نيسان/أبريل 27
  
    عند التفكير بالهجرة خارج الوطن ومنذ الوهلة الاولى باتخاذ هذا القرار تنبثق الافكار والطموحات، والتي تطورت خلال فترات الدراسة ومن المشاهدة والمتابعة العامة للحركة السينمائية والتلفزيونية خارج العراق والذي لا يخفى على احد مدى تأثير تلك الصناعة في دول العالم وإمكانياتها التقنية والفلسفية في التعبير، فكنا عشاق الصورة والصوت نسعى دائماً لصناعة فيلم يسرد حكايات جميلة من بلد دمرته الحروب والازمات الاقتصادية و نحاول التعبير عن امالنا الخجولة في اقرب فرصة لمغامرة ما لتطبيق كل ما شاهدناه وتعلمناه من افلام عالمية صدحت بأفكار فلسفية وتبنت اراء سياسية واجتماعية لمخرجين كبار، فبالنسبة لي كان فيلم "إمبراطورية الشمس" لستيفن سبيلبرغ والمأخوذ عن رواية بنفس الاسم هو اللبنة الاولى للخوض في المغامرات وكنت لا أتجاوز العاشرة، ثم شاهدته مرة اخرى بعين المحترف فكان اكثر تأثيراً لما يحمل من مفاهيم عن الحرب والغربة والتي وثقها الفيلم من خلال نظرات ذلك الطفل الذي عاش الجزء الأكبر من حياته وحيداً في احداث الحرب العالمية الثانية، حيث كان الفيلم يعتبر الهاجس الاول بالنسبة لي لتجربة العيش بعيداً عن الوطن والاهل .
بعد الوصول الى بلد المهجر حاملاً ملفاً لأحلام مؤجلة وتساؤلات كثيرة عن كيفية التعبير عن رؤية مهاجر شرق اوسطي في اقصى شمال امريكا، يتبادر لذهني سؤال كمهاجر هل بإمكان المجتمع الكندي أن يتفاعل مع افكار ومفاهيم شرق أوسطية في طرحها الصوري والفلسفي؟
بلا شك، كندا تمتاز بتعدد ثقافات مجتمعها ومزيج من المهاجرين من جميع انحاء العالم والذي يسهل البحث عن صانعي افلام واعلاميين مهاجرين لديهم اجابة لتساؤلات عن سبل النجاح في تسليط الضوء على قضايا الوطن الام بصورة عامة والمغتربين وافكارهم بصورة خاصة، اغلب المهاجرين من الاعلاميين والفنانين وصانعي الافلام القصيرة والوثائقية في كندا ومن خلال تجاربهم الفنية دائماً ما تكون ثيمة قصصهم قضايا الوطن الام والهجرة والاغتراب فالفنان الذي يعيش فترات عزلة يبحث دائما عن فسحة صغيرة تصله بالوطن الذي لا يستطيع الاستغناء عنه ولا العودة اليه، ليصبح تركيبة فريدة من عادات وتقاليد يسعى دائما للحفاظ عليها وبين مجتمع جديد يحاول ان يكون جزءا منه بأسلوب حياتي معين او التعايش مع مفاهيم اجتماعية مختلفة والتي تستطيع الاحساس بهذه التركيبة بمجرد مشاهدة عرض معين لفيلم مخرجه او كاتبه من المهاجرين، فهناك من نجح في انتاج افلام قصيرة ووثائقية تسرد حكايات تساهم في تعزيز الانتماء للوطن الام ومنهم من يحاول ومنهم من نجح في وسائل التواصل الاجتماعي! فكل تلك المحاولات كان الهدف منها ايصال هموم المهاجر وقضاياه بطريقة تلامس ثقافة وذائقة المجتمع الكندي دون فرض مفاهيم وعقائد وفلسفة شرق اوسطية - فالعمل المقبول جماهيرياً في الشرق الاوسط لا يعني انه قد يكون مقنعاً لجمهور كندي ربما لم يسمع حتى بأسماء بعض الدول العربية.
قبل احداث الربيع العربي وبروز التنظيمات الارهابية وتوافد المهاجرين بحثاً عن وطن جديد، كان اتجاه اغلب صانعي الأفلام المهاجرين البحث عن قصص من المجتمع الكندي ابطالها من المهاجرين، تهتم لقضايا محلية تهم القادمين الجدد وتطرح مفاهيم اجتماعية عامة قد يراها المهاجر الجديد اساسية للاندماج في المجتمع، لكن الفيلم يبقى محلياً، وقد لا يعني  الكنديين أنفسهم ولا حتى المهاجرين القدامى، فكانت اغلب القصص والحكايات تسعى لإعادة بناء المهاجرين الجدد بما يناسب مفاهيم الوطن الجديد، وبعد حملات الهجرة الكبيرة التي حدثت في السنوات الاخيرة وتحديدا من سوريا والعراق كانت فسحة الوصل بالوطن تكبر حتى اتجهت افلام المغتربين الى منحى سياسي رافض، وصارت صوت كل من لا صوت له في ارض الوطن الام، وقد تم اعتماد بعض الافلام رغم قلتها من منظمات شبه حكومية تعنى بحقوق الانسان ومنهم من اعتبرها وثيقة وشهادات تساعد في بناء ما تدمر.
في حديث لي مع احد صانعي الافلام من المغرب العربي والذي كان يشكو من قلة انتاج الافلام السينمائية العربية في كندا رغم القصص والحكايات من الوطن الام والتي من الممكن ان ينتج منها الكثير من الافلام، بالإضافة الى وجود بعض المهرجانات السينمائية التي تتلقى الدعم من الحكومة الكندية، والتي تعتبر منصة مفتوحة للتعبير في داخل المجتمع الكندي، والكثير من برامج المنح المالية الحكومية الا ان هناك الكثير من التعقيدات التي ترافق خطوات الحصول على تلك المميزات فأغلب المشاريع الفلمية تخضع لشروط برامج معينة تقررها الحكومة ضمن خطة هدفها الاندماج والتقارب بين ابناء الجاليات في كندا. فليس هناك حرية كاملة في انتاج قصة ما الا إذا كانت الاقرب لتنفيذ رؤيتها في هذا البرنامج، لذلك نرى انا والصديق المغربي ان عملية انتاج فيلم قصير يحكي قصة وطن وشجون اغتراب يجب ان يتحقق بين من يؤمن ان الدور الحقيقي لصانع الفيلم في دول الاغتراب هو ان يشير الى وطنه الام بأفكاره وقلمه رغم اختلاف البيئة المكانية في كندا والتي قد تكون عامل تأخير لإنتاج اي فيلم يروي قصة وطن في وطن اخر!، كما حصل معي في فيلمي القصير  2:30 min.
 فبعد انفجار الكرادة الشهير عام 2016 في مجمع الليث التجاري، حاولت ان أقدم فكرة فيلم قصير يسرد احداث هذه المأساة دون اي حوار، معتمدا على التكوينات البصرية في المشهد الواحد وسيميائية اللقطات، كنت ارى انه سيكون رسالة مرئية للمجتمع الكندي بأن العراق والعراقيين ضحايا ارهاب سياسي - ديني وعبث وترهل امني حكومي، وان كل من ستصله تلك الرسالة في اي بلد من العالم ربما سيكون الضحية التالية.
الفيلم تبنت انتاجه منظمة عراقية كندية غير ربحية في كندا (الجمعية العراقية الكندية)، والتي كانت تدور احداثه في الكرادة نفسها قبل دقيقتين ونصف الدقيقة من وقوع الانفجار وهذه كانت المهمة الاصعب والتي كان علينا ايجاد او خلق بيئة مكانية تشبه مدينة الكرادة ونجحنا في ذلك في مدينة "سكاربرو" القريبة من مدينة "تورونتو الكبرى" والتي غالبية سكانها واسواقها التجارية من الجاليات العربية المختلفة، تم تصوير الفيلم بنجاح وبمشاركة ابناء الجالية العراقية وبعض الفنانين المهاجرين الذين ما ان سمعوا ان فيلما عراقياَ يتحدث عن قصة مأساة من العراق حتى توافدوا للمشاركة كطقس وطني للتعبير عن الانتماء لهذا الوطن الذي غادروه جسداَ، كان لهم الفضل بنجاح الفيلم وحصوله على جائزة افضل فيلم تجريبي اجنبي في مهرجان كندا الدولي للأفلام المستقلة 2018.
 
فارس حيدر مهدي مخرج عراقي – كندا