موقف بعض القوى القومية من نقابات العمال في العراق 1958 الى 1963
في ضوء مؤلفات النقابي القومي هاشم علي محسن(1)
فيصل الفؤادي
فجرت ثورة تموز المجيدة طاقات الجماهير الشعبية، وفي مقدمتها الطبقة العاملة العراقية، فاندفع العمال الشيوعيون واصدقاؤهم الى تأليف النقابات بهمة وحماس اضيفت اليها خبرة القادة والعمال النقابيين، والذين أطلقوا سراحهم. فتشكلت هيئات مؤسسة لمختلف النقابات. وقدمت طلبات اجازتها الى وزارة الشؤون الاجتماعية. وشرعت بممارسة نشاطها دون انتظار الاجازات، وشكل مكتبا مركزيا لقيادة النقابات مارس عمله بنشاط في تهيئة انظمة داخلية لها وتوجيه نشاطها(2).
وأصدر التنظيم النقابي، بأسماء قادته، وشخصيات نقابية بارزة، بيانا، في اليوم الاول من الثورة، يعلنون عزمهم على حماية الثورة ودعمها، ودعوتهم الى تحقيق مطامح العمال والشعب، واطلاق الحريات الديمقراطية والوقوف بحزم ضد الاقطاع وكبار الملاكيين والرأسماليين الكبار (الكومبرادور)، وانتهاج سياسة حازمة ضد الامبريالية، وفك ارتباطات العراق بحلف بغداد ومناهضة شركات النفط الاحتكارية وتحرير العملة الوطنية من الكتلة الإسترلينية(3) ..الخ.
ان صراع القوى السياسية في جبهة الاتحاد الوطني أثر بشكل كبير على القوى النقابية بعد قيام الثورة، وكان بإمكان تجميع هذه القوى النقابية لتعزيز وحدة الطبقة العاملة. وقد عمقت هذا الانقسام والصراع القوى المعادية للطبقة العاملة وحركتها النقابية. ويحمل النقابي هاشم علي محسن(4) المسؤولية ايضا على عاتق النقابيين، اذ كان عليهم ان يفهموا الاحزاب السياسية وان يتصرفوا بوعي ووفقا لمصلحة الطبقة العاملة التي تقتضي ضبط حركة الصراع النقابي. ويحدد بعض النقاط ومنها ان ثورة تموز كانت ثورة تحررية برجوازية وبالتالي مرحلة لم تخرج عن نطاق حدود التحرر الوطني السياسي والاقتصادي ومعنى هذا ان طبيعة المرحلة ما زالت تتحمل التعايش لصالح وحدة الموقف النقابي.
موقف الحركة القومية
تأسس حزب الاستقلال في عام 1947 وهو تنظيم يهتم بالحركة القومية العربية في العراق. وهو يعتبر من النواة المنظمة لنشوء العمل القومي الذي مثله حزب البعث اوائل الخمسينيات. وكان منهاج الحزب حافلا بالمطاليب القومية، غير ان ابرز سمة رافقت تاريخ الحزب هي بعده وانعزاله عن الطبقة العاملة وحركتها النقابية، الذي سجل لها التاريخ مواقف بطولية ومعارك دامية(5). اما بالنسبة لحزب البعث، فقد عمد الى تشكيل مكتب مهني للعمال، كان اعضاؤه من طلاب المدارس. وعندما بدأ ممارسة نشاطه بين صفوف العمال سارعت السلطات الى مطاردة اعضائه بعد ان كشفتهم، فلجا بعضهم الى سوريا، حيث احتضنهم الحزب هناك ونظم لهم مكتبا واوراقا رسمية كتب عليها باللغة العربية والانكليزية اسم (التنظيم النقابي السري في العراق) وفي 29 /3 /1958 بعث الحزب رسالة باسم تنظيمه الحزبي الى الامين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، أسهب فيها بشرح الكفاح الذي يخوضه جهازه الحزبي السري والمطاردة التي يتعرض الها أعضاؤه. وطلبت الرسالة من الامين العام ان يعمل شيئا من اجلهم وان ينتصر لهم. وفي اوائل نيسان من نفس السنة، تلقى الامين العام طلبا رسميا باسم هذا التنظيم السري، بالانتساب الى الاتحاد ويضيف النقابي محسن الى هذه الموضوعة وقد ارفقت مع الطلب مذكرة أطلق عليها اسم الاوراق الثبوتية تضمنت مغالطات كثيرة كان غرضها تصوير هذا التنظيم الحزبي السري تصويرا غير واقعي بقصد اظهاره بشكل يوحي لمن يطلع على المذكرة، بانه التنظيم المهيمن على حركة الطبقة العاملة النقابية في العراق، وبالتالي فان منحه العضوية يصبح ضرورة تقتضيها مصلحة الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب. وقد نجحت المحاولة ورد الامين العام للاتحاد على الطلب المذكور في 30 /4 /1958 بكتابه المرقم 799 /58 بالموافقة ومما جاء في كتابه قوله “... ويسعدني جدا ان احيطكم علما بان طلب انضمامكم قد أدرج في جدول اعمال الجلسة القادمة للمجلس التنفيذي ليأخذ صفته الرسمية مؤكدا لكم قبوله..” وهنا يعلق النقابي محسن على القبول المتسرع فيقول، ان المحاولة كلها كانت مرتجلة ومتسرعة، مما جعلها تعود على الحزب (البعث) والحركة القومية بالضرر والاساءة. وقد اضطر الحزب في ما بعد الى مقاومة عناصرها وكشف زيف علاقتهم بالطبقة العاملة. وقد اشار المسؤول الذي عينه الحزب رئيسا في عام 1963 للمكتب التنفيذي المؤقت للاتحاد العام لنقابات العمال الى الملابسات التي ادت الى تنصيب تلك العناصر لتنطق باسم العمال. كما قلنا كانت رغبة حزب البعث في سوريا ضمان صوت العراق الى جانبهم، وقدم طلب الانتماء الى الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، وكان مدعما بكتاب من قبل نائب رئيس اتحاد عمال سوريا وامين سره بصفة خاصة. ومما جاء في الرسالة “يسرنا ان نرسل طي هذا المستندات والخطاب المقدم من زملائنا عمال العراق الاوفياء بخصوص الانتساب الرسمي للاتحاد” .. الخ.
في جواب الاخ الامين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، لم يتورع من ابلاغ افراد التنظيم النقابي السري في العراق الذين يقيمون في دمشق بقبول طلبهم.. انه لأمر غريب حقا ان يتصرف امين عام الاتحاد دولي للعمال بهذا الشكل ويتساءل النقابي محسن: ماهي الاسس التي اعتمدها الامين العام بقبول التنظيم النقابي السري في العراق، هل عن جهل وعواطف شخصية ام يستند الى مبادئ ومفاهيم نقابية يفترض ان يكون الامين العام أكثر النقابيين حرصا على الالتزام بها والتقيد بمنطوقها والعمل على احترامها؟ لقد تجاوز الامين العام ابسط مفاهيم ومبادئ العمل النقابي، ولم يبدِ اهتماما للأسس التي اعتمدها في رسالته الجوابية “ولا يسعني في هذه المناسبة الا ان اهنئ نفسي وزملائي العمال العرب بانضمامكم الى الاتحاد” قبل ان ينظر المجلس في طلبهم. اغلب الظن ان الامين العام، قد صُور له وافهم بان هذا التنظيم هو الممثل والمعبر عن حركة الطبقة العاملة النقابية في العراق، ولم يكن يدري انه تنظيم وهمي لا يمثل العمال ولا يعبر عن ارادتهم ولا يمت لهم بعلاقة، وهو لذلك لا يتعدى حدود اسمه والاوراق المثبت عليها والاشخاص المنشدين للمكتب الموجود في دمشق وليس في العراق.
ولم يقف الامر عند هذا الحد، اي عند حد ابلاغهم بقبول طلبهم فحسب، بل راح يعامل هذا التنظيم الوهمي كما يعامل اي عضو من اعضائه ولا يستند الى اي قاعدة عمالية حقيقية، قبل ان يطلع عليه المجلس وقبل ان يقول رأيه. وكان طلبهم مثار خلاف في المؤتمر الثاني للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب الذي عقد في 24 نيسان 1959 في القاهرة. وقد علق الامين العام الجديد محمد اسعد راجح ان “هذا التنظيم عند قبوله كان مثار خلاف بين فريق يعارض قبوله اساسا وفريق يرى ادخاله فورا لأسباب سياسية”. كما ان السيد فتحي كامل الامين العام قد اكتشف ذلك بعد فوات الاوان ان هذا التنظيم مزيّف ولا يمثل سوى افراده الذي لا يزيدون على عدد اصابع اليد، لذلك تخلى عنه ولم يعد يسأل عنه. والسبب ان الامين العام التقى بعد ثورة تموز مع ممثلي الطبقة العاملة الحقيقيين لذلك اعطى اهتمامه لنشاط صادق جعفر الفلاحي ورفاقه، وحاول ان يوفق بينهم وبين القومي حسن عباس وجماعته. اما افراد التنظيم السري (بدل اسمه الى اتحاد العمال الجمهوري في العراق)، فلم يسأل عنهم على الرغم من ان موقفه هذا ادى الى ابعاده عن الاتحاد. واصيب الامين العام بخيبة امل وتبددت جميع احلامه واماله، وهو يطالع النداء الذي وجهته الهيئات المؤسسة لنقابات العمال في العراق في 31 /8 /1958 المرسل الى الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب والاتحادات العمالية العربية والاتحاد الدولي بمناسبة اجتماع نصرة الجزائر والذي لم يكن بين الممثلين الموقعين عليه واحدا من اسماء الذين خدعوه فترة من الزمن. ويشير النقابي محسن الى انه ليس ادل على هذه الحقيقة المرة وصواب هذا الكلام من ان مجموعة عماد نعمة العزيز التي يطلق عليها اتحاد نقابات العمال الجمهوري بالعراق ويمثله اربعة اشخاص، وأطلقوا على عماد الرئيس وغازي العبدلي النائب للرئيس ويحيى الشيباني ومحمود الغزالي أعضاء، وسمي بالمجلس التنفيذي لاتحادهم. وقد قاموا بمراسلة اتحاد نقابات العمال العرب وقام المدعو عماد بترشيح نفسه لعضوية المجلس التنفيذي للاتحاد الدولي لنقابات العمال – “سيادة الامين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب ، تحية عربية – تقرر تسمية عماد العزيز لعضوية اللجنة التنفيذية، كما ان الاتحاد له الرغبة في ارسال من ينوب عنه بضمن وفد الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب لحضور دورة منظمة العمل الدولية بصفة مستشار...وتفضلوا بقبول احترامنا –العنوان المؤقت دمشق الاتحاد العام لنقابات العمال الجمهوري عن المجلس التنفيذي لاتحاد نقابات العمال الجمهوري بالعراق”(6).
ان هؤلاء ومنهم السيد عماد نعمه العزيز يعتبر من وجهة نظر التاريخ منتحلا لصفات تمثل مراكز لا يجوز تبوأها، الا عن طريق الانتخاب الذي تجلى عبره ارادة العمال بمنح ثقتهم للمرشحين الذين ترى فيهم جماهير العمال المؤهلات التي تمكنهم من اداء المهام والواجبات النقابية التي تناط بهم. وبما ان عمادا والاشخاص الثلاثة الاخرين، قد أطلقوا على أنفسهم صفات نقابية يحملها اشخاص اخرون اكتسبوا الصفات ذاتها عن طريق شرعي فانهم ـ اي مجموعة عماد ـ يعتبرون منتحلين لصفات غيرهم، لذلك فانهم لا يعدون عن كونهم مزيفين، الامر الذي يصبح معه انتسابهم للاتحاد خطأ يتحمله الامين العام واتحاد عمال الجمهورية العربية المتحدة وهو خطأ تاريخي، خاصة فيما يتعلق بتعيين عماد العزيز امينا عاما مساعدا. وهو بهذه الصفة التي انتحلها باسم عمال العراق الذين كان لهم اتحاد اخر وله رئيس ونائب للرئيس واعضاء. هذا ما يقوله النقابي محسن.
في رسالة من السيد عماد العزيز بتاريخ 30 /6 /1959 الى الامين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، طلب فيها معلومات عن اجتماع منظمة العمل الدولية بجنيف لكي يرسل هذه الاخبار الى العراق. وهو يوهم اعضاء المجلس التنفيذي للاتحاد بأن اتحاد عمال العراق الجمهوري، اتحاد قائم وله وجود فعلي وقواعد تمثله في العراق، وهذه طريقة بارعة لقلب الحقائق وتطوير الاوهام لتظهر على غير حقيقتها، ومن المؤسف ان يشارك الامين العام نفسه فيها. فشيء اسمه اتحاد عمال العراق الجمهوري غير موجود في العراق اطلاقا. وبهذه الطريقة نجحت اللعبة التي انخدعت فيها الاتحادات العمالية العربية وانقل جزءا من هذه الرسالة: “سيادة الامين العام للاتحاد الدولي للعمال العرب.. تحية عربية – 1 - الرجاء تزويدنا من سيادتكم بمعلومات كافية عما دار اخيرا لمنظمة العمل الدولية بجنيف ... لغرض القيام بإرسالها الى العراق. 2 - نرجو ارسال خطاب الينا تذكرون فيه قبول انتساب عضوية العراق في الاتحاد الدولي للعمال العرب. 3 - نعتقد انكم اطلعتم على نشاط عمالنا في مناهضة الشيوعية في العراق والذي قامت بنشره الصحف والاصطدامات التي حصلت بينهم وكثرة الاعتقالات التي جرت على عمالنا في العراق... وان عوائل العمال الشهداء والمعتقلين بحاجة الى المساعدات المالية ونرجو تحديد يوم العراق وقد اقره المؤتمر الثاني للعمال العرب. 4 - نطلب من سيادتكم عرض قضية العمال في جامعة الدول العربية. 5 - يعلم سيادتكم بان اتحادنا قد حصل على موافقة فتح مكتب له في دمشق نرجو مؤازرتكم ومديد به المساعدات المالية. 30 حزيران 1959”(7).
ويعلق النقابي محسن، ان هذا الاسم الوهمي غير موجود حتى على مستوى الورق. ويضيف في تعليقه على هذه الرسالة، ان المساعدات المالية بيت القصيد.. اعطوني جنيهات ونعطيكم نقابات ..! ويسأل اين المبالغ التي استلموها من جمع التبرعات وقبض الرواتب والمخصصات والمنح ولا يعرف عمال العراق مصيرها. اما فقرة فتح مكتب لها، فنحن نعلم ان هذه الجهة هي المكتب الثاني وعماد يريد المساعدة باسم العمال والعروبة. وهو يكتب التقارير الى الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب بعدة صفحات وفي ضوء عدد الصفحات يستلم مكافأة نقدية لكافة ما يكتب لأغراضه.
الموقف من مؤتمرات الاتحاد العام لنقابات عمال العراق
عقد المؤتمر الاول في 8 تموز 1959 في سينما الخيام في الباب الشرقي في بغداد وكانت مجموعة من اليافطات معلقة في داخل السينما وشارع الرشيد وشارع الخيام – افتتح المؤتمر رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم وحضور عدد كبير من الوفود الاجنبية كذلك ممثل الاتحاد العالمي للنقابات ابراهيم زكريا وكذلك ممثل الصين، وكاظم فرهود رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية وصفاء الحافظ باسم المنظمات الجماهيرية والمهنية وبعض من ممثلي النقابات في البلدان العربية وممثلي النقابات العراقية اضافة الى اعضاء المجلس التنفيذي للاتحاد العام. وبعد الكلمات والمناقشات العديدة تم انتخاب مجلس تنفيذي من 25 عضوا فاز فيها صادق جعفر الفلاحي رئيس الاتحاد وعلي شكر نائب الرئيس وطالب عبد الجبار سكرتير الاتحاد، اضافة الى هادي علوان لشؤون التنظيم وعبد القادر عياش للثقافة والتوجيه وارا خاجادور للشؤون الاقتصادية وكاظم الدجيلي للشؤون الدولية وكليبان صالح للعلاقات الوطنية وحكمت كوتاني محاسبا. وكان صدى المؤتمر كبيرا في اجواء من الحماس وانطلاقة الى العمل حيث خرجت مجموعة من القرارات والنداءات من المؤتمر من اجل الوحدة العمالية والمحافظة على الحريات النقابية والسلام العالمي والقضاء على التبعية والعنصرية والنعرات القومية وان النضال في معركة الامة العربية ضد الاستعمار وهي مساهمة عظمى في خدمة النضال العالمي، والقضاء على الرجعية في البلاد العربية. ونداء الى اتحاد النقابات العمال العرب في 19 تموز(8).
وكان موقف الزمرة (واتحادهم الوهمي) من المؤتمر التأسيسي في تموز 1959 والمؤتمر الاول شباط 1960 انهم اتهموا المؤتمر بأنه مؤتمر للعمال الشيوعيين وان الصحف الشيوعية تطبل وتزمر لسحب او لجر العمال وتوجيههم بالوجهة الاممية وتناسوا قضاياهم الاقتصادية المتأخرة والبطالة المنتشرة. فافتتاح المؤتمر “ياعمال العراق اتحدوا” كان الغرض منه افهام نقابات العمال العالمي وممثلي وفود العالم المدعوين سيطرة الحزب الشيوعي على النقابات في العراق.
لم ينجح المؤتمر في جذب وفود من اتحاد النقابات العمال العربية
-ان الشيوعيين يريدون تحقيق الانضمام الى الاتحاد الدولي في براغ وابعاد عمال العراق عن الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، ومحاولة جر بعض الاتحادات العربية للابتعاد عن اتحاد العمال العرب ولم يقف عند ذلك فهو يؤيد خطاب سكرتير اتحاد نقابات العمال العالمي الذي القاه بالنيابة ابراهيم زكريا السوداني. من جانب اخر ان خطاب زكريا معظمه سند لاتحاد عمال العراق وابداء كل مرونة ومساعدة في سبيل ان يسير في النهج الشيوعي الاممي وابعاده عن النشاط القومي وادخال الصبغة الشيوعية على عمال العراق... كما ان سياسة الحكومة تقف الى جانبهم ويختتم مصدرهم، هذا ما تمكنا من جمعه للاطلاع عليه. ويضيف عاشت وحدة النضال العربي. التوقيع، اتحاد نقابات العمال الجمهوري في العراق.
وهنا يعلق النقابي محسن فيقول – يذكر في التقرير اعلاه ان المؤتمر لم ينجح في جذب وفود من اتحادات نقابات العمال العربية للاشتراك فيه، بينما الحقيقة عكس ذلك اذ ان عددا من ممثلي النقابات العربية قد اشتركوا في المؤتمر، نذكر منهم ابراهيم زكريا عن اتحاد عمال السودان والاتحاد العالمي والمحجوب بن صديق عن الاتحاد المغربي للشغل. كما يشير التقرير الى ان احتجاجات ووقعت ضد المؤتمر واذيعت في بغداد، في وقت كانت فيه الاذاعة مجندة للمؤتمر وليس العكس. ويذكر ان المؤتمر قوطع من الاتحادات العمالية في العالم والعكس هو الصحيح لانه المؤتمر الوحيد الذي عقده عمال العراق وحظي بتأييد عالمي واسع التمثيل في حضور عدد كبير من الوفود الاجنبية، اضافة الى ذلك ان التقرير يوجه نقدا للمؤتمر لان الصيغة السياسية طغت على الصيغة النقابية. ويضيف مع ان عمادا وزمرته كان عملهم كله سياسيا، وليست له صلة بالصيغة النقابية لا من بعيد ولا من قريب. ولعله من المضحك حقا ان ياخذ عماد العزيز على المؤتمر التأسيسي لاتحاد عمال العراق، طغيان الصبغة السياسية في اعماله كما يشير، ولكن بعد 16 يوما اي في 6 /8 /1959 يخاطب الامين العام بقوله، نرجو تسهيل مهمته اي مهمة شاكر حليوه ما مكن. وشاكر هذا ليس نقابيا، بل هو سياسي من اقطاب حزب البعث.
اساليب مغلوطة ضد الاتحاد العام لنقابات عمال العراق – حيث اصدر اتحاد نقابات العمال الجمهوري في العراق بيانا ضد عقد المؤتمر التأسيسي الذي عقد في 8 تموز 1959 وجاء في تعليق النقابي محسن، الغرض من هذا البيان هو الضحك على الامين العام، اذا انهم لا يمثلون اية نقابة على الاطلاق، وقد شاركت كافة النقابات في المؤتمر ولم يسمع احد باتحاد الابطال الاربعة (مجموعة عماد العزيز) القائم على اساس اخذ الجنيهات والحديث باسم النقابات على مستوى الورق والكلام اللامسؤول. وفي ما يأتي مختطف من البيان “بيان اتحاد نقابات العمال الجمهوري في العراق – يستعد الشيوعيون في عراقنا الحبيب لعقد ما يسمونه (المؤتمر التأسيسي لاتحاد نقابات العمال في العراق) في الثامن من تموز الجاري فأخذت الصحف الشيوعية تطبل وتزمر الى هذا المؤتمر لإعطائه الصيغة القانونية لهذا الاتجاه الشيوعي، وقد وجهت الدعوة الى عدد من الدول بغية ضم عمالنا الى نقابات العمال الشيوعي في براغ بتشيكوسلوفاكية.....وسوف يناضل عمالنا مع كافة عمال العالم من اجل قضايا العمال العادلة وارجاع العراق وعمال العراق الى الوجه العربي الاصيل. وبهذا البيان اراد هؤلاء ان يلتفت لهم الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب من انهم يعملون من اجل خير العمال”. ويشير النقابي محسن الى ان هذه المهزلة التي مثلتها هذه الزمرة لم تقف عند حد السماح لنفسها لتمثيل العراق، بل المهزلة سحبت ذاتها على كيان الهيئة الدولية، اي الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب الذي بدا اسمه يعرف في الاوساط الدولية على انه اتحاد للمنظمات العمالية وليس اتحادا للعناصر الطفيلية التي اتيحت لها الفرصة لان تمارس عملية تشويه كبرى باسم عمال العراق الذين لم يكن لهم علم ولا يتحملون مسؤولية ما. ويضيف فاذا كان لا بد من تحديد تبعة مثل هذه الاعمال امام التاريخ، فان حزب البعث وبعض النقابيين وبعض الاجهزة الرسمية في مصر وسوريا انذاك تتحمل المسؤولية كاملة. فالمهزلة لم تقف عند حد السماح لنفر يبلغ عددهم في يوم من ايام تلك الفترة عدد اصابع اليد الواحدة، بان ينصبوا من انفسهم ناطقين باسم عمال العراق مقابل رواتب ومخصصات ومنح ومبالغ جمعت باسم عمال العراق دون ان يكون لهم علم بجمعها او صرفها. ان المهزلة لم تقف عند هذا الحد بل سحبت نفسها على الحركة النقابية العربية، اذ رشح عماد نفسه الى عضوية المجلس التنفيذي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، وبعدها عين امينا عاما مساعدا في الاتحاد واصبح لا ينطق باسم عمال العراق فحسب بل ينطق باسم العمال العرب ايضا. فاية مهزلة هذه التي كانت تمثل على مسرح مكتب الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب في شارع قصر النيل؟(9).
ومما جاء في تقرير مكتب دمشق، الامين العام المساعد عماد العزيز وهو مرسل الى الامين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، بعد عقد المؤتمر الاول في 9 /2 /1960 (ان صادق جعفر الفلاحي انتخب عضوا للعلاقات الخارجية وكان سابقا رئيس اتحاد عمال العراق وهو عامل نسيج ولكنه لم يعمل بهذه المهنة من قبل 12 سنة وهو شيوعي وعضو مكتب سياسي للحزب الشيوعي العراقي) .ان هذا الكلام غير صحيح، ذلك ان صادق نقابي قديم ومعروف بين اوساط عمال الغزل والنسيج وعمال العراق ايضا، وقد قاد نقابة عمال الغزل والنسيج في العهد الملكي البائد ونجح في قيادة كثير من الاضرابات لدرجة ازعجت العهد المباد، وبعد هذا التاريخ ظل صادق يمارس عمله النقابي والمهني لذلك كله، فان القول بانه لم يمارس مهنته منذ 12 سنة قول كذب. ووجود صادق على راس نقابة النسيج يفنده ويفضح حقيقته. ومما هو جدير بالذكر ان عمادا في تقريره الذي رفعه في 28 /7 /1959 لم يذكر هذه المعلومات عن الفلاحي بل اكتفى بوصفه شيوعيا وعضو اللجنة المركزية للحزب لشيوعي فقط، بينما اصبح الان عضوا في المكتب السياسي وعاطلا عن العمل ومعينا من قبل الحزب.. الى اخر الكلام الذي لا يراعى ذمة ولا يخشى تأنيب ضمير.
الدخلاء على الحركة النقابية
هذه العبارة وردت ضمن نص البيان الذي اصدرته زمرة اتحاد اعطونا جنيهات ونعطيكم نقابات في 11 /2 /1960، والمقصود فيها أعضاء المؤتمر الاول للاتحاد العام لنقابات العمال في العراق اي الشيوعيين والمؤيدين لهم. يذكر هنا النقابي القومي محسن - للمنطق حدود اذا خرج عنها فقد معناه، وعجز عن تحقيق غرضه. واتهام الشيوعيين بانهم دخلاء على الحركة النقابية، اتهام لا يستند على اي اساس معقول. هذا قول مغلوط ولا ينطبق الا على قائليه ومردديه. وعلى سبيل المثال فيمكن ان يقال عن الذين لا يلتزمون الصدق فيما يكتبون ويقولون انهم دجالون، وعن الذين ينتحلونها انهم منتحلون، وعن الذين يجمعون الاموال باسم عمال العراق دون ان يخولهم العمال القيام بهذا العمل، اضافة الى انهم لم يقوموا بتقسيم الاموال التي جمعوها الى العمال الذين جمعت باسمهم هم محتالون.
بداية النهاية
بدأت هذه الزمرة عملها بدفع وتشجيع ودعم من حزب البعث وانتهت الى موقف وصف افرادها مسؤول كبير بحزب البعث بأنهم “...لا يمتون للحركة النقابية في العراق بصلة”. اضافة الى ان عمادا كتب بخط يده في عام 1961 بانه ليست له صفة نقابية تخوله تمثيل عمال العراق لدى الامانة الامة.. ويضف النقابي محسن، لنتابع الزمن جريا وراء مسيرة هذه الزمرة. ولنقف عند كتاب عماد المرقم 403 والمرسل الى الامين العام في 19 /6 /1960 والذي وقعه هذه المرة عماد بصفته رئيسا لاتحاد نقابات العمال الجمهوري وليس بصفته امينا عاما مساعدا. سيادة الامين العام لاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب.. تحية عربية ..اذاع راديو بغداد في نشرته الاخبارية مساء الاحد 19 /6 /1960 في الساعة الثانية بيان التضامن العربي في ضوء اتصالات في جنيف بمناسبة انعقاد الدورة 44 لمؤتمر العمال الدولي وحضور ممثلي النقابات العمالية العربية. وعلى اثره صدر بيان يوم 10 /6 /1960 جاء فيه “يعلن الموقعون عن عزمهم المشترك للدفاع عن الكيان النقابي العربي ..وقد وقعه من العراق الشيوعي الارمني ارا خاجادور الذي ادعى تمثيله لعمال العراق وادعى انه السكرتير العام لاتحاد نقابات العمال في العراق. نرجو تزويدنا بمعلومات وتفسير ذلك البيان ..عاشت وحدة العمال العرب.. عماد العزيز رئيس اتحاد نقابات العمال الجمهوري في العراق”. ويعلق النقابي محسن: “يستغرب عماد ان يقوم الامين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب بالاتصال بممثلي الحركة النقابية في العراق، ويعتبر مثل هذا الاتصال عملا معاديا يتم من وراء ظهر اتحاده المؤلف منه ومن نائبه والمكتب في دمشق”.
اولا – ان التضامن مع امثاله (عماد العزيز ومجموعته) امر غير مجد، وبالتالي فالامانة العامة للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب قررت ان تسعى لايجاد تضامن فعلي وحقيقي بين الممثلين الشرعيين والفعليين للطبقة العاملة في كافة ارجاء الوطن العربي. ولابد ان نسجل لاسعد راجح الامين العام السابق للاتحاد نجاح جهوده في هذا المجال. وان سياسته هذه، وان جاءت متأخرة الا انها افضت الى تحقيق التضامن بين جميع المنظمات العمالية النقابية في الوطن العربي. وكان من الطبيعي جدا ان يتحقق طالما ان السير نحوه قد اعتمد الاتصال المباشر والمخاطبة الموضوعية مع الممثلين الذين يعيشون مع طبقتهم والمستوعبين للمعاناة اليومية لجماهير العمال. وفي اقرار هذه الحقيقة تكمن مخاوف من اعتاد على الجلوس وراء طاولة مكتب دمشق ليكتب التقارير.
ثانيا- انكشاف وافتضاح النوعية التي مثلتها زمرة طيلة ما يزيد على السنتين. كانت خلالها تبدد الاموال والجهود فيما لا طائل من ورائه. لذلك فان الامين العام بدا يضيق بهذه الزمرة ذرعا ورغب في اجراء اتصال مباشر مع الاتحاد العام لنقابات العمال القائم والمنبثق عن الانتخابات التي جرت تموز 1959.
ثالثا- يرد في كتابه عن السكرتير العام للنقابات قوله (..وقد وقعه عن العراق الشيوعي الارمني ارا خاجادور الذي ادعى تمثيله لعمال العراق، وادعى انه السكرتير العام للاتحاد نقابات العمال في العراق... ان الانسان مهما كان مستواه ومعتقده لا يمكن ان تبلغ به المغالطة حدا لهذا الحد. ذلك ان عمادا وهو يكتب هذه العبارة التي جاءت في آخر الكتاب، لا يخجل من بصم توقيعه على الكتاب بصفته رئيسا لاتحاد نقابات العمال في العراق. مع انه عمره لم يكتسب الصفة النقابية ولم يمنحه عمال العراق ثقتهم لا بالتصويت ولا بالمراسلة. ليس في هذا الوقت فحسب، بل وبعد ذلك في الاعوام التالية اذ اضطر ابراهيم جواد ـ يمثل اتحاد عمال العراق ـ الى ابداء استغرابه من وجود شخص يمثل اتحاد عمال العراق، وكان هذا في عام 1961(10).
ولكيلا نظلم الامين العام وحتى العمال العرب، لا بد ان نشير الى هذا النفر حيث نجح في تضليل اعضاء المؤتمر الثاني للاتحاد والمجلس التنفيذي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب الذين لم يكونوا يعلمون ماهية ادعاءات هذه الزمرة، وبتعبير ادق غلبوا على امرهم.
انضمام الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق الى اتحاد نقابات العمال العرب
منذ اجتماع المجلس التنفيذي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب الذي انعقد في 23 /4/ 1960 بدأت الامور والتطورات تسير باتجاه لم تعد تجدي معه احتجاجات عماد ومذكراته الى الامين العام الذي اتصل بالسكرتير العام لاتحاد عمال العراق في حزيران من عام 1960، ولم يهتم كثيرا لاحتجاج عماد على توقيع رئيس الاتحاد بيانا مع رئيس اتحاد عمال العراق. وهكذا كانت الوقائع تتعاقب لغاية 15 /6 /1961 يوم اتخذت قيادة الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق قرارا بالانضمام الى الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب. وبلغ القرار برقيا الى رئيس الاتحاد عبد السلام الارغا(11).
ثم بعث عبد السلام الارغا بالرسالة التالية ردا على برقية السكرتير العام لاتحاد عمال العراق، نقتطف منها: تحية عربية نقابية وبعد، فقد تلقينا بكل تقدير واعتزاز برقيتكم المتضمنة طلبكم الانضمام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، واننا نبارك فيكم هذه الخطوة الجبارة نحو توحيد نضال وكفاح العمال العرب في جميع الاقطار العربية، نرجو ان يكون هذا الانضمام فاتحة خير لما فيه رفع شأن الامة العربية المظفرة. وقد كنا على يقين تام بأن اشقاءنا مهما اختلفوا وابتعدوا لا بد ان يعودوا الى الاخاء والتعاون، طالما ان هذا الدم العربي الزكي يجري في دمائنا حرا شريفا. اننا نحارب الاستعمار والصهيونية والاستغلال والاقطاع كما تحاربونه، بالامس القريب استطعنا في اتحاد كلمتنا من النصر في قضية الباخرة كليوباترا وسننتصر في كل المعارك هذا ايماننا. ...ويضيف لقد ابرقنا الى الامين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب طلبكم بالانضمام والله اكبر والعزة للقومية العربية الظافرة ..التوقيع رئيس الاتحاد عبد السلام الارغا(12). وهكذا تم انتساب الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق الى الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب لاول مرة.
الهوامش:
(1) اصدر خمسة اجزاء من ( تطورالحركة النقابية في العراق ) وهي مجموعة كراريس على شكل ملحق لجريدة صوت العمال كما اصدر كتابا اخر بعنوان ( دور النقابات في بناء الحركة الشعبية ) اصدار تموز 1965 وله مقالات كثيرة منشورة في الصحف والمجلات وهي تتحدث عن تاريخ الطبقة العاملة العراقية منذ نشؤءها حتى عام 1969.وتم طبع بعضها في مطبعة الشعب ومطبعة الثورة في بغداد وبسنوات مختلفة.
(2) ارا خاجادور، من تجارب شخصية في العمل النقابي العمالي في العراق المطبعة بلا ايار 1984 ص33
(3) الثقافة الجديدة الدور المجيد لحركة العمال النقابية في ثورة 14 تموز 1958 عدد145 لسنة 1983 اب ص 110
(4) كان النقابي هاشم علي محسن (1928 - 1989) رئيسا لاتحاد نقابات العمال في العراق ورئيسا للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب بعد انقلاب تشرين الثاني 1963. وكان عضوا في تنظيم الحركة الاشتراكية العربية لاحقا.انفصل عن الحركة واسس حزب العمل الاشتراكي العربي في العراق. انتقل الى لبنان واستقر فيها وتعرض تنظيمه الى ضربة قاضية عام 1978 بعد كشف خلاياه من قبل مديرية الامن العامة.
(5) هاشم علي محسن تطور الحركة النقابية في العراق ج4 ص 57
(6) هاشم علي محسن، المصدر ذاته، ص 62
(7) المصدر ذاته، ص 73و 74
(8) ايها الاخوان الاعزاء،.....ان مؤتمرنا يحيي كافة الاتحادات العمالية في الاقطار العربية ويعمل في سبيل الحريات الديمقراطية والنضال المشترك ضد اساليب الحكم الدكتاتوري الى حياة حرة كريمة.
(9) محسن علي هاشم، ص72
(10) المصدر نفسه، ص 74
(11) هاشم علي محسن تطور الحركة النقابية في العراق الجزء الخامس ص12 .
(12) المصدر السابق ج 5 ص 13 . الباخرة كليوباترا من البواخر التابعة لمصر والتي تضامن معها الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق.