أيار 18

 

مشكلة الدراسة:

يعد القطاع الزراعي من الركائز المهمة للاقتصاد الوطني، والذي يستهلك الجزء الاكبر من الموارد المائية في العراق، فالموارد المائية من جانب والمحددات الزراعية من جانب آخر، يشكلان عائقاً كبيراً يقفان امام تطوير المساحات المزروعة.

فتتلخص مشكلة الدراسة الرئيسة حول فقدان وضياع كميات كبيرة من الاراضي الزراعية الصالحة للزراعة في محافظة واسط، بالرغم من وجود مصادر وموارد مائية فريدة من نوعها، والتي تغطي مساحات واسعة من المحافظة.

فرضية الدراسة

لماذا خُصت واسط دون غيرها من المحافظات العراقية بسلة العراق الغذائية؟ أو عاصمة العراق الزراعية؟

اهداف الدراسة:

تواجه الزراعة والموارد المائية مجموعة من التحديات اهمها تنامي الطلب عليهما وبخطى متسارعة نتيجة الزيادات السكانية السنوية، والهدر الناتج عن سوء ادارة واستخدام المياه وعدم وجود خطط طويلة الامد، لذا فقد أصبحت هذه الموارد من العناصر الاساسية للتنمية الزراعية والتنمية الشاملة، فالدراسة تهدف الى التعرف على امكانات محافظة واسط لزراعة جميع أنواع المحاصيل الشتوية والصيفية وبمستويات أفضل من المحافظات العراقية نتيجة وجود متطلبات متقدمة لإمكانية اقامة المشاريع الزراعية الكبيرة.

المقدمة

يعدّ الموقع الجغرافي من أهم المدلولات الطبيعية في صناعة المقومات البشرية كالمجال الزراعي والصناعي ‏والتجاري، ولا سيما موقع العراق المهم بالنسبة الى العالم يتوسط مكاناً مهماً مما جعله رقعة خصبة في كل مجالات ‏الحياة، ومحافظة واسط إحدى المحافظات التي تتفرد بموقعها الجغرافي المهم نسبة ‏الى المحافظات الاخرى، بحكم موقعها التجاري الحدودي مع ايران، وتحاذيها العاصمة بغداد من الشمال، فضلا عن ‏كونها منطقة زراعية فريدة لذا كانت نقطة الانطلاق لجميع الدراسات الزراعية في المنطقة، لما لها من صفات تميزها ‏عن المناطق الأخرى فيمثل الموقع الزراعي لمحافظة واسط عنصراً من العناصر الطبيعية المهمة التي تساهم في ‏صياغة خصائص المحافظة، فمن خلاله يمكن استغلال ما أتاحته البيئة من موارد طبيعية لخدمة أبناء العراق عموماً ‏وواسط خصوصاً، والحملة التي وضعتها اللجنة الزراعية في مجلس المحافظة السابق وديوان المحافظة ووزارتي التجارة ‏والزراعة على اعتبار واسط العاصمة الزراعية للعراق، واُطلق عليها "سلة خبز العراق" مما يفترض أن يضفي عليها ‏الدور الإيجابي الذي يؤثر على حياة السكان، ومن الاسباب التي تتفرد بها محافظة واسط في هذا الجانب:

1- أن ‏عمود نهر دجلة يدخل من شمالها عند قضاء الصويرة ماراً بجميع الوحدات الادارية الواقعة شمال المحافظة، وينتهي ‏عند شرقها في ناحية شيخ سعد، حيث يعتبر أطول مسافة لعمود النهر يمر داخل محافظة واسط والبالغة تقريباً (345 ‏كم) لاحظ الخريطة في  (1).

2- يتفرع من مقدم سدة الكوت شط الغراف جنوباً، ماراً بناحية الموفقية وقضاء الحي وناحية البشائر ‏وبطول (86 كم) ضمن التشكيلات الادارية الجنوبية للمحافظة، وكذلك يتفرع نهر الدجيلة والبالغ طوله (46 كم) من مقدم السدة ‏الكوت متجهاً الى ناحية الدجيلة والذي يخدم مشروع الدجيلة والبالغ (250) ألف دونم.

3- تحوي المساحات ‏الاكبر في العراق بعد محافظة بابل من حيث الاراضي المستصلحة والبالغة مساحتها (891) ألف دونم مثل مشروع الدجيلة ومشروع ‏دلمج ومشروع كوت - بتيرة ومشروع المزرعة وهناك مشاريع مستقبلية لأكثر من مليون دونم مثل مشروع أواسط ‏دجلة والبالغة مساحته 500 ألف دونم، وشرق وغرب الغراف بمساحة تقدر 440 ألف دونم.

4- كلال بدرة ‏والذي يبلغ طوله 30 كم ونهر الجباب والذي يبلغ طوله 45 كم، حيث ينبعان من الاراضي الايرانية أثناء الموسم ‏الشتوي وبالأخص في موسم الفيضانات والسيول فالأول يخترق قضاء بدرة، والثاني يصب في ناحية شيخ سعد والذي ‏بدوره يتفرع الى ثمانية فروع.

5- يبلغ عدد الابار الجوفية (182) بئراً منها (105) للقطاع الحكومي و(77) للقطاع الخاص، ‏وجميع الابار داخلة للخدمة(1).

6- إمكانية أن يزرع الفلاحون جميع المحاصيل الشتوية والصيفية مثل القطن والذرة والرمان ‏والبرتقال والطماطم، فضلاً عن المحاصيل الرئيسة مثل الحنطة والشعير والرز.‏

 صورة رقم (1)

حدود الدراسة

تبلغ مساحة واسط (17153) كم2 (2‏)، أي ما يقارب (6،861،200) دونم، وهي تشكل بذلك نسبة (4) % من المساحة ‏الكلية للعراق، ويبلغ مجموع المساحة الصالحة للزراعة في المحافظة (1،936،225) دونما، منها: (472،706) دوانم ‏أراضٍ مستصلحة، و(317،916) دونما شبه مستصلحة و(1،145،603) دوانم غير مستصلحة. أما المساحة غير ‏الصالحة للزراعة فهي بحدود مليون دونم من المساحة الكلية للمحافظة، معظمها خرجت عن الخدمة بسبب تحولها الى ‏عشوائيات ومدن وقرى ضمن الحدود الإدارية للبلديات؛ حيث أن محافظة واسط من المناطق الزراعية المهمة للتجمعات ‏السكانية كونها تتميز بزراعة عدة محاصيل صيفية وشتوية، فضلاً عن أنها تمثل حلقة الوصل بين ‏العاصمة والمحافظات الجنوبية. ولمعرفة مدى التحديات التي تواجه زراعة المحاصيل الحقلية في ضوء الأحداث التي ‏مر بها العراق بعد عام (2003) ومدى تأثيرها في التوسع بزراعتها في هذه المحافظة كنموذج أو عينة، يمكن تعميمها ‏في ما بعد على الواقع الحالي في العراق قاطبةً مع مراعاة الاختلافات وخصوصية كل محافظة (3). ‏

هوية واسط الزراعية

يعد النشاط الزراعي من الانشطة الرائدة في السوق العالمي والتي يمارسها أغلب سكان دول العالم والعراق جزء من ‏المنظومة العالمية الزراعية، كون هذا النشاط يمثل نسبة 20% من الناتج المحلي (قبل 2003)، وبعد التدهور الحاصل ‏في العراق نتيجة الاعتماد الكلي على النفط وسوء الإدارة العليا للبلاد اصبحت هذه القيمة لا تغطي السوق المحلي، ‏واعتمد عدد من التجار المحللين على البضائع المستورة من الدول المجاورة وغيرها في تغطية حاجة السوق، حيث أن ‏محافظة واسط تصدرت بالإنتاجية الزراعية المراتب الأولى نسبة الى المحافظات العراقية، وعلى مدى سنوات ‏متراكمة بعد سقوط النظام البائد، حيث بلغت انتاجية محافظة واسط من محصول الحنطة في السنوات 2019 و2020 و2021 هي 515 ألفا، 811 ألفا و800 ألف على التوالي.

يُعد عام 2019 من السنوات المميزة زراعياً، حيث بلغ فيه الناتج المحلي ‏الزراعي الكلي لمحصول الحنطة في عموم العراق للموسم الشتوي 2019 حوالي (4.3) مليون طن، وبارتفاع قدرت نسبته (5 %) عن ‏إنتاج السنة الماضية، حيثُ كانت محافظة واسط من المراكز الأولى من حیث الإنتاج، وقدر إنتاجها (515) ألف طن بنسبة (11.9 %) من مجموع الإنتاج.

وسجلت الاحصاءات للموسم الشتوي للعام 2020 ارتفاعا قدرت نسبته بـ(6.4%) عن إنتاج سنة 2019، فكان إنتاج الحنطة ‏‏(6.2) مليون طن، فاحتلت محافظة نینوى المركز الأول من حیث الإنتاج والذي قدر (1.47) مليون طن وبنسبة ‏‏(22.7%) من مجموع الإنتاج، تلیھا محافظة واسط والتي قدر إنتاجها (811) ألف طن وبنسبة 13% من مجموع ‏الانتاج الكلي، وحققت محافظة واسط المركز الاول في عام 2021 حيث بلغ الانتاج (800) الف طن تليها الديوانية بإنتاج بلغ (510) الاف طن من أصل (4.2) مليون طن في عموم العراق، ويبلغ مجموع الاكتفاء الذاتي من الحنطة بحدود (5) مليون طن سنوياً، وتعد زراعة الحنطة الأكثر أهمية في العالم مع ازدياد الطلب عليها عالمياً ما ارتفعت اسعارها منذ 2013.

وقدرت إنتاجية 2019 و2020 في محافظة واسط لكل ما يلي وعلى التوالي: 1. محصول الشعير (36،5) ألف طن و(31،5) ألف طن 2. وقدرت إنتاجية محصول الذرة الصفراء (23) ‏ألفا و(48) ألف طن. 3. وقدرت إنتاجية محصول البطاطا الربيعية والخريفية (18) ألف طن و(34) ألفا.

وقدرت إنتاجية العراق الكلية للفاكهة الصيفية (832) ألف طن للموسم الصيفي للعام 2019 وسُجلت الإحصائية في عام 2020 (858) ألف طن، واحتلت واسط مراتب متقدمة في انتاجية زراعة الفاكهة الصيفية والشتوية، فضلاً عن محصول القطن والرز ‏وبنسب متفاوتة على مدار السنوات الماضية(4).

وبلغ معدل الانتاج في الدونم الواحد في عموم العراق بحدود 447 كغم للدونم الواحد وهي نسبة تعتبر متدنية جدا، اذا ما عرف ان معدل الانتاج العالمي للدونم الواحد يبلغ 1200 كغم للدونم الواحد، ويعود هذا التراجع في انتاجية الاراضي المزروعة الى سوء البذور المستخدمة في الزراعة وعدم استخدام طرق الري بأساليب حديثة وبجداول معينة واستخدام المبيدات الصحيحة والتي من شأنها زيادة الانتاجية ، لكن بلغ متوسط الغلة في محافظة واسط لسنة 2020 حوالي (730) كغم للدونم الواحد وبلغت الانتاجية في محافظة الموصل (106) كغم للدونم الواحد فقط، ولو تم الاستثمار بشكل صحيح في زراعة الحنطة وبلغ معدل الانتاج (800) كغم للدونم في عموم العراق لأمكن تحقيق ضعف الانتاج الحالي، وكلما زادت الغلة للدونم الواحد يتضاعف الانتاج المحلي، كذلك لو تم استغلال الاراضي الشاسعة الموجودة في مختلف انحاء العراق وخصوصا في محافظة الانبار التي لم تتجاوز مساحة الارض المزروعة حاجز (300) الف دونم واستخدام الاساليب الحديثة للري واستصلاح الاراضي لتجاوز الانتاج حاجز 15 مليون طن سنوياً(5) .

وهذا يشير الى أن البيئة الزراعية في واسط قادرة على انتاج كافة المحاصيل الشتوية والصيفية وبكميات كبيرة، فضلا عن ‏امكانية انتاج الفاكهة (وبالأخص الرمان) لكن الخطط السنوية لوزارتي الزراعة والموارد المائية لم يُراعيا المساحات الخصبة والشاسعة والمستصلحة في محافظة واسط، بالإضافة للقرارات الفردية والمجحفة بحق الزراعة، وعدم ‏مراعاة هذا النموذج الفريد وتقاسم الضرر. وإن هذه المعاناة خصت محافظة واسط بالدرجة الأساس كونها من المناطق المتميزة زراعياً بحكم بموقعها الزراعي وما تحتويه من مصادر مائية متعددة. ‏

مشروع الدجيلة انموذجاً ‏

فضلاً عن إنتاجية الزراعة في محافظة واسط كان لهذه البيئة الحيوية دور استراتيجي كبير قُدر من قبل الأنظمة السابقة، حيث يُعد مشروع الدجيلة من أهم المشاريع التنموية الاستراتيجية في محافظة العراق، والذي يقع في ناحية واسط، التي تبعد ٢٩ كم عن ‏مركز الكوت.‎ ‎بدأ العمل به في سبعينيات القرن الماضي، وكان ‏المخطط له‎ عبارة عن ‎‏(٤) محطات أبقار بواقع كل محطة (٥٠٠٠) بقرة، ومعمل ألبان، واسالة ماء، ومعمل تعليب للحوم، و‏‏(100) ألف دونم استصلاح متكامل، وجزء آخر استصلاح جزئي من اصل ربع مليون دونم صالح للزراعة، لكن بعد ‏اندلاع حرب ١٩٨٠ نُفذ فقط الاستصلاح ومحطتا أبقار. كان عدد الطاقم من الاداريين والفنيين والمحلبين الاجانب الذين عملوا في المحطتين حوالي (4000) موظف. وكانت إنتاجية الحليب (40) ألف لتر/ يومياً يصدر الى معمل ألبان ابو غريب لعدم إنشاء المعمل ‏المزمع انشاؤه في الموقع ذاته. وبعد حصار ١٩٩١ جرى العمل بسياسة النفط مقابل الغذاء، وقد منحت الاردن نسبة شراكة ١٢٪ من ‏محطتي الابقار. وفي عام ١٩٩٦‏‎ ‎بدأ العد التنازلي بالإنتاجية، فقلصت الاراضي الى ٣٦ الف دونم للزراعة، ومنحت ‏لأحد المستثمرين المحليين، فكان نصيب الدولة 36% للدونم الواحد، بسبب انقطاع الماء والكهرباء وانتشار مرض ‏السل، مما اهملت الاراضي المستصلحة وتكسرت منظومات الري الحديثة. وبعد السقوط (2003) اعلنت الشركة افلاسها نهائياً، ‏ولم تستطع الدولة اعلانها للاستثمار مرة ثانية لعدة أسباب منها -1- وجود تجاوزات كبيرة من قبل الاهالي ما ادت ‏عملية اخلائهم الى قتل أحد موظفي الشركة من قبل المتجاوزين -2- ابتزاز المستثمر الاردني من قبل بعض أعضاء ‏مجلس المحافظة -3-‏‎ ‎بقى الأمر معلقاً حتى انهت وزارة الصناعة عقدها مع الزراعة بسبب الجانب الاردني وعدم ‏وجود صيغ تعاقدية رصينة، تضمن حقوق جميع اطراف المشروع واستغلال الارض من قبل الأهالي، حيث انهم ‏يرفضون الاخلاء ويمتنعون عن تسديد ما بذمتهم. ‏

ويعد هذا النموذج تمثيلاً مصغراً عن طبيعة امكانية العمل في تربة واراضي واسط الصالحة للاستصلاح والاستثمار ‏الزراعي والصناعي والتجاري في آن واحد، فضلاً عن أن هناك أراضي تنتج أكثر من (1200) كغم لمحصول ‏الحنطة في شمال واسط كونها اراضي عالية الخصوبة ومتعددة المصادر الاروائية، بينما ‏اراضي شمال الناصرية مثلاً لا يتجاوز متوسط الغلة فيما (500) كغم للدونم الواحد. ويعد هذا المؤشر مهماً حول أهمية محافظة ‏واسط الزراعية وطبيعتها الارضية.‏‎

 ‎

المعوقات والاستنتاجات

الوضع الحالي في العراق وبالأخص محافظة واسط – كون ثلث مساحتها الكلية صالحة للزراعة - يتطلب من المراجع العليا لإدارة المياه والزراعة في العراق الانتباه لخطورتها والاسراع في دراسة الوضع بنحو علمي دقيق وتحديد الاسباب التي أدت الى ذلك، فالزكام الذي انتشرت عدواه في عموم العراق، كان جزءاً بسيطاً منه خارج الارادة والآخر نتيجة الآفة التي اصابت البلد من فساد وإهمال وتدهور وفوضى. فهناك أسباب عديدة ومنها:

  • الاقتصاد العراقي الريعي والذي جعل النفط مصدراً وحيداً للثروة واهمال القطاعات الاخرى.
  • افتقار المفاوض العراقي الى أبسط أدواته التفاوضية بخصوص الاتفاقيات المائية وتامين حصتي نهري الفرات ودجلة وروافدهما مع الجانبين التركي والايراني.
  • شح المياه والتصحر وتملح الاراضي الزراعية وارتفاع المياه الجوفية لعدم استصلاح الاراضي وافتقارها الى منظومات الري والبزل الحديثة، اضافة الى عدم تطوير الممكنة الزراعية والآلات الحديثة واعتماد الفلاح على الري السيحي ذي الكفاءة المتدنية والتي لا تتجاوز 40 - 50 %. بينما هناك طرق حديثة مثل الري بالتنقيط والري بالمرشات وهي طرق ناجحة وتعطي كفاءة عالية تصل الى 90 %. وتعد الاخيرة من الطرق الجيدة لترشيد المياه على نحو الاستخدام الامثل لاحظ صورة (2).

  

  • عدم توفير الأسمدة الكيماوية الحديثة من قبل الدولة للفلاح، ما أدى الى عودة ظاهرة احتكار البذور المدعومة من قبل الدولة والمستلزمات الزراعية.
  • التمييز الذي تمارسه وزارتا الزارعة والموارد المائية بين فلاح وآخر، حيث رصد في محافظة واسط نهاية العام السابق حوالي (484) مضخة متجاوزة على عمودي دجلة والغراف وبقدرة 15 ألف/ حصان من أصل قدرة 155 ألف/ حصان(6) أغلبهم متنفذون في الاحزاب والمليشيات.
  • تذبذب أسعار المحاصيل الزراعية ومنها محصول الحنطة سبب عدم سيطرة الدولة على اسعار التجار في الاسواق المحلية.
  • انقطاع التيار الكهربائي باستمرار وصعوبة تشغيل المضخات كذلك صعوبة نقل زيت الغاز بسبب سوء منظومة الطرق ووعورتها في المناطق الريفية. والتصق بهذه الحالة عدم تمكين الفلاحين أثناء موسم الحصاد من توريد محاصيلهم بسهولة ما أدى الى فتح الافاق امام ضعاف النفوس والذين يدعون انهم (تجار محليون)، فهؤلاء يقومون بشراء محصول الحنطة بسعر (400) ألف دينار، بينما يتم تسويقه بسعر الدولة الرسمي، والذي يتجاوز 560 ألفا، ويقف خلف هؤلاء جهات حزبية معروفة.
  • ضعف ثقة الفلاح بالدولة، وذلك بسبب تقليص الخطة المائية وتقليل المساحات السنوية المزروعة، وهذا ما اعلنت عنه وزارة الموارد المائية والزراعة للموسم الشتوي 2021 - 2022 الى تحجيم الزراعة بعموم العراق حوالي 50%، فضلاً عن امتناع ما يقارب 30% من المزارعين عن زراعة أراضيهم في هذا الموسم، بسبب ندرة المياه التي حذرت منها الدولة وعدم صرف مستحقات الفلاحين في جميع محافظات العراق، برغم تضمينها في النفقات بالموازنة المالية للعام 2021.
  • فتح الباب أما سمسرة بيع القطع الزراعية وتوزيعها على شكل عشوائيات وخواصر متناثرة، نتيجة لأزمة السكن التي عصفت بالبلاد بعد 2003 مع غياب الرقابة الحكومية وعدم اتخاذ أية اجراءات رادعة لمنع ذلك، كون القوانين القديمة لا تتماشى مع الواقع الحالي، ما شاع الظن لدى الفلاحين أن الارض مملوكة "هبة" وليس مستأجرة، بالأخص قوانين الملكية وما يخص عقد 25 وعقد 117 وعقد 35.
  • عدم الاهتمام بالفلاحين والمزارعين عن طريق تقديم الورش التوعوية والممارسات الحديثة التي واكبت التطور الزراعي الكبير الذي شهده عالمنا العربي والعالمي، وتخلف الجمعيات الفلاحية عن دورها الحيوي وعدم شيوع ثقافة الاستعانة بالفنيين والمهندسين الزراعيين في تقديم الاستشارة الفنية والمعونة التخصصية في المجال الزراعي.

المعالجات والتوصيات

تبدأ مقومات العلاج من حل المشكلات حلاً جذرياً وليس حلولا ترقيعية كما يلاحظ ومنها:

  • بناء الثقة مع الفلاح والتزام الحكومة بوعودها، سيما في إطلاق مستحقات الفلاحين والتشديد على اجراءات حماية المنتج المحلي الزراعي وفق الروزنامة الزراعية، مع تفعيل صندوق الاقراض الزراعي الميسّر، واحداث تعديلات في المصرف الزراعي التعاوني.
  • حل مشكلة المياه وندرتها بطريقتين الأولى: حل جميع المشكلات المتعلقة بمصادر المياه مع دول الجوار عن طريق الاتفاقيات أو المواثيق الدولية والأمم المتحدة مع ايران وتركيا وسوريا. والثانية: ترشيد هدر المياه وتقليل الاعتماد على مصادر الري السطحية واستخدام طرق الري الحديثة بمنظومات الري بالرش أو التنقيط وبأسعار مدعومة من قبل وزارة الزراعة.
  • الاستفادة من المياه الجوفية ومياه المصب العام والمبازل الاخرى ومعالجة ملوحتها، كون مياه المبازل بلغت ملوحتها أقل بكثير من المياه الجوفية في السهل الرسوبي، وهذا يعني أن واقع المبازل منعزل عن الاراضي المستصلحة.
  • بناء السدود المهمة مثل سد بخمة وبادوش ومكحول لزيادة الحزين المائي والسنوي في العراق.
  • وضع خطط استراتيجية شاملة بالاتفاق مع شركات استشارية عالمية رصينة لدراسة الواقع الزراعي في العراق، مع المعالجات والحلول والخطط لـ 25 سنة قادمة على اقل تقدير، وانشاء مركز لتطبيق الخطة من قبل وزارة التخطيط والزراعة والموارد المائية والمحافظات ومدى تطابقها مع الخطة الاستراتيجية المعدّة سابقاً في وزارة الموارد المائية وأمدها لغاية 2035.
  • تكليف الشركة الاستشارية أو مركز الدراسات والتصاميم التابع لوزارة الموارد المائية بإعداد مسح ميداني شامل لجميع الأراضي الزراعية لتحديد المناطق الصالحة وغير الصالحة للزراعة واعداد تصاميم نموذجية وحديثة لاستصلاح الاراضي.
  • استثمار الاراضي الزراعية غير المستغلة من قبل اهاليها وباقي الاراضي "البور" ومنحها بعقود الى شركات متعمدة لاستصلاحها وزراعتها وفق خطة تنموية شاملة لما يغطي الكفاية للسوق المحلي والتصدير مثل (مزرعة فدك للنخيل) والمنفذ من قبل العتبة الحسينية في القطاع الزراعي، وتعد من المشاريع الاستراتيجية المهمة في العراق، والتي تقع على بعد (20) كم من مركز المدينة في كربلاء المقدسة (الجهة الغربية)، وتم افتتاحها في عام 2016، وبمساحة (2000) دونم فقط، حيث تستوعب المزرعة (70) الف نخلة، وتمت زراعة أكثر من (30) ألف نخلة لغاية الآن، وتحتوي على (70) صنفا من أجود اجناس التمور العربية، ووصلت إعداد الفسائل إلى أكثر من (10) للأم الواحدة، حيث تم حفر (10) آبار ارتوازية بعمق (300 - 400) متر، وخزن المياه في احواض كبيرة تحتوي المزرعة على (5) بحيرات بسعة (20،000) متر مكعب للبحيرة الواحدة، وتعتمد المزرعة على منظومة كاملة للري بالتنقيط ذي الكفاءة ٩٥٪ مقارنة بالري التقليدي ذي الكفاءة 45٪ ، ومعمل لتعليب التمور ومخازن مبردة قيد الانجاز وتم اطلاق علامتها التجارية الجديدة في 2021، حيث أن الخطة الفعلية الموضوعة للمزرعة بواقع (70) ألف نخلة، وعدد الطاقم الإداري والمهندسين والعمال (90) موظفاً وعند اتمام المشروع قد يصل عدد العاملين المتوقع أكثر من (500) موظف، حيث أنها ستساهم بقفزة كبيرة في الاقتصاد الزراعي في انتاج أجود التمور.
  • تطوير المكننة الزراعية الحديثة واجبار الفلاح على استخدامها لضمان جودة المحاصيل وزيادة كمياتها.
  • دعم الخريجين الجدد؛ خريجو كليات الزراعة والطب البيطري والمعاهد والمدارس الزراعية المهنية لإعطائهم قروضا زراعية بدون فوائد وساحات جاهزة، لزراعة فسائل (نخلة المجهول) التي نجحت نجاحاً باهراً في محافظة كربلاء، كونها تقاوم الظروف المناخية في العراق، كذلك زراعة الثوم والخضراوات المهجنة مثل الباميا البتراء.
  • دعم الفلاحين بقروض ميسرة وتقديم الاستشارات المجانية ورفدهم بزيت الغاز وتعبيد الطرق الزراعية وانشاء صوامع أو مخازن لكل مقاطعة زراعية مع احياء دور الجمعيات الفلاحية واعطائهم صلاحيات أوسع بتقديم الورش والندوات الضرورية مع اقصاء المتخلفين عن ارشاداتها.
  • فتح معامل تعليب الطماطم وكبس التمور، فتوجد عدة معامل حكومية مغلقة ومعطلة بالكامل مثل معمل المعجون المحلي في محافظة واسط/ قضاء النعمانية والذي كان يعمل فيه أكثر من 250 عاملا وعاملة.
  • وضع خطة خمسية مشتركة بين وزارتي الزراعة والموارد المائية أمدها خمس سنوات لحصر الاحتياج الفعلي من المحاصيل الزراعية وتوجيه الفلاحين للزراعة حسب خطط مدروسة لكل محافظة تخص (المساحات المزروعة + الحصة المائية + نوع المحصول) لعودة ثقة الفلاح بالدولة وكذلك للسيطرة على عشوائية المحاصيل واتلافها، حيث تم اتلاف الاف الاطنان من الطماطم في موسم 2019 لكفاية السوق، وعدم وجود معامل تعليب.
  • الاهتمام بالمحاصيل المهمة مثل الحنطة والرز للوصول الى الاكتفاء الذاتي والذي يبلغ حوالي (5) مليون طن.
  • الاستفادة من جيوش الموظفين الحاصلين على الشهادات العليا في وزارة التخطيط والموارد المائية والزراعة وانشاء مراكز ابحاث ومجلات نشر متطورة وتثمين جهودهم للحصول على إحصاءات سنوية ودراسات متكاملة حول الزراعة والمياه وما يتعلق بهما بصورة شاملة وتفصيلية ونشرها على المواقع الرسمية لتسهيل عمل الباحثين الاخرين.

*********************

المصادر و الهوامش:

(1) مديرية الموارد المائية في محافظة واسط ـ قسـم الابار، بيانات غير منشورة لعام 2018.

(2) جمهورية العراق، وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي، الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات، مجلس محافظة واسط، استراتيجية تنمية محافظة واسط (2007 - 2012)، 2007، ص14.

(3)العتابي، كوثر ناصر عباس، التباين المكاني لاستعمالات الأرض بزراعة المحاصيل الحقلية في محافظـة واسط، رسالة ماجستير، جامعة بغداد، 2012.

(4) جمهورية العراق، وزارة التخطيط – جهاز المركزي للإحصاء – مديرية الاحصاء الزراعي، بيانات منشورة في آب 2020.

(5) منار العبيدي، مدير مؤسسة عراق المستقبل للدراسات، بيانات منشورة في 31 كانون الثاني 2022.

(6) مديرية الموارد المائية في محافظة واسط، قسم المضخات، بيانات غير منشورة لعام 2021.

(7) عبد الكريم ابراهيم، مشاكل الزراعة في العراق، هجرة الفلاحين الثانية الى المدينة، 6 اكتوبر 2012، موقع كتابات.

(8) ماجد جمعة عبد الحسن الساعدي، أسباب فشل السياسات الزراعية في العراق 15 يونيو 2015، جريدة الزمان.

 (9) هدى حيدر حسين العبيدي، امكانية حصاد المياه في محافظة واسط، رسالة ماجستير، جامعة بغداد، 2014.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت

 المهندس علي العرار: ماجستير هندسة الموارد المائية- الهيأة العامة لمشاريع الري والبزل - وزارة الموارد المائية