أيار 13
 
      الثقافة الجديدة اسم اسعدني الزمن في الكتابة عنه لمرتين، كانت الاولى بتاريخ 27/ آب / 2015 وكتبت فيه جاداً: ((الثقافة الجديدة من مجلة الى ظاهرة ثقافية)) الان اتساءل هل ما زالت ظاهرة؟ ام ترى الظاهرة كبرت واتسع مداها كثيرا (لتصبح تاريخاً مشرفا لثقافتنا العراقية) ليزداد عدد القراء والمعنيين والباحثين عنها عند كل باعة الكتب والمجلات؟ هنا ينبغي التأكيد على الفارق الزمني الذي يشير الى ان المجلة اصبحت تاريخا عريقا يعتز به من له اسهامة فيه مهما بدت بسيطة او عابرة اذ لا بسيط ولا عابر في قاموس الثقافة والمعرفة، كل شيء راسخ وقوي وشجاع على قول ما يخدم الناس وخصوصا القراء الجاديين.
كنا مجموعة من الفتيان والشباب في الحي الذي نسكنه كلنا تقريبا او بالحري احياء متجاورة يتجمع شبابها في مقهى واحد، والمدينة هي مدينة الحرية وكان يغلب على مجموعتنا الطابع اليساري وبعضهم حقق انتسابا للحزب الشيوعي العراقي وكانت المجلة تعتبر من الكنوز التي يمكن للمرء ان يفوز بشرائها او الحصول عليها، على ان المجلة لم تنتشر من خلال باعة الكتب والمجلات الذين يمكن ان تجد لديهم المجلات التي تعنى باخبار الفنانين والفنانات العرب، اما مجلات جادة وذات سمعة وطنية كالثقافة الجديدة فاننا كنا نحصل عليها من خلال الاصدقاء الذين هم اقرب الجميع إليها. واغلب من كان يحرص على اقتنائها كان تهمه المقالات التي تعنى باخبار البلد من خلال تحليل الظواهر الثقافية والاجتماعية الملحة.
       وذات مساء همس لي الصديق الشاعر حميد الخاقاني بضرورة الذهاب الى مجلة الثقافة الجديدة، وطلب مني ان كانت لدي قصة غير منشورة سوف تنشر في المجلة، والحق كنت قد انجزت قصة قصيرة اسميتها الصالة، اخذت القصة وتوجهنا الى احد الباصات للذهاب الى الباب الشرقي حيث مبنى المجلة هناك. علينا ان نتسلق سلماً للوصول الى داخل المبنى، كانت خطوات صاحبي (الصديق الشاعر حميد الخاقاني) تسبقني بخطوات قليلة، وحين دخلنا لم نكن نعرف احد من المحررين او الضيوف والزائرين، انتبهت الى وجود احد الوجوه التي اكاد اعرفها انه الاخ والصديق الاستاذ فاضل ثامر وكان قد نشر مقالة عن قصة الاستاذ جمعة اللامي (من قتل حكمت الشامي) التي نشرت في مجلة الكلمة في حينه، على اننا ما لبثنا ان تعرفنا على المزيد من ادباء وكتاب وشعراء وكذلك فنانين، وتحول الجميع الى اصدقاء لنا.
 اخذ حميد مني القصة وسلمها الى مسؤول في المجلة، كان علي ان انتظر عدة اسابيع، لتظهر قصة الصالة في المجلة وكان النشر بها يعتبر تحديد موقف، ان لم يكن امتيازا للنص وصاحبه. شعرنا ان مهمتنا تم تنفيذها وليس لدينا الا مواصلة الجولة في مقاهي شارع ابي نؤاس حيث هناك العديد من الاصدقاء في مقاه محددة، كانت تلك الاجواء المنفتحة هي مناخات الثقافة الجديدة ـ المجلة، كانت بغداد مدينة جاهزة للانفتاح، لكن هناك من لا يريد لها ان تتطور، وان يسودها الخير والجمال وحرية التعبير. كان التاريخ الذي عاشته الثقافة الجديدة تاريخ الناس، الذين يهمهم ان يتمكنوا من الكلام وان يكتبوا ما يشاؤون من قصص وقصائد، ومقالات. ولقد انتهجت المجلة نهجا خالص الجدية في ازاحة كل مادة ليست بالمستوى الضروري، طرحته جانبا وخارج اعدادها، لذا لا نجد اي مقتن لها او مثقف يمكنه الاستغناء عن عدد محدد من اعداها، ولقد سعى الكثير من الاصدقاء المعنيين بالشأن الثقافي الى التعامل معها باعتبارها وثيقة تحدد مسار مرحلة من مراحل نمو وتطور الثقافة الوطنية في العراق.
        في تلك السنوات لم اكن اعرف الوجوه جيدا من محرري المجلة التي كان رئيس تحريرها الاستاذ مكرم الطالباني. وكذلك بقية العاملين فيها لكننا بدأنا نتعرف إلى الجميع الواحد اثر الاخر بدءا من هاشم الطعان وحسين العلاق والفريد سمعان وغانم الدباغ وغيرهم، اصبحوا اصدقاء لنا.
ولقد اغنت معظم متابعيها وقرائها بالمزيد من فيوض الثقافة والمعرفة والعلم والجمال وذلك من خلال الملفات الخاصة في الفلسفة والعلم والمسرح والاقتصاد والظواهر الاجتماعية واستكتبت العشرات من الادباء والمعنيين بالثقافة والفكر، ليسهم كل من جانبه واختصاصه، جادين في رفدها بافكارهم الانسانية ومن خلالهم منح الفكر التقدمي فرصته في الانتشار بين المثقفين على مختلف ميولهم وافكارهم وما يتمتعون به من قناعة تخص الفكر الانساني التقدمي الذي يهدف الى حياة انسانية كريمة للناس، وخصوصا ابناء الفقراء ومن هم في تجانس او حلف معهم ولقد كانت ومازالت الثقافة الجديدة وفية لشعارها الخالد ((فكر علمي ثقافة تقدمية)) وهذا يدل على مهنية هيئة تحريرها والتزامهم بالشعار الذي يقدم قناعة تامة لكل من المهتمين بها والذين يسعدهم انهم من كتابها ودعاتها.