أيار 15
 
مؤسف جدا أن نطلق على هذا الجيل من الشبيبة العراقية، انه بعيد عن القراءة.. جيل صارت المسافة بين عدد غير قليل من شرائحه وبين الكتاب مسافة طويلة لا يمكن لأجهزة الاتصال المختلفة ان تملأها او تكون بديلة عنها.. بدليل ان عددا غير قليل من الشباب باتوا يعدون هذه الاجهزة الإلكترونية سبيلهم الثقافي والحضاري الوحيد الذي يمكن تداوله والاعتماد عليه في معرفة المعلومات ومتابعة الأحداث السياسية والاجتماعية والمعرفية.
صحيح ان هذه الاجهزة تمتلك مخزونا معرفيا عميقا وحديثا ومهما كذلك.. الا ان قسما غير قليل من الشبيبة ومن المثقفين كذلك لا يتواصلون مع الكتب الجديدة، ولا التعرف إلى مطالعة الصحف والمطبوعات الحديثة، ولا الى أحدث الابحاث بمختلف اللغات وهي من الوفرة بحيث لا يمكن رصدها جميعاً، وانما التعرف الى القليل منها فقط.. ومن المهم ان تعرف شبيبتنا كل ما يدور حولهم من متغيرات معرفية وإبداعية.
إنّ هذا الجيل.. جيل تتوفر أمامه كل مصادر العلوم والمعارف والآداب والفنون، وليس هناك من كتاب محظور ولا مطبوع غائب عن العيون في المكتبات وفي أجهزة الاتصال العديدة.
إلا أن البعض من هذا الجيل بات يقبل بالسهل والعابر والمؤقت ولا يتوقف عند أي مطبوع فكري معمق.. ذلك أننا لا نجد من بين هذه الشبيبة من يتناول بالرصد مناقشة اي كتاب فاعل ومؤثر ومثير للجدل، وانما هو جيل انصرف لاضاعة وقته فيما ليس بذي فائدة ذهنية وروحية وصار يتوجه إلى الممتع والمسلي الذي يبعد الانسان عن التفكير المعمق او ينشغل ذهنيا بما هو مغاير لقناعاته السهلة والعابرة.
ولدى عدد كبير من المثقفين نظرة نحو مقاطعة كل فكر او حتى رأي يختلف عن قناعاتهم الثابتة وكأن الكون خال من التغيير ومن الجديد الذي يعبر عن رؤى وقناعات أخرى.
ولو قارنا البعض من ابناء هذا الجيل مع الاجيال السابقة لتبينا ان تلك الاجيال متعددة وهي دائمة البحث عن كل جديد، وهو الذي جعلها اجيالا تتجاوز المحن والصعاب.. حتى أن كثرة من ذاك الجيل يغامر بحياته من أجل قراءة كتاب ممنوع، مثلما يغامر اكثر من ذلك بمناقشة ما ورد من اخطار في هذا الكتاب.
وفي وقت كانت الفاقة تضرب في حياة المثقفين، كانت تلك الأجيال المتعددة الرؤى تضحي بنفسها من أجل اقتناء كتاب مثير للجدل.
ترى كيف ننهض بالشبيبة العراقية والعربية الراهنة عموماً ونعمل على تحفيزها وتوجيهها للقراءة بوصف هذا التوجه هو الذي يقودها إلى الوعي وينقذها من الجهل المحيط بها والذي تعتمده وتريده كل السلطات الدكتاتورية التي تخشى من وعي الناس، لأن هذا الوعي يهدد سلطتها ويكشف عن ظلمها وفسادها.
إن الأمر الأساس هو قدرة تشغيل الفكر والفن والمعرفة والتفاعل معها وذلك عن طريق عقد ندوات عنها، والبحث عن المعرفة لدى الناس، لأن هذه المعرفة هي التي تقودهم إلى التغيير والى الثورة على كل الأنظمة الفاسدة أياً كانت الهويات المخادعة التي تعمل على وفقها...