أيار 02
                                
                                                                                    
ما هي سياسة النقل العادلة اجتماعيا؟
     هل هناك سياسة نقل أو تنقل تختلف عن المقاربات السياسية الأخرى بسبب توجهها الاجتماعي؟ النظرة التي شاعت ولعقود من الزمن ان سياسة النقل، في الغالب، هي مجال عملي بحت بعيد عن احقاق العدالة بين فئات المجتمع، وكان هدف السياسيين، دوما، هو التركيز على بناء أو تجديد البنى التحتية، فعليهم توفير البنى التحتية لوسائل النقل بما يتماشى مع تغير الطلب (1). ولم تلعب الاختلافات السياسية والاجتماعية أي دور ملحوظ، بل ربما أنها تراجعت الى الخلف وتلاشت في هذا المجال. واقتصرت مراعاة الجوانب الاجتماعية على شكل المطالبات بأجور مناسبة لوسائل النقل العام أو بشكل أعم المطالبة بتطويرها كجزء من تقديم الخدمات العامة، واصبحت نتيجة هذا النهج العملي ظاهريا، هي التركيز على جعل السيارة الخاصة وسيلة النقل السائدة (2 و3).
ولكن الوعي الاجتماعي يتطور وبحق، فاخذت أجزاء كبيرة من المجتمع العالمي تطالب بـ”تغيير سياسة النقل” كامتداد للمطالبة بتغيير سياسة الطاقة، فيتم ذكر حصة قطاع النقل من انتاج الغازات الضارة بالبيئة، إضافة الى نقاشات تدور داخل المدن حول نوعية الحياة (4).
ومع ذلك، فنادرا ما يتم التعبير بصراحة عن مطالب العدالة الاجتماعية في رؤية سياسية للنقل المستقبلي، وفي الواقع، لا يشارك الأشخاص ذوو القوة الشرائية المنخفضة غالبا وبشكل فعال في تطلعات مجتمع السيارات، ولا في أشكال التنقل الجديدة باهظة التكلفة، بالرغم من إن النقل والتنقل يلعب دورا مهما في بيئتهم المعيشية (5).
 فأي وسيلة نقل يجب دعمها عندما تكون موارد الفئات العامة من الشعب شحيحة؟ أو أي وسيلة نقل يجب ان تحظى بمساحة أكبر وكيف يجب تصميم الإطر التنظيمية لها؟ إن هذا الجمهور بحاجة إلى صوت قوي في هذه المناقشة حتى يتمكن من تمثيل مصالحه بشكل فعال.
سياسة نقل عادلة اجتماعيا
سياسة النقل العادلة اجتماعيا تمنح صوتا للفئات الأضعف في المجتمع وتساعد على تخفيف التفاوت والاختلال في سد الحاجات بين فئات المجتمع، وتهدف الى توفير امكانيات نقل للغالبية العظمى من افراد المجتمع. في هذا الموضوع نركز على أربعة أبعاد، ونأمل ان هذا سيطلق نقاشا أساسيا، يهدف إلى صياغة سياسة نقل مستقلة تستند على العدالة الاجتماعية، وتعمل على صياغة سياسة فعالة لصالح غالبية الجمهور.
  • تمكين الحد الأقصى من المشاركة الاجتماعية
ان للأشخاص من ذوي الدخل المنخفض والأشخاص ذوي القدرة المحدودة على الحركة - مثل كبار السن والأطفال والشباب والأشخاص من ذوي الإعاقة - كامل الحق في المشاركة في الأنشطة الاجتماعية. كما ان تمكين أقصى قدر من المشاركة يعني ضمان تلبية جميع المتطلبات المرتبطة بذلك، فالحد الأقصى من المشاركة يعني أيضا توفير خيارات جذابة وغير مكلفة لوصول الاشخاص الذين يعيشون بالأساس على اجر عملهم إلى العمل، ولا يملكون احتياطيات مالية، وتتطلب المشاركة القصوى ايضا اتاحة وصولهم إلى المعلومات حول التنقل المنظم اجتماعيا، لتمكين جميع الناس من السفر والتنقل.
فالجوهر الاجتماعي لتمكين الحصول على المعلومة ليس قيمة متبقية (فضلات) تضمن الحد الأدنى المطلق من مستوى التنقل للأشخاص الأشد فقرا والأكثر إعاقة في الحركة، بل يجب ان يضمن النقل العادل اجتماعيا عرضا جذابا قائما على تلبية احتياجات الجميع. فمن خلال وضع الفئات الأكثر ضعفا في مركز الاهتمام وتلبية احتياجاتهم بالكامل، سيتوفر تلقائيا عرض كامل يناسب الجميع. وهذا يتطلب منظومات نقل مترابطة وعادلة اجتماعية، بمعنى انظمة متدرجة تتكون من نظام على مستوى العراق، يليه نظام على مستوى المحافظات والاقاليم، اضافة لنظام ضمن البلديات وداخل المدن، بحيث يتيح ذلك توقيتا متناسقا لوسائل النقل المختلفة لضمان الوصول إلى أي مكان في البلد بشكل مريح من دون الحاجة إلى فترات انتظار طويلة للتنقل بين وسائط النقل في انظمة النقل على المستويات المختلفة.
وهنا تتحمل المؤسسات الحكومية المعنية مسؤولية وضع قوانين وخطط للنقل لتصميم هذه النظم، وينبغي تصميم حركة النقل المنتظمة بطريقة تعطي الأولوية لوسائل النقل الأكثر منطقية اجتماعيا، وهذه بالاساس هي السكك الحديدية وأنظمة النقل العام التقليدية. كما تتم إضافة عناصر النقل الجديدة كملحق لها.
ويجب تلبية احتياجات التنقل في المناطق الريفية أيضا من خلال جعل وظائفها تناسب الناس، ويمكن أن يكون دمج نظام النقل بالسيارات الخاصة في منظومة وسائل النقل العام بمثابة حل أيضا. ولتحقيق ذلك، تحتاج البلديات إلى منحها مزيدا من الحقوق والى موارد مالية أفضل.
  • توفير أفضل نوعية حياة للجميع
التأثير المتبادل بين سياسة الإسكان والنقل،
هنا ينبغي الاشارة الى وجوب تكيف سياسة الاسكان مع سياسة النقل وليس العكس. فلا يجوز ان تقوم سياسة النقل الاجتماعية بحل الأخطاء التي تنشأ عن سياسات سوء تخطيط استخدام الأراضي أو بناء المساكن العشوائية أو التخطيط السكاني غير الصحيح. ولكي يظل النقل الاجتماعي في متناول الجميع، ومن أجل استخدام منظومات النقل المترابطة، يجب توفير المعلومات عن حركة وسائط النقل (مثل: اوقات ومسار تحركها او اعطاء بدائل لها وغير ذلك) من قبل المؤسسات العامة، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها ضمان التواصل الخالي تماما من العوائق وبما يتوافق مع متطلبات أمن البيانات. كما يجب أن تكون عروض وسائط النقل (مثل نوع وسيلة النقل وكلفها وطاقتها الاستيعابية والبدائل المتاحة) باستخدام الإنترنت ومدعومة بقنوات الهواتف النقالة لأنه ليس لدى الجميع وسائط يمكن الوصول إليها عبر الإنترنت أو ربما لا يرغبون هم في استخدامها. لان من مهام سياسة النقل توفير أقصى نوعية وراحة وجودة حياة للجميع. وايضا فان سياسة النقل العادلة اجتماعيا تعني تمكين جميع الناس، بغض النظر عن الدخل والوضع الاجتماعي، من التمتع بجودة حياة عالية خالية من انبعاث غازات العوادم والضوضاء الضارة. وعلى وجه الخصوص، يجب أولا وقبل كل شيء تقليل النقاط والتقاطعات التي تسبب الانبعاثات نتيجة حركة المرور. إن أساس العمل من أجل نقل عادل اجتماعيا وفعال لا ينحصر فقط في القضاء على الآثار المباشرة للانبعاثات، ولكن عليه أيضا خلق بيئة صالحة للعيش (مناطق السكن). كما يعتبر تقليل انبعاثات الغازات الضارة و ثاني أكسيد الكربون أمرا ضروريا للمجتمع ككل.
إن الفئات ذات الدخل المنخفض تنتج أقل كمية من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لعدم امتلاكهم سيارات خاصة، وعلى هذه الخلفية، فمن غير المقبول أن تؤثر اضرار حركة المرور في المدن والبلدات بشكل خاص على الأشخاص الذين لا يستطيعون شراء فيلا أو منزل مع شرفة في الضواحي الراقية. ان الممارسات الحالية تدفع الفئات ذات الدخل المنخفض الى سكن المناطق الواقعة على الطرق الرئيسية، والتي تعتبر غير جذابة وغير صحية بسبب كثافة مرور وسائل النقل الالية الخاصة. ان من مصلحة المواطن ـ ومن حقه المشروع ـ تقليل الانبعاثات (الغازات والضوضاء) حول منزله، وينبغي تحديد استخدام السيارات حسب حاجة المجتمع وبتوفير نظام نقل عام يعتبره المجتمع كافيا. وعلى أي شخص لا يريد الاستغناء عن سيارته الخاصة التعايش مع القيود المفروضة على أماكن وقوف السيارات وتحديد السرعة ووضع حدود لانبعاث الغازات والضوضاء، ويجب استخدام الحوافز الاقتصادية بزيادة رسوم مواقف السيارات وأنظمة جباية الرسوم، لأن جميع مستخدمي الطريق يمكنهم أيضا استخدام بدائل النقل الرخيصة والمدعومة اجتماعيا. وبهذه السياسة، يتم تعزيز أنظمة النقل العامة وخلق توازن بين متطلبات فئات المجتمع المختلفة، فتزايد عدد مستخدمي النقل العام من جميع الطبقات يؤدي إلى اعتراف اجتماعي أكبر بأنظمة النقل العامة، وبالتالي إلى توازن المصالح لصالح المحرومين اجتماعيا والسكان الذين يعملون بكدح.(6)
ويمثل "التنقل" من المناطق النائية مشكلة خاصة في هذا السياق. فقد أدى الضغط على أسعار المساكن إلى دفع العديد من الناس إلى مغادرة المناطق الحضرية القريبة من مراكز العمل إلى الضواحي. كما دفع شرائح كبيرة الى بناء ما يسمى العشوائيات. ويشكل هؤلاء المتنقلون جزءا من المشكلة التي تواجهها الأسر ذات الدخل المنخفض، فينبغي منحهم بديلا من خلال النقل الاجتماعي الميسر. ويجب توفير عروض وبدائل لوسائط وانظمة نقل مختلفة لكل من لا يستطيع الاستفادة من النقل الميسر الاجتماعي بسبب سياسات السكن الفاشلة في الماضي.
ومستقبلا يجب تطبيق ما يأتي: عدم اخضاع سياسة النقل لتصحيح سياسة الاسكان الفاشلة. ولا يجب تطوير مناطق استيطان جديدة إلا بعد توفير البنية التحتية اللازمة للنقل. كما لا بد من تعديل المعايير الحالية التي تنسب الفوائد إلى التكاليف الاقتصادية فقط، فينبغي تجنب السكن المترامي والمتباعد الأطراف، فسيكون من الصعب ربط مناطق السكن بواسطة أنظمة نقل مدعومة وممولة اجتماعيا ولا يتم إلا بجهد لا يتناسب مع الفوائد.
وهناك حاجة إلى أدوات لتخفيف العبء عن السكان قرب المطارات والطرق السريعة والطرق الرئيسية والسكك الحديدية، وينبغي وضع قيود كبيرة على السرعة وتنفيذ حظر قيادة (مؤقت) لفئات معينة من المركبات وغيرها من التدابير التي يمكن تنفيذها. ومن الضروري أيضا تكييف الإطار القانوني. على سبيل المثال وضع قانون مراقبة وتحديد انبعاثات الضوضاء والغازات الضارة لتحقيق أهداف سياسة نقل عادلة اجتماعيا.
بشكل عام، يجب ابعاد محاور وتقاطعات المرور عن المناطق السكنية، قدر الإمكان، لتصبح هذه المناطق ذات جودة لائقة بالسكن. ويجب أن يراعى في كل صيانة وتجديد وتحويل للطرق وللتقاطعات المرورية الرئيسية داخل المدينة مبدأ وشرط إسترجاع أجزاء من المساحات لحركة الناس لتحسين نوعية المعيشة والسكن، كما يجب إعادة انشاء مسارات السيارات لتصبح صديقة للبيئية حيثما أمكن.
  • تحقيق اقصى قدر من الكفاءة الاجتماعية
تهدف سياسة النقل الاجتماعية لتحقيق قفزة نوعية في موثوقية وسائل النقل وإمكانية التنبؤ بحركتها لجميع الأشخاص في المجتمع. والمقصود هو خلق ترابط متوازن بين مختلف أنظمة النقل حتى يتمكن الجميع من الوصول إلى وجهتهم بشكل أسرع وبجودة أفضل، وبشكل يمكن المواطنين من التخطيط لمسار نشاطات يومهم، من خلال توفير النقل المنتظم للجميع. وهذا ينطبق على حركة النقل الجوي والمائي والسكك الحديدية والسيارات وجميع مكونات النقل الجديدة التي يقدمها المجتمع. ومع ذلك، فإن الحد الأقصى من الكفاءة الاجتماعية يتطلب أيضا تحديد الأولويات في توسيع وصيانة الأنظمة وفي التحكم في حركة المرور بناء على التأثيرات الاجتماعية ايضا. وبتحقيق هذا يتحقق أقصى قدر من الكفاءة الاجتماعية كما سيؤدي أيضا إلى الاقتصاد في استهلاك الموارد.
إن الاختناقات المرورية المستمرة على الطرق والشحة المتزايدة السائدة حاليا في تمويل وسائل النقل العام والسكك الحديدية وانعدام شبكة نقل بيئية (وخاصة مسارات الدراجات الهوائية) غير مرضية للجميع. فاضافة للعواقب غير الحميدة، فإن التوسع في انشاء الطرق سيصل إلى حد الاختناق لأن مساحة اي بلد محدودة. كما قد أظهرت التجربة أيضا أن توسيع الطرق ليس حلا، حيث يتم استغلال القدرات الجديدة بالكامل بجذب مستخدمين إضافيين. ولا يمكن أن يكمن الحل إلا في توسيع وتحسين أنظمة النقل العام والجماعية. ولا يكفي استمرار الوضع الراهن وتجميله بتحسينات طفيفة. فانظمة النقل العام والجماعية تحتاج إلى إعادة تنظيم شاملة حتى تتمكن من العمل كنظام يدعم نقل عادل اجتماعيا بتوسيع كبير في العرض - بما في ذلك المناطق الريفية - وتحسين الجودة والنوعية وترابط امثل بين شبكة بيئية وبين مراكز التنقل وتحسين مستمر في موثوقية توفر وسائط النقل ومواعيد وصولها (المرونة). ولن يتحول الناس إلى النقل الجماعي إلا إذا كانت الأنظمة تعمل بشكل موثوق في جميع الأوقات. وينطبق هذا بشكل خاص على شرائح المجتمع التي تستطيع، في ظل ظروف مختلفة، اللجوء إلى وسائل النقل الفردية الآلية.
وبافتراض وجود نظام فعال للنقل الاجتماعي العادل، يجب تحميل ثقل التكاليف الاجتماعية العامة على مالكي السيارات الفردية. إنّ حساب التكلفة الحقيقة يجب ان لا يأخذ في الاعتبار الخصائص البيئية فحسب، بل أيضا حجم استعمال واستهلاك مساحات الأراضي. فالسيارات الخاصة الثقيلة (خاصة ما يسمى بسيارات الدفع الرباعي)، والتي تشغل مساحة عامة أكبر من السيارات التقليدية، تسبب المزيد من الانبعاثات بسبب وزنها المتزايد ومقاومتها الكبرى للهواء، وهو ما يمثل خطورة أكبر بكثير على المشاة وراكبي الدراجات، ويجب أن تغطي الرسوم تكاليف البنية التحتية المرتفعة بشكل خاص بسبب وزنها والتكاليف الناتجة عن ذلك.
إن سياسة مساواة وانشاء مسارات متجاورة لأنواع مختلفة من نظم النقل لن تكون فعالة إذا كان هناك نظام أساسي مناسب اجتماعيا، لذلك يجب زيادة تسعير السيارات الخاصة بما يعكس كامل تكاليفها الاجتماعية الحقيقية كالتكاليف الناجمة عن الأضرار البيئية وعن الحوادث المرورية، وتخفيض الكلف لوسائل النقل الجديدة المدمجة في نظام نقل مترابط. وينبغي التفكير بفرض تسعيرة ديناميكية متحركة لاستخدام الطرق من قبل السيارات الخاصة من أجل تجنب الاختناقات المرورية وتأثيرها الاجتماعي السلبي. كما يجب استخدام مداخيل هذه التسعيرة والوفورات الناتجة عن إلغاء مزايا السيارات (فرض ضريبة الديزل، وضريبة على سيارات الشركات الفاخرة المميزة الخ) لتمويل نظام وسائل النقل الاجتماعية (7). ان سياسة النقل المستندة إلى معايير الكفاءة الاجتماعية ستؤدي إلى انخفاض كبير في انبعاثات الغازات الدفيئة.
  • ضمان أقصى قدر من الأمن والسلامة
ان 11 ألفاً و523 حادثا مروريا في العراق أودى ـ خلال 2022 ـ بحياة 3021 شخصا وحده. وهذه حجة مثيرة تدفع للتفكير بمزيد من السلامة (8). وعند النظر إلى عدد الضحايا، يتجلى البعد الاجتماعي أيضا: فحوالي ثلث الحوادث دهس اي ان المصابين هم من المشاة أو من راكبي الدراجات. يعني من الأشخاص الذين لا يشكلون أي تهديد بأنفسهم مع ذلك يصبحون ضحايا حاجتهم لحركتهم. وبغض النظر عن "مسألة الذنب"، فإن هذا التهديد الذي تشكله حركة مرور السيارات الآلية لم يعد من الممكن قبوله.
ان الحق في السلامة الجسدية حق مشروع للجميع، وبشكل خاص ينطبق هذا على أولئك الذين لا يعرضون أي شخص للخطر، وهم بالدرجة الأولى المشاة، ويجب ان يكون الهدف تحقيق "صفر وفيات" في حركة المرور. إن الخطر الهائل طويل المدى الذي يتعرض له الأشخاص على الطريق دون أي خطأ يرتكب من جانبهم يجب أن ينتهي؛ فحماية الأضعف هو معيار السلامة على الطرق! ولتحقيق هذه الغاية، يجب ضمان تطبيق القواعد والقوانين الحالية بحزم في جميع أنحاء البلاد، ويجب معاقبة المخالفين الذين يركنون مركباتهم في مناطق حظر وقوف السيارات (مثل مداخل المستشفيات وغلق حارات الطوارئ وعرقلة حركة المواطنين في الاماكن العامة وغير ذلك) ومخالفي الانعطاف واتجاه السير والسرعة العالية والحالة التقنية للمركبة. وينبغي أيضا التعبير عن عدم التسامح مطلقا في تشديد التحذيرات والغرامات، والتي ظلت حتى الآن غير فعالة نسبيا بحسب المعايير الدولية. ولضمان عدم إضعاف الثقة في امن نظام النقل، يجب زيادة تواجد وحضور قوات الأمن. وتحتاج مكاتب الشرطة واجهزة النظام العام إلى تجهيزات وتنسيق أفضل لأنشطتها في حركة المرور الثابتة والمتحركة حتى يمكن منع الانتهاكات والمخالفات ومعاقبة مرتكبيها بشكل أكثر فعالية (مطلوب أيضا المزيد من الموظفين). وبشكل عام، يحتاج المجتمع إلى أن يصبح أكثر وعيا بأن المخالفات المرورية هي انتهاكات خطرة للقواعد التي لن يتم التسامح معها.
كما ان الأمن والسلامة مسألة تتعلق بحالة الطرق والبنية التحتية أيضا، لذلك يجب وضع حد للحالة الإنشائية والهيكلية السيئة للطرق والجسور والسكك ومواقف محطات النقل واشارات المرور في جميع أنظمة النقل. ومن أجل تحقيق نتائج سريعة نحو استراتيجية "صفر وفيات"، من الضروري أيضا إعادة تنظيم مناطق المرور. وبشكل خاص حماية اكثر لحركة الدراجات وحركة المشاة من خلال ممرات منفصلة، ويجب تنفيذ تطوير واجراء تحسينات على إشارات المرور للمشاة بما يتناسب مع الخبر العالمية المتراكمة في هذا المجال؛ ومن المطلوب فرض حدود سرعة أكثر وضوحا وصرامة (في المدينة وعلى الطرق الريفية والطرق السريعة). وتعد السلامة الموضوعية والذاتية من القضايا المركزية عند استخدام وسائل النقل العام. ولذا فهناك حاجة إلى عدد من التدابير لتحسين السلامة في المركبات وفي المرافق (محطات الانتظار والركوب)، ويمكن للحلول الهيكلية والمراقبة بالفيديو أن تدعم ذلك.
تطبيق سياسة النقل العادلة اجتماعيا على جميع مستويات الدولة
لا يمكن تنفيذ سياسة النقل الاجتماعية بنجاح إلا إذا كانت جميع مستويات الدولة أكثر مشاركة ونشاطا من ذي قبل. فتحتاج الحكومة المركزية والمحافظات والبلديات إلى أدوات تخطيط وتنفيذ متكاملة، الهدف هو منح جميع المجموعات السكانية المحلية الفرصة لإبداء رأيها والمساعدة في تشكيل عملية النقل، وينبغي أن يفهم النقل كوحدة متكاملة شاملة. ويجب مراعاة تأثيرات حركة المرور على الناس والكفاءة الاجتماعية ومسألة السلامة معا. إن بذرات نهج أولي لتطوير قوانين النقل موجودة بالفعل وينبغي مواصلة متابعتها. ومن أجل تلبية هذا المطلب وإعطاء الفرصة على مستوى المحافظات لتنفيذ النقل الاجتماعي، فلا تكفي أدوات التمويل الحالية، ولذلك يجب السعي للتوصل إلى اتفاق اجتماعي يعمل على تمكين تمويل التوسع الهائل في تطوير البنية الأساسية للنقل، ويمكن تمويل تكاليف تشغيل النقل الاجتماعي من خلال الدخل الناتج عن تسعير طرق السيارات ورسوم مواقف السيارات.
ولا يجوز ان نتوقع أن تكون هناك مناقشة سهلة حول هذه القضايا، وستواجه سياسة النقل التقدمية هذه الأسئلة بشجاعة. ولكن علينا الثقة في سياسة نقل مسؤولة وموجهة اجتماعيا. وإذا استطعنا أن ننقل ذلك إلى الناس في بلادنا بمصداقية وبمفاهيم واضحة كمشروع واعد للمستقبل، فإننا سنقنعهم أيضا بالحاجة إلى تمويل وتنفيذ هذه المشاريع.
خلاصة
من الضروري اتباع سياسة نقل ذات توجه اجتماعي وتجاوز فهمها كمجال تنفيذي بعيد عن احقاق العدالة بين فئات وطبقات المجتمع المختلفة، وان لا تقتصر هذه السياسة على المطالبات بأجور مناسبة لوسائل النقل العام أو بشكل أعم فقط بالمطالبة بتوفيرها كخدمة عامة.
فسياسة النقل لا تؤثر فقط على انتاج الغازات الضارة والبيئة الطبيعية، بل ايضا على توفير العدالة الاجتماعية وديمومة البيئة المعيشية للسكان.
كما وان هناك تأثيرا متبادلا بين سياسة الاسكان وسياسة النقل، فينبغي الاشارة الى وجوب تكيف سياسة الاسكان حسب سياسة النقل وليس العكس.
وعلى سياسة النقل الاجتماعية تحقيق موثوقية عالية في وسائل النقل المتاحة وتوفر إمكانية معرفة حركتها لجميع الأشخاص في المجتمع، فمن الضروري خلق ترابط متوازن بين مختلف أنظمة النقل حتى يتمكن الجميع من الوصول إلى وجهتهم بشكل أسرع وبجودة أفضل وبشكل يمكن المواطن من التخطيط لمسار نشاطه. ومن خلال توفير النقل المنتظم للجميع، ويجب ان ينطبق هذا على حركة النقل على جميع مكونات النقل التي يقدمها المجتمع.
كما يجب توفير السلامة والامن في التنقل كحق للجميع، وينطبق هذا بشكل خاص على أولئك الذين لا يعرضون أي شخص للخطر، وهم بالدرجة الاولى المشاة، ويجب ان يكون الهدف تحقيق "صفر وفيات" في حركة المرور. ان معيار السلامة هو حماية الأضعف! ولتحقيق هذه الغاية، يجب ضمان تطبيق القوانين والقواعد الحالية في جميع أنحاء البلاد، ويجب فرض عقوبات على المخالفين لقواعد حظر وقوف السيارات الذين يعرقلون سلاسة حركة المواطنين ومخالفي الانعطاف والسرعة العالية، وينبغي أيضا التعبير عن عدم التسامح مطلقا في تشديد التحذيرات والغرامات، والتي ظلت حتى الآن غير فعالة نسبيا وفقا للمعايير الدولية. ولضمان عدم إضعاف الثقة في امن نظام النقل، يجب زيادة تواجد قوات الأمن.
ولا يمكن تنفيذ سياسة النقل الاجتماعي بنجاح إلا إذا شاركت جميع مستويات الدولة بنشاط وبشكل أكبر من ذي قبل. ولهذا تحتاج الحكومة المركزية والمحافظات والبلديات إلى أدوات تخطيط وتنفيذ متكاملة، يكون الهدف فيها هو منح جميع المجموعات السكانية المحلية الفرصة لإبداء رأيها والمساعدة في صياغة سياسة النقل وإجراءاتها العملية، وينبغي أن يتم فهم النقل كوحدة متكاملة شاملة.
 
 المصادر
(1) Sack D.; Straßheim H.; Zimmermann K., Renaissance der Verkehrspolitik; Politik- und mobilitätswissenschaftliche Perspektiven, 1. Auflage, Wiesbaden /Berlin, Verlag: Springer Fachmedien, 2023.
(2) Schwedes O., Verkehrspolitik; Eine interdisziplinäre Einführung, 2. Auflage, Wiesbaden /Berlin, Verlag: Springer Fachmedien, 2018.
(3) Stopher P.; Stanley J., Introduction to Transport Policy: A Public Policy View, 1st Edition, Cheltenham, Edward Elgar Pub, 2014.
(4) رعد موسى الجبوري، "دراسة إلى المنادين بزيادة السرعة وتيسير اقتناء السيارات، البحرين تحتل المرتبة الرابعة عالميا من حيث ضحايا حوادث المرور"، صحيفة اخبار الخليج، 15 ابريل 2017.
(5) Daubitz S., Aberle C., Schwedes O., Gertz C.; Mobilität und soziale Exklusion; erste Auflage, Berlin, LIT Verlag,
(6) Schwedes O., Verkehr im Kapitalismus, Bielefeld, Transcript Verlag, , 2021.
(7) Sander H., Die Berliner Verkehrswende; Der Auto- Zur Mobilitätsgerechten Stadt, Berlin, Rosa-Luxemburg-Stiftung, 2020.