أيار 17
 
يرتبط تردي الواقع الزراعي في العراق الى حد كبير، مع الانخفاض المتزايد في الإيرادات المائية لنهري دجلة والفرات. هذا الانخفاض الذي تسببت به السياسات المائية لدول المنبع والمسار. لكن، يبقى السؤال الجوهري: هل ما بذلته الحكومات العراقية المتلاحقة من جهود لضمان حصة عادلة ومنصفة من الايرادات المائية كان كافيا؟
من الضروري قبل ان نجيب على هذا السؤال ان نستعرض جملة من القضايا. وبعد جمعها وتحليلها، ستتبلور الإجابة بشكل قاطع.
 
أولا: يجب ان نستعرض، وعلى عجالة ودون الخوض في التفاصيل، جملة من الحقائق:
  1. ان 3/2 من المياه المتجددة في الشرق الأوسط هي مياه مشتركة (عابرة للحدود).
  2. أكثر من %60 من مياه دجلة تنبع من تركيا وإيران. وأكثر من %97 من مياه الفرات تنبع من خارج حدود العراق. وهذا يعني ان نهري دجلة والفرات هما نهران دوليان وفق تعاريف الأنهار الدولية.
  3. تتقاسم دول المنبع الإيرادات المائية لنهري دجلة والفرات دون حساب احتياجات دول المسار والمصب. وهذه الوضعية تتفاقم باستمرار. بينما كان العراق وحده يتحمل غضب النهرين في مواسم الفيضانات، وحتى عام 1970.
  4. أنشأت تركيا (65) سدا صغيرا على عمود نهر الفرات، بينما أنشأت (35) سدا صغيرا على عمود نهر دجلة. بالنسبة للسعة الخزنية للسدود المنشأة على نهر الفرات أكثر من (106) مليارات متر مكعب (م3) وهي تعادل 3.3 مرات حجم الايراد الطبيعي للنهر.
  5. انخفضت الاطلاقات المائية من ايران بصورة حادة. حيث قطعت بصورة شبه كاملة مجاري الأنهر المشتركة بين البلدين.
  6. نتيجة لكل ذلك انخفضت الإيرادات المائية للعراق من 158 مليار م3 في عام 1989 لتصبح 65 مليار م3 في عام 2018 .
ثانيا: اهم الاتفاقيات النافذة الموقعة بين دول حوضي دجلة والفرات
الاتفاقية البريطانية الفرنسية لعام 1920
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ونشوء دول المنطقة، أصبح نهرا دجلة والفرات يمران في أراضي ثلاث دول. وبالتالي تغير وضعهما القانوني، وأصبحا من الانهار الدولية. وبهدف تنظيم الانتفاع بمياه النهرين فقد تضمنت اتفاقية عام 1920 التي ابرمتها بريطانيا، الدولة التي تنتدب/ تحتل العراق في ذلك الوقت، مع فرنسا، الدولة التي تنتدب/ تحتل سوريا، بعض البنود الخاصة باستخدام مياه دجلة والفرات. حيث اشارت الفقرة الثالثة الى التنسيق بشأن أي مشاريع وخطط ري تجريها فرنسا في منطقتها قد تؤثر بدرجة كبيرة على كمية المياه التي تدخل منطقة الانتداب البريطاني في بلاد ما بين النهرين. حيث تضمنت الفقرة الثالثة من الاتفاقية النص التالي:
“حكومة بريطانيا وحكومة فرنسا تتفقان على تسمية بعثة يكون من واجبها الانخراط في دراسة أولية لأي خطة أو مشروع اروائي يقترحه منتدى فرنسا ويتم تنفيذه، قد يكون ذا طبيعة تؤدي إلى نقص كبير في مياه نهري دجلة والفرات عند نقطة دخولها إلى مناطق الانتداب البريطاني في بلاد ما بين النهرين”.
 
معاهدة لوزان 1923
من ضمن الأمور التي نظمتها هذه المعاهدة هي ما يتعلق بالأنهار التي تغير مركزها القانوني من انهار وطنية الى انهار دولية حيث اشارت المادة 109 الى وجوب ابرام اتفاق بين الدول ذات الأنهار المشتركة في حالة اعتماد النظام الهيدروليكي (القناة أو الغمر أو الري أو الصرف أو الأمور المماثلة) في دولة ما على أعمال منفذة داخل إقليم دولة أخرى، أو عندما يتم استخدام المياه أو الطاقة الهيدروليكية على أراضي دولة ما، كما كانت تستخدم قبل الحرب، والتي يكون مصدرها على أراضي دولة أخرى. وقد اشارت نفس المادة الى انه في حالة عدم الاتفاق بين الدول، فإن الامر ينظم بالتحكيم. وادناه نص هذه المادة:
“في حالة عدم وجود أية نصوص أو شروط بخلاف ذلك وعندما يحصل نتيجة تثبيت الحدود الجديدة اعتماد نظام مائي في دولة على الأعمال التي تنفذ في دولة أخرى او عندما يكون استعمال المياه في إقليم يستند الى استعمال للمياه قبل الحرب أو الى طاقة مائية يكون مصدرها في إقليم دولة أخرى تعقد اتفاقية بين الدولتين المعنيتين لحماية المصالح والحقوق المكتسبة من قبل كل منها، وفي حالة عدم حصول اتفاق تنظم القضية بالتحكيم”.
 
معاهدة الصداقة وحسن الجوار الموقعة بين العراق وتركيا عام 1946
تضمنت هذه المعاهدة بروتوكولا ملحقا بها يتعلق بتنظيم جريان مياه نهري دجلة والفرات والتزام تركيا بتزويد العراق بمناسيب النهرين بصورة دورية وبانتظام. كما يتضمن البروتوكول بالإضافة ذلك، أمورا أخرى. من بينها موافقة تركيا على انشاء مشاريع على النهرين وروافدهما في تركيا بنفقة عراقية تخدم مصلحة العراق في الوقاية من الفيضان.
محضر اجتماع لجنة العلاقات الاقتصادية والفنية بين العراق وتركيا عام 1971
اشارت المادة الثالثة من المحضر المذكور الموقع بين العراق وتركيا بتاريخ 17 /1 /1971 إلى أن الجانبين العراقي والتركي بحثا موضوع المياه المشتركة واتفقا على ما يلي:
  1. تجري السلطات التركية المختصة بالماء المشاورات المطلوبة مع السلطات العراقية بغية تامين حاجات العراق وتركيا من المياه بما في ذلك متطلبات خزاني الحبانية وكيبان.
  2. يشرع الطرفان في أسرع وقت ممكن بالمباحثات حول المياه المشتركة ابتداء بالفرات ومشاركة جميع الأطراف.
 
محضر اجتماع اللجنة العراقية التركية المشتركة للتعاون الاقتصادي الفني 
عقد اجتماع اللجنة العراقية التركية المشتركة في 26 /12 /1980 وتشكلت بموجبه لجنة فنية مشتركة لدراسة القضايا المتعلقة بالمياه المشتركة في المنطقة وخاصة حوضي دجلة والفرات، مهمتها تحديد الكمية المناسبة والمعقولة التي يحتاجها كل بلد من مياه الانهار المشتركة.
 
بروتوكول عام 1987 بين سورية وتركيا
اتفق الطرفان بموجبه على اعتماد قاعدة الـ 500 م3/ثانيه من مياه نهر الفرات عند الحدود التركية والسورية لحين التوصل الى اتفاق نهائي ثلاثي حول شحة مياه نهر الفرات.
بروتوكول عام 1989 ببن العراق وسوريا
وقع البروتوكول في نيسان 1989، ويتضمن ان تكون حصة العراق %58 من المياه المارة عند الحدود التركية – السورية، وتكون حصة سوريا %42 من تلك المياه لحين التوصل الى اتفاق نهائي على تقسيم مياه نهر الفرات بين البلدان الثلاثة.
وأخيرا وليس اخرا، اتفاق بين العراق وسورية وافق فيه العراق على قيام سورية بنصب محطة ضخ على الجانب الايمن من نهر دجلة عند الحدود العراقية – السورية، تسحب سورية بموجبه 1.250 ميار م3 / سنة من مياه نهر دجلة الداخلة الى العراق.
 
ثالثا: أهم المبادئ التي تضمنتها الاتفاقيات الدولية في مجال استخدام المجاري المائية الدولية
بذلت الامم المتحدة جهوداً كبيرة في التوصل لإعداد اتفاقية اطارية تنظم استخدامات مياه المجاري الدولية للاغراض غير الملاحية. نتج عن تلك الجهود توقيع اتفاقية الامم المتحدة في هذا المجال في ايار عام 1997، ودخلت حيز النفاذ بتاريخ 17/اب/2014. وقد ساهمت هذه الاتفاقية بلا شك في تدوين مبادئ القانون الدولي وقواعده التي تنظم استخدامات مياه تلك المحاري الدولية.
ومن أهم المبادئ الواردة:
  • الانتفاع والمشاركة المنصفان والمعقولان (المادة 5).
  • الالتزام بعدم التسبب في احداث ضرر ذي شأن (المادة 7).
  • الالتزام العام بالتعاون على اساس المساواة في السيادة والسلامة الاقليمية والفائدة المتبادلة وحسن النية (المادة 8).
  • التبادل المنظم للبيانات والمعلومات (المادة 9).
  • اعلان الاخطار المتعلقة بالتدابير التي يجري اتخاذها لاجل تجنب أي أثر ضار (المادة 11).
  • حماية النظم الايكولوجية وصونها (المادة 20).
  • منع التلوث وتخفيضه ومكافحته (المادة 21).
  • عدم ادخال أنواع غريبة وجديدة الى المجرى المائي (المادة 22).
  • حماية البيئة البحرية وصونها (المادة 25).
يظهر مما جاء اعلاه ان اشكال التعاون وفقا للاتفاقية تأخذ مساراً تصاعدياً يبدأ من تبادل المعلومات والبيانات الى الانتفاع المنصف والمعقول والمحافظة على نوعية المياه وحماية المجرى المائي وتنمية موارده الى ان تصل اخيراً الى التعاون وانشاء آلية مشتركة لإدارة المجرى المائي وتنفيذ الخطط المعتمدة وهذا غاية في التفاهم والتعاون بين الدول المشتركة في المجرى المائي.
 
رابعا: مواقف تركيا وسياستها المائية
تعتبر تركيا قطاع المياه جزءا مكملاً من استراتيجية امنها الوطني، حيث تولي في هذا الموضوع اعلى درجات اهتمامها. وهي تتبنى مبدأ (هارمون) وذلك لكونها دولة المجرى الأعلى والمنبع الرئيسي للنهرين المشتركين (دجلة والفرات). ان هذا المبدأ يؤكد على السيادة المطلقة للدولة على أراضيها ومن ثم على الجزء الواقع من النهر المشترك في هذه الأراضي، سواء كان منبعا او مسارا او مصبا. ويعني ذلك ان للدولة الحق المطلق في التصرف بمياه هذا النهر ضمن أراضيها، دون النظر في حقوق الآخرين، وحتى لو أدى ذلك الى الاضرار بهم، علماً أن مبادئ وقواعد واتفاقات الامم المتحدة المنظمة لاستخدامات مياه المجاري المائية الدولية قد تجاوزت هذا المبدأ منذ مدة.
 كما ان تركيا لم تصادق على اتفاقية الامم المتحدة لعام 1997 وعارضتها بشدة، مع ذلك تتظاهر بأنها منسجمة مع مبادئ هذه الاتفاقية. وبغض النظر عن ادعاءات انها تؤيد الاستخدام الامثل والمنصف والمعقول للمياه، وأنها لا تسبب ضرراً ذا شأن لدول مجرى أسفل النهر، الا انها في حقيقة الامر تفسر الاستخدام الامثل بأنه تحقيق اعلى انتاجية من وحدة المساحة المستخدمة بغض النظر عن طبيعة الاراضي التي يمر بها المجرى المائي، وبغض النظر عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية لكل دولة.
لقد راهنت تركيا ولا زالت على اطالة زمن المفاوضات لغرض انجاز مشاريعها التخزينية الاروائية، وتستهدف بذلك ابطال حجة الحقوق التاريخية والمكتسبة التي كانت تستند اليها دول مجرى أسفل النهر. ومن جهة اخرى تحاول استكمال مشاريعها الاروائية وزيادة مساحاتها المزروعة لكي تكون على قدم المساواة مع المشاريع القائمة منذ زمن. كما ان تركيا ترفض رفضاً قاطعاً اي وساطة في مجال الموارد المائية المشتركة كما انها ترفض الذهاب الى التحكيم في هذه المواضيع.
 
خامسا: موقف إیران وسياستها المائية
تعتبر إيران دولة المجرى الأعلى، حيث توجد الكثير من المجاري المائية المشتركة بينها وبين العراق، والتي يزيد عددها على اربعين مجرى مائيا. ومن اهم هذه المجاري نهر الزاب الأسفل وتفرعاته، ونهر ديالى وتفرعاته.
تقوم ایران حاليا، بتوسيع مشاريعها على نهر ديالى على وجه الخصوص، وقد تأثرت مياه النهر الداخلة الى العراق بدرجة ملحوظة في هذه المشاريع. وهذه المسالة تحتاج الى اهتمام على قدر عال من المسؤولية، وذلك لعدم وجود بديل يمكن ان يسد النقص الذي سيحصل في مياه النهر. وقد سبق أن قطعت ایران مياه نهر الونـد منـذ ايام الشاه وأنشأت عددا من السدود التحويلية من اجل ارواء مشاريعها، وكذلك الحال مع مياه نهر كنجان جم مقابل محافظة واسط.
ولأن ایران تعتبر نهري الكارون والكرخة نهرين داخليين، لذلك فهي تستبعد شمولهما بمفهوم المجاري المائية المشتركة. وبالتالي هي لا تدخلهما ضمن نقاشات البروتوكول الذي ينظم الاستفادة من مياه المجاري المائية المشتركة. لكن هذين النهرين لهمـا تـأثيرات بيئية كبيرة على مياه شط العرب ومياه هور الحويزة. فهمـا جزءان مهمان من النظام الهيدرولوجي لشط العرب وهور الحويزة. وبالتالي من الضروري السعي الى ادراجهما ضمن المباحثات وتحديد حصة للعراق من مياههما، وفقا للمعايير الدولية.
‎ان إيران تستند وتحاجج باتفاقية عام 1975، وتعتبر البروتوكول الملحق بها والخاص باستثمار مياه مجاري الماء الحدودية المرجعية القانونية التي تناقش على أساسه مياه هذه المجاري، ولم تقبل مناقشة الموضوع بعيدا عن هذا البروتوكول. ومؤخرا الاشارة الى اتفاقية 1975 في البيان المشترك الذي صدر في اعقاب زيارة رئيس جمهورية ايران الاسلامية الى العراق.
ويمكن ادراج أبرز الاتفاقيات بين العراق وايران حول المياه في ما سيأتي:
(1) بروتوكول القسطنطينية لعام 1913 ومحاضر جلسات قومسيون تحديد الحدود العثمانية الفارسية التي جرت بوساطة بريطانيا وروسيا. وقد أشار البروتوكول الى بعض الأنهار ومجاري المياه التي تعبر الحدود بين الدولتين الا انها لم تحدد طريقة توزيع مياه تلك الأنهار والمجاري المائية في ما عدا مياه نهر كنكير (وادي حران) حيث اشارت الى أن مياه النهر المذكور تقسم مناصفة بين المنتفعين منها في كل من الدولتين المذكورين.
(2)  معاهدة عام 1937 بين العراق وايران التي عقدت بعد عرض النزاع بينهما على عصبة الأمم المتحدة. واستنادا إلى بروتوكول عام 1913 حددت تلك المعاهدة حدود الدولتين في مجرى شط العرب والاستثناءات التي حصلت عليها إيران في ما يتعلق بمجرى مياه عبادان. وقد الغيت هذه الاتفاقية من طرف واحد من قبل ايران في نيسان 1969.
(3) اتفاقية الجزائر لعام 1975 تضمنت تحديد شامل للحدود البرية والنهرية الملاحية في شط العرب، كما تضمنت اتفاقا يتعلق باستثمار مجاري المياه المشتركة بين البلدين حيث تم تقسيم تلك المجاري المائية الى ثلاث مجاميع كما يلي:-
  • مجموعة الأنهار (A)، وتشمل انهار بناوه سوتا، وقرة تو، وكنكير. تقسم مياه هذه الأنهار مناصفة بين البلدين.
  • مجموعة الأنهار (B)، وتشمل انهار الطيب ودويريج وكنجان جم والوند. ويجرى تقسيم مياهها وفقا لمحاضر جلسات قومسيون الحدود العثمانية والفارسية لعام 1914 والعرف.
  • مجموعة الانهار (C)، وتشمل كل الأنهار والمجاري المائية الأخرى التي تعبر الحدود بين الدولتين مما لم يذكر في المجموعة (A&B). وهذه يجري تقسيم مياهها وفقا لروح الاتفاقية.
من الجدير بالذكر ان العراق لم يحسم موقفه حتى الآن في ما يتعلق باتفاقية الجزائر في حين تصر ايران على ان تكون هذه الاتفاقية والاتفاق المائي الملحق بها مرجعا لأية مباحثات تتعلق باستثمار المجاري المائية المشتركة بين البلدين.
 
سادسا: موقف العراق والاجراءات المتخذة
عمل العراق على التوصل الى اتفاق مع جيرانه لتحديد حصته المائية المناسبة في مياه الانهار المشتركة. كما عمل وما زال يعمل من جانب آخر على تطوير منشآته المائية للسيطرة على المياه وتخزينها والاستفادة منها. وادناه خلاصة عمّا جرى ويجري حاليا في هذا المجال:
  • بدأت المفاوضات بين سوريا وتركيا عام 1962وكانت تتعلق بتبادل المعلومات والبيانات المائية.
  • ‎عام 1964 عقد اول اجتماع بين العراق وتركيا حول موضوع المياه المشتركة، ابدى الجانب التركي عزمه على تنفيذ سد كيبـان وذلك بهدف الحصول على موافقة العراق والاستفادة من هذه الموافقة للحصول على تمويل مشروع بناء السد، ولم يتم الوصول الى نتائج مقبولة متفق عليها.
  • عام 1965 عقد في بغداد اجتماع ثلاثي (عراقي، سوري، تركي). رفض فيه الجانب التركي مناقشة الموضوع الرئيسي المتعلق ببحث الحقوق المائية التي تستخدمها بتبادل المعلومات الهيدرولوجية والميترولوجية وبحث موضوع املاء الخزانات لكل دولة من مشاريعها الاروائيـة. وحـاول المفاوض التركي حصر الموضوع، ولم يوافق الاتراك على تغيير خططهم في املاء سد كيبان لتخفيف الاضرار التي يمكن ان تصيب دول أسفل المجرى من جراء املاء الخزان.
  • عقدت في الفترة 1971 - 1980 مباحثات متعددة كان بعضها على مستوى فني بشأن املاء الخزانات، وجرت حسابات مفصلة للاحتياجات في كل بلد ومناهج املاء الخزانات، الا ان الاملاء تم بدون اتفاق بين الاطراف المعنية.
  • فـي كـانون الاول 1980 عقدت اللجنة العراقيـة التركية المشتركة للتعاون الاقتصادي والفني اجتماعها الاول لبحث مجمل العلاقات بين البلدين، وكانت المياه المشتركة من بين تلك المواضيع التي تم بحثها.
  • توصل الجانبان الى اتفاق بشأن انشاء لجنة فنية مشتركة (JTC) عام 1981 لدراسة القضايا المتعلقة بأمور المياه المشتركة. مهمتها تحديد الكمية المناسبة والمعقولة التي يحتاجها كل بلد من البلدان الثلاثة من مياه الانهار المشتركة وحددت مدة سنتين لإنجاز المهمة، قابلة للتمديد سنة أخرى.
خلال الفترة من عام 1982 - 1993 عقدت اللجنة ستة عشر لقاءً، لكن لم يتم التوصل الى اتفاق لإنجاز هدفها. حيث حاولت تركيا بكل جهودها تحويله من تحديد الكمية اللازمة لكل دولة الى الاستخدام الامثل للمياه، حسب مفهومها.
عقد كذلك اجتماعان على مستوى الوزراء في الدول الثلاث لدفع عمل اللجنة عام 1988 وعام 1990 ولكن دون فائدة او اتفاق على تحقيق هدف اللجنة.
وقد انقطعت اجتماعات اللجنة بعد عام 1993 ثم عادت بعد عام 2003، الا ان تركيا استمرت بصورة أكبر على موقفها السابق ولم تتمكن الدول الثلاث من الاتفاق على تحديد حصة كل دولة في مياه النهر. وقد أشرنا سابقا الى الاتفاق الذي حصل بين تركيا وسوريا على قاعدة الـ 500 م3/ثا والاتفاق الذي حصل بين العراق وسوريا على نسبة توزيع المياه عند الحدود التركية السورية بنسبة %58 للعراق و %42 لسوريا.
ما زالت الجهود تبذل مع تركيا للتوصل معها الى اتفاق مكتوب حول تحديد حصة العراق في مياه الانهر المشتركة معها. وقد تم بحث هذا الموضوع عند زيارة رئيس الجمهورية الى تركيا وقد أكد رئيس جمهورية تركيا بانه سيعمل على انهاء ملف المياه المشتركة في أقرب وقت دون أية خطوات على ارض الواقع.
من جهة أخرى، صادق العراق على قانون اتفاقية استخدام المجـاري المائية الدولية في الاغراض غيـر الملاحيـة الصـادرة عـن الامـم المتحـدة عـام 1997 وعارضتها تركيا بشدة ولم تصادق عليها ايران. وصادق أيضا على اتفاقية رامسار للأراضي الرطبة التي عقدت عـام 1971 في ايران.
واستمر العراق بعرض مواقفه حول مياه الانهار المشتركة مع جيرانه في العديـد مـن المنظمات الدولية والمؤتمرات العربية والاقليمية والدوليـة وشرح وجهات نظره ونظر الاطراف الاخرى ويسعى لتكوين رأي عام دولي مساند لطروحاته، كي يسهل التوصل الى اتفاق مع جيرانه.
اما على المستوى الداخلي فقد قام العراق بتطوير منشآته المائية للسيطرة على المياه الداخلة للعراق وتنظيم الاستفادة منها فأنشأ العديد منها، ومن اهم هذه المنشآت والمشاريع انشاء سد الموصل وسد حديثة وسد حمرين وسدة الفلوجة وسدة الهندية الجديدة وسدة الكوفة ونواظم العباسيات وناظم المشخاب. كما أنشأ العديد من السدود الصغيرة ضمن مجال حصاد المياه. وأيضا، ربط مشروع الثرثار نهري دجلة والفرات للاستفادة من مياهه بعد تحسين نوعيتها وذلك عبر ناظمي (الثرثار الفرات) و(الثرثار- دجلة)، وبتصريف كلي يبلغ 1100 م3/ثا. وبإنشاء مشروع المصب العام وشبكة المبازل الرئيسية، استصلح العراق مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وذلك عبر تحسين استخدام المياه وزيادة انتاجيتها. يضاف الى ذلك وغيره العديد من المنشآت والمشاريع التي حسنت بدرجة كبيرة السيطرة على المياه وتحسين الاستفادة منها. ولكن ما زالت الحاجة قائمة الى تطوير وتحسين المشاريع الاروائية.
 وقد حددت الدراسة الاستراتيجية لتطوير استخدام المياه والاراضي في العراق عام 2014 اهم تلك المشاريع والمبالغ اللازمة لاستصلاحها. ان هذه الدراسة هيّأت قاعدة بيانات أساسية عن مشاريع الري والسدود واستخدامات المياه والاراضي واعداد موديلات تخطيطية وإستراتيجية تفاوضية تمكن المفاوض العراقي من التقويم البدائل الممكنة.
 
الخلاصة
ان للعراق حقوقا في مياه الأنهار المشتركة مع جيرانه كما ان لجيرانه أيضا الحق في مياه تلك الأنهار. ولكن يجب ان لا يكون حق تلك الدول مطلقا بأي حال من الأحوال، لان ذلك يخالف مبادئ القانون الدولي والاتفاقات المنظمة لذلك. كما انه يعارض من جهة أخرى مبادئ حسن الجوار وعدم الاضرار بالغير أو التسبب في احداث ضرر ذي شأن، ويخالف ما سبق أن تم الاتفاق عليه سابقا (بروتوكول 1980) وغيره.
 المياه محدودة والحاجة اليها متزايدة نتيجة التزايد السكاني في دول المنطقة والتوسع في الزراعة والصناعة والتنمية بصورة عامة، لذلك المطلوب الاحتكام للعقل والمصالح المشتركة وتطبيق قاعدة لا ضرر ولا ضرار والتوصل الى اتفاق بين الدول المعنية وفقا لأحكام القانون الدولي المنظِمة لاستخدامات هذه المياه. حيث تحدد في هذا الاتفاق حصة كل دولة من مياه الانهار المشتركة حتى يتسنى لكل منها ان تضع مشاريعها وفقا لحصتها وليس وفقا للأسلوب العشوائي في التوسع (تقليص مساحات التطوير المخطط لها في دول أعالي النهرين) وذلك حتى تعيش الشعوب في المنطقة بسلام وتكون الأنهار عنصر تقارب ووسيلة لتعزيز الاواصر بين شعوب هذه الدول، بدلا مما تشيعه بعض الأوساط من أن مياه الأنهار عنصر أزمة او صراع مستمر بين الدول الثلاث.
من الضروري جدا الاستمرار في التفاوض مع الدول المجاورة للعراق، والسعي بكل الوسائل لتثبيت حقوق العراق المائية في اتفاقيات يتم التوصل اليها مع الأطراف المعنية.
 
الاستنتاجات
أولا: أصبح من الواضح وبما لا يقبل الشك ان التغيرات المناخية تؤثر بشكل حاد على موارد المياه في العراق مما يستدعي دراسة هذه التغيرات وتأثيراتها، خاصة على القطاع الزراعي.
ثانيا: لا يمكن التفكير بان وزارة او مؤسسة أو قرارا يمكن ان يضع الحلول لأزمة الموارد المائية، بل لا بد من حزمة إجراءات تتولى صياغتها والقيام بها مؤسسات متعددة.
ثالثا: لم تتفاعل دول الجوار مع الاحتياجات المائية في العراق وفق القوانين والأنظمة والأعراف الدولية كما انها لم تراع مبادئ الدين الإسلامي ولا المنظومة الأخلاقية رغم ادعاءاتها بحمل راية الإسلام.
 رابعا: ما زالت المياه ثروة غير محترمة داخل العراق وتتعرض الى سوء الاستخدام في كافة الأنشطة المعتمدة على المياه.
خامسا: يعتبر نظام الموارد المائية في العراق من انجح الأنظمة خاصة وانه يتعامل مع عشرات الألوف من الكيلومترات من الأنهار والمبازل.
سادسا: لما ورد انفا أصبحت إدارة المياه في العراق تعني التشغيل فقط وغيبت الإدارة المتكاملة المستدامة للمياه.
 سابعا: لم تعد الطريقة التقليدية باستصلاح الأراضي ممكنة التغيير في الوقت الحاضر، اذ لا مياه وفيرة لغسل التربة ولا أموال وفيرة لإنجاز هذه المهمة.
ثامنا: لا يمكن الاحتكام الى محكمة العدل الدولية ما لم يوافق طرفا المشكلة (ايران، تركيا) على قبول قرارات المحكمة.
وفي النهاية، بالعودة الى السؤال الجوهري الذي طرحناه في مستهل هذه المادة، يبدو انه من السهل الإجابة بالنفي. فغالبية الحكومات المتلاحقة في العراق لم تبذل الجهود الضرورية والمرجوة من اجل ضمان الحصة المائية العادلة والضرورية.
ان هذا يستدعي تكثيف الجهود، والتعامل بجدية في ملف المياه. وإيجاد حلول للخلافات مع دول الجوار. وان تتناول الحكومة العراقية موضوع المياه باعتباره فقرة حاكمة في أي اتفاق مستقبلي مع دول المنبع.
*************
 
ظافر عبد الله حسين: مستشار سابق في وزارة الموارد المائية
 
المصادر:
  1. الدراسة الاستراتيجية للمياه والأراضي في العراق - وزارة الموارد المائية. 2014
  2. وزارة الموارد المائية - دائرة التخطيط والمتابعة.
  3. الإطار القانوني للتفاوض مع تركيا حول نهري دجلة والفرات، الخبير علي غالب عبد الخالق - مهندس استشاري و قانوني - أيلول 2021.
  4. حقوق العراق المائية والمفاوضات مع دول الجوار وإجراءات الوزارة كانون الثاني 2021، الخبير علي غالب عبد الخالق- مهندس استشاري وقانوني.
  5. تحديات المياه المشتركة في حوضي دجلة والفرات واستراتيجية المياه والأراضي في العراق أيلول 2021 المهندس الاستشاري مناضل فاضل المهداوي.