أيار 01
    يزعم منظرو الإعلام والاتصال بالجماهير البرجوازيون ان الإعلام في الولايات المتحدة الامريكية، وغيرها من الدول الامبريالية، يخضع لنظرية الحرية.. حيث تتوفر للأجهزة الإعلامية الحرية المطلقة في نشر واذاعة مختلف اشكال وألوان المادة الاعلامية من غير تدخل من جانب السلطات الرسمية، أو شبه الرسمية. وهم يتباكون على الحرية (المغدورة!) في هذا المجال في الأقطار الاشتراكية وبلدان مرحلة التحرر الوطني. ويطالبون بمنح وسائل الإعلام فيها الحرية المشابهة لحرية الاعلام الأمريكي أو البريطاني مثلاً لتستطيع هذه الوسائل التعبير الصحيح والصريح عن ضمير الأمة والتوجيه السليم لحياتها!!
   وهذا العرض الذي أعده الكاتب السويدي (غونار ادلر كارلسون)، ونشرته مجلة "الصحفي الديمقراطي" التي تصدرها باللغة الانكليزية منظمة الصحفيين العالمية ) (I.O.J  في عدد سابق لها، يلخص كتاباً ألّفه أحد الاساتذة الأمريكيين، وتتوضح في الكتاب حقائق كثيرة من جانب السلطات الرسمية  والعسكرية ووكالات المخابرات عن أجهزة الإعلام هناك.
-المترجم-
   
    حتى نفهم الكيفية والوسائل التي بواسطتها تبسط الولايات المتحدة الامريكية نفوذها السياسي والايديولوجي، وتؤثر عن طريقها، ينبغي النظر في صناعة الاذاعة والتلفزيون الامريكية. وقد يكون أفضل كتاب تناول هذه المسألة هو الذي وضعه عام 1969 الأستاذ (هربرت آي . شيلر) البروفيسور في علم الاقتصاد والاتصالات، بعنوان "الاتصال بالجماهير والإمبراطورية الأمريكية". والذي نشرت طبعته الثالثة في الولايات المتحدة دار "أي.أم. كيلي A.M.Kwlley "  بنيويورك.
    ينبه شيلر الى حقيقتين؛ الأولى: ما يسمى بالمركب العسكري – الصناعي في الولايات المتحدة الذي يتولى أمر السلطة الحقيقية في مجال وسائل الاتصال بالجماهير. والثانية: ان قوة الولايات المتحدة في هذا العالم ستعتمد في المستقبل القريب على الاذاعة التلفزيونية المباشرة بمساعدة الاقمار الصناعية السابحة في الفضاء، الأمر الذي يمكن أن يخضع العالم الغربي لنظام متوافق مع المعيار التجاري والأيديولوجي للولايات المتحدة.
الاحتكار التلفزيوني
   تهيمن على السوق التقليدية للراديو والتلفزيون في الولايات المتحدة ثلاث شركات خاصة ضخمة هي: شبكة اذاعة كولومبيا C.B.S   )  ) وشركة الاذاعة الأهلية ( N.B.C )  وشركة الإذاعات الامريكية (A.B.C.) . ويصل بثها الى جميع البيوت الأمريكية المتعاملة مع التلفزيون.. وان هذه الهيمنة من القوة بحيث ان بعض الدراسات التحليلية الرسمية التي أعدت قبل بضع سنوات أشارت الى ان لهذه الشركات سيطرة اقتصادية وثقافية كاملة على إنتاج واذاعة البرامج التلفزيونية في الولايات المتحدة الأمريكية .
وهذه الشركات الثلاث مرتبطة الى حد كبير جداً بما يسمى بالمركب العسكري – الصناعي. وان شركة الاذاعة الأهلية، وهي ثاني أوسع شبكة اذاعية هناك، مملوكة لشركة الراديو الأمريكي A.B.C)  ( وهذه الأخيرة من أضخم شركات الهندسة الكهربائية، وتعتبر وزارة الدفاع الأمريكية أهم زبون لها.
وقبل عدة سنوات اعتزمت شركة البرق والهاتف العالمية ( I.T.T)(1)  وهي واحدة من أكبر عشر شركات احتكارية في الولايات المتحدة، شراء كل حصص شركة الاذاعة الأمريكية A.B.C)) ثالث أكبر شركة اذاعية، إلا ان (لجنة الاحتكارات الأمريكية) حالت دون ذلك خوفاً من أن تتلاعب الـ)  (I.T.T  في نشرات أخبار شركة الاذاعة الأمريكية وفقاً لمصالحها الخاصة، وينبغي حصر مثل هذا الخطر في شركة الإذاعة الأهلية N.B.C.)  (فقط .
وتوجد، على سبيل المثال، منظمة خاصة بتنسيق وتعزيز العلاقات (الودية) بين الدوائر العسكرية وصناعة وسائل الاتصال، وتسمى "اتحاد وسائل الاتصال والالكترونيات للقوات المسلحة". وأحد مدراء هذه المنظمة يحتل منصب رئيس مجلس ادارة شركة الراديو الأمريكي (RCA ) . واعضاء الجمعية هم نخبة من الموظفين الرسميين من أعلى المستويات، اضافة الى أكبر مؤسسات الصناعة الإلكترونية مثل شركة الهاتف والبرق الأمريكية (ATT) وشركة البرق والهاتف العالمية ) (ITT   وشركة ليتون وشركة فيليبس. وتقوم هذه الشركات بتمويل الاتحاد.. وهذا التنسيق غير الرسمي، ليس من الصعب إدراكه اذا ما علمنا بأن طلبات وزارة الدفاع أكبر ثلاث مرات من مجموع الطلبات المدنية في هذا الفرع من فروع الاقتصاد الأمريكي.
ومن المفيد أيضاً الاشارة الى الأعمال الإضافية التي يمارسها رئيس مجلس إدارة شبكة إذاعة كولومبيا CBF) (، أضخم شبكة تلفزيونية في أمريكا، فهو في نفس الوقت يشغل منصب رئيس اللجنة الاستشارية للاعلام في الولايات المتحدة، وهي هيئة سياسية متفرعة عن قسم الحكومة في وكالة الاعلام الامريكية. وهو أيضاً رئيس مجلس ادارة مؤسسة (راند RAN ) التي تجري لحساب سلاح الجو الأمريكي بحوثاً خاصة باستحدام القنابل الذرية الامريكية في الشرق، التي من الممكن أن تكون أكثر استعمالا في المستقبل، هذا اضافة الى المسؤوليات الاخرى المناطة بها. وهو – أي رئيس مجلس ادارة شبكة اذاعة كولومبيا – أخيراً رئيس مجلس اللجنة التنفيذية لراديو أوربا الحرة الذي هو، وطبقاً لتقرير الكونغرس، سلاح دعائي موجه ضد الأقطار الاشتراكية، تموله وكالة المخابرات الأمريكية(2).
الاستغلال التجاري
   ان المنافسة بين شبكات التلفزيون تلك مقتصرة على برامج الاطراء والمديح المنوعة ذات المستوى الثقافي المتدني والعائدة للمعلنين التجاريين(3) . وان تطور العمل الاذاعي والتلفزيوني في الولايات المتحدة، منذ أن عرف الراديو لأول مرة في العشرينات، محدد بعاملين تجاريين محضين، هما: عدد الأجهزة المباعة. ومقدار الوقت الاعلاني المباع.. وقد بلغ مجموع قيمة أجهزة الاستقبال التلفزيوني المصنوعة خلال الفترة بين سنتي 1946و1967 اكثر من ( 115) ألف مليون كرون سويدي. ويبلغ الآن الدخل الاجمالي السنوي للاعلانات التلفزيونية أكثر من عشرة ملايين كرون سويدي. وللإعلان الإذاعي نصف هذا المبلغ. وبكلمات أخرى فإن المصالح والارتباطات الاقتصادية الضخمة جداً متشابكة.
   أما كون التلفزيون وسيلة تربوية، فهو أمر مهمل تماماً. يبدو ذلك واضحاً جداً في حقيقة انه في سنة 1952 خصصت السلطات الاتحادية ترددات اذاعية خاصة بالتلفزيون التربوي. ولكن لم تتمكن الاجهزة العادية من استقبالها. وطوال عشرسنوات رفض أصحاب المصانع الأمريكية انتاج أجهزة استقبال تصلح لدى هذه الترددات بسبب تخوفهم من نقص مشاهدي البرامج الاعلانية المربحة. وقد وصلت المشكلة الى الحد الذي اضطر الكونغرس الى إضافة نص الى القانون يلزم أصحاب المصانع بانتاج أجهزة تلفزيونية قادرة على استقبال القناة التربوية.
ومن الضروري الاشارة أيضاً الى ان التلفزيون التجاري ليس فقط يستعمل لغرض زيادة مبيعات الصابون والكوكا كولا، فلدى البنتاغون (وزارة الدفاع الامريكية) قسم للعلاقات العامة يعمل فيه ثلاثة آلاف موظف ومستخدم، وتبلغ ميزانيته السنوية 150 مليون كرون سويدي. وهذا القسم يهتم بالدرجة الاولى بالتأثير على الرأي العام لصالح التخصيصات المتزايدة لميزانية الأغراض العسكرية. وفي الادارة القومية للملاحة الجوية والفضاء( NASA) قسم مشابه ( للعلاقات العامة) يعمل لصالح تخصيصات ميزانية البحث الفضائي. ان نظرة واحدة كافية للتعريف بأن الصناعة العسكرية تنفق سنوياً ألف مليون كرون سويدي لتشجيع الاعلان والمطبوعات الدعائية وهذه تدخل ضمن كلفة انتاج الأسلحة التي، - وبالنتيجة – يتحمل اثمانها دافع الضريبة... المواطن الأمريكي.
النشاطات الخارجية
    لكل من القطاعين الحكومي والخاص، على حد سواء، نشاطات واسعة في الخارج في المجال الاذاعي.. ففي سنة 1966 كان لوزارة الدفاع 38 مرسلة تلفزيونية و200 مرسلة اذاعية في الخارج. وكلها مخصصة لمليون جندي أمريكي اجبروا على أداء الخدمة العسكرية خارج بلادهم. ولكنها، حسب ما تقول التقارير، تسمع وترى من قبل 20 مليوناً الأجانب. وللولايات المتحدة 100 محطة إرسال في الخارج، تبث مواد موجهة الى أكثر من خمسة آلاف جهاز إرسال بمعدل 15 ألف ساعة إذاعية في الاسبوع.
    وبالطبع، فان هذه المواد تأتي من وكالات الاعلام الامريكية. هذا اضافة الى ان هناك محطات اذاعية في المانيا الغربية وبرلين الغربية موجهة ضد الأقطار الاشتراكية كمحطة (راديو أوربا الحرة) ومحطة (اذاعة الحرية) ومحطة (رياس RIAS )(4) .
وللشبكات الاذاعية تلك (كولومبيا والأهلية والأمريكية) نشاط واسع الى حد كبير في المجال الدولي. ففي سنة 1966 عرضت شبكة إذاعة كولومبيا برامجها خلال 72 شركة تابعة لها أو على علاقة بها خارج حدود الولايات المتحدة، وتبث برامج هذه الشبكة في 94 بلداً. ولشركتي الراديو الأمريكي وكولومبيا ما مجموعه 93 شركة شقيقة، وتعرض مسلسلاتها التلفزيونية من أكثر من 300 محطة تلفزيونية.
وكذلك فإن الاختصاصيين والرأسماليين الأمريكان يبنون شبكات تلفزيونية وينشؤون محطات للتلفزيون التجاري – على المذهب الحر – في عدد من الأقطار النامية.
التلفزيون الفضائي في المستقبل
    من المؤكد ان التقدم الحالي في الصناعة سيجعل من المتيسر بعد بضع سنوات إذاعة البرامج مباشرة الى بيوتنا بواسطة Communieation Satellite Corporation أي شركة أقمار الاتصال التلفزيوني.  وحين اذ سيكون ممكناً للقوى الكبيرة أن تنشر دعايتها التجارية والسياسية بأسلوب رهيب تماماً.
ان الشركة الخاصة بالاتصالات الفضائية العالمية في الولايات المتحدة والمصرح لها بموجب القانون، تعرف بالاصطلاح "كومساتCOMSAT" اختصاراً لاسم أقمار الاتصالات.
   ان 45 بالمئة من مجموع أسهم هذه الشركة تملكها أربع شركات تعمل في هذا الميدان هي: شركة الهاتف والبرق الأمريكية (ATT)وشركة البرق والهاتف العالمية (ITT) والشركة العمومية للهاتف والإلكترونيات  (GTES) وشركة الراديو الأمريكية (RCA) أما بقية الأسهم فهي موزعة بين شركات واستثمارات صغيرة بطريقة تمكن تلك الشركات الخاصة الأربع من فرض سيطرتها الكاملة على فعاليات الكومسات. وقد أثبتت التجربة حتى الآن ان الكومسات يكرس نشاطه للعمل التجاري عن طريق التلفزيون الفضائي.
أما الهيئة الدولية الرئيسية في هذا المجال فهي: الاتحاد الدولي لأقمار الاتصالات عبر الفضاء (انتيليسات INTELSAT) وقد أنشئت هذه المنظمة في بداية الستينات، وضمت في عضويتها الولايات المتحدة وكندا واستراليا واليابان و14 دولة أوربية غربية والفاتيكان. واتفقت هذه الدول على الكيفية التي تؤدي بها المنظمة أعمالها. أما البلدان الأخرى وعدد من الأقطار النامية فقد سمح لها مؤخراً بالانضمام إلى الاتحاد.
وفي الانتيليسات هذا، الذي سيكون في المستقبل ليس فقط منظماً لخطوط الهاتف عبر المحيط الأطلسي وانما أيضاً للتلفزيون الفضائي، فإن حق التصويت موزع حسب مقدار رأس المال المدفوع وهذا يعني ان الولايات المتحدة تملك في البداية 61 بالمائة من مجموع الأصوات بينما تملك بريطانيا، ثاني أكبر دولة مساهمة في المشروع 8,4 بالمائة من الأصوات والسويد تملك 0,7 بالمائة فقط!
ومن ناحية اخرى فإن الدول الرأسمالية صاغت فقرات القانون بطريقة يصعب معها على الدول النامية إحراز أكثر من 17 بالمائة من مجموع الأصوات. هذا بصرف النظر عن مجموع الذين سيرتبطون بالانتيليستات. ومن هذا يتضح بجلاء ان الولايات المتحدة الأمريكية – ممثلة بالكوميسات -  تسعى للحيلولة دون أن يكون لها أقل من 50،6 بالمائة من الأصوات.. أي لمنع فقدان هيمنتها الكاملة على المنظمة!
الصورة العامة
   ان دراسة هربرت شيلر عن البنية السلطوية في مجال التلفزيون تقود الى تكوين الصورة الاتية:
   ان الانتيليسات سيكون في المستقبل متحكماً في الإذاعة التلفزيونية المباشرة الى جميع أجهزة الاستقبال المنزلية في العالم. والكوميسات بدورها شركة خاصة تخضع لسيطرة تلك الشركات الاربع الاحتكارية. وهذه الشركات تهتم كثيراً بالنشاطات التجارية بمثل الأسلوب الذي تتبعه شركات التلفزيون الاحتكارية في الولايات المتحدة التي تمثلها شبكات التلفزيون الرئيسة الثلاث. وعلاوة على ذلك فإن الصناعة الالكترونية الأمريكية، التي تشمل كلا من الراديو والتلفزيون، خاضعة خضوعاً اقتصادياً مباشراً وبعيد المدى الى البنتاغون (وزارة الدفاع) وترتبط بصورة غير مباشرة، وبطرق عديدة، بما يسمى بالمركب العسكري – الصناعي.
  • نشرت المادة في (الثقافة الجديدة)، العدد 62 /حزيران 1974.
الهوامش
(1) شركة إمبريالية ضخمة لها احتكارات خارج الولايات المتحدة، وخاصة في أمريكا اللاتينية. وكانت قد اشتركت في مؤامرة استهدفت الحيلولة دون تسلم حكومة الوحدة الشعبية مقاليد الحكم في تشيلي عام 1970.. تلك المؤامرة التي اعترفت بها الصحافة الأمريكية نفسها في ما بعد ذلك. وكان الرئيس الراحل اليندي قد فسخ العقد المبرم معها وقدم مشروعاً تناول تأميم ممتلكاتها في بلاده، منهياً بذلك عهدا دويلا من استغلالها البشع للشعب التشيلي. وكان لهذه الشركة دور كبير ورئيس في الانقلاب العسكري الفاشي الذي أطاح بحكومة الوحدة الشعبية، وأتى بالطغمة العسكرية، عميلة المخابرات الأمريكية، التي اغتالت الرئيس أليندي وعدداً كبيراً من الوطنيين التشيليين، والتي تزرع الموت والدمار هناك الآن.
(2) راجع هامش رقم (4).
(3) أي ان الاهتمام الفني والتكنيكي في برامج التلفزيون الأمريكي منصب على البرامج الاعلانية، أما البرامج الجادة، التثقيفية والتربوية والاعلامية، فلا تحظى إلا بقدر ضئيل من هذا الاهتمام.
(4) محطات اذاعية شبه سرية، تشرف عليها وتديرها وتمولها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، مهمتها نشر الشائعات والأكاذيب بين شعوب الأقطار الاشتراكية بقصد اثارة البلبلة وتخريب النظام الاشتراكي!
 
فراديو أوربا الحرة شبكة كبيرة من المحطات الاذاعية، يقدر عددها بـ 28 محطة، منتشرة في ألمانيا الغربية وسويسرا واسبانيا. ويقع مركزها الرئيس بجوار مدينة ميونيخ في المانيا الغربية. وهو موجه ضد جميع الأقطار الاشتراكية. أما راديو الحرية فموجه ضد الاتحاد السوفيتيي بالذات. ومحطة (رياس) موجودة في القطاع الأمريكي مند مدينة برلين، توجه برامجها ضد جمهورية ألمانيا الديمقراطية.وربا الحرة شأوربا
  • المترجم -