أيار 17

(مجلة "الثقافة الجديدة" ودورها الثقافي في العراقدراسة تحليلية لمضامين الفنون الصحفية فيها لمرحلة العهد الملكي)*

 

 منذ بداية الرسالة نبحر مع ابراهيم الخياط في الإهداء (إلى الذي علـّمني السحر، ثم اختفى) يتبين لنا انه يهديه الى جميع المؤثرين من صباه فشبابه حتى يوم المناقشة، بعدها ياخذنا معه في جولة ممتعة بين المقدمات والفصول حيث العلم والتأريخ والاعلام، حيث التنقيب عن بواطن الامور فالمجلة لها تأريخ عريق والجولة في سنوات ثائرة جماهيريا وإعلاميا. في المقدمة كان الحديث ان تأريخ الصحافة يمثل تأريخ التحرر الوطني في العراق، وكان لهذا التأريخ مؤسسون ورواد ومضحون نقشوا أسماءهم عبر هذه الرحلة المتعبة المجدية، كما كان لهذا التأريخ صحف ومجلات أصبحت من علامات التحرر الوطني والتنوير في العراق، ومن بينها يبرز عالياً اسم مجلة (الثقافة الجديدة).

يذكر لنا الباحث الخياط في بداية رسالته إنّ مجلة (الثقافة الجديدة) تستحق الإهتمام وطول البحث والتنقيب بين صفحاتها بعد أن تفانت في حمل رسالة انسانية سامية تضمنت ابداعات مثقفين عراقيين قدموا نتاجات متميزة معبرة عن منعطفات ارتبطت بتأريخ شعبنا، وصرحت المجلة عن ميولهم واهتماماتهم، وعملت على إغناء وعي أبناء شعبنا وإشباع حاجاتهم الثقافية ومدركاتهم الاجتماعية عبر تنوع الموضوعات الثقافية، السياسية، الاجتماعية ، التربوية ، الاقتصادية ، والتأريخية الرامية إلى تغيير الإنسان والعالم، السمو بالنفس الإنسانية، التمسك بسبل التقدم وتطوير مجتمعنا، والتأكيد على حقوق طبقات وشرائح اجتماعية مهمة لاحها الإهمال والإقصاء والظلم.      

يتكون البحث من مقدمة وأربعة فصول تنتهي بالخاتمة والتوصل إلى عدة استنتاجات حيث تصدى الفصل الأول (للإطار المنهجي للبحث)، وجاء الفصل الثاني بثلاثة مباحث عن (المجلات المتخصصة بالثقافة)، وتضمن الفصل الثالث عرضاً لـ(واقع إصدار مجلة الثقافة الجديدة وإجراءات تحليل مضمونها) بمبحثين، أما الفصل الرابع فقد خصص (لتحليل مضمون مواضيع الأعداد الثلاثة من المجلة)، وأخيراً جاءت الخاتمة التي تتضمن الاستنتاجات والتوصيات .

 في الفصل الاول تم تناول الاطار المنهجي حيث كان في البدء تحديد المشكلة واختيارها والتي تعد من الخطوات الاساسية وان يكون الباحث ملما بها من كافة الجوانب، وتحدث عن أهمية البحث كونها تتطرق للدور الثقافي لمجلة الثقافة الجديدة، وهي محاولة تتناول فيه ما لم تتناوله البحوث الإعلامية السابقة التي ركزت على ما تناولته المجلات من شؤون عامة في الصحافة المتخصصة سواء أكانت الجرائد والمجلات المتخصصة أم الصفحات الخاصة بالثقافة في الجرائد والمجلات العامة، بينما لم تركز على القضايا الثقافية المطروحة في الصحافة. وتطرق الباحث الى اختياره هذا الموضوع إلى عدة أسباب منها:

1-       النقص الكبير الذي تعانيه المكتبة العراقية في مجال الدراسات العلمية خاصة ما يتصل منها بالمجلات الثقافية وصياغة مضمون المجلة وما يتعلق بالمجلة الثقافية كوسيلة اتصال جماهيرية، إذ اقتصر اهتمام جلّ الباحثين على الفنون الصحفية للصحيفة اليومية.

2- لأن "الثقافة الجديدة" هي أقدم مجلة ثقافية في العراق وما زالت متواترة الصدور.

3-       الدور الكبير الذي تؤديه المجلة الثقافية كوسيلة اعلامية ذات تماس مباشر بحياة الناس، لا يمكن إغفالها من بين وسائل الإعلام الأخرى.

4-       لم يشهد العراق ظهور مجلات ثقافية تضاهي مجلة الثقافة الجديدة ما عدا تجارب قليلة ومبتورة وفقيرة قياساً إلى هذه المجلة.

         5-ان مجلة (الثقافة الجديدة) تعدّ مصدرا مهما من مصادر توثيق الحياة الثقافية والإجتماعية لما بذلته من جهود لتصوير معاناة أفراد المجتمع العراقي في الخمسينات والتعبير عنها وإيصالها ومعالجتها كما تعدّ أحد أبرز المجلات في تلك المرحلة اذ كتب فيها كبار الأدباء والمفكرين والصحفيين من داخل العراق وخارجه. 

و يهدف البحث إلى الإجابة على التساؤلات الآتية:

  1. ما القضايا التي تناولتها مجلة (الثقافة الجديدة)؟
  2. ما الفنون الصحفية التي استخدمتها مجلة (الثقافة الجديدة)؟
  3. ما الفئات التي عبرت عنها قضايا المجلة؟ وكم تشكل الثقافة من هذه الفئات؟
  4. ما الدور الثقافي لمجلة (الثقافة الجديدة)؟

كان مجال البحث حول مجلة (الثقافة الجديدة) التي صدرت عامي 1953 – 1954، ومثلت أعداد المجلة الآتية:

  • العدد الأول (تشرين الثاني 1953) .
  • العدد الثاني (كانون الأول 1953) .
  • العدد الثالث (نيسان 1954)

استخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي وطريقة تحليل المضمون، ووجد الباحث أن هذا المنهج هو أكثر المناهج العلمية ملاءمةً للبحث، لانه يعطي وصفاً لمشكلته ويعمل على تحقيق الاهداف المطلوبة من البحث، إذ يسهم في الحصول على أوصاف دقيقة للظاهرة المدروسة، وذلك بالإجابة على الأسئلة التي يقدمها البحث والمشكلات التي يطرحها.      

اما  الفصل الثاني  فكان حول المجلة والمجلات الثقافية حيث تضمن شرحاً عن المجلة – نشأتها وتأريخها وماهي المجلة (المعنى والمفهوم) وعن اشتقاق المجلة في اللغة ومتى استخدم المصطلح حيث بين ان أول استخدام لـ(magazine) بمعنى المجلة يعود إلى: (عام 1731 عندما صدرت مجلة باسم (مجلة الرجل المثالي The Gentleman's Magazine) في لندن اما في الصحافة العربية، فكان الالتباس كبيراً في عدم التفريق بين المجلة والصحيفة الى ان تولى الشيخ إبراهيم اليازجي إصدار مجلة "الطب" البيروتية عام 1884 فأشار باستعمال لفظة "مجلة" كدلالة إلى ورودها في لسان العرب كصحيفة فيها حكمة، وهذا البحث يرى في تعريف المجلة انها إحدى وسائل الاتصال المطبوعة والمغلفة بنوع متميز من الورق، تصدر أسبوعياً أو شهرياً أو فصلياً، تحمل اسماً ثابتاً، وتشتمل على فنون صحفية متميزة، تأخذ عامل الزمن في حسابها وتميل إلى تجذير المواضيع والأخبار أو التوسع فيها وتوجه إلى مستويات من التلقي العام أو المتخصص الذي يميل عموما إلى استيعاب المعارف والأحداث والأخبار والآراء من دون عجالة، كذلك تضمن لمحة عن نشأة وتأريخ المجلة وبعدها تفصيل عن المجلات المتخصصة حيث نتيجة الاتساع الكبير في صحافة المجلات فقد اتجهت المجلات إلى التخصص ثم الى التعددية في التخصص الواحد، مما أوجد حاجة ماسة إلى تصنيف المجلة وإرساء قواعد أكاديمية لذلك التصنيف.

وكان ذلك التصنيف على عدة مستويات وهي كالآتي:

(المستوى الأول: تصنيف القراء، الذي يصنف المجلات استناداً إلى ميول القراء.

المستوى الثاني: تصنيف التوزيع، الذي يصنف المجلات إلى أنواع استناداً إلى أرقام توزيعها.     

المستوى الثالث: تصنيف الشكل، الذي يصنف المجلات إلى أنواع وفق نوع الورق المستخدم في المجلة وشكل المجلة (Format) من مظهر خارجي إلى تبويب إلى قطع.

المستوى الرابع: تصنيف المضمون، وهو الذي يصنف المجلات إلى أنواع استناداً إلى المضمون الذي تحمله المجلة.

المستوى الخامس: تصنيف المصدر، الذي يصنف المجلة بالاعتماد على نوع المصدر أو الناشر.

المستوى السادس: تصنيف دورية الصدور، الذي يصنف المجلات إلى أنواع على وفق عدد مرات الصدور أو دورية الصدور).

وقد لاحظ الباحث بان هذه التصنيفات حددت المجلات بأربعة أنواع هي:

النوع الأول: المجلات العامة  

النوع الثاني: المجلات المتخصصة

النوع الثالث: المجلات الاخبارية

النوع الرابع: المجلات الملخصة

وفضلاً عن هذا التقسيم الرباعي للمجلات فهناك تقسيمات أخرى مختلفة منها:

التقسيم الذي يصنف المجلات إلى: المجلات الأخبارية ، مجلات الرأي ، المجلات الفكرية ، مجلات الصفوة ، المجلات الفكاهية ، ومجلات العلاقات العامة

   وتقسم الصحافة الغربية بما فيها الأمريكية المجلات إلى: مجلات العائلة، المجلات الأخبارية ، مجلات الإثارة ، مجلات الرأي والأدب والفن ، مجلات المرأة ، مجلات الرجال ، ومجلات ذات اهتمامات خاصة.

ويقسم مجموعة من الباحثين السوفييت المجلات إلى :

  1. المجلات الجماهيرية السياسية العامة.
  2. المجلات السياسية غير الجماهيرية.
  3. المجلات المتخصصة.

وكان هناك توضيح حول المجلات الثقافية العراقية 1945 -  1958 حيث ان الاوضاع بشكل عام أثناء الحروب هي ليست كما بعدها، فـبانتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 انبثقت الحياة الثقافية والصحفية والسياسية الحزبية مرة اخرى بعد توقف إجباري من الحكومة آنذاك في حقبة الحرب، لتتخذ المرحلة طابعاً جديداً لتطور الصحافة الثقافية والسياسية والخبرية العامة. وتعدّ مرحلة ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية من أهم المراحل في تأريخ الصحافة والثقافة العراقية، وذلك بسبب التطور السريع الذي شهده عالم الصحافة واصدار المجلات والجرائد من النواحي الفنية والتحريرية مقارنة بصحافة العهود السابقة، وتطور مضامينها وقدرتها على تعميق الكثير من الأفكار والمفاهيم الثقافية والسياسية. وقد صدرت في هذه المرحلة باقة من المجلات الثقافية التي تعنى بالثقافة والأدب والفنون وهي: المجلة، الرابطة، عالم الغد، الفكر الحديث، البيان، الجزيرة، الرحاب، الفنان، الهاتف، الأسبوع، الثقافة الجديدة، الملحق الأدبي لجريدة صوت الأهالي، القلم، الفن الحديث، الرسالة الجديدة، الكاتب العربي، الفصول الأربعة، المثقف، والملحق الأسبوعي لجريدة الشعب.

 في الفصل الثالث تم التطرق الى واقع اصدار المجلة واجراءات تحليل مضمونها ضمن عدة مباحث تتناول هذا الموضوع  مع شرح عن الظروف السياسية والاجتماعية والإعلامية في العراق (1948 – 1958) حيث بدأ العام 1948 بـ "وثبة كانون" وتبعتها انتفاضة تشرين عام 1952، فأدت الصحافة الوطنية فيهما دوراً مشرفاً في كشف مساوئ الحكم آنذاك ولقد جاءت "وثبة كانون" بنتائج اكبر بالنسبة للداخل، وبصورة خاصة في ما يتعلق بأسلوب تفكير الجماهير الشعبية السياسي، ونضالها التحرري الذي دخل من يومه مرحلة جديدة مهمة من مراحل تطوره بأن اتخذ له أثناءها وبعدها طابعاً اجتماعياً موحداً، فلم يسبق في تأريخ العراق المعاصر ان اشتركت في حركة منظمة واحدة وفي آن واحد وفي مختلف مناطق البلاد بمدنها وأريافها الى حد ما بوعي متكامل نسبياً، مئات الالوف من أبناء الشعب، وذلك يعدّ مؤشراً واضحاً لبروز وحدة التفكير السياسي لأبناء الشعب تجاه أهم قضايا الوطن المصيرية في ظروف التبعية، ولقد انعكس ذلك أيضا في ظاهرة اجتماعية، سياسية مهمة اخرى ذات مردود ملموس بالنسبة لمجمل النضال التحرري للشعب العراقي، وهي تحول شعار النضال العربي – الكردي المشترك ضد الاستعمار الى واقع منظم لأول مرة .

     جاءت انتفاضة تشرين الثاني 1952 استمراراً لـ "وثبة كانون" 1948، وكانت للانتفاضتين حقائق مادية فاعلة واحدة ومسببات أولى واحدة، وباستثناء ان الاستياء الشعبي قد حفر اخدوداً اعمق نتيجة ضياع فلسطين، فإن القليل تغّير في العراق في المدة الفاصلة بين الحركتين، وتحت ستار رقيق من السياسة الدستورية، وكما كان الأمر قبلا، كانت الأحزاب وأصحاب الشؤون العامة والجامعة يتنفسون بعض الشيء بين الحين والآخر، وكان على النظام ان يسلّم بهذا القدر البسيط لكي يحافظ على نفسه، ولكن الحريات الممنوحة سرعان ما كانت تنتزع ثانية أو يسمح بها شكلاً فقط وتحبط ممارسةً .

 في هذه الظروف السياسية، صدرت مجلة (الثقافة الجديدة)، وكان صدورها مؤشرا على التنامي الواسع للوعي الوطني العراقي عقب سلسلة من التطورات التي مر بها العراق والبلاد العربية، وتعاظم حركة التحرر العربي، وتصاعد نشاط المقاومة للسلطة الملكية، وما رافق ذلك كله من إقدام الحكومات العراقية على إصدار قرارات قمعية ضد الأحزاب الوطنية والقومية ومجمل هذه العوامل مع غيرها كانت من اسباب قيام ثورة 14 تموز 1958.

وعن واقع إصدار مجلة الثقافة الجديدة كان هناك شرح عن صدور أول عدد من مجلة (الثقافة الجديدة) في تشرين الثاني 1953 حاملة شعار "فكر علمي وثقافة تقدمية" حيث كان صدورها تتويجاً لمبادرات وطنية لإصدار مجلة فكرية علمية كان اسمها (الطليعة)، صاحب امتيازها الأستاذ (مهدي الرحيم)، ومديرها المسؤول الأستاذ المحامي (خالد طه النجم)، التي تحول اسمها إلى (الثقافة الجديدة) لتكون أكثر انسجاماً مع أهدافها ومع برنامجها في تلك الظروف من تاريخ تطور العراق، ولتدارك اية صعوبات أو معرقلات مالية، ومن أجل توفير مستلزمات الطباعة قررت المجموعة الأولى القيام بحملة تبرعات بمئة دينار لإصدار العدد الأول، دفع نصفها الأستاذ (مهدي الرحيم)، ودفع الباقون النصف الآخر، كان المبلغ كافياً لدفع القسط الأول إلى (مطبعة الرابطة)  وبعد ان تم إعداد وتحضير مواد العدد الأول تكفل (محمود صبري) بوضع تصميم لغلاف المجلة، وتكفل (اسماعيل الشيخلي) بتصميم شعار المجلة الذي ما زال يتصدر المجلة الى هذا اليوم: الشعلة والعجلة، اما خطاط المجلة فكان (يحيى جواد). صدر العدد الأول في 1 تشرين الثاني 1953 وطبعت من العدد الأول (2000 نسخة) فقط، تقديراً بأن هذا الرقم هو السائد في السوق وهو اعلى رقم لمجلة فكرية، ولكن الذي حدث وكان مفاجأة لأسرة تحرير الثقافة الجديدة ان العدد الأول منها نفد خلال أيام بحيث لم يتوفر عدد إضافي يمكن ان يرسل للألوية "المحافظات" التي بدأت تطالب بها ، وبعد شهر صدر (العدد الثاني)، وكان الصدى أعظم ولكن تم سحب امتياز المجلة. وطوال ثلاثة أشهر أعدت هيئة التحرير أكثر من عدد وجهزته في المطبعة، وتمت الاستعانة بالنائب المحامي (عبد الرزاق الشيخلي) الذي يملك امتياز مجلة اسمها (أدب الحياة)، اذ قام (صلاح خالص) و(صفاء الحافظ) بزيارته في مكتبه في شارع غازي (شارع الكفاح) خلف (سينما غرناطة)، وفيه تم الاتفاق على اصدار المجلة بكتمان خشية إلغاء إمتيازها هي الأخرى، وان قانون المطبوعات كان يسمح بتبديل اسم المطبوع الدوري بمجرد إخبار بسيط من جانب صاحب الامتياز، لذا وضعت خطة جوهرها ان يتم طبع العدد كاملاً وما ان يكون جاهزاً حتى يذهب (عبد الرزاق الشيخلي) الى مديرية الدعاية العامة ويسجل الطلب في الواردة لتبديل اسم المجلة من (أدب الحياة) الى (الثقافة الجديدة)، وبعد ان اتصل (الشيخلي) بهما تلفونياً واخبرهما بإنجاز المهمة وضعت أربعة الاف نسخة في سيارة (عواد شيخ علي) الذي باشر توزيعها على المكتبات بسرعة مذهلة، وكانت الأولوية للمحافظات فنفد العدد خلال ساعات، وبعد ساعتين من عرض (العدد الثالث) من مجلة (الثقافة الجديدة) في السوق، وكان يحمل الرقم واحد لصدورها بامتياز جديد، صدر قرار بسحب إمتيازها مرة أخرى من مديرية الدعاية العامة. اما العدد الرابع من مجلة (الثقافة الجديدة) فقد بقي حبيس المطبعة طوال أربع سنوات حتى طبعه وصدوره في تموز 1958 بعد ايام من قيام ثورة 14 تموز.

كان هناك مبحث حول الدور الثقافي لمجلة الثقافة الجديدة حيث يبين البحث إن للمجلة دوراً ثقافياً مشهوداً وأشاد بدورها الموسوعي (حميد المطبعي) عندما قال: (الثقافة الجديدة أسهمت بدور ايجابي في تعزيز الدور الوطني للحركة الثورية)، وان قائمة أسماء المؤسسين لها تجعلنا نعدها موسوعة "الطبقة المثقفة العراقية" فصفحاتها تزخر بأسماء كتاب القصة القصيرة أمثال (عبد الملك نوري)، و(فؤاد التكرلي)، وبأسماء الشعراء أمثال (بدر شاكر السياب) و(عبد الوهاب البياتي) و(كاظم السماوي) وبأسماء الروائيين أمثال (غائب طعمة فرمان) وبأسماء النقاد مثل (محمد شرارة) وبأسماء الكتّاب المسرحيين ومنهم (يوسف العاني)، فضلا عن أساتذة الجامعة من ذوي الاتجاه اليساري ومنهم الدكتور (فيصل السامر)، والدكتور (صلاح خالص)، والدكتور (إبراهيم كبه) . وواضح ان المجلة أدت دوراً متميزاً في اكثر من صعيد، فهي كانت مناسبة لتجميع المثقفين الوطنيين التنويريين في جبهة فكرية واحدة لنشر "الفكر العلمي والثقافة التقدمية" حسب هوية المجلة، ووفرت المجلة لقاءات وحوارات متواصلة لهؤلاء المثقفين. كما أدت المجلة دوراً آخر في قيادة زمام المبادرة من اجل حرية الفكر والديمقراطية في العراق، فلم تسكت عندما كانت تغلق أو يسحب امتيازها بل تستنجد بالمذكرات والزيارات والكتابات للضغط على مراكز القرار السياسي الملكي. وكان للمجلة دور في اعادة قراءة التأريخ، يؤكد ذلك ما جاء في كتابات المؤرخين المعاصرين فيها، إذ كانوا يقرؤون التاريخ العربي الإسلامي وفق مفهوم يساري تقدمي، فالدكتور (فيصل السامر) يكتب عن الاتجاهات الاجتماعية في حركة الزنج، والشيخ (محمد رضا الشبيبي) يكتب عن مصادر الشك في كتاب العين، والدكتور (صلاح خالص) يكتب في المشكلة القومية وحلولها. وعن دورها ايضاً، يقول الشاعر (كاظم الحجاج): (انا مدين لـ"الثقافة الجديدة" بفضيلة انها نقلتني بالتدريج المدرسي من قارئ الى كاتب، وهي نقلة يحس التلميذ بفضل معلمه فيها، اصارحكم بأنني أحسست بالكبر والكبرياء يوم أجرت "الثقافة الجديدة" حواراً معي قبل أشهر وهو الحيز نفسه الذي شغله يوماً (سعدي يوسف) و(غائب طعمة فرمان) و(بلند الحيدري) ... أليس فخراً ان تنتقل من رتبة القارئ الى الاقتراب من رتبة هؤلاء) .

والفصل الرابع تضمن (تحليل المضمون للأعداد الثلاثة من المجلة)، وقد خلص الباحث إلى بيانات توضح توزيع المحاور الرئيسة والفرعية لأعداد المجلة ودرجة التركيز عليها ونسبها المئوية وفق مضامينها ورتبها وبعد جدولة هذه البيانات وتحليلها تم عرضها في عدة مباحث حيث تضمن احدها تفسير نتائج تحليل المضمون للأعداد الثلاثة حيث بلغت نسبة المحور الثقافي في الأعداد الثلاثة من المجلة الصادرة في سنتي 1953 - 1954 (61%) ونال المرتبة الأولى، بينما المحور الاجتماعي بلغت نسبته المئوية (12%)  ونال المرتبة الثانية، وجاء المحور السياسي بنسبة مئوية قدرها (10%) ونال المرتبة الثالثة. أما المحور الاقتصادي فنسبته المئوية (6%) ونال المرتبة الرابعة، وجاء محور التربية والتعليم بنسبة مئوية (6%) ونال المرتبة الرابعة مكرر، فيما نال المحور العلمي نسبة مئوية بلغت (5%) ونال المرتبة الخامسة. وهنا تبيّن أن مجلة (الثقافة الجديدة) قد ركزت على المحور الثقافي بالدرجة الاساس من خلال تحليل موضوعاتها المختلفة والمتنوعة. وهذا يدلّ ان المجلة منسجمة مع اسمها وشعارها وهويتها ومع أهدافها المعلنة في افتتاحياتها كونها مجلة ثقافية بامتياز، وكذلك فإن حصول المحور الاجتماعي على المرتبة الثانية يدلّ على اهتمام المجلة بالمحتوى الاجتماعي للثقافة وبأن الثقافة للناس وليست الثقافة للثقافة.

وبعدها قام الباحث بتقديم نتائج تحليل المضمون للقضايا التي تناولتها مواضيع الأعداد الثلاثة:

 1- المحور الثقافي

 تم توزيع القضايا الثقافية في الأعداد الثلاثة من مجلة الثقافة الجديدة، فجاءت بسبعة عناوين، فنالت قضية (التعريف بأفكار التحرر والتقدم والثورة) المرتبة الأولى وبنسبة مئوية مقدارها (40%)، وجاء اهتمام المجلة بالمرتبة الثانية على قضية (الدعوة الى الأشكال الأدبية الجديدة وتبنيها) وبنسبة مئوية (18%)، وأكدت المرتبة الثالثة على قضية (الاهتمام بالفنون والتعريف بالانجازات الفنية العالمية) وبنسبة مئوية (13%) أما المرتبة الرابعة فكانت لقضية (التعريف بالإصدارات الثقافية والفكرية) وبنسبة مئوية (10%)، واهتمت المرتبة الخامسة بقضية (التعريف بالشخصيات الأدبية والفنية) وبنسبة مئوية (9%)، وركزت المرتبة السادسة على قضية (الاهتمام بترجمة نصوص الأدباء والمفكرين الكبار في العالم) وبنسبة مئوية (6%)، أما قضية (التعريف بالقوانين وتطويرها) فنالت المرتبة السابعة من حيث الأهمية وبنسبة مئوية (4%). واضح أن مجلة الثقافة الجديدة في أعدادها الثلاثة ضمن المحور الثقافي، قد أكدت على قضية (التعريف بأفكار التحرر والتقدم والثورة) بفارق كبير عن القضايا الثقافية الأخرى، فهذا يدلّ على وفاء المجلة لاسمها ولهويتها، ويدلّ – أيضاً- أن المجلة نشدت التغيير عن طريق ممارسة دورها الثقافي في التأثير على المواقف والسلوكيات في المجتمع العراقي آنذاك.

 

2-  المحور الاجتماعي

        تم توزيع القضايا الاجتماعية في الأعداد الثلاثة من المجلة، فجاءت بستة عناوين، قضية (الدعوة الى تحرير المرأة والتعريف بحقوقها) بالمرتبة الأولى وبنسبة مئوية مقدارها (46%)، وجاءت بالمرتبة الثانية قضية (التعريف بالمتغيرات الاجتماعية ومشكلاتها) وبنسبة مئوية (20%) ، أما المرتبة الثالثة فكانت لقضية (التعريف بالحركات الاجتماعية) وبنسبة مئوية (10%). وحلت بالمرتبة الرابعة قضية (التعريف بالتنظيمات الاجتماعية) وبنسبة مئوية (9%)، وجاءت بالمرتبة الخامسة قضية (الاهتمام بالأطفال) وبنسبة مئوية (8%)، واخيراً نالت قضية (تناول الجذور الاجتماعية للثقافة) المرتبة السادسة وبنسبة مئوية (7%). واضح أن مجلة الثقافة الجديدة في أعدادها الثلاثة ضمن المحور الاجتماعي، قد أكدت على قضية (الدعوة الى تحرير المرأة والتعريف بحقوقها) بفارق كبير عن القضايا الاجتماعية الأخرى، فهذا يدلّ أن المجلة منسجمة مع هويتها وتوجهها التقدمي العام، وأن المجلة روجت لتحرير المرأة ونيلها لحقوقها كمفتاح لتحرير المجتمع بكامله.

 

3-  المحور السياسي

 تم توزيع القضايا السياسية في الأعداد الثلاثة من المجلة، فجاءت بستة عناوين وكانت قضية (التحريض على النضال والثورة والتحرر) بالمرتبة الأولى وبنسبة مئوية مقدارها (36%)، وفي المرتبة الثانية جاء اهتمام المجلة بقضية (إعطاء البعد السياسي للأدب والفن) وبنسبة مئوية (24%)، وأكدت المرتبة الثالثة على قضية (استذكار نضالات الشعوب) وبنسبة مئوية (19%). أما المرتبة الرابعة فكانت لقضية (التعريف بالقضايا والمشاكل القومية وحلولها) وبنسبة مئوية (8%)، واهتمت بالمرتبة الخامسة بقضية (التعريف بالدستور وتفسيره) وبنسبة مئوية (7%)، وركزت بالمرتبة السادسة على قضية (التعريف بالأنظمة السياسية) وبنسبة مئوية (6%). من الواضح أن مجلة الثقافة الجديدة في أعدادها الثلاثة ضمن المحور السياسي، قد أكدت على قضية (التحريض على النضال والثورة والتحرر) بفارق كبير عن القضايا السياسية الأخرى، فهذا يدلّ على نهج المجلة في محاكاة نضالات الشعب العراقي –آنذاك- فهي صدرت بعد وثبة كانون 1948 وبعد انتفاضة تشرين 1952 أي في ايام المدّ الثوري والانتفاضات والاضرابات التي نهض بها ابناء الشعب العراقي.

 4- المحور الاقتصادي

تم توزيع القضايا الاقتصادية في الأعداد الثلاثة، فجاءت بخمسة عناوين، وكانت قضية (تناول التنظيمات الاقتصادية) بالمرتبة الأولى وبنسبة مئوية (31%)، وجاء اهتمام المجلة بالمرتبة الثانية بقضية (تناول الاتجاهات الاقتصادية) وبنسبة مئوية (30%)، وأكدت المرتبة الثالثة على قضية (الحديث عن النظريات الاقتصادية العلمية) وبنسبة مئوية (22%). أما المرتبة الرابعة فكانت لقضية (تناول أشكال الإدارة الاقتصادية) بنسبة مئوية (16%)، واهتمت المرتبة الخامسة بقضية (الدعوة الى شكل جديد للنظام الاقتصادي للدولة) وبنسبة مئوية (1%). اوضح أن مجلة الثقافة الجديدة في أعدادها الثلاثة ضمن المحور الاقتصادي، قد أكدت على قضية (تناول التنظيمات الاقتصادية) بفارق كبير عن القضايا الاقتصادية الأخرى، فهذا يدلّ أن المجلة أولت اهتمامها للهياكل الاقتصادية الجديدة كون العراق في بداية بناء اقتصاده الجديد بعد اكتشاف النفط .

5-  محور التربية والتعليم

 تم توزيع قضايا التربية والتعليم في الأعداد الثلاثة من المجلة، فجاءت بأربعة عناوين، وحظيت قضية (التعريف بالمنظمات والمؤتمرات العالمية المختصة) بالمرتبة الأولى وبنسبة مئوية مقدارها (68%)، وجاء اهتمام المجلة بالمرتبة الثانية بقضية (التعريف بالجامعة العراقية) وبنسبة مئوية (21%). أما المرتبة الثالثة فكانت لقضية (تناول شؤون المعلمين والطلاب) وبنسبة مئوية (8%)، واهتمت المجلة بالمرتبة الرابعة بقضية (الاهتمام بتنشئة الفرد وتعليمه) وبنسبة مئوية (3%). من الواضح أن مجلة الثقافة الجديدة في أعدادها الثلاثة ضمن محور التربية والتعليم، قد أكدت على قضية (التعريف بالمنظمات والمؤتمرات العالمية المختصة) بفارق كبير عن قضايا التربية والتعليم الأخرى، فهذا يدلّ أن المجلة كانت تولي اهتماماً بالتعريف بالتجارب العالمية للاستفادة منها في تربية جيل جديد وتعليمه.

6- المحور العلمي

      تم توزيع القضايا العلمية في الأعداد الثلاثة للمجلة، فجاءت بأربعة عناوين، وجاءت قضية (التأكيد على التفكير العلمي) بالمرتبة الأولى وبنسبة مئوية (61%)، وجاء اهتمام المجلة بالمرتبة الثانية بقضية (التعريف بالانجازات العلمية) وبنسبة مئوية (17%). وأكدت المجلة بالمرتبة الثالثة على قضية (التعريف بالعلوم الإنسانية) وبنسبة مئوية (16%)، واهتمت بالمرتبة الرابعة بقضية (التوجه نحو العلوم التجريبية) وبنسبة مئوية (6%). من الوضح أن مجلة الثقافة الجديدة في أعدادها الثلاثة ضمن المحور العلمي، قد أكدت على قضية (التأكيد على التفكير العلمي) بفارق كبير عن القضايا العلمية الأخرى، وهذا يدلّ أن المجلة تؤكد هويتها وتنحاز للفكر الذي يستند الى المنهج العلمي.

  كذلك بَيّن الباحث تفسير نتائج توزيع الفنون الصحفية للأعداد الثلاثة من المجلة حيث أن المقال الصحفي جاء بنسبة (39%) ونال المرتبة الأولى، فيما جاءت الفنون الأدبية بنسبة مئوية (26%) ونالت المرتبة الثانية. أما التقرير الصحفي فقد كان بنسبة (20%) ونال المرتبة الثالثة. وجاء الإعلان بنسبة مئوية (9%) ونال المرتبة الرابعة. أما المقال الافتتاحي فقد كان بنسبة (4%) ونال المرتبة الخامسة. أما الحوار الصحفي فكان بنسبة (1%) ونال المرتبة السادسة. وأخيراً جاء الخبر بنسبة (1%) ونال المرتبة السادسة مكرر. وهنا تبيّن أن مجلة الثقافة الجديدة قد ركزت على فن المقال الصحفي بالدرجة الأساس بعد تحليل موضوعاتها المختلفة والمتنوعة وهذا يتلاءم مع توجه المجلة في إيلاء الاهمية للمقال الصحفي كونه الفن الملائم لعرض التحليلات والاستنتاجات والتعريف بالتوجهات العامة للمجلة. كذلك فإن حصول الأدب على المرتبة الثانية يدل على إهتمام المجلة بنشر النصوص الأدبية المختلفة لما لها من دور في نقل توجهات المجلة بشكل معبر ومؤثر.    

في نهاية البحث كانت هناك الخاتمة التي تضمنت استنتاجات البحث من خلال ما جاء من نتائج في عملية عرض المجلة وتحليل المضمون لأعدادها الثلاثة، وتعدّ الاستنتاجات الآتية في نظر الباحث هي الإجابة على أهداف وتساؤلات البحث وهي:

أولاً: تنوع القضايا التي تناولتها مجلة (الثقافة الجديدة) وجاءت بالترتيب الآتي: القضايا الثقافية، القضايا الاجتماعية، القضايا السياسية، القضايا الاقتصادية، قضايا التربية والتعليم، والقضايا العلمية.

ثانياً:

أ. رسمت المجلة لنفسها شخصية مستقلة فكانت تجربة جديدة في الطرح والتوجه وكذلك في التصميم والإخراج والتبويب.

  • تنوعت الفنون الصحفية للمجلة وشملت جلّ انواعها من الخبر الى التقرير والتحقيق والمقال فكانت منسجمة مع توجهها العام.

ج. حافظت المجلة على شكلها في أعدادها الثلاثة موضع البحث، في كل ما يتعلق بالشكل الداخلي والخارجي تصميماً وإخراجاً.

ثالثا:

أ- شكلت المجلة اتجاها ثقافيا مزج الثقافة المحلية بالعربية والعالمية عبر الموضوعات التي تطرقت لها والنصوص المترجمة من عدة لغات محلية وعالمية.

  • تميزت المجلة بقدرتها على قراءة الواقع الثقافي والسياسي والاجتماعي وتحليل الأوضاع التي عاصرتها.
  • أصبحت مجلة (الثقافة الجديدة) بأعدادها الثلاثة في مرحلة العهد الملكي وثيقة تاريخية مهمة لما سجلت من وقائع وما حللت من حوادث وأحداث من التاريخ العراقي المعاصر، فضلا عن نشرها كمّا كبيراً من موضوعات ونصوص ذات قيمة ثقافية واجتماعية وسياسية.
  • قدمت المجلة معالجات وطرحت حلولا للكثير من المشكلات الاجتماعية، وسعت إلى نهضة إجتماعية حقيقية شاملة عبر محاربتها التخلف وتأكيدها أهمية التفكير العلمي والثقافة التقدمية وضرورتها وهذه هويتها.
  • نشرت المجلة لكتّاب من أنحاء الوطن العربي كافة وبعض أرجاء العالم وهو ما يجسد انفتاح المجلة في فتح الأبواب للكتاب للتعبير عن وجهات نظرهم المختلفة على صفحاتها.

وفي الخاتمة اوضح الباحث التوصيات التي تمخضت عن البحث:

  1. العمل على التوسع بدراسة البحوث والرسائل والأطاريح الإعلامية المتعلقة بدراسة المجلات العراقية.
  2. العناية بالمجلات الثقافية الرائدة ومن بينها مجلة (الثقافة الجديدة) لكونها تمثل وعاءً ثراً للجهود الفكرية والثقافية لنخب ثقافية وفكرية عملت للإرتقاء بالعراق والعمل على نهضته الحضارية والإنسانية ليرقى الى مصاف الدول المتقدمة.
  3. اقتداء المجلات العراقية بتجربة مجلة (الثقافة الجديدة) في معالجتها للموضوعات الثقافية والاجتماعية والسياسية، وما ينبثق من مشكلات عبر النقد البناء واقتراح الحلول المنطقية المناسبة لها.
  4. دعوة طلبة كليات الإعلام الى دراسة تراث المجلات الثقافية القديمة بما يفيد التعرف على كيفية تعاملها مع الأحداث آنذاك، وكيف تمكنت من الوقوف على قدميها على الرغم من التحديات، فضلا عن معرفة إمكاناتها الإدارية والتحريرية.
  5. دعوة الجهات الراعية لمجلة (الثقافة الجديدة) للاحتفال السنوي بها وتسليط الضوء على نضالها الوطني وتمسكها بحرية الفكر والتعبير عنه بشكل سلمي وحضاري.

 * تقدم الفقيد بها إلى مجلس كلية الإعلام – جامعة بغداد عام 2016