أيار 18
 ينقسم العالم حاليّا إلى مجموعتين رئيستين من حيث مستوى التقدم العلمي والتقني والاقتصادي:
  • الدول الصناعية المتقدمة وتعرف أحياناً بدول الشمال
  • الدول النامية وتعرف بدول الجنوب.
 وتمثل الدول العربية والإسلامية جزءاً كبيراً من دول الجنوب، التي لم تستطع مواكبة هذا التقدم لسبب أو لآخر. ولكن هناك تبايناً كبيراً بين الدول العربية والإسلامية في ما بينها من حيث مستوى التنمية والتقدم العلمي والتقني، ويجد عدد من الدول العربية أنفسهم في مفترق طريق فريد من نوعه بعد ألف سنة من الجمود والركود الذي تبع النهضة العربية الإسلامية في القرون الوسطى، وبعد قرن من الهيمنة الأجنبية.
تستند أهمية القضايا المتعلقة بتطور القطاع الزراعي الى كونها الاساس الضروري لتحقيق التنمية الاقتصادية المتوازنة، اذ مما لا جدال فيه ان التقدم الاقتصادي المتوازن لا يستقيم الا باعتماد القطاعات الاقتصادية الاخرى على التقدم والنمو الذي يحرزه القطاع الزراعي، فالثورة الصناعية التي قامت في القرن الثامن عشر في إنكلترا لم يكتب لها النجاح لو لم تسبقها وتمهد لها ثورة زراعية ادت الى رفع انتاجية القطاع الزراعي لمواجهة حاجات قطاع التصنيع والقطاعات الاخرى في التطوير. وهكذا كانت اسس التقدم الذي حصل في دول اوروبا الغربية وفي اليابان والدول المتقدمة الاخرى، حيث كان للزراعة دور ايجابي في التنمية وقوة دافعة في النمو الاقتصادي من حيث تقديمها مساهمات مهمة في التحول الهيكلي لاقتصاديات هذه الدول تتمثل في تجهيزها للفائض الاقتصادي المتمثل بـ:
  • فائض العمل المحرر من القطاع الريفي للاستخدام كقوة عاملة في الصناعة.
  • فائض المنتجات الزراعية المستخدمة كمدخلات ”مواد أولية “ في الصناعة.
  • فائض السلع الزراعية المصدرة التي تجلب العملة الاجنبية.
  • توفير السوق لتصريف المنتجات الصناعية.
  • فائض الغذاء المحول لاطعام سكان المدن وتحقيق الأمن الغذائي للسكان.
لقد ركزت استراتيجية التنمية في معظم البلدان النامية ومن بينها الدول العربية منذ بداية السبعينيات على تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي باستخدام سياسات مصممة للوصول الى اقصى درجات الانتاج المحلي للمحاصيل الزراعية الغذائية الرئيسية وذلك باتباع سياسة زراعية قوامها استخدام التكنولوجيا الحديثة والدعم المالي الكبير الذي تمنحه للمزارع والاسعار العالية المضمونة لمنتجاته والحماية الكمركية. وهكذا تخلصت البلدان التي حققت الاكتفاء الذاتي من احتمال استعمال الغذاء كسلاح في الصراعات السياسية والاقتصادية والعسكرية، حيث ان البلد الذي لا ينتج غذاءه لا يستطيع بالضرورة تأمين ما ينقصه من تلك المواد حتى ولو امتلك المال، ولذا فان توفير الغذاء والمواد الاولية للصناعة من مصادر محلية يعد هدفاً استراتيجياً ووطنياً ومحققاً للأمن القومي. لذلك نرى ان مشكلة الغذاء التي تواجه الوطن العربي تزداد اهمية وتتطور خصوصا في النواحي الاقتصادية والسياسية. فمن النواحي الاقتصادية فقد اشارت التقارير والدراسات للمنظمة العربية للتنمية الزراعية ضمن برامج الامن الغذائي العربي، الى أن الدول العربية بمجموعها تمثل منطقة عجز غذائي تعتمد في تغطية ذلك العجز عن طريق الاستيراد من الخارج وقد تتركز هذه السلع المستوردة في مواد ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها من جهة كالحبوب والزيوت ومنتجات الألبان، في ذات الوقت فان إمكانية خزن مثل هذه السلع لفترة طويلة امر ممكن، وتشير بعض الدراسات الى ان معدلات العجز الغذائي سوف تزداد مستقبلا مما يزيد في اعتماد الدول العربية على الاستيراد لتغطية ذلك العجز الغذائي.
 يعتبر العراق من أقدم المناطق التي عرفت الزراعة في العالم القديم ما أدى الى نشوء اول حضارة انسانية، الا وهي حضارة وادي الرافدين، ورغم ذلك فان العراق يعتبر من اكثر الدول تخلفا في الانتاج الزراعي وهذا يرجع الى عدة عوامل يمكن ان ندرجها ضمن العوامل الطبيعية والبشرية، ولسنا هنا بصدد التفصيل فيها، الا ان الذي يهمنا هو كيف نتمكن من زيادة الانتاج الزراعي بنوعيه (النباتي والحيواني) وتحسين نوعيته، لكي يسد حاجات الناس الغذائية والصناعية، ويجعل العراق بلدا مصدرا للمنتجات الغذائية بدلا من استيرادها؟
ان عملية بناء اقتصاد زراعي عراقي متطور كأساس للتنمية الاقتصادية المتوازنة تعترضها العديد من المعوقات والتحديات والازمات التي صاحبت خطط التنمية الاقتصادية منذ اواخر الستينيات وحتى الان. ويمكن حصر هذه الازمات والمعوقات التي احاطت بالتنمية الزراعية فأعجزتها عن بلوغ اهدافها والوصول الى حلول ناجعة وسريعة لتحقيق الأمن الغذائي بما يلي:
 أولا/ أزمة اختلال التوازن الاقتصادي: وبصورة خاصة ازمة الاختلال الموجود بين الانتاج والاستهلاك،  فالعراق اصبح يستهلك اكثر مما ينتج في ما يتعلق بالمواد الغذائية، حيث ادى النمو السريع في الطلب على الغذاء خلال فترة السبعينيات وقصور الانتاج الزراعي عن الاستجابة لمتطلبات هذا النمو الى تفاقم مشكلة الانكشاف الغذائي واعتماد البلاد على المصادر الاجنبية في سد العجز من احتياجاته الغذائية الاساسية، ولم يكن ارتفاع معدل نمو السكان هو السبب الوحيد في ازدياد الطلب على المواد الغذائية، بل ثمة اسباب اخرى كان لها دور فعال في زيادة الطلب على الغذاء وهي التوسع الحضري - تحول السكان من الريف الى المدينة وارتفاع مستويات الدخل والمعيشة.
 ثانيا/ التمويل والاستثمار في القطاع الزراعي: هناك قصور في معدلات تكوين رأس المال الزراعي بسبب انخفاض نسبة الاستثمارات الموجهة الى القطاع الزراعي بالقياس الى الاستثمارات الموجهة للقطاعات الاخرى، حيث لم تتجاوز النسبة المنخفضة للقطاع الزراعي 10% من حجم الاستثمارات الكلية في خطط التنمية.
من هذا يتبين ان الخلل القائم في التنمية الزراعية والامن الغذائي لم يواجه بالجهود والتخصيصات الاستثمارية التي تتناسب مع مكانة الزراعة واحتياجات تنميتها الرأسية والافقية ويظهر ان الخلل الاستثماري والقصور في معدلات تكوين رأس المال في الزراعة سيستمر للسنوات القادمة حسبما جاء في ورقة عمل وزارة التخطيط والتعاون الانمائي فقد جاء في محور اعادة بناء البنى الارتكازية في السنوات القادمة (ان الانفاق الحكومي في الخطة الاستثمارية سوف يقتصر على البناء والاصلاح والتوسع في البنى الارتكازية الاساسية في الاقتصاد ويشمل هذا الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي والنقل والاتصالات والصحة والتعليم)، ان هذه القطاعات مع القطاع النفطي سوف تستأثر بالجزء الاكبر من موارد الدولة والمنح والاعانات، ومما يترك القليل لتراكم رأس المال في القطاعات الانتاجية الصناعية والزراعية التي سيترك نموها وتطورها والاستثمار فيها للقطاع الخاص. ان هذه السياسة اذا ما طبقت فسوف تتعارض مع طبيعة الزراعة والملابسات الاقتصادية والطبيعية التي تكتنفها وستتعارض مع تجارب الامم المتقدمة التي اولت القطاع الزراعي رعاية خاصة وتدخلت في تطوره تدخلا واسعاً لكونه الاساس الضروري للنمو الاقتصادي في القطاعات الاخرى، ولذلك فقد جاءت مبادرة الحكومة العراقية لتطوير القطاع الزراعي كأسلوب لمعالجة هذا الجانب.
وبناء على ما تقدم فان بناء اقتصاد زراعي متطور لا يمكن تركه للقطاع الخاص لقلة امكاناته الاستثمارية وصعوبة التمويل الزراعي بسبب المخاطر الكثيرة التي يتعرض لها الانتاج الزراعي والناجمة عن الجفاف والامطار والصقيع والفيضانات والحشرات والاوبئة وغير ذلك من العوامل التي ليس للانسان السيطرة عليها، وهذا ما يجعل صاحب رأس المال يتردد في تسليف المزارعين او يطلب فوائد كبيرة مقابل استعمال رأس ماله في الزراعة لذلك فان الاصرار على هذا التوجه وتكليف القطاع الخاص بهذا الشأن معناه الحكم على الخطة الاقتصادية القادمة بالفشل في تحقيق اهدافها في التنمية المتوازنة.
ثالثا/ مشاكل التخطيط والسياسات الزراعية: من اهم المشاكل التخطيطية التي عانت منها الاقطار العربية والعراق بصورة خاصة هي عدم التوافق والترابط بين البرامج القطاعية وغياب التخطيط التشابكي بين القطاعات فكان اعداد البرامج والمشروعات في كل قطاع يتم بمعزل عما يجري في القطاعات الاخرى. كما ان التوازن بين الانماء الاقتصادي والاجتماعي كان مفقودا الى حد كبير، ولم تكن تنمية القوى البشرية وتحسين ظروف الحياة الاجتماعية مكونا اساسيا في معظم الخطط السابقة، هذا بالإضافة الى ان الخطط الانمائية تعاني جميعها من قلة البيانات وعدم دقتها وفقدانها للشمول. وكما هو معروف فان التخطيط السليم لا يمكن ان يتحقق من دون توافر قاعدة من البيانات والمعلومات الاحصائية الوافية كما ان التخطيط السليم يحتاج الى دراسات متعمقة لفهم واقع الحال واستشراق المستقبل. واخيرا لا بد من الاشارة الى الخطأ الكبير الذي ارتكبته الحكومة في السبعينيات بتقليصها الاهتمام بالتنمية الزراعية والاتجاه نحو التركيز على المشاريع الصناعية ومشاريع البنى الهيكلية والخدمات وكان نصيب المناطق الزراعية والريفية من التطوير قاصرا الى درجة مشهودة.
وفيما يتعلق بالسياسات الزراعية فان شروط السياسات الزراعية تتطلب عادة اجراء تغييرات سعرية وتطبيق اصلاحات مؤسسية واجراء تغييرات في السياسات على مستوى الاقتصاد الكلي. وقد ادت هذه السياسات وخاصة سياسة الاسعار الزراعية الى الحد من نمو القطاع الزراعي بسبب تأثيرها السلبي على كفاءة توزيع الموارد والدخول الزراعية فقد كانت الاسعار الزراعية غير المجزية سببا في تحويل الموارد، بعيدا عن القطاع الزراعي ما عجل بحركة الهجرة من الريف الى المدينة وتحويل الاراضي الزراعية الى استخدامات غير زراعية.
رابعا/ ازمة الادارة وضعف الهياكل المؤسسية والتنظيمية: ان مشكلة الادارة في القطاع الزراعي ما تزال تنتظر الحل فالملاكات ماتزال دون المستوى المطلوب من حيث الادارة والتطوير وغير قادرة على تحقيق اهداف التنمية بصورة فعالة ومن المعروف ان الخبرة في ادارة المشاريع بصورة كفؤة ماتزال محدودة جدا وان ما تعانيه من نقص المهارات الادارية والخبرات اثر تأثيرا عكسيا على منجزات التنمية الزراعية كما ان ضعف الهياكل التنظيمية والمؤسسية لإدارة المشاريع ادى الى عدم الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة ولذلك لابد من الاهتمام بهذه المؤسسات من حيث الاصلاح والتطوير الاداري واعادة صياغة السياسات لتمكينها من الوفاء باحتياجات خطط التنمية. ان حتمية الاصلاح الاداري امر ضروري ولازم لأية عملية لإدارة التنمية.
 خامسا/ ازمة التكنولوجيا والبحث العلمي:  يمكن القول بصورة عامة ان الزراعة العراقية ما تزال تتسم بذيوع الاساليب التقليدية وانها في مجملها متخلفة في تقنياتها مقارنة بالدول المتقدمة التي تستخدم التقنيات الحديثة في زراعتها، كما ان اجهزة البحث العلمي والارشاد الزراعي هي دون المستوى المطلوب من حيث الملاكات والمستوى العلمي ومن شح التخصصات المالية التي تمكنها من تنمية امكانياتها الى مستوى ارفع اضافة الى محدودية الموارد المالية المتاحة ومساحة الاراضي المتأثرة بالملوحة وغيرها من العوامل المحددة للإنتاج الزراعي. ان مستقبل الزراعة في العراق يعتمد على استمرار تطوير التكنولوجيا والابحاث العلمية التطبيقية ويبدو جليا ان للبحوث الزراعية دورا يمكن ان تلعبه في رفع الانتاج عن طريق زيادة العمل الزراعي واستنباط الاصناف لملائمة وادخال والوسائل والمعطيات العلمية في استخدام الاسمدة واستصلاح الاراضي وزيادة كفاءة استغلال المياه ومكافحة الادغال والآفات الزراعية وغيرها. وان اي استراتيجية لتحسين الاوضاع لا بد ان تعطي اولوية لإزالة المعوقات والقيود التي تحد من جدوى البرامج المعنية باستنباط التكنولوجيا الحديثة وتطبيقها، وبالتالي الوصول الى الانتاجية المثلى للمحاصيل الزراعية وعلاقتها بالبحث العلمي الزراعي. فالإنتاجية بمفهومها العام هي العلاقة بين الانتاج وعوامل الانتاج ويعبر عن هذه العلاقة بمعيار نسبي يقيم اما المقارنة بفترة زمنية معينة او بالمقارنة مع وحدة مشابهة خلال نفس الفترة ويعبر عن الانتاجية الكلية بالمعادلة التالية:
ونظرا لتعدد العناصر المكونة للمخرجات والمدخلات على صعيد المؤسسات والمشروعات فان احتسابها بطريقة رياضية واحصائية غالبا ما يكون متعذرا في المشروعات الخدمية والبحثية والادارية، لذلك فقد جاءت فكرة احتساب الانتاجية الجزئية لعناصر الانتاج كلا على انفراد من اجل التغلب على الصعوبات، وبذا تفرعت عن الانتاجية الكلية للمشروعات انتاجيات متعددة كإنتاجية العاملين وانتاجية راس المال وانتاجية المواد وانتاجية الطاقة..... الخ وهذه تسمى بالإنتاجية الجزئية وتحتسب بالمعادلة الاتية:
 
ويمكن قياس الانتاجية في الزراعة بثلاث طرق وهي:
  1. انتاج المحصول بوحدة المساحة المزروعة.
  2. انتاجية العمل وهي النسبة بين المخرجات/ المدخلات لوحدة العمل.
  3. الانتاجية الكلية وهي الاكثر شيوعا والتي يمكن بواسطتها اعطاء فكرة عن مدى الاستفادة من البحوث في العملية الانتاجية وهي النسبة بين المخرجات المزرعية على المدخلات المزرعية. وهذه الانتاجية تقيس التغيرات التي تحصل على الكفاءة نتيجة البحث العلمي وليس التغير في الدخل او السعر المزرعي.
 
اما بالنسبة لأنواع البحوث من حيث تأثيرها على الانتاج الزراعي فيمكن تقسيمها الى:
  1. البحوث التكنولوجية وتعرف بانها تلك الابحاث التي تكون التكنولوجيا هدفها الرئيس وتشمل تربية النبات، البستنة، الانتاج الحيواني، التقانة الاحيائية والتربة.
  2. البحوث العلمية وهدفها الاساسي هو الاجابة على بعض التساؤلات العلمية المتعلقة بالإنتاج وتمثل ابحاث الامراض وعلم التربة والنبات والحيوان.
  3. البحوث الفيضية (Spillover): وهي البحوث التي تجرى في مكان ما وتوثر على الانتاجية في مكان اخر وتأثير هذه البحوث يزداد بالنسبة للبحوث العلمية ويقل في البحوث التكنولوجية.
 
مساهمة البحوث العلمية في زيادة الانتاج الزراعي
لقد قيست مساهمة البحوث في زيادة الانتاجية في العديد من العالم بطريقتين إحداهما تعبر عنها بالـ (Index number) والتي تحسب بصورة مباشرة من كلفة البحوث المصروفة على موضوع ما وليكن الذرة الهجينة والفوائد المتوخاة من زيادة الانتاجية لذلك المحصول نتيجة البحوث. اما التعبير الثاني فقيس بالـ (Regression analysis) ويمكن حسابه بطريقة مغايرة، بحيث يعكس تقييم مقدار العوائد من زيادة الاستثمار بدلا من معدل العوائد من جميع الاستثمارات. وأخيرا فان هذه الطريقة يمكن ان تشخص جزءا من العوائد وتنسبها الى مصادر مختلفة كالبحث العلمي او الخدمات الارشادية وفي حالة استعمال هذا التعبير فيمكن للمرء ان يختبر اهمية العوائد المخمنة بطريقة احصائية حيث ان المتغير التابع هو مجموع الانتاجية والفوائد التي تعرف بانها قيمة التغير في الانتاجية. أما المتغير المستقل فيشمل متغيرات البحوث التي تعكس كلفة البحوث والفجوة بين الاستثمار والفوائد.
يشكل البحث العلمي التطبيقي الجزء الاساسي والهام للبحث العلمي عامة. حيث ان الابداع والابتكار هما السبيلان الوحيدان لاقتناص الفرص لتطوير الانتاج الزراعي. فالبحث العلمي هو الاساس في عملية تنمية القطاع الزراعي حيث يعتبر المحرك الاساسي للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ويساهم بشكل مؤكد في تطوير الانتاج الوطني وتنميته كما ونوعا، ويقلل ويحد من الهدر في الموارد وبذلك يخلق فرصا كبيرة لدخول الاسواق الاقتصادية والتمكن منها ويمكن القول بان مساهمة البحوث الزراعية في تطوير القطاع الزراعي وزيادة الانتاجية ترتبط بشكل كبير بقوة المؤسسات البحثية بكافة جوانبها ومن العناصر المهمة في ذلك مقدار ما يخصص من الاموال للإنفاق على هذا النشاط، اضافة الى العوامل الاخرى، فعلى سبيل المثال يمثل الجدول في ادناه الانفاق على البحث العلمي في عدد من الدول المتقدمة والدول النامية.
 
   
حيث يظهر من الجدول أن أوطأ إنفاق هو في الدول العربية حيث يمثل 0.002– 0.5 % من الدخل القومي مقارنة مع الدول المتقدمة والتي تبلغ 2.5 – 3% من الدخل القومي، ما يخلق خللا كبيرا في نشاط هذه المؤسسات، ويجعلها غير قادرة على القيام بمهامها بالشكل المطلوب.
كما أوضح تقرير اليونيسكو لعام 2017 أن الدول الأكثر تقدما تنفق أكثر من 90% من الإنفاق العالمي على البحث العلمي. وأن الدول العشرة الأولى التي استحوذت على نسبة 80% من حجم الإنفاق العالمي بقيمة 1,7 تريليون دولار. وأن أربع دول تجاوز إنفاقها مائة مليار دولار في العام. وكان إجمالي الإنفاق على البحث العلمي، والنسبة المئوية من الدخل القومي لأكثر من عشر دول هو الآتي:
أما ما تنفقه الدول العربية على البحث العلمي نسبة الى الدخل القومي، فإنه يدعو الى الاستغراب، ويدل على عدم إدراج البحث العلمي ضمن الأوليات العلمية. وكانت نسب الإنفاق متدنية، وكما موضح في الجدول أدناه:
هل نكتفي فقط بنقل التقنية دون البحث العلمي؟
الجواب بسيط وهو لا، لان الاكتفاء بنقل التقنية فقط يؤدي الى الاستمرار في الاعتماد على الغير، ويتطلب هذا صرف المزيد من الاموال على استقدام هذه التقنية، ما يحرم القطاعات العلمية من العمل الدؤوب لحل المشاكل باستعمال طريقة البحث العلمي، وبالتالي عدم التقدم بالشكل المطلوب لان كثيرا من التقنيات لا تتطابق مع ما نحتاجه، لأنها مصممة لبيئة اجتماعية ذات خصائص معينة وهي مكلفة للغاية، ولا يمكن ان تحقق العائدية الاستثمارية المأمولة، حيث لم يحقق نقل التقانة والمعرفة والنهضة العلمية والتكنولوجية المطلوبة في الوطن العربي. لقد استثمرت الدول العربية أكثر من 2200 مليار دولار بين عامي 1980 – 1997 في بناء المصانع والبنية التحتية، غير ان معدل الناتج المحلي الاجمالي للفرد قد انخفض بالفعل خلال تلك الفترة. ان هذا المبلغ المستثمر لم يؤد الى انتقال حقيقي للتقانة، لان ما جرى نقله هو وسائل الانتاج لا التقانة ذاتها.
تجربة البلدان العربية في نقل التقانة والمعرفة وتوطينها
تتسم البلدان العربية بمشتركات عديدة تعيق البحث العلمي ومنها:
  • غياب وجود نظم فعالة للابتكار ولإنتاج المعرفة في البلدان العربية.
  • غياب السياسات التي تضمن تأهيل القيم والاطر المؤسساتية الداعمة لمجتمع المعرفة.
  • عمق هذه المشكلة والاعتقاد الخاطئ بإمكان بناء مجتمع المعرفة من خلال استيراد نتائج العلم من دون الاستثمار في انتاج المعرفة.
  • الركون الى تكوين الكوادر العلمية على التعاون مع الجامعات ومراكز البحث في البلدان المتقدمة معرفيا، من دون ايجاد التقاليد العلمية المؤدية الى اكتساب المعرفة عربيا.
  • غياب الحرية الاكاديمية اللازمة للبحث العلمي.
  • قلة عدد مراكز البحث العلمي خارج الجامعات، وذلك على عكس ما هو عليه الوضع في الدول المتقدمة.
  • عدم وجود مؤسسات خاصة تقوم بالتنسيق ما بين مراكز البحوث والجامعات والقطاع الخاص.
نظرة عامة عن البحث العلمي الزراعي في العراق:
اولت الحكومات المتعاقبة في العراق الاهتمام في البحث العلمي الزراعي برغم اختلاف درجاته. فمنذ تأسيس الحكومة العراقية المستقلة في عشرينيات القرن الماضي وتأسيس مديرية الزراعة، كان هناك قسم للبحوث والارشاد يعنى بإدخال الاصناف والتقنيات وكافة الامور الخاصة بتطوير الزراعة. وبعد تأسيس وزارة الزراعة في الخمسينيات تم تشكيل مديريات خاصة بالمحاصيل، تضم اقساما خاصة بالبحوث، ثم تم جمع هذه الاقسام في هيئة واحدة أطلق عليها اسم الهيئة العامة للبحوث الزراعية التطبيقية عام 1979 ثم تغير الاسم عدة مرات ليستقر باسمه الحالي (دائرة البحوث الزراعية).
كما تأسس في العام 1968 مجلس البحث العلمي والذي كان يضم عددا من مراكز البحوث الزراعية، واستمر للعام 1980 حيث صدر به قانون خاص وبامتيازات خاصة، تم بموجبه جمع هذه المراكز بمركز واحد تحت اسم (مركز البحوث الزراعية والموارد المائية) اضافة الى المراكز الاخرى التي اهتمت بالجوانب البحثية الزراعية الاخرى، والغي هذا المجلس عام 1989 ووزعت كوادره على دوائر الدولة المختلفة.
وكان لدائرة البحوث الزراعية في منظمة الطاقة الذرية العراقية دور كبير في اجراء البحوث الزراعية، ولغاية عام 2003 حيث تم نقل نشاط هذه الدائرة حاليا الى وزارة العلوم والتكنولوجيا.
وهنا يجب ان نعرج على الدور الكبير الذي قامت به كليات الزراعة والعلوم والكليات ذات العلاقة في وزارة التعليم العالي في إجراء البحوث الزراعية سواء كانت على المستوى الأكاديمي للدراسات العليا ام التطبيقي بالتعاون مع المؤسسات البحثية الاخرى.
كما ساهمت الوزارات الاخرى مثل وزارة الري (وزارة الموارد المائية حاليا) في القيام بإجراء البحوث والدراسات الخاصة بالمياه والتربة، ووزارة الصناعة والتصنيع العسكري (الملغى) والتجارة التي ساهمت من خلال مؤسساتها ببعض البحوث الخاصة بكل منها.
وفي بداية تسعينيات القرن الماضي تأسس مركز إباء للأبحاث الزراعية والذي اهتم بالبحوث الزراعية النباتية والحيوانية حيث كان يتمتع باستقلال ذاتي ماليا واداريا، وقد دمج هذا المركز في عام 2004 مع وزارة الزراعة.
وفي الوقت الحاضر فان دائرة البحوث الزراعية في وزارة الزراعة تقوم بالمهام الرئيسية للبحث العلمي الزراعي من خلال ثمانية اقسام علمية ومحطات متوزعة في مختلف مناطق العراق. وقد اولت وزارة الزراعة اهمية كبيرة في اعادة اعمار الدائرة وتجهيز مختبراتها بأحدث الاجهزة العلمية المتطورة. وكما ان للدائرة علاقات متطورة ومشاريع مع عدد من المنظمات الدولية والاقليمية والعربية لتطوير القطاع الزراعي وبالتعاون مع الجهات البحثية الزراعية العراقية، اضافة الى المؤسسات البحثية التي استمرت في عملها كما تم ذكره في اعلاه.
 
التحديات التي تواجه الزراعة في العراق حاليا:
  • تحقيق الامن الغذائي وسلامة الغذاء.
  • ادارة الموارد للاستخدام المستدام وخاصة التربة والمياه.
  • التغير المناخي.
  • استخدام المصادر الوراثية.
  • مكافحة الآفات الزراعية المستوطنة والوافدة.
  • التطوير الريفي.
وحتى نصل إلى التصور الأمثل لتطوير القطاع البحثي الزراعي، نطرح بعض التصورات التي نعتقد انها ترتقي بمستوى البحث العلمي الزراعي:
  1. تحديد أولويات البحث واحتياجاته وتنشيط التنسيق المشترك بين المؤسسات ذات الصلة.
  2. التعرض لنقاط القوة المتوفرة مثل المؤسسات والقدرات البشرية، حيث أصبح من المسلم به ان العنصر البشري هو المكون الاساسي في اية عمل تنموي، باعتباره المحرك والمصدر الاساسي للتنمية الاقتصادية، هذا بالإضافة الى تنوع المصادر الطبيعية.
  3. تفعيل دور المؤسسات الإرشادية والبحوث التطبيقية والمراكز البحثية الزراعية في مجال نقل التكنولوجيا وتطويرها وتطويعها ورفع مستوى التنسيق بينها وبين المؤسسات الوطنية ذات الصلة.
  4. يجب النظر إلى البحث العلمي الزراعي كعملية تكاملية ومستمرة من خلال توجيه الأبحاث الأكاديمية والتطبيقية في الجامعات ومراكز البحث التابعة لوزارة الزراعة والوزارات الاخرى وبحسب الاولويات.
  5. تشجيع ودعم البحث العلمي عامة والتطبيقي منه خاصة مما يساعد على الابتكار والمقدرة على اثبات الذات. ويكون ذلك بمحاولة اشراك القطاع الخاص وجذبه للميدان من خلال حل مشاكله من جهة، واضافة موارد مالية جديدة لقطاع البحث العلمي.
  6. ضرورة زيادة مخصصات البحث العلمي الزراعي في ميزانية الدولة ودعم الباحثين ماديا ومعنويا مما يؤهلهم للقيام بمهامهم بشكل سليم. وتوفير الظروف الموضوعية للمبدعين والعلماء من خلال اقامة مراكز بحث زراعية لها استقلال اداري ومالي.
  7. الحد من هجرة الباحثين داخليا وخارجيا والعمل على اعادة العلماء العراقيين المغتربين.
  8. التركيز على إجراء الأبحاث التطبيقية الخاصة بتطوير أساليب الإنتاج وتحسين الأصناف والسلالات واستيعاب الطرق التكنولوجية الحديثة وتوظيفها في خدمة التطور الزراعي والمحافظة على استدامة المصادر الطبيعية.
  9. تشجيع القطاع الخاص على الدخول في مجال البحث والتطوير الزراعي من خلال استثمار براءات الاختراع ونتائج البحوث ضمن سياقات يتفق عليها بهدف تطوير الانتاج الزراعي.
  10. إنشاء مجلس وطني للبحوث الزراعية يضم كافة المؤسسات والمراكز البحثية التي تقوم بالبحوث الزراعية ومن مختلف الوزارات، ويرتبط بجهة تنفيذية عليا يحكمه قانون خاص متطور اداريا وماليا، يعنى بوضع أولويات للبحث العلمي الزراعي ورفع كفاءة العمل البحثي من خلال المتابعة والتقييم المستمر وإيجاد المصادر التمويلية سواء الاستثمارية المحلية أو الداعمة والمانحة الإقليمية والدولية.
  11. اعتماد آلية عمل لضمان نشر نتائج الأبحاث المعتمدة وذات الجدوى للمستفيدين والعمل على وصولها لهم من خلال الإعلام الزراعي والإرشاد. وهنا يجب التركيز على الدور الملقى على عاتق دوائر الإرشاد والبحوث الزراعية بشكل خاص لقربها من صانعي القرار والمستفيدين المباشرين وهم المزارعون والمؤسسات الزراعية الإنتاجية ذات الصلة.
  12. تبني فكرة المشاريع او البرامج الوطنية الخاصة بكل محصول استراتيجي، تشترك فيه كافة المؤسسات العلمية والبحثية والارشادية وتخصص له ميزانية خاصة وسقف زمني وهدف محددان.   
* أ. د. صالح محسن بدر: خبير زراعي ومدير عام الهيئة العامة للبحوث الزراعية سابقا

المصادر:
  • رضوان خليفة عبد الحليم.1984. تأثير البحوث العلمية على تطوير الانتاجية في القطاع الزراعي. دراسة مقدمة من نقابة المهندسين الزراعيين في جمهورية العراق الى المؤتمر الفني الدوري السادس لاتحاد المهندسين الزراعيين العرب.
  • عبد الصاحب العلوان. 2006. مقترحات بشان الاصلاح الاقتصادي وتطوير القطاع الزراعي. دراسة خاصة مقتبسة عبر الانترنيت.
  • محمد حسن شعبان. 2008. البحث العلمي التطبيقي من خلال شراكة راس المال والعقل البشري. المؤتمر الثاني لتخطيط وتطوير التعليم والبحث العلمي في الدول العربية. جامعة الملك فهد.
  • محمود يوسف سعادة. 1987. نقل التكنولوجيا بين الدول العربية. المؤتمر العربي للبحث العلمي والتنمية. وزارة شؤون البحث العلمي. القاهرة.
  • معهد اليونسكو الإحصائي - الإنفاق على البحث والتطوير. 2020. موقع البنك الدولي على الشبكة العنكبوتية.