أيار 15
 
    التغيير مطلوب.. وكل مطلوب لا بد أن يُنجز.. وإلا عدّ مجرد سحابة عابرة.. مجرد حبر أبيض على ورق أكثر بياضاً.
وما حصل من تغيير بعد عام 2003، ترك بصماته الواضحة على مجمل الاوضاع الثقافية والاجتماعية.. وهو الامر الذي جعل من هذه الثمار التي كانت مناطة بها، والتي ترقبها شعبنا على مدى أربعة عقود من الزمن.
نعم.. حدث التغيير.. لكنه كان تغييراً لم نحصد من نتائجه وعلى مدى عقدين من الزمن سوى المزيد من الفاقة والمرض والجهل والبطالة في ظل فساد عارم شمل جميع مرافق الدولة العراقية، ونهب ثروات العراق وتحويل العراق الى بلد متدهور اقتصادياً، بحيث لم يعد بوسعه انتاج ابسط مستلزمات حياته اليومية ولا غذائه ولا متطلبات عيشه الآمن الى جانب غياب الامن والاستقرار وانتشار السلاح المنفلت على نطاق واسع.
هذا الحال.. انعكس وبشكل واضح على القطاعين الثقافي والتعليمي على وجه الخصوص..
حتى اصبحت الأمية هي الظاهرة الابرز في الواقع الاجتماعي بعد التخلي عن الزامية التعليم وتدهور العملية التربوية في المدارس وغياب الدقة العلمية والدراسة الاكاديمية الراقية في جميع جامعات العراق، حتى اصبحت جامعات غير معترف بها دولياً!!
كما انتشرت المدارس والجامعات العلمية التي استأثرت بها الفئات والشرائح حديثة الغنى وتدني مستوى التعليم.. لم يعد من مستلزمات وحقوق الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية الفقيرة التي يفترض ان ترعاها الدولة والتي استسلمت لما هو متوفر من مدارس رسمية لا ترقى الى مستوى التربية والعلم والتعليم وذلك لعدم وجود مناهج ثابتة، والى إدارات تربوية متخصصة وكفوءة ولا ملاكات وطنية مخلصة - الا في القليل النادر.
هذا الحال المتردي هو الذي جعل من الحياة الثقافية في العراق، حياة سقيمة ولا يرتجى منها خيراً في نشر الوعي والمعرفة وقيم الجمال في المجتمع.
فالفنون والكتب الحديثة والمطبوعات الراقية أصبحت غير مقبولة في ظل الاعراف التقليدية والسلطوية التي تعد كل إبداع عملاً من البدع بوصفه رجساً من عمل الشيطان التي ينبغي ان نتخلى عنها!
صحيح ان مؤسسات فنية ما زالت موجودة، وكليات الفنون مفتوحة وعدد من المطبوعات الحديثة -المؤلفة والمترجمة- ما زالت تصدر الا انها لا تجد صداها في الاوساط الثقافية والمعرفية والاكاديمية لا لقلتها وندرتها فحسب، وانما لعدم استجابة وقبول القوى السياسية التقليدية بها والاصرار على ان الارث السلفي هو الذي ينبغي -كما تدعو- الى البناء، ليكون (نبراساً) لا بديل عنه امام التيارات الفكرية والابداعية الجديدة.
وتحولت العديد من الوزارات، الى وزارات كسولة، تتم ادارتها من قبل عناصر سياسية لا تمتلك التخصص ولا الدراية في ادارتها والتي يفترض ان تكون معنية في استقطاب الكفاءات العلمية والمعرفية والابداعية التي تزخر بها البلاد.
ولأن هذا الاهمال الذي وجدته هذه القوى المضيئة في المجتمع، فقد انزوت واختارت التقاعد على وجه السرعة وغادرت البلاد او انزوت واختارت العزلة والصمت.
ويبدو أن القوى السياسية المهيمنة التي جاءت بعد التغيير هي من يريد لهذه القوى الحية في المجتمع ان تغيب، لان وجودها يشكل خطراً على اولئك الذين يهيمن الكثرة منهم على مقاليد الامور.
إنّ واقعاً سلبياً تواجهه الثقافة والمثقفون، واقع لا بد ان يتم الانتباه الى نتائجه السلبية والا أصبحنا في حالة تغيير شامل في سلبياته وثقل تأثيره على عراق كان ينشد تغييراً مزدهراً، سعيداً، حراً، آمناً.