أيار 17
في نقد الحداثة أو الحداثة البعدية
    إنّ خطاب نقد الحداثة كما ظهر في المجتمعات الغربية والذي يكشف عن أعطابها وتأثيراتها السلبية على الإنسان والمجتمع والبيئة، خطاب مألوف عند المثقفين والمفكرين الغربيين، وهذا شيء طبيعي ما دامت الروح النقدية تشكل إحدى الخصائص الكبرى للعقل الحديث. فمنذ عصر التنوير أصبح النقد شاملا لكل شيء، يطال الفكر والدين و العلم والمجتمع والدولة، بل إن المشروع الفكري للفيلسوف الألماني "إيمانويل كانط" شكل منعطفا حاسما في تاريخ النقد عندما أصبح العقل نفسه معرضا للمساءلة والمراجعة وإعادة النظر في مبادئه وطريقة إنتاجه للمعارف المختلفة، (نقد العقل الخالص - نقد العقل العملي - نقد ملكة الحكم - الدين في حدود مجرد العقل). فالنقد إذن ليس أداة للنفي والهدم والقطيعة النهائية بل هو إعادة بناء على أسس جديدة تسعى إلى تحريك الإبداع والتغيير في كل مجالات الحياة البشرية. لذلك ينبغي الانتباه إلى جوانب التضليل التي تتضمنها عبارات مثل: "نهاية الحداثة" أو "ما بعد الحداثة". إن الأمر ليس بهذه البساطة، لأن التحولات الكبرى التي تعرفها المجتمعات الغربية المعاصرة تجعل من المشاريع الفكرية كلها أشياء غير مكتملة، خاصة وأن الثقافة الغربية تُسائل ذاتها باستمرار وتعمل على تجاوز العناصر التي لا تتلاءم مع تلك التحولات، وهو ما يؤدي بين الفينة والأخرى إلى ظهور مصطلحات وتوصيفات جديدة مثل ما بعد الحداثة، ما بعد الإيديولوجيا، ما بعد البنيوية، ما بعد الكولونيالية، ما بعد الفلسفة، ما بعد الدين... إن خطاب الما بعد يشتغل داخل فضاءات العقل الحديث وليس خارجها وهو لا يعني تصفية حساب تامة مع ما قبل، بل يتعلق الأمر بظواهر ناتجة عن المنعطفات الكبرى التي تعرفها المجتمعات الأوروبية، فالثورة والنقد والتجاوز هي من خصائص هذا العقل الذي تظافرت الكثير من الشروط التاريخية على بروزه.
إدغار موران والابستمولوجيا المعاصرة
 
يعد الفيلسوف الفرنسي "إدغار موران" أحد أعلام الفكر الإنساني المعاصر بالنظر إلى أعماله المتعددة التي جمعت بين البحث السوسيولوجي والفكر الفلسفي والدراسات السياسية. وهو من المنادين بتكسير الحدود بين أنماط المعرفة الإنسانية. من أهم العناوين التي يتشكل منها المشروع الفكري والنقدي لإدغار موران عنوان: الفكر المركب الذي أراد من خلاله إعادة النظر في منطلقات الأبستمولوجيا الكلاسيكية القائمة ذات النسق الدوغمائي المرتكز على منطق التبسيط والاختزال والثنائيات الإقصائية والعقل المنغلق المرتكز على مبادئ مطلقة. الشيء الذي أدى إلى إنتاج معرفة مشوهة كانت وراء الأزمة التي عاشها العقل الكلاسيكي منذ عصر النهضة. لقد سعى موران إلى طرح بديل يتجلى في اقتراح نموذج معرفي جديد يقوم على التفكير المركب القائم على براديغم الانفتاح والحوار النقدي. فعالم اليوم عالم مركب ولانهائي ودينامي متحول باستمرار، لذلك فإن الطريق الأنسب لتمثل هذا العالم في تحولاته هو تبني الابستمولوجية المركبة.
يتجلى البعد الابستمولوجي في فلسفة إدغار موران في انخراطه في النقاش الذي يسعى إلى بناء تصور جديد للعقل يستند إلى نتائج الثورة العلمية المعاصرة، وهذا ما أدى إلى بروز عقلانية جديدة أطلق عليها نعت العقلانية المنفتحة، التي تجاوزت الأطر التقليدية للعقل الكلاسيكي المرتكز على المبادئ المنطقية التي وضع أسسها الفيلسوف اليوناني أرسطو مثل مبدأ الهوية ومبدأ عدم التناقض ومبدأ الثالث المرفوع ومبدأ السببية. وقد تعززت هذه العقلانية الكلاسيكية مع فلسفة ديكارت وامتدت إلى حدود القرن التاسع عشر. وقد تميزت العقلانية المعاصرة بمجموعة من الخصائص من بينها رفض التصور الذي يعتبر العقل واحدا وكونيا يتميز بالثبات والاكتمال، لأن العقل طبقا لهذا التصور المعاصر هو ظاهرة تاريخية ونسبية يحتاج دوما إلى المراجعة النقدية لمبادئه ووسائله في إنتاج المعارف. بالإضافة إلى ذلك فليس هناك حدود فاصلة بين العقل واللاعقل كما تبين العقلانية الكلاسيكية، فالعقل العلمي ينطوي على اللاعقل، وقد تتسرب إلى عقول العلماء أفكار خاطئة بصورة لا واعية تكون بمثابة تشكل عوائق في وجه تقدم المعرفة العلمية كما بين ذلك غاستون باشلار، واكتشاف هذه الأخطاء وتصحيحها يساهم بالفعل في هذا التطور فتاريخ العلم ليس تاريخا للحقائق المتراكمة بل هو تاريخ أخطاء التي يرتكبها العلماء السابقون ويكتشفها اللاحقون عليهم. كذلك أصبحت العقلانية العلمية المعاصرة منفتحة على التجارب العلمية وليس متعارضة معها كما كان يعتقد من قبل، فالعلم التجريبي علم معقلن لأنه لا يستغني عن البعد الرياضي في صياغة نظرياته العلمية. ما فتئ إدغار موران يدعو باستمرار إلى الاستفادة من الدرس الأبستمولوجي المعاصر خاصة مع رواده الكبار أمثال باشلار وكارل بوبر وتوماس كون، فالعلم لا يستمر إلا عن طريق الجدل والنفي والقطائع وليس عبر التراكم وتبني الأفكار اليقينية فليست هناك حقائق ثابتة ومطلقة في مجال المعرفة العلمية. إن النظرية العلمية الصالحة والصادقة هي التي تترك مكانها لنظرية علمية أخرى بعدما يتم تكذيب فرضيات النظرية الأولى وهذا ما يجعل العلم يتقدم ويتطور باستمرار. كما أن العلماء يتخلون عن النموذج الذي كانوا يستظلون تحته عندما يعجز عن الإجابة على التساؤلات التي يطرحها راهنهم العلمي، فيستبدلونه بنموذج جديد أي أنه يدخلون براديغم جديدا حسب تعبير توماس كون.
انطلاقا من هذا الفهم الجديد للعقل البشري وللمعارف التي ينتجها يتحدث إدغار موران عن أهمية اعتبار التعقيد أو التركيب مبدءا أبستمولوجيا لتجاوز التصور التقليدي للمعرفة والأحكام المسبقة والمعرفة اليومية، ثم قيمة اللايقين في قراءة ظواهر الواقع.
         
نحو أبستمولوجيا للتعقيد
1- لا يقين المعرفة ولا يقين العالم
يرى إدغار موران بأنه ليست هناك معرفة بدون أخطاء وأوهام، بل إن المنظومات المتحكمة في العلم قد تساهم في إنتاج أوهام متعددة، ولا وجود لأية نظرية علمية بعيدة عن الخطأ بشكل مطلق، لكن تطور العلوم والمعارف الإنسانية هو الكفيل بالكشف عن تلك الأخطاء ومحاربة الأوهام الناتجة عنها، وهذه من المهام التي ينبغي أن تقوم بها التربية(1). من هنا تأتي أهمية العقلانية في الحماية ضد الأخطاء والأوهام، شريطة أن تكون عقلانية منفتحة ولا تتحول إلى مذهب منغلق خاصة عندما تصبح عقلانية تبريرية قائمة على أسس مشوهة، فيتسرب إليها الخطأ والوهم، والتبرير العقلاني يحدث عندما يوظف مذهب ما نموذجا آليا وحتميا في قراءة العالم (2). مؤكدا في نفس الوقت بأن العقلانية ليست حكرا على الحضارة الأوروبية كما كان يعتقد لمدة طويلة، وأن باقي الشعوب والثقافات حاملة للأخطاء والأوهام والتخلف، والسبب في هذا الحكم الجائر هو الانطلاق من معيار الإنجازات التكنولوجية. في حين أننا نجد، في كل مجتمع، بما في ذلك المجتمع البدائي، حضورا قويا للعقلانية في طريقة صياغة الأدوات وتقنيات الصيد ومعرفة النباتات والحيوانات والمحيط، بالموازاة مع حضور الأسطورة والسحر والدين. وفي المقابل فإن المجتمعات الغربية ذاتها حبلى بالأساطير والسحر والدين بما في ذلك أسطورة العقل وأسطورة التقدم. لذلك فإن إدغار موران يرى بأن العقلانية هي الاعتراف بوجود أساطيرنا الخاصة. من هنا تنطلق الضرورة الملحة للاعتراف بمبدأ اللايقين العقلاني ما دام أن العقلانية تظل مفتوحة دوما على احتمال تحولها إلى وهم التبرير العقلاني إذا لم تمارس على ذاتها نقدا ذاتيا دائما. "إن العقلانية الحقيقية ليست فقط نظرية وليست فقط نقدية ولكنها تقزم أيضا بنقد ذاتي مستمر"(3).
من هنا، فإن إدغار موران يعتبر الرؤية التجزيئية في مجال المعرفة العلمية ظلت مسيطرة على العقل الغربي منذ العصر الحديث إلى منتصف القرن العشرين، حيث كانت أغلب العلوم تشتغل وفقا لمبدأ الاختزال الذي يقوم على فكرة الحتمية ويؤدي إلى اختزال ما هو مركب في البسيط، مع إقصاء كل ما لا يقبل التكميم والقياس، وتهميش الأهواء والعواطف والمعاناة والفرح وقمع الصدفة والجديد الشيء الذي يضع سدا منيعا ضد الإبداع والابتكار البشري (4). إن هذه الرؤية تشتت مركب العالم إلى قطع منفصلة، فتتجزأ المشاكل ويتم اختصار الأبعاد المتعددة إلى بعد واحد، الشيء الذي يقتل مهارات الفهم والتأمل ويؤدي إلى بناء الأحكام قصيرة المدى، يقول إدغار موران: "بقدر ما تصبح المشاكل متعددة الأبعاد بقدر ما يتعذر تمثلها في تعدد أبعادها، وبقدر ما تستفحل الأزمة بقدر ما تكبر صعوبة التفكير في الأزمة، وبقدر ما تكون المشاكل كوكبية بقدر ما يتم غض الطرف عنها نهائيا. إن عجز الرؤية العمياء عن تمثل السياق والمركب الكوكبيين هو الذي يجعل كل واحد غير واع وغير مسؤول تماما"(5).
يردد موران باستمرار بأن العصر الذي نعيش فيه هو عصر اللايقين في مقابل العصور القديمة التي كانت تركن إلى اليقينيات من خلال فكرة وجود زمن دوري يتعين علينا أن نضمن حسن سيره. إن انهيار اليقينيات جاء نتيجة لانهيار أسطورة التقدم، والتقدم كما يقول موران "شيء ممكن ولكنه غير يقيني. وعلاوة على لا يقينية المستقبل، تنضاف كل أنواع اللايقين الناجمة عن السرعة الفائقة، وعن تسارع السيرورات المعقدة والعشوائية التي شهدها عصرنا الكوكبي، والتي ليس في مقدور الفكر الإنساني، ولا في مقدور حتى أقوى حاسوب ولا أي مارد - كما قال بذلك لابلاس - أن يتحكم فيها" (6). من هذا المنطلق فإن المعرفة الإنسانية تصبح بدورها مغامرة لا يقينية مادامت معرضة دوما للخطأ والوهم. لكن الوعي بهذه الخاصية اللايقينة للفعل المعرفي هو الذي يسمح لنا ببلوغ معرفة ملائمة بعد رحلة طويلة من الفحص والتحقق وتجميع المؤشرات. المعرفة إذن إبحار في محيط من اللايقينيات، مرورا بأرخبيلات من اليقينيات. وإذا كانت الأفكار والنظريات لا تعكس الواقع بل تترجمه أحيانا بطرق مغلوطة، فإن الواقع ليس في النهاية سوى فكرتنا عن الواقع من خلال تأويلنا له، وهذا دليل على تعقده ولا يقينيته وهو ما يجعل قراءته ليس مسألة بديهية (7). علينا إذن أن نتعود على الاعتراف باللايقين والتسلح لمواجهته باستمرار مادام التخلص منه يبقى مسألة مستحيلة بل يدخل في باب الوهم. ومن أجل التشبث بأمل الوصول إلى عالم أفضل ينبغي أن ندرك كذلك أن الانطلاق من فكرة اللاحتمال والمراهنة على ما هو غير محتمل الذي قد يتحقق أكثر من المحتمل (8).
2- الإنسان المركب والفكر المركب
 الإنسان المركب عند إدغار مروان هو الكائن الذي يعكس طبيعة النسيج الإنساني بامتياز فهو كائن طفولي وعصابي، هذياني وعاقل في نفس الوقت. والسبب في ذلك هو طاقته الوجدانية المكثفة التي تجعله يضحك ويبكي، جاد، ومتهور، عنيف وحنون، كائن يتحلى بالخيال بقدر ما يرتبط بالواقع، ينتج الأسطورة والمعرفة العلمية والفلسفية، يعبد الآلهة وينتقد الأفكار، يخلط بين الذاتي والموضوعي وبين الأوهام والعقل. لذلك يرى موران بأن الجنون هو قضية مركزية عند الإنسان وليس مرضا أو شيئا زائدا، ولم يحدث أن تسبب الجنون في انقراض النوع البشري بينما التقنية العقلانية يمكن أن تكون قادرة على اقتياد البشرية إلى نهايتها. لذلك فعملية التعقيد تتطور من خلال هذه العلاقة الحوارية بين العقل والجنون، بل إن الإنجازات البشرية تقع دوما، تحت قبضة القيادة المزدوجة للعقل والجنون (9).
يعرف موران التعقيد على المستوى الاصطلاحي بأنه مشتق من الكلمة اللاتينية complexus التي تعني ما هو منسوج مع بعضه البعض، فالأحداث ليست منعزلة بل تقع ضمن سياق ما يتواجد هو بدوره ضمن سياق أكبر. التعقيد إذن هو "نسيج من المكونات المتنافرة المجمعة بشكل يتعذر معه التفريق بينهما، إنه يطرح مفارقة الواحد والمتعدد. فالتعقيد هو نسيج من الأحداث والأفعال والتفاعلات والارتدادات والتحديدات والمصادفات التي تشكل عالمنا الظاهراتي" (10)، لذلك يرى بأن كل محاولة تسعى إلى إقصاء أي عنصر من عناصر هذا التركيب فإنها تصيب العقل بالعمى. هذا الأخير الذي أصبح يشكل جزءا من بربريتنا ويجعلنا نفهم بأننا ما زلنا نعيش في عصور ما قبل التاريخ، لكن الفكر المركب وحده من سينقذنا من هذه البربرية ويمكننا من تحضير معرفتنا (11). بالإضافة إلى البعد الفلسفي للتعقيد الذي عبر عنه الفيلسوف الألماني فرديريك هيجل بمفهوم الجدلية حين أقحم التناقض والتحول في قلب الهوية.
 وعلى الصعيد العلمي ظهر التعقيد في العلم قبل الإعلان عن اسمه في القرن العشرين في مجال الميكروفيزياء والماكروفيزياء. بالإضافة إلى ثورة السيبرنطيقا وعلاقتها بظواهر التنظيم الذاتي (12). تبين العلوم الفيزيائية بأنه يستحيل التفكير في الكون بلغة بسيطة، حيث اصطدمت الميكروفيزياء بمجموعة من المفارقات تتعلق بطيعة المادة في علاقتها بالتناقض الداخلي للذرة، ثم اكتشاف أن ذرات معينة تتواصل بسرعات لا نهائية، وهذا دليل على أن هناك أشياء تنفلت من الزمان والفضاء (13). أما المبادئ التي تساعدنا على التفكير في التعقيد فقد حصرها موران في ثلاثة مبادئ وهي:
المبدأ الحواري: تؤكد العلوم الكيمائية المتعلقة بجسم الكائن الحي أن الحياة على مستوى الخلايا تتراوح بين الاختلال والاندثار وبين التوالد والاستمرار، فكل طرف يلغي الآخر لكنه يتكامل معه في نفس الوقت بل يتعاونان وينتجان التنظيم والتعقيد، وهذا هو مبدأ الحوار الذي يحافظ على التعارض داخل الوحدة. الشيء الذي يسمح للفكر بالتعامل مع هذه التناقضات في إطار الجمع بين الحدود المتكاملة والمتعارضة في نفس الوقت (14).
مبدأ الارتداد التنظيمي، ويقصد به مبدأ السببية الدائرية حيث يمكن أن يحدث داخل المنظومات المعقدة تبادل للأدوار فتصبح الأسباب نتائج والنتائج أسبابا، وهذا ما يحدث مثلا على المستوى السوسيولوجي فالأفراد مثلا ينتجون المجتمع الذي ينتج الأفراد. لقد تجاوز هذا المبدأ مفهوم السببية الكلاسيكي المعتمد في النموذج الاختزالي، حيث التفاعل يتم بشكل بسيط بين السبب والنتيجة، فعندما تحدث زوبعة ما في الطبيعة فإن كل لحظة من لحظاتها في الوقت ذاته علة ومعلول(15).
المبدأ الهولوغرامي، المقصود بالهولوغرام هو الاحتواء المتبادل بين الكل والأجزاء، فالكل داخل الجزء والجزء داخل الكل. فمثلا من الناحية البيولوجية نجد أن كل خلية في جهازنا العضوي تضم مجموع المعلومة الجينية لهذا الجهاز ككل. عكس النزعة الاختزالية التي لا ترى سوى الأجزاء والنزعة الكلية التي لا ترى سوى الكل. وعلى المستوى السوسيولوجي نجد كذلك أن الفرد يوجد في المجتمع وكذلك المجتمع يوجد داخل الفرد، من خلال قنوات اللغة والثقافة والتقاليد التي تترسخ في الفرد ويصبح حاملا لها منذ طفولته. ومن هنا فإن الهولغرام مرتبط بالارتداد التنظيمي وكذلك بالمبدأ الحواري (16).
هذه هي الأسس الابستمولوجية لفكر التركيب عند إدغار موران والتي تساعد الباحث على إدراك مبدأ التعقيد في الظواهر الطبيعية والإنسانية عبر إدراك أبعادها المعرفية المتعددة والمتداخلة وهو ما يؤدي إلى بناء رؤية شمولية ومنفتحة، تسهل عملية فهم العالم الداخلي والخارجي للإنسان في هذا العالم بصورة موضوعية.
أزمة الحداثة الغربية
من هذا المنطلق يمكن إدراج النقد الذي ما فتئ إدغار موران يوجهه للحضارة الغربية من خلال الكشف عن تناقضاتها وأساطيرها ضمن خانة نقد الحداثة أو ما يسمى بالحداثة البعدية التي هي تطور للحداثة وتجاوز للكثير من هفواتها وأخطائها وأوهامها. يعرف موران الحداثة بأنها ظاهرة مركبة ومعقدة، ويصعب تحديدها من خلال عنصر واحد أو عامل واحد. فقد ظهرت الحداثة استجابة لعدة شروط تاريخية وسياسية واقتصادية وفكرية تراوحت بين سقوط الإمبراطورية البيزنطية أو سقوط القسطنطينية واختراع المطبعة واكتشاف أمريكا وظهور نظريات جديدة في علم الفلك وتطور الفكر الفلسفي الحديث متأثرا بالثورة العلمية في هذه العصور الحديثة، يقول: "وعليه فلكي نعرف هذا التنوع المضطرم، المتمثل في الحداثة ليس علينا أن ننطلق من عنصر وحيد، أو من مجرد تاريخ للميلاد لأنه في الحقيقة مفهوم كبير غامض الحدود. وعليه فإن جوانب الحداثة متكاملة ومتعارضة" (17). إن هذه الوضعية المعقدة تتجلى في أن العلم أصبح يعيش عدة مفارقات ويرتبط أكثر بالتقنية والاقتصاد، ويتطور عن طريق المنافسة، كما أن تقدم الدول القطرية أصبح يمر عبر الصراع، ومع ذلك فإن هذه الحضارة تزداد انتشارا رغم أن مفتاحها الأساس هو الفردانية، لكن أبرز مفارقة تقوم عليها الحداثة هي أن هذا العهد الكوكبي الذي يسعى إلى أن يجانس بين كل سيئ قد أفرز ظواهر أخرى مثل البلقنة والانكماش ومقاومة هذه الهيمنة الغربية والاحتجاج ضدها (18).
يرى إدغار موران أن إحدى أهم خصائص الفكر الحديث كما ورثه عن الديكارتية هو الفصل بين الفكر والمادة الشيء الذي أدى إلى تطور كل واحد منهما على حدة، الشيء الذي أدى إلى الفصل كذلك بين ثقافة النجاح والمال والسلطة من جهة وثقافة الإحساس والروح والشعر من جهة أخرى، رغم أن الفكر الحديث لا ينفي هذه الازدواجية بين القطبين المذكورين، بل هو يمدها بأسباب وجودها وهذا دليل على أن الحداثة تنتج نقيضها وتكبته في نفس الوقت (19).من جهة أخرى يحدد موران ثلاثة عناصر يعتبرها بمثابة أساطير للحداثة وهي التقدم والتحكم والسعادة. لقد انهارت فكرة التقدم أمام الحربين العالميتين وظهور الفاشية والستالينية بل إنها تعرضت للتفكك بعد سقوط جدار برلين وأصبح الأمر يتعلق بفرضيات أو سيناريوهات لا غير. أما بخصوص الأسطورة الثانية فكلما زاد تحكمنا في القوى المادية زدنا انحطاطا بالمجال الحيوي، وقد برهن العلم على أن النظام الشمسي لا يخص سوى ضاحية صغيرة من العالم، وأننا بعيدون عن كل سيطرة شاملة على العالم. وبخصوص السعادة فإن أزمتها بدأت عندما أدرك الناس أن المنتجات الإيجابية للسعادة تتبعها منتجات سلبية مثل التعب والتلوث والإفراط في استعمال المهدئات والمخدرات، وما نتج كذلك عن النزعة الفردانية التي تهدم كل أشكال التضامن والتكافل، الشيء الذي خلق مخاطر جديدة أصبحت تهدد وجودنا (20). إن هذه الأزمة حسب موران هي التي أدت إلى ظهور مفاهيم مثل "الحداثة المتأخرة" أو "ما بعد الحداثة"، فما هو الاسم الجديد الذي سنطلقه على ما سيحدث مستقبلا من تطورات وتحولات، لكن موران لا يكترث بأمر التسمية لأن المهم هو أن نتبع السيرورات، لذلك ينبغي في نظره أن نستمر في فهم الحداثة بما هي سيرورة زوبعية أو تكرارية، يشترك كل عنصر من عناصرها في صنع العناصر الأخرى. كما ينبغي المراهنة على اللامحتمل حتى نزداد ثقة في بعض قدراتنا التوالدية الفردية والجماعية يقول: "إن الكائن البشري ينطوي على استعدادات للتحول الذاتي تتنبه في حالات الأزمة، عندما تأخذ الأشياء المتصلبة في التفكك في مواجهة المخاطر. ولذلك فأنا أومن بإمكانية توليد كلية جديدة عن طريق إدماج مختلف حضارات الشمال وحضارات الجنوب وحضارات الشرق وحضارات الغرب في بعضها" (21) حتى نتمكن من استثمار القدرات الخلاقة في الكائن البشري وهذا هو السبيل من أجل الخروج من هذا الوضع الكارثي والشروع في بداية جديدة.
في نقد البربرية الأوربية وثقافتها
  أبرز كتاب خصصه إدغار موران لبربرية الحضارة الأوربية هو كتاب "ثقافة أوروبا وبربريتها" الذي يضم ثلاث محاضرات قدم فيها قراءة جديدة لتاريخ الثقافة الغربية من خلال تحليل مظاهر البربرية التي طبعت هذا التاريخ والمفارقات المصاحبة له، فالتقنيات التي أنتجها الإنسان هي مثل الأفكار أحيانا تصبح مضادة له. وقد كشف في المحاضرة الأولى التي تحمل عنوان "بربرية أوروبا" بأن الأزمنة الحديثة تقدم لنا تقنية تنفلت من عقالها بتخلصها من الإنسانية المنتجة لها. الشيء الذي يجعلها تجلب لنفسها بربريتها الخاصة، التي تتميز بالبعد الحسابي والبرودة التي تجهل الوقائع العاطفية المميزة للبشر. لقد أنتجت هذه الثقافة مجموعة من التناقضات المركبة مشكّلة نوعا من الأنثروبولوجيا البربرية الإنسانية، حيث الإنسان العاقل ينتج الفكر والهذيان والجنون في نفس الوقت، والإنسان الصانع ينتج التقنية والأساطير والإنسان الاقتصادي البراغماتي يلعب ويبذر(22).
يقارن إدغار موران بين المجتمعات المعاصرة والمجتمعات القديمة، مبينا أن المدن الكبرى التي يتجمع فيها عدد كبير من السكان قد أفرزت ظواهر مختلفة مثل سيطرة الأسياد والاستعباد المعمم وانتشار الجريمة والانحراف، في حين نجد في المجتمعات السحيقة نوعا من الاندماج الاجتماعي بسبب سيطرة الأنا الأعلى الجماعي على الأفراد، بالإضافة إلى هيمنة أسطورة الجد المشترك التي تشجع على رابطة الأخوة بين جميع الأعضاء، وبالتالي تبقى أقل إنتاجا للعنف والبربرية. الحضارة البشرية إذن تولد البربرية انطلاقا من الغزو والسيطرة، فالغزو الروماني مثلا أنتج أكبر حضارة في التاريخ، وقد تعزز هذا الموقف البربري المتمثل في إلغاء الآخر وهزم العدو بظهور الأديان التوحيدية التي حاربت آلهة اليونان والرومان واعتبرتها مجرد أصنام مدنسة، وبالتالي تم إغلاق الباب أمام التعايش بين مختلف الآلهة التي ارتبطت بالحضارات القديمة. ومع ذلك يقول إدغار موران إن المجتمعات الكبرى أنتجت إلى جانب البربرية ازدهار الفنون والثقافة وتطور المعرفة وظهور النخبة المثقفة، فالبربرية إذن تشكل جزءا مكونا للحضارات الكبرى، وهذا ما يؤدي إلى صعوبة تحديد ما ينتمي إلى الحضارة وما ينتمي إلى البربرية (23). ففي سنة 1492 ظهرت محاكم التفتيش وتم احتلال غرناطة وطرد اليهود والمسلمين من الأندلس في إطار تطهير ديني غير مسبوق، كما تمكن الرحالة الأوروبيون من اكتشاف العالم الجديد الذي سيلعب دورا كبيرا في النهضة الكبيرة التي عرفها الغرب الأوروبي في العصور الحديثة (24). هكذا فالحضارة التي أنتجت السم القاتل والمدمر أنتجت في نفس الوقت الترياق المضاد له، فالثورة الفرنسية أدت إلى تصور جديد لمفهوم الأمة من وحي فكر الأنوار باعتبارها تعبيرا عن إرادة مشتركة وقد تمت ترجمة ذلك إلى واقع ملموس بواسطة التعليم اللائيكي ووسائل الاتصال وتطوير الطرق والسكك الحديدية، بالإضافة إلى الحروب التي سرعت عملية الاندماج لبعض الإثنيات داخل الجماعات المحلية (25). في نهاية هذه المحاضرة يشير موران إلى أننا اليوم في عصر تعرف فيه البربرية الأوروبية تراجعا كبيرا، حيث يمكن للترياق الثقافي الأوروبي الذي لعب دورا في هذا التراجع أن يسمح بتحديد هوية جديدة لأوروبا(26).
في المحاضرة الثانية التي تحمل عنوان "الترياقات الأوروبية" انتقل إدغار موران إلى القرن السادس عشر للكشف عن التحولات الجديدة التي عرفتها أوروبا الغربية، حيث ازدهر الاقتصاد ونمت المدن، بل تكونت المدن الحديثة. واستعادت النهضة من جديد الإرث اليوناني واللاتيني. كذلك عرف هذا العصر ازدهارا للفكر الفلسفي والعلم الحديث الذي ارتكز على النزعة التجريبية والعقلانية النظرية والتحقق والخيال. لكن أبرز مظهر للثقافة الأوروبية في هذا العصر هو تطور النزعات الإنسانية مع دمج الثقافة اليونانية والرومانية في نسيج الفكر الأوروبي الحديث كما أن جذور هذه النزعة تعود حسب موران إلى اليهودية والمسيحية حيث تم اعتبار الإنسان في هاتين الديانتين بمثابة صورة عن الله الذي يتجسد باستمرار في الإنسان، وهذا ما أدى إلى احترام الحياة الإنسانية (27). كما أن النزعة الإنسانية لا تقتصر على الإنسان الأوروبي كما ادعى بعض علماء الأنثربولوجيا الكلاسيكية بحجة تخلف المجتمعات السحيقة التي نعتوها بأنها بدائية وتعيش ما قبل مرحلة العقل والمنطق. إن العقل حسب إدغار موران موجود في كل الحضارات البشرية، موجود حتى في صناعة الأدوات واستعمال الأسلحة وممارسة الصيد، بل إن الفكر السحري الأسطوري متزامن مع الفكر العقلاني التقني في كل المجتمعات بما فيها المجتمعات المعاصرة (28). من جانب آخر يربط موران النزعة الإنسانية بتطور العقلانية النقدية التي تمارس النقد الذاتي أي أنها تجمع بين النقد الذاتي والعقل والمعرفة، كما أن أمراض العقل لا تعود إلى العقلانية ذاتها، بل إلى انحراف هذه الأخيرة وتحولها إلى عقلنة وتمتعها بما يشبه التأليه. إن إضفاء الطابع الذاتي على العقل يجعله في خدمة غايات لا عقلانية وبربرية مثل الحرب. يقول موران: "إلى جانب هذا فإن معظم الغربيين يعتقدون أن العقلانية هي امتياز يخصهم وأمر يستأثرون به. نصل بذلك إلى فكرتين معقدتين وهما: أولا، أوروبا الغربية التي هي مقر أهم سيطرة لا مثيل لها في العالم، هي أيضا مقر الأفكار التحررية التي ستقوض هذه السيطرة. هذه الأفكار التحررية حملها الذين يستلهمون النزعة الإنسية الأوربية الحديثة: المثقفون المناضلون، وبشكل أوسع رجال ونساء ذوو إرادة حسنة ينتمون لمختلف الطبقات الاجتماعية" (29).
نفس الأمر ينطبق على ظاهرة العولمة حيث يتم إضفاء الطابع الكوني على المنجزات التقنية الحديثة وفي نفس الوقت تظهر مقاومات لذلك، بما في ذلك عودة الديانات والشعائر المفرطة في الخصوصية. الشيء الذي قد يؤدي إلى انحطاط الحضارة الإنسانية والكوارث التي يصعب التحكم فيها ما لم تتمكن أوروبا من إنتاج مضمدات واقية تنبع من ثقافة الحوار والانسجام بعيدا عن السيطرة والهيمنة "ألا يمكنها أن تنهل من النزعة الإنسية العالمية التي كونتها في الماضي؟ ألا يمكنها أن تعيد خلق النزعة الإنسية من جديد؟" (30).
 اعتبر موران في المحاضرة الثالثة "التفكير في بربرية القرن العشرين" أن العولمة بدأت رمزيا سنة 1492 وعبرت عن نفسها أساسا بممارسة الرق والعديد من الاستعبادات الأخرى. ثم اضاف بأن عولمة ثانية انطلقت في نفس الوقت تقريبا تتعلق بحقوق الإنسان وحقوق الأمم والديموقراطية. وأخيرا نحن اليوم في عولمة متناقضة: التقدم الرائع للعولمة التقنية - الاقتصادية تتسبب في تكون العولمة المواطنة والإنسانية وخنقها أيضا. بعد هذا التمهيد كشف مروان عن بروز ظاهرة التوتاليتارية باعتبارها ظاهرة أوروبية حديثة لا تستند إلى فكر كما هو الأمر مع فكر الرأسمالية وفكر الديموقراطية وفكر الديكتاتورية. لقد برزت التوتاليتارية بصورة مفاجئة لجميع التوقعات لأنها جاءت كنتيجة تاريخية بسبب خطأ هائل تمثل في الحرب العالمية الأولى التي وصفها بأنها كانت اندفاعا هائجا للبربرية القاتلة وفعلا انتحاريا لأوروبا في نفس الوقت(31). في هذه الصفحات نجد عرضا مفصلا وشيقا حول ظهور المنظومة الشيوعية في الاتحاد السوفيتي التي انحرفت عن مبادئ الفكر الماركسي الذي ما زالت له راهنيته اليوم. لكن ممارسات قادة الثورة البلشفية وصولا إلى المرحلة الستالينية التي افرغت الثورة من محتواها الإنساني وجعلتها أداة في خدمة الحزب الواحد الذي سعى إلى السيطرة على الدولة والمجتمع يقول: "إن سبب فشل الثورة الروسية هو ثقافي بالأساس لأن الثقافة الاشتراكية آنذاك كانت منعدمة، ولم يكن هناك وجود أيضا لثورة عالمية. هذا النقص سمح بنجاح الستالينية. تخلت الستالينية بصفة تامة عن المنظور الثوري العالمي، ولم تعد تهتم إلا ببناء الاشتراكية في بلد واحد بواسطة التطور الصناعي" (32). هكذا ظهر نظام توتاليتاري قائم على مراقبة حزبية صارمة لكل مكونات المجتمع المدني والسياسي والاقتصادي والثقافي والبيداغوجي، إضافة إلى الشرطة والجيش والشبيبة. وأصبحت الدولة أداة في يد الحزب الذي يراقب كل شيء. هكذا تظهر التوتاليتارية باعتبارها تنظيما شاملا انطلاق من حزب واحد على رأسه قادة يعرفون كل شيء، ويمتلكون الحقيقة التي تتكون على أثرها سلطة مطلقة تفرض نفسها كمعرفة حقيقية بصفة مطلقة(33). نفش الشيء ينطبق على النازية والفاشية الإيطالية باعتبارهما تنظيمين يجسدان التوتاليتاريا في بعدها القومي، بالرغم من جذورهما الاشتراكية. إن النازية هي منتج كارثي للبربرية الأوروبية، وقد وجدت مصدرها في الأمة الأوروبية الأكثر ثقافة. والدليل على ذلك لم يتمكن كبار المفكرين والأدباء والفنانين أمثال غوته وبتهوفن من احتواء البربرية. إذن حسب موران فإن السبب الرئيس وراء ظهور الشيوعية والنازية والفاشية هو الحرب العالمية "إن الحرب والأزمة (أزمة 1929) هما اللذان حملا هتلر إلى السلطة. فالنازية هي منتج متأخر للحرب العالمية الأولى مثلما الشيوعية هي منتج مباشر لها" (34). كما أن الاتفاق بين التوتاليريتين هو الذي تسبب في اندلاع الحرب العالمية الثانية، فهما ينتهيان رغم اختلاف مصدريهما إلى التلاقي على مستوى البربرية. ويتجلى ذلك في قمع المعارضين والتنكيل بهم وبث العنصرية والتطهير العرقي ومعاداة السامية كما حصل في ألمانيا النازية. يختم إدغار موران هذه المحاضرة بأنه ينبغي على أوروبا اليوم أن تشرع في ممارسة إنسية جديدة تتمثل في التعرف على البربرية كما هي دون تبسيط أو تشويه. فالطريق إذن هو المعرفة الصحيحة وإدراك كل ما جرى من خلال القدرة على التفكير في البربرية الأوربية لتجاوزها. "إن التفكير في البربرية هو المساهمة في إحياء الإنسية، وإحياء الإنسية يعني مقاومة البربرية" (35).
خاتمة
تقوم ابستمولوجيا التعقيد على رؤية جدلية تجمع بين القديم والجديد، فليس هناك تعارض مطلق بين فكر التبسيط والفكر المركب الذي لا يقصي مكونات الابستمولوجيا الكلاسيكية القائمة على الاختزال واليقين، بل يعمل على إدماج تلك المبادئ في نسقه الجديد عبر الكشف عن حدودها وقدراتها غير الكافية بسبب نزعتها إلى تشتيت المعرفة بحجة الوصول إلى اليقين. وهذا في حد ذاته نوع من الحوار الجدلي الذي يسعى إلى المساهمة في إعادة تشكيل خريطة المعرفة الإنسانية على قاعدة ابستمولوجية تركيبية منفتحة على كل الاحتمالات واللايقينيات. إن الرؤية التركيبية تقتضي اعتبار المعرفة نتيجة للتداخل بين الذات والموضوع في إطار وحدة تركيبية منفتحة على العلاقات الأكثر تعقدا. من هنا فإن هذا النموذج الذي طرحه إدغار موران دفع الكثير من الباحثين إلى اعتباره بمثابة براديغم جديد يستمد مشروعيته من واقع التطور العلمي المعاصر وما أفرزه من تفرعات وتخصصات متعددة على مستوى النظريات العلمية، انعكست بصورة سلبية على المعرفة البشرية الشيء الذي يدعو إلى مقاومة هذا الوضع من خلال التسلح بابستمولوجيا جديدة تعترف بالأبعاد المتعددة للظواهر وفي نفس الوقت تسعى إلى بناء تصور منفتح وتكاملي بين مختف فروع المعرفة خاصة منها العلمية استنادا إلى فكرة التعقيد باعتبارها العمود الفقري التي تقوم عليه كل معرفة.
 
* هذه المادة هي جزء من كتاب للأستاذ محمد مستقيم سيصدر لاحقا
 
الهوامش
1- إدغار موران، تربية المستقبل، المعارف السبع الضرورية لتربية المستقبل، ترجمة عزيز لزرق ومنير الحجوجي، ط 1، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 2002، ص23.
2- نفس المرجع، ص 24.
3- نفس المرجع، ص 25.
4- نفس المرجع، ص 41. 
5- نفس المرجع، ص41.
6- نفس المرجع، ص 74.
7- نفس المرجع، ص 79.
8- نفس المرجع، ص 85.
9- نفس المرجع، ص 56.
10- إدغار موران، الفكر والمستقبل، مدخل إلى الفكر المركب، ترجمة أحمد القصوار ومنير الحجوجي، ط 1، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 2004، ص 17.
11- نفس المرجع، ص 19.
12- نفس المرجع، ص 37.
13- نفس المرجع، ص 63.
14- نفس المرجع، ص 74.
15- نفس المرجع، ص 75.
16- نفس المرجع، ص 76.
17- إدغار موران، هل نسير نحو الهاوية؟ ترجمة عبد الرحيم حزل، ط 1، دار افريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2012، ص 22.
18- نفس المرجع، ص 23.
19- نفس المرجع، ص .25
20- نفس المرجع، ص 29.
21- نفس المرجع، ص 33.
22- إدغار موران، ثقافة أوربا وبربريتها، ترجمة محمد الهلالي، ط 1، دار توبقال، الدار البيضاء، 2007، ص 5 - 6.
23- نفس المرجع، ص 8.
24- نفس المرجع، ص 12.
25- نفس المرجع، ص 14 - 15.
26- نفس المرجع، ص 21.
27- نفس المرجع، ص 23.
28- نفس المرجع، ص  25.
29- نفس المرجع، ص 32.
30- نفس المرجع، ص.38
31- نفس المرجع، ص 40.
32- نفس المرجع، ص 42.
33- نفس المرجع، ص 44.
34- نفس المرجع، ص 48.
35- نفس المرجع، 58.