أيار 14
 
يعّد كل ماحدث من تغيير ثوري في صبيحة 14 تموز 1958، تواصلاً مثمراً لمسار كفاحي إجترحته أجيال من العراقيين منذ ولادة الدولة العراقية الحديثة، وأعظم إنعطافة في تاريخ البلاد المعاصر، حققت لها ولأول مرة، الإستقلال وحررتها من التبعية للإمبريالية العالمية، ووحّدت مكوناتها الاجتماعية ومنحتها هوية وطنية جامعة، ووفرت الشروط السياسية والإقتصادية والقانونية لتفعيل دور الطبقة الوسطى والعمال والفلاحين وجموع الكادحين في إدارة وتطوير البلاد، وسعت لتحطيم العلاقات ما قبل الرأسمالية، وصيانة الثروة الوطنية، وإجراء تغيير حقيقي في عمليات توزيع هذه الثروة، بما يؤمن قدراً أفضل من العدالة الاجتماعية.
ورغم ما حظيت به منجزات حكومة الثورة من تغطية جيدة نسبياً من الدراسات والأبحاث، فإن الكم الهائل لما قيل في مديحها، او القدح فيها والذي يتصاعد في هذا الزمن الرديء، يتطلب توسيع الإهتمام، ليس بالمنجزات السياسية والإقتصادية الكبيرة التي حققتها فحسب، بل وأيضاً في التفاصيل التي تركت آثاراً متباينة على مختلف جوانب تطور البلاد وحتى اليوم، وأحدثت تغييراً كمياً، ظهرت بعض تأثيراته النوعية بعد زمن طويل.
ولعل من أبرز المنجزات الاجتماعية للثورة، تبنيها، ومنذ انتصارها الباهر، مهام تغيير الواقع العراقي جذرياً وتحسين حياة الناس ولاسيما الكادحين منهم، وتوفير الخدمات الأساسية كالسكن والصحة والتعليم لهم، خاصة مع ما كانوا يعانون منه من حرمان وتمييز بشع خلال العهد الملكي.
ويأتي التطور غير المسبوق الذي شهده ميدان التربية والتعليم في البلاد، في مقدمة تلك المنجزات الاجتماعية. ويمكن تقسيم العوامل التي حققت هذا التطور في مجموعتين مترابطتين:
 
أولاً/ العوامل غير المباشرة
يؤكد عالم الإجتماع الفرنسي المتوفى عام 1917، إميل دوركهايم، أن قدرة المجتمع على العيش تشترط وجود درجة من التجانس بين أفراده، والذي يلعب التعليم دوراً رئيسياً في تحقيقه وإدامته، وبالتالي تأمين ما يحتاجه المجتمع من تضامن (1). ويرجع الفيلسوف الفرنسي لويس التوسير، المتوفى عام 1990، طبيعة النظام التعليمي المتبع الى البنية التحتية السائدة، وهو يعكس بذلك علاقات الإنتاج ويخدم مصالح الطبقة المهيمنة، من خلال إعادة تأهيل قوة العمل اللازمة وضمان خضوعها، عبر وعي طبقي معين، لعلاقات الإنتاج السائدة من جهة، وإعادة إستنساخ أيديولوجية الطبقة الحاكمة من جهة مكملة (2).
وعموماً، تشير العديد من الدراسات الى وجود خمس منظومات رئيسية فاعلة في أي نظام اجتماعي، حيث يعتمد تقدم هذا النظام على تناغم نشاط هذه المنظومات معاً، وهي المنظومة العائلية والثقافية والإدارة الإقتصادية والتعليمية والسياسية. وفي الوقت الذي تخدم فيه كل منظومة، المجتمع بأسره، يتوقف أداؤها تماما على مدى تفاعل باقي المنظومات معها.
وتأسيساً على ذلك، أشارت أغلب الدراسات الى أن لبيئة الطفل تأثيرا حاسما على درجة تعلمه وإهتمامه بالتعليم وتعلقه بمدرسته. وقد وُجد أن أغلب الطلبة الذين حصلوا على الشهادات الجامعية، مولودون في عوائل صغيرة، كان للوالدين وقت كاف للاهتمام بهم، أو في عوائل قادرة على تأمين نفقات الدراسة ولها بيوت صالحة للسكن، أو عوائل تمكّن أحد الوالدين أو كلاهما من إكمال تعليمه العالي. كما وُجد أن غياب المساواة بشكل تام أو شبه تام في المجتمع، يلغي وجود أي تكافؤ في الفرص التعليمية. وأعني بالمساواة، توزيع عادل، بدرجة ما، للثروة، وخضوع متشابه للقانون، وضمان معقول للكرامة الإنسانية. ففي ظل العولمة المتوحشة، حيث يعيش مليار انسان في ظلام الامية ويفتقد ثلاثة أضعافهم حتى الماء الصالح للشرب، وحيث تمارس الأنظمة الرأسمالية، تمييزاً عنصرياً بشعاً ضد الملونين والمهاجرين والنساء والمختلفين مع الأغلبية السائدة في الدين أو القومية أو الطائفة، تتحدد الفرص التعليمية للأطفال على ضوء قرارات المؤسسات الطبقية الحاكمة، والدخل الذي يتوفر للطبقة التي ينحدر منها الطفل، ومجموعة القيم التي تسود حسب الأيديولوجيا الحاكمة، الى جانب موقف العائلة من تعليمه (3).
وبالتالي يمكن الاستنتاج بأن العوامل غير المباشرة، مثل الأمان الأسري (الذي يضمنه دخل وسكن وخدمات مناسبة) والأمن المجتمعي (استقرار سياسي وتضامن اجتماعي مناسبان)، لا تحسّن من الأداء التعليمي للطفل فحسب، بل وأيضاً في درجة تفاعل الأسرة الإيجابي مع هذا الأداء. وأن هناك علاقة تفاعل متبادلة بين المنظومتين التعليمية والإقتصادية، بحيث تضمن الثانية تقدم الأولى، قبل أن يستثمر هذا التقدم في تطوير المنظومة الثانية نفسها (4).
إن القاء نظرة سريعة على واقع التعليم في العهد الملكي، توضح لنا التخلف الكبير الذي كانت تعاني منه المنظومة التعليمية سواءً في ضعف الإستراتيجية التربوية والتمسك الدوغمائي بالأطر التقليدية المتخلفة، أم في إغراق المناهج بكل ما يعيق التحرر والإبداع، أم في الإنحياز الطبقي لعموم العملية التربوية. كما عانت هذه العملية من ضعف التخصيصات المالية ونقص الكوادر التعليمية المتخصصة وندرة المدارس الحديثة، لاسيما في المدن والقصبات، وإنعدامها تقريباً في الريف، وتواصل الإشراف البريطاني على التعليم، وعجز أغلبية الناس عن توفير نفقات الدراسة، وسيادة الأمية بينهم لدرجة وصلت الى أكثر من 90 % (5).
ومنذ البدء أدركت حكومة 14 تموز، أبعاد هذه اللوحة المعقدة، فعمدت الى وضع الركيزة الأهم لقيام دولة مدنية ديمقراطية في العراق، من خلال سلسلة من الإجراءات العملية والتغييرات السياسية والقانونية، إضافة الى منجزها على طريق تحرير الاقتصاد الوطني من التخلف والتبعية. وقد ساهمت هذه الركيزة في تأمين العديد من العوامل غير المباشرة، لتحقيق تقدم مضطرد في الخدمات التعليمية عبر ما يأتي:
  1. توفير الأمن المجتمعي
  • أدى إشراك ممثلي كل المكونات الإجتماعية في إدارة الدولة، الى تعزيز إهتمام الجميع بالمستقبل، وأوجد ثقة متينة نسبياً بالحكومة لدى المواطنين، وخلق كل ما يزيد من إنشداد الناس، وخاصة الشبيبة منهم، للتقدم الحضاري.
  • كان لإنصاف المرأة العراقية وتفعيل دورها الاجتماعي والإقتصادي، ورفع الحيف عن النساء ودمجهن في النشاط العام للمجتمع، على أساس أول قانون تقدمي وحضاري لضمان المساواة بين الجنسين (قانون رقم 188 لسنة 1959)، أكبر الأثر في تعزيز اهتمام النساء بالتعليم.
  • أدى الاعتراف بشراكة العرب والكرد في الوطن، والاهتمام الذي حظيت به كردستان في سنوات الثورة الأولى، الى فتح الأبواب واسعة في الإقليم، فكنست شمس التعليم ظلام عقود من العزلة، لاسيما في الأقضية والنواحي الكردستانية.
  • كان لتبني سياسة تعميم المشاريع على معظم المدن والقصبات العراقية، أثر مهم في خلق درجة من التضامن بين العراقيين، حلّ محل المنافسة والفرقة جراء الشعور بالحيف وبالتمييز القومي والطائفي.
  • أدى ضمان الحكومة، لاسيما في عامها الأول، حرية الفكر والإبداع والاعتقاد والنشاط الاجتماعي، وانحيازها لقيم التقدم العلمي والتنظيم المناسب للعلاقة بين الدولة والدين، ومحاربتها للنزعات العنصرية والتعصب الديني والطائفي والإثني، ودعمها لقيام العشرات من المنظمات الجماهيرية والجمعيات والنقابات، التي عملت على تعبئة الجماهير وجذبها الى العمل من أجل الحرية ولقمة العيش، الى حدوث تحول ديمقراطي مناسب، سياسياً واجتماعيا، ما حقق أماناً مجتمعياً ملحوظاً لدى مختلف الطبقات الاجتماعية. كما لعبت الطبقة الوسطى، التي زادت اعدادها بنسبة قاربت 100 % ، دوراً، وإن كان محدوداً، في تأمين الظروف السياسية الاجتماعية للتحول الديمقراطي (6).
  1. توفير الأمن الأسري
  • في الوقت الذي شكّل فيه الفلاحون %70 من سكان البلاد، أحدثت الثورة إنقلاباً شاملاً في حياة الريف، من خلال تغيير الملكية الزراعية للأرض باصدار قانون الاصلاح الزراعي المرقم 30 لسنة 1958، ودمج سكانه في النشاط الإقتصادي والسياسي، والغاء نظام دعاوى العشائر في 27 تموز 1958، وإضعاف سلطة الاقطاعيين وشيوخ العشائر وكبار ملاكي المدن بشكل تام، ورفع المستوى الصحي في الريف، وتقليل الفروق بينه وبين المدينة، وتزويد سكانه بالمعارف العامة من خلال منظمات المجتمع المدني والجمعيات الفلاحية، ما أدى بمجمله الى تغيير حياة الفلاحين بشكل كامل، وجذبهم الى ساحات التعليم طواعية وعن وعي متنام.
  • شرعت الثورة بتنمية إقتصادية ذات جوهر إنساني، فسُنّت قوانين جديدة للضرائب، تخفف نسبياً عن كاهل الكادحين وتمكّن الدولة من تقديم الخدمات للناس وتقليل الفوارق الطبقية وتحقيق شيء من التكافل الإجتماعي، والذي ضمّن بدوره زيادة الأجور بنسبة 52 % ورفع مداخيل الناس وخاصة شغيلة المدن بأكثر من الارتفاعات في الاسعار، وإصدار قانون الضمان الاجتماعي المرقم 27 لسنة 1960، وتشييد أحياء الفقراء في مدينتي الشعلة والثورة، وتخفيض أجور المساكن والمحلات الصغيرة (قانون رقم 6 لعام 1958)، الأمر الذي وفّر أماناً أسرياً عاماً، كان مفتقداً، ما ساعد الناس على الإهتمام بتعليم أبنائهم (7) .
  • غيّرت الثورة مواقع العمال ايجابيا بشكل كبير، فحددت ساعات العمل بثماني ساعات، ووضعت حداً ادنى للاجور، وشيّدت مساكن للشغيلة والزمت اصحاب المصانع ببناء دور للعمال (حسب القانون رقم 84 لسنة 1958)، وأطلقت حرية التنظيم النقابي والمهني، واقامت صندوقاً لتقاعد الموظفين والمستخدمين. وكان لهذه التغييرات تأثيرات هامة على شعبية التعليم وإنشداد العمال والشغيلة وأبنائهم لمتطلباته.
 
ثانياً/ العوامل المباشرة
لقد أدركت الثورة حاجة البلاد المتخلفة الى تنمية عاجلة في الطاقات البشرية، بإعتبار ذلك القاعدة الراسخة لأية تنمية مستدامة في المجتمع والإقتصاد. ولإدراكها بأن التعليم هو الرافعة الأبرز لتنمية مختلف جوانب حياة الناس، والإستثمار الأنجع لمستقبل مضيء، عمدت الحكومة الى زيادة حصة التعليم من الميزانية السنوية وأنشأت المدارس والمعاهد والجامعة، واعدت اجيالاً من المعلمين واطلقت الحرية للفكر التربوي، بحيث بلغت أعداد المدارس والمعاهد العلمية والطلبة والمعلمين خلال أربع سنوات ونصف، ضعف ما حققه النظام الملكي خلال أربعة عقود.
وإدراكاً منها للعلاقة التفاعلية بين مخرجات التعليم وبين مضامين المناهج ومدى توافقها مع ذهنية التلاميذ وحاجات المجتمع، ومستوى فعالية المعلمين المرتكز على إلمامهم بالمناهج وإمتلاكهم لتقنية التعليم والقدرة على إيصال المعارف وقوة الشخصية، تم تغيير المناهج وطرق التدريس، وإستبدال الأساليب الإنضباطية المتخلفة بأساليب ترتكز على طرق التربية الحديثة التي تتسق مع مستوى تطور المجتمع العراقي.
وابتدأ العمل بزيادة حصة التعليم في ميزانية عام الثورة الاول ليصل الى 20 % أي بزيادة قدرها 163 % (من 6.5 مليون دينار الى 16.8 مليون دينار)، خصصت ثلاثة ملايين منها لبناء المدارس. وحافظت حصة التعليم من الميزانية العامة للدولة، على مستواها هذا في جميع سنوات الثورة (20 % ، 21 % ، 21 % ، 23 % )، لتصل نفقات التعليم الى أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل الثورة (حوالي 23.7 مليون دينار). كما اصدرت الحكومة في ايلول من عام 1959 قانوناً جديداً للمعارف برقم 57، واستبدلت اسم وزارة المعارف بوزارة التربية والتعليم، قبل أن تستعيد الوزارة اسمها الأول بعد فترة وجيزة. وشهدت بغداد في عام 1960 المؤتمر الاول للتربية، وذلك لوضع إستراتيجيات تطوير التعليم في العراق ومعالجة مشاكله، سواءً في تحسين كفاءة المعلمين والمدرسين وتنشيط عمل الإدارات والمشرفين التربويين، وترميم المدارس وتحديث المناهج وغيرها، وتم إقرار إلزامية التعليم وتشجيع الشباب على الالتحاق بصفوف المدارس.
وشمل اهتمام الحكومة الخاص بتنمية وتطوير التعليم بمراحله الابتدائية والمتوسطة والثانوية، زيادة أعداد المدارس بنسبة 34 % وعدد الطلبة بنسبة 44 % وعدد المدرسين بنسبة 63 % . وبذلت جهود كبيرة لمعالجة مشكلة النقص في الكوادر التدريسية، حيث تحقق نجاح مهم في هذا المجال، تمثل بزيادة عدد المعلمين من 430 ألف معلم عام 1958 الى 991 ألف معلم عام 1962. وفي الوقت الذي سجلت فيه الزيادة السكانية نموا بحدود 3 % خلال الفترة 1958 – 1963، زادت نسبة المتعلمين بنحو 5 % والحاصلين على الشهادة الابتدائية بنسبة 4 % وعلى الشهادة الثانوية بنسبة 10 % والشهادة الجامعية بنسبة 11 % ، كما زاد عدد المتخرجين من القسم العلمي بنسبة 195 % ومن القسم الأدبي بنسبة 96 % . وبنيت العديد من الأقسام الداخلية في بغداد والمحافظات، وتحققت زيادة قدرها 28 % في المساكن الخاصة بالطلبة خلال سنتين من عمر الثورة.
وأقرت حكومة الثورة نظام توزيع التغذية المدرسية على مختلف الطلبة، لاسيما في المدارس الابتدائية وتقديم افضل الوجبات الصحية وبالتعاون مع منظمة اليونيسف، من الحليب واقراص زيت السمك، فضلاً عن الاهتمام بالصحة المدرسية، وتأليف اللجان الخاصة بذلك، وقد شُمل نحو 320871 طالباً بنظام التغذية المدرسية للعام الدراسي 1958، واستمر العمل بهذا النظام حتى شباط الأسود عام 1963.
كما استلزم تنفيذ الحكومة لمجموعة من مشاريع التنمية الزراعية على ضوء قانون الاصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958، والصناعية على ضوء قانون التنمية الصناعية رقم 30 لسنة 1961 وبرنامج الخطة الخمسية الصادر عام 1961 والذي خصص 28 % منها للتصنيع، والنفطية على ضوء قانون رقم 80 لسنة 1961، استلزم تحقيق تطور كبير، ليس في التعليم الأساسي والعالي فحسب، بل وكذلك في التعليم المهني الذي يرتبط إرتباطاً وثيقاً مع نمو القطاعات الإقتصادية المختلفة: الزراعي والصناعي والتجاري والنفطي. وعملت حكومة الثورة على معالجة الاهمال الذي اصاب التعليم المهني عبر توسيع المدارس المهنية لاسيما الصناعية والزراعية.
وفي اطار الاتفاقية المعقودة بين العراق والاتحاد السوفيتي، جرى بناء 10 مدارس مهنية، لاستيعاب 4000 طالب، وتجهيزها بما تحتاجه من ادوات ومعدات ومناهج دراسية، فضلاً عن تدريب الكوادر العراقية للتدريس في تلك المدارس الجديدة. كما خُصص بين 11 و15 % من ميزانية وزارة المعارف للتعليم المهني، الذي زادت تخصيصاته عام 1963 عن 23 % قياساً بالعام الأول للثورة. وتم عقد اتفاقية ثقافية مع مصر من اجل تطوير التعليم المهني بكل فروعه.
كما استحدثت مديريات خاصة بالتعليم المهني، كمديرية التعليم الصناعي، ومديرية التعليم الزراعي، ومديرية التعليم التجاري، ومديرية تعليم الفنون البيتية الخاص بالنساء، وتم الحاقها بوزارة المعارف، فيما صدر قانون خاص بالتعليم المهني، برقم 11 لعام 1960 والذي ينظم شؤون المدارس المهنية. كما افتتحت 16 ثانوية خاصة بالفنون البيتية تخرجت منها 3413 طالبة مؤهلة لإدارة هذا الميدان.
لقد طهّرت حكومة الثورة جامعة بغداد من كل ما كان يعرقل انطلاقتها كصرح علمي متين، وأصدرت قانونها الأساسي، وعهدت رئاستها الى العالم الفيزياوي عبد الجبار عبد الله، ومكنته من إدارتها بما يضمن استقلالها الاكاديمي وفكرها الحر وقدرتها على تربية سليمة وتدريس مثمر وبحث علمي متطور. وحقق ذلك ثماره في زيادة عدد الطلبة المقبولين من 5128 الى 13136 طالبا خلال الفترة 1958 1963، فيما زاد عدد الطلبة المتخرجين خلال هذه السنوات الخمس بنسبة 300 % وبلوغ عدد التدريسيين 530. (8)
وأسست حكومة الثورة لتعاون جاد مع الدول الصديقة من أجل تطوير التعليم في العراق وتبادل الخبرات الفنية والعلمية، كالإتفاقيات الثنائية مع المانيا الديمقراطية وبولونيا والاتحاد السوفيتي وجيكوسلوفاكيا والصين ويوغسلافيا وهنغاريا. كما وقعت اتفاقيتين للتعاون الثقافي مع الاتحاد السوفيتي ومنغوليا. وتم تشكيل لجنة عليا لتنظيم البعثات الدراسية الى خارج البلاد، برئاسة وزير المعارف وعضوية ممثلي الوزارات المختلفة، وذلك للاستفادة من هذه البعثات بما يخدم مشاريع التنمية، وكان أن ابتعثت الحكومة 509 طلاب للدراسة في الخارج في عام الثورة الأول و3040 مبتعثاً في عامها الثاني، مقابل بلوغ عدد البعثات 1635 بعثة خلال 37 عاماً من الحكم الملكي(9).
 
 
الهوامش:
  1. محمد إعويش، إميل دوركايم والمقاربة الوظيفية في علم الاجتماع التربوي، دراسات تربوية، 2016.
  2. وليم لويش، لويس التوسير، ترجمة مروان محمد ومحمد رضا، مجلة الحكمة، 2019.
  3. راجع: أشرف الغنام، الأمن الإجتماعي، مركز البحوث المصرية 2010، وسمير سعيد أبو ركبة/ العولمة والعلاقات الدولية الراهنة/ دنيا الوطن/ 20-01-2011.
  4. دراسة للكاتب، في علم التربية خاصة بطلبة الدراسات العليا من العوائل المهاجرة، نشرت بالسويدية من قبل جامعة العلوم الزراعية في السويد 2016.
  5. حنا بطاطو، العراق، الكتاب الأول، مؤسسة الابحاث العربية، 1999.
  6. حنا بطاطو، العراق، الكتاب الثالث، مؤسسة الابحاث العربية، 1999.
  7. المصدر السابق.
  8. تم الإعتماد في المعطيات المذكورة في هذه الفقرات، على عقيل الناصري، مجلة “الثقافة الجديدة”، العدد 345، لسنة 2011. علي إسماعيل السنافي، التعليم العالي في العراق، التأسيس والتطور، جامعة ذي قار 2012. حيدر عبد الكريم الكردي، الجمهورية العراقية الاولى 1958 - 1963- دراسة تاريخية، دار نينوى للنشر، دمشق، 2011. ومحمد حديد، مذكراتي، دار الساقي 2006.
  9. علي إسماعيل السنافي، التعليم العالي في العراق، التأسيس والتطور، جامعة ذي قار، 2012.
*************