أيار 18
 
الموقع ومصادر المياه:
تقع الانبار غرب العراق، وهي أكبر محافظاته من حيث المساحة، حيث تشكل ما يقارب ثلث مساحة العراق. تحدها من الشمال محافظتا صلاح الدين ونينوى، ومن الشرق والجنوب الشرقي بغداد وكربلاء والنجف. بينما تحدها المملكة العربية السعودية من الجنوب. ومن الغرب دولة الاردن ومن الشمال الغربي سوريا. تضم حدودها (الهضبة الغربية) والتي يصل ارتفاعها في اقصى غرب الانبار الى ما يقارب 900م فوق سطح البحر(1).
 تمتاز الانبار بتنوع تضاريسها، وهي في الغالب صحاري جرداء او اراضي صخرية وتلال. كما تشق أراضيها الكثير من الوديان التي تصب في مجرى نهر الفرات. وأقيمت العديد من السدود على مجرى نهر الفرات وتفرعاته وكذلك على الوديان الكبيرة، وذلك لخزن وتنظيم حركة الماء بين نهر الفرات والخزانات والفروع. مثل سد حديثة الذي يقع في قضاء حديثة، والذي تصل الطاقة الخزنية لبحيرته الى 8 مليار متر مكعب. وبحيرة الحبانية التي تخزن المياه الفائضة من نهر الفرات عبر ناظم الورار، بسعة خزنية تقدر بحوالي 3 مليار متر مكعب. ويتم تصريف المياه منها الى نهر الفرات مرة اخرى عند الحاجة عبر ناظم سن الذبان القريب من مدينة الحبانية. وهناك أيضا بحيرة الثرثار التي تقع الى شمال محافظة الانبار وهي منخفض مشترك بينها وبين محافظة صلاح الدين، والتي تعتبر أكبر منخفض مائي في العراق حيث تبلغ سعتها الخزنية حوالي 85 مليار متر مكعب. وهي أساسا تخزن مياه نهر دجلة الفائضة عند مدينة سامراء، وقد تم تطوير البحيرة لترتبط مع نهر الفرات وبالامكان تغذية نهري دجلة والفرات من هذه البحيرة عند الحاجة. وهناك سدود اخرى منتشرة في المحافظة، تستخدم لخزن وتنظيم حركة مياه الانهار والبحيرات والوديان مثل سدة الرمادي، والورار، وسدة الفلوجة، وسدة الثرثار، وهذه السدود تتحكم بتوجيه مياه الفرات الى البحيرات وفروع نهر الفرات، اضافة الى سدود صغيرة تخزن المياه في وادي حوران قرب مدينة الرطبة.
ان نهر الفرات وفرعه الورار وذراع دجلة ونهر الصقلاوية تشكل المصدر الرئيسي لمياه سقي المزروعات في المحافظة. وهي تشكل منظومة لا بأس بها لو استغلت بشكل علمي لأعطت انتاجا زراعيا كبيرا.
لكون الاراضي الزراعية في الكثير من مناطق حوض الفرات مرتفعة عن مستوى النهر (الواقعة بين هيت وعنة)، فقد ابتكر الانسان الانباري القديم آلة الناعور لغرض سقي المحاصيل التي تقوم برفع الماء من النهر الى الاراضي الزراعية المجاورة.
واضافة الى ما ذكر اعلاه  تنتشر على ارض المحافظة واحات عديدة أنشئت قرب ينابيع مياه جوفية او ابار قديمة تشتهر بانتاج التمر ومحصولي الحنطة والشعير ومحاصيل العلف وبعض الخضراوات والمحاصيل الاخرى التي يحتاجها سكان تلك الواحات، واهم هذه الواحات واحة كبيسة التي توجد فيها عيون للمياه الجوفية تستخدم لسقي بساتين النخيل وواحة المعمورة قرب هيت وهناك واحات اخرى في عمق الصحراء مثل الرطبة والنخيب والهبارية التي اقيمت قرب ابار جوفية إضافة الى الكثير من الابار المنتشرة في المحافظة، تستخدم للزراعة ولسقي الماشية التي تتواجد في صحراء الانبار الواسعة، وكثير من هذه الابار تم حفرها من قبل الدولة، يسحب الماء منها بواسطة مضخات ديزل نصبت لهذا الغرض.
تختزن محافظة الانبار كمية كبيرة جدا من المياه الجوفية، بالإضافة الى خزين ثابت "هائل" الحجم من المياه الجوفية في المكامن الجيولوجية، يحتاج الى دراسات متخصصة لمعرفة مدى صلاحيتها للاستخدام الزراعي. ان اسـتغلال المیـاه الجوفیـة في صحراء الانبار مـا زال محـدودا وعند الشروع باستثماره يجب ان يكون بطريقة علمية مدروسة تحافظ على هذا الخزين من العبث والهدر باشراف دوائر الموارد المائية ودوائر الزراعة في المحافظة، لان التبذير بهذه المياه تبذير بثروة وطنية مهمة جدا(2).
 
أراضي المحافظة:
 ان اغلب اراضي محافظة الانبار كما ذكرنا أعلاه، عبارة عن صحراء جرداء بسبب وقوعها ضمن المنطقة الجافة، وبفعل عمليات التعرية الريحية والمائية التي تحدث في هذه المناطق. ورغم ذلك نجد مساحات في تلك الصحراء تضم تربا صالحة للزراعة في اماكن ضيقة تسمى الفيضات. وهي عبارة عن اراضي منخفضة تتجمع فيها الاطيان على اعماق قد تصل الى نصف متر وأكثر قليلا، نتيجة لانجراف التربة بواسطة الرياح ومياه الامطار من المناطق القريبة المرتفعة نسبيا لتترسب في هذه المنخفضات. وعلى الرغم من ان التربة الصحراوية تتميز بقلة المادة العضوية او انعدامها نتيجة تحللها بواسطة الحرارة التي تصل في بعض الفصول الى أكثر من 50 درجة مئوية صيفا، لكن قد تتوفر في الفيضات نسب محدودة من المادة العضوية المتكونة من تحلل الاعشاب التي تنبت فيها بكثافة.
على العموم لا تجد الأراضي الصحراوية مصادر المياه الكافية، وهي ان توافرت لا تكفي للاستخدام الزراعي الثابت والكثيف. والمساحات التي تستخدم فيها الزراعة الديمية بالاعتماد على مواسم الامطار، هي الاخرى غير مضمونة بسبب الموقع الجغرافي للمحافظة، ومناخها الذي یمكن وصفه بانه منـاخ صـحراوي جـاف حيث تتراوح كمية الامطار السنوية بين99.5 ملم في النخيب و147 في حديثة، مع ملاحظة ان القيمة المطرية قليلة الى حد كبير(3).
عموما، تتواجد الاراضي الصالحة للزراعة في المحافظة في شريط ضيق، يمتد بمحاذاة ضفتي نهر الفرات يبدأ من مدينة القائم وحتى مدينة هيت والتي عندها يبدأ السهل الرسوبي ممتدا الى الشرق وجنوب المحافظة ثم الى بقية المحافظات العراقية. حيث تتوسع مساحات الاراضي الصالحة للزراعة لتمتد الى عشرات الكيلومترات بعيدا عن النهر. تتميز تربة المحافظة في هاتين المنطقتين (الاراضي القريبة من النهر وفي السهل الممتد من هيت الى جنوب المحافظة) بخصوبتها نتيجة لطمرها بمياه النهر اثناء الفيضان في الاعوام التي يفيض فيه نهر الفرات رغم انحسار هذه الظاهرة بعد انشاء السدود المائية. 
وقد اشارت اخر احصائيات مديرية زراعة الانبار لعام 2021 الى وجود 5.763.549 دونم صالحة للزراعة في عموم المحافظة. بينما هناك 6.423.105 دونم غير صالحة للزراعة. علما ان نفس الإحصائية اشارت الى ان مساحة المحافظة الكلية 55.878.800 دونم. وللمزيد حول المساحات الصالحة وغير الصالحة للأراضي الزراعية في المحافظة لعام 2021 موزعة حسب الشعب الزراعية الاثنتين والعشرين. لاحظ الجدول رقم (1) في ادناه(4).
وحسب مؤشرات الخطط الزراعية للمواسم الشتوية يظهر ان هناك توسعا في استغلال الاراضي منذ عام 2000 ولغاية عام 2020 كما يوضح الجدول رقم (2)(5).
 
الزراعة:
الحنطة والشعير
تعد الحنطة والشعير من أقدم المحاصيل التي زرعها الانسان في محافظة الانبار. فهذان المحصولان مع بعض المحاصيل الاخرى التي يحتاجها في غذائه او كمواد علفية لحيواناته التي تعلم تدجينها وتربيتها. وبالإضافة الى استخدامه الزراعة المروية لزراعة الحنطة والشعير في الاراضي التي تقع قرب مصادر المياه، فإنه استخدم أيضا الزراعة الديمية. ولكن بسبب الموقع الجغرافي للمنطقة وشحة الامطار، فان انتاج الحنطة والشعير بالزراعة الديمية كان متذبذباً.
 ومع زيادة عدد السكان والحاجة الى الغذاء، توسعت الاراضي المزروعة بالحنطة والشعير في المحافظة، وازدادت انتاجية الدونم. رغم ان هذه الزيادة غير مستقرة ومتذبذبة بين سنة واخرى لظروف واسباب عديدة أهمها: العامل السياسي وتأثير فترات الحروب والحصار والاحتلال الامريكي بعد 2003 ومن ثم صفحات عدم الاستقرار الامني التي شهدتها المحافظة، اخرها سقوط اغلب المدن بأيدي ما يسمى داعش، وهجرة اغلب السكان، تاركين بساتينهم واراضيهم. والعامل الاخر هو المناخ وتذبذب كمية الامطار المتساقطة، وانخفاض مستوى مياه نهر الفرات، وسوء ادارة الارض وعوامل اخرى سنذكرها لاحقا.
كما ان المساحات المزروعة بمحصول الحنطة قبل 2003 كانت قليلة نتيجة حروب الخليج وتجنيد اغلب الرجال في هذه المعارك، ثم ظروف الحصار الاقتصادي الذي فرض على الشعب العراقي، بعد غزو النظام السابق لدولة الكويت. ويبين الجدول رقم (3) المساحات المزروعة بمحصول الحنطة للفترة من 1990 وحتى 2020(6).
 
 
 اما بالنسبة للخطة المرسومة من قبل مديرية الزراعة لزراعة محصولي الحنطة والشعير في المحافظة لعام 2021 - 2022 فيوضحها الجدول رقم (4)(7).
علما ان تقارير الجهاز المركزي للإحصاء تشير الى زراعة 281.034 دونم فقط لعام 2021 في عموم محافظة الانبار، وبإنتاجية (متوسط الغلة) للمساحة المحصودة 769.6 طن/ دونم. حيث ان المساحة المحصودة كانت 263.455 دونم فقط(8). وقد انعكس على كمية انتاج الحنطة التي وصلت في عام 2021 حسب ذات الاحصائية الى 202.754 طنا. وهي تشكل ما نسبته 4.8% من انتاج العراق بالنسبة لمحصول الحنطة. مع ملاحظة ان بعض مزارعي محافظة الانبار الذين تمت مقابلتهم من قبل الكاتب، أكدوا انهم توصلوا الى انتاج 1600 طن من الحنطة للدونم الواحد عام 2021.
على الرغم من هذا المستوى في انتاج محصول الحنطة، والغلة العالية للدونم نسبة للأعوام الماضية: إلا ان اي انتاجية الدونم الواحد ما زالت منخفضة عن مثيلاتها في بعض المحافظات مثل محافظة بابل والتي وصلت الى 891.9، وكربلاء 991. علما ان اعلى غلة للدونم الواحد في محافظة الانبار لم تتجاوز 660.9 طن/ الدونم في عام 2020 حسب الجهاز المركزي للإحصاء، اي بفارق يصل الى حوالي 33%. مع ملاحظة ان هذه الإحصائية، لم تشمل جميع أراضي المحافظة(9).
وهي غلة منخفضة مقارنة بمثيلاتها في دول الجوار، حيث وصلت غلة الدونم عام 2007 في السعودية الى 1405كغم/ دونم، والى 1600 كغم/ دونم في مصر. اما في هولندا فتشير المعلومات الى انتاج 2000كغم / للدونم الواحد، كما موضح بالجدول رقم (5)(10).
 
 
أما بالنسبة لمحصول الشعير فإن تقارير الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2021 تشير الى زراعة 17.049 دونم فقط لعام 2021 في عموم محافظة الانبار، وبإنتاجية (متوسط الغلة) للمساحة المحصودة 516.8 طن/ دونم؛ حيث ان المساحة المحصودة كانت 263.455 دونما فقط. وقد انعكس هذا أيضا على كمية انتاج الشعير التي وصلت في عام 2021 حسب ذات الاحصائية الى 6.988 طنا. وهي تشكل ما نسبته 2.6% من انتاج العراق بالنسبة لمحصول الحنطة.
ان الاحصائيات السابقة تؤشر على الرغم من قلة عددهم ومحدودية المساحات المزروعة، امكانية زيادة غلة الدونم الواحد، إذا ما اتخذت بعض الاجراءات من قبل الدوائر الحكومية والمزارعين والفلاحين الاخرين. ومن بينها:
  • استخدام بذور مطورة وراثيا لها القدرة على انتاج غلة عالية أكثر من الأصناف الحالية المستخدمة من قبل اغلب الفلاحين. وهذا يفرض على وزارة الزراعة ان تجد الاسلوب الامثل في توفير الاصناف ذات الانتاجية العالية وإلزام المزارعين باستخدام تلك الاصناف عن طريق التوعية والدعم المالي وتوفير هذه البذور باسعار مقاربة للأصناف المحلية المستخدمة حاليا.
  • استخدام المكننة الزراعية في عمليات الحراثة والبذار والحصاد.
  • استخدام طرق ري حديثة والابتعاد عن الري السيحي الذي له الاثر السلبي على التربة وعلى نمو المحاصيل.
  • حفر الابار في المناطق التي تنتشر فيها الزراعة الديمية لغرض تعويض نقص مياه الامطار في مواسم الجفاف.
  • اتباع دورات زراعية تمكن التربة من الحفاظ على خصوبتها وانتاجيتها.
  • توفير الاسمدة المناسبة واستخدامها حسب حاجة المحصول والتربة. وهذا يتطلب من وزارة الزراعة ومديرية زراعة الانبار والشعب التابعة لها توفير وايصال الاسمدة الى الحقول وبالاوقات المناسبة وبطرق سهلة وباسعار مدعومة ومتابعة استخدامها من قبل مهندسين مختصين بالارشاد والتربة والمحاصيل الزراعية.
  • اتباع مواقيت زراعية علمية في البذار والري واعطاء السماد لما لها من اهمية كبيرة في زيادة انتاج النبات.
  • مكافحة الامراض والادغال وتوفير الادوية والاليات والمختصين لهذه الاعمال من قبل الدوائر الزراعية.
  • إلزام وزارة التجارة بشراء محصولي الحنطة والشعير من الفلاحين بأسعار مجزية ومعلنة مسبقا قبل موسم الزراعة وتوفير فرص الاقتراض من المصارف الزراعية للراغبين في شراء البذور المحسنة والاسمدة والمكننة الزراعية ومنظومات الري الحديثة.
النخيل
بالإضافة الى محصولي الحنطة والشعير اشتهرت المحافظة بانتشار زراعة نخيل التمر منذ القدم. حيث تنتج المحافظة اصنافا عديدة من التمر اهمها الزهدي والخستاوي والاشرصي. وقد تميزت المحافظة بانتاج اصناف من التمور غير متوفرة في بقية المحافظات اهمها صنف "الخيارة"، الذي عرف اول مرة في قضاء هيت ثم انتشر الى مدن اخرى من المحافظة. وهو صنف يتميز بكبر حجم التمرة وطعمها المميز وقابليتها على الخزن.
ونتيجة لتجريف البساتين الخاصة، التي تقع بالقرب من المدن، فقد تعرضت بساتين النخيل الى خراب ودمار كبيرين. وذلك بسبب النمو السكاني، وتمدد المدن باتجاه البساتين، وظهور ما يعرف بالطابو الزراعي الذي يعني توزيع الاراضي الزراعية الى قطع صغيرة لبناء المساكن. رغم ان اغلب مدن المحافظة لها حدود مع الصحراء ويمكن لدوائر البلدية التوسع باتجاه الصحراء والحفاظ على تلك البساتين من الدمار والزوال.
 في ادناه الجدول رقم (6)، يوضح اصناف التمر المنتشرة في محافظة الانبار واعدادها واصنافها لعام 2020(11):
علما ان مجموع النخيل في المحافظة لعام 2006 كان 655.639 نخلة، وإنتاج 38.849 ومتوسط إنتاجية بلغ 65.0 كغم/ نخلة(12). اما عام 2014 فكان 691.810 نخلة، ومجموع انتاج التمور للعام ذاته كان 44.961 طنا بمعدل انتاج 84 كغم/ نخلة.
ان قراءة سريعة وعامة لهذه الارقام قد تدلل على ان عام 2006 برغم عدد نخيله الاقل ومتوسط انتاجيته الأدنى، الا انه قدم انتاجا اعلى من عام 2020. وكذلك الحال بالنسبة لعام 2014 ذو متوسط الإنتاج العالي، هو أكثر غلة مما هو في عام 2020. وقد يكون السبب ان الكثير من النخيل حديث الإنتاج، وبهذا تكون انتاجية النخلة قليلة ونتوقع العودة الى غلة تقارب 80 كغم/ للنخلة في السنوات القادمة بعد ان يكتمل نضوج الاشجار.
ان زيادة اعداد النخيل الى الضعف خلال عشر سنوات يعطي دليلا على امكانية زيادة العدد الى أكثر من عشرة ملايين نخلة خلال العشرة سنوات القادمة، اذا ما تمت زراعة مساحات من المناطق الصحراوية القريبة من المدن، وعلى جانبي طرق المواصلات التي تربط مدن المحافظة ويمكن الاستفادة من تجربة محافظة كربلاء في هذا المجال، او من حزام النخيل المحيط بمدينة هيت من جهة الصحراء، لا سيما ان النخلة لا تحتاج الى تربة خصبة ولا الى ري مستمر.
 وكذلك، إن استغلال المناطق الصحراوية القريبة من المدن والواحات بزراعة النخيل سوف يحد من انتشار وتوسع ظاهرة التصحر التي بدأت بالتوسع نتيجة التغير المناخي الذي يشهده العراق والعالم.
 
 
شهدت محافظة الانبار بعد عقد الستينات والسبعينات من القرن الماضي، تجربة زراعة محاصيل جديدة لأول مرة. وهي محاصيل: البطاطا وفستق الحقل. وقد اثبتت السنوات الماضية نجاح زراعة هذين المحصولين بشكل مشجع، ما جعل المحافظة تتصدر قائمة انتاجهما، حيث تنتشر زراعة البطاطا في منطقة العامرية والفلوجة ومن ثم انتشرت الى باقي مدن المحافظة مثل راوة والقائم. اما محصول فستق الحقل فيزرع في قضاء هيت وناحية البغدادي.
تزرع البطاطا في المحافظة بعروتين، العروة الخريفية وتنتشر زراعتها في منطقة العامرية ويزرع منها بحدود (50) ألف دونم. اما العروة الربيعية فتزرع في عموم المحافظة بواقع (70) ألف دونم. وقد كان انتاج المحافظة من محصول البطاطا لعام 2010 بحدود 38.750 طن وقد ارتفع في عام 2020 الى ما يقارب 125000 وان غلة الدونم وصلت الى 6500 كغم/ دونم(13).
 وهناك امكانية كبيرة لزيادة المساحة المزروعة وزيادة غلة الدونم بواسطة الدعم الحكومي وتحقيق وتوفير واتخاذ حزمة اجراءات اهمها:
  1. القيام ومن خلال جهة حكومية باستيراد تقاوي البطاطا من مناشئ موثوقة ذات انتاجية عالية وتوزيعها بسعر مدعوم
  2. توفير الاسمدة الملائمة والمدعومة وتوزيعها وايصالها الى الفلاح بأقل الاسعار وأسهل السبل.
  3. استلام الحاصل من الفلاح لضمان عدم تعرضه للخسارة، نتيجة هبوط الاسعار الى اقل من كلفة الانتاج.
  4. توفير المخازن المبردة والسيارات الملائمة.
يعد البصل من المحاصيل القديمة التي تزرع في الانبار، وقد تحول الى محصول تجاري يسد حاجة المحافظة ويسوق الباقي منه الى بقية المحافظات. اضافة الى ما ذكر من محاصيل ستراتيجية تنتشر زراعتها في محافظة الانبار، فان هناك عشرات المحاصيل والفواكه والخضر التي يحتاجها الانسان في استهلاكه اليومي، منتشرة بشكل يسد حاجة السكان المحليين. ويمكن ان يصدر الفائض منها الى المدن والمحافظات المجاورة.
كما انتشرت في الآونة الاخيرة الزراعة المحمية عن طريق البيوت البلاستيكية لتوفير محاصيل الخضر (الطماطم، الخيار، الباذنجان، الشجر) في اوقات غير اوقاتها الطبيعية حيث بلغ عدد البيوت البلاستيكية الموزعة على الفلاحين بحدود (3000) بيت بلاستيكي(14).
لكن بسبب التدمير الذي تعرضت له في فترة سيطرة الجماعات الارهابية على المحافظة وتوقف الكثير منها عن الانتاج وتعرض اصحابها الى خسائر كبيرة، يتطلب من الجهات الحكومية التدخل ووضع الحلول المناسبة من اجل العودة الى الانتاج كما كان، لغرض رفد السوق المحلية والوطنية بما تحتاجه من هذه المحاصيل.
 
أبرز المعوقات
 ما زال القطاع الزراعي في محافظة الانبار يعاني من معوقات كثيرة. لكنها قابلة للحل، وتجاوزها ليس صعبا ولا مستحيلا. وهذه المعوقات قد تكون عامة تشترك مع كل محافظات القطر واخرى محلية تختص بالمحافظة. هذه المعوقات والمشاكل يمكن ادراجها بما يأتي:
  • عدم توفر الحصص المائية الكافية لزراعة كل الاراضي الصالحة للزراعة في المحافظة، مما له تأثير سلبي على كمية الانتاج. بالإضافة الى القيود التي تفرضها وزارة الموارد المائية على الفلاحين الراغبين في حفر الابار في المناطق الصحراوية لغرض التحول من الزراعة الديمية المتذبذبة الى الزراعة الاروائية.
  • ضعف التشريعات الزراعية فيما يخص القوانين والانظمة والتعليمات الخاصة بالقطاع الزراعي وعدم مواكبتها للتطورات العلمية والتقنية والإدارية في العالم.
  • عدم توفر التقاوي والبذور المحسنة المدعومة من قبل الدولة وان وجدت فانها باسعار مرتفعة، لا يستطيع الفلاح الحصول عليها، مما يقلل من غلة المحصول.
  • عدم دفع مستحقات الفلاحين في وقتها، ليمكنهم من مواصلة عملهم الزراعي.
  • شحة الاسمدة والمبيدات وارتفاع اسعارها وصعوبة ايصالها الى حقول الفلاحين.
  • انخفاض حجم التجهيز بالطاقة الكهربائية والوقود المخصص للقرى والمزارع التي تعتمد على الري باستخدام المضخات.
  • ضعف التسويق الزراعي وانخفاض اسعار المنتجات الزراعية في مواسم الوفرة مما يعرض الفلاحين لخسائر كبيرة، لا يمكنه معها من معاودة العمل في مواسم لاحقة.
  • عدم الاهتمام بإنشاء الصناعات التحويلية، لغرض سحب المحاصيل القابلة للتلف السريع في مواسم الوفرة وتحويلها الى منتجات يمكن الاستفادة منها مثل مصانع المعجون قرب مزارع الطماطم. كذلك نشر وتشجيع بعض المهن التحويلية على مستوى الافراد والعوائل مثل صناعة المخللات والطرشي وتعليب وتجفيف محاصيل الباذنجان والبامية، التي يمكن الاحتفاظ بها وتسويقها في مواسم الشحة. وابتكار اساليب تعليب قديمة حديثة للحفاظ على المحاصيل من التلف وعدم اضطرار الفلاح الى بيعها بأسعار غير مجزية.
أفكار ومقترحات لتطوير الواقع الزراعي في محافظة الأنبار
عندما تذكر محافظة الانبار، يتراءى للسامع انها ارض صحراء جرداء، لا نبات فيها ولا حياة، وهي أقرب للربع الخالي. بينما تضم محافظة الانبار اراضي زراعية من أخصب الترب، خاصة تلك القريبة من النهر. وقامت على ارضها مدن وتجمعات سكانية من أقدم التجمعات في العالم (هيت وعنه على سبيل المثال لا الحصر). حيث ابتكرت في هذه التجمعات طرق واساليب العيش واستخدام الارض والماء بالشكل الامثل لآلاف السنين.
صحيح ان اغلب اراضي المحافظة صحراء، لكن هذه الصحراء تضم مساحات زراعية واسعة، يمكن لها ان تنتج نباتات ومحاصيل زراعية كثيرة، إذا ما أحسنت ادارة العملية الزراعية فيها. مثلا: توفير اصناف تتحمل الجفاف ودرجات الحرارة العالية. وهناك تجارب عديدة اثبتت نجاحها في زراعة الارض الصحراوية وانتجت محاصيل واشجار عديدة. لكن اهملت هذه التجارب، وانتهت لأسباب سياسية واجتماعية. ومن أبرز هذه التجارب، تجربة اقامة الواحات الزراعية على طول الخط السريع الواصل بين بغداد والحدود الاردنية والسورية. كانت هذه ناجحة بكثير من المقاييس. حيث اقيمت واحات بين الرمادي والرطبة، قريبة من الخط السريع، وحفرت الابار، وزرعت الارض بأشجار الزيتون وبعض المحاصيل. لكن الواحات اهملت بسبب الحروب المتكررة والحصار.
كما ان هناك تجارب أخرى، بهدف استغلال الصحراء الغربية لأغراض الزراعة، سواء زراعة الحنطة والشعير او محاصيل العلف او حتى الاشجار التي لها القدرة على النمو في ظروف صحراوية جافة. سواء الاشجار المعروفة والتي تتحمل الجفاف مثل النخيل والزيتون، او اشجار الفستق الحلبي، واثبت نجاحه في مثل هذه الظروف.
 بعد عام 2005 - 2008 قامت وزارة الزراعة باقامة واحات على طول الطريق الرابط بين الرمادي والقائم قرب المدن باتجاه الصحراء. ونجحت تلك الواحات واصبحت تضم اشجارا عديدة مثل النخيل والزيتون والفستق الحلبي واليوكالبتوس وغيرها من الانواع حسب المنطقة. وكانت محطات تشع حياة وجمالا وسط بيئة صحراوية قاحلة، وكان لها التأثير الايجابي على المناخ وايقاف التصحر وتقليل التلوث ومناظر مريحة للمسافرين الذين يسلكون هذا الطريق الطويل. لكنها انتهت بعد احتلال العصابات الارهابية لمدن المحافظة وتركت دون عناية طيلة خروج تلك المدن عن سيطرة الحكومة الاتحادية، ولم يعَد العمل فيها الا في عدد قليل وبمبادرات شخصية من بعض الموظفين في الشعب الزراعية.
ويمكن مضاعفة حجم المساحات المزروعة في محافظة الانبار إذا ما تم استصلاح بعض الاراضي وتحويلها من ارض غير منتجة الى ارض زراعية، يمكن استخدامها لزراعة الكثير من المحاصيل وكذلك عبر توفير حصص مائية للكثير من الاراضي الصالحة للزراعة، ولكنها غير مستغلة بسبب عدم توفر الحصص المائية.
وفي هذا السياق، هناك اراضي تقع الى الشمال من نهر الفرات وفي منطقة الجزيرة المحصورة بين بحيرة الثرثار ونهر الفرات، والتي تمتد من مدينة حديثة والى مدينة الخالدية شرق الرمادي عند القناة المائية التي تربط بحيرة الثرثار بنهر الفرات، وتمتد بعدها مع ذراع دجلة الى حدود محافظة بغداد. ان هذه الارض بمساحاتها الشاسعة التي تمتد لمئات الكيلومترات تحوي تربة خصبة صالحة للزراعة، واجواؤها اقل جفافا وحرارة من الصحراء الغربية جنوب الفرات. وهناك مصادر متوفرة للمياه سواء من نهر الفرات او من بحيرة الثرثار او عن طريق حفر الابار. ان هذه المساحات الشاسعة لم تستغل بشكل كامل، الا عن طريق الزراعة الديمية لمساحات صغيرة تكاد لا تذكر. ولو استثمرت هذه الاراضي بمشاريع زراعية كبيرة عن طريق وزارة الزراعة او عن طريق مستثمرين وشركات زراعية محلية او اجنبية، لكان لها دور في سد حاجة السوق العراقية، لكثير من المحاصيل ولامكن ان تكون سلة العراق الغذائي.
ان تجاوز الاساليب التقليدية، واستخدام الاساليب العلمية، والطرق الحديثة المبتكرة في القطاع الزراعي، وتوفير مصادر مياه جديدة، يمكن ان يزيد من مساحات الارض الصالحة للزراعة. كما ويمكننا ذلك من رفع غلة الدونم الواحد الى اضعاف ما ينتجه في الوقت الحاضر. وأبرز المقترحات التي نقدمها لانتشال الواقع الزراعي في محافظة الانبار، تتمثل بـ:
  • استثمار وجود كلية الزراعة ضمن جامعة الانبار باقسامها المختلفة وباحثيها واساتذتها لتجاوز الكثير من المشاكل التي تواجه المزارع الانباري. ووضع الاسس الصحيحة لاستخدامات التربة كي تعطي انتاجا أكثر وغلة اعلى. وتشجيع وتدريب المزارعين على استخدام الاساليب الحديثة في التسميد والوقاية ومكافحة الامراض واختيار أفضل الاصناف المناسبة لمناخ المحافظة واستخدام منظومات الري الحديثة. ويمكن كذلك اقامة قرى ومزارع نموذجية يشرف عليها اساتذة جامعيون بالتعاون مع الكادر الهندسي الزراعي في مديريات زراعة الاقضية والنواحي والمزارعين في القرى المجاورة كي تنفذ على اراضيها الشق العملي للبحوث العلمية المختارة من قبل الكلية.
  • تعزيز ودعم الجمعيات الفلاحية لتأخذ المبادرة في تجاوز المعوقات التي تواجه الفلاح الانباري، عن طريق توفير ما يحتاجه من مستلزمات زراعية حديثة بالتنسيق والتعاون مع مديرية الزراعة والتجار المحليين في مجال توفير البذور المحسنة والتقاوي والاسمدة والمبيدات المرضية باسلوب يمكن الفلاح من شراء هذه المستلزمات وتسديد قيمتها بعد جني الحاصل. ويمكن لهذه الجمعيات ان تساهم في عملية السيطرة على تسويق المحاصيل الزراعية، بعيدا عن المضاربة والكساد اللذين يواجهان الفلاح.
  • اعطاء فرص بالاستثمار الزراعي للشركات المتخصصة والمتكاملة الانتاج، شرط استخدام الايدي العاملة العراقية والتعاقد مع خريجي كلية الزراعة والاعداديات الزراعية في هذا الجانب.
  • إلزام المستثمرين لمعامل الاسمنت والفوسفات والمقالع المختلفة في صحراء الانبار من خلال العقود المبرمة معهم على انشاء احزمة خضراء، حول تلك المعامل والمقالع، تساهم في إيقاف التصحر وتقليل التلوث. وذلك بزراعة اشجار مختلفة تلائم البيئة التي ستزرع فيها مثل النخيل والزيتون.
  • ضرورة وضع حزمة من التشريعات والاجراءات لحماية الزراعة الوطنية ومنع استيراد المحاصيل والخضر التي تنتج محليا.
  • دعم صغار المزارعين بقروض ميسرة لاقامة مشاريعهم الزراعية المختلفة ومتابعتها من قبل دوائر الزراعة ووضع شروط جزائية لمن يستخدم هذه القروض لغير اهدافها ولمدة لا تقل عن خمس سنوات.
  • إيجاد الحلول الناجعة لمشكلة هجرة الفلاحين، والبحث عن أسبابها وآثارها، والعمل على تجاوزها لغرض عكس الهجرة لتصبح من المدن الى الريف عبر حزمة اجراءات مشجعة تجعل العمل الزراعي مربحا وذا مردود اقتصادي، وتقليل الفوارق بين الريف والمدينة. وتشجيع الفلاحين، على العودة إلى أراضيهم، وتعويضهم وتقديم المنح والقروض لهم.
  • تسهيل عملية حفر ابار قرب الاراضي التي تزرع ديما لغرض اعطاء ريات في اوقات حاجة المحصول للمياه، ونبعد المزارعين عن خسائر قد تتكرر لسنوات بسبب طبيعة المنطقة غير المضمونة الامطار.
الهوامش:
(1) لمزيد من المعلومات عن محافظة الانبار انظر:
     - خطار صكار العاني ونوري خليل البرازي، جغرافية العراق، كلية الآداب/ جامعة بغداد، منشورات جامعة بغداد، مطبعة جامعة بغداد، 1979. 
     - الجهاز المركزي للإحصاء - وزارة التخطيط، الموجز الاحصائي لمحافظة الانبار:
(2) للمزيد مم المعلومات حول المياه في الانبار انظر:
     - الأطلس الإحصائي الزراعي - خارطة الطريق للتنمية الزراعية (الاقتصاد الأخضر)، الفصل الخامس: المياه والسدود والخزانات، الجهاز المركزي للإحصاء، وزارة التخطيط، جمهورية العراق،2011.
      - تقرير الموارد المائية لسنة 2015، الجهاز المركزي للإحصاء، وزارة التخطيط، جمهورية العراق.
      - تقرير الموارد المائية لسنة 2020، الجهاز المركزي للإحصاء، وزارة التخطيط، جمهورية العراق.
      - حنان حسين دريول، المياه الجوفية واثرها على النشاط الاقتصادي في محافظة الانبار، مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية، العدد 40، 2017.
(3) طه احمد عبد ألفهداوي، القيمة ألفعلية للمطر في محافظة الانبار وأثرها على النبت الطبيعي، كلية الآداب - جامعة الانبار، حوليات آداب عين شمس، سبتمبر 2018، المجلد46، ص:294 - 204.
(4) الجدول من تصميم الكاتب، وهو يمثل إعادة تهيئة وتوضيح لجدول غير منشور صادر من مديرية زراعة الانبار يمثل المساحات الصالحة للزراعة وغير الصالحة بحسب الشعب الزراعية.
(5) معلومات استقاها الكاتب من مديرية زراعة الانبار، غير معدة للنشر.
(6) جدول من عمل الكاتب استنادا الى معطيات الجهاز المركزي للإحصاء.
(7) معلومات استقاها الكاتب من مديرية زراعة الانبار، غير معدة للنشر.
(8)  تقرير الحنطة والشعير لسنة 2021، الجهاز المركزي للإحصاء، وزارة التخطيط، جمهورية العراق.
(9) تقرير الحنطة والشعير لسنة 2020، الجهاز المركزي للإحصاء، وزارة التخطيط، جمهورية العراق.
(10) الأطلس الإحصائي الزراعي، الجزء الثاني: الإنتاج النباتي، مصدر سابق، ص 88.
(11) الجدول من عمل الكاتب، وهو يلخص بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، في تقريره الموسوم: تقرير انتاج التمور العراقية 2020.
(12) رعد مسلم إسماعيل، النخيل والتمور في العراق وسبل التطوير (الزراعة والإنتاج والتسويق والتصنيع)، دراسة مقدمة إلى المؤتمر الدولي الرابع لنخيل التمر أبو ظبي/ الامارات العربية المتحدة للمدة 15 - 17 مارس/ آذار 2010م، ص6.
(13) معلومات استقاها الكاتب من مديرية زراعة الانبار.
(14) معلومات استقاها الكاتب من مديرية زراعة الانبار.