أيار 19
 
س/ماذا تعني لك الثقافة الجديدة؟
ج: ان لكل باحث متخصص في أي مجال كان على المستوى الادبي أو الاقتصادي أو السياسي والتاريخي على وجه التحديد لا يمكن له الاستغناء عن مادة علمية تحمل بين صفحاتها الكثير من البحوث والدراسات والمقالات المتعددة والمتنوعة والتي لا تكاد مخيلة وعين القارئ تنتهي من صفحة لينتقل الى الأخرى لما تحمله تلك المجلة من دراسات سطرت بأيدي كتاب يشار إليهم بالبنان، وكل من وقف على بواطن ما كتب فيها أن يسجلوا ما أطلعوا عليه وعرفوه لتكون مادة حية تنير السبيل لمن يتصدى لتأريخ العراق بجوانبه المتعددة وما نشرته الثقافة الجديدة من مذكرات أو دراسة أو بحث ما غمض من هذه الفترة المعقدة من تأريخ العراق.
    ان صدور المجلة في عام 1953 هو نقطة يجب التوقف عندها بعيداً عمن وراء المجلة كحزب شيوعي عراقي (محظور وملاحق) من قبل الأجهزة الحكومية وخصصت التحقيقات الجنائية شعبة خاصة لمتابعة نشاطات الحزب الشيوعي وكبس ادواته الطباعية والمنشورات التي بدأت تحظى بمتابعة شعبية، فكان صدورها بشكل علني وبتوجيه من الحزب الشيوعي العراقي ومن بعض الشخصيات الشيوعية واليسارية يمثل تحديا كبيرا وجّهه الحزب الشيوعي للنظام الملكي ولأجهزته التي سخّرت كل إمكانياتها في سبيل ملاحقة أي رائحة يشم منها (شيوعية أو يسارية) وكانت المقالات التي سطرت فيها تعبر عن روح تقدمية واضحة والتي سرعان ما تم حجب صدورها من قبل السلطات الحكومية بعد صدور عدد (تشرين الثاني وكانون الأول) وصودر العدد الثاني بعد توزيعه في الأسواق بساعات وجمعت أعداده بأوامر حكومية وأثارت بعض مقالات المجلة مخاوف رئيس الوزراء محمد فاضل الجمالي الذي قدم شرحاً لأعضاء مجلس النواب عن سبب منعه للمجلة وهو يستعرض مقال للدكتور ابراهيم كبة، والذي تناول فيه بعضا من الفلسفة الماركسية وهو بالتأكيد يعارض منهج رئيس الوزراء ذي الميول الغربية.
    ومن ثم صدر عدد آخر في نيسان 1954 ولكنها لم تستمر بالصدور بعد السياسة التي سار عليها نوري السعيد التي عرفت بـ (المراسيم الإرهابية) والتي أغلقت الاحزاب والصحف والتجمعات الاجتماعية وكل ما يشم منه رائحة تعارض وتنتقد الحكومة من أجل الشروع بعقده لحلف بغداد 1955.
     إن الاعداد الثلاث الاولى تعطي لنا دلالة واضحة على ان المجلة كانت صادقة في شعارها في انها مجلة "الفكر العلمي" و"الفكر التقدمي".
    علي ان أعزز في هذه الأسطر تجربتي كباحث أكاديمي مع مجلة الثقافة الجديدة ما أن شرعت بالكتابة لأطروحتي للدكتوراه (الحزب الشيوعي العراقي وموقفه من التطورات الداخلية والخارجية 1968 – 1979) والتي دعتني للتفكير كيف يمكنني أن اعالج ضياع الكثير من الوثائق والأدبيات الشيوعية بسبب الملاحقات الامنية المستمرة منذ تأسيسه لأجد ضالتي بعد أن بدأت البحث والتنقيب عن كل ما يسعف ويعزز اطروحتي لأجد ان كل من يرشدني بضرورة الرجوع لمجلة الثقافة الجديدة والتي عاودت الصدور الثالث بعد توقفها إبان ثورة 14 تموز 1958 لأسباب تتعلق بتراجع حكومة الثورة مع الحزب الشيوعي ليصدر قرار بتوقفها في ا6 آب 1961، ثم لتعاود الصدور مجددا الأول في نيسان 1969 بعد وصول البعث للسلطة في انقلابه الثاني والسماح للشيوعيين بإصدار بعض الأدبيات كي يعطي صورة للرأي العام انه مغاير لصورة الثامن من شباط 1963.
    وبالفعل بدأت انقب عن عدد هنا وهناك لتكون لي المفاجأة عندما عرض عليَّ أحد باعة الكتب شراء مجلة الثقافة الجديدة بأعدادها المتكاملة من 1969 حتى اخر عدد في نيسان 1979 فكانت لي مفاجأة لم اكن اتوقعها وبعد نقلها بدأت افتش بين فهارس المجلة وكأنها مجلة اكاديمية اغنت فصول الرسالة بمعلومات تكاد تكون وثائق مهمة ومميزة، وجاء هذا التميز عندما تقرأ افتتاحية المجلة والتي كانت تصدر كل شهر والتي تعبر عن رأي الحزب الشيوعي العراقي بالوضع العام ومن ثم تنتقل الى محطات مهمة من الدراسات واهمها هي الصفحات الأخيرة والتي كانت هي الصيد الثمين بالنسبة لي، فكانت هي الوثائق المنشورة للحزب وبياناته ومواقفه على الصعيدين الداخلي والخارجي، فكانت بحق أرشيفا تمكن الحزب الشيوعي ان يحافظ عليه من الضياع الى حد ما.
    فشكلت مجلة الثقافة الجديدة مصدرا لدراستي بحدود (20%) من مصادري المتنوعة وما زلت اعاود فهارسها كلما كلفت بكاتبة بحث ما فهي لم تقتصر على الكتابات اليسارية بل تحمل بين القومية والعالمية بعيدا عن التحزب والتخوف مما يكتب فيها من اقلام الكتاب الذين تنوعت مشارب ثقافاتهم.
  وما زلت متشبثاً بالعدد الرابع (نيسان 1975) وفيه خلاصة لمقابلتين اجرتها (الثقافة الجديدة) مع رائد الفكر الاشتراكي حسين الرحال والتي أسهمت في أن تسلط الضوء على مراحل مجهولة عن البدايات الأولى للفكر الاشتراكي في العراق رغم انها كانت مقابلة لم ترتق لمستوى ما تركوه وهذا ما أكدته مجلة الثقافة الجديدة في (ص34) بالقول: "لم يواصل حسين الرحال ولا الشلة التي تحيط به الطريق الشاق الموصل الى بناء تنظيم ماركسي - لينيني في العراق، إذ سرعان ما تفرق شمل المجموعة مع ظهور اولى الصعوبات التي أمامها... كان لا بد من جيل جديد من المناضلين الصلبين المتمكنين من تطبيق الماركسية على ظروف العراق الخاصة". وبالفعل بهذه الكلمات فتحت صفحات أخرى لمرحلة نضال أخرى سطرها الشيوعيون.
 س/وما هو تقييمك لدورها في المشهد الثقافي والسياسي والاقتصادي؟
 ج/في الحقيقة صعب ان اضع تقييما كي احدد دورها في المشهد العام فهي في الحقيقة حملت صوتاً صادقاً نبيلاً مدافعاً عن شعارها وعن طبقة العمال والفلاحين وكانت مرشد للحكومات لمن يطالب بإيجاد حلول لمشاكل معينة يعاني منها الوضع السياسي او الاقتصادي والاجتماعي فكان للمقالات السياسية صوت واضح وردود حقيقية لرأي الحزب الشيوعي إزاء التطورات التي حملها صعود البعث الثاني للسلطة ورأيه في الكثير من المسائل التي تخص العمال والفلاحين.
س/ مقترحاتي للمجلة؟
ج/ ان احتفاء المجلة بذكراها السبعين هذا دليل كاف على انها "نبض المثقفين" وما زالت تواصل في خضم تيار متلاطم من المتغيرات على المشهد العام والثقافي على وجه التحديد، من جملة ما اقترح:
  • يجب على المجلة العمل على حصول موافقة من وزارة التعليم العالي لكي تكون ضمن المجلات الرسمية التي يمكن للباحثين النشر فيها والتي يمكن ان تكون رافدا مهما للباحثين والناشرين.
  • يفضل العمل على تخصيص جزء من صفحاتها بمحاولة اجراء مقابلات مع الكوادر المخضرمة في صفوف الحزب الشيوعي، لكي تسطر ذكرياتها والتي تشكل هي الأخرى رافدا مهما لتسليط الضوء على مراحل تأريخية لا تزال بعض من صفحاتها مفقودة.
  • محاولة فتح نوافذ تبادل مع الكليات والجامعات لكي تكون مصدرا مهما لطلبة الدراسات العليا.
  • واتمنى الاهتمام بالجودة الفنية للمجلة لكون الكثير من اعداها مؤخرا بسبب سوء الكبس تتبعثر اوراقها.