أيار 15

 

 

يقينا، ان مما أسعدني حقا، ان ألبي دعوة الأخ الأستاذ الدكتور صالح ياسر رئيس تحرير مجلة (الثقافة الجديدة) العراقية، المؤرخة في 24 من آب  –أغسطس سنة 2023، في تحية وتقدير مجلتنا العتيدة مجلة كل العراقيين اقصد مجلة (الثقافة الجديدة) التي تربينا على كتاباتها طيلة العقود الماضية ومنذ ان فتحنا اعيننا على القراءة الفكرية الجادة.  

وأقول المجلة كانت واحدا من مصادر ثقافتنا، لهذا فإنها تركت أثرا كبيرا ليس في تكويننا، وانما في تكوين أكثر من جيل. وسر قدرتها على التأثير، انها كانت تلامس مشاعرنا، وأحاسيسنا في ان نكون تواقين الى معرفة حقيقة التقدم، ومعنى الحرية والثورة، وشرف الكلم.

لهذا لا بد من القول ان مجلة (الثقافة الجديدة)، ظلت قادرة على ان تحقق أهدافها في ان تكون مظلة للفكر التقدمي، والثقافة التنويرية، ونجحت في إبقاء شعلة التنوير متقدة كل هذه السنين ومنذ صدور عددها الأول في تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 1953 وحتى لحظة كتابة هذه السطور أيلول/ سبتمبر 2023.

وأضيف انني كتبت عن مجلة (الثقافة الجديدة) منذ سنين طويلة. وكانت المجلة فصلا في كتابي (تاريخ العراق الثقافي المعاصر) وصدر عن دار ابن الاثير للطباعة والنشر بجامعة الموصل سنة 2009. والمقال فضلا عن ذلك نشر في موقع (الحوار المتمدن) وفي مجلة (الثقافة الجديدة) نفسها.

ومما أود تسجيله – كمؤرخ – ان مما نفخر به نحن في العراق، ان هذه المجلة باتت اليوم من اقدم المجلات العراقية والعربية المستمرة على الصدور منذ سبعة عقود، وهذا ان دل على شيء، فإنما يدل على حرص القائمين عليها اليوم، حرصهم على ديمومتها، واستمراريتها صوتا وطنيا عراقيا تقدميا يساريا، كم نحن بحاجة اليه اليوم، ونحن نواجه كثيرا من التحديات ولعل ابرزها سيادة الفكر اليميني الرجعي المحافظ، وطغيان قيم التفاهة الفكرية، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي السريعة، وضآلة من يقرأ وقلتهم وضعف ثقافتهم وتأثرهم بما هو يعد من الترهات والسفاسف، والخرافات ، ومحاولات نهش كل ما هو أصيل، ومتجذر في ثقافتنا الأصيلة .

  وهنا لا بد ان أكون حريصا على القول بأن مجلة الثقافة الجديدة ومنذ ان صدر عددها الأول في تشرين الثاني - نوفمبر سنة 1953 ببغداد كانت وما زالت مجلة "الفكر العلمي" و" الثقافة التقدمية". وبسبب هذا التوجه، أقدمت السلطات الملكية الحاكمة في العراق على إلغاء امتيازها ولما يصدر منها سوى عددين الأول، كما قلنا آنفا، في تشرين الثاني سنة 1953 والثاني في كانون الأول-ديسمبر سنة 1953. لكنها سرعان ما عادت إلى الصدور بامتياز جديد وكان ذلك في نيسان-ابريل سنة 1954، ولم تمر إلا أيام قليلة حتى الغي امتيازها ثانية (صدر العدد الثالث في نيسان 1954).
لقد كان صدور مجلة الثقافة الجديدة ، مؤشرا على التنامي الواسع للوعي الوطني والسياسي العراقي عقب سلسلة من التطورات التي مر بها العراق والوطن العربي اثر ضياع فلسطين، وقيام إسرائيل، وتعاظم حركة التحرر العربي، ووثبة كانون الثاني -يناير 1948 في العراق، وتصاعد نشاط المقاومة للسلطة الملكية الرجعية واندلاع ثورة يوليو-تموز في مصر 1953، وبروز قيادة الرئيس جمال عبد الناصر القومية التقدمية الاشتراكية، وما رافق ذلك كله من إقدام الحكومات العراقية على إصدار قرارات قمعية ضد الأحزاب الوطنية والقومية .
قدم المرحوم الأستاذ الدكتور صلاح خالص، معلومات وفيرة عن مجلة الثقافة الجديدة للأستاذ يوسف الصائغ وهو يعمل على إنجاز رسالته للماجستير حول الشعر الحر في العراق منذ نشأته حتى 1958. ومما جاء فيها أن مجلة الثقافة الجديدة، صدرت بتوجيه مباشر من الحزب الشيوعي العراقي، وانه هو والدكتور صفاء الحافظ قد أشرفا على إصدارها. ويقال إن عبد الوهاب البياتي كان يشرف عند صدورها على الجانب الذي يهتم بالأدب. وقد ورد في افتتاحية العدد الأول إن المجلة "تقدمية تؤمن بوجود أفكار رجعية تحاول منع المجتمع وعرقلة سيره، فتحارب هذه الأفكار - معتمدة على دروس التاريخ القيمة وعلى التفكير العلمي الصحيح".

كما إن المجلة، ومحرريها كانوا يعتقدون "إن الأفكار وان كانت تنشأ في ظروف اقتصادية واجتماعية ونفسية وتاريخية معينة، فأنها قوة ذات أثر فعال في تقدم المجتمع أو تأخره، لذا نرى من واجبها استخدام هذا السلاح الماضي للتقدم، لا للتأخر ، والسير للإمام ، لا للرجوع إلى الوراء". "ان الثقافة الجديدة مجلة علمية، لأنها تعتقد أن الوسيلة الصحيحة للوصول إلى الأفكار التي يتوق إليها المجتمع، هي البحث العلمي، ونقصد به الدراسة الموضوعية لظواهر الحياة المختلفة ومحاولة معرفة بواعثها الحقيقية، والطريق الذي اتجهت إليه، كالنظريات العنصرية والأفكار الفاسدة المغرضة، وتشجع الدراسات العلمية التي يتوخى فيها الحقيقة دون أغراض، لذا فسيكون اهتمامها بما تحويه المقالات من أفكار قيمة، لا بأسماء كاتبيها ...". "أن الثقافة الجديدة مجلة شعبية لأنها تعتبر نفسها وسيلة من وسائل الشعب، وسلاحا في يده، فهي تعنى بمشاكله وتبحثها بعمق وبأسلوب علمي لكي تتوصل إلى الحلول الايجابية الصحيحة لها". "إن الثقافة الجديدة مجلة حرة تؤمن بأن حرية التعبير حق من حقوق الفرد وأنها الوسيلة الفعالة للوصول الى الحقيقة..". "إن الثقافة الجديدة مجلة (قومية)، لأنها تعتبر أن من حق، بل من واجب كل قومية من القوميات أن تعنى كل العناية بتراثها القومي، وتبذل جهدها في تطويره وتنميته وجعله في خدمة الأكثرية الساحقة من أبناء الشعب. أنها تشجع العراقيين -عربا وكردا -على الاعتزاز بتراثهم القومي، وربط حضارتهم الجديدة، ونهضتهم الحاضرة، لاسيما في الميادين الأدبية والفنية، بالتقاليد القومية العريقة والأسس التي أصبحت تكون جزءا لا يتجزأ من مميزاته القومية". "إن الثقافة الجديدة مجلة (إنسانية)، لأنها تعتقد أن البشر يستطيعون العيش إخوانا على الأرض، إذا احترم كل منهم حقوق الآخرين في الحياة، وتؤمن بأن الحضارة الإنسانية نتاج ساهمت فيه جميع شعوب العالم وقومياته، وان من حق جميع هذه الشعوب والقوميات أن تتمتع بها وتجني فائدتها، فهي تعنى بالثقافات الأجنبية وبترجمة خير ما فاضت به قرائح الكتاب العالميين".
قيم أريك ديفز، الباحث والمؤرخ المهتم بالتاريخ العربي الحديث ومنها تاريخ العراق الثقافي، مجلة (الثقافة الجديدة ) في مقال له بعنوان: "المقاهي ودورها الكبير في نشر الثقافة والحس الوطني" ترجمه وقدم له الأستاذ حسين كركوش ونشر في جريدة طريق الشعب العدد (233) في 31 تموز - يوليو 2008 قائلاً: "إن المثقفين الشيوعيين، ارتبطوا بمجلة الثقافة الجديدة، وان هذه المجلة أغلقتها حكومة الدكتور فاضل الجمالي (17 أيلول-سبتمبر 1953-8 آذار-مارس 1954) بعد صدور عددين منها، تحظى بأهمية خاصة، ورغم أنها أصبحت ، فيما بعد ، تابعة للحزب الشيوعي، إلا أن قائمة الأسماء المؤسسين لها تجعلنا نعدها موسوعة حقيقية للانتلجنسيا العراقية (الطبقة المثقفة العراقية)؛ فصفحاتها تزخر بأسماء كتاب القصة القصيرة أمثال عبد الملك نوري، وفؤاد التكرلي، وبأسماء الشعراء أمثال بدر شاكر السياب وعبد الوهاب ألبياتي وكاظم السماوي وبأسماء الروائيين أمثال غائب طعمه فرمان وبأسماء النقاد مثل محمد شرارة وبأسماء الكتاب المسرحيين ومنهم يوسف العاني، فضلا عن أساتذة الجامعة من ذوي الاتجاه اليساري ومنهم الدكتور فيصل السامر، والدكتور صلاح خالص، والدكتور إبراهيم كبه... وبمجرد أن المجلة سميت بـ(الثقافة الجديد) فان هذا يعد بمثابة تعبير عن رغبة جامحة لإحداث قطيعة مع الماضي، مثلما عكست تلك التسمية إيمان مؤسسي المجلة بالدور المركزي الذي تنهض به الثقافة في إحداث التغيير السياسي والتغيير الاجتماعي.

مجلة (الثقافة الجديدة) انطلقت، كما هو واضح، "من مفهوم شامل صحيح للثقافة، فعنيت بالدراسات الفكرية إلى جانب عنايتها بشتى الأنواع الأدبية والفنية، فكان كل عدد من أعدادها يتضمن دراسة فكرية تخدم أهدافها التي من اجلها صدرت".. كان من كتابها أساتذة بارزون في الوسط الجامعي العراقي كالدكتور مهدي المخزومي، والدكتورة نزيهة الدليمي، والدكتور صلاح خالص، والدكتور إبراهيم السامرائي. لنتوقف قليلا عند كتابات عدد من المؤرخين العراقيين المعاصرين الذين ظهرت لهم كتابات في مجلة الثقافة الجديدة، ومنهم الدكتور فيصل السامر والدكتور حسين قاسم العزيز.. لقد كانا يقرآن التاريخ العربي الإسلامي وفق مفهوم يساري تقدمي.. فهذا الدكتور السامر يكتب عن بعض الاتجاهات الاجتماعية في حركة الزنج مثلاً وذلك الدكتور حسين قاسم العزيز ينظر إلى البابكية على أنها انتفاضة ثورية للشعب الاذريبجاني ضد الخلافة العباسية.. كما أن القضية القومية نفسها حظيت بالاهتمام في صفحات مجلة الثقافة الجديدة، وكان للتراث الفكري واللغوي العربي الإسلامي نصيب، ومن ذلك ما كتبه الشيخ محمد رضا الشبيبي حول "مصادر الشك في كتاب العين" والمادة بالاصل نص محاضرة ألقاها الشيخ الشبيبي في حفلة افتتاح المؤتمر اللغوي العربي في القاهرة في يوم الاثنين 14 شباط -فبراير 1953. وعلى صعد المسرح والسينما والقصة والرواية والنقد والفن التشكيلي والشعر والترجمة، كان للمجلة اهتمام متميز. ويقيناً أن ما كتبته المجلة وما تكتبه حتى هذه اللحظة يسهم إسهاما فاعلاً في اغناء القراء وفتح آفاق ثقافية واسعة أمامهم، لذلك استحقت المجلة أن توصف بالريادة.
ليس من السهولة رصد كل الكتابات التي نشرت في مجلة الثقافة الجديدة، فذلك يحتاج إلى جهد ووقت كبيرين، وأول ما يجب أن يعمل في هذا الاتجاه إصدار ببليوغرافيا مفصلة وشاملة للمجلة ونأمل في أن يتصدى لهذه المهمة بعض أصدقائنا من المكتتبين. لكن لا بد من ذكر بعض من كتب في المجلة، وأوائل من يجب الإشادة بكتاباتهم على صعيد الشعر، بدر شاكر السياب، وعبد الوهاب ألبياتي، وكاظم السماوي، وكوران، وديلان. وعلى صعيد القصة الدكتور شاكر خصباك، و عبد الملك نوري، وفؤاد التكرلي. ولم يكن الاهتمام بالرسم والسينما والمسرح بعيداً عن المجلة، فلقد أولى محرروها هذه الميادين الكثير من العناية وكان من الكتاب الذين تناوبوا على تقديم ما هو جديد فيها يوسف العاني ونوري الراوي ومحمود صبري ووليد صفوة وعطا صبري. واهتمت المجلة بالترجمة عن اللغات المختلفة وكان ممن تخصص في هذا المجال شاكر خصباك ونهاد التكرلي وجاسم محمد الرجب وإسماعيل الشيخلي ومهدي الرحيم وعبد الملك نوري وآخرون .. وفتحت المجلة نوافذها على الحركة الثقافية العربية والأجنبية، فكانت هناك تقارير ورسائل من شتى أنحاء العالم، ولئن اهتمت المجلة كثيراً بما عرف بالواقعية الاشتراكية وتطبيقاتها الماركسية على الأدب والفن، فان ذلك لم يمنعها من الولوج في دروب مدارس فكرية وفنية وفلسفية عالمية أخرى. وكان هدف المجلة من الاهتمام بكل تلك الرؤى، إشعار الأديب والمفكر والفنان العراقي بمسؤوليته تجاه مجتمعه.

ضم العدد الأول من مجلة الثقافة الجديدة الذي صدر في تشرين الثاني 1953، مقالات وروايات وتقارير ونصوص إبداعية كثيرة منها مقال بعنوان "المدرسة الواقعية في الفن والأدب" للدكتور صلاح خالص، ونظرية القانون الصرفة لهانز كلزن للدكتور إبراهيم كبة، والأزمة الراهنة في الفن المعاصر لمحمود صبري، وإميل زولا.. فارس الحق لاندريه موروا. والبيروقراطية والدولة لباحث لم يذكر اسمه. كما احتوت قصائد شعرية منها أطفالنا لبدر شاكر السياب والسجين المجهول لعبد الوهاب ألبياتي ومصير العشاق لكوران، واغنية رجل عند خشبة الاعدام لاراغون تعريب عبد الملك نوري. وكان هناك نصوص مسرحية منها العادلون لالبير كامو تعريب نهاد التكرلي. وثمة متابعات للمعرض الدولي الثاني للفن المعاصر في الهند لعطا صبري. وفي حقل الكتب عرض كتاب فكتور هيجو شاعر واقعي لاراغون. وقام إسماعيل الشيخلي بتعريب مقال لهربرت سبنسر بعنوان: "كيف يتعلم الطفل الرسم". أما القصة فكان لها نصيب حيث نشرت في العدد قصة آمنة لشاكر خصباك، وقصة بعد المسرح لانطوان تشيخوف. واحتوى العدد الثاني الذي صدر في كانون الأول 1953 مقالا افتتاحياً بعنوان: "التفكير العلمي" وضروراته الماسة والموضوعية بالنسبة للافراد والجماعات في معالجة شؤون الحياة الخاصة والعام . ومقالات أخرى منها مقال بعنوان: "الظروف الاجتماعية وعلاقتها بالطب النفسي للدكتور فيكتور لافيت تعريب الدكتور هدى (وهو اسم مستعار لم نتعرف عليه)، ومقال للشيخ محمد رضا الشبيبي بعنوان: "مصادر الشك في كتاب العين"، ومقال لنهاد التكرلي بعنوان "مفاهيم في الفن القصصي"، ومقال للدكتور فيصل السامر بعنوان: "بعض الاتجاهات الاجتماعية في حركة الزنج"، ومقال بعنوان: "أسبوع المرأة ومدى فائدته" للدكتور محمد مهدي البصير، ومقال لغائب طعمه فرمان بعنوان: "قيمة الوعي في الأدب". وعرض الدكتور إبراهيم كبه كتاب ب. دوت الموسوم: "تداعي النظام الكولونيالي". كما عرض الدكتور صلاح خالص كتاب الدكتور صالح احمد العلي الموسوم: "التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة"، وكان هناك عرض لكتاب الدكتور زكي صالح الموسوم "مقدمة في دراسة العراق المعاصر" قدمه الدكتور ابراهيم كبه (أ.ك). وعرض اناهيد لعبد الله نيازي قدمه (شين)، ووقف عبد الوهاب البياتي عند بابلو نيرودا وقدمه على انه شخصية الشهر. وهناك قصيدة "البغايا في الشتاء" لبدر شاكر السياب، وقصة الجدار الأحمر لعبد الملك نوري ومسرحية حفلة زواج لأنطوان تشيخوف تعريب شاكر خصباك، ومقال عن واقع المسرح العراقي ليوسف العاني، ومقال لحسين يوسف البكري بعنوان: "التلفزيون: العلم يتقدم". ونشرت المجلة في هذا العدد محاضرة للشاعر الفرنسي بول ايلوار عن الشعر الظرفي ترجمها ابراهيم اليتيم، وهذه المحاضرة تعالج موضوعا مهما يتناول مشكلة علاقة الشعر بالواقع الملموس ومشكلة الانتقال من الخاص الى العام في العملية الإبداعية. وفي هذا الاختيار يبرز موقف المجلة الواضح من مسألة الدعوة الى الأدب الثوري والى الأدب الواقعي الصادق. وفي معظم ما كانت تنشره المجلة من مقالات يبرز هدف المجلة واضحا في تأكيد المقولة التي تذهب إلى أن الظواهر هي نتاج الظروف والعلاقات الاجتماعية، وتتفاعل معها.

وفي العدد الثالث الذي صدر في نيسان 1954، نقرأ افتتاحية بعنوان: "إلى أخي المواطن" كتبها عبد الرزاق الشيخلي، وكان الشاعر معروف عبد الغني الرصافي شخصية العدد اذ نشرت المجلة أحاديث للشاعر مع الأستاذ كامل الجادرجي، وكتب الدكتور صفاء الحافظ مقال بعنوان: "في المشكلة القومية وحلولها". أما الدكتور صلاح خالص فكتب مقالاً "حول المدرسة الواقعية الحديثة: عناصر العمل الفني والأدبي". وتابعت المجلة "محنة المثقفين الأميركيين" التي كتب عنها هوارد فاست، أما وليد صفوة فكتب عن "الواقعية الحديثة في السينما الايطالية". وثمة مقال عن (كارثة الفيضان) الذي حدث في العراق سنة 1954 وآثاره السلبية على الإنسان والمحيط والدعوة إلى العمل من اجل مقاومة الكوارث جذريا واستخدام ثروات البلد المائية لخير الشعب وسعادته. وفي العدد قصة لفؤاد التكرلي بعنوان: "قصة عراقية.. الآخرون"، وقصيدة لعبد الوهاب البياتي بعنوان: "المذبحة" ومسرحية الدير للكاتبة الانكليزية ماركريت لوس تعريب مهدي الرحيم وقصيدة للشاعر الكردي ديلان بعنوان: "الربيع" ترجمة هاوار مصطفى وقد نشر نصها الكردي في مجلة زين وفي العدد الصادر في اذار 1953، وأخرى للشاعر الأمريكي ادمون ماركهام بعنوان "الإنسان والمسحاة" تعريب محمد جاسم الرجب، وكتب نوري الراوي مقالاً عن الاتجاهات الجديدة في المسرح العراقي الحديث. وحول التراث الفكري العربي المعاصر كانت هناك وقفة مهمة مع جمال الدين الأفغاني لمناسبة الذكرى الستينية لوفاته واراء وتعليقات: الإدراك المادي لحقوق المرأة السياسية للمحامي عبد الوهاب القيسي. وثمة أبواب ثابتة في المجلة منها باب في ربوع الفكر يستعرض المشهد الثقافي العراقي وباب كتاب الشهر ومن الكتب التي عرضت لها المجلة في عددها الثالث: القوى المؤثرة في الدساتير وتفسير الدستور العراقي لمؤلفه الدكتور طلعت الشيباني وعرضه الدكتور إبراهيم كبة وكتاب دور الحقوقيين في تطوير القانون لرامز شعبان وحسيب غر عرضه الدكتور كبة كذلك وكتاب ( من الزاوية العربية)  لنبيه امين فارس وكتاب (ضد دوهرنغ) لانجلز ترجمة داود الصائغ وكتاب (ثورة الزنج) لفيصل السامر وكتاب السجن الكبير لصالح سلمان عرضه الدكتور شاكر خصباك وكتاب نقائض جرير والفرزدق للدكتور محمود غناوي الزهيري وكتاب نفائس المخطوطات تحقيق محمد حسن ال ياسين وكتاب انطوان تشيخوف ترجمة شاكر خصباك وهو من منشورات مجلة الثقافة الجديدة، بغداد، 1954، وكتاب عوامل نشوء وتطور تشريع العمل الحديث لهاشم جواد، وكتاب الوجيز في التأمينات الشخصية والعينية للدكتور صلاح الدين الناهي، وكتاب الشرق الأوسط في مؤلفات الأميركيين جمع الدكتور مجيد خدوري، وكتاب من يوم إلى يوم لعبد المجيد الونداوي. وكتاب مؤتمر المعلمين العالمي جمع محمد علي البناء، وكتاب مقررات مؤتمر الطلبة العالمي الثالث جمع عدنان صالح.

وأخيرا، لا بد لي أن أؤكد، وأنا معروف بتوجهي العروبي القومي، بان مجلة الثقافة الجديدة في كل مراحل تاريخها، كانت مصدراً مهما من مصادر تكويني الثقافي والفكري، فلقد احتفظت، بأعداد كبيرة منها في مكتبتي. كما ما زلت أحرص على اقتناء الأعداد الجديدة منها. ويقينا إن هذا لم يكن مقتصرا عليّ أنا وإنما على جيل واسع من المثقفين العراقيين.

في نيسان سنة 1969، حصل الدكتور صلاح خالص على امتياز لإصدار مجلة الثقافة الجديدة. وقد صدر عدد حمل الرقم (1)، وجاء في ترويستها كذلك أنها مجلة الفكر العلمي والثقافة التقدمية صاحبها ورئيس تحريرها الدكتور صلاح خالص، وسكرتيرة التحرير الدكتورة سعاد محمد خضر، ومدير الإدارة الفريد سمعان والاشتراك دينار واحد والمراسلات ساحة التحرير ـ بغداد تلفون 83973. وفي مكتبتي أعداد متفرقة منها، وكان من ابرز كتابها في هذه المرحلة من تاريخها الدكتور محمد سلمان حسن، والدكتور صلاح خالص، والدكتورة سعاد محمد خضر، والدكتور حسين قاسم العزيز، والدكتور معروف خزنه دار، وعبد الإله الفياض وإبراهيم الوائلي وحبيب الحسني، والدكتور إحسان فؤاد وغانم الدباغ وهادي العلوي ومحمد الجزائري وفاضل محمد عيسى وراضي رحمه السيفي ونور الدين فارس وعبد الله سلوم السامرائي وزكي خيري والدكتور ماجد عبد الرضا ومحيى الدين زنكنه ونصير النهر والدكتور إبراهيم كبه وحسام داؤود خضر ومحيى أبو حمزة والفريد سمعان والدكتور مكرم الطالباني ونوري عبد الرزاق حسين وعلي محمد ألنوري وعبد الرزاق الصافي وعبد المسيح ثروت ومجيد الراضي وعبد الصمد خانقاه وبهنام بطرس ومصطفى عبد الله وبشرى برتو والدكتور كاظم حبيب ومهدي النجار والدكتور عبد الإله الصائغ وعبد الجبار الدوري وعبد اللطيف الشواف وحسيب قره داغي والدكتور هاشم الطعان وكرم الخطاب والدكتور زهدي الداوودي ومحمد علي الخفاجي وحسين الجليلي والدكتور كمال مظهر احمد وسليم عبد الأمير حمدان وحكمت محمد فرحان وسامي محمد وعدنان حسين وهادي الربيعي وإبراهيم احمد وياسين النصير وإدريس كوكس وعلي يعته والدكتور صفاء الحافظ وبهاء الدين نوري ومحمد الازرقي والدكتور عبد اللطيف الراوي وحسين محمد سعيد. ومما يلحظ في هذه الأسماء أن هناك كتابا من بعض البلدان العربية. كما اهتمت المجلة، شانها في كل مراحل تاريخها، بالترجمة وبالنصوص الإبداعية من شعر وقصة وقصة قصيرة، كما تابعت النشاط الثقافي العراقي والعربي والعالمي وكان مما ركزت عليه المجلة قضايا التعليم والتعليم العالي والزراعة والتصنيع والنفط والجهاز الإداري والعمل النقابي والفعاليات الشبابية وقضايا النضال التحرري في العالم والأزمات المالية الرأسمالية وعلم الجمال والثقافة الكردية وتوجهاتها. ولم تكن عروض الكتب بعيدة عن اهتمامات محرري المجلة. وكان الدكتور صلاح خالص يكتب الافتتاحية ومنها افتتاحية بعنوان: "الأول من أيار عيد الطبقة العاملة"، وافتتاحية بعنوان: "في الذكرى الثانية للخامس من حزيران" وافتتاحية بعنوان: "بين ثورتين 30 حزيران 1920 و14 تموز 1958". وفي 1970 ظهر على المجلة ما يشير إلى أن صاحبها هو الدكتور صفاء الحافظ ورئيس تحريرها هو الدكتور صلاح خالص وبقيت الدكتورة سعاد محمد خضر سكرتيرة للتحرير والفريد سمعان مديرا للإدارة. وبعد سنة ظهر اسم الدكتور مكرم الطالباني على انه رئيس التحرير، وكانت المجلة تطبع في مطبعة الشعب ببغداد، وبدأنا نلحظ أن الافتتاحيات تنشر غفلا من التوقيع وفي نهاية الافتتاحية يرد ذكر الثقافة الجديدة. وفي سنة 1972 ورد في المجلة أن شمران الياسري هو مدير الإدارة. وقد اهتمت المجلة في هذه المرحلة بنشر الوثائق، ومما نشرته وثيقة تاريخية مهمة عن الوحدة والاتحاد العربي بقلم يوسف سلمان يوسف (فهد) سبق أن نشرت في جريدة القاعدة في أيلول سنة 1943، كما نشرت نص قانون الحكم الذاتي لكردستان العراق الذي صدر سنة 1974، ونشرت بعضا من مذكرات الشيخ محمد رضا الشبيبي حول ثورة النجف 1918 وقد قام اسعد الشبيبي بإعدادها للنشر ومراجعتها.
وفي أواسط السبعينات من القرن الماضي ظلت الثقافة الجديدة تصدر بورق رخيص وبمواد غنية، وكان صاحب الامتياز الدكتور صفاء الحافظ. أما رئيس التحرير فكان الدكتور مكرم جمال الطالباني. وتولى إدارة التحرير شمران يوسف محسن الياسري. ومما قرأناه في أعدادها آنذاك، مقالات ودراسات جادة ورصينة منها على سبيل المثال: ملاحظات عن مسيرة الإناث 1958-1978، الجذور الطبقية للعنصرية وطبيعتها، حماية البيئة من التلوث في البلدان الاشتراكية، هوامش على قانون الأحوال الشخصية، تولستوي والنقد الأدبي، نحو ترسيخ وتطوير التحولات الاقتصادية والاجتماعية النقدية في الريف والزراعة العراقية ، والمغزى الاجتماعي والسياسي للتأميم في البلدان المحررة حديثا، حول نمط الإنتاج الأسيوي، الأزمات الاقتصادية الرأسمالية، في الفن الروائي والواقعية الجديدة، دبلوماسية السلم وقضية تعريف العدوان في القانون الدولي، المدخل إلى المنهج: نحو مواقع تاريخية في الفكر العربي الوسيط ، حول حركة الزنج والأصالة الثورية، تربية الأطفال قبل المدرسة في بعض البلدان الاشتراكية، السياسة الدولية والمعايير الأخلاقية، من اجل اشتراكية نفطية في خدمة التنمية العربية الشاملة، نزع السلاح مهمة ملحة، بواكير الحركة الوطنية والتقدمية في العراق في لقاء مع الأستاذ حسين جميل أجراه الدكتور صفاء الحافظ، الواقعية الاشتراكية خطوة جديدة في التطور الفني للإنسان، الكلمة والبناء .. وأبو الطيب (المتنبي)، تنظيم المقاومة ضد مؤامرات الاستعمار الجديد، دراسات في الجبهة الوطنية، المثقفون والرأسمالية، اتجاهات جديدة في الزراعة الاشتراكية، التحالف بين الدولة والاحتكارات، الرواية التسجيلية، الطبقة العاملة والمثقفون بمنظور الماركسية - اللينينية، الفلسفة الوضعية هل هي فلسفة العلم حقاً، الأساس المادي لتطور منهج البحث التاريخي ومستلزمات المرحلة الراهنة، موقع الأهزوجة في حركة سوق الشيوخ، ديوان الأغاني الغجرية بين الكد والبحث المخلص، مقدمة في علم النفس الماركسي، التعليم العالي في ظل الاشتراكية، المجلات الأدبية الثقافية سلاح فعّال بأيدي الشعوب، النفط من أجل التنمية، منهج ابن خلدون الفلسفي في البحث العلمي، هزائم الفاشية في أوربا واليمين المتطرف، المكننة الزراعية في العراق. ومن الذين حرروا المجلة في تلك المرحلة نعمان عبد الله، وحياة شرارة ورشدي العامل، وحسين الجليلي وجودت الشمري، وانتصار جواد والدكتور محمد علي الماشطة، وعبد الهادي الراوي، وعزيز محمد، وخلف الدواح، والدكتور جعفر عبد الغني، والدكتور نمير العاني، والدكتور عبد المطلب صالح، والدكتور زهدي الداوودي، وقاسم عبد الأمير عجام، وياسمين النصير، وعبد الزهرة العيفاوي، وعلي الشيخ ابراهيم التلعفري، وشمران الياسري والدكتور كاظم المقدادي، وكريم مناحي الصريفي، وجاسم محمد الحلوائي، وعز الدين المناصرة، وسليم عبد الأمير حمدان، ويحيى علوان، والدكتور خالد السلام، والدكتور كاظم حبيب، ومحمد الجزائري، والدكتور عصام الزعيم والدكتور حسين قاسم العزيز وأحمد صادق سعد والدكتور حسام يحيى الدين الآلوسي وهادي العلوي، وباقر إبراهيم وعزيز سباهي والدكتور عبد الحسين شعبان، ومدني صالح، وإبراهيم عبد الحسين، ومصطفى عبد الله والدكتور شريف أحمد طه.
تواصل مجلة الثقافة الجديدة في الوقت الحاضر صدورها، ويترأس تحريرها الأخ والصديق الأستاذ الدكتور صالح ياسر. ولها (مجلس تحرير) يضم الأساتذة إبراهيم إسماعيل – جواد الزيدي – رضا الظاهر – علي إبراهيم – كاوة محمود – مظهر محمد صالح – هادي عزيز علي. اما هيئة التحرير فتتألف من الأساتذة زهير الجزائري –هاشم نعمة – سوران قحطان – حسب الله يحيى محرر صفحات الادب والفن في المجلة. وللمجلة الآن موقع على الشبكة العالمية للمعلومات (الانترنت ) وهو http://www.althakafaajadeda.com وتنشر من قبل دار الرواد للطباعة والنشر والإعلان، وعنوان المجلة ببغداد هو ساحة الأندلس ولها رقم إيداع في دار الكتب والوثائق هو 781 والاشتراك السنوي لستة أعداد 50 دولارا أو ما يعادلها و100 دولار للمؤسسات، ويكتب فيها باحثون وكتّاب مهتمون بالفكر العلمي والثقافة التقدمية منهم الدكتور عامر حسن فيّاض، والدكتورة آمال شلاش، والدكتور كاظم جواد لفتة، والدكتور كاظم المقدادي، وعبد اللطيف زرنة جي، وعدنان الجنابي، وعلي رجب، والدكتور جليل العطية، وفيصل لعيبي، وعبد الخالق محمود، وبلقيس حميد حسن، وسامي العامري، وفلاح الجواهري، وعشتار محسن سعدون، وشاكر عبود، ووفاء عبد الرزاق، ورشيد طيوف، وفاضل السوداني، وعزيز سباهي، وعلي العقابي، وهادي محمود، وجميل الشبيبي، ووليد جاسم الزبيدي، وصالح ياسر، وفائق بطي، ولطفي حاتم. وتصدر المجلة بين الفينة والأخرى ملفات متخصصة منها الديمقراطية والتجديد في الحزب الشيوعي العراقي، وملف النفط وخيارات المستقبل وملف مجلس الحكم.
إذا كانت المجلة في مراحل تأسيسها وتطورها الأولى تصدر بورق رخيص وبإخراج بسيط، فإنها اليوم تصدر بورق صقيل وبإخراج جميل، لكن المهم هو أن تظل المادة المكتوبة فيها تعبر عن هدف المجلة وهو تقديم كل ماهو مفيد وممتع لقرائها ومتابعي ما تنشره من مقالات ودراسات وتقارير وملفات ونصوص إبداعية وبحوث فكرية وثقافية وفنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وتربوية وسياسية.

وأقول إنني، وبكل سعادة وموضوعية، اذكر جملة من الحقائق التي لا بد من ذكرها وهي ان مجلة (الثقافة الجديدة)، وانا اتسلم شهريا عددها الجديد ورقيا، والكترونيا (زاد) لا بد من تناوله لكي أُديم حياتي وحياة الكثيرين من المثقفين العراقيين التواقين لتعميق ثقافتهم ووعيهم وتسهيل مهمة فهمهم للحياة فالفكر أداة فعالة في تحقيق التغيير وللكلمة صداها وفعلها المؤثر ولا يستطيع أحد ان ينكر هذا. الثقافة الجديدة تلاحق التيارات الفكرية والفنية العالمية والعربية، وتتابع ما يصدر من كتب وما يعقد من ندوات ومؤتمرات وتفسر وتحلل الظواهر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يشهدها العالم، فضلا عن انها تقدم تحليلات عن أبرز الأفكار والرؤى والاتجاهات في جانبي السياسة والاقتصاد بل هي تربط بينهما ربطا جدليا ديالكتيكيا تساعد القارئ والمتتبع على فهم ما يدور حوله.

ودور مجلة (الثقافة الجديدة ) في المشهد الثقافي والسياسي والاقتصادي العراقي، دور تنويري ودور فاعل فهي مرآة لكل ما شهده ويشهده هذا المشهد من متغيرات وتحولات وفي ما يتعلق بما اقترحه لتطوير هذه المجلة، فمما أقوله ان انتظام صدور المجلة أمر مهم، ولا يمكن التهاون فيه لأي سبب من الأسباب، وثانيا ادعو الى الانفتاح على الكتاب من كل التيارات السياسية في العراق وهي معروفة منذ 100 سنة واقصد التيارات القومية والدينية والليبرالية والاشتراكية التقدمية وتسهيل إمكانية استكتابهم والاطلاع على رؤاهم وتفسيراتهم لما يحدث في العراق والوطن العربي والعالم والتركيز على الجوانب الفكرية والثقافية وزيادة المواد المترجمة والوقوف عند الرموز السياسية والفكرية التقدمية التي كانت لها بصمة في تطور العراق الفكري والثقافي .
وأخيرا، اجد ان الاعلام مهم، ويجب ان نركز عليه، ونشدد على ابراز ما نريده ونستهدفه في مجال تأدية رسالة المجلة في التنوير والتقدم وإشاعة مبادئ الحرية والثقافة التقدمية. وعندما أقول الاعلام أؤكد حاجتنا الى فضائية خاصة ولنطلق عليها فضائية الثقافة الجديدة او فضائية الفكر التقدمي وحبذا ان نخصص إذاعة لنخاطب الشابات والشباب وجها لوجه ونتوسع في إقامة مؤسسة للثقافة التقدمية ترتبط بها نواد رياضية وثقافية واجتماعية تساعد في احتضان الشابات والشباب وتعميق فكرهم السياسي والاجتماعي، وتكريس مبادئ الوحدة الوطنية والعمل من اجل وحدة الفكر والتركيز على كل ما يساعد في نهوض البلد والوطن.
اتمنى للمجلة كل تقدم وللعاملين فيها التحية والسلام والمحبة.