أيار 19
 
   انه لمن باب الوفاء ودواعي الابداع ان نستذكر رواد الثقافة العراقية، الذين ساهموا في اصدار مجلة متخصصة بالعلوم والثقافة. ان عام 1953 كان بداية الانطلاقة بفهم حاذق وبصيرة نافذة للمستقبل قوامه الواقعية، الجد، المحبة والصدق.
في تشرين الثاني من عامنا هذا تمر الذكرى السبعون لصدور العدد الاول من مجلة (الثقافة الجديدة) وتحت شعار (فكر علمي... ثقافة تقدمية) ... سبعون عاما مرت مليئة بالمضايقات والتهديد اللفظي والجسدي لروادها. إلا ان عزيمة الأبطال تجاوزت مكر الثعالب لتنجز صرحا علميا، لبِنَةٍ لَبِنة. تمثل هذا الصرح بثقافة تقدمية، اذ ان مجموعة من الصفات التي تمكن المُتصف بها من التمييز في فهم الواقع والقدرة على التعامل معه بحكمة؛ هو من هدى الشعار الذي رفعته المجلة (فكر علمي... ثقافة تقدمية).
إن القائمين اليوم يسعون وبكل مهنية للحفاظ والعمل المستمر على النهج المشرق الواعد الموروث لبناء مجتمع يتبنى هذا الهدف النبيل.
كان للثقافة الجديدة تأثير هائل على المجتمع العراقي والعربي، وعلى مدى سبعين عاما تراكمت لدينا حقائق حول عالمنا شكلت فهمنا وأفعالنا بتفاصيل الأطروحات السياسية والمناورات الاقتصادية. وعن الإحصاءات والتنبؤات لمواضيع مختلفة: أخبار التقدم في العلوم، مراجعات للفنون والأدب والترفيه.
كما نسجت خيوط اتصال غير مرئية تربط بين الأفراد المشتركين جغرافيا في مجتمعات متماسكة يتشارك أعضاؤها المعرفة والأهداف والقيم الإنسانية النبيلة وقصصا عن الإنجازات البارزة والمناسبات السعيدة والأحداث المحزنة...
كان الاهتمام بالثقافة الجديدة قد قاد بعيدا عن وجهة النظر القائلة؛ إن المجتمعات هي مجموعات من الاشخاص ذوي الاهتمامات والهويات المشتركة في مناطق معينة (بلدات، مدن او احياء) وهي الطريقة التي يميل بها علماء الاجتماع الحضري الى تعريف المجتمع، بدلا من ذلك كان الاهتمام بكيفية تمكينها من المساهمة في بناء اجتماعات من اشخاص لديهم اهتمامات، معتقدات، هويات، وانشطة مشتركة والذين يدركون ما هو مشترك بينهم، ولكنهم متفرقون جغرافيا، ولا يمكنهم الالتقاء بسهولة وجها لوجه؛ فتتوسط المجلة تفاعلاتهم حرفيا.
سبعة عقود من المساهمة في دعم الحياة الاجتماعية التي تقع بألوان من التفاعل بين الفرد والدولة، والذي تمت تسميته بشكل مختلف بـ "المجتمع المدني" أو "المجال العام" هذا المجال الذي يتكون من معلومات يطرحها المساهمون بموضوعاتهم، واتصالاتهم، وفرتها المجلة بشكل مفتوح عبر المسائل ذات الاهتمام العام. لقد كان ذلك تمرينا ضروريا لعمل الديمقراطية؛ حيث يرى العديد من العلماء انه كلما ارتفعت جودة الخطاب وزادت كمية المشاركة في هذا المجال كلما كانت الروابط بين المواطنين أقوى وتحسنت الديمقراطية....
ان (الثقافة الجديدة) شاركت في العديد من مجالات الحياة الاجتماعية، أكثر بكثير من السياسة الرسمية للدولة بمناهجها المختلفة، حيث انها قدمت محتوى تعليميا في الفنون والعلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية والطبيعية والطب، والأعمال، والهندسة، والتكنولوجيا.. معلومات لأشخاص في العديد من المهن والصناعات المختلفة لهذه المجالات التي تقع خارج السياسة الرسمية.
عملت (الثقافة الجديدة) على انشاء مجتمعات متنوعة وربطت أعدادا كثيرة من الناس معا عبر مسافات بعيدة. انها احدى الأدوات المهمة في السعي للانتقال من مجتمع تقليدي الى مجتمع حديث منفتح، يقبل الأطروحات العلمية والثقافية.
مجلة (الثقافة الجديدة) في عصرنا الرقمي
لتصور المكانة التي ستكون عليها المجلة في العالم الرقمي المزدحم بوسائل التواصل الاجتماعي المختلفة والتطبيقات المتخصصة الأخرى، لا بد من طرح الأسئلة الآتية:
منذ متى كانت آخر مرة اشتريت فيها مجلة مطبوعة؟ متى كانت آخر مرة قرأت فيها مقالا من عنوان مجلة عبر الإنترنيت.
يفترض ان تكون الإجابة على هذين السؤالين مختلفة تماما، وسيتم دعمها بمثال الحدث للإحصائيات الصادرة عن التدقيق العالمي نصف السنوي، المتوفر عالميا الذي يجريه مكتب التوزيع الأسترالي ...على سبيل المثال... والذي يظهر انخفاضا سنويًا بنسبة 13 بالمئة في عدد قراء المجلات المطبوعة الأسبوعية. يمكن لهذه الإحصائية أن ترسم صورة قاتمة جدًا لحالة صناعة المجلات، خاصة إذا أضيفت إليها العديد من العناوين التي توقفت.
لكن، إذا نظرت إلى تلك العناوين التي استمرت، فستجد بأنها تُعلمنا شيئا مهما للغاية عن كوننا نمتلك "الثقافة الجديدة"! لقد تعلم الناشرون ذوو الخبرة الرقمية أن مفتاح طول العمر في مساحة المجلات المطبوعة هو بناء "أسم مميز"، ونحن نملك سبعين عاما من التألق في حفر اسم (الثقافة الجديدة) في ذاكرة التاريخ الحديث حيث سَبقنا أقراننا في العالم العربي فكنا الأوائل قبل (الثقافة الجديدة المصرية) و(الثقافة الجديدة المغربية) و(الثقافة الجديدة اليمانية).
كما هو معروف فإن (الثقافة الجديدة) متوفرة، بالإضافة الى نسختها المطبوعة، بمنصتها الإلكترونية لتواكب متطلبات النشر في عصرنا الرقمي، ولهذا التواجد متطلبات لضمان الاستمرار بتحقيق نجاحات أكبر منها:
  • أن تتمتع المجلة بواجهة سهلة الاستخدام مع محتوى جذاب يستفيد من الوسائط الرقمية والتصميمات المبتكرة.
  • أن تتضمن صورا ومقاطع فيديو ومحتوى تفاعليًا عالي الجودة يجذب القراء. يعد سرد القصص المرئية وسيلة فعالة لجذب القراء وإنشاء اتصال عاطفي معهم.
  • أن تدمج المجلة الرقمية الناجحة وسائل التواصل الاجتماعي في إستراتيجيتها الشاملة لتوزيع المحتوى وتستفيد من وسائل التواصل الاجتماعي لتوسيع نطاق وصولها والتفاعل مع جمهورها.
  • أن تتضمن بعض التصميمات المبتكرة التي تستخدمها المجلة الرقمية الناجحة الرسوم البيانية التفاعلية ومقاطع الفيديو بنطاق 360 درجة. تساعد هذه التصميمات على خلق تجربة جذابة وتجعل المجلة متميزة.
  • تُعد الاستراتيجية التحريرية أمًرا بالغ الاهمية في إنشاء مجلة رقمية ناجحة. تأخذ الاستراتيجية التحريرية القوية في الاعتبار الجمهور المستهدف وتنشئ محتوى يلقى صدى لديهم.
  • يعد التصميم الملائم للهواتف الجوالة أمًرا بالغ الاهمية لنجاح المجلة الرقمية. الآن نسبة كبيرة من القراء يصلون إلى المحتوى الرقمي عبر الاجهزة المحمولة.
وفقًا لدراسة أجرتها جامعة تورنتو في عام 2014، والتي وجدت أن ناشري المجلات الذين يعطون الأولوية لعروضهم الرقمية؛ هم أوفر حظا في تحقيق النجاحات والاستمرار. ووجدت الدراسة أيضًا أنه كلما كان جمهور المجلة أكثر تجانسًا، كلما كانت أكثر جاذبية لمحترفي الاتصالات الذين يتطلعون إلى استهداف نوع معين من المستهلكين.
في النهاية، لدينا جميعًا دور نلعبه في إبقاء أن تكون (الثقافة الجديدة) أكثر تأثيرا وفاعلية بمرور الزمن.