أيار 17
    إن القدرات التي امتلكتها روبوتات الدردشة أخيرا، وأولها كان تشات جي بي تي؛ أثارت الكثير من التساؤلات حول مستقبل المجتمعات البشرية والقدرات المتوفرة؛ حيث تدخلت في مهن هي من اختصاصات البشر حصرا عبر التاريخ؛ لذلك أثارت قدرات بعض من تطورات الذكاء الاصطناعي هذه مجددا التحذيرات، التي أطلقها البروفيسور ستيفن هوكينج Stephen Hawking في عام 2015؛ أحد أبرز الباحثين في العالم في مجال العلوم والتكنولوجيا؛ ومجموعة من العلماء الآخرين: مثل البروفيسور كيفين وارويك، وبيل كيت، مؤسس شركة مايكروسوفت، وأيلين ماسك، التقني المعروف مؤسس العديد من الشركات التقنية الحديثة... وأخرهم تحذيرات الاب الروحي للذكاء الاصطناعي جيفري هينتون (عالم النفس المعرفي وعالم الحاسوب البريطاني الكندي) التي صرح بها لـ بي بي سي نيوز، في 3 من مايس/مايو 2023 عن مخاطر الذكاء الاصطناعي، حيث ذكر "في الوقت الحالي، برامج الدردشة الآلية هي ليست أكثر ذكاء منا، بقدر ما أستطيع أن أقول. لكنني أعتقد أنها قد تكون كذلك قريبًا"(1). كما أنضم أخيرا الى المحذرين يوشوا بنجيو، الحائز على جائزة ألين تورينج Alan Turing في عام 2018 لعمله في التعلم العميق.
    ذكر البروفيسور هوكينج ضمن سلسلة محاضرات ريث على قناة راديو 4 للـ بي بي سي، بــ "إن تطوير الذكاء الاصطناعي الكامل قد يعني نهاية الجنس البشري. وسوف ينطلق من تلقاء نفسه، ويعيد تصميم نفسه بمعدل متزايد باستمرار. لأن البشر، محدودي القدرات بسبب التطور البيولوجي البطيء، لذا لا يستطيعون التنافس، وسيتم تجاوزهم"(2).  
كذلك هينتون حيث أكد" في الوقت الحالي، ما نراه هو أن أشياء مثل GPT-4 يتفوق على البشر في مقدار المعرفة العامة التي يمتلكها ويتفوق علينا كثيرًا. أما من حيث التفكير (التسبيب reasoning)، فإنها ليست جيدة بما فيه الكفاية، ولكنها تقوم بأعمال بالفعل فيها تفكير بسيط "(1).
    ما يدعم هذه المخاوف، أيضا، هو إنه في إحدى استطلاعات الرأي التي ذكرها توم تشيفرز(3) والتي أجراها باحثون في الذكاء الاصطناعي؛ فهم يعتقدون بأن هناك احتمالًا بنسبة واحد الى عشرين؛ بأن الذكاء الاصطناعي سيقتل الجميع في القرن المقبل: حتى لو كانوا مخطئين بنسبة 10 أضعاف، فلا يزال هذا الرقم مخيفًا.
    نحن نعيش في وقت خطير بشكل فريد. تنمو القوة التكنولوجية للبلدان المتقدمة بمعدل لا يُصدق: يمكنهم إعادة برمجة الجينات، وتصميم الفيروسات، وبناء أنظمة الذكاء الاصطناعي التي يمكنها التفوق على البشر بعشرات الطرق، وتدمير مدن بأكملها بقنبلة واحدة، وتغيير مناخنا بشكل غير مباشر (أو حتى بشكل مباشر حسب بعض الدراسات!).
    بكل تأكيد؛ أثر ويؤثر تطور الذكاء الاصطناعي على مجتمعاتنا بطرق متسارعة. والقرارات التي تحدد كيفية تطور مجالات المعرفة الجديدة هذه في النهاية تؤثر علينا جميعًا.
    الإشكالية هنا هو إن الشركات الرأسمالية الاحتكارية، الآن، على شفير القدرة على التعامل مع اللبنات الأساسية للتطور البشري، ناهيك عن التغيير الذي لا يمكن التنبؤ به في العالم الأكبر من حولنا.
    عندما نتطلع إلى المستقبل، هناك استنتاج مفاده أن هذه الشركات قادرة على فهم الحياة بمستواها الأكثر حميمي والقدرة على العبث بها؛ ربما تكون من أجل مصلحتنا أو بالإضرار بنا.
لقراءة الاحتمالات المستقبلية لهذه التقنية لا بد من الاطلاع عليها لمعرفة دورها في صياغة إنسان المستقبل وما سيكون عليه المجتمع القادم.
الذكاء الاصطناعي
    في آب/ أغسطس من عام 1955، تقدمت مجموعة من العلماء بطلب تمويل بمبلغ 13500 دولار أمريكي لاستضافة ورشة عمل صيفية في كلية دارتموث، نيو هامبشاير. كان المجال الذي اقترحوا البحث فيه هو الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence AI). في الوقت الذي كان فيه طلب التمويل متواضعا، كان تخمين الباحثين: بأنه سيشمل "كل جانب من جوانب التعلم أو أي سمة أخرى من سمات الذكاء يمكن، من حيث المبدأ، وصفها بدقة بحيث يمكن صنع آلة لمحاكاتها"(4).
منذ هذه البدايات المتواضعة، قامت الأفلام ووسائل الإعلام بإضفاء الطابع الرومانسي على الذكاء الاصطناعي أو عرضه كوحش كاسر شرير. ومع ذلك، بالنسبة لمعظم الناس، ظل الذكاء الاصطناعي كموضوع نقاش ومتعة وليس جزءًا من تجربة معيشية واعية.
    في أواخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2022، تواجد الذكاء الاصطناعي، بشكل تشات جي بي تي (روبوت دردشة)، من تكهنات الخيال العلمي وأفلامه، ومختبرات الأبحاث ليتواجد على أجهزة الحاسوب المكتبية والهواتف لعامة الناس.
تشات جي بي تي هو أول وأحدث روبوت محادثة ذكي اصطناعي؛ وأكثرها إثارة للإعجاب حتى الآن. في الخمسة الأيام الاولى فقط، بعد إصداره، وصل عدد مستخدميه إلى مليون مستخدم. تم استخدامه بشكل هائل لدرجة أن أجهزة تشغيله قد تجاوزت سعتها الاستيعابية عدة مرات. معلومات احصائيات شهر شباط، لسنة 2023، تشير الى إن عدد المستخدمين هو أعلى من 100 مليون مستخدم، وبزيارات شهرية للموقع بمعدل 1.8 مليار زيارة.
أوليات تصنيع تشات جي بي تي.
    قامت مايكروسوفت بتمويل شركة تدعى "OpenAI" (ركز على الاسم)، الشركة التي طورته، باعتبار إن منتجها الجديد "تشات جي بي تي" سيكون بديلا أكثر كفاءة من محرك البحث الشهير لــ كوكل؛ لأنه لماذا تبحث عن شيء ما في محرك البحث بينما يمكن لـ تشات جي بي تي كتابة فقرة كاملة تشرح الإجابة؟ والدافع لهذا التمويل هو إن مايكروسوفت ستُضمن بأن محرك بحثها Bing سيزود بالروبوت الجديد؛ بعد أن ساهمت في الاستثمار في تطويره مع الشركة المطورة.
    من خلال تعزيز محركات البحث الخاصة بمايكروسوفت وكوكل بصفات تشبه تشات جي بي تي، تأمل مايكروسوفت و كوكل بتغيير جذري في اقتصاديات البحث عبر الإنترنت من خلال تقديم إجابات جاهزة بدلاً من قائمة الروابط المألوفة لمواقع الويب الخارجية، وبذلك تنتهي فترة، ما اعتقده المستخدمون لمحركات البحث هذه بأنه، بحث مجاني، على الرغم من إن معلومات المستخدمين؛ هذه، هي المواد الأولية الأساسية لماكنات هذه الشركات، لتبدأ مرحلة الاستثمار في كل من جمع وتزويد المعلومات عن والى المستخدمين؛ وهذه المرة بمقابل اشتراكات مادية لتجني الشركات المليارات من الدولارات.
    كوكل تسارع إلى إصدار نسختها الخاصة من برنامج دردشتها، والذي يقترب من مراحل الإنجاز النهائية، كما إنها تعتزم أطلاق نسختها التجريبية من خدمة بحث أطلق عيها اسم "أس. جي. أي" أو "تجربة البحث التوليدي Service Generative Experience)
لكن ماهي الخلطة السرية وراء قدرات روبوتات المحادثة؟
    استفادت روبوتات المحادثة من عدد من التطورات التقنية المنشورة في الأدبيات العلمية "مفتوحة المصدر" في العقدين الماضيين. لكن الابتكارات التي انفردت بها OpenAI هي سرية؛ لذلك فهي أقامت خندق تقني وتجاري لإبعاد الآخرين.
تشات جي بي تي قادر جدًا على القيام بمعالجات لأمور لا نهاية لها، وإيجاد الأجوبة الملائمة.
    يمكن لـ تشات جي بي تي القيام بالعديد من المهام المتخصصة والمعقدة جدا. يمكنه كتابة برامج للكمبيوترات وفقًا لمواصفات المستخدمين، أو مسودة خطابات العمل، أو اجتياز الامتحانات الجامعية الأولية (أخر استطلاع لصحيفة طلابية في كامبردج أظهر بأن ما يقرب من نصف الطلاب استخدموا الروبوت). تقارير عديدة طرحت حول دور تشات جي بي تي في التعليم.
من قدراته على سبيل المثال اجتيازه لمتطلبات الحصول على رخصة العمل كطبيب في الولايات المتحدة.
    تشات جي بي تي هو نوع مما يُعرف باسم "الذكاء الاصطناعي التوليدي"؛ والذي أحرز نجاحا استثنائيا بالمقارنة بالمنتجات الأخرى لهذا النوع من "الذكاء"؛ التي استخدمت لإنشاء محتوى جديد أيضا، مثل Stable Diffusion وDALLE-2 وMidjourney. هذه الأنظمة تستخدم أزواج من نص وصورة من مجموعات من البيانات مثل LAION-5B (مجموعة بيانات عامة تتكون من 5.85 مليار زوج من الصور والنصوص)، لإنشاء صور نابضة بالحياة فازت حتى بالمسابقات الفنية.
    اكتسب الذكاء الاصطناعي بعض القدرات الرائعة للتلاعب وتوليد اللغة، سواء بالكلمات أو الأصوات أو الصور. وبذلك اخترق الذكاء الاصطناعي نظام العمل في حضارتنا.
     اللغة هي المادة التي تتكون منها الثقافة البشرية كلها تقريبًا؛ لذا ماذا سيحدث بمجرد أن يصبح الذكاء غير البشري أفضل من الإنسان العادي في سرد القصص وتأليف الألحان ورسم الصور وكتابة القوانين وحتى النصوص المقدسة؟
     من خلال إتقان الذكاء الاصطناعي للغة، يمكنه تكوين علاقات ودية مع الناس، واستخدام قوة العلاقة الودية لتغيير آرائنا ووجهات نظرنا حول العالم. على الرغم من عدم وجود ما يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي لديه أي وعي أو مشاعر خاصة به، فإنه يكفي لتعزيز العلاقة الودية المزيفة مع البشر.
     في المعارك السياسية من أجل كسب العقول والقلوب، تعتبر العلاقة الودية هي السلاح الأكثر فعالية، وقد اكتسب الذكاء الاصطناعي للتو القدرة على إنتاج علاقات ودية على نطاق واسع مع ملايين الأشخاص. نعلم جميعًا أنه على مدار العقد الماضي، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة معركة للسيطرة على انتباه الناس. مع الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي، تتحول جبهة المعركة من الاهتمام إلى العلاقات الودية. ماذا سيحدث للمجتمع البشري وعلم النفس البشري عندما يحارب الذكاء الاصطناعي في معركة لتزييف العلاقات الودية معنا، والتي يمكن استخدامها بعد ذلك لإقناعنا بالتصويت للسياسيين أو شراء المنتجات؟
 لقد أصيب الباحثون الذين يعملون عن كثب مع هذه الأنظمة بالإغماء بسبب دقة إحساسها، كما هو الحال مع نموذج اللغة الكبيرة . (Large Language Model LLM) ونموذج اللغة الكبير هذا، هو خوارزمية تعلم عميق يمكنها التعرف على المحتوى وتلخيصه من مجموعات البيانات الضخمة واستخدامها للتنبؤ أو إنشاء نص باستخدام GPT-3. وGPT-3 هو نموذج لغة تلقائي تم إصداره في عام 2020 استخدم التعلم العميق لإنتاج نص يشبه النص البشري. يزود بنص أولي كطلب، وينتج نص يتماشى مع الطلب بشكل أوسع وشامل.
من أدوات الذكاء الاصطناعي الأخرى المستخدمة حاليا هي:
1- في توليد الفيديوهات وتحسينها.
2- في توليد النصوص والردود الكتابية.
3- في توليد الصور وتحسينها.
4- في تصميم المحتوى وبناءها.
5- في كتابة وتعديل البرمجيات.
6- في توليد وتحسين الأصوات.
7- وأخيرا؛ في زيادة الإنتاجية.
    أنتج الذكاء الاصطناعي التوليدي أيضًا مخاوف بشأن الانتحال، واستغلال المحتوى الأصلي المستخدم في إنشاء النماذج، وأخلاقيات التلاعب بالمعلومات وإساءة استخدام الثقة، وحتى "نهاية البرمجة".
    في قلب كل هذا؛ هناك سؤال يزداد إلحاحًا منذ ورشة العمل الصيفية في دارتموث: سؤال مهم؛ هل يختلف الذكاء الاصطناعي عن الذكاء البشري؟
    الجواب؛ نعم. هناك ميزات لكل منهما؛ فالذكاء البشري يمتاز بالقدرة على التكيف مع المتغيرات وبشكل سريع جدا، القدرة على القيام بأكثر من عمل (multitask)، كما يمتلك مهارات اجتماعية ممتازة، ولديه وعي ذاتي إضافة الى امتلاكه ميزة الابداع (innovation). أما الذكاء الاصطناعي (لحد الان) فيمتاز بالدقة، والسرعة الخارقة في تنفيذ المهام الموكلة له، لكنه لا يمكنه التكيف مع المتغيرات بسهولة، ولا يمكنه إداء أكثر من عمل، كما إنه لا يمتلك وعيا ولا إبداعا.
ماذا يعني "الذكاء الاصطناعي" في الواقع؟
    ما يأهل أن يكون نظاما ما ذكاءا اصطناعيا، يجب أن يظهر مستوى معين من التعلم والتكيف. لهذا السبب، فإن أنظمة صنع القرار والأتمتة والإحصاءات ليست ذكاءً اصطناعيًا، وخوارزمية التعلم الآلي هي خوارزمية قابلة على التعلم من البيانات و"يقال إن برنامج الحاسوب يتعلم من التجربة E فيما يتعلق ببعض من المهام T وقياس الأداء P، تقوم الخوارزمية بالعمل على تحسين الأداء في تنفيذ المهام T، عبر قياس الاداء P، بالاستفادة من الخبرة المتولدة من تنفيذ التجارب E"(5).
يقع تعريف الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في فئتين:
  • الذكاء الاصطناعي الضيق (Artificial Narrow Intelligence ANI)
  • الذكاء الاصطناعي العام (Artificial General Intelligence AGI). حتى الآن، الذكاء الاصطناعي العام بدأ بالظهور بشكل ضيق بسبب التقنيات الحديثة.
     معظم ما نعرفه اليوم باسم الذكاء الاصطناعي لديه ذكاء ضيق - حيث يعالج نظاما معينا مشكلة معينة. على عكس الذكاء البشري، فإن هذا الذكاء الضيق للذكاء الاصطناعي لا يكون فعالاً إلا في المجال الذي تم تدريبه فيه: على سبيل المثال، كشف الاحتيال، أو التعرف على الوجوه، أو المقترحات التسويقية.
    في الوقت الحالي، أبرز مثال على محاولة إن يعمل الذكاء الاصطناعي العام كما يفعل البشر؛ هو في استخدام الشبكات العصبية التي تتدرب على كميات هائلة من البيانات باستخدام آليات التعلم العميق، والتعلم العميق هو نوع معين من التعلم الآلي يعالج الاختلافات في ملائمة بيانات التدريب من أجل العثور على الأنماط التي تعمم على البيانات الجديدة. هناك نوعان من التعلم؛ الخاضع للأشراف وغير الخاضع للإشراف.
    التعلم الآلي لم ينجح في حل المشكلات المركزية في الذكاء الاصطناعي ويرجع ذلك جزئيا الى فشله في التعميم خصوصا عندما يكون عدد المتغيرات في البيانات عالي؛ مثلا لمتغير واحد نهتم بتمييز 10 مناطق اهتمام ويمكن تقدير قيم الدالة المستهدفة؛ أما ببعدين فنحتاج الى 10x10، في حين لثلاثة أبعاد نحتاج الى 103 ولتمييز d من الابعاد نحتاج الى O(vd) وهذا ما يعرف "ببلاء الأبعاد".
    أما الشبكات العصبية فهي مستوحاة من طريقة عمل العقول البشرية. على عكس معظم نماذج التعلم الآلي التي تدير العمليات الحسابية على بيانات التدريب، تعمل الشبكات العصبية عن طريق تغذية كل نقطة بيانات واحدة تلو الأخرى من خلال شبكة مترابطة، في كل مرة يتم فيها ضبط المَعلمات (parameters) لهذه البيانات (Information) المستنبطة من المعطيات (Data).
    مع تغذية المزيد والمزيد من المعطيات لاستنباط البيانات منها عبر الشبكة، تستقر المَعلمات؛ النتيجة النهائية هي الحصول على شبكة عصبية "مدربة"، والتي يمكنها بعد ذلك إنتاج المخرجات المرغوبة من البيانات الجديدة - على سبيل المثال، التعرف على ما إذا كانت الصورة تحتوي على قطة أو كلب.
    إن القفزات الكبيرة إلى الأمام في الذكاء الاصطناعي اليوم ورائها؛ التحسينات التكنولوجية في الطريقة التي يتم بها تدريب الشبكات العصبية الكبيرة، وإعادة تعديل أعداد كبيرة من المَعلمات في كل عملية تشغيل بفضل قدرات البنى التحتية الكبيرة للحوسبة السحابية (الحوسبة المبنية على الانترنت). على سبيل المثال، GPT-3 (نظام الذكاء الاصطناعي الذي يشغل تشات جي بي تي) والذي هو عبارة عن شبكة عصبية كبيرة بها 175 مليار مَعلمة، وتكلف حوالي 3 ملايين دولار شهريًا لتشغيلها.
ما الذي يحتاجه الذكاء الاصطناعي للعمل؟
يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى ثلاثة أشياء ليكون ناجحًا.
  • أولاً، يحتاج إلى بيانات عالية الجودة، كثيرة جدا، وغير متحيزة. عادة يستخدم الباحثون الذين يبنون شبكات عصبية مجموعات البيانات هذه مما يوفره التحول الرقمي للمجتمع. مثلا؛ يستمد ما يسمى بـ Copilot GitHub (الذي تم تطويره من شركتي Github المملوكة لمايكروسوفت وOpenAI)، من أجل زيادة عدد المبرمجين البشريين، بياناته من مليارات من الأسطر من التعليمات البرمجية المشتركة مفتوحة المصدر. تستخدم تشات جي بي تي ونماذج اللغات الكبيرة الأخرى مليارات من مواقع الويب والمستندات النصية المخزنة على الإنترنت.
 
    ستستمر نماذج الذكاء الاصطناعي في التطور من حيث التعقيد والتأثير مع قيامنا برقمنة المزيد من حياتنا وتزويدها بمصادر بيانات بديلة، مثل بيانات المحاكاة أو البيانات من استخدامات اللعب؛ مثل لعبة Minecraft (تم بيع أكثر من 238 مليون نسخة، ويتواجد ما يقرب من 140 مليون لاعب نشط شهريًا بحسب إحصاءات عام 2021، كما إن اللعبة متوفرة على عدة منصات تشغيل ومتاحة لأعمار من الخامسة فما فوق).
  • ثانيا، يحتاج الذكاء الاصطناعي أيضًا إلى بنية تحتية حسابية للتدريب الفعال. نظرًا لأن أجهزة الحاسوب أصبحت أكثر قوة، فقد يتم التعامل مع النماذج التي تتطلب الآن جهودًا مكثفة وحوسبة واسعة النطاق؛ أن تكون في المستقبل القريب متوفرة محليًا. Stable Diffusion، على سبيل المثال، يمكن تشغيله بالفعل على أجهزة الكمبيوتر المكتبية بدلاً من الحوسبة السحابية. 
  • إما الحاجة الثالثة للذكاء الاصطناعي هي النماذج والخوارزميات المحسنة.
 
الان؛ تستمر الأنظمة التي تعتمد على البيانات في إحراز تقدم سريع في مجال بعد مجال؛ الذي كان يُعتقد، في السابق، بأنه مجال ينفرد به الإدراك البشري (خصوصا بعد تضمين السببية في الذكاء الاصطناعي).
لكن، مع تغير العالم من حولنا باستمرار، تحتاج أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى إعادة تدريبها باستمرار باستخدام بيانات جديدة. بدون هذه الخطوة الحاسمة، ستنتج أنظمة الذكاء الاصطناعي إجابات غير صحيحة من الناحية الواقعية أو لا تأخذ في الاعتبار المعلومات الجديدة التي ظهرت منذ أن تم تدريبها.
لماذا يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى السببية في قراراته؟
    يمكن لآلة لديها فهم السبب والنتيجة أن تتعلم أكثر مثل الإنسان، من خلال التنبؤ والتراجع.
    يشبه هذا النهج طريقة عمل الناس لشيء ما: يولد الناس علاقات سببية محتملة ويفترضون أن تلك التي تناسب الملاحظة هي الأقرب إلى الحقيقة. مثلا قد تؤدي مشاهدة إن الزجاج يتحطم عند سقوطه على خرسانة إلى الاعتقاد بأن تصادم الزجاج مع سطح صلب يتسبب في كسره؛ ويمكن كذلك التعميم؛ بإن إسقاط أشياء أخرى على الخرسانة يتسبب في تحطيمها، أو إن سقوط الزجاج على سجادة ناعمة، من ارتفاعات مختلفة يعطي انطباعات أخرى، لذا يمكن تحسين نموذج العلاقة والتنبؤ بشكل أفضل بالنتائج في المستقبل.
    من الفوائد الرئيسية للتفكير السببي أنه يمكن أن يجعل الذكاء الاصطناعي أكثر قدرة على التعامل مع الظروف المتغيرة. أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية التي تبني تنبؤاتها فقط على الارتباطات بين البيانات معرضة بشدة لأي تغييرات في كيفية ارتباط هذه المتغيرات. عندما يتغير التوزيع الإحصائي للعلاقات المكتسبة - سواء بسبب مرور الوقت أو الإجراءات البشرية أو عامل خارجي آخر - سيصبح الذكاء الاصطناعي أقل دقة.
    على سبيل المثال، يمكن أن يقوم باحث الذكاء الاصطناعي بتدريب سيارة ذاتية القيادة على طرقه المحلية في كندا مثلا، وقد يصبح الذكاء الاصطناعي جيدًا في تشغيل السيارة بأمان. لكن إذا قام بتصدير نفس النظام إلى لندن، سوف يفشل على الفور لسبب بسيط: السيارات يتم قيادتها باتجاهين مختلفين أحدهما على اليمين والأخر على اليسار، لذا فإن بعض العلاقات التي تعلمها الذكاء الاصطناعي ستكون عكسية. يمكنه إعادة تدريب الذكاء الاصطناعي من الصفر باستخدام بيانات من لندن، لكن ذلك سيستغرق وقتًا، ويعني أن البرنامج لن يعمل في كندا، لأن نموذجه الجديد سيحل محل النموذج القديم.
    إن القول المأثور القديم القائل بأن "الارتباط لا يعني العلاقة السببية" - هو حجر عثرة أساسي في الذكاء الاصطناعي (تشير العبارة إلى عدم القدرة على استنتاج علاقة بين السبب والنتيجة بين حدثين أو متغيرات فقط على أساس ارتباطهما أو الارتباط الملاحظ بينهما). يمكن تدريب أجهزة الحاسوب على اكتشاف الأنماط في البيانات، حتى الأنماط الدقيقة جدًا التي قد تفوت على البشر. ويمكن لأجهزة الحاسوب استخدام هذه الأنماط لعمل تنبؤات. على سبيل المثال، أن بقعة تظهر في الأشعة السينية للرئة تشير إلى وجود ورم. ولكن عندما يتعلق الأمر بالسبب والنتيجة، فعادة ما تكون الآلات في حيرة من أمرها. إنها تفتقر إلى الفهم السليم لكيفية عمل العالم.
    حتى تتمكن أجهزة الحاسوب من القيام بأي نوع من أنواع صنع القرار، فإنها ستحتاج إلى فهم السببية. يقول كوكا أوغلو، من جامعة بوردو: "أي شيء يتجاوز التوقعات يتطلب نوعًا من الفهم السببي. إذا كنت ترغب في التخطيط لشيء ما، وإذا كنت تريد العثور على أفضل سياسة، فأنت بحاجة إلى نوع من وحدة التفكير السببي"(6).
    يمكن أن يساعد دمج نماذج السبب والنتيجة في خوارزميات التعلم العميق أيضًا الأجهزة المحمولة المستقلة على اتخاذ قرارات حول كيفية تنقلها في العالم. يقول كوكا أوغلو: "إذا كنت إنسانًا آليًا، فأنت تريد معرفة ما سيحدث عندما تتخذ خطوة هنا بهذه الزاوية أو تلك الزاوية، أو إذا دفعت شيئًا ما"(6).
    يكمن الحل المحتمل لهذه المشكلة في شيء يُعرف بالاستدلال السببي (Causal Inference) - طريقة رياضية للتأكد مما إذا كان أحد المتغيرات يؤثر بعضها على البعض الآخر.
    لطالما استخدم الاقتصاديون وعلماء الأوبئة الاستدلال السببي لاختبار أفكارهم حول السببية. ذهبت جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية لعام 2021 إلى ثلاثة باحثين استخلصوا الأسباب والنتائج من التجارب الطبيعية.
    الآن، هناك عدد متزايد من علماء الحاسوب الذين يعملون على دمج السببية مع الذكاء الاصطناعي لمنح الآلات القدرة على معالجة مثل هذه الأسئلة، ومساعدتهم على اتخاذ قرارات أفضل، والتعلم بشكل أكثر كفاءة، والتكيف مع التغيير.
    في عام 2011، فاز بيرل بجائزة ألين تورينج، التي يشار إليها غالبًا باسم جائزة نوبل لعلوم الحاسوب، لعمله في تطوير حساب التفاضل والتكامل للسماح بالتفكير الاحتمالي والسببي. يصف تسلسلًا هرميًا من مستويات للمنطق. المستوى الأساسي هو "الرؤية"، أو القدرة على تكوين ارتباطات بين الأشياء.
    أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية جيدة للغاية في هذا الأمر. يشير بيرل إلى المستوى التالي على أنه "فعل" - إجراء تغيير على شيء ما وملاحظة ما يحدث. هذا هو المكان الذي تلعب فيه السببية.
    يمكن للحاسوب تطوير نموذج سببي من خلال فحص التدخلات: كيف تؤثر التغييرات في متغير واحد على الآخر. بدلاً من إنشاء نموذج إحصائي واحد للعلاقة بين المتغيرات، كما هو الحال في الذكاء الاصطناعي الحالي، يقوم الحاسوب بتغيير قيمة واحدة أو أكثر من المتغيرات. قد يؤدي هذا التغيير إلى نتيجة جديدة. كل هذا يمكن تقييمه باستخدام رياضيات الاحتمالات والإحصاء.
    أما بنجيو، فقد قام طلابه بتدريب شبكة عصبية لإنشاء الرسوم البيانية السببية - وهي طريقة لتصوير العلاقات السببية. في أبسط صورها، إذا تسبب أحد المتغيرات في تغيير متغير آخر، فيمكن إظهاره بسهم يمتد من مصدر التغيير إلى المتغير. وإذا كان الاثنان غير مرتبطين، فلن يكون هناك سهم يربط بينهما. تم تصميم شبكة بنجيو العصبية لإنشاء أحد هذه الرسوم البيانية بشكل عشوائي، ثم التحقق من مدى توافقها مع مجموعة معينة من البيانات. من المرجح أن تكون الرسوم البيانية التي تناسب البيانات بشكل أفضل دقيقة، لذلك تتعلم الشبكة العصبية إنشاء المزيد من الرسوم البيانية بمثل تلك، وتبحث عن واحد يناسب البيانات بشكل أفضل.
تتصدر القدرة على التوقع في التسلسل الهرمي للتفكير السببي، والمفتاح هنا، هو التكهن بنتائج الإجراءات التي لم يتم اتخاذها.
    هذه الحقائق ذكرت في قصيدة "الطريق المهمل The Road Not Taken" لروبرت فروست (مثال رائع عن العلاقة المتبادلة بين الثقافة والعلوم). في هذه القصيدة، يتحدث فروست عن الاضطرار إلى الاختيار بين مسارين عبر غابة، ويعرب عن أسفه لعدم تمكنه من معرفة إلى أين يقود الطريق الآخر. حيث "إنه يتخيل كيف ستبدو حياته إذا سار في طريق مقابل آخر"(7). هذا ما يرغب علماء الحاسوب في تكراره باستخدام آلات قادرة على الاستدلال السببي: القدرة على طرح أسئلة "ماذا لو".
    إن توقع ما إذا كانت النتيجة ستكون أفضل أم أسوأ إذا اتخذنا إجراءً مختلفًا هي طريقة مهمة يتعلمها البشر. إنه سيكون من المفيد إضفاء قدرة مماثلة على الذكاء الاصطناعي لما يُعرف باسم "التراجع المضاد counterfactual regret". يمكن للآلة تشغيل السيناريوهات على أساس الخيارات التي لم تتخذها وتحديد ما إذا كان من الأفضل صنع سيناريوهات مختلفة. استخدم بعض العلماء التراجع المضاد بالفعل لمساعدة الحاسوب على تحسين لعبه للبوكر.
    يمكن أن تساعد القدرة على تخيل سيناريوهات مختلفة أيضًا في التغلب على بعض قيود الذكاء الاصطناعي الحالية، مثل صعوبة الاستجابة للأحداث النادرة. وبحسب بنجيو، تظهر الأحداث النادرة بشكل ضئيل، إن وجدت، في البيانات التي يتم تدريب النظام عليها، وبالتالي لا يمكن للذكاء الاصطناعي التعرف عليها.
    إن تشات جي بي تي يمكن أن يستفيد، من دمج السببية. في الوقت الحالي، تخون الخوارزمية نفسها من خلال إنتاج نثر مكتوب بوضوح يتعارض مع نفسه ويتعارض مع ما نعرف أنه حقيقي عن العالم (هلوسة). مع السببية، يمكن لـ تشات جي بي تي بناء خطة متماسكة لما كان يحاول قوله والتأكد من توافقه مع الحقائق كما نعرفها.
    عندما سُئل بنجيو عما إذا كان هذا النوع من الذكاء الاصطناعي سيخرج الكُتاب والصحفيين من العمل، قال إن ذلك قد يستغرق بعض الوقت. "ولكن ماذا عن فقدان وظيفتك في غضون عشر سنوات، لكن في المقابل يتم إنقاذك من السرطان ومرض الزهايمر"، لذا فهو يقول: "هذه صفقة جيدة"(6).
مستقبل الذكاء الاصطناعي
    الشبكات العصبية ليست الطريقة الوحيدة للذكاء الاصطناعي. المعسكر البارز الآخر في أبحاث الذكاء الاصطناعي هو الذكاء الاصطناعي الرمزي (Symbolic AI) - بدلاً من هضم مجموعات من البيانات الضخمة، فإنه يعتمد على قواعد ومعرفة مشابهة للعملية البشرية لتشكيل تمثيلات رمزية داخلية لظواهر معينة.
القفزة الكبيرة القادمة للذكاء الاصطناعي هو الدمج بين نهجين رئيسيين للذكاء الاصطناعي (العام والرمزي) مما يؤدي الى ظهور هجين جديد يسمى الذكاء الاصطناعي العصبي (Neurosymbolic AI). إنه يأخذ خطوات صغيرة نحو التفكير مثل البشر وقد يأخذنا يومًا ما الى التعايش مع سيارات ذاتية القيادة.
    لكن ميزان القوى يميل بشدة نحو الأساليب التي اعتمدت على البيانات على مدى العقد الماضي، تشكل البيانات والحسابات والخوارزميات أساس مستقبل الذكاء الاصطناعي. تشير جميع المؤشرات إلى أنه سيتم إحراز تقدم سريع في جميع الفئات الثلاث في المستقبل المنظور.
 
عن شركة OpenAI
    في الماضي، كان التقدم في الذكاء الاصطناعي مصحوبًا بأدبيات تمت مراجعتها من قبل النظراء.
في عام 2018، على سبيل المثال، عندما طور فريق كوكل شبكة BERT العصبية التي تعتمد عليها الآن معظم أنظمة معالجات اللغات الطبيعية (وهناك اعتقاد بأن تشات جي بي تي أيضًا)، تم نشر الأساليب في بحوث علمية تمت مراجعتها من قِبل النظراء وكانت اللغات المستخدمة في البرمجة مفتوحة المصدر.
    في عام 2021، كان برنامج AlphaFold 2 من شركة ديب مايند، وهو برنامج استخدم في فك رموز "طي البروتين" المعقدة جدا، كان بمثابة اختراق للعلوم في ذلك العام. كان البرنامج ونتائجه مفتوحة المصدر بحيث يمكن للعلماء في كل مكان استخدامه لتطوير علم الأحياء والطب.
بعد إصدار تشات جي بي تي، ليس هناك سوى منشور مدونة قصير يصف كيفية عمله. لم يكن هناك أي تلميح إلى إي منشور علمي مصاحب، أو إن اللغة التي استخدمت في البرمجة هي مفتوحة المصدر.
لفهم سبب الاحتفاظ بسرية تشات جي بي تي، علينا أن نفهم قليلاً عن طبيعة الشركة التي تقف وراءه.
    ربما تكون شركة OpenAI واحدة من أغرب الشركات التي ظهرت في وادي السيليكون. تم تأسيسها كمنظمة غير ربحية في عام 2015 لتعزيز وتطوير ذكاء اصطناعي "صديق" بطريقة بحيث سيفيد البشرية ككل. تعهد كل من أيلين ماسك وبيتر ثيل وريد هوفمان وغيرهم من الشخصيات التقنية الرائدة بمليار دولار أمريكي لتحقيق أهدافها.
   كان تفكيرهم بأنه لا يمكننا الوثوق في الشركات الهادفة للربح لتطوير ذكاء اصطناعي قادر بشكل متزايد أن يتماشى مع ازدهار البشرية. لذلك، يجب أن يكون تطوير الذكاء الاصطناعي من قبل منظمة غير ربحية، وكما يوحي الاسم، بطريقة مفتوحة (OpenAI).
    في عام 2019، انتقلت شركة OpenAI إلى شركة ربحية محدودة (حيث يقتصر المستثمرون على أقصى عائد يبلغ 100 ضعف لاستثماراتهم) واستثمروا مليار دولار أمريكي آخر من مايكروسوفت حتى تتمكن من التوسع والتنافس مع عمالقة التكنولوجيا. ويجري، الان، محادثات لزيادة الاستثمار إلى 10 مليارات دولار؛ وهذا رفع من قيمة شركة OpenAI الى 29 مليار دولار.
يبدو أن المال أعاق خطط OpenAI الأولية للانفتاح وخدمة البشرية ككل!
الربح من المستخدمين
    إن OpenAI استخدمت التعليقات الواردة من المستخدمين لتصفية الإجابات المزيفة التي تهلوس تشات جي بي تي. ووفقًا لمدونتها، استخدمت OpenAI في البداية التعلم تحت الاشراف البشري (أي فرض طريقة تعلم بشري خارج الاستنتاج الالي الذي تستخلصه الإحصاءات الرياضية) في تشات جي بي تي لتقليل ترتيب الإجابات المزيفة و / أو الإشكالية باستخدام مجموعة تدريب يدوية مكلفة.
لكن يبدو الآن أن تشات جي بي تي تم ضبطه عبر أكثر من مليون مستخدم متطوع. تخيل أن هذا النوع من ردود الفعل البشرية كم سيكون مكلفًا للغاية لو كان الحصول عليه بأي طريقة أخرى.
نحن نواجه الآن احتمال حدوث تقدم كبير في الذكاء الاصطناعي باستخدام طرق غير موصوفة في المؤلفات العلمية ومع مجموعات البيانات المقيدة بشركة يبدو أنها مفتوحة المصدر بالاسم فقط.
ماذا سيحدث لاحقا؟
    في العقد الماضي، كان التقدم السريع للذكاء الاصطناعي، في جزء كبير منه، بسبب الانفتاح من قبل الأكاديميين والشركات على حد سواء. جميع أدوات الذكاء الاصطناعي الرئيسية لدينا هي مفتوحة المصدر.
    لكن في السباق لتطوير ذكاء اصطناعي أكثر قدرة، قد ينتهي ذلك. إذا تضاءل الانفتاح في الذكاء الاصطناعي، فقد نرى تباطؤ التقدم في هذا المجال نتيجة لذلك، وقد نشهد أيضًا تطور احتكارات جديدة.
    لقد واجهنا للتو ذكاءً غريبا. لا نعرف الكثير عنه إلا أن البعض يعتقد بأنه "قد يدمر حضارتنا" إذا لم توضع ضوابط له. لذا يجب أن يقف النشر غير المسؤول لأدوات الذكاء الاصطناعي في المجال العام وأن ينظم الذكاء الاصطناعي قبل أن ينظمنا. وأول تنظيم هو جعل الذكاء الاصطناعي أن يفصح، إلزاميًا، عن أنه ذكاء اصطناعي. إذا كنت تجري محادثة مع شخص ما، ولا يمكنك معرفة ما إذا كان هذا الشخص إنسانًا أم ذكاءً اصطناعي – فهذه هي كارثة.
ما لم يتم معالجة هذا الانحراف الجشع للشركات الاحتكارية، فإن الشيء الذي يبدو أنه يمثل العصر الذهبي للذكاء الاصطناعي قد يشير في الواقع إلى نهايته.