أيار 18
 
    ليس من السهولة بمكان تغطية نضال مسيرة طويلة لمدة سبعين سنة في اعلاء منبر الكلمة الحرة والصادقة على الرغم من تعرض كتابها ومحرريها وقرائها الى الاعتقال والمنع والعنف اللفظي والجسدي .
أرادت السلطات الرجعية أن تمنع صدور مثل هذه المجلة مرات عديدة ولكنها باءت بالفشل.
تنوع مواد الأعداد المختلفة من مجلة الثقافة الجديدة رفع من شأنها وسط القراء الذين ينتظرون صدورها بشغف ولهفة. وما من أحد عكس هذا الشعور بكل صدق إلا وهو متأكد من ذلك. وهذا الشعور موجود ليس فقط عند القراء ، ولكن عند كل من ساهم في إصدارها ورفدها بالمقالات الجديرة بالقراءة. مطبوع مهم مثل مجلة الثقافة الجديدة يعكس في طياته حاجة المجتمع الى مقالات يحتاجها القارئ ليس المواضيع السياسية والاقتصادية والأدبية من شعر ومسرح .. فقط وإنما المواد الثقافية المختلفة.
إنّ شعار المجلة العتيد: فكر علمي .. ثقافة تقدمية! يعكس حرص هيئة التحرير على اتباع هذا الخط والمنحى في نشر الثقافة التقدمية الحقيقية وسط الجماهير بمختلف مستوياتها وتطلعاتها ولا تتهاون أو تناور في ذلك.
وكما هو معروف، فإن هذه المجلة التي صدر عددها الأول في نوفمبر/ تشرين الثاني 1953 ببغداد لا تزال تصدر حتى يومنا هذا.
وكما ورد في مقالة الدكتور ابراهيم العلاف الموسومة مجلة الثقافة الجديدة: فصل من تاريخ العراق الثقافي المعاصر. الحوار المتمدن - العدد: 2657 -25/5/ 2009  . لعل الشاعر الأديب والصحفي الصديق الأستاذ سامي مهدي، هو أول من انتبه إلى مجلة "الثقافة الجديدة"، وعدها من المجلات الريادية في العراق، لما لها من دور، ليس في تحديث الأدب والفن، وإنما في تطوير وتقدم حركة الثقافة العراقية المعاصرة. فلقد كتب عنها فصلا ضافيا في كتابه القيم الموسوم "المجلات العراقية الريادية ودورها في تحديث الأدب والفن 1945-1958"، والذي نشرته دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد سنة 1995.
وعند صدور المجلة جاء في ترويستها أنها مجلة "الفكر العلمي" و"الثقافة التقدمية". صاحب امتيازها مهدي جواد الرحيم ومديرها المسؤول خالد طه نجم المحامي، وموقع هيئة التحرير كان في خان كبة الكائن في شارع الرشيد ببغداد، وهو موقع قريب إلى أماكن الطباعة. وثمة (لجنة من الكتاب) هي التي تقوم بتحريرها.
قدم الدكتور صلاح خالص، معلومات وفيرة عن مجلة "الثقافة الجديدة" للأستاذ يوسف الصائغ، وهو يعمل على إنجاز رسالته للماجستير حول الشعر الحر في العراق منذ نشأته حتى 1958. ومما جاء فيها أن مجلة "الثقافة الجديدة"، صدرت بتوجيه مباشر من الحزب الشيوعي العراقي، وأنه هو والدكتور صفاء الحافظ قد أشرفا على إصدارها.
ويقال إن عبدالوهاب البياتي كان يشرف عند صدورها على الجانب الذي يهتم بالأدب. وقد ورد في افتتاحية العدد الأول إن المجلة "تقدمية تؤمن بوجود أفكار رجعية تحاول منع المجتمع وعرقلة سيره، فتحارب هذه الأفكار - معتمدة على دروس التاريخ القيمة وعلى التفكير العلمي الصحيح."
ومن أساتذة جامعة بغداد الذين نشروا في المجلة ومن ذوي الاتجاه اليساري ومنهم الدكتور فيصل السامر، والدكتور صلاح خالص في كلية الآداب ، والدكتور إبراهيم كبة والدكتور محمد سلمان حسن في كلية الإدارة والإقتصاد.
يقول الأستاذ محسن جاسم الموسوي في دراسة له بعنوان "المجلات الثقافية العراقية: دورها ومكانتها" منشورة في مجلة "العربي" وعلى موقعها الإلكتروني إن مجلة "الثقافة الجديدة" توجهت نحو الجامعة وأساتذة الجامعة واستحوذت إلى حد ما على الأقلام المؤهلة للكتابة والتي تدفعها الرغبة والحاجة إلى النشر والتأليف والتأثير. كان من كتابها أساتذة بارزون في الوسط الجامعي العراقي كالدكتور مهدي المخزومي، والدكتورة نزيهة الدليمي، والدكتور صلاح خالص، والدكتور إبراهيم السامرائي، وكان الابتكار والثورية والاختلاف والتحزب هي صفات الطرف اليساري من الطبقة المثقفة العراقية.
كما أن المجلة ومحرريها يعتقدون "أن الأفكار وإن كانت تنشأ في ظروف اقتصادية واجتماعية ونفسية وتاريخية معينة، فإنها قوة ذات أثر فعال في تقدم المجتمع أو تأخره، لذا نرى من واجبها استخدام هذا السلاح الماضي للتقدم، لا للتأخر، والسير للإمام، لا للرجوع إلى الوراء".
ليس من السهولة رصد كل الكتابات التي نشرت في مجلة "الثقافة الجديدة"، فذلك يحتاج إلى جهد ووقت كبيرين، وأول مايجب أن يعمل في هذا الاتجاه إصدار ببلوغرافيا مفصلة وشاملة للمجلة ونأمل في أن يتصدى لهذه المهمة بعض أصدقائنا من المكتتبين.
لكن لا بد من ذكر بعض من كتب في المجلة، وأوائل من يجب الإشادة بكتاباتهم على صعيد الشعر: بدر شاكر السياب، وعبدالوهاب ألبياتي، وكاظم السماوي، وكوران، وديلان. وعلى صعيد القصة: الدكتور شاكر خصباك، وعبدالملك نوري، وفؤاد التكرلي. ولم يكن الاهتمام بالرسم والسينما والمسرح بعيداً عن المجلة، فلقد أولى محرروها هذه الميادين الكثير من العناية وكان من الكتاب الذين تناوبوا على تقديم ماهو جديد فيها: يوسف العاني ونوري الراوي ومحمود صبري ووليد صفوة وعطا صبري.
واهتمت المجلة بالترجمة عن اللغات المختلفة وكان ممن تخصص في هذا المجال شاكر خصباك ونهاد التكرلي وجاسم محمد الرجب وإسماعيل الشيخلي ومهدي الرحيم وعبدالملك نوري وآخرون. وفتحت المجلة نوافذها على الحركة الثقافية العربية والأجنبية، فكانت هناك تقارير ورسائل من شتى أنحاء العالم، ولئن اهتمت المجلة كثيراً بما عرف بالواقعية الاشتراكية وتطبيقاتها الماركسية على الأدب والفن، فإن ذلك لم يمنعها من الولوج في دروب مدارس فكرية وفنية وفلسفية عالمية أخرى.
بعد هذه القراءة التاريخية في نشوء وتطور مجلة الثقافة الجديدة الغراء لا يسعني إلا أن أرفع القبعة وأحيي جميع الذين ساهموا في اصدارها منذ العدد الاول منها في العام 1953. وأنحني للذين تركوا لنا جميعا ارثا ثقافيا نعتز ونفتخر به وننهل منه وسيبقى على مر الأجيال يساعدنا في فهم ثقافتنا بشكل صحيح.