كانون1/ديسمبر 05
   
25 عاماً على استشهاد سلام عادل
 
 
ذاع النبأ في آذار قبل ربع قرن ..!
     بعد خمسة عشر يوما من اعتقاله، استشهد سلام عادل السكرتير الاول للحزب الشيوعي العراقي في سراديب "قصر النهاية"، بعد ان قاوم فاشيي انقلاب شباط بكلّ شموخ وبطولة.
    خمسة عشر يوماً وست عشرة ليلة هي عمر امتحان الإرادة القاسي وجلجلة الشاب النحيل الصلب ذي الأربعين عاماً.
    علقوه من ساقيه..!
    قطعوا من لحمه وذروه بالملح ..!
    كسروا عظامه ..!
    طوّحوا به في أقبية قصر الرحاب المظلمة مقيدا ..!
    تركوه عارياً في مياهها الباردة الآسنة ..!
    حرموا عليه الأكل والماء والنوم ..!
    لم يتركوا مكانا في جسده إلا وخرّبوه.
    وامتدت أيديهم الآثمة الى عينيه: ضغطوها بالأصابع، وعصروها بآلات تعذيبهم حتى نزفت دماً، هو رؤيا وبصير مناضل كبير، كان يتطلع بهما الى مستقبل أفضل لبلاده وشعبه وأمّته.
    فعلوا كل ذلك، لكن قلب سلام عادل ظلّ ينبض صامداً فعزموا – خائفين – على ان يسكتوا هذا القلب الذي أرعبهم.
    إنها لنهاية مجيدة لصمود ثوري كبير تخطى زمانه الى عصره، وعصره الى المجد.
    ولمجده نعود الى سيرته الملهمة.. الى لقطات من حياة سلام عادل المفعمة بالعمل والابداع والتضحية والبطولة.
 
البدايات: الشعر والمسرح
    ولد الرفيق حسين أحمد الرضي (سلام عادل) عام 1922 في أسرة كادحة. أبوه كان يشتغل في مستهل حياته شريكا في حانوت صغير، ثم أصبح مراقب عمل في معمل للطحين، فلم تسعفه هذه المهنة من العسر. أما أمّه فكانت امرأة طيبة متواضعة وكان لذكائها وحسن تدبيرها أثرٌ كبير في حياة العائلة.
    كان حسين الابن الأول للأسرة بعد خمس بنات، ومن بعد عاش مع خمسة إخوة لم يستطيعوا إتمام التعليم، فاشتغلوا عمالا ثم في مهن متواضعة أخرى. أما حسين فقد أتم تعليمه الابتدائي والمتوسط في النجف، ثم انتقل إلى بغداد للدراسة في دار المعلمين الابتدائية، مستغلا العطل الدراسية للعمل بقصد إعانة عائلته، الأمر الذي ساعده على توثيق علاقاته بالناس والمامه بحياة الكادحين، والتعرف على ما يتطلبه الكدح من مثابرة وانضباط عرف بهما الشهيد في ما بعد على امتداد حياته النضالية وحتى استشهاده.
    تميّز في حياته الطلابية بذكائه ومرحه وشفافيته وسعة صداقاته ما اكسبه ثقة واحترام أساتذته وأقرانه من الطلبة.
    كان من رياضيي المعهد، وكان محبّاً لتنظيم المخيمات الكشفية والرحلات، وكانت له اهتمامات فنية وأدبية عُرف بها من صغره، وخصوصاً المسرح والرسم، حتى انه لُقّب في دار المعلمين بـ "حسين الرسام". بيد انه كان يحب الشعر أيضاً ويحفظ منه الكثير، ويتمتع بتلاوة ما يحفظه من نصوص قمم الشعر العربي.
 
"مختار" في اللقاء الأول!
    في دار المعلمين الابتدائية في بغداد سمع حسين، أول مرة، بوجود حزب شيوعي في العراق فانجذب إليه بحكم منشأه الكادح، ونزوعه الى العدالة وروحه الوطنية المتوقدة.
    وذات مرة وزعت المنظمة الحزبية في المعهد بيانا للحزب فداهمت الشرطة المعهد واعتقلت عددا من الطلبة المعروفين بالشيوعية، بينهم شاكر الطالقاني، الصديق الحميم لحسين الرضي، الذي كان نصيبه الطرد من المعهد، مع طلبة آخرين. أما حسين فقد فصل لما تبقى من السنة عقابا على صداقته للحزب الذي جعل حسين يبحث عن الوسيلة التي تجعله مناضلا في صفوفه.
    تحققت أمنية حسين كاملة حين تخرج عام 1943 من دار المعلين وعيّن مشرفاً على النشاط المسرحي للمدارس الابتدائية في "الديوانية"؛ ففي هذه المدينة الفراتية وجد حسين سبيله الى قاعدة الحزب الذي سيتحمل عبء قيادته في ما بعد.
    وسرعان ما كشف الشيوعي الشاب عن مواهب حزبية وتنظيمية مميزة لفتت انتباه قيادة الحزب، واكسبته الهيبة المقرونة بالمحبة لدى تلامذته ورفاقه والمحيطين به.
    في صيف العام نفسه استدعي الرفيق حسين من قبل قيادة الحزب الى بغداد، من دون ان يعرف الغرض من استدعائه. وفي بغداد التقى بالرفيق زكي بسيم الذي قاده الى دار منزوية، ليقدمه الى رجل في حوالي الخامسة والاربعين من العمر، جعل يطرح عليه اسئلة كثيرة ودقيقة عن نشاط الحزب في الديوانية، مبدياً اقصى الاهتمام بالاستفسار والتعرف على ادق مشاعر الناس وحاجاتهم، الأمر الذي قابله حسين الرضي في البدء بتحرج بدا في إجاباته الحذرة والتي كان سببها جهله بشخصية محدثه. غير ان الرفيق زكي بسيم طلب منه ان يتخلى عن حرجه وان يستجيب بحرية لتساؤلات ذلك الرجل. عندها حدس حسين الرضي ان محدثه هو سكرتير الحزب نفسه، الرفيق فهد. ولدهشته تساءل عمّا اذا كان الرفيق فهد يملك من الوقت ما يخصصه للتحدث مع رفيق لما يكسب بعد عضوية الحزب.
    حدّثه الرفيق فهد عن سمات ومهمات القائد، وقدرته على ان يعيش ويتكيّف مع الناس والكادحين منهم بخاصة، ليتعرف على مشكلاتهم، ومطالبهم ومشاعرهم عن قرب.
    وفي اللقاء زف الرفيق فهد للرفيق حسين ان مدة ترشيحه قد انقضت، وانه قد اصبح عضواً في الحزب منذ شهر باسم حزبي اصطفاه له الرفيق زكي بسيم هو "مختار"، وهو الاسم الذي ظلّ أثيرا في نفس حسين الرضي حتى اضطر عام 1953 الى استبداله.
حسين الرضي كادحاً .. !
    عاد الرفيق حسين بعد هذا اللقاء الى الديوانية بشحنة عالية من الحماس والتفاؤل، وساهم بنشاط في توسيع قاعدة الحزب ونفوذه بين الجماهير الكادحة. وبسبب ما أبداه من مواهب قيادية ونشاط دؤوب اصبح عضوا في اللجنة الحزبية لمدينة الديوانية في العام ذاته. واثبت، في ما بعد، انه جديرٌ بأول مسؤوليات القيادة تلك.
    عام 1946 طغت على البلاد أول موجة ارهاب بعد الحرب العالمية الثانية شملت الرفيق حسين الذي كان مصيره الفصل في مقدمة معلمين كثيرين في الديوانية والعراق بعامة.
    استدعاه مدير الشرطة ليقول له مهدداً وساخراً ان "فصل الموظف يعني موته جوعاً" فأجاب المعلم المناضل " لن أجوع، ولديّ ذراعان تعملان"!
    وكان لحسين الرضي استدعاء ثانٍ ولكنه مختلف عن الاول، حين طُلب منه السفر الى بغداد، وملاقاة قيادة الحزب. فقابل الرفيق فهد للمرة الثانية، وكلّف منه شخصيا بقيادة وتنظيم احدى مناطق بغداد، والتفرغ للحزب تماماً..
    تلقى الرفيق حسين هذه المهمة بحماس وتفهم، كعادته، غير انه اقترح ان يزاول عملا بسيطا يعتاش منه دون ان يشغله عن اداء عمله الحزبي، وارتأى ان تكون مبادرته امثولة لزملائه المفصولين في عدم التعفف عن ممارسة أية مهمة بسيطة ولكنها شريفة، لاحباط محاولات الحكام الرجعيين اركاع المعلمين والموظفين الصغار من الشيوعيين والوطنيين والتقدميين إزاء الجوع والعطالة، ومقاومة اعمال التعسف التي كانت تمارسها السلطة الرجعية لبعث القنوط والاستسلام في نفوس المثقفين الثوريين.
    اختار الرفيق حسين مهنة بائع طعام شعبي على قارعة الطريق، ولكنه ما لبث ان عثر على وظيفة في ثانوية الفيلية الاهلية... وبعد اشهر الغي قرار فصله واعيد الى التعليم، فعين هذه المرة مشرفا على النشاط الفني والمسرحي في دار المعلمين الريفية في الرستمية حيث تمكن من بث الوعي الثوري والافكار التقدمية، والهام الطلبة بروح التفاؤل والمبادأة الى مقاومة الحكم الرجعي، رغم قصر المدة التي قضاها في الدار، والتي لا تزيد على سنة دراسية واحدة أعادت بعدها السلطات قرار فصله من التعليم.
   هذه المرة سلك حسين الرضي السبيل ذاته الذي سار عليه يوم أصبح عاطلا قبل سنة أو يزيد، وذلك حين افتتح حانوتا صغيرا للقرطاسية في أحد الشوارع المكتظة (شارع الوثبة فيما بعد).
 
أول اختبار للبطولة
    في عام 1947 اعتقل الرفيق فهد ورفاقه من قادة الحزب وأودعوا السجون. شملت حملة البطش والإرهاب التي اعقبت وثبة الشعب عام 1948 الرفيق حسين الرضي الذي اعتقل في احدى التظاهرات. واصدرت المحكمة قرارا بسجنه، لمدة ثلاث سنوات، تلقاه الرفيق حسين بعزيمة صلبة، ففي تلك الايام العصيبة كتب في رسالة تحتفظ بها – حتى الآن – سجلات الشرطة "مهما أوغلوا في الطغيان والإرهاب فلن ينجيهم ذلك من هلاكهم المحتوم، يوم ينتفض الشعب ليلاحق الاستعمار وأذناب الاستعمار. إذ ذاك سيُطهر الشعب أرضنا من اوضارهم، ويشيد مستقبله السعيد".
    داهمه مدير السجن واختطف الرسالة من يده وتلاها فامتلأ رعبا جعله يسوق الرفيق حسين الى المحاكمة مرة أخرى ليجيب هذه المرة عن "تهمة" كتابة رسالة اعتبرت "منشورا ثوريا"! وفي قاعة المحكمة وقف الرفيق حسين يفضح الاستعمار والحكام الرجعيين الذين تسلطوا على شعبنا يستغلونه وينهبون خيراته، ويحكمون على خيرة ابنائه بالاذلال والتجويع والحرمان والسجن. وفي هذه المرافعة اشاد حسين الرضي ببطولات التاريخ المجيد الحافل، وبانتفاضات وهبات شعبنا والشعوب العربية الشقيقة، منددا بمساعي الاستعمار لزج الصهيونية في قلب الوطن العربي وتسخيرها كقاعدة للعدوان على حقوق العرب ومصالحهم.
    قاطعه الحاكم (القاضي) قائلا "عرفنا من هو الاستعمار، ومن هم اذناب الاستعمار، ولكن قل لنا ماذا تقصد بأذناب أذناب الاستعمار؟"، فأجابه "انهم أولئك المنفذين لإرادة أذناب الاستعمار في استغلال كدح الشعب وترويع أبنائه وتعذيب المناضلين من رجاله واختطاف اللقمة من افواه الجائعين... انهم كل هؤلاء وأولئك الذين يلفقون التهم ضد ابناء الشعب المخلصين، يطاردونهم ويسجنونهم ويقفون حراسا على نظام يحكم بالعبودية على شعب بأسره". قاطعه الحاكم مرة اخرى وقال غاضبا:
  • هل تعنينا نحن؟
    أجاب الرفيق حسين:
  • لستم انتم فقط، بل كل من على شاكلتكم ممن ارتضوا لأنفسهم ان يقفوا حراساً على هذا النظام.
    حينئذٍ أصدر الحاكم حكمه الجائر الذي يقضي بسجن حسين الرضي سنتين إضافيتين، وبوضعه تحت مراقبة الشرطة عامين آخرين.
    وحين لم يطفئ هذا الحكم حقد ورعب الحاكم الرجعي أضاف إليه مئة جلدة، على قدمي حسين.
    وسرعان ما بدأ تنفيذ الحكم الأخير، فصدم الجلادين موقف المناضل الشيوعي الشاب الذي اتخذ موقف الصلابة والحزم وهدوء الاعصاب، بل والسخرية من هذه الاساليب البشعة. وما كان هذا الموقف إلا ليستثير حقداً أكبر في نفوس الجلادين، وفي مقدمتهم مدير السجن الذي أمر باضافة خمسين جلدة اخرى، وصرخ بعد إيقاعها بوجه حسين الصامد.
  • اهتف بحياة نوري السعيد.
    أجابه حسين الرضي هاتفاً
  • المجد والخلود لشهداء شعبنا ولقادة حزبنا: فهد وحازم وصارم والنصر الأكيد لشعبنا.
    اندفع مدير السجن وهو يضطرم بالحقد مسدداً الى حسين ركلاته الرعناء، ولكن حسين نهض على قدميه شامخاً، وشق طريقه بين صفين من الحراس المسلحين الذين انهالوا عليه بضربات هراواتهم وقبضات أيديهم.
    وما يروى عن تلك اللحظات ما يذكره احد رفاقه الذي التقاه بعد ساعات محلوق الرأس، مشوه الوجه، فاستفسر منه عما جرى له حتى اصبح على هذه الصورة.
    اجاب حسين بروحه الفكهة "ألا يبدو شعري أجمل من السابق. انها مودة السجن".
 
في سجن بغداد و"نقرة السلمان"
    في سجن بغداد المركزي كلف الرفيق حسين بادارة مكتبة السجناء السرية فاغتنم الفرصة لاغناء ثقافته النظرية. كان – كما يتحدث عنه رفاقه السجناء – يقضي الليالي الطوال بين ما كان يتوفر آنذاك من الكتب الماركسية اللينينية، ولا سيما كلاسيكيتها. ومع كل ما كان يجده نافعا لإغناء معارفه العامة إضافة الى الكتب الأدبية التي كانت تلقى هوىً خاصاً في نفسه.
    وعدا عن ذلك كان الرفيق حسين الرضي يولي اهتماماً كبيراً لمطالعة رفاقه، فيوزع عليهم الكتب وفق مستوياتهم وقابلياتهم، ويناقشهم في ما يقرؤونه ويحاسب المقصرين حساباً رفاقياً تربوياً.
    خلال سجنه كان للشهيد نشاط أدبي وفني حيث ساهم في نظم الأناشيد الثورية وتلحينها، وإخراج بعض التمثيليات، وكان يرى في هذه النشاطات وسيلة لإشاعة روح التفاؤل والأمل في نفوس السجناء.
    بعد أربعة اعوام ونصف قضاها في سجن بغداد ثم في سجن "نقرة السلمان" الصحراوي الشهير، حل يوم خروج الرفيق حسين من سجنه إلى منفاه فودعه الرفاق بأغنيتهم الأثيرة:
    يالرايح للحزب خذني...
 
الأب والزوج الصديق
    لم يطَل حسين المكوث في المنفى، بل هرب بعد وصوله إليه بيومين والتحق بالحزب فورا. عائدا إليه بهمة وحماسة، وقدرات قيادة أكثر مراساً وجرأة فائقة. وقد أهلته كل هذه الصفات الى عضوية اللجنة المركزية عام 1953.
    في ذلك العام تزوج من رفيقته في النظام ثمينة ناجي يوسف التي تقول في ذكرياتها:
    "اربعة اعوام مضت على وعده لي بالزواج، امضاها في السجن وخرج. غير ان حسين الرجل لم يشأ ان يكبلني بوعده القديم، وهو العليم بما انتهى إليه من مطاردات وما ينتظره من اضطهادات. فكتب لي يقول: (مرة اخرى قبل ان اتزوج، أود ان تكوني على علم تام بأن طريقنا ليس ممهدا ولا مزروعا بالورود... ان في طريقنا تنبت الاشواك وتنهض العقبات – شأن كل المناضلين... على هذا الطريق تنتظرنا الحرمانات والعوز والمتاعب. وفي اعقابنا تنتظر كلاب الحراسة المتوحشة... تترصدنا، مثل مئات المناضلين، تطوح بنا الى غياهب السجون مرة أخرى. وعند ذلك سأتركك وأطفالك دون مورد مالي، لأنني كما تعرفين لا أملك شيئاً. أما افراد اسرتي، فهم الآخرون لن يستطيعوا مدّ يد العون إليك... فهم مثل ملايين العمال لا يملكون إلا سواعدهم وسمعتهم الطيبة بين الناس... وإذا سقطتُ شهيدا مثل بقية شهداء حزبنا وشعبنا، فلن اترك لكِ غير الذكريات. إنني لا أملك كما تعلمين غير لقب الشيوعي المدافع عن مصالح طبقةٍ وحرية شعبٍ... ولكني استطيع أن أعدكِ، وأنا واثق كل الثقة، من ان حياتنا ستكون مترعة بالسعادة، لا تكدرها وضاعات أعدائنا الطبقيين).".
    وتقيّم الرفيقة حياتها الزوجية مع سلام عادل، تقول:
    "الآن، بعد عشر سنوات من حياتنا معاً، استطيع ان اقول ان سلام قد وهبني من السعادة أكثر مما وعد. فلقد منحني البيت الدافئ السعيد، والحياة المشرقة، والهمني من روحه الثقة بالعزم والتفاؤل ... ورغم انقضاء عشر سنين حافلة بالصعاب، والعوز والاضطهادات، لم تستطع ظلال السأم ولا الاكدار ان تطفئ نور السعادة التي كنا نحياها. لقد كان دوما أبا حنوناً وزوجاً باراً وصديقاً وفياً ومرشدا لي في الخطوب... وكان لأطفالي أبر الآباء وأكثرهم حناناً (...)".
 
قائد وطني وأممي ... !
    بين عام 1953 – 1955 نهض الرفيق حسين بمسؤوليات حزبية مختلفة ومعقدة فقاد لجنة المنطقة الجنوبية في البصرة حيث بذل جهدا مضنيا لإصدار جريدة الحزب المنطقية، وثابر على توطيد منظمات الحزب في الجنوب، لاسيما بين عمال الميناء والسكك والنفط والكهرباء، أي كبرى التجمعات العمالية يومذاك.
    وأثناء وجوده على رأس قيادة المنطقة الجنوبية، نظم العمال بقيادة الحزب وباشراف مباشر من الرفيق حسين إضراباً شاملاً هز البلاد كلها، فواجهته السلطات الرجعية بالرصاص والتنكيل، وأعلنت على اثره الأحكام العرفية في المنطقة الجنوبية، وأصدرت أحكاما جائرة بحق المئات من العمال.
    وفي مستهل عام 1954 كلف الرفيق بقيادة منظمة الفرات الاوسط، فعمل بنفس الهمة التي عرف بها على تعميق نفوذه بين الجماهير الكادحة، وبادر الى تأسيس المنظمات الحزبية والجمعيات الثورية في اوساط الفلاحين.
    في العام نفسه سافر الى بريطانيا سراً ليمثل حزبنا في اجتماع الاحزاب الشيوعية والعمالية لبلدان الكومنويلث البريطاني والبلدان المستعمرة والتابعة. وكان لنشاط حسين الرضي في ذلك اللقاء الأممي دوره البارز في لفت انتباه الأحزاب الشقيقة والعالم إلى قضايا شعبنا الوطنية ونضالات حزبنا.
    وعبر الكثير من العراقيل والصعوبات عاد الى العراق وكلف الى جانب مسؤولياته في اللجنة المركزية بقيادة لجنة بغداد المحلية. فاستطاع بحكم تجربته التي أصبحت اكثر غنى، ومواهبه التنظيمية القيادية ان يشيد كيانا ممركزا لنشاط منظمة الحزب في العاصمة وان يمكّن الحزب من تلافي الصعوبات والثغرات التي واجهت في وقت سابق هذه المنظمة.
    وما كان لنشاط حسين الرضي التنظيمي ان يؤتي ثماره لولا إتقانه فنون العمل السري وبراعته في التنكر، حيث كان يجيد اختيار الازياء المناسبة لتحركه واداء مهماته دون ان يستلفت إليه أنظار الخصم.
 
على رأس قيادة الحزب، ومن أجل وحدته
    ساهم الرفيق حسين بنشاط ووعي بارزين في اجتماعات اللجنة المركزية وفي توجيه ورسم سياسة الحزب الوطنية والطبقية، ومن ابرز مآثره في هذه الفترة كفاحه المثابر ضد قيادة حميد عثمان الانعزالية التي سيطرت على الحزب آنذاك، وضد النزعة "اليسارية" المغامرة في سياسة هذه القيادة.
    كان حسين الرضي على رأس النضال المبدئي الذي خاضته اللجنة المركزية ضد هذا النهج الخاطئ، واسفر عن إقصاء حميد عثمان عن قيادة الحزب ووضع امانة الحزب واللجنة المركزية على عاتق الرفيق حسين، الذي اصبح اسمه منذ ذلك الوقت "سلام عادل"، وغدا السكرتير الاول للجنة المركزية.
    عن تلك الفترة يشهد الرفاق الذين عملوا مع سلام عادل انه برغم نضاله العنيد لتطهير الحزب من القيادة المنحرفة، كان حريصا اشد الحرص على الالتزام بمبادئ المركزية الديمقراطية، ولم يعبر، خارج اللجنة المركزية، عن آرائه ومواقفه المعارضة للقيادة إلا بعد ان حازت على مواقف الأكثرية، وأصبحت هي النهج المقر للحزب.
    لقد اقترن هذا الإنجاز الكبير بانعطاف جذري في سياسة الحزب ونشاطه الفكري والعملي، كما اقترن باتساع نفوذ الحزب الجماهيري وإعادة القواعد اللينينية الى حياته الداخلية، وساعد كل ذلك، بل واقتضى إنجاز مهمة من اعقد وأخطر المهمات التي كانت تجابه الحزب آنذاك، وهي تحقيق وحدة الحزب وتصفية الكتل المنشقة عنه والتي كان بعضها يستمد مبررات وجوده من أخطاء القيادة الانعزالية السابقة. وكان لسلام عادل الدور الأبرز في تحقيق الوحدة التنظيمية والفكرية للحزب على أسس ماركسية لينينية بعد نضال شاق طويل.
    في أيلول عام 1956 انعقد الكونفرنس الثاني للحزب بمبادرة وقيادة الرفيق سلام عادل تحت شعار "من اجل سياسة وطنية ديمقراطية، وحزب شيوعي موحد يستلهم الروح التي اشاعها في الحركة الشيوعية العالمية المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي السوفييتي". واسفر الكونفرنس عن وثيقة تاريخية هامة احدثت انعطافا جديدا في نهج الحزب السياسي، واسهمت في توطيد وحدته الفكرية والتنظيمية والسياسية.
    وكان للرفيق سلام عادل ولمجهوده الشخصي المميز الدور المؤثر الأكبر في وضع هذه الوثيقة وصياغتها، بيد ان السكرتير الاول لم يشأ الانفراد بهذا الانجاز، بل اراده خلاصة للرأي الجماعي لكل كوادر الحزب.
    يروي احد رفاقه في تلك الحقبة ان "سلام" اعدّ قائمة طويلة بأسماء من ينبغي اخذ رأيهم بشأن الوثيقة ضمن مسؤولي اللجان المحلية في محافظات العراق كافة، وكل كوادر الحزب القيادية في بغداد، وبعض المثقفين من اصدقاء وانصار الحزب، بل وحتى الرفاق الذي كانوا في السجون حينذاك والمغتربين في سوريا ولبنان.
    يروي احد الرفاق عن هذا الانعطاف الهام في حياة الحزب قائلاً: "انعقد الكونفرنس الحزبي وفق تدابير محكمة للصيانة والسرية اشرف الرفيق سلام عادل عليها بنفسه، وقاد ذلك الاجتماع المرهق ثلاثة ايام بلياليها، وبعد انتهاء أعمال الكونفرنس واصل سلام عادل الجهد المضني لإعداد الصيغة النهائية للتقرير الذي اقره الكونفرنس في ضوء مقترحات وتعديلات وإضافات الرفاق الذين ساهموا في إغنائه، حتى ان الرفيق سلام بدا كشبحٍ ذاوٍ من شدة الأعياء".
    لقد أصبحت الوثيقة التي أقرها الكونفرنس الثاني مرشدا لنشاط الحزب وعاملاً من عوامل انتصاراته اللاحقة. وأسهمت اسهاماً عظيماً في توطيد وتمرير مكانته ودوره في صفوف الشعب والحركة الوطنية والقوات المسلحة. وبذلك تهيأت الظروف الملائمة لشن نضالات جماهيرية حازمة ضد حلف بغداد والمعاهدات الاستعمارية، ومن أجل الإطاحة بالحكم الرجعي ومساندة مصر ضد العدوان الثلاثي.
 
موعد مع الثورة
    الثورة تطرق باب العراق، فماذا على الحزب الشيوعي العراقي ان يفعل لانضاج الظروف المواتية وإنجاحها..؟
    هذا السؤال كان الشغل الأول لسلام عادل الذي راح يرسم خطة لانتصار الثورة. ومن اجل تطبيق هذه الخطة غامر، يوم كانت هذه المغامرة تحتاج الى قائد ثوري من طراز خاص، بالاتصال بالضباط الوطنيين، وعمل من خلال الرفاق الذين كلفوا بأداء هذه المهمة فيما بعد، على توحيد جهودهم وبث الثقة والعزيمة في أوساطهم.
    في خريف 1956 كتب سلام عادل رسالة الى عدد من كوادر الحزب في السجون تنبئهم، من طرف خفي، بأن يوم تحررهم غير بعيد، وتخبرهم بالمنجزات التي حققها حزبهم. عن ذلك يقول احد رفاق سلام عادل:
    "كان يدرك بسبب تجربته في السجون أي بشارة تعنيها مثل هذه الرسالة، وأي دور لها في تصعيد روح المقاومة والبسالة لدى السجناء، وخاصة أولئك الذين طالت بهم أعوام السجن".
    اعترضت طريق الثورة عقبات أدت الى تأجيل ميعادها ثلاث مرات، بيد ان الحزب بقيادة سلام عادل واصل جهده لتوحيد القوى الوطنية، حتى انبثقت "جبهة الاتحاد الوطني" عام 1957 التي ضمت حزبنا والأحزاب الوطنية الرئيسية، والتي كان يعززها تحالف الحزب الثنائي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي كان بمثابة الجسر الذي ربط جبهة الاتحاد الوطني بالحركة القومية الكردية.
    كان لسلام عادل الجهد الابرز في تحقيق تحالف الاحزاب الوطنية في اطار جبهة الاتحاد الوطني، وكان لنهج التحالفات الذي اختطه ابلغ الأثر في توحيد تنظيمات الضباط الوطنيين في الجيش، أي في توفير العوامل الذاتية لانتصار ثورة 14 تموز 1958.
    يؤكد احد الرفاق الذين شهدوا تلك الفترة من موقع المسؤولية في الحزب، ويقول:
    "قبل الحدث اتصل رشيد مطلق مبعوث عبد الكريم قاسم بقيادة الحزب هاتفيا واسرَّ بالإشارة المتفق عليها مع الحزب وهي "العمّالة جاهزين". وعلى الفور اصدر الحزب يوم 12 تموز "توجيه عام الى كافة منظماته الحزبية" المح فيه الى احتمالات حدوث تغيير كبير في وطننا، وأكد على "ضرورة ضمان وحدة النشاط السياسي لمنظماتنا في الظروف الطارئة أو المعقدة"، فأكد على شعاراتنا الاساسية بتحقيق الاستقلال السياسي، واطلاق الحريات الديمقراطية، وحماية الاقتصاد الوطني مع حل المشاكل المعيشية للجماهير، واقامة حكومة وطنية تنتهج سياسة عربية ودولية تخدم السلم والنضال ضد الاستعمار والصهيونية، وتعمل من اجل "اتحاد فيدرالي مع الجمهورية العربية المتحدة". وجاء في ختام التوجيه: "ونرى من المناسب التأكيد على: 1- ضرورة تجنب ابراز شعارات مبهمة أو متطرفة أو تلك التي تمجد هذا الزعيم او ذاك من قادة الحركة الوطنية أو العربية على حساب طمس شعاراتنا الاساسية. 2- ضرورة ابداء اليقظة السياسية العالية تجاه مختلف المناورات والمؤامرات وتجاه نشاط عملاء الاستعمار، والعمل بحزم وبأمانة تامة لسياسة الحزب، واعتبار واجبنا الاساس في كل الظروف هو تعبئة أوسع الجماهير الشعبية، ولفّها حول الشعارات الصائبة في اللحظة المعنية، وحول الشعارات الكبرى لحركتنا الوطنية الديمقراطية".
 
أول خطوة في العلن
صبيحة يوم الثورة كان عدد من أعضاء اللجنة في احد البيوت الحزبية قد اعدوا مسوّدة برقية الى حكومة الجمهورية تتضمن تأييد حزبنا التام للثورة. وهنا خرج الرفيق سلام عادل عمّا عرف عنه في العمل السري، مقترحا ان يذهب بنفسه إلى دائرة البريد لتسليم البرقية تدشيناً لعلنية الحزب.
    فيما بعد روى الرفيق سلام عادل كيف ان الموظف تسلم منه الورقة وشرع يعد كلماتها، لكن اصبعه توقف فجأة، ثم رفع يده الى نظارته يثبتها على عينيه، وانتقل ببصره نحو التوقيع، ثم رفع رأسه لينظر إلى رفيقنا... ثم اخذ يقرأ نص البرقية ثانية، وعاد ينظر إليه ثم تلعثم:
  • يعني انت ... العفو... أعني حضرتكم... هو...؟ وأشار باصبعه نحو التوقيع. فأجابه رفيقنا: نعم ... وأرجو إبراقها بسرعة. فنهض الموظف من مكانه بسرعة وهو ينظر إليه، وخف الى زملائه الملتهين في احد اركان دائرته، فأخذوا يتدافعون وهم يقرأون نص البرقية وينظرون الى رفيقنا متهامسين، وفجأة هتف احدهم يعيش الحزب الشيوعي البطل .. فردد البقية هتافه.
    لم تصرف نشوة النصر ذهن الرفيق سلام عن التفكير بمهام صيانة وتطوير الثورة. وكانت احدى مآثره الكبرى في تلك الفترة مبادرته الى جمع الكادر الحزبي كله، سواء الذين تحرروا من السجون أو المنافي أو الذين عادوا من ديار الغربة خارج الوطن، وقيادة نشاطهم والاستفادة من طاقاتهم وإمكانياتهم.
    وفي أيلول 1958 قاد الرفيق سلام عادل اكبر اجتماع موسع للجنة المركزية في تاريخ حزبنا. كانت قدرات حزبنا ومسؤولياته التاريخية قد تعاظمت، فالأشهر العاصفة التي أعقبت الإطاحة بالنظام الملكي الرجعي ضاعفت الحاجة إلى التشخيص الصائب للمهام والحلول والشعارات، وصيانة وتطوير الموقف الطبقي المستقل للحزب إزاء ضغوط وتأثيرات القوى الطبقية الأخرى، ولا سيما الحليفة. وكان لا بدّ للأوضاع المعقدة ان تجد صدىً لها في الصراع الفكري الذي لا تقدم للحزب بغيابه. فكان الرفيق سلام الحريص على طاقات وكوادر الحزب صارما في الأمانة لمبادئ المركزية الديمقراطية، الاطار اللينيني الوحيد لإدارة الصراع الفكري في الحزب الشيوعي.
    لقد تميّز الرفيق سلام بسعة أفقه الفكري، بشمولية نظراته، بتمسكه الدقيق بمبادئ الضبط والنظام في الحزب بروحه التربوية العالية إزاء رفاقه، وكفاحه العنيد ضد كل مظاهر الانقسام والتكتل المخلة بوحدة الحزب. والى جانب كفاحه المثابر ضد مظاهر القومية الضيّقة، كان مناضلاً عنيداً من اجل الحقوق القومية للشعب الكردي.
    كان أمميا مثابرا وصديقا أمينا للاتحاد السوفييتي. وقد برز نشاطه الاممي منذ تولى قيادة الحزب. ففي عام 1957 قاد وفد حزبنا الى احتفالات الذكرى الاربعين لثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى ثم في اجتماعات الأحزاب الشيوعية والعمالية في خريف العام نفسه. وفي أواخر 1958 قاد وفد حزبنا الى المؤتمر 21 للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي، ومن بعده المؤتمر 22. وفي كل المنابر التي حضرها دعا باسم حزبنا الى التمسك بمبادئ الماركسية اللينينية، وبوحدة الحركة الشيوعية العالمية.
 
ضد الدكتاتورية... من أجل كردستان
    عام 1961 أوفد الرفيق سلام عادل الى الخارج للدراسة الحزبية. وقد أثبتت الحياة ان ساحة الوطن كانت أحوج الى حضوره كقائد تميز بحسّه الطبقي إزاء مسألة السلطة وضرورة إدامة وتعزيز قوى الحزب الضاربة في الجيش إزاء تذبذب السلطة البرجوازية وتفاقم المؤامرات على مسيرة الثورة.
    وفي أواسط 1962 عاد الى الوطن سراً وزاول مهامه كسكرتير أول للحزب فور وصوله. وفي النضال من اجل تعميق وتثبيت خط الحزب الأممي والجماهيري والوطني، خاض، مع رفاقه الآخرين، نضالا مبدئياً باسلاً ومفعماً بشعور المسؤولية تجاه مصلحة الحزب والحركة الوطنية والأممية البروليتارية، ضد الاتجاه الانتهازي اليميني، والقومي الضيق، الذي أراد حرف سياسة الحزب الأممية الثابتة وتوجيهه باتجاه برجوازي استسلامي. وفي الاجتماع الموسع للجنة المركزية للحزب في أيلول 1962، الذي قاده الرفيق سلام عادل، تمت تصفية آثار هذا الاتجاه.
    ورافق وأعقب هذا الانتصار انعطاف جماهيري واسع نحو الحزب. وفي طليعة الجماهير الشعبية خاض الحزب بقيادة سلام عادل نضالاً دائباً ضد السياسة الدكتاتورية الفردية، وضد الحرب على الشعب الكردي المطالب بحقه المشروع في الحكم الذاتي والحل السلمي الديمقراطي لقضية كردستان، محذرا في الوقت ذاته القوى الوطنية والسلطة في آن من خطر التآمر الذي لاحت بوادره بوضوح في تلك الأيام.
 
خاتمة بطولية
    وهو يتهيأ للعودة للوطن ناشده رفاقه ان يحتاط للمخاطر، وان يحرص على سلامته ولا يفرط بحياته، قال:
    "أعرف ان حياتي يحتاجها الحزب، وسأعمل من أجل سلامتي في الحدود الضرورية، التي لا تعرقل عملي. ولكنني شأن أي جندي ذهب الى ميدان القتال لا أستطيع ان اقطع لكم عهدا بسلامتي، ولكني أستطيع ان أؤكد لكم بأنني لن أبخل بجهد من أجل مصلحة حزبي وسعادة شعبي".
    ليل التاسع عشر من شباط 1963 امتدت يد الفاشية الى سلام عادل فانتزعته من موقعه الأثير - كما لم يكن من قبل -، ومن بين حرص وحذر ما بقي من قادة وكوادر ورفاق الحزب، فسجل التاريخ الوطني اياما طويلة لـ "جلجلة" المناضل الباسل، والقائد الفذ:
  • ماذا تأمل....؟
    قال له الجلاد وأضاف:
  • "وها أنت وصحبك اسرى بين أيدينا، ونحن عازمون على أن نبيد آخر شيوعي يعيش على ارض هذه البلاد خيرٌ لك ان تستسلم. صن حياتك، وهات ما عندك من اسرار الحزب التي تعرفها أكثر من غيرك لأنك السكرتير الاول".
أجاب سلام عادل بهدوء:
  • أجل... كنت سكرتيرا أولا للحزب، وما أزال.. ولكن لتعلم أنك تسعى نحو المحال. ان ابادة الشيوعيين امر مستحيل. ولست أملك ردا على تهديداتك افضل من الكلمات التي هتف بها قائد حزبنا فهد.
"الشيوعية أقوى من الموت واعلى من اعواد المشانق"
خمسة عشر يوما قاسية وست عشرة ليلة من التعذيب بكل فنونه وبشاعته، وقلب سلام عادل ينبض.
    تعبت أيدي الجلادين بعد ان نزعوا البصر عنه، ولكنه صمد متمسكا ببصيرته.
    طرحوا الجسد النحيف المهشم ارضا، سحقوه بمدحلة حديدية ضخمة ففاضت روح ذلك الانسان الذي بقي فذاً يلهم العزيمة والصمود لرفاقه ويهب بسخاء المثل العراقي للبطل الذي يلهم الناس جميعاً.  
 
   (الثقافة الجديدة)،العدد 195/آذار 1988، ص 11-24