نيسان/أبريل 20
 الطائفة كجماعة مبتكرة ومتخيلة
 ابتكار التقاليد وانتاج الهويات والجماعات
 
مقدمة
منذ عشرات السنين، وهناك العديد من المساهمات الجادة لفهم "الطائفية". وصفة الجادة(1) هنا ضرورية. فمن الأهمية بمكان ان تفرز وتستبعد تلك الأيدولوجيات والأفكار التي تستند على الطائفية ذاتها في تبريرها! مهما كانت طائفيتها مخففة! فالتبرير ليس سوى مسوغ لإطالة عمر أي ظاهرة، بينما التحليل والفهم، هما شرطان ضروريان للتعامل او للتخلص منها.
لكننا في محاولتنا البسيطة هذه، التي نسعى من خلالها لإدراك شيء من كنه "الطائفية"، لن ندخل بأي شكل من اشكال النقد السجالي مع أي من المقاربات النظرية، التي حاولت فهم الطائفية. على الرغم من ان التقليد العلمي الراسخ، خصوصا في المدرسة -او المدارس- الماركسية، يجيز بل يوجب في بعض الأحيان ان يكون التأسيس النظري لأي محاولة تسعى الى تحليل وفهم ظاهرة ما، منطلقا من نقد التاريخ النظري للظاهرة. في نهاية المطاف، ان أي محاولة نظرية مهما كانت بسيطة، ليست سوى خطوة قبلية، للمضي لاحقا في التعامل النقدي مع نقيضها.
ان موضوع هذه الورقة يتمثل في استعارة مفهوم "التقاليد المبتكرة" لــ (أريك هوبزباوم) في محاولة فهم الظاهرة الطائفية كظاهرة موضوعية في المنطقة(2)، ودورها في ابتداع "الطائفة" كهوية، كجماعة حديثة. هذا المفهوم الذي صاغه في الفصل الأول(3) من الكتاب الذي حرره مع تيرنس رينجر(4)، ومثل "المقدمة" النظرية للكتاب. ثم سنخلص، استنادا الى هذا المفهوم، الى تقديم تعريف عام للطائفية، باعتبارها أساسا أداة مهمة بل ورئيسية حديثة، بيد سلطة، للهيمنة وتأمين الامتثال.
لقد اثار هذا المفهوم، التقاليد المبتكرة، انتباه مؤرخي القرنين الماضيين وغيرهم من المختصين والباحثين. من جهة، بسبب التضاد القائم ما بين التغيير الدائم والتجديد المستمر في العالم الحديث، وبين محاولة إقامة بعض "المرتكزات" في الحياة الاجتماعية كي تكون ثابتة وغير متغيرة؛ والدور الذي يمكن ان تلعبه مثل هذه التقاليد وعملية ابتكارها في إقامة مثل هذه المرتكزات. ومن جهة أخرى، وهذا هو الأهم، هو كيف يمكن ان تستغل السلطة هذه الحاجة الى الثبات، في تشكيل واستخدام هذه التقاليد كأدوات لحكم المجتمعات الكبيرة والسيطرة عليها. 
المحاولة أدناه ليست نظرية صرف. فالأخيرة لها مجالها الخاص. بل هي اجتهاد بسيط لدراسة إمكانية استخدام هذا المفهوم في فهم ظواهر اجتماعية تشكلت ونمت في بيئات وظروف اجتماعية وتاريخية أخرى، غير تلك التي يبدو ان المفهوم صيغ بين ثناياها. وبالتالي، لن نسعى هنا الى تحليل هذا المفهوم عند هوبزباوم، بل سنحاول قراءته، ومن ثم بحث في إمكانية تعميم تطبيقه. والإجابة عن أي تساؤل قد يستغرب إمكانية تطبيق مفهوم "التقاليد المبتكرة" في دراسة بيئات اجتماعية وتاريخية أخرى غير بلدان المركز الرأسمالي، موجودة في ذات كتاب هوبزباوم ورينجر. حيث هناك دراستين على الأقل تخص هذا الموضوع. من بينها دراسة مهمة قدمها رينجر نفسه، عن ابتكار التقاليد في افريقيا المستعمرة ودور الاستعمار في ذلك(5).
بعكس ما هو شائع، لا يرتبط منشأ مفهوم "التقاليد المبتكرة" بهوبزباوم، وان كان هو من مهد السبيل لشعبيته الحالية(6). كما ان هذا المفهوم يبدو عبارة عن تناقض لفظي. ذلك ان التقليد يشير الى التاريخ، وليس أي تاريخ، بل التاريخ "الموقر" بطبيعته. بينما يشير الابتكار او الاختراع الى الجدة والابتداع والتصنيع(7). لكن هذا التناقض ظاهري. وهذا ما سيلاحظه أي دارس متمعن خلال تحليله أفكار هوبزباوم.
يجب ان لا يغيب عن البال، ان هوبزباوم عندما صاغ مفهومه، ثم استخدامه سواء في تحليل الفترة بين 1870-1914(8) او غيرها، فإنه لم يخرج عن مجال اختصاصه كمؤرخ. بينما برأينا، ما يجب ان يشكل الهم الأساسي، للباحثين، ليس فقط ظهور وترسخ هذه التقاليد والممارسات فقط، كما هو الحال عند هوبزباوم، وانما فرص بقائها واستمرارها وآليات ادامتها وأيضا إمكانيات إلغائها. بمعنى ان الجانب السياسي يجب ان لا يهمل لاحقا، عند استخدام مفهوم التقاليد المبتكرة بغية فهم ظواهر مجتمعية من مثل "الطائفية".
وأخيرا، ان كل ما تقدم لا يعني ان مفهوم التقاليد المبتكرة بحد ذاته ليس بحاجة الى دراسة وتحليل. فمن ناحية، هنالك ذلك الجدال المتنوع القائم بين المؤرخين والأنثروبولوجيين حول استخدامه، سواء في إشكاليات دراسة السكان "الأصليين" او غيرها(9). ومن ناحية أخرى، وهذا أكثر أهمية لنا كماركسيين، هناك ضرورة الى دراسته من جهة ارتباطه بالتقليد الماركسي حول البناء الفوقي والايديولوجيا، وعلاقتهما بالقاعدة. وبالآليات الاجتماعية التي يتم من خلالها اختيار وانتخاب عناصر ومفردات من البناء الفوقي السابق لتساهم في تشييد البناء الفوقي الجديد. وأيضا، لجهة علاقته بإنتاج مؤسسات الهيمنة.
ان استعارة مفهوم التقاليد المبتكرة من هوبزباوم، بغية فهم ظاهرة مثل الطائفية، يستلزم أولا قراءة هذا المفهوم عنده. وهي قراءة يجب ان لا تشتمل فقط على عرض سلبي للأفكار، وإنما يجب ان تكون بالضرورة قراءة تستبطن الكشف عن بعض إمكانياته.
 
ابتكار التقاليد
ان مصطلح التقاليد المبتكرة يستخدم، بحسب هوبزباوم، بمعنى واسع لكنه ليس مفتقرا للدقة. فهناك العديد من التقاليد والممارسات التي تبدو قديمة، او يدعي حاملوها والقائمون عليها ذلك. لكنها في اغلب الاحيان حديثة تماما في منشأها، وربما تكون مبتكرة. والأكيد، انها ليست جميعا دائمة ومستمرة. وهي تشتمل على: تلك التقاليد تم ابتكارها فعليا، انشاؤها ومأسستها رسميا. وكذلك تلك التقاليد التي انبثقت في تاريخ محدد او خلال مدة قصيرة، مسالة بضع سنوات في بعض الأحيان، ولكن بطريقة يصعب اقتفاؤها بسهولة، مرسخة ذاتها بسرعة كبيرة (10).
وقد عرف هوبزباوم التقاليد المبتكرة (11) على انها مجموعة من الممارسات ذات طبيعة طقسية او رمزية، محكومة بصورة علنية او ضمنية بقواعد مسلم بها. تسعى الى غرس قيم ومعايير يقينية لا ريب فيها للسلوك، وذلك عن طريق التكرار. وتفترض هذه الممارسات استمرارية مع الماضي. بل هي في العادة، ومتى ما كان ذلك ممكنا، تحاول إنشاء استمرارية مع ماضي ملائم لها. وهذا الماضي، لا يحتاج في بعض الأحيان ان يكون ممتدا الى أزمنة قديمة. فبقدر ما هناك إشارة او مرجعية، فإن ما يميز التقاليد المبتكرة هو ان استمراريتها او تواصلها مع هذا الماضي تكون مختلقة إلى حد كبير.
بمعنى، ان التقاليد المبتكرة هي بصورة جوهرية عملية إضافة طابع رسمي وطقسي، بالاستناد الى الماضي. انها استجابة لمواقف جديدة تأخذ شكل إشارة الى موقف قديم -او هي تقوم بإنشاء او تأسيس ماضيها الخاص- كل ذلك عن طريق التكرار شبه الإلزامي.
وهذه العملية تحدث بصورة مستمرة، لكنها تحدث بصورة أكبر عندما تعمل التحولات السريعة على إضعاف او تدمير الأنماط الاجتماعية التي صممت تقاليد قديمة من أجلها، منتجة أنماطاً جديدة. او عندما تصبح هذه التقاليد - القديمة - او حاملوها او ناشروها غير قادرين على التكيف او المرونة بصورة كافية. وقد كانت مثل هذه التغيرات والتحولات احداثا مهمة على مدار الـ 250 سنة الأخيرة. منذ الاختراق الثوري المزدوج، ذي الصدى العالمي: الثورة الصناعية البريطانية والثورة الفرنسية(12). ولذلك من المنطقي ان تكتظ هذه الفترة بعمليات تشكيل للتقاليد الجديدة. لكن هذا لا يعني نهائيا انه عندما تصبح جماعات او مؤسسات قديمة او بنى سلطة ونفوذ ومعها والتقاليد المرتبطة بها غير قابلة على التكيف فإنها ستصبح بسرعة غير قادرة على الحياة والاستمرارية. كما انه لا يعني ان تقاليد جديدة ستنتج ببساطة لمجرد عدم القدرة على استخدام او تكييف التقاليد القديمة.
ان أحد اهم النقاط التي أشر لها هوبزباوم، هي ان هناك انواعا من الجماعات القديمة والتقاليد والممارسات المرتبطة بها قد تكون قابلة للتكيف مع الظروف الجديدة. وبالتالي قد تكون التقاليد "الجديدة" هي نتاج للقدرة على تكييف واستعمال تلك القديمة. وهذا التكييف يحدث عن طريق استخدام طرائق او موديلات قديمة من اجل غايات جديدة وفي ظروف جديدة. فالمؤسسات ذات الأدوار والوظائف الراسخة، والصلات العميقة بالماضي، واللغة والممارسات الطقسية، مثل المؤسسات الدينية والجيوش والمحاكم، ربما تكيفت وتتكيف بهذه الطريقة. من جهة أخرى، ان هناك مؤسسات تتمتع باستمرارية اسمية فقط، بينما هي في الحقيقة تحولت الى شيء مختلف تماما، مثل الجامعات. ان التجديد والابتكار لن يكون أقل جِدّة وحداثة لمجرد كونه قادرا على ان يلبس لبوس الماضي، او لكونه قادرا على ان يتنكر كأنتيكة(13).
أما الأكثر اثارة من قابلية التكيف، وأيضا بحسب هوبزباوم، فهو إمكانية استخدام مواد عتيقة في تشييد تقاليد مبتكرة من نوع جديد، ومن اجل غايات واغراض جديدة تماما. فهناك مستودع كبير من مثل هذه المواد مكدس من ماضي كل مجتمع، وذاكرة واسعة متراكمة، بالإضافة الى ان هناك لغة متقنة من التواصل والممارسة الرمزية متاحة دائما. وفي بعض الأحيان، يمكن تطعيم التقاليد الجديدة بسهولة على تلك القديمة. وفي أحيان أخرى، يمكن تصميمها عن طريق الاقتباس او الاستعارة من خزائن الطقوس والشعائر الرسمية، ونظم العظات والارشادات الرمزية والأخلاقية: الدين، الفولكلور.. الخ. انها ذاكرة جديدة، وربما غير اصيلة بالكامل(14).
ان المديات التي يمكن للتقاليد الجديدة، داخل حدودها، استخدام هذه المواد القديمة، او المساحات الجديدة التي تستطيع ضمنها مط مفردات اللغة الرمزية القديمة بعيدا عن حدودها الفعلية القائمة، او اللحظات التي تكون فيها مجبرة على ابتكار لغة وادوات جديدتين، جميعها مسائل متنوعة وخاضعة للظروف الملموسة.
من جهة أخرى، وهذه قضية مهمة أيضا، هناك العديد من المؤسسات السياسية، والحركات والمجموعات السياسية ومن بينها الامة، والقومية بتلاوينها المتنوعة ومعها كل رموزها وأدواتها، لم يكن لها سوابق تاريخية مماثلة. وبالتالي فحتى الاستمرارية التاريخية لها كان يجب ان تختلق. وذلك عبر تلفيق ماضٍ موغل في القدم، قابع ما وراء الاستمرارية التاريخية الفعلية؛ اما بوسائل شبيهة بالأدب القصصي الخيالي، او عبر التزييف والتزوير. فعلى سبيل المثال الرموز التي ظهرت مع الدول القومية مثل العلم الوطني، النشيد الوطني، والتجسّدات المشخصنة للامة.
بحسب هوبزباوم، يمكن للتقاليد المبتكرة ان تنقسم، وظيفيا، الى ثلاثة أنواع متداخلة. النوع الأول، هو النوع الأكثر شيوعا، وهو النوع الأكثر أهمية لنا، يمثل تلك التقاليد التي تؤكد أو تعبر برموز عن التماسك والتلاحم الاجتماعي، او عن عضوية في جماعات، سواء كانت جماعات حقيقية او مصطنعة؛ اما النوع الثاني، فهي التقاليد التي توطد او تشرعن المؤسسات، او المنزلة الاجتماعية، او علاقات السلطة؛ والنوع الثالث منها، هي تلك التقاليد التي تكون غايتها الرئيسية هي التنشئة الاجتماعية وغرس المعتقدات، ونظم القيم واعراف السلوك. ان وظائف النوعين الثاني والثالث، وكلاهما مبتكران بكل تأكيد، متضمنة او نابعة من الشعور بالتماثل مع "جماعة" ما و/او التطابق مع المؤسسات التي تمثلها او تعبر عنها او ترمز لها.
لم يعلن هوبزباوم في "المقدمة" النظرية صراحة من هي الجهات المسؤولة عن خلق وابتكار التقاليد. لكنه أشر في الفصل السابع، عندما درس إنتاجها على نطاق واسع في الــ 30 سنة التي تسبق الحرب العالمية الأولى، ان هذه العملية تمارس من قبل طرفين متداخلين، وحتى متشابكين، ولا يمكن الفصل بينهما بالمطلق. الأول الرسمي، والذي يمكن ان نطلق عليه بصورة فضفاضة "السياسي". والذي يشمل التقاليد التي تنشأ في الدولة او بواسطة السلطة، او من قبل حركات سياسية او اجتماعية منظمة. والثاني غير الرسمي، والذي يمكن دعوته بصورة فضفاضة أيضا "الاجتماعي". غالبا بواسطة مجموعات غير منظمة رسميا، او تلك التي تكون اغراضها غير سياسية بصورة واعية او مباشرة، سواء كانت لديها وظائف سياسية ام لم تكن(15).   
ان الطرف الثاني لا يعنينا كثيرا في ورقتنا هذه. ما يهمنا وهو الطرف الأهم كون ممارساته هي في الغالب قصدية وواعية، يمكن ان نقول ان التقاليد المبتكرة، من النوع الأول على وجه الخصوص، هي الآلية التي تستخدمها السلطة السياسية والاجتماعية في انتاج معنى وهوية تجمعهم بمن يحكمونهم. انها، تمثل ممارسة تستخدم كأداة في حكم المجتمعات الكبيرة. فبعد ان تتحلل اشكال الروابط الاجتماعية القديمة المختلفة، ستحتاج السلطة الى إيجاد صيغ أخرى لربط الاعداد الكبيرة من الناس، ليس بعضهم الى بعض فقط، وانما بحكامهم ايضا. فالمجموعات البشرية او البيئات او السياقات الاجتماعية، سواء كانت جديدة ام قديمة - لكنها تتحول بشكل كبير ومتسارع - تتطلب أدوات وصيغا جديدة لتوكيد او للتعبير عن الهوية والتماسك الاجتماعي. وكذلك لبناء الصلات الاجتماعية. انها تحتاج الى طرق جديدة في الحكم والهيمنة، عبر ترسيخ روابط جديدة للولاء.
ولكن، ماهي صيغ وروابط الولاء هذه؟ المطلوب توكيد تماسكها وتلاحمها، عبر ابتكار تقاليد جديدة. وما الذي يجمعها أو يفرقعها مع البنى الاجتماعية ما قبل الرأسمالية؟ 
 
الجماعات والجماعات المبتكرة
كما ذكرنا سابقا، حدثت في القرنين والنصف الماضيين، وهي مرحلة حرجة في تاريخ البشرية، تحولات كبرى. وذلك بفعل النسق الاقتصادي الاجتماعي الرأسمالي. الذي يمكن اعتبار الاختراق الثوري المزدوج نقطة الشروع فيه. ولم يكن التطور المتواصل في الإنتاج هو السمة الوحيدة التي ميزت عهد البرجوازية عن العهود السابقة. بل يضاف لها، ذلك التزعزع الدائم وعدم الاطمئنان المستمرين السائدين في مجمل العلاقات الاجتماعية. فكما ان البرجوازية لا تعيش الا إذا أدخلت تغييرات ثورية مستمرة على قوى الإنتاج، وعلى علاقات الإنتاج، فإن أثر هذه التغيرات لن يتوقف، بل سيمتد الى مجمل منظومة العلاقات الاجتماعية. فكلما كان ثابتا يطير ويتبدد كالدخان، وكلما كان مقدسا يعامل باحتقار وازدراء(16).
فمع نشوء وترسخ أسلوب الإنتاج الرأسمالي، حدث تغيير جوهري في علاقات الإنتاج، ومن ثم في العلاقات الاجتماعية وبقية مناحي الحياة المنظمة على أساسها. حيث حطمت الرأسمالية جميع علاقات الإنتاج المستندة على التبعية المباشرة والالتزامات الشخصية، وعلى الأعراف. ومعها حُطمت مختلف ميادين الحياة، سواء تلك المُنظّمة على أساس هذه العلاقات، ام تلك التي اشتملت عليها وتأثرت بها. مقيمة محلها علاقات قائمة على اسس تعاقدية، يظهر فيها الناس كأشخاص أحرار مستقلين ومتساوين من ناحية قانونية.
بمعنى، أن مرحلة التحول هذه، التي كانت فيها الفردانية الليبرالية، بتجليتها المتنوعة الاقتصادية والسياسية والفكرية، الرافعة الأيديولوجية، لم تُدمّر فقط أسس الاستغلال الطبقي القديمة القائمة على الالتزامات الشخصية المباشرة؛ وانما قوضت معها أيضا أسس كل البنى الاجتماعية القديمة تقريبا. وما لم يتم دكه بصورة مباشرة، انحسر شيئا فشيئا تحت تأثير الرأسمالية، وما بقي منها في بعض المجتمعات اعيد تشكيله لما يتوافق مع حاجات الرأسمالية. وهذه العملية، حدثت وتحدث على مختلف مستويات المنظومة الرأسمالية، سواء في بلدان المركز ام في بلدان الأطراف. 
 ومن بين هذه البنى، بل وربما من أهمها، الجماعات الاهلية (Gemeinschaft Community -) ما قبل الرأسمالية(17). وهنا نحتاج الى بعض السطور وشيء قليل من الاستطراد للتوضيح. لكن، دون الخوض في التفاصيل، ودون الانطلاق من وضع مخططات نظرية "شاملة"، في انطباقها على التاريخ الملموس لكل مجتمع.
نستطيع القول ان غالبية الافراد في التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية ما قبل رأسمالية كانت تجمعهم علاقات اجتماعية اخرى بالإضافة الى العلاقات الطبقية القديمة. حيث كانوا يرتبطون مع بعضهم البعض كأعضاء في جماعة وشائجية او أهلية من نوع ما. قائمة على القرابة و/او المكان. مثل: العشيرة، القبيلة، القرية، نقابة حرفية...الخ. إنّ جوهر الانتماء لهذه الجماعات يفرض على الافراد الاشتراك بعادات وتقاليد راسخة، وكذلك بمخيال ثقافي ونسيج أيديولوجي موحد الى حد كبير. وبسبب من طبيعة هذه البنى، فإن قليلا ما كان المنتمون إليها يرون أنفسهم كأشخاص مميزين، لديهم حياتهم الخاصة المنفصلة عنها، او اهداف بعيدة عن غاياتها.
 وهذه الجماعات، وان اشتملت على مختلف أنواع التراتبيات الطبيعية، لكنها تبقى اساسا جماعات تشاركية الى هذه الدرجة او تلك من ناحية التنظيم الاجتماعي، او هي تحمل في جوهرها بقايا او سمات تشاركية قديمة. بل وربما كانت، او تكون، تشاركية من ناحية الملكية أيضا. ان مدى تطابق أو تأثر الروابط الاجتماعية داخل هذه الجماعات مع العلاقات الطبقية السائدة في المجتمعات ما قبل الرأسمالية هي مسألة نظرية تقع خارج نطاق بحثنا. لكن عموما، نستطيع القول، انه بسبب طبيعة هذه الجماعات، او طبيعة قسم كبير منها، فإنه لا يمكن اختزالها في حدود العلاقات الطبقية فحسب.
ومع زوال الالتزامات القديمة، وانتهاء عملية الانتقال، ومع نجاح الرأسمالية والليبرالية، وهما النسق الاقتصادي والسياسي والايديولوجي السائد منذ القرن التاسع عشر، في إقامة أسس استغلال طبقي جديدة، فإنهما فشلتا في توفير ارتباطات اجتماعية وكذلك علاقات سلطة وولاء مأخوذة على انها امر طبيعي ومفروغ منه مثلما هو الحال في المجتمعات السابقة؛ وخلقتا ثغرات وصدوعا عميقة في المجتمع، كان من الضروري ان تردم لاحقا. وبالتالي، تسامحتا لاحقا مع أي ممارسة من الممكن ان تساهم في عملية ملء هذه الفجوات، بمقدار ما ان الكفاءة الاقتصادية والايديولوجيا للنظام لا تتأثر بذلك. بل، ان البرجوازية، كطبقة ظافرة، كان لها دور كبير، وربما الأكبر في عملية انتاج وإعادة انتاج هذه الهويات. خصوصا الشاملة منها. عبر وضع او فرض مجموعة من التقاليد المبتكرة، كما ذكرنا سابقا. وذلك لتحقيق مصالحها الطبقية والسياسية، ولتوطيد اركان سيطرتها، باعتبار هذه الهويات آلية من آليات الهيمنة في نهاية المطاف. يمكن من خلالها احتواء الصراع الطبقي ولجم الصراع الايديولوجي.
فمن جهة، ظهر ذلك الابتكار التاريخي الحديث نسبيا "الامة Nation". مع جميع الظواهر الاجتماعية الموضوعية التي ترتبط به: النزعة القومية Nationalism، والدولة -الامة/ الدولة القومية، وغيرها. فـ"الامة" وثيقة الصلة بالتقاليد المبتكرة. ووجودها كاختراع يستند الى ممارسات في الهندسة الاجتماعية غالبا ما تكون مدروسة ومتعمدة، وهي دائما ممارسات مبتكرة، حتى لو كانت الجدة التاريخية تتضمن التجديد فقط(18).
ان الامة، ظاهرة اجتماعية معاصرة، وكل الادعاءات التي تنص خلاف ذلك، ان تكون النقيض للابتداع والمعاصرة والنشوء وان تكون متجذرة في عصور قديمة نائية؛ ان تكون جماعة إنسانية (Community-Gemeinschaft) طبيعية وبديهية، لا تحتاج الا الى توكيد ذاتها؛ ان هذه كلها هي دعاوى مضللة. فلم يكن للأمة والنزعة القومية سوابق تاريخية مماثلة(19). وعنصر الابتكار واضح وبصورة جلية. والتاريخ المعرفي والايديولوجي الذي أصبح جزءا من ذخيرة الدولة، او الامة، والحركة السياسية هو ليس ما تم حفظه فعليا في الذاكرة الشعبية، ولكن هو ما تم تلفيقه أو اختياره ومن ثم تدوينه، وتصويره، ومأسسته، ومن ثم اشاعته وتعميمه شعبيا. والتقاليد المبتكرة تستخدم هذا الماضي الى اقصى حد ممكن، كاسمنت، وكذلك لشرعنة الأفعال التي تشد لحمة المجموعة. فحتى اللغة المعيارية التي يتم التعلم فيها في المدارس ناهيك عن التحدث بها، تكونت وتشكلت في ازمنة مختلفة، وهي في الغالب قريبة العهد.
ومن جهة أخرى، ومع زوال الالتزامات القديمة، وانتهاء عملية الانتقال الى الرأسمالية، بل وربما حتى قبل ذلك، تَحوّل التضاد، الذي كان تضادا خارجيا بين معايير وقيم المنظومة الاجتماعية الحديثة التي ترتكن على الفردانية وبين القيم الجماعية والتشاركية السابقة، الى تضاد داخل المجتمعات الحديثة. تضاد بين الهوية الفردية والعزلة الذرية للأشخاص - ليس كقيمة سائدة فقط وانما بحكم الامر الواقع - وبين جماعات حديثة، متنوعة، مصطنعة، وأحيانا متخيلة، ومتعددة مستويات الشمولية. فمع اكتمال دائرة الاغتراب في المجتمعات الحديثة، تزداد الحاجة الى هويات جماعية من الممكن الانتماء لها يقينا والى الابد في عالم كل شيء آخر فيه متغير ومتحول، ولا شيء آخر فيه يقيني. هذا اليقين سيجده الفرد في هوية المجموعة. لكن انتاج الجماعات والهويات الفرعية هذا لا يعنينا هنا.
في النهاية، مع كل تطور في المنظومة الرأسمالية، ومع تحول مجتمعي، ومع كل ارتجاف او زلزل بفعل أزمة أو توسع سريع، ستحدث هذه العملية، أي إنتاج او إعادة انتاج وتجديد الهويات والجماعات. واي إضعاف يحدث في العلاقات المجتمعية، سيقابله تقوض لبعض الهويات والانتماءات، والتي ستحتاج اما الى تدعيم، او لتعوض لاحقا بأخرى مجددة او جديدة.
الطائفية والطائفة
انطلاقا من مسلمة تفترض ان كلتا العمليتين (ابتداع الهويات وابتكار التقاليد) تحدثان في كل المجتمعات على المستوى العالمي، ترى ما الذي يميز البلدان والمجتمعات "غير الحديثة" عن تلك الغربية الحديثة، من هذه الناحية؟
على الرغم من اهمية نظريات الامبريالية والتخلف والتبعية والتبادل اللامتكافئ، للتمييز بين بلدان المركز وبلدان الأطراف، فإننا من اجل تحديد الفارق الذي يعنينا هنا سننطلق من هوبزباوم ذاته.
أشار هوبزباوم الى ان التقاليد المبتكرة - ونستطيع ان نضيف كذلك الجماعات والهويات الحديثة التي تنشأ عنها- بالرغم من حجم انتاجها خلال القرنين والنصف الماضيين في المجتمعات الغربية الحديثة، لكنها لم تشغل سوى حيز صغير من الحياة الخاصة للناس - بضمنهم المجموعات الثقافية الفرعية - مقارنة بما كانت التقاليد القديمة تشغله في المجتمعات الزراعية القديمة. فأثرها اقل بكثير من الاثر الضاغط للاقتصاد، والتكنلوجيا، والدولة البيروقراطية وحتى القرار السياسي على حياتهم. فمثل هذه القوى القاهرة وغيرها لا تستند الى تقاليد ولا تطور تقاليد بالمعنى الذي نعنيه. لكن هذا التعميم لا ينطبق على الحقل الذي يمكن ان يطلق عليه "الحياة العامة للمواطنين". سواء تلك الممارسات التي ترتبط بعضوية المواطنين في الدولة او الامة، او بتلك التي ترتبط بالخدمة العامة (القوات المسلحة، القضاء.. الخ). او حتى اشكال التنشئة الاجتماعية المختلفة في المدارس وغيرها. فهنا لا دليل على ضعف الممارسات الجديدة أي "التقاليد المبتكرة". فمتى ما أصبح الفرد واعيا بالمواطنة وبعضويته القانونية بالمجتمع الجديد وارتباطه بمؤسساته، فإنه سيبقى مشدودا الى رموز وممارسات شبه طقسية، هي بمعظمها حديثة، وهي في الغالب مبتكرة: العلم، النشيد الوطني، الاحتفالات، الانتخابات...الخ. ان النجاح الابرز للتقاليد المبتكرة منذ الثورة المزدوجة هي انها استطاعت ان تملأ فجوة دائمة في هذا الحقل من المجتمع(20)
في الفقرة السابقة، حدد هوبزباوم، ضمنيا، سمة رئيسية للمجتمعات والدول الحديثة. وهي ان هناك ما يشبه الانفصال او القطيعة بين "الحياة الخاصة للناس" وبين "حياة المواطنين العامة". تسود التقاليد المبتكرة في الثانية، بينما تشغل حيزا صغيرا من الأولى. وهذه السمة او التناقض بين "الحياتين" هي، بحسب رأينا، نتاج لاكتمال تطور وتمايز المجتمع المدني ومؤسساته عن المجتمع السياسي في هذه الدول.
بينما تفتقر بلدان الأطراف "غير الحديثة"، ومنها البلدان التي من المفترض ان تُعالج القضية الطائفية فيها، لهذه السمة. حيث تكون هذه القطيعة بين شكلي الحياة هذين، ان وجدت، شكلية وخاضعة للظروف. وبالتالي، يعج كلاهما تقريبا بذات التقاليد التي تتحكم بتفاصيلهما. وذلك ناتج من ان تطور هذه البلدان والتحولات الاجتماعية فيها، من ناحية ادماجها في السوق الرأسمالية العالمية على وجه الخصوص، ومن ثم في المنظومة الرأسمالية ذاتها، ونشوء الدولة الحديثة فيها(21)، وان كان قد أدى، من جهة، الى اضمحلال او تدمير بعض البنى الاجتماعية والجماعات الاهلية القديمة، فإنه، من جهة أخرى، كيَّف وحورَّ جماعات أخرى عبر انشاء تقاليد مبتكرة جديدة. وبالتالي، فإن ذات التحولات، لم تؤد الى تطور مجتمع مدني حقيقي، يتلازم مع نشوء الدولة الحديثة. فهو كان وما يزال، يعاني ضعفا مزمنا، ليس لجهة عدم قدرته على فك ارتباطه بالمجتمع السياسي فقط، وانما أيضا، عدم قدرته على فك ارتباطه عن اللحظة الثالثة، في الكل المجتمعي. أي عن قاعدة العلاقات الاجتماعية، سواء كانت علاقات الإنتاج والمؤسسات الاقتصادية خصوصا التقليدية منها، او علاقات القرابة والجماعات الاهلية والوشائجية، متكيفة كانت او أصيلة. ذلك ان قاعدة اقتصادية "بنية تحتية" نقية بالمعنى الحازم لمفهوم علاقات الإنتاج، كعلاقة منفصلة ومحددة للعلاقات الاجتماعية الأخرى، ومتمايزة عن البناء الفوقي، هي غير متوفرة الى حد كبير في هذه المجتمعات(22). ان اشتباك اللحظات الثلاث ما زال السمة المميزة للبلدان "غير الحديثة".  
 ان التمييز اعلاه مهم جدا، ومن الضروري ان لا يغيب عن البال عندما نضع تعريفنا للطائفية استنادا الى مفهوم التقاليد المبتكرة. وعندما نقارنها بغيرها من الظواهر، كما سيأتي لاحقا.  
وللتلخيص، انتهينا الى ان خلق وابتداع الهويات والجماعات الحديثة، عملية اجتماعية تاريخية معقدة. تقوم إما على أساس تكييف وتحوير مؤسسات او كيانات او ممارسات كانت قائما فعلا؛ ام قد تكون اصطناعا لها؛ وربما تكون انتاجا متخيلاً بالكامل. وسواء كانت الهوية تحويرا ام اصطناعا ام تخيلا فهي يجب ان تنهض على آليات محددة، وظيفتها بناء الجماعة. وهذه الآليات يمكن تفسيرها كممارسات وتقاليد معينة، نمطية ومتكررة باستمرار، وظيفتها غرس القيم والمعايير تشد من أواصر الانتماء الى الجماعة، حسب مفهوم هوبزباوم "التقاليد المبتكرة". وبناء على ذلك سنقدم التعريف في ادناه للطائفية. وهذا التعريف ينطبق على ظواهر ونزاعات في منطقة الشرق الأوسط. ومدى انطباقه من عدمه على مناطق أخرى، هو قضية تحتاج الى دراسة وتمحيص.
 سنعرف الطائفية: انها ممارسات، او تقاليد مبتكرة، تقوم بها سلطة او حركة سياسية، من اجل ابتداع جماعة مبتكرة ومتخيلة "الطائفة"؛ وجعل الانتماء لها اوليا، انتماء يتوسط الانتماء الى الدولة الحديثة.
فالطائفية اذن، عبارة عن مجموعة من التقاليد المبتكرة، ذات طبيعة طقسية ورمزية. تعمل على غرس قيم ومعايير يقينية ولا ريب فيها، وسلوكيات، عبر التكرار. مع افتراض استمرارية مع ماض تستخدمه الى اقصى حد ممكن، كي تشرعن الأفعال التي تشد لحمة الجماعة وتدافع عنها. بينما هي أساسا تمثل استجابة لظروف وبيئات اجتماعية جديدة.
وهذه الممارسات تقسم الى قسمين. الاول، هو التقاليد المبتكرة بالمعنى الذي حدده هوبزباوم، خصوصا النوع الأول منها. وبالتالي، هي ذات وظيفة داخلية. اما القسم الثاني، فهو تلك السياسات والإجراءات، الموجهة الى الخارج، التي من المفترض بها ان تدافع عن الجماعة كوحدة قائمة. وهذا التمايز ببين القسمين هو تمايز نسبي الى حد بعيد. فالتقاليد الحديثة المبتكرة لا تعمل فقط على تعزيز وحدة الجماعة، وانما هي تعبير عن هويتها وشخصيتها وبالتالي هي موجهة للخارج أيضا، الى الآخر الضد. كما ان السياسات التي تقوم بها السلطة او أي حركة اجتماعية دفاعا عن الطائفة، وهي بذاتها تقاليد مبتكرة أيضا، هي منعكسة الى الذات لتؤدي وظائف داخلية. 
وبالتالي فإن الطائفية، ولأنها ممارسات، تعد ظاهرة موضوعية. مثلها مثل الجهة التي تتبناها. أما "الطائفة"(23) فهي هوية مبتكرة وجماعة متخيلة(24). فليس هناك وجود فعلي، مادي موضوعي لـ "الـطائفة" كبنية مجتمعية، ناهيك عن ان تكون ثابتة. هي مجرد متغير غير مستقل يعد نتاجا لممارسات سياسة حالية، نتاج للطائفية. وإذا كانت هناك جماعات أهلية قديمة، ذات وجود موضوعي، تم تكييفها وتكييف تقاليدها، او ابتكرت تقاليد جديدة لها، لتتلاءم مع الظروف الجديدة، ومن اجل غايات اجتماعية جديدة، "العشيرة" على سبيل المثال(25)؛ فإن "الطائفة" بحكم طبيعتها كعلاقة افقية ظاهريا بين الاعضاء، وبحكم غاياتها وحجمها المقصود عدم تحديده، ليست مبتكرة ومجددة فقط وانما متخيلة بالكامل. وذلك لأن افرادها لن يمكنهم نهائيا ان يتعرفوا على أعضاء الطائفة الاخرين، مع ان هناك صورة للتشارك معهم تبدو للجميع انها قائمة في ذهن كل واحد منهم(26).    
ان لغة الطائفة الشعائرية وطقوسها ومؤسساتها تتمتع باستمرارية شكلية فقط. فكل هذا تم تكييفه وتحويره ليتجاوب مع الظروف الجديدة. كما ان سهولة الربط مع بعض احداث الماضي، دون الحاجة الى عمليات تلفيق كثيرة، ساهمت جميعها في توفير إمكانيات كبيرة للطائفية كي تسحب مفردات اللغة الرمزية والحكواتية القديمة بعيدا تجاه مساحات تاريخية واجتماعية جديدة، مكيفة إياها، دون الحاجة في الكثير من الاحيان الى ابتكار مفردات او ممارسات جديدة. ومتى ما لم تنجح عملية التكييف لأي سبب كان، يتم ابتكار الجديد. لأن الذاكرة الجمعية في المنطقة، التي كانت وما تزال تمثل خزائن غنية لما تراكم او انتقي قصدا او عفوية عبر الزمن، تسهل كثيرا من عملية ابتكار التقاليد. وبالتالي، سيبقى التاريخ الرسمي الطائفي، والذي صيّر جزءا أساسيا من ذاكرة أعضاء "الطائفة" والحركات السياسية الطائفية، هو تلك البقاع واللقطات التاريخية التي تم انتقاؤها او تحويرها او تلفيقها في بعض الاحيان، ومن ثم كتابتها، وتصويرها، وتعميمها على المستوى الشعبي. 
ولفهم تعريفنا السابق للطائفية والطائفة أكثر، من المهم مقارنته مع تفسير هوبزباوم للقومية والأمة. وهو الموضوع الأبرز الذي استخدم فيه هوبزباوم مفهومه "التقاليد المبتكرة" في تفسيره(27).
  كما تسبق النزعة القومية (nationalism) الأمم عند هوبزباوم؛ فإن الطائفية كممارسة تسبق الطائفة وتبتكرها أيضا. ان الطائفية مثلها مثل القومية، هي العنصر الموضوعي الاولي، بينما الامة والطائفة لا تعتبران كيانا أساسيا او ثابتا. لكن، ان جاز ان تكون الامة بالنسبة الى هوبزباوم كيانا اجتماعيا عندما ترتبط بنوع محدد من الدول الحديثة الدولة القومية/ "الدولة – الامة"، فإن الطائفة وان ارتبطت بنشوئها بالدولة الحديثة فإنها ستبقى كيان مبتكرا ومتخيلا.
وكما ربط هوبزباوم بين ظهور القومية وظهور اللغات القومية المحكية والمكتوبة بالتطور التقني، خصوصا مع ظهور الطباعة، وبمحو الامية والتعليم المدرسي؛ كذلك يمكن تتبع ظهور الإرهاصات الأولى للطائفية وللغة الطائفية - ان جاز التعبير- لتتزامن مع تطور وانتشار أيضا الطباعة الحديثة. فالطباعة لم تساهم فقط في تيسير حصول "العامة" على الكتب المقدسة فقط، بل هي قامت بعملية شعبنة للكتب الدينية التقليدية التي كانت حكرا على الخاصة، وكذلك نشرت كتب دينية شعبية من ناحية الحجم والمضمون. يضاف الى ذلك انتشار التعليم والتعليم الالزامي لاحقا، الذي سهل عملية قراءة وتداول هذه الكتابات. ولأن هذه الظواهر الاجتماعية، ترتبط بظهور الدولة الحديثة، واجهزتها ومؤسساتها المعاصرة. لذلك نستطيع الجزم ان ظهور الدولة الحديثة، كان لها دور واضح في ظهور الطائفية. اما بخصوص التطور التقني الحديث، من ناحية وسائل التواصل الجماهيري والاجتماعي المملوكة وغير المملوكة للدولة، ودورها في نشر وترسيخ الطائفية، على اهميته، فهو يقع خارج نطاق ورقتنا هذه.

ان شمولية القومية -الظاهرية- في الانتماء للدولة الحديثة بلا وساطة هي من الاختلافات الجوهرية التي تفرقها عن الطائفية، التي لا تدعي نهائيا لا شمولية الانتماء ولا انعدام الوساطة. وهذا الاختلاف وغيره، من الاختلافات والخصائص لا يمكن فهمها الا على أساس التمييز الذي ذكرناه آنفا. فوظيفة التقاليد المبتكرة في البلدان "الحديثة" - الاصح بلدان المركز الرأسمالي - تقع ضمن حيز المجتمع المدني، وهي إعادة انتاج المجتمع عبر الهيمنة، عبر انتاج معنى وهوية تجمع الناس معا، وبمن يحكمونهم. وذلك من خلال تشكيل جماعات تجمع شتات مجتمع منقسم ومتصارع طبقيا وايديولوجيا، الامة، القومية، والدولة القومية. اما في البلدان "غير الحديثة"، بلدان الأطراف، فإن وظيفة التقاليد المبتكرة تبدو معاكسة. فهي تساهم في عملية إعادة انتاج التبعية والتخلف، عبر إعادة انتاج النسيج المجتمعي غير المتمايز. وذلك إما عن طريق إعادة تشكيل وتحوير جماعات "علاقات القرابة، العشائر.. الخ" او ابتداع جماعات أخرى كـ"الطائفة"، تتوسط انتماء الفرد الى الدولة. دولة هي في نهاية المطاف، دولة حديثة شكليا(28).

وبهذا المعنى، يكون الحديث ان ضعف الدولة الحديثة او مؤسساتها في بلدان الأطراف، او بعضها على اقل تقدير، كي يكون هو سبب تنامي الانتماء لهويات وبنى اجتماعية تتعزز باستمرار، هي أساسا بنى ما قبل الدولة، ليس سليما تماما، الا إذا اخذنا بعين الاعتبار الجانب الاخر أيضا. وهو أن الممارسات المنتجة لهذه البنى والجماعات بالابتكار او التكييف -او حتى بالاصطفاء- هي أساسا ممارسات سلطة. وبالتالي، يكون الاصح ان نقول انه في بعض بلدان الأطراف تكون الدولة كـ"سلطة" هي السبب في اضعاف الدولة كـ "مؤسسات"، كدولة حديثة. بمعنى اخر، ليس ضعف الدولة هو سبب الانتماء الى طائفة او عشيرة او غيرها، بل ان إعادة انتاج هذه البنى وبيئتها من قبل الماسكين بالسلطة هي سبب ظهور هذا الشكل الخاص من الدولة لبلدان الاطراف، كدولة هجينة او ضعيفة. 
  وفي الختام، بما ان الكينونات الاجتماعية الكبيرة مثل: الامة والدولة القومية كما أشر الى ذلك هوبزباوم في "المقدمة"، ونستطيع ان نضيف بناء على استنتاجنا الطائفة، هي بوضوح ودون لف ودوران ليست جماعات وشائجية (Communities-Gemeinschaften) حقيقية، بالتالي فإن الحراك الاجتماعي، والصراع الطبقي والايديولوجي في المجتمع، والذي كانت محاولة احتوائه احد اهم أسباب ابتكارها، ستصعب كلها من قدرة التقاليد المبتكرة -او بعضها على اقل تقدير- على الاستمرار في أداء وظيفتها في شد لحمة وتماسك هذه الجماعات(29). ولكن، إذا كانت معركة الانعتاق من الهيمنة، من التقاليد المبتكرة، في بلدان المركز الرأسمالي "الحديثة" ستستمر، في المدى المنظور على الأقل، بصيغة حرب المواقع؛ فإنها في بلدان الأطراف لن تكون، عاجلا ام اجلا، الا صراعا صريحا مع السلطة.
 
الهوامش والمصادر
 (1) ان نصف هذه المساهمات بـ "الجادة" هو أكثر عمومية واقل تحديدا وملموسية من إطلاق صفة "علمية". فالكثير من المساهمات النظرية لفهم ظاهرة الطائفية على الرغم من عقلانيتها لكنها تفتقر الى المميزات الجوهرية كي تكون علمية. بل ان البعض منها سياسي بحت. 
(2) المنطقة هي منطقة الشرق الأوسط: بلدان الجزيرة العربية، بلدان بلاد الشام، مصر، العراق، إيران، تركيا. لا باعتبارها جغرافية سياسية فقط وانما أيضا، كبيئة اجتماعية وسياسية متقاربة وكمناخ ثقافي مشترك نسبيا. حتى البلدان التي لم تعاني صراحة من مثل هذا الصراع داخليا، فإنها كانت طرفا فيه على الصعيد الخارجي. تركيا على سبيل المثال.   
(3) Hobsbawm Eric & Ranger Terence (eds.), The Invention of Tradition, Cambridge University press, UK, 2013. 
(4) Eric Hobsbawm, Introduction: Inventing Traditions, The Invention of Tradition, Eric Hobsbawm & Terence Ranger (eds.), Cambridge University press, UK; 2013, p, 1-14 
(5) Terence Ranger, The Invention of tradition in Colonial Africa, p:211-262 
(6) للمزيد حول هذه المسألة:
- Byron King Plant, Secrete Powerful and the stuff of legends: Revisiting theories of Invented Traditions, The Canadian Journal of Native Studies XXVIII, (2008), pp. 175-194, P: 177. 
- Robert Tonkinson, Tradition (Entry), In: The Blackwell Encyclopedia of Sociology, George Ritzer (eds.), 2007 by Blackwell Publishing Ltd, p:5034-5036. 
- Marcel Sarot, Counterfactuals and the invention of religious traditions, In J. W. van Henten, & A. W. J. Houtepen (eds.), Religious identity and the invention of tradition: Papers read at a NOSTER Conference in Soesterberg, January 4-6, 1999; pp, 21-40. 
(7) Lamont Lindstrom & Geoffrey M. White, Introduction: Custom today, Anthropological Forum Volume 6, Number 4, 1993, pp:467-473, p:469 
(8) Hobsbawm, Eric, Mass-Producing Traditions: Europe, 1870-1914, The Invention of Tradition, Eric Hobsbawm & Terence Ranger (eds.), Cambridge University press, 2013, Ch 7, p. 263-307 
(9) للمزيد حول الجدال مع الانثروبولوجيين ينظر الى المواد في هامش رقم (6) 
(10) ما لم ترد إشارة بعكس ذلك، فإن كل ما ورد او سيرد في المادة من أفكار هوبزباوم حول التقاليد المبتكرة مأخوذة من الفصل الأول (المقدمة: ابتكار التقاليد) في كتابه المذكور سابقا: 
 Eric Hobsbawm; Introduction: Inventing Traditions; The Invention of Tradition; Eric Hobsbawm & Terence Ranger (editors), Cambridge University press, 2013, pp. 1-14. 
 
(11) فرق هوبزباوم التقاليد عن العادات التي تحكم المجتمعات التقليدية. فالأخيرة لا تستبعد التجديد والتغيير الى حد ما. فهي لا يمكن اتكون ثابتة. لكنها تحتاج ان يكون التغيير متناغما او حتى متماثلا مع سابقة. انها تمنح التغيير مصادقة الاستمرارية الاجتماعية. كما فرق ايضا بين التقاليد وبين تلك الأعراف والممارسات ذات الطابع التقني، التي ليس لها أهمية طقسية وان اكتسبتها عرضيا، بسبب التكرار. فالأخيرة قواعد سلوك مؤسسة على أساس براغماتي. وهي تنتمي بالمصطلحات الماركسية الى القاعدة وليس الى البناء الفوقي. فهي مصممة من اجل تسهيل القيام ببعض الممارسات العملية. انها ممارسات ممكن تحديدها وتعريفها بيسر وسهولة ومن الممكن تحويرها وتعديلها بسهولة أيضا او حتى هجرها من اجل مواجهة حاجات عملية متغيرة. انظر المقدمة ص: 2 ،3، 4. 
كما ميز التقاليد الاصيلة/القديمة عن تلك المبتكرة. فالأولى معينة وواضحة بينما الثانية غير معينة وغامضة. كما يبدو من طبيعة الاختلاف في قيم وحقوق وواجبات أعضاء المجموعة. كما ان الثانية ترتكز على شمولية غير محددة. انظر المقدمة ص: 10 و11. 
(12) للمزيد حول الثورة المزدوجة انظر: 
هوبزباوم، أيرك؛ عصر الثورة - أوروبا (1789-1848)، ترجمة، فايز الصايغ، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط2، 2008. 
 
(13) ان انقطاع الاستمرارية لا يمكن التغاضي عنها حتى في المواقع التقليدية الاصلية. انه واضح كما أشار هوبزباوم في "المقدمة" عند دراسة الحركات التي تصف نفسها بتعمد كـ "تقليدية 'traditionalist'" والتي تستند الى مجموعات تعد عموما مستودعات للاستمرارية التاريخية والتقاليد مثل الفلاحين بل ان ظهور هذه الحركات بالذات من اجل الدفاع عن او بعث التقاليد، يعد مؤشرا على هذا الانقطاع. ان هذه الحركات، المنتشرة بين المثقفين منذ الرومانسيين، لا تستطيع تطوير ولا حتى الحفاظ على ماضي حي. انها يجب ان تستند على ‘تقاليد مبتكرة‘. فمن ناحية اخرى قوة التقاليد الاصيلة وقابليتها على التكيف يجب ان لا يتم الخلط بينها وبين ‘التقاليد المبتكرة‘. فحينما تبقى الطرق والاساليب القديمة حية، فلا حاجة الى بعث/احياء التقاليد او الى ابتكارها. انظر المقدمة ص: 8
 
(14) Edward W. Said; Invention, Memory, and Place; Critical Inquiry, vol. 26, no. 2 (Winter, 2000), pp. 175-192,p:179 
(15) Hobsbawm, Eric, Mass-Producing Traditions: Europe1870-1914, p:263. 
(16) ماركس و انجلز؛ البيان الشيوعي، الجزء الأول، مختارات من أربعة أجزاء، دار التقدم، موسكو، ص54. 
(17) هل تعد الجماعة الاهلية الوشائجية (Gemeinschaft  Community -) احدى البنى الاجتماعية ما قبل الرأسمالية، او هي مفهوم كلي يشتمل او يعبر عن كل هذه البنى؟ هذه مسألة نظرية اكاديمية. للمزيد حول الجماعة ما قبل الرأسمالية انظر على سبيل المثال ما استفدنا منه من مواد: 
- تونيز، فرديناند، الجماعة والمجتمع المدني، تحرير: جوزيه هاريس، ترجمة: نائل حريري، بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسات لسياسات، 2017. 
هو عمل كلاسيكي مؤسس بامتياز لقضية التناقض ما بين الجماعات القديمة والمجتمع الحديث. 
- أندرسن، كيفن ب.، ماركس ومجتمعات الأطراف، ت: هشام روحانا، دار نينوى، سورية، ط1، 2020، الفصل الخامس ص:225-284 والفصل السادس: 285-344 
- غاليسو، رينيه، مدخل: جماعة، معجم الماركسية النقدي، جيرار بن سوسان وجورج لاببيكا، دار الفارابي، بيروت، ط1، 2003، ص: 537-543. 
- غودولييه، موريس، جماعة، مجتمع، ثقافة: مفاتيح ثلاثة لفهم الهويات المتصارعة، ترجمة: زهرة جابر، مراجعة: سعود المولى، مجلة عمران؛ العدد 12، المجلد الثالث، ربيع 2015. 
- Heather Douglas, Types of Community; In H. Anheier & S. Toepler (eds.), 2010, International Encyclopedia of Civil Society, pp: 539-544. 
(18) لم يتم تناول الامة والقومية (Nation & Nationalism) ضمن آليات التفكير الماركسية الارثوذوكسية سواء كانت الماركسية اللينينية او غيرها، بل كما جاءت في كتاب "ابتكار التقاليد". ويمكن ايضا الاطلاع على مقاربة هوبزباوم لهذا الموضوع عبر الاطلاع عليها في كتابه: 
أريك هوبسباوم، الأمم والنزعة القومية- منذ عام 1780، ت: عدنان حسن، مراجعة وتحرير: د. مجيد راضي، دار المدى للثقافة والنشر، ط1، 1990. 
(19) أشار هوبزباوم في "المقدمة بوضوح ان كانت هناك ثمة أي استمرارية تاريخية لامة من الأمم او دولة من الدول القومية المعاصرة، فلن يسعى أي أحد الى انكارها. لكن حتى هذه الامة او الدولة ستبقى تتضمن، بلا شك، عناصر ومكونات مخترعة او مبتكرة. 
(20) Eric Hobsbawm, Introduction: Inventing Traditions, p:11-12. 
(21) ان خصائص واشتراطات تكون وتطور الدول الحديثة، في بلدان الأطراف تختلف عن تلك التي توفرت عند تشكلها في بلدان المركز الرأسمالي. كما ان مضامينها الاجتماعية تختلف عبر مراحل تشكلها وتطورها. بل ان علاقة التشكل التي تربط الدولة بالمجتمع تكون في الكثير من الأحيان عكسية. 
(22) حول هذه الفكرة، أي عدم وجود علاقات إنتاجية نقية يمكن الاطلاع على أفكار موريس غودلييه: 
Maurice Godelier, Infrastructures Societies and History, Current Anthropology; vol.19, no.4, December,1978. 
 
(23) التفريق بين الطائفة(Cult) والطائفة (Sect)ضروري. ببساطة ودون الخوض في التفاصيل والمصدر، الاولى، عبارة عن مجموعة تستند على أفكار وشعائر وربما قيم وسلوكيات جديدة وغير مألوفة بل قد تختلف كليا عن تلك السائدة. وهي في الغالب تعزل نفسها عن المجتمع الأكبر. بينما الثانية، هي مجموعة جزئية من مجموع اشمل - باستخدام المفاهيم الرياضية- لها افكارها ومعتقداتها التي تميزها. ولهذا المفهوم استعمالات دينية وعلمانية. والاخيرة التي تعنينا في ورقتنا هذه وبمعناها الديني. 
(24) لوصف التالي للتخيل والجماعة المتخيلة يستند الى "بندكت اندرسن". من المفيد التذكير ان دراسة العلاقة بين انتاج التخيل في المجتمعات الحديثة وصناعة الوعي الزائف هي مسألة في غاية الأهمية. للمزيد حول الجماعة المتخيلة انظر: 
- بندكت اندرسن، الجماعات المتخيلة/ تأملات في أصل القومية وانتشارها، ترجمة: ثائر ديب، ترجمان، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، بيروت، ، ص:63-65. 
 
(25) في كثير من الأحيان وضمن شروط وظروف اجتماعية تفقد هذه الجماعات الاهلية "العشيرة وغيرها" واقعها الموضوعي، مع تكيفها الجوهري وحتى الشكلي في بعض الأحيان في بيئاتها الجديدة، لتصبح أيضا مجرد جماعة متخيلة. ويمكن ان تعود الى موضوعيتها بحسب تغير الظرف.
(26) عرض عزمي بشارة في كتابه المعنون "الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة" أطروحة حول الطائفة كجماعة متخيلة مستندا الى أطروحة (بندكت اندرسن) التي قدمها في كتابه "الجماعات المتخيلة". لكنه لم يحدد اسباب ابداع التخيل. انها احدى المقاربات النظرية المهمة للطائفية التي من الواجب تحليلها استنادا الى استخدام مفهوم التقاليد المبتكرة. للمزيد: 
- عزمي بشارة، الطائفة الطائفية الطوائف المتخيلة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، بيروت، 2018. 
(27) للمزيد حول أفكار هوبزباوم حول القومية انظر: 
أريك هوبسباوم، الأمم والنزعة القومية- منذ عام 1780، ص: 16 – 17. 
(28) ربما تكون قوة هذا الفعل السياسي ورسوخها اجتماعيا في بلدان الأطراف هي سبب من اسباب فشل الفعل المقابل. وأعني هنا فشل النزعات والحركات السياسية القومية والوطنية الساعية الى بناء دولة حديثة.

(29)ضمن نظريات النظام او المنظومة الرأسمالية العالمية، الذي يشتمل باختصار على بلدان مركز وبلدان أطراف تابعة، لا يمكن فهم هذا الصراع الطبقي الأيديولوجي في بلدان الأطراف الا إذا تضمن صراحة وجهه الاخر، أي صراع التحرر من التبعية.