Frankfurt School and the Institute of social research 1923-1950, the University of California Press, 1996.
  8. John Abromeit, Max Horkheimer and the Foundations of the Frankfurt School, Cambridge University Press, .2011
  9. بول - لوران أسون، مدرسة فرانكفورت، ترجمة سعاد حرب، ط 2، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع، 2005.
  10. Phil Slater, Origin, and significance of the Frankfurt School: A Marxist perspective, Routledge and Kegan Paul, 1977.