أيار 18
  على الرغم من النجاح الكبير الذي حققه ادباء كندا من ذوي الاصول غير الأوربية محليا وعالميا، استمرت دائرة التشكيك، وان بدت اقل من ذي قبل، باستهداف هؤلاء الادباء وكتاباتهم. يشكّك بعض النقاد اليوم بان روايات ذوي الاصول غير الاوربية من آسيويين وأفارقه التي غالبا ما تتناول احداثا وقعت خارج كندا لا يمكن ان تحسب كنديـة لأنها ببساطة لا تمت بصلة الى التجربة الوطنية الكندية.  ولكن المشككون يشعرون بالحرج حينما تتجـه دفة النقاش الى بعض الاعمال الروائية العالمية والمحلية.
 المشككون بكندية كتابات ذوي الاصول غير الأوربية يلوذون بالصمت حيرة حين يدور الحديث عن رواية جوزيف كونراد (قلب الظـلام).
 
كونراد
 
تتناول رواية كونراد التي صدرت طبعتها الاولى عام 1899 احداثا وقعت في الكونغو، حين كان ذلك البلد يرزح تحت الاستعمار البلجيكي. ولم يكن كاتبها البولندي في حينه قد أقام في المملكة المتحدة او حصل على الجنسية البريطانية، ومع ذلك لم نسمع احدا يعترض حين اعُتبرت الرواية آنذاك وحتى اللحظة أحد الانجازات المهمة للأدب الانكليزي. وهذا يقودنا الى القول ان الرواية لا تنتمي بالضرورة الى البلد الذي وقعت فيه احداثُها.
تزداد حيرةُ المشككين بانتماء روايات الكنديين من اصول غير اوربية الى الفضاء الوطني حين يكون الحديث عن سجل الرواية الكندية.  يتفقُ النقّاد في كندا، على نطاق واسع، ان (تأريخ ايميلي مونتيغ) تـعد الروايـة الاولـى في التـاريـخ الادبـي لـهذا البـلد.
  غير أن المدافعيـن عن كنـدية روايـات هؤلاء الكتّـاب يحتجون بالقول ان صاحبة الرواية لم تـكـن كنديـة بـل كـانت تحـمل الجنسـية الـبريـطانـية وأنها فرانسـس بـروك قَدِمت لكندا لا لرغبتها في الاستقرار في هذا البلد واكتساب جنسيته بل لمرافقة زوجها الذي جاء للعمل في الانشطة الكنسية في ولاية كيبـك. وعلاوة على ذلك، فأن بقـاء بروك في كندا لم يستمر لأكثر من خمس سنوات. يتساءـل بعض المعنيين بالشأن الادبي عن ماهية الاعتبارات التي تجعل من كتابات مَن لم يحمل جنسية كندا ولم يلبث فيها الا لبضع سنوات أعمالا كندية في حين تُحجب تلك الهوية عن كتابات أولئك المنحدرين من اصول غير اوربية وهم يقيمون في البلاد على نحو دائم ويحملون جنسيته.
 وتـزداد وتيرة النـقـاش والجـدل بـين المشككـين والمـدافعـين عن كنـديــة اعـمال ذوي البشـرة السمراء حـدّة حـين يتـوسع الحـديـث ليـتـناول روايــة (الجنـرالات يمـوتـون في الفـراش).                                     حيث يفخر الكنديون بان هذه الرواية تُعد من اساسيات ادب الحرب ليس في كندا حسب بل العالم اجمع. يمدح النقـاد الكنديـون هذه الروايـة لأنها وثّقـت يوميات الحـرب من كاتب عـاش جحيم الحرب في خنادق ميـدان المعـركة. ويمـتد فـخـر الكنـديـين بالـرواية الى الحـد الذي جعلـهم يعـدونها انجـازا ادبـيا لا يقـل مـن حـيث الأهمية عــن روايــة (كـل شيء هـادئ في الجـبـهة الغربـيـة) لريماك.
  وقت اندلاع الحرب العالمية الاولى كان ريماك مراسلا لصحيفة كندية وكان هاريسن من بين المتطوعين للذهاب الى ميدان الحرب في فرنسا سوية مع افواجٍ من الجنود الكنديين. فإذا كان المقصود ان العمل الروائي يكون كندي الانتماء حين يتحدث عن تجارب الكنديين خارج بلدهم فلماذا تجرّد اعمال الكنديين من ذوي الاصول غير الأوربية من هذا الاعتبار حين يتحدثون عن تجاربهم الشخصية في موطنهم الاصلي!
 يبالغ المشككون بكندية اعمال هؤلاء الروائيين حين يدّعون ان هذه الروايات ليس لها علاقة بالتجربة الوطنية الكندية. ولكن مثل هذا الادعاء يدحضه الواقع. فالروايات التي يكتبها ذوو البشرة غير البيضاء كرست جزءا كبيرا منها للحديث عن التجربة الكندية. فروايـة (في جلد اسد) لمايكل اونداج اسيويـة، وثقت التحوّل نحو الرأسمالية في ثلاثينيات القرن الماضي في المجتمع الكندي. وبذلك أصبح اسهـام روايات ذوي البشرة السمراء في توثيـق التجـربة الكنديـة امرا واقعا لا يمكن نكرانه.
فيقول كين مككوكان:"يجوز للرواية الواحدة ان تنتمي لأكثر من تجربة وطنية"
 ويقول ريتشـارد فـورد: " ان روايـة اميركية لان مؤلفها فورد يحمل الجنسية الاميركية ويمكن في ذات الوقت ان نعدها رواية كندية لان احداثها تدور في كندا. لكن اقتراح مككوكان حول الانتماء المزدوج للرواية لم يجد قبولا لدى الكثير من المشككين بانتماء كتابات ذوي البشرة السمراء.
وتزداد حراجـة المشككين بأحقية انتماء كتابات ذوي الاصول غير الاوربية الى الادب الكندي حين يكون الحديث عن اعمال الجيل الثاني من الملونين. فأدباء الجيل الثاني ولدوا ونشأوا في كندا بل ان البعض منهم لم يذهب حتى كزائر الى موطنه الاصلي.  وتعكس كتابات الجيل الثاني واقعا كنديا محضا، واقعا عاشه الكاتب او ابناء الاقلية التي ينتمي اليها عرقا و/ أو ثقافة. لكن كتابات ذوي البشرة السمراء ظلت تتميز عن غيرها من حيث الاهتمامات فمواضيع مثل العنصرية وأزمة الهوية التي تهيّمن على كتاباتهم، لا تجد لها حيزا واسعا في كتابات ذوي الاصول الأوربية. لذا يبقى التميّز في الكتابة واقعا لا يمكن تجاهله. لكن المشككين يصعب عليهم، هذه المرة، ايجاد سبب يمنحهم الحق في تشكيكهم في انتماء كتابات الجيل الثاني من ذوي الاصول غير الاوربية الى الفضاء الوطني.
ان غياب الاعتبارات التي تجزم بهوية النص الادبي وانتمائه لكندا تجعل منه موضوعا غير محسوم، موضوعا قائما ومفتوحا على كل الاتجاهات.