حين سألت السمكري الذي يصلّح حنفية بيتي في بغداد: كيف يبدو في نظرك المثقف؟ وصفه لي بالشكل الاتي تقريبا:
"رجل نحيل، يرتدي نظارة طبيّة ويحمل بيده كتاباً. يبدو مهموماً أكثر من الآخرين. يجيد الكلام حين يتحدث، لكنه لا يجيد دق مسمار في حائط.. هكذا يبدو المثقف في المخيال الشعبي .. رجل مشغول بالأفكار، منفصل عن العمل اليدوي. لكن على مستوى التحليل فإن كثيرا من الالتباس يصاحب تحديد شخصية "المثقف".
كلمة (ثقافة) ومُنتجها (المثقف) تعددت تعاريفها حد التيه. إثنان من علماء الاجتماع هما الفريد كروبر وكلايد كوكهون (Alfred Kroeber and Clyed Kluckhohen) عددا 164 تعريفاً للمثقف. بل إن الناقد الإنكليزي (ريموند وليامز Raymond Williams) اعتبر كلمة (ثقافة) إحدى أكثر الكلمات تعقيداً وتغيّراً باللغة الإنكليزية. إنها ذلك الكل المعقد الذي يتضمن المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والقانون والتقاليد وكل ما يفعله الإنسان باعتباره عضوا في مجتمع إنساني(1).
نحن محاطون بالثقافة حيثما ذهبنا: صحف ومجلات موسيقى مسرحيات، كما تشمل الثقافة القيم العليا للفرد أو الجماعة وتشمل الأعمال اليومية وسلوك الأفراد وتصل حد (ثقافة الفلاح بمواعيد الحرث والبذار والحصاد). تقسيم العمل الى يدوي وفكري كرّس المثقفين كفئة ذات اعتبار خاص بحسب ما تقوم به من وظائف ذات اعتبار علمي أو فكري يجد له تجسيداً في كل الحقول الاجتماعية بسبب رأس المال الرمزي الذي يملكونه وهو المعرفة.
المثقف المجهول
في الدراسات وفي كتب التاريخ لم يتحدد المثقفون العراقيون كطبقة منتجة للمفاهيم. عامة الناس لا يثقون بهؤلاء (الأفندية) ويتخيلونهم جباة ضرائب أو موظفين جائرين. في كتابات (الوردي) اختلاط بينهم وبين طبقة الأفندية الذين يقرأون الجرائد. في أدبيات المحتلين البريطانيين اختلطوا بطبقة (الدواوينية) العثمانية، وفي مذكرات (روفائيل بطّي) هم موظفو العهد الوطني الذين بنيت على اكتافهم الدولة الوطنية، وأحياناً يشخصون بدراساتهم العليا كخريجين. لم يُحددوا كطبقة منتجة للمفاهيم ولا كفئة داخل الطبقة. غياب التشخيص بسبب الندرة في مجتمع يسوده الجهل وضعف التأثير مقابل طبقة (الملائية) المهيمنة على الوعي الجماعي. الغموض يعود أيضاً لتنظيم واستمرارية نتاجهم الثقافي. أحد أوائل الروائيين العراقيين (محمود أحمد السيد) يقدر أن المثقفين العراقيين انتجوا حتى العشرينات 22 كتاباً فقط! وفي رسالة مؤرخة 11 كانون الأول / ديسمبر 1932 يشكو (السيد)، وهو مزمع على أن يترك التأليف، من أن "الأديب في بغداد مسكين، لا احترام له، والمؤلف فقير لا رواج لكتبه، ولا قراء لمقالاته… فمائة نسخة من كتاب او مائتان أو خمسمائة لا تغني الأديب المؤلف"(2). لا أدري إن كانت هذه الأرقام افتراضية أو معتمدة على خبرة المؤلف، لكنها تكشف عن غربة المثقف وانفصاله عن مجتمع شبه أمي.
كتابه (ًحزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية يحيلهم (فهد) إلى (البيتي بذات الطبيعة يسوده الجهل وضعف التأثير)
المدينة والتعليم الحديث
لم يكن هذا المثقف الجديد نبتة نغلة ظهرت من العدم، ولا هو نبتة مستوردة زرعت في ارض غريبة، انما كان نتاجاً لجملة تطورات قبيل القرن العشرين:
- فقد ترافق ظهوره مع ظهور العديد من المدن التي كانت البيئة المساعدة لنشوء طبقة من المثقفين المدنيين الذين يقدمون الثقافة المكتوبة والمقروءة، ومن هذه المدن العمارة عام 1861، الناصرية 1870، الرمادي 1870، الشطرة 1873 اضافة للمدن الكبيرة مثل بغداد والبصرة والنجف التي زاد عدد سكانها الى ما يقارب الضعف خلال 10 سنوات. مع توسع المدن توسعت طبقة الموظفين الاعتياديين (الأفندية) الذين حلّوا محل القدامى من الباشوات الجائرين(3).
- فتح (قناة السويس) عام 1869 التي ربطت (البحر الأبيض المتوسط) مع (البحر الأحمر) فقرّبت العراق اقتصادياً وفكرياً من اوربا. وقد سهل ذلك سفر العديد من المثقفين العراقيين الى إسطنبول ومصر إضافة الى سوريا ولبنان. كما سهل زيارات العديد من المثقفين الأجانب والعرب الى العراق، بعد أن كان الطريق يمر عبر الصحراء ومخاطرها.…
- مجيء (مدحت باشا) 1869 الذي افرد له (فهمي المدرس) فصلاً خاصاً من المديح بمنجزاته. فرغم قصر فترة حكمه 3 سنوات و21 يوما، لكن هذه الفترة عادلت، حسب فهمي المدرس 10 سنوات من (الحكم الوطني)، فقد أدخل الكثير من أدوات التطور الحديث مثل البواخر والمكائن والبريد(4).
- ترافق ظهوره مع التطور البطيء للتعليم الحديث. فقبل مجيء مدحت باشا، كانت نسبة الذين تعلموا في مدارس حديثة في المدن نصف بالمائة عام 1850. ولم تجد مطالبة عدد من المثقفين المتنورين بالدعوة للتعليم اي جدوى من السلطات العثمانية التي ترصد مبالغ كبيرة للجندرمة والأمن العام. ومن الطريف المؤلم ان الحكومة كانت تدفع للبواب مبلغ 500 قرش، في حين تدفع للمعلم 200 قرش(5).
السلطات العثمانية اعتبرت التعليم مسألة منوطة بالمجتمعات المحلية، ولذلك لعبت الأديان دورا أساسيا. المسلمون تعلموا في الجوامع، والمسيحيون في كنائسهم أو مدارس تديرها الإرساليات واليهود في معابدهم، واحتلت الدراسات الدينية المرتبة الأولى والأساسية.
المدرسة أو الجامع؟
الانتقال من (المُلة) الى المدارس العلمانية كان محاطاً بالشكوك من قبل الآباء، فالفكرة السائدة هي أن مدارس الدولة تعلّم الكفر، على عكس المدارس الدينية التي تعلم الأولاد علوم دينهم، ولذلك يُقطع الأبناء عن الدراسة بعد أقل من 6 سنوات، ولا يكملون دراستهم. الصيغة العلمانية التي قامت عليها المدارس الحكومية خلال حكم (جمعية الاتحاد والترقي) خلقت نفوراً اجتماعياً يعتبر هذه المدارس كافرة، وتعلم الكفر وبقي هذا النفور سائداً بعد الاحتلال الانكليزي كما يبين (الكابتن فاول) وكيل ناظر المعارف في تقريره المقدم للملك (فيصل الأول)، لكن هذا النفور بدأ "يتلاشى تدريجيا لأننا درسنا العلوم الدينية في المدارس على أحسن وجه وشجعنا الطلبة على إقامة فريضة الصلاة... "(6).
بالنسبة للأبناء كان الانتقال من الجوامع إلى المدارس العلمانية أكثر سلاسة ومتعة، وهو قبل كل ذلك وعد بالوظائف الحكومية. ففي كتابه (بغداد كما رأيتها) يصف (أمين المميز) هذه النقلة "جاءنا (نبيه المميز) وقال: وأنتو لويش كاعدين عند الملة؟ أنا رحت الى مدرسة مال الحكومة، ينطونا كتب ودفاتر وأقلام وآبرو وهدوم كشافه. تعالوا معي أسجلكم فيها! ذهبنا أنا وأخي نبيه وتسجلنا في (المدرسة الحيدرية) دون علم والدنا، ووسّطّنا المرحومة والدتي فرفض أولاً، وعندما أخبرته بأن الطلاب في المدرسة الحكومية يصلّون الظهر والعصر في المدرسة وافق على التحاقنا بها"(7).
وحتى بداية الحرب العالمية الأولى اقتصر تواجد المدارس المتوسطة الرسمية في المراكز الحضرية الرئيسية (بغداد، كركوك، الموصل والبصرة). لا يزيد عدد طلابها على 350 طالباً. المدرستان العاليتان الوحيدتان هما الحقوق ودار المعلمين.. مهمة الأولى اعداد موظفين مطلعين على القوانين للخدمة في جهاز الدولة. ومهمة الثانية إعداد معلمين يدرسون الطلاب باللغة التركية. (لونغريك) يقدّر نسبة تصاعد المتعلمين في المدن من 5 - 10 بالمائة عام 1900(8).
- مع اتساع التعليم الحديث حدث انشقاق بين المفاهيم القديمة وبين ما تعلمه المدارس الحديثة. هذه الازدواجية شملت الفرد والمجتمع عموماً. ففي رواية (ذو النون أيوب) عن (دكتور إبراهيم) يصف هذه الازدواجية في تفسير ظواهر الطبيعة "جدتي تقول إن المطر هو من بول الملائكة وأبي يقول إن المطر من بحر القدرة"، بينما المعلم يقول لنا أن المطر يتكون "من تكاثف البخار"(9) ويصف ذو النون الجدل الحامي بين المعلم وتلاميذه، وفي ما بين التلاميذ بعد الدرس، وكيف يتبادل الطلاب الاتهامات بالكفر أو الجهل. وكيف انتقل الجدال إلى حيرة في داخله.
- مع التعليم أدخل مدحت باشا المطابع والصحف. في عهده تأسست أول جريدة عراقية (الزوراء) التي حملت صوت المثقف الجديد. الصحافة باللغة العربية زاد عددها من صحيفة واحدة الى واحدة وستين في السنوات من 1904 إلى 1914. بعض هذه الصحف استمرت لفترة قصيرة قبل أن تغلقها السلطات العثمانية.. هذ الانتشار يكشف عن تنامي وسائل تعبير المثقفين بين السكان العرب(10).
-مع انتشار الصحف ظهر قراء الجرائد في المقاهي كمنافسين للملائية وأخذ المقهى بعضاً من دور الجامع، حيث يلتقي الأفندية بمواطنين لا يعرفون القراءة ولا بخفايا ما يجري في العالم، ومع ذلك يمس حياتهم وبلدهم. خرجوا من محلاتهم المغلقة الى عالم يتحكم بحياتهم. قراء الجرايد اكتسبوا موقعاً متصاعداً بين جمهورهم بمعرفتهم، حتى ولو البسيطة، بما يجري في العالم من أحداث كبرى ودخلت بدايات الآيديولوجيات، ومنها القومية التي أخذت من حصّة الدين.
- مع تطور الطباعة والنشر صارت الصحف المصرية متاحة في البلدان العربية ومنها العراق وحققت تواصلاً بين الطبقة الصاعدة من المثقفين الشباب العرب في الامبراطورية العثمانية. (المقتطف، الهلال، السياسة، المقطم) أصبحت جزءاً من الغذاء المعرفي للطبقة المتعلمة. يصف (ألبرت حوراني) تأثير المجلات المصرية، وبالتحديد المقتطف "عندما وصلت الأعداد الأولى إلى بغداد عام 1876 لم يرحب بالمجلة إلا بعض الشباب، بينما قاومها المحافظون من مختلف المذاهب السنية والشيعية والمسيحية واليهودية لأنها في نظرهم تنشر عقائد جديدة وخطرة" 10. وكان من أوائل من أولعوا بالمطبوعات المصرية وتأثروا بها اثنان، أحدهما مثقف علماني من بغداد هو (جميل صدقي الزهاوي) والثاني رجل دين من النجف هو (هبة الدين الشهرستاني).
المعمم والأفندي
هيأة المثقف الحديث بدأت تتشكل مع التغيرات الكبيرة التي شملت الجهاز الإداري العثماني في زمن (السلطان محمد الثاني) عام 1808. سلسلة الهزائم التي عانتها الإمبراطورية العثمانية فرضت تغيير السلاطين ومعهم الحاجة لإعادة تشكيل قاعدة قانونية وإجرائية للجهاز الإداري. توسعت طبقة الموظفين الاعتياديين - الأفندية - الذين حلّوا محل الموظفين القدامى من الباشوات الجائرين، وكأن الولايات وجدت من أجلهم. يصفهم لونغريك "يقرأون ويكتبون من دون أن يتعلموا أشياء أخرى، رجعيون لكنهم متأدبون بالآداب العامة، يتزينون بخليط مضحك من الملابس الأوربية، حريصون على الروتين ويحفظون الديباجات الرسمية، لكنهم بعيدون عن الحياة العامة، يحتقرون القبيلة والفلاح، ويصرّون على الحديث بالتركية بين العرب"(11). من هذه الطبقة خرج الموظفون المدينيون الذين يرتدون بدلات إفرنجية. يقرأون الجرائد، وأحيانا بصوت عال ليسمعوا من حولهم، ويستخدمون مفردات خاصة لا يفهمها عامة الناس، ويلقبون عادة "أفندي"، فإذا ما ارتفع شأنهم حملوا لقب "بيك". لم يكونوا من ملاك الأرض ولا تجارا ولا رجال دين، هم من الطبقة الوسطى: عراقيين من حيث الدم، ولكن تحت إمرة مدراء أتراك. وقد كونوا العنصر الاجتماعي الذي تشبّع بالثقافة التركية ولعبوا دورا في تجسير الفجوة بين الثقافتين التركية والعربية.
انشقاقان
برز دور المثقف الجديد نتيجة لانشقاقين:
-انشقاق المثقفين الدينين عام 1906 الى انصار (المستبدة) الداعين للثقافة الدينية والتمسك بالاصول يقابلهم انصار (المشروطة) الداعين لتحديث الدين والمجتمع بادخال الدستور والبرلمان. المثال الثوري في بلاد فارس أثر على رجال الدين في (النجف) و(كربلاء) وعلى سكان المدن الشيعية. في مذكراته يصف الشاعر (محمد مهدي الجواهري) الجدل الذي اجتاح النجف بالتحديد "كنت صغيراً أدرج مع والدي في دروب المدينة وفي أزقتها وأسمع من نوافذ البيوت تباعاً، الأصوات الموشّوشة المتجادلة المتصايحة للمداخلات العلمية وحلقات الحديث التي تعقد في دواوين كثير من البيوت والمدارس العلمية التي بدأ انفتاح العهد الجديد يدب اليها، والتقط بين هذه الوشوشات لقطات عابرة ، تبدو لي وكأنها متناقضة في حديث عن الدستور وعما يطلقون عليه اسم الحرية أو المشروطة"(12).
ولكن الانشقاق الأكبر هو الذي شمل الدولة العثمانية التي حكمت العراق أكثر من 400 عام من الركود والجهل. تموز كان ساخناً كعادته عام 1908 ففي العاشر منه أعلن الدستور الإدارة المشروطية. حقاً لقد جاء التغير متأخراً جداً، لكنه حرّك الحياة وأفكار الناس. ومع الانقلاب الدستوري انشقت الطبقة الدواوينية العثمانية الى حزبي (الاتحاد والترقي) مقابل (الحرية والائتلاف). وبدأت الموجة الثانية من الإصلاحات التي دعت للعودة الى الإصلاحات القانونية الاولى التي أكدت على الحياة الدستورية والعلمانية. لم يكن العامة يعلمون شيئا عن هذا لانقلاب بعد عدة قرون من أوتوقراطية الولاة العثمانيين، و لم يفهموا دلالات الحدث، بل إن عبارة المساواة التي وردت في الشعار الثلاثي لتركيا الفتاة (حريت، عدالت ، مساوات) فُسرتْ حسب مصالح الطبقات. ففي الأرياف عنت المساواة المستحيلة بين الشيوخ وعبيدهم الفلاحين، وعند طبقة (السادة) عنت كفر مساواتهم مع العوام، وللأغنياء من (الباشوات والجلبية) المساواة مع مخدوميهم وعمالهم، ولعامة الناس يكمن الكفر في مساواة المسلمين مع المشركين ومساواة الرجال بالنساء. رجال الدين المحافظون اعتبروا المساواة خرقا لشريعة الله التي وزعت الأرزاق والخيرات. ولذلك رفع رجال الدين في مواجهة (حزب الاتحاد والترقي) شعار (الشريعة لا الدستور)!
لقاء الولايات
الولايات العراقية الثلاث صارت تلتقي مع بعضها ومع المركز عبر وسائل الإتصال الحديثة والصحافة وصارت طبقات وشرائح من رجال دين، إقطاعيين وشيوخ عشائر، تجار وملاك، ضباط ومتعلمين في الولايات الثلاث، صاروا يلتقون عند قواسم ومواقف مشتركة مع أو ضد الإصلاحات التي شملت مركز وولايات الإمبراطورية. أفكار (تركيا الفتاة) دخلت الى أبناء الولايات الذين حصلوا على المزيد من فرص التعليم كموظفين أو عسكريين. أول من استقبلها طلاب وخريجو (مدرسة الحقوق) ببغداد والمتخرجون من كلية الحقوق بإسطنبول. كما استبشر بها المثقفون من قراء الجرائد والمطّلعين على ما يجري في العالم الخارجي. الانشقاقان خلقا حركة فكرية وصفها (عباس العزاوي) "نبهت الأفكار فعلمنا الشيء الكثير والتفتنا إلى ما لم نكن نحلم به أو نهتم له، وكان لهذا الاحتكاك في الآراء أثره فخبرنا ما في العالم من أحداث... وذاعت مطالب قد تكون أوسع مما مرّ في عصور، فكأن التاريخ تجمعت عصوره في هذه السنين"(13).
ناصر المثقفون العراقيون شعارات الحرية بمزيد من المشاركة في سياسة الدولة العثمانية، ولكن لمزيد من التحرر منها باتجاه قومية عربية أو وطنية عراقية. رغم استبشار المثقفين بالدستور والبرلمان، لكن لا احد منهم صعد (لمجلس المبعوثان) في أول انتخابات عام 1908. صعد الشيوخ والوجهاء وكبار الموظفين وشيوخ العشائر بتعيين من الدولة. تطلب الأمر أربع سنوات أخرى ليصعد ثلاثة مثقفين من مجموع 15 نائباً في ثاني انتخابات عام 1912 هم (نوري بيك البغدادي) رئيس تحرير القسم الكردي في جريدة (الزهور) البغدادية، والشاعران (جميل صدقي الزهاوي ومعروف الرصافي).
أفندي أو معمم؟
مع الثورة الدستورية تغيرت أزياء الموظفين العثمانيين. من العمامة الى القاووق ثم الى الطربوش، ومن الجبة الى البنطلون ومن اللحية المرسلة الى اللحية القصيرة المحددة. ولم تظهر البدلة ذات التصميم الأوربي والطربوش إلا منتصف القرن التاسع عشر، وتحول هذا الزي إلى علامة سياسية تقابل العقال والعمامة، بل تحول الطربوش إلى مفهوم وظيفي بيروقراطي لأن الموظفين هم الذين كانوا يرتدونه، ثم تحول إلى علامة سياسية بارزة، ولا سيما بعد الصراع الضاري بين العلمانيين ورجال الدين إثر الانقلاب العثماني. الرحالة (ماكس فون أوبنهايم) زار العراق في نهاية الحكم العثماني، وعدّد أزياء العراقيين في تلك الفترة حسب مراتبهم الاجتماعية وتوجهاتهم الدينية ثم يصل "شيئا فشيئا ينتشر الزي الأوروبي وخاصة بين المسيحيين… مع المحافظة على الطربوش كغطاء للرأس"(14).
مع التغير في المركز العثماني تغيرت أزياء المثقفين العراقيين. فقد كان الرصافي والزهاوي يرتديان العمامة والجبة خلال وجودهم في الاستانة، لكن انقلاب الأزياء الذي عمّ مركز الدولة العثمانية شمل أوائل المثقفين العرب. ويصف الرصافي في مذكراته المروية هذا الانقلاب "كنت أرتدي لباسي المألوف، وهو العمامة والجبة والزبون… فلما دخلت المقهى لم أجد أحداً فيه. وبرز لي من غرفة الوجاغ صاحب المقهى السوري، فلما شاهدني بالعمامة ارتعب ومرّ بقربي وهو يقول: إخلع العمامة يارجل لا تبليني"! ثم يروي مصاعبه مع الجند الترك الذين اعتقلوه لمجرد كونه يرتدي العمامة ثم يدخل الى مغازة فينزع داخلها زيه الديني ليلبس في نفس الدكان السترة والبنطلون والطربوش "وخرجت منذ ذلك التاريخ ولم أعد الى لبس العمامة أبدا"(15).
لم يغيّر المثقفون الشيعة لباسهم كما حدث للرصافي والزهاوي ، لكنهم عاشوا التعارض بين الشكل والجوهر والعقيدة والمظهر في فترة لاحقة بعد انتقالهم من النجف الى بغداد. فقد حمل (الشرقي والشبيبي والجواهري) عمائمهم معهم الى بغداد رغم مخالفتهم لفتاوى مراجعهم الذين حرموا العمل في الدولة. وعاش الجواهري، وهو يرتدي عمامته النجفية صباحاً في البلاط، وفي المساء يرتدي الزي الإفرنجي ويذهب الى ملاهي بغداد لينشر بعد يومين قصائده الفاضحة (عريانة، ليلة من ليالي الشباب، وهزي لهم ردفا).
الأب والابن
الصراع بين العلمانية والدين بدأ مع اقتراب العراق من العلمانية الغربية. التأثر كان متأخراً وبطيئاً قياسا بلبنان ودمشق. فالطابع الاجتماعي السائد في بغداد هو التقسيم الإثني والطائفي والديني. المجموعات الاساسية التي تشكل السكان هي السنة والشيعة والمسيحيون واليهود. لم تكن العلمنة تحرراً من الدين، إنما هي صراع على مكان الدين في الحياة السياسية وعلي القوانين التي تحدد مكانه. وقد بدأت العلمنة داخل الدين نفسه في حركات الإصلاح التي جسدتها الثورتان في إيران وتركيا وانقسام رجال الدين وانحياز بعضهم للثورات العلمانية التي طالبت بالدستور والبرلمان بدلا من الشريعة. بدات داخل الدين ومن قبل رجال دين وجدوا في الثورة الدستورية في إيران وتركيا قوانين لا تخالف مبادئ الدين. وقد أوجدوا نصوصا من القرآن والأحاديث النبوية لإسناد القوانين الجديدة والهياكل الجديدة في البرلمان والحكومة. وكانت معركتهم مع رجال دين آخرين حرموا هذه القوانين والدساتير الجديدة التي اعتبروها كافرة(16).
فرداً أو أو بصفته واحداً من جماعة ثقافية، إذا أردنا أن نحدد هوية المثقف خارج علاقته بالكتاب والكتابة سنبدأ بانتسابه العائلي في مجتمع أبوي بامتياز. فالمثقف العلماني كان فعلياً ومجازياً الابن الشرعي للمثقف الديني. والد واحد من أوائل الماركسيين العراقيين (محمود أحمد السيد) كان مدرساً في (جامع الحيدر خانة) وإماما لجامع (الشيخ عبد القادر الكيلاني). والد سليمان فيضي، وهو من أوائل الروائيين العراقيين، كان إماماً لجامع في الموصل. والد أحد رواد الفكر الاجتماعي (عبد الفتاح ابراهيم) كان واعظاً لمنطقة غربي الفرات، والد (محمد مهدي الجواهري) رجل دين، ووالد أحد رواد القصة العراقية (جعفر الخليلي) صاحب مدرسة دينية… وقبل اعتماد المدارس العلمانية درس أغلب المثقفين في المدارس الدينية، فقد تعلم المثقفون السنة (الرصافي، الزهاوي، فهمي المدرس) في (جامع الحيدر خانة) على يد (السيد محمود شكري الآلوسي)، ودرس الجواهري وتعلم القراءة والكتابة عند الملة في واحدة من غرف الصحن العلوي.
لم يكن رجال الدين آباء شخصيين، إنما آباء مجتمع. العلم بالشريعة وأصول الدين كانت "أكثر المؤهلات مغزى في المجتمع"، كما يشير حنّا بطاطو، "كعلماء ومرشدين للطرق الباطنيّة، كانت لهم حصة في احتكار السلطة على التعليم أو التوجيه الأيديولوجي الذي تمتلكه هذه العناصر الدينية، وكانت لهم بالتالي كلمة مسموعة في تكوين نظرة العراقيين للعالم"(17).
لم يكن دورهم دينياً وحسب، فـ(العلماء) في المحافظات الشيعية، و(الشيوخ) النقشبندية والقادريين في المناطق الكردية، و(المطارنة) المسيحيين و(الراباي) اليهود كانت أدوارهم متعددة. مع سلطاتهم الدينية كانوا بمثابة حراس للهويات وممثلين ثقافيين لمجتمعاتهم ويشكلون الباروميتر للوعي الجماعى الذي يؤثر في طريقة تعاملهم مع الحكومات. وهم ايضا يشكلون الوعي الجماعي الذي يواجه الحكومة ومحاولاتها لتحديث المجتمعات. وتزداد أهميتهم في مجتمعات تسود فيها الأمية و ينحسر فيها توزيع المعرفة عند قلة من الناس مثل الفقهاء أو من يسميهم علي الوردي (وعاظ السلاطين). يستثمرون معارفهم لخدمة السلطان أو لتحريض المجتمع ضده. احتكار المعرفة بالنصوص المقدسة يجعلهم وسطاء بين المؤمنين والنص الديني.
قبل أن يظهر المثقف المدني الحديث كان الجامع هو مركز التوجيه العقائدي وكان المثقف الديني (الملائي) هو سيد الموقف بلا منازع، فهو العارف بعلوم الله وهي العلوم الوحيدة التي يسمعها العامة. العلاقة بين المتحدث والمستمع هي علاقة هرمية، حيث يجلس المقرئ على منبر أعلى بخمس درجات من المستمعين، وهذا العلو تعبير عن تميزه بسبب ما يملكه من راسمال رمزي هو معرفته بقصص الأنبياء والأئمة وما يتعلق بحياة الناس وما حرمها أو حللها الشرع والفقه. هذا التميّز في الموقع يعطيه مقاما عاليا بين أكثرية الناس الأميين الذين لا يستطيعون قراءة القرآن وتفاسيره التي تقرر الحلال والحرام. وتعبّر درجات المنبر عن الفارق المقدس بين العامة وهذا الرجل المختلف عنهم بالزي الذي يلعب دور الوسيط بينهم وبين الله. يرتفع موقع المتحدث بسبب أدواته المؤثرة في توصيل فكرته، وهي صوته الجهوري مستخدما قصص التاريخ ومنها قصص الانبياء والأئمة مستشهدا بالكتب المقدسة بنصوص حفظها عن ظهر قلب ومستخدما الشعر والغناء للتأثير على جمهوره. المستمعون هم مستمعون فقط لا يحق لهم مقاطعة المتحدث إلا بكلمات التكبير والتسبيح. العلاقة هنا هرمية وعمودية حيث تنزل المعلومة من رجل ضليع بعلوم الله إلى متلقين منفعلين ومهيئين للانفعال.
الانقسام
سيتطلب الأمر عقوداً قبل أن يتميز المثقف العلماني بمكان دراسته في مدارس الدولة العلمانية مثل (كلية الحقوق) و(دار المعلمين) وينفصل عن الدراسة الدينية.
تميز الآباء عن الأبناء:
-اختلف المثقف العلماني عن الديني فالأول (العلماني) يعتبر نفسه مصلحاً اجتماعياً في مجتمع غارق في التخلف. فيما المثقف الديني يعتبر نفسه داعية للفضيلة والإيمان في مجتمع جاهلي فاسد.
-تعلم المثقف الديني في المدارس الدينية مواضيع الدين والتراث معتمدا آليات الحفظ والاستظهار، بينما تعلم المثقف العلماني في المدارس الحديثة العلم والتكنلوجيا معتمدا آليات النقد والتحليل والتجديد.
-المثقف الديني يعتبر نفسه داعية الاصالة لمواجهة التغريب، بينما يتهمه المثقف العلماني بالانكفاء على الماضي امام تغيرات العصر.
-المثقف الديني يتجه لجمهوره عبر الجامع والمنبر، والمثقف العلماني يخاطب جمهوره عبر الصحيفة والكتاب، واذا خاطبه مباشرة فمن المقهى او النادي او البرلمان.
-المثقف الديني يخاطب روح جمهور ضعيف ومستلب داعياً للإيمان بخالقه والاستعانة به، وخطابه إسلامي بحت حول الامامة والتفكير والايمان والجبر والاختيار والعلم القرآني، مقابل ذلك يخاطب المثقف العلماني عقل الجمهور طالبا اعتماد ارادته الخاصة.
لكن الانقسام في كل الحالات لم يكن قاطعاً. هناك أرض مشتركة بين الاثنين تكمن في الانتماء لمهنة عقلية وموقع مؤسساتي يعطيهم كمحترفين للكلام والكتابة سلطة عقلية على الجمهور، وهناك عالم فردي يتطلب الانسحاب من الجمهور إلى عالم الكتب والأفكار حيث الماورائيات بالنسبة لرجل الدين أو الفلسفات والفنون والآداب العظيمة بالنسبة للمثقف العلماني.
هناك طبعاً اهتزاز دائم بين العالمين: الحاجة لأن يكون هنا في هذا العالم مؤثرا فيه، والحاجة لأن أكون هناك وحدي في عالم الأفكار والتأملات. وهناك التزام فردي بالدين كمرجع أو بالإصلاح كهدف. كلاهما منقسم بين عالمين؛ بين وجوده في الحياة الاجتماعية وحاجته إلى مستمعين وقراء يتحتم عليه أن يأخذ بالاعتبار قيمهم ليطرح نفسه مدافعا عنها. فقد تجنب أكثر علماء النجف انتقاد الطقوس الحسينية وخاصة التسوّط والتطبير التي اعتبرها بعض رجال الدين (أذى النفس الذي حرّمه الله). مقابل ذلك تحاشى المثقف العلماني المساس بالدين كجوهر، وسلط نقده على ما هو أرضي، أي المؤسسة الدينية وتطبيقاتها.
بين الأب والابن تداخل وتأثيرات واستعارات متبادلة، فكان رجل الدين الشهرستاني يدرس تلاميذه في الجامع العلومَ والمفاهيم الحديثة التي تنشرها المجلات المصرية، مقابل ذلك تأثرت المدرسة العلمانية بأسلوب الاستظهار الديني في تعليم العلوم الحديثة، وتأثرت الأحزاب العلمانية بالإيمان الديني، بدل الجدل كوسيلة لضمان تماسك الاعضاء. استثمرت المؤسسات الدينية أساليب التأثير العلمانية كالكتاب والصحيفة والمدرسة واستعار المثقف العلماني من الملائي أسلوب الخطابة المنبرية في القاء القصائد الحماسية. يدري الشاعران الزهاوي والرصافي إن تاثير الصحافة محدود في مجتمع معظمه أميّ. ولذلك يحاول كل منهما أن يأخذ مكان رجل الدين على المنبر ليستحوذ، كما الساحر، على وعي الجمهور من خلال الصوت الجهوري وإيقاع القصيدة وقافيتها، ومن خلال الكلمات التي تطرب الجمهور وتمس أمانيه. ففي كتابه (قلب العراق) يروي (أمين الريحاني) خلال زيارته للعراق عام ١٩٢٢ تأثير الشعر، وبالتحديد شعر الزهاوي على العامة "... وأما أهل العراق فهم لا يبالون بما يقوله الوزراء والسفراء، وإن أنصتوا فلا ينصتون لمن يضعون المعاهدات، إنصاتهم لمن يصوغون القوافي. كلا، فإن قصيدة حماسية تهزهم وتستفزهم أكثر من معاهدة سياسية جلية في عدلها ومنافعها".
أما العراق فحاله دون التقدم حائل
حق له استقلاله فنريده ونحاول
الكلمات للزهاوي والصوت صوته، تعالى في تلك الحفلة الافتتاحية في المعرض، فهدر وصلصل، فضج المكان بالهتاف والتصفيق. والشاعر الزهاوي المسن المقعد، إنما هو روح متوهجة تستطيع أن تقذف بنارها في صدور الناس فتهيج وتبهر وتعمي(18).
لم تكن علمانية المثقف منجزة أو مفهومة. الإله الذي كان يقود العالم ونظامه القيمي ويفصل الخير عن الشر ويمنح معنى لكل شيء تنحّى قليلاً ليتيح للإنسان أن يستخدم عقله ويحكم. وغدا العالم في غياب حاكم أعلى غامضاً على نحو مرعب. الحقيقة الوحيدة تشظت إلى مئات الحقائق النسبية التي يقتسمها البشر. هكذا نشأ عالم الأزمنة الحديثة. لكن الفارق بين الآباء المتدينين وأبنائهم العلمانيين بقي كما هو؛ فالآباء كانوا على يقين بأن هناك عالمين، عالما أرضيا زائلا هم فيه الآن، وعالما غير مرئي آخر هو (الآخرة). يعمل المثقف الديني ويعلّم الناس أن يعملوا من أجل العالم الآخر، حيث يحكم الله العالمين ويحكم أفعال البشر ويقول كلمته: الى الجنة أو إلى جهنم.
المثقف العلماني الذي قدم نفسه بديلاً عن رجل الدين احتفظ بنفس ما يملكه الثاني، يقدم نفسه كمالك للحقيقة عارفاً بها وحافظاً للقيم المقدسة للمجتمع، لكن هذه القيم تغيرت على يديه. هناك انقطاع، فإرث الآباء هو في الغالب إرث الحقائق المطلقة. لم تعد نصوص القرآن وتفاسيرها، ولم تعد مفاتيح الجنة، إنما صارت قيماً أرضية هي الوطن والاستقلال والتقدم. بين الأب والابن سباق على التحكم بوعي الناس، لكن هناك تداخلا في الأداة.
التردد
عانى المثقف العلماني الحديث من تعارضات عديدة في طريقة تفكيره وفي نتاجه وأسلوب حياته:
تعارض بين ثقافته وأصوله الدينية وبين الثقافة العلمانية. تعارض بين مشاعره العربية وبين ولائه للدولة العثمانية. تعارض بين محليته المنغلقة وبين رغبته في الانفتاح على عالم أوسع. بين صراعه مع الغرب الاستعماري وبين إعجابه بثقافته وتقدمها، لإيمان بالجماهير كموضوع وهدف للإصلاح، وبين اليأس من ركود المجتمع وقدريته واستسلامه.
بين الانحياز لفقراء، وخاصة الفلاحين، وتعاطفه معهم، وبين رغبته في التمايز عن عامة الناس مكانا واسلوب حياة. بين الايمان بقدرة الكلمة على التحول الى فعل وممارسة اجتماعية "اصلاح"، وبين اليأس من أميّة الناس والميل الى الكسل والركون للوظيفة.
لم يكن تبدل أفكار المثقفين، من الدين الى العلمانية هيناً وفجائياً مثل استبدل العمامة بالطربوش والجبة بالبنطلون. بالنسبة لمثقف مسيحي يدرس في مدرسة تبشيرية مسيحية (روفائيل بطي) كان الأمر محسوماً منذ البداية، فقد كتب في مذكراته "من الغريب أن أرى الحياة العقلية في طفولتي في مدرسة الآباء الدومنيكيين في الموصل وأن يسمو نظري العقلي إلى الشك والإلحاد من طفولتي مع إن مذهب هؤلاء الرهبان، الذي رسمه لهم (القديس دومنيك) الراهب الإسباني، هو محاربة الإلحاد وإقناع الملحدين بالعودة إلى الدين"19).
لكن المثقف العلماني المسلم عاش صراعاً حاداً بين أصول ثقافته الدينية والثقافة العلمانية الحديثة. في روايته المبكرة (جلال خالد) يكشف الحوار الحاد بين بطل الرواية والفيلسوف الهندي التعارض بين الثقافة العلمانية والعودة الى ثقافته الاسلامية "التي تمنعه من شرب النبيذ ومن مشاهدة راقصة في فندق …ثم اخذ ينزع نزعة شبه انسانية، لكنها نزعة غير مستقرة، يغالبها كبرياؤه واعتداده بنفسه وترفعه عن الناس وانزواؤه والانهماك في ارتداء الثياب الغالية الثمن، وحلول الفنادق الكبيرة وقضاء الوقت في أبهائها وغرفها، كما يغالبها مذهبه الوطني (القومي) الذي جعله كارها كل قوم عدا العرب. والفتى بعد متدين متعصب يكره ان يرى في الفندق رقصاً فنياً، لا لسبب اخلاقي، بل لأنه يستحرمه"(20).
هناك شعور بالغربة يعذب هذا المثقف، غربة بينه وبين محيط اجتماعي يعيش على يقينيات ثابتة لا تقبل الجدل. يشعر انه الوحيد الذي يطرح على نفسه أسئلة عسيرة الحل عن اليقينيات. لم يستطع الزهاوي رغم تربيته الدينية أن يكتفي بالإيمان الذي يركن له المثقف الديني، ويعتبر كل خروج عنه هرطقة محرمة، أراد مثل عدد من مجايليه الخروج إلى ما بعد الإيمان، إلى العلوم التي كان من دعاتها رجل الدين المتنور هبة الدين الشهرستاني. كلاهما تولع بالعلوم الحديثة، غير إنهما اختلفا في الأولويات: الزهاوي يريد إلحاق الدين بالعلوم، بينما أراد الشهرستاني سحب العلوم إلى الدين مبرهناً لطلابه في (جامع الطوسي) أن هذه الحقائق العلمية وردت أصلاً في كتب الدين(21).
ظلمة القبر التي تستغرق خيال الشاعرين الزهاوي والرصافي، تريد ان ترينا أن ليس هناك عالم آخر في نهاية هذه الحياة، لكن الشاعر نفسه غير واثق من هذه الحقيقة، إنما يبقى يعاني من الشك بين الثقافة التي يؤمن بها المجموع وبين فرادته كانسان ذي ثقافة أعلى من الكل. مغامرة قد يكون هو صانع جزء منها والباقي من ثورة التنوير التي خرجت من أوربا ومست الإمبراطوريتين العثمانية والفارسية ومعهما العالم العربي، بدءا بلبنان وسوريا وصولا للعراق. لكن الشاعر يصنع من مخيلته عالماً افتراضياً هو عالم ما بعد الموت، ويضع نفسه فيه ليبدأ حواراً افتراضيا مع سدنة العالم الآخر، وفي حقيقة الأمر مع نفسه. من هنا يبدأ عذابه. حالة اغتراب عن الذات حين يصير أسير فكرته فيضيع حين يطرح على نفسه أسئلة لا يستطيع الإجابة عليها. وتظهر قصيدة الزهاوي هذا الخوف المستتب الذي زرعته عقود من الثقافة الدينية. وترينا قصيدة الزهاوي (ثورة في الجحيم 1931) هذا التردد بين الالحاد والإيمان. متأثرا بـ(رسالة الغفران) لأبي العلاء المعري وبما سمعه عن (الكوميديا الالهية) لدانتي، وكلاهما مذكور في القصيدة. يتخيل الزهاوي نفسه في القبر وقد جاءه (منكر ونكير) ليحققا معه ويسألا عن إيمانه فيجيب:
ثم امنت ثم الحدت حتى قيل هذا مذبذب ممرور
ثم اني في الوقت هذا لخوفي لست ادري ماذا اعتقادي الأخير(22)
الحداثة التي تطلّع إليها المثقفون العلمانيون تتطلب استئناف معتقداتهم الدينية المترسخة، بينما بقيت الثقافة الدينيةً التي تربى عليها تشكل مثله وخياله. لم يحسم موقفه من الدين. يرتدي سترة وبنطلونا ومعطفا الى تحت الركبة ويلبس عمامة في رأسه. هكذا وصف الرصافي الزهاوي في مذكراته المروية ويلبس في راسه، إذا أراد أن يرتكب المعاصي يرفع العمامة، أي القماش الأبيض من فوق الطربوش ويضعها في جيب المعطف، فيصبح أفندي دون أن يفطن أحد الى أمره. ومع الزي سار المحتوى، فقد شكلت هذه الحيرة بين الإثنين قلقا يلاحق الزهاوي حتى القبر:
فألمَّتْ بيَ الرَّزيةُ حتى ضجِرتْ من ضجيج قبري القبـورُ
كلاهما (الزهاوي والرصافي) كانا مترددين أمام السؤال: ماذا لو كانت هناك فعلاً حياة بعد الموت؟ لم يكن الموت بالنسبة للإثنين نهاية الحياة كما يظهر في أعمالهما، انما نقطة عبور لحياة أخرى تبدأ بعد القبر. الصورة يقينية ومؤكدة تمتد لثقافتهما الدينية. الشك يمتزج بالخوف من احتمالات عذاب الآخرة، وهذا العذاب الحسّي مصدر قلق الزهاوي. يأخذ الملكان (منكر ونكير) الزهاوي في رحلة إلى السماء، هناك الجنة. يدخلها وهو موثّق اليدين، يرى خيرات النعيم وهو محروم من التلمس والتذوّق ويعرف مسبقاً أن هذا ليس مكانه بسبب الشك وكثرة المعاصي. المشاهدة والحرمان جزء من رحلة العذاب وتهيئة لعذاب الجحيم الذي سيلي. وقد رسم هذا العذاب، وهو عذاب القبر أو عذاب الجحيم، بتفاصيل غاية في القسوة. هناك انقطاع الضوء والهواء كما في الكابوس. وفي الظلمة المطبقة تتلوى الأفاعي وتحدق العيون وهي تنفث النار.. كل الآلام مسلطة على جسد المشكك وهو وحيد بلا عون. الشك نفسه مصدر عذاب المشكك وترينا قصيدة الزهاوي (ثورة في الجحيم 1931) هذا التردد بين الالحاد والإيمان.
لا يدخل الزهاوي إلى العالم الآخر سائحاً كما في قصيدة دانتي (الكوميديا الإلهية)ً، ولا مستشهدا كما المعرّي بـ(ابن القارح) في (رسالة الغفران). الزهاوي المتشكك الخائف من شكوكه يدخل بنفسه شاهداً وضحية في الوقت نفسه.
الجحيم وعذاب القبر
بين تصور (دانتي) و(أبو العلاء المعري) كان الزهاوي أقرب للثاني في رسمه لهندسة المكان، وهو الجحيم. عند دانتي يتشكل العالم الآخر من سلسلة معقدة من جبال ووديان مقسمة حسب خطايا الإنسان في الأرض (البخل، التكابر، الكذب، الفساد… وصولا للتجديف وإنكار الذات الإلهية). برفقة فرجيل يذهب دانتي في سياحة عقلية خلالها يتطهر من ذنوبه حتى يصل الجنّةً. عند الزهاوي تتغير هندسة الجحيم إلى حفر دائرية متراكبة تتدفق منها النار. الطبقات موزعة حسب ذنوب الإنسان، لكن الزهاوي يستخدم لشخوصه طابقاً واحداً هو الأدنى والأشد عذاباً. ينكر الذنوب ويقدم فضيلة واحدة تجمع كل شخصياته، هي خدمة الفكر والإنسانية التي تتجاوز الهويات والأديان:
وكأن الجحيمَ حفرةُ بر كانٍ عظيمٍ لها فمٌ مفغور
تدلع النارُ منه حمراء تُلقي حِمَماً راح كالشّواظ يطيرُ
ثم أني لها سمعتُ حثيثاً فاقشعرَّتْ منه برأسي الشعورُ
خالطتْه استغاثةُ القومِ فيها كهديرٍ إذا استمرَّ الهديرُ
إنها في أعماقها طبقاتٌ بعضُها تحت بعضِها محفورُ
وأشدُ العذاب ما كان في الهاو ية السفلى حيث يطغى االسعير
حيث لا ينصرُ الهضيمَ أخوه حيث لا ينجدُ العشيـــرَ العشيرُ
في هذا الجحيم يلتقي اهم شعراء وفلاسفة عصره (الفرزدق وابي العلاء المعري والمتنبي وسقراط وافلاطون وشكسبير).. كل هذه الشخصيات رسمت ببعد واحد، هو انجازها وتضحياتها من أجل البشرية. لكنهم في الجحيم أفراد لا علاقة أو أحاديث بينهم، أفراد في مواجهة الألم. في رسالة الغفران يبدأ (أبي العلاء المعري) من الجنة ويدهش إذ يرى أحبّ الشعراء إليه فيها، مستغرباً كون بعضهم كان في الجاهلية وبعضهم عرف بتهتكه وشربه للخمر المحرمة. وهناك يتعرف على المغفرة.
الآية التي تجعل الجنة ضيقة حتى يدخل الجمل في سم الخياط… تنفتح في قولة الرحمن الرحيم. هنا يحدث انفصال بين الإيمان والأفعال فيجري التساهل في الثانية في نوع من الليبرالية الدينية ما دام الإيمان موجوداً. لا يثور المعذبون في الجحيم رغم إحساسهم العميق بالغبن إنما يطلبون المغفرة. يفنّد المعري الترهيب والرعب الذي يهدد به رجال الدين فتبدو المغفرة سهلة. "فأشخاص الغفران، ومعظمهم شعراء، ينالون المغفرة بفضل بيت من الشعر، أو بضعة أبيات ينشدونها تعظيماً للدين أو حثاً على عمل الخير"(23).
عرف عن (أعشى قيس) حب المجون والخمرة، لكن شفع له مدحه لرسول الله وشهادته لمحمد كنبي مرسل، فأدخل الجنة على أن لا يشرب الخمر فيها. بل إن (التهامي) غفر له ربه لقوله في مرثية ولده الصغير:
جاورت أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري(24)
رغم تأثره بملحمة أبي العلاء لم يطلب الزهاوي المغفرة، إنما حرض على الثورة، ثورة لم يقتل فيها أحد من حراس الجحيم، إنما بسبب إحساس عميق بالظلم. هناك منافقون يتمتعون بخيرات الجنة لا يستحقون هذا النعيم، وقد حصلوا عليه لمجرد أنهم أدّوا الفرائض، وفي لجةً الجحيم (ضالين) يريدون نصيراً فعزّ النصير. العلاقات بين أهل الجحيم على اختلاف الأزمنة والأمكنة تبدأ مع الثورة حيث (سقراط) يلقي خطبته التحريضية (وإلى جنبه على النار أفلاطون يصغي كأنه مسرور). تثمر الثورة في الجحيم بالاستيلاء على الجنة التي يفترض الزهاوي أنها استحقاقهم. ويضع نفسه في لجّة الثورة معذَباً وشاهداً وشريكاً:
ثم إني سمعتُ سقراط يُلقي خطبةً في الجحيم وهي تفورُ
وإلى جنبه على النار أفلاطون يصغي كأنَّه مسرورُ
وأرِسْطاليسُ الكبيرُ وقد أغرَقَ منه المشاعرَ التفكيرُ
ثم كوبيرنيك الذي كان قد أفهمَنا أن الأرض جرْمٌ يدورُ
تتْبَع الشمسَ أين هي سارت وعليها مثل الفراش تطورُ
ثم داروين .. وهو مَن قال إنَّا نسلُ قِرْدٍ قد طَوَّرتْه الدهورُ
والحكيم الكِنْدي ثم ابن سينا وابن رشدٍ وهو الحفيُّ الجَسورُ
ثم هذا أبو دلامة منهم بعده الراوندي ثم نصيرُ
الرصافي نفسه يعكس هذه الحيرة بين الإيمان والشك في قصيدته (ما وراء القبر)(25) في صورة شاطئين على جانبي بحر وهو بينهما. لا يدخل في مخاوف الزهاوي، إنما يشكك أصلا في وجود حياة أخرى بهد القبر:
"هما ساحلا بحرٍ من العيش مائجٍ ففي أيِّ أمر نحن بينهما نجري
ومن أين جئنا أم إلى أين قَصدُنا؟ وفي أي ليلٍ من تشكُّكنا نسري؟
كأنَّا أتينا والمعيشة لُجَّة لنعبُرَ والأعمار جسر إلى القبر
وماذا وراء القبر مما نريدهُ؟ وهل من مدًى بعد العبور على الجسر؟
تسائلني نفسي وللموت صولة ألا هَلْ لكسر الموت ويحك من جَبْر؟
لعلَّ حياة المرء ليلٌ ستنجلي غياهبه من سكرة الموت بالفجر
فإن كان ذا حقًّا فإن حياتنا كما قيل: سِترٌ والرَّدى كاشف الستر
وقد قيل: إن الروحَ تبقى فهل لها عروج إلى الأعلى، إلى الأنجمِ الزهرِ؟
المفسّر؟
هناك تنافس وصراع بين الفكرة التي تثبتت في القرن التاسع الميلادي والتي تحصر موضوعة الاجتهاد في الدين، تأويلا وتفسيرا برجال الدين الكبار (المراجع). وهي الفكرة التي تقلّص الفعالية الفكرية القائمة على البحث والاجتهاد في الحيز الديني وحصرها في "الشرح والتطبيق وفي أحسن الأحوال التأويل للعقيدة كما كانت قد حددت في الماضي مرّة واحدة وإلى الأبد"، وهذا ما يسميه محمد أركون (التقليد المضاد للاجتهاد)(26).
بين المثقف العلماني ووالده الملائي تعارض واضح، فالدين الذي يعتمده الملائي قائم على الإيمان والتصديق، بينما يعوّل المثقف العلماني على المنطق. مبادئ الدين ثابتة لا تقبل النقاش، بينما وضع المثقف العلماني نفسه أمام تساؤلاتٌ لا حد لها. الدين يتطلب الإيمان والامتثال، بينما يدخل المثقف في دهاليز من التقصي. والحداثة التي تطلع إليها المثقفون العلمانيون تتطلب خروجهم على المعتقدات المترسخة أو استئنافها. الثقافة الدينيةً التي تربى عليها المثقف العلماني بقيت تشكل مثله وخياله. لكنه يؤمن بالصراع الحر الجريء بين معارفه العقلية وبين التعاليم الموحى بها من الله. ومهما حاول أن يقتدي بمصلحين عالميين وتبني قيم إنسانيّة كونية لا يستطيع المثقف الحديث لكي يؤثر في مجتمعه أن ينفصل عن القيم السائدة فيه ويذهب بعيداً عن الدين. هذه القيم بما فيها من حدود رمزية تشكل مؤسسات وسلطة رمزية. يحاول المثقف أن يظهر نفسه ممثلاً عنها في مواجهة تمثيل رجل الدين، وحتى لو أراد الانفصال عنها باعتبارها إرث الماضي فإنه سيجد في ذلك الإرث ما يسند فكرته الحديثة. ومن هذا الموقف رشح نفسه كرائد للإصلاح وندّ لرجل الدين، يتهمه بالتخلف والتحجر، ويقدم نفسه كمفسر مجدد للنص الديني ولجوهر الدين نفسه. مقابل ذلك يتجنب رجل الدين الحجة والجدل ويلجأ في صراعه إلى سلاح أكثر قوة وتأثيراً، هو التكفير الذي طبق على الرصافي والزهاوي. يعفي الرصافي الدين في جوهره من الخلل بصفته جاء تيسيراً وتبصرة. الخلل كما يراه في المؤسسة الدينية التي كفرته مراراً:
تالله ما كان في الإسلام من حَرجٍ على الأنام ولا في نهجه غمَم
بل كله جاء تيسيرًا وتبصرة للعاملين وأحكامًا بها حِكَم
لكنما القوم ظلوا جامدين على ما منه قَدْ وِهموه، بئس ما وَهِموا!
إذا سلكت إلى الإصلاح مسلكه فأنت في رأيهم بالكفر مُتَّهم
وإن تصادمْت بالعادات تُنكرها فأنت في زَعمهم بالدِّين تصطدم
وإن أتيتَ ببرهانٍ فأعجزهم لم يحسنوا الردَّ، بل من عجزهم شَتموا
وإن تقُل لهمُ قولًا لتقنعهم شدُّوا عليك وردُّوا قبلما فهموا
خلائق كظلام الليل من يَرَها يقل بأمثال هذي تُمْسَخُ الأمم(27)
الهوامش
1- عبد الغني عمادً، سوسيولوجيا الثقافة .. المفاهيم والإشكاليات، من الحداثة إلى العولمة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2016، ط 1، ص 26.
2- محمود احمد السيد، الأعمال الكاملة، إعداد وتقديم عبد الاله احمد وعلي جواد الطاهر، منشورات وزارة الثقافة والفنون، بغداد، 1978، ص 568.
3- علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، بغداد، 1972،ج3، ص 6.
4- فهمي المدرّس، مقالات سياسية تاريخية اجتماعية، مطبعة الشعب، بغداد، 1931، ص 87.
5- عبد الرزاق الهلالي، تاريخ التعليم في العراق في عهد الانتداب البريطاني 1921-1932، دار الرافدين، بغداد، 2017، ص57.
6- يوسف عز الدين، الشعر العراقي الحديث وأثر التيارات السياسية والاجتماعية فيه، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1965، ص13.
7- أمين المميز، بغداد كما عرفتها، دار آفاق عربية، بغداد، 1985، ص 184.
8- ستيفن هيمسلي لونغريكً، أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث، ترجمة جعفر الخياط، ط 1، مطبعة التفيض الأهلية، بغداد، 1941، ص 343.
9- ذو النون أيوب، الآثار الكاملة، المجلد الثالث، وزارة الثقافة والفنون، بغداد، 1978، ص61.
10- Tareq Y. Ismael ,The Rise and Fall of Communist Party of Iraq, University of Calgary, First published 2007 ,, p 4.
11- لونغريك، ص303.
12- محمد مهدي الجواهري، ذكرياتي، دار الرافدين، دمشق، 1988، ج1، ص 73.
13- عباس العزاوي، العراق بين احتلالين، شركة التجارة والطباعة المحدودة، بغداد 1956، ط 1، ص 163.
14- ماكس فون أوبنهايم، من البحر المتوسط الى الخليج، ترجمة محمود كبيبو، دار الوراق، لندن، 2009، ط 1،ج2، ص 307.
15- يوسف عز الدين، الرصافي يروي سيرة حياته، دار المدى، بغداد، 2004، ص100.
Liora Lucite, Iraq the Search for National Identity, Frank case London pp67-70.-16
17- حنّا بطاطو، العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية، ترجمة عفيف الرزاز، الكتاب الأول، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت 1995، ط 2، ص197.
18- أمين الريحاني، قلب العراق، دار الريحاني للطباعة والنشر، بيروت، 1957، ص 209.
19- رفائيل بطّي، ذاكرة عراقية، إعداد وتحقيق فائق بطي، دار المدى، دمشق، 2000، ج،1 ص 58.
20- السيد، ص281.
21- الوردي، ص 10.
22- جميل صدقي الزهاوي، ديوان الزهاوي، دار العودة، بيروت، 1972، ص 719.
23- عبد الفتاح كيليطو، أبو العلاء المعري أو متاهات القول، دار توبقال، الدار البيضاء، 2000، ص24.
24- ابو العلاء المعرّي، رسالة الغفران، تحقيق وشرح عائشة عبد الرحمن، دار المعارف، القاهرة، 1977، ط 9، ص 181.
25- معروف الرصافي، ديوان معروف الرصافي، راجعه مصطفى الغلايني، طبعة مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2014، ص271.
26- محمد أركون، نزعة الأنسنة في الفكر العربي .. جيل مسكويه والتوحيدي، ترجمة هاشم صالح، دار الساقي، بيروت، 2006، ط 2، ص 299.
27- الرصافي، ص 645.