أيار 18
 
    منذ (الاستهلال)، يبني العرض معماره الجمالي، على ركائز واضحة، تخص لحظات اللقاء بين عرسان في بيت الزوجية، ليندلع الصراع، الدرامي المتأزم بين ((رجل آخر) يدعي ملكيته للغرفة المهيأة للزفاف مع عروسه، ايضاً. هنا يتفجر النزاع ((المحتدم)) في ما بينهم، ويمهلهم الرجل الدعي، وهو يعد على اصابعه العشرة ليغادروا (المكان)الذي بات يمثل مصيراً برؤية درامية في التأليف والاخراج وتجسيد احداث العرض، بإبعاده الاجتماعية والنفسية التي يتشابك فيها (المرئي) المشخص المعاش، و(اللا مرئي) المتخيل في تركيب شبكة من ايقاعات زمانية مترامية الابعاد بتنافر اتجاهاتها، الارادية، واللاإرادية لدى الشخصيات للتعبير عن (قيمها) التي يختزلها العنوان (حياة سعيدة)* ليكتشف الجمهور ذلك التناقض في (تورية) مغايرة، حين نرى تفككاً، ودماراً يحل في مصائر الشخصيات (المأساوية)، وبمواقف (كوميدية) لخلق مزاج (مأساوي- ساخر) في آن واحد، على المستوى الروحي والجسدي، من خلال البعد العلاماتي والدلالي، للحركات والاصوات لصياغة الصورة في فضاء العرض وتجسيد مقوماته الدرامية والفكرية بتقانات تشكيلية سواء في متن النص او في اسلوب الاخراج الذي اكد على (المفارقة) منذ (البداية) وحتى (الخاتمة)، فيما يخص الشخصيات بما لحق بها من خراب ماحق لأحلامهم السعيدة التي كانوا يتوهمونها.
افادت طروحات العرض من فكرة النص، بطريقة مختزلة لأهم سماتها، بتقنيات الحركة الاخراجية، وقيم الاداء الجمالية، والوان الاضاءة، وتصميم الازياء، لخلق صورة جديدة غير تقليدية، تجتمع فيها آنية الحاضر، وافتراضاته المستقبلية في تدفق الاحداث التي يتداخل فيها (الرثاء) مع (الهجاء) يأتلف فيها الحزن مع السخرية، ويتحول (البيت) من عش امين للزوجية الى (سجن) لصبواتهم، وآمالهم السعيدة ويؤطرها في مقاربة لمسرح (الكباريه- السياسي) الفاضح للتقاليد الاجتماعية تكابدها الشخصيات، جراء التحولات السياسية المضطربة، وآثارها على (ابطال) العرض من حصارات نفسية مرضية مزمنة، عبر تمرحلات تاريخية، بذاكرة مشحونة بالخيبات في حلقات مقفلة، عاشها الاسلاف، كما الابناء، والاحفاد.
تعمقت في هذه الرؤية الاخراجية والمواقف الهزلية لتشكل نسيج العرض بصراعات عابرة، وممتدة لازمنة سالفة، ومستقبلية. حاول المخرج (كاظم نصار)، تأطير تداعيات البطلة (الممثلة لبوة عرب) وعريسها (حسن هادي)، والغريم (علاء قحطان) الذي يدعي ملكيته للدار. واخذت الممثلة (هديل سعد) دوراً (افتتاحياً) للعرض منذ الاستهلال، لتقديم العرض. وكل فرد من هذه الشخصيات يصر على فرض ارادته على سواء، وهم في حالة رهن من مصير معتم يدفعهم الى ردود افعال، بقفشات ساخرة، لتحدي هذه (التابوات) المهيمنة من ناحية (التقاليد الاجتماعية السلبية والتقليدية) وهم ينقون حواراتهم ببيان لفظي واضح، ودال على ما يعلنون ويضمرون من تمرد ورفض لما يجري حولهم للتصدي من خرافات وفضح السياسات (الإمبريالية) العدوانية والدموية بعنصرية تدميرية.
تبقى الممثلة (هديل سعد)، تشكل (بعداَ اطارياً) للأحداث وكأنها مديرة لما يشبه (المصح) بصدرية بيضاء (ترتديها وكأنها طبيبة) تعلق على جيدها، آلة لقياس نبضات القلب لمرضاها في (الردهات). فهي تظهر تارة وتختفي تارة اخرى، تقترب وتبتعد، لتخترق الثغرات ما بين (حوارات) الشخصية تلك وتقلب الاحداث بلطف أدائها الصامت، بهالة جمالية تدعم (شكلانية العرض) في تنوع مشاهده، المتأزمة، والمتلاحقة. برع الممثلون، والممثلات، بتوظيف قدراتهم ومواهبهم، بأفعال مركبة، متناقضة، ما بين (ظاهرها) و(جوهرها)، وكذلك برعوا بمهارات تخص فواصلهم الهجائية، التي أثاروا فيها خيال المتفرج وبتأويلاتهم المتنوعة، بحضور متواصل وهم يرسمون ابعاد (حكايتهم)، وامتداد احداثها في الزمان والمكان بتفاعل مع عناصر (النص الدرامي)، وتجسيد (اللعبة الاخراجية) في فضاء (غرائبي)وديكور سعد عزيزعبد الصاحب وان خفف من المنظور الملائم كما ينبغي، فيما لو تم تقديم العرض، على خشبة المسرح ويبقى الجمهور في الصالة، لباتت المشاهدة للعرض اوضح ببعده الجمالي المغاير لبعض التقليد، والتناس، مع عروض مسرحية سابقة، لكنها مختلفة الاهداف من حيث تقنيات الخطاب المسرحي.
استطاع المؤلف (علي عبدالنبي الزيدي)، والمخرج (كاظم النصار) اللذان انتميا للتصدي وفضح الكوارث ومسببيها، التي حلت بالشعب العراقي، استطاعا فضح عدوانية الدول الكبرى، وعدم احترامها (لحقوق الانسان).
 
* تقديم دائرة السينما والمسرح / المسرح الوطني ت 2 / 2023