أيار 03
                                                                              
    يستخدم مصطلح الهندسة الوراثية بشكل عام للإشارة إلى تقنيات توليف الحمض النووي، والتي نشأت من الأبحاث الأساسية في علم الوراثة الميكروبية. أدت التقنيات المستخدمة في الهندسة الوراثية إلى إنتاج منتجات ذات أهمية طبية، بما في ذلك الأنسولين البشري وهرمون النمو البشري ولقاح التهاب الكبد B، فضلاً عن تطوير كائنات معدلة وراثيًا مثل النباتات المقاومة للأمراض. كما أشار مصطلح الهندسة الوراثية في البداية إلى التقنيات المختلفة المستخدمة لتعديل أو معالجة الكائنات الحية من خلال عمليات الوراثة والتكاثر. على هذا النحو، فإن المصطلح احتضن كلاً من الانتقاء الاصطناعي وجميع تدخلات التقنيات الطبية الحيوية، من بينها التلقيح الاصطناعي، والتخصيب في المختبر (على سبيل المثال، أطفال "أنبوبة الاختبار")، والاستنساخ، والتلاعب الجيني. لكن، في الجزء الأخير من القرن العشرين، جاء المصطلح للإشارة بشكل أكثر تحديدًا إلى استنساخ الجينات وتعديلها، حيث يتم دمج جزيئات الحمض النووي من مصدرين أو أكثر إما داخل الخلايا أو في المختبر ثم يتم دمجها بعد ذلك وإدخالها في الكائنات الحية المضيفة بحيث تكون قادرة على التكاثر فيها.
 
تعديل الجينات
ظهرت إمكانية تقنيات توليف الحمض النووي مع اكتشاف إنزيمات التقييد في عام 1968 ثم تبعت بتقنية سميت بالإنزيمات المقيدة من النوع الثاني، والتي وُجد أنها ضرورية للهندسة الوراثية لقدرتها على شق موقع معين داخل الحمض النووي (على عكس إنزيمات التقييد من النوع الأول، والتي تشق الحمض النووي) في مواقع عشوائية. بالاعتماد على هذه التقنيات تم تطوير تقنية إعادة تركيب الحمض النووي في 1970–1971 وأظهر أن إنزيمات النوع الثاني يمكن أن تكون مفيدة في الدراسات الجينية. بدأ علماء الكيمياء الحيوية باستخدام الهندسة الوراثية القائمة على إعادة التركيب في عام 1973، وهذه كانت البوادر الأولى لتقطيع الحمض النووي إلى أجزاء وإعادة ترتيبها. لقد تم استخدام هذا النوع من الحمض النووي الجديد في الجينات الجديدة في بكتيريا الإشريكية القولونية E. coli bacteria .
كانت أعمال فرانسيس كريك وجيمس واتسون وروزاليند فرانكلين وغيرهم، ممن فتحوا الشفرة الأساسية للحياة، مادة للخيال العلمي. فهل ستستخدم أعمالهم في هندسة مستقبل غريب جدا على ما نحن فيه؟
لقد كشف العلماء الذين يقومون بالبحث الأساسي عن آليات الحياة منذ عقود وابتكروا أدوات لتعديل الجينات الفردية مثل ما يعرف بـالتكرارات المتناوبة القصيرة المتجمعة والمتباعدة بانتظام كرسبر  Clustered Regularly Interspaced Short Palindromic Repeats  وهي أداة قوية للغاية لتعديل الجينات في أي كائن حي على ما يبدو، بما في ذلك البشر. لكن كرسبر هي واحدة من تلك الثورات حيث أصبح ما يعتقده الباحثون بأنه ما كان من الممكن إن يكون في الأفق البعيد متاح؛ أصبح الآن متوفر بشكل مفاجئ.
مثلا؛ نشر في 17 من أذار لهذا العام في مجلة الطب التجريبي  Journal of Experimental Medicineعن معالجة التهاب الشبكية الصباغي جينيا (1)، وهو أحد الأسباب الرئيسية للعمى لدى البشر. في هذه الدراسة الحديثة، استخدم الباحثون تعديل الجينات كرسبر لاستعادة فقدان البصر لدى الفئران المصابة بهذه الحالة؛ ويقول الخبراء إن تعديل الجينات بتقنية كرسبر يبشر بالخير لاستخدامه لتصحيح فقدان البصر لدى البشر. كما يمكن للتعديلات الجينية، على سبيل المثال اليوم، من علاج الأمراض الوراثية، كما يتم اختبارها ضد السرطانات وفيروس نقص المناعة البشرية. ويمكن أيضا أن تستخدم لجعل المحاصيل أكثر مقاومة للجفاف أو تمكن النباتات من أن تكون أكثر إنتاجا.
ومن الأمثلة الأخرى:
  • قد تساعد "الدوائر الجينية" القابلة لإعادة برمجة النباتات في النهاية على التكيف مع التغير المناخي (2).
  • الثورة الأخيرة في الذكاء الاصطناعي (AI) وفرت أملاً جديداً. في دراسة نشرت في 20 شباط| فبراير 2020 في مجلة الخلية Cell(3) استخدم علماء من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد "التعلم العميق" لاكتشاف مضادات حيوية جديدة.
  • تصميم تطبيق مواعدة، استنادًا إلى مطابقة الجينات لتلافي الأمراض الوراثية (4).
  • دراسة أسماك صخور أعماق البحار، التي تعيش حتى 200 عام (5)، والتي تلقي الضوء على الجينات المرتبطة بطول العمر. يمكن أن تساعد هذه الجينات في العثور على أهداف دوائية لإبطاء الأضرار المرتبطة بالعمر في جسم الإنسان.
  • نزلات البرد يمكن أن تكون شيئا من الماضي، حيث اكتشف العلماء طريقة "لإعاقة" الشفرة الجينية لنزلات البرد (6).
  • أنتج العلماء عث معدل وراثيا لكبح مشاكل آفات زراعية عالمية تكلف المزارعين مليارات من الدولارات (7).
  • خلق العلماء خلايا جذعية داخل جسم الفئران المختبرية للمرة الأولى، في دراسة تاريخية تبين أنه قد يكون من الممكن في يوم واحد زراعة الأعضاء البشرية عن طريق إصلاح الأضرار في الموقع دون الحاجة إلى عمليات جراحية (8).
  • عمل الجيش الأمريكي على تطوير نباتات معدلة وراثيا لغرض التجسس في بيئات "غير مناسبة لأجهزة الاستشعار التقليدية" (9).
الواقع القائم والمستقبل
إن تعديل الجينات يتيح لنا التحكم في تطورنا. ولكن هل سنستخدمها بحكمة؟  خصوصا قد تستخدم في تغيير مواصفاتنا البشرية؛ من الصنف البشري الحالي الى نوع اخر يختلف بيولوجيا عما نحن عليه الآن!
ربما نحن بعيدون عن تصميم أطفال حسب الطلب ليكونوا أكثر ذكاءً أو الأكثر إبداعا في الحياة بشكل عام. على الأقل الآن، هناك الكثير من عدم المعرفة حول وجهة هذه التكنولوجيا المثيرة للغاية.
أين يجب أن نرسم الحدود التي لا نجرؤ على تجاوزها؟ يعرف الباحثون الملهمون بأن الأسئلة الأخلاقية التي تطرحها هذه التكنولوجيا لا تتعلق بهم. لقد قدم لنا العلم الأدوات، لكن لم يقدم الإجابات.
إن ما نشر مؤخرا عبر وسائل الإعلام عن علاج جيني لطفلة، بكلفة ثلاثة ملايين جنيه إسترليني (حوالي خمسة ملايين دولار)، تكفلت به مؤسسة الرعاية الصحية البريطانية NHS، يؤشر الى أهمية ديمومة ورعاية مثل هذه المؤسسات العامة لخدماتها الإنسانية؛ وأن مثل هكذا علاجات يجب أن تتوفر للجميع عبر اتفاقات دولية او مؤسسات عالمية غير ربحية أو أية صيغة أخرى تسمح بتوفيرها للبلدان منخفضة الدخل؛ لأن كلفتها خارج إمكانيات هذه الدول، ناهيك عن المؤسسات العامة الموجودة في هذه البلدان.
الجيل الجديد من المعالجات الإلكترونية ودمجها في جسم الإنسان
إن تواصلنا المباشر مع العالم الخارجي يتم من خلال حواسنا. يمكننا الوصول إلى مواد العالم المادي ولمسها. لكن حاسة اللمس هذه ليست تجربة مباشرة. على الرغم من أن اللمس يحدث في الأصابع، إلا أن كل هذا يحدث في الواقع في مركز التحكم في المهام وهو الدماغ. إنه نفس الشيء عبر جميع التجارب الحسية. الرؤية لا تحدث في العينين. السمع لا يحدث في الأذنين. الرائحة لا تحدث في الأنف، كل التجارب الحسية تحدث في عواصف من النشاط داخل مادة الحوسبة والمعالجة وهو الدماغ.
لا يستطيع الدماغ الوصول إلى العالم الخارجي. إنه مغلق داخل حاوية مظلمة صامتة في الجمجمة، لم يختبر الدماغ العالم الخارجي بشكل مباشر أبدًا، ولن يحدث ذلك أبدًا. بدلاً من ذلك، هناك طريقة واحدة فقط تدخل بها المعلومات إلى الدماغ. تعمل الأعضاء الحسية - العينان والأذنان والأنف والفم والجلد - كمترجمين فوريين. يكتشفون طاقمًا متنوعًا من مصادر المعلومات (بما في ذلك الفوتونات وموجات ضغط الهواء والتركيزات الجزيئية والضغط والملمس ودرجة الحرارة) ويترجمونها إلى العملة المشتركة للدماغ: الإشارات الكهروكيميائية.
تندفع هذه الإشارات الكهروكيميائية عبر شبكات كثيفة من الخلايا العصبية، وهي خلايا الإشارات الرئيسية في الدماغ. هناك مئة مليار خلية عصبية في دماغ الإنسان، وكل خلية عصبية ترسل عشرات أو مئات النبضات الكهربائية إلى آلاف الخلايا العصبية الأخرى في كل ثانية من حياتنا.
تُترجم الإشارات من البيئة الخارجية إلى إشارات كهروكيميائية تحملها خلايا الدماغ. إنها الخطوة الأولى التي يتفاعل بها الدماغ مع المعلومات من العالم خارج الجسم. حيث تقوم العين بتحويل الفوتونات إلى إشارات كهربائية، وتعمل آليات الأذن الداخلية على تحويل الاهتزازات الموجودة في كثافة الهواء إلى إشارات كهربائية. كما تقوم المستقبلات الموجودة على الجلد، وكذلك داخل الجسم، بتحويل الضغط والتمدد ودرجات الحرارة والمواد الكيميائية الضارة إلى إشارات كهربائية. ويحول الأنف جزيئات الرائحة، وأخيرا يحول اللسان جزيئات الذوق إلى إشارات كهربائية.
ذلك يشير الى أن هذه الحواس، يجب أن تترجم هذه المظاهر الفيزيائية إلى عملة مشتركة قبل إجراء ردود فعل ذات مغزى. وأحد الألغاز التي لم يتم حلها في علم الأعصاب يعرف باسم "مشكلة التشكيل": كيف يمكن للدماغ إنتاج صورة واحدة وموحدة للعالم، بالنظر إلى أن الرؤية تتم معالجتها في منطقة، والسمع في منطقة أخرى، واللمس في منطقة ثالثة، وما إلى ذلك؟ في حين أن المشكلة لا تزال دون حل، فإن العملة المشتركة بين الخلايا العصبية - بالإضافة إلى ترابطها الهائل - تعد بأن تكون في قلب الحل.
 
شرائح معالجات الكترونية
هذا هو المبدأ التي عملت به الشركات الاحتكارية منذ عام 2016، والتي تهدف الى زرع شريحة معالج الكتروني مدمج في جمجمة الإنسان. بعد سنوات من الاختبارات على الحيوانات، في 25 مايس/مايو 2023، حصلت إحدى هذه الشركات أخيرًا على موافقة إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية (FDA) لأول تجربة إكلينيكية بشرية لها.
لقد أمضت هذه الشركات أكثر من نصف عقد في اكتشاف كيفية ترجمة الإشارات الداخلة الى الدماغ من الحواس، والخارجة منه إلى مخرجات رقمية - تخيل أن تكون قادرًا على تحريك مؤشر أو إرسال رسالة نصية أو كتابة معالج كلمات بمجرد التفكير به.
في حين ينصب التركيز الأولي على حالات الاستخدام الطبي (مثل مساعدة الأشخاص المصابين بالشلل على التواصل)، تطمح هذه الشركات إلى استخدام معالجات إلكترونية، لوضع ما يعادل "Fitbit" (منتج لمتابعة نشاط الجسم على هيئة ساعة يدوية) في جمجمتك. لكنه، أيضا، يسعى "إلى زيادة الذكاء البشري بجانب الاستخدامات الطبية المحتملة للرابط، من خلال إنشاء اتصال عند الطلب مع أنظمة الذكاء الاصطناعي - مما يسمح، على سبيل المثال، بتحسين الإدراك من خلال الذاكرة المحسنة، وتحسين مهارات التعلم وحل المشكلات" (10).
هذه الشركات التي تعمل على واجهات الدماغ والحواسيب أو الأنظمة لتسهيل الاتصال المباشر بين العقول البشرية وأجهزة الحواسيب الخارجية تستخدم رابط الحاسوب بالدماغ (BCIs) Brain Computer Interface أو تسمى أحيانا رابط الآلة بالدماغ Brain Machine Interface (BMI) أو الدماغ الذكي  Smartbrain وهي مسار اتصال مباشر بين النشاط الكهربائي للدماغ والأجهزة خارجه لاستعادة الحواس المفقودة والتحكم في الأطراف الصناعية.
في حين أن هذه التقنيات لا تزال في مهدها، إلا أنها كانت موجودة لفترة كافية للباحثين لتكوين فكرة متزايدة عن كيفية تفاعل الغرسات العصبية مع عقولنا.
إنّ التدخل في العمليات الدقيقة للعقل البشري هو عمل شاق، والتأثيرات ليست دائما مرغوبة أو مقصودة. يمكن أن يشعر الأشخاص الذين يستخدمون رابط الحاسوب بالدماغ بإحساس عميق بالاعتماد على الأجهزة، أو كما لو أن إحساسهم بأنفسهم قد تغير. قبل أن نصل إلى النقطة التي يصطف فيها الناس للحصول على هاتف ذكي مزروع في عقولهم، من المهم أن نتعامل مع مخاطرها الأخلاقية الفريدة، وان لا يتم التركيز على صناعة مليارات الدولارات من الخيال العلمي.
هناك أكثر من 200000 شخص حول العالم يستخدمون بالفعل نوعا من رابط الحاسوب بالدماغ، ومعظمها لأسباب طبية. ولعل أشهر حالات الاستخدام هي غرسات القوقعة الصناعية، والتي تمكن الصم من السمع إلى حد ما.
حالة استخدام بارزة أخرى هي الوقاية من نوبات الصرع: يمكن للأجهزة الموجودة مراقبة نشاط إشارات الدماغ للتنبؤ بالنوبات وتحذير الشخص حتى يتمكن من تجنب أنشطة معينة أو تناول الأدوية الوقائية. اقترح بعض الباحثين أنظمة لا تكتشف النوبات فحسب، بل تمنعها من خلال التحفيز الكهربائي.
أدت التحسينات الأخيرة في الذكاء الاصطناعي ومواد الفحص العصبي إلى جعل الأجهزة أقل توغلاً وأكثر قابلية للتوسع، الأمر الذي اجتذب بطبيعة الحال موجة من التمويل الخاص والعسكري. تعد شركات البارادروميكس Paradromics وبلاك روك نيوروتيك Blackrock Neurotech وسنكرون Synchron مجرد عدد قليل من الشركات المتنافسة التي تعمل على ابتكار أجهزة لمعالجة الأشخاص المصابين بالشلل.
في أيلول/سبتمبر 2022، حصلت شركة ماجنوس الطبية  Magnus Medical على موافقة من إدارة الغذاء والدواء الامريكية لإجراء علاج موجه لتحفيز الدماغ لمقاومة اضطراب الاكتئاب الشديد، وفي نوفمبر الماضي، كشفت شركة ناشئة تدعى العلوم Sciences عن مفهوم لواجهة كهربية حيوية للمساعدة في علاج العمى.
قدرت شركة جراند فيو للأبحاث  Grand View Research لاستخبارات السوق العالمي بأن زراعة الشرائح في الدماغ تقدر بـ 4.9 مليار دولار أمريكي في عام 2021، وتوقعت شركات أخرى أن الرقم يمكن أن يتضاعف بحلول عام 2030.
في الوقت الحالي، تم تقييد رابط الحاسوب بالدماغ في المجال الطبي، ولكن تم اقتراح مجموعة واسعة من الاستخدامات غير الطبية لهذه التكنولوجيا. وصف البحث المنشور في 2018(11) المشاركين الذين يستخدمون رابط الحاسوب بالدماغ للتفاعل مع العديد من التطبيقات على أجهزة الجوال المحمول الذي يستخدم نظام أندرويد، مثل الطباعة والمراسلة والبحث في الويب من خلال تخيل الأعمال المطلوبة ذات الصلة. كما هناك المزيد من التطبيقات التخمينية مثل ممارسة ألعاب الفيديو أو التلاعب بالواقع الافتراضي أو حتى تلقي مدخلات البيانات مثل الرسائل النصية أو مقاطع الفيديو مباشرة، متجاوزةً الحاجة إلى شاشة.
قد تبدو هذه مثل الخيال العلمي، ولكن الحقيقة هي أننا وصلنا إلى نقطة حيث بدأت الحواجز الثقافية والأخلاقية لهذا النوع من التكنولوجيا تتفوق على الحواجز التقنية.
لكن ليست كل التغييرات التي وجدها الباحثون مفيدة. في المقابلات مع الأشخاص الذين خضعوا لمؤشرات رابط الحاسوب بالدماغ، حذر المتخصصون في أخلاقيات الأعصاب التطبيقية من بعض التأثيرات الغريبة. حيث أشاروا الى: "مفاهيم الشخصية، والهوية، والفاعلية، والأصالة، والاستقلالية، والذات - هذه أبعاد مدمجة وغامضة ومبهمة للغاية. لا يوجد توافق حقًا على ما يقصد بها من معاني، ولكن هناك حالات من الواضح فيها أن رابط الحاسوب بالدماغ قد أحدث تغييرات في الشخصية"(12).
عبر العديد من الدراسات، لاحظوا بأن المرضى أبلغوا عن مشاعر عدم التعرف إلى أنفسهم، أو ما يشار إليه عادة باسم "القطيعة" في البحوث. و"إنهم يعرفون أنهم هم أنفسهم، لكن الأمر ليس كما كان قبل الزرع"(12). أعرب البعض عن شعورهم بامتلاك قدرات جديدة لا علاقة لها بما تم زرعه.
في حين أن بعض الاغتراب يمكن أن يكون مفيدا - إذا أدى إلى شعور صحي باحترام الذات، على سبيل المثال - فإن الحالات السلبية، المعروفة باسم الاغتراب المتدهور، يمكن أن تؤدي إلى محاولات للانتحار.
بالنسبة للأشخاص الذين يستخدمون رابط الحاسوب بالدماغ للمساعدة في وجود قيود طبية كبيرة، فمن المنطقي أن يكون للعلاج تأثير نفسي إيجابي. ولكن عندما يتعلق الأمر بالتفكير في استخدام رقائق الدماغ للاستخدام الشائع، فهناك الكثير من القلق بشأن الجوانب السلبية.
في بعض الأحيان، يمكن للمريض الاعتماد كثيرًا على أجهزته بحيث يشعر أنه لا يمكنه العمل بدونها. فمثلا إن قسما من المشاركين في الدراسة، عانوا من الاكتئاب عند فقدانهم دعم أجهزتهم وإزالتها، وغالبا ما يكون السبب هو انتهاء فترة التجربة المعينة أو نفاد التمويل.
يزداد هذا النوع من الاعتماد تعقيدا بسبب حقيقة أن رابط الحاسوب بالدماغ يصعب دعمها ماليًا والحفاظ عليها، وغالبا ما تتطلب جراحة دماغية لإزالتها وإعادة زرعها. نظرًا لأن رابط الحاسوب بالدماغ لا تزال إلى حد كبير في المرحلة التجريبية، فهناك نقص في المعايير العالمية أو الدعم المالي المستقر، والعديد من الأجهزة معرضة لخطر فقدان التمويل بشكل مفاجئ. يمكن للمتبنين الأوائل أن يضطرب إحساسهم بالذات بسبب مشكلات سلسلة التوريد أو تحديثات الأجهزة أو إفلاس الشركات الموردة.
يمكن لأي شخص أن يتعلم الكثير من خلال دراسة موجات دماغك، وإذا تمكن أحد المتطفلين من الوصول إلى بياناتك، فيمكنه قراءة عقلك، بمعنى ما، من خلال البحث عن تعبيرات محددة لنشاط إشارات الدماغ.
في حين أننا ما زلنا بعيدين عن المستقبل الذي تكون فيه العقول مترابطة إلكترونيًا، فإن النمو المتسارع للصناعة يزيد من إلحاح الاعتبارات الأخلاقية التي كانت مقيدة في السابق بالخيال العلمي. إذا كانت شريحة الدماغ قادرة على تغيير الأجزاء الرئيسية من شخصيتك، فلا ينبغي للشركات أن تتسرع في وضعها في أذهان الناس. خصوصا وان التطور الخارق في المعالجات الالكترونية المبنية على اللكونتوم يقترب من نهايات إنجازه؛ وما قد يوفر ذلك من قدرات حوسبة خارقة، توفر إمكانيات لذكاء اصطناعي لا يمكن حتى مقارنتها بالقدرات الحالية للذكاء البايولوجي البشري
 
لمن تتوفر هذه التقنيات؟
 
يلاحظ من المخطط أعلاه بإن تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتعديل الجيني، والمعالجات الالكترونية التي تصمم على أساس هذه التقنيات؛ إذا ما استخدمت ودمجت في جسم الإنسان فإنها ستوفر إمكانيات بيولوجية خارقة غير مألوفة وجديدة بالكامل على القدرات البيولوجية الطبيعية عند البشر. كما إن استخدامها هو خارج التطور الطبيعي مما سينتج عنه بشر يختلفون عنا كما اختلافنا عن الشمبانزي.
كما إن هذه التقنيات، نتيجة كلفها الخرافية، متوفرة إلى طبقة اجتماعية من خارقي الثراء دون سواهم. 
ما يوصي به المتخصصون
أننا بحاجة إلى الحفاظ على إعادة تأكيد أهمية الناس وتنوع تجاربنا الحية في محادثاتنا حول التكنولوجيا والمستقبل. فمن السهل الحصول على إغراءات من الإمكانات الجديدة والعجائب الموعودة. هناك الكثير من الضجيج وليس الكثير من النقاش الذي يمكن قياسه. لذلك حان الوقت لإجراء نقاشات حول مستقبلنا الرقمي والبشري الممكن، وعن العالم الذي قد نرغب في تحقيقه معا، وما هي الإجراءات التي يمكننا اتخاذها، فرديا وجماعيا؟
سوف نحتاج إلى ممارسين جدد لترويض وإدارة العالم الرقمي الناشئ من البيانات، مع تلك التي تنظم تلك البيانات وتحكمها. وبدلا من مجرد تعديل الاختصاصات القائمة، نحتاج إلى تطوير مجموعة جديدة من الأسئلة ووجهات النظر الحرجة، والعمل على إيجاد كيفية نقل إنسانيتنا في سياق هذا العالم الرقمي الذي تحركه البيانات والذي يتطلب النقاشات عبر التخصصات المختلفة.
نحن بحاجة إلى الاستثمار في النقاشات الصعبة التي تعالج الأخلاق والقيم والفلسفة الثقافية الكامنة وراء هذه التكنولوجيا الرقمية الجديدة في الحياة عموما. لدينا قدر كبير من القلق بشأن مستقبلنا ودور التكنولوجيا فيه. نحن نتحمّل مسؤولية للتحدث أكثر عن الدقة في درجات الاختلاف.
السؤال هنا؛ كيف سيتم التعبير عن إنسانيتنا في عالم تشكله الخوارزميات التي ليس لدينا أي رأي فيها، ولا يوجد لدينا أية بصيرة عنها؟ هل ينبغي أن تكون هناك مساءلة وشفافية وانفتاح؟ وإذا كان الأمر كذلك، لمن؟ وكيف نبين ذلك؟
هل نريد، كما يقال، أن "نكون أو لا نكون" في هذا العالم الذكي الجديد الذي يعتمد على البيانات، والسريع والمرتبط ببعضه البعض، أو مجرد أن نكون مستعمرات أخرى مع بعض الامتيازات لإمبراطورية تجارية عابرة للوطنية؟ بطبيعة الحال، فإنها ليست بهذه البساطة، ولا ينبغي أن تكون كذلك. لكن الخوارزميات والعالم الذي يرتكز على البيانات والذي يساعد على بنائها، هي بالأساس مظاهر لقيم ثقافية ومنطق نشأ في أماكن ذات سياقات خاصة جدا بها. في حين أنه ومن المؤكد أنه في العديد من بلدان العالم هناك حاليا نقاش قوي حول من سيحدد مجموعة قيمنا، أنه من الآمن القول بأننا قد نرغب في زرع قيمنا في العالم الرقمي القائم على البيانات. هذه القيم تشمل أشياء مثل الإنصاف، والمساوات، والعدالة الاجتماعية لمجتمع مدني. في الواقع، لكنها لم تخل من تحدياتها التي تشمل التنظيم والرقابة والمساءلة، ولا تزال هناك أسئلة مفتوحة حول نمذجة القيم.
لا يزال بإمكاننا تشكيل عالم مزدهر، وجعله مكانا يعكس إنسانيتنا وثقافاتنا واهتمامنا. لقد فعلنا ذلك من قبل، ويمكننا أن نفعل ذلك مرة أخرى. وهو يتطلب أن نخوض نقاشات حول دور التكنولوجيا في مجتمعنا، وعن الطريقة التي نريد أن نسير بها كإنسانيين في العالم الرقمي. إن علينا التزاما أخلاقيا بأن نفعل ذلك، من أجل تشكيل عالم يمكننا جميعا أن نعيش فيه.
لا يزال بإمكاننا تنظيم هذه التقنيات الجديدة، لكن يجب علينا التصرف بسرعة. في حين أن الأسلحة النووية لا تستطيع اختراع أسلحة نووية أكثر قوة، لكن يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصنع ذكاءً اصطناعيًا أقوى بشكل كبير. تتمثل الخطوة الحاسمة الأولى في المطالبة بفحوصات أمان صارمة قبل طرح أدوات تقنية قوية في المجال العام. مثلما لا تستطيع شركة الأدوية إطلاق عقاقير جديدة قبل اختبار آثارها الجانبية قصيرة المدى وطويلة المدى، لذلك لا ينبغي لشركات التكنولوجيا إطلاق أدوات تقنياتها الجديدة قبل أن تصبح آمنة. نحتاج إلى ما يعادل إدارة الغذاء والدواء لتكنولوجيا جديدة، ونحتاجها منذ الأمس حتى قبل الآن.
من شأن عمليات النشر غير المنظمة للتقنيات الجديدة أن تخلق فوضى اجتماعية، الأمر الذي من شأنه أن يفيد المستبدين ويدمر مجتمعاتنا. عندما يخترق الذكاء الاصطناعي اللغة، يمكن أن يدمر قدراتنا على إجراء محادثات هادفة، وبالتالي تدمير واقعنا.
لقد واجهنا للتو ذكاءً غريبا هنا على الأرض. لا نعرف الكثير عنه إلا أنه قد يدمر حضارتنا. يجب أن نوقف النشر غير المسؤول لأدوات الذكاء الاصطناعي في المجال العام وأن ننظم الذكاء الاصطناعي قبل أن ينظمنا. وأول تنظيم هو جعل الذكاء الاصطناعي أن يفصح، إلزاميًا، عن أنه ذكاء اصطناعي. إذا كنت تجري محادثة مع شخص ما، ولا يمكنك معرفة ما إذا كان هذا الشخص إنسانًا أم ذكاءً اصطناعيا – فهذه هي نهاية لنا.
 
المصادر
1- How CRISPR Gene Editing May Help Reverse Vision Loss. Eileen Bailey, March 17, 2023, www.healthline.com.
12- https://www.businessinsider.com/brain-chips-elon-musk-neuralink-change-personality-behavior-computer-tech-2023-2?r