تشرين1/أكتوير 11
الفكر السياسي للحزب الشيوعي العراقي في ظل قيادة الرفيق الخالد فهد
  
  إن الحديث عن الفكر السياسي للحزب الشيوعي العراقي في ظل قيادة الرفيق الخالد فهد يتطلب العودة إلى كيفية تشكيل شخصيته السياسية  والفكرية، فقد  ناضل في صفوف الحركة الوطنية والعمالية في شبابه  حيث ساهم في أول إضراب  لعمال الدو كيارد 1918 في البصرة  ضد الإدارة البريطانية للحصول على حقوق العمال  والذي واجهته إدارة المحتل بالميناء  بالحديد والنار، وشارك مع حسن العياش في تنظيم إضراب عمالي في عام 1924 في البصرة ، وكذلك قاد الاضراب العام 1930 في الناصرية  مع رفاقه في الحلقات الماركسية ودوره كرئيس  للحزب الوطني العراقي  في الناصرية،  ما أثر ذلك في تشكل وعيه الوطني والطبقي ، اما في الجانب المعرفي فقد كانت لمتابعته وقراءته الكتب والمجلات والصحف العالمية والعربية ومساهمته في الكتابة الأثر البالغ في بناء ثقافته الماركسية وتطوير حسه ومداركه  الطبقية. وساهمت دراسته لواقع المجتمع العراقي عبر زيارته لمدن العراق وحواضره وعلاقته مع شيوخ العشائر بفعل عمله كمترجم وعلاقته مع الفلاحين والشغيلة والكادحين بحكم عمله في معملي الثلج والطحين بمنطقة السيف في الناصرية، وأيضا دراسته في مدرسة كادحي الشرق والاطلاع على تجارب الحركة الثورية العالمية وزيارته لأوربا الغربية واطلاعه على نشاطات وتجارب الحركة العمالية اثناء مروره في فرنسا وعدد من الدول الاوربية في اغناء تجربته في مجال العمل الحزبي والمهني الديمقراطي والنقابي. 
ان دراسة الفكر السياسي للحزب الشيوعي العراقي في ظل قيادة الرفيق فهد للفترة من 1934 إلى1947 تستدعي تناول القضايا التالية:
أولا: النظرية السياسية
لقد حدد الرفيق فهد في صياغته النظرية السياسية للحزب الشيوعي العراقي، ان العدو الرئيسي للشعب العراقي هو الاستعمار وان العدو الثانوي هم الرجعيون أذناب الاستعمار وعملاؤه، والهدف الرئيسي هو الصراع مع الاستعمار والإمبريالية من أجل السيادة والتحرر والاستقلال والديمقراطية الدستورية،
وكذلك تحديد القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة الحقيقة في التحرر الوطني والاستقلال والسيادة الوطنية.
وأعتمد الرفيق فهد المنهج الماركسي في معالجاته للعديد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأكد على الربط الجدلي بين النضال الوطني والاممي وقال في محاكمته (لقد كنت وطنيا وبعد ما أصبحت شيوعيا، أصبحت أكثر مسؤولية تجاه وطني وشعبي).
لقد جسد الميثاق الوطني للحزب الشيوعي العراقي الذي اقره المؤتمر الوطني الأول للحزب عام 1945  تصورات  الحزب الشيوعي حول مرحلة التحرر الوطني والثورة الوطنية الديمقراطية ، وأكد الحزب فيه بان النضال من اجل تحقيق ذلك يجري عبر الوسائل السلمية من أجل إقامة نظام دستوري ديمقراطي حقيقي ، وجرى تحديد القوى الاجتماعية والسياسية القادرة على تحقيق ذلك من خلال تحالف العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين والشغيلة والكادحين وكل الفئات والطبقات الاجتماعية صاحبة المصلحة الحقيقية في  التغير، وعبر الحزب بشكل واضح عن موقفه من التحالفات السياسية من خلال ما كتبه الرفيق حسين محمد الشبيبي  حول الجبهة الوطنية التي تجسد تحالف القوى السياسية الوطنية والديمقراطية لتحقيق أهداف تلك المرحلة.
ثانيا: تحديد أشكال الكفاح
1- الكفاح السياسي: تعليم وتدريب الجماهير على مختلف أشكال الكفاح السياسي من خلال العرائض والإضرابات والاحتجاجات والتظاهرات، وأعتبر هذه الاشكال مكملة لبعضها البعض، وأكد على أهمية النضال المتواصل من اجل سن قوانين تضمن الحريات العامة وحرية التنظيم السياسي والنقابي وإجراء انتخابات ديمقراطية حقيقية ورفض المعاهدات الاستعمارية التي تنتهك حرمة وسيادة واستقلال البلد.
وأشار إلى أهمية الانتقال من شكل نضالي إلى آخر وعدم اعتبار هذه الاشكال غاية أو هدفا بحد ذاته بل وسيلة من وسائل الكفاح السياسي اليومي والذي يتطلب تدريب الجماهير للدفاع عن مصالحها وحقوقها، وعلى الحزب الثوري ان يساهم في تعليم الجماهير والسير في مقدمتها وتجنيبها الخسائر غير الضرورية وربح المعارك بأقل الخسائر في ساحة المعركة.
2- الكفاح الاقتصادي: الدفاع عن حقوق العمال والفلاحين وتأمين قوتهم اليومي وتحديد ساعات العمل وتمليك الفلاحين لأراضيهم وإلغاء جور الإقطاعيين واستغلالهم، ورفع مستوى حياة الناس في تأمين السكن اللائق والصحة والتعليم، وخروج العملة العراقية من الكتلة الإسترلينية واستعادة صندوق الاحتياط النقدي الذي يحتوي على الاحتياط النقدي العراقي والذي تحتفظ به بريطانيا في مصارف العاصمة لندن، والتصدي لنهب الاحتكارات للثروات المادية لبلادنا.
وأكد على أهمية النضال النقابي ضد الاحتكارات الأجنبية باعتباره جزءا من النضال الوطني ضد الاستعمار ومن أجل التحرر الوطني وتطوير صناعتنا الوطنية، وأعتبر الرفيق فهد النضال النقابي في المشاريع الأجنبية شكلا من أشكال الكفاح الاقتصادي.
3- الكفاح الفكري: يؤكد الرفيق في كراس مستلزمات كفاحنا الوطني على (ان النضال الفكري يسبق عادة النضال السياسي والاقتصادي ويرافقهما في جميع مراحلها حتى النصر وحتى تثبيت الكيان الجديد وبناء المجتمع الحر)(1).
وقد حذر الرفيق فهد من محاولة تسويق الدعاية الاستعمارية التي تمنح الاستعمار الحق في استعباد الشعوب والهيمنة على ثرواتها باسم التمدن والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وباسم الجيوش الجرارة والاساطيل والقوة التي لا يمكن مقاومتها والتصدي لها، والسعي لإثارة الفتن الطائفية والعرقية لضرب الوحدة الوطنية والدعايات الاستعمارية المعادية للفكر الشيوعي والفكر الإنساني التقدمي.
ثالثا: أهم القضايا التي واجهت الحزب
إن الحديث عن أهم القضايا التي واجهت الحزب في تلك الفترة الممتدة من عام 1934 إلى 1947 يتطلب الدراسة الموضوعية للأحداث في إطار ظروفها الزمانية والمكانية ومحاكمتها على هذه الأساس لخلق تصورات واستنتاجات صحيحة لتقييم موقف الحزب منها، ومن أهم التحديات والقضايا هي:
1-  التيارات الانتهازية اليمينية واليسارية: إن عملية بناء الحزب الشيوعي واجهتها العديد من الانشقاقات والتكتلات التناحرية  التي عطلت عمل الحزب  وأضعفته، وقد تناول الرفيق فهد ذلك  في مؤلفه حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية ، وتحدث بشكل مستفيض عن عملية الصراع الفكري وطبيعة  بناء الحزب الشيوعي وتشكيل منظماته والجمع بين العمل السري والعلني ووضع برنامجه ونظامه الداخلي وعقد مؤتمره، وعلل جذور الانتهازية إلى الطبيعة الطبقية وطبيعة الصراع الطبقي القائم، وظروف الطبقة العاملة الفتية التي لم تقطع صلاتها بجذورها الفلاحية والبرجوازية الصغيرة، وقلة التجارب العملية والنظرية للكوادر الفتية، وعدم وجود أحزاب ديمقراطية أدى إلى انضمام العديد من عشاق المناصب وحب الظهور من الطلبة والموظفين ، كما وصفهم الرفيق فهد  إلى صفوف الحزب الشيوعي وليكونوا جيش هذه التيارات بكل تلاوينها .
وعمل الرفيق فهد أيضا ضد الجمود العقائدي عبر تأكيده على ربط النظرية بالممارسة الثورية على أرض الواقع، مؤكدا ان النظرية الثورية لا يمكن ان تكون حية إذا لم يبرهن التطبيق العملي على صحتها، وانتقد من أسماهم (الافندية) الذين يتعاملون مع الماركسية كوصفة جاهزة ويستشهدون بأقوال ماركس وانجلس ولينين بغير محلها والذين ابتلت بهم الشيوعية والماركسية.
وأكد أهمية الصراع الفكري الذي يتطلب بناء الحزب على أسس تنظيمية سليمة تعزز قدرته على الكفاح ضد الانتهازية والجمود العقائدي، وتساهم في بناء منظمات ثورية جماهرية قادرة على النهوض بواجباتها وتملك قواعد ثابته في العمل الحزبي والنقابي، لقد سلح الرفيق فهد أجيالا وأجيالا بأساليب الكفاح ضد الانتهازية، واستفاد الشهيد سلام عادل من تجربة الرفيق فهد في التصدي للتيار التصفوي القومي عام 1957 وأصدر كراسه المعروف (رد على مفاهيم برجوازية قومية) والتي طالبت بحل الحزب في كردستان وضمه للحزب الديمقراطي الكردستاني، وكذلك في التصدي لداود الصايغ وحزبه عام 1958، ولعزيز الحاج وجماعة القيادة المركزية عام 1967 .
2- القضايا القومية: لقد كان موقف الحزب من القضايا القومية (القضية الكردية، الوحدة العربية ، القضية الفلسطينية ، المسألة اليهودية) نابعا من موقفه الماركسي حول حق الأمم صغيرها وكبيرها في تقرير المصير، وقد تناول الرفيق فهد هذه القضايا في العديد من المقالات المنشورة في الجرائد والصحف والمجلات العلنية والسرية وأوضح موقف الحزب منها ، فعلى صعيد القضية الكردية أكد الرفيق فهد حاجة الأكراد إلى حزب للعمل وليس للأمل وان وعود القوى الاستعمارية لا تمنحهم حقهم في تقرير المصير وأن حل قضيتهم يتم في إطار التحرر الوطني والاستقلال والديمقراطية لشعوب المنطقة .
وكان الحزب الشيوعي العراقي هو الحزب السياسي الوحيد الذي أيد حركة بارزان في عام 1945 وكتب الرفيق فهد مذكرة إلى رئيس الدولة العراقية ورئيس مجلس الأمة ورؤساء الدول الكبرى عبر سفرائها ووزرائها المفوضين في بغداد وإلى رؤساء الدول العربية في 21/11/1945 جاء فيها (ان سلوك الحكومة العراقية وحليفتها الحكومة البريطانية تجاه الشعب الكردي لا تتفق وأبسط مبادئ العدالة ومنافية لحقوق أبناء الشعب الكردي الذين يؤلفون ربع الشعب العراقي ولهم الحق بالتمتع بالحريات الدستورية والديمقراطية وبحرياتهم الشخصية وبحرمة بيوتهم وقراهم ، ولهم الحق ان يطالبوا ويسعوا لرفع مستواهم الاقتصادي والثقافي والصحي . فمحاولة الحكومة العراقية حكم الشعب الكردي بالعنف والإكراه ومنعه من المطالبة بحقوقه القومية لا تتفق ومصلحة الوحدة الوطنية التي ينشدها الشعب العراقي، عربا وكردا، ومخالفة لتصريحات قادة الأمم المحبة للحرية وللمبادئ التي حاربت وضحت من أجلها الشعوب)(2).
أما بالنسبة للوحدة العربية ، فهي حق من حقوق الشعوب العربية ولكن تحقيقها يواجه صعوبات جدية في مقدمتها التفاوت في مستوى التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، وفي اجتماع مندوبين من مختلف الأحزاب الشيوعية العربية في خريف عام 1936 ، أكدوا ان شعار الوحدة غير عملي بسبب اختلاف مستوى تطور هذه البلدان وعدم تنازل حكامها عن عروشهم وطرحوا شعار الاتحاد العربي بين الدول المستقلة التي تمارس الديمقراطية ممارسة حقيقية. وكتب الرفيق فهد في العدد الثامن من جريدة القاعدة أيلول 1943 (قلنا ان الاتحاد العربي المنشود يجب ان يؤلف من الأقطار العربية المستقلة ذات السيادة الوطنية لكي لا يصبح هذا الاتحاد بأيدي الدول الاستعمارية تستخدمه لأغراضها الاستعمارية وبالرغم من أن العراق قطر مستقل في الظاهر لكن حكوماته المتعاقبة لم تبرهن على تمتعها بالسيادة الوطنية )(3).
وكذلك الموقف من القضية الفلسطينية والمسألة اليهودية فقد عالج الحزب هاتين القضيتين انطلاقا من الفكر الماركسي الذي يعترف بحق الشعب الفلسطيني في الاستقلال والتحرر وبناء دولته الوطنية المستقلة، وينظر الحزب إلى المسألة اليهودية على أنها قضية دينية، وانطلاقا من ذلك وقف الحزب بشكل واضح ضد هجرة اليهود التي ترعاها الوكالة اليهودية والحركة الصهيونية منذ عام 1919 في العراق. ولمواجهة الدعاية الصهيونية بين الطائفة اليهودية، أسس الحزب بقيادة الرفيق الخالد فهد  عصبة مكافحة الصهيونية وكتب فهد يقول (يأسف الحزب الشيوعي، بل يشمئز من الاعمال الاستفزازية المدبرة ضد إخواننا اليهود من قبل أدوات الاستعمار البريطاني ، من جهة  ودعاة الاستعمار الألماني من جهة أخرى،  أن الاعتداء على الرجال واقتحام البيوت وسلب الممتلكات وضرب الناس وقتلهم، ليس يا صاحب الفخامة مخالفة للقانون والعدالة فحسب، بل أنها أمور تتعارض مع النزعة الطبيعية لهذه الامة ... أن أمثال هذه الاعمال الاجرامية تؤدي بسمعة الحركة الوطنية وتؤدي إلى إحداث شق في صفوف الجبهة الوطنية الموحدة)(4).
  تعاظمت الهجرة منذ عام 1949 حيث بلغ عدد المهجرين حتى عام 1953 مع سن قانون إسقاط الجنسية العراقية 121541 الف أي 91,6% من مجموع المهجرين إلى الكيان الصهيوني (إسرائيل)(5)، لقد وقف الحزب الشيوعي العراقي موقفا واضحا ضد هجرة اليهود وتهجير الفلسطينيين من وطنهم وتقسيم فلسطين وزرع الكيان الصهيوني في المنطقة لحماية مصالح الإمبريالية العالمية، وقد اصدر الحزب رسالة داخلية
 في كانون الأول 1949 ابدى فيها تحفظه على قرار التقسيم وجاء فيها (ان موقف الاتحاد السوفيتي سمح للقوى الرجعية التشهير به وبالحركة الشيوعية في البلدان العربية، مجددا التأكيد في  النشرة على أن الحركة الصهيونية حركة رجعية عنصرية، وأن الهجرة اليهودية ليهود أوربا لا تحل مشكلة اليهود بل هي غزو منظم تديره الوكالة اليهودية الدولية لإخراج السكان الأصليين الفلسطينيين من بلادهم، وأن تقسيم فلسطين مشروع إمبريالي قديم يستند إلى استحالة مفترضة للتفاهم بين اليهود والعرب، وأن شكل حكومة فلسطين لا يمكنه أن يحدد الا من قبل الشعب الفلسطيني، الذي يعيش في فلسطين فعلا، وليس من قبل الأمم المتحدة أو أي منظمة أو دولة أو مجموعة دول أخرى، وأن التقسيم سيؤدي إلى إخضاع الأكثرية العربية إلى الأقلية الصهيونية في الدولة اليهودية المقترحة. أن التقسيم وخلق دولة يهودية سيزيد من الخصومات العرقية والدينية وسيؤثر جديا على امال السلام في الشرق الأوسط ، ولكل هذه الأسباب فأن الحزب الشيوعي يرفض بشكل قاطع خطة التقسيم )(6).
وبعد 77 عاما على قرار التقسيم أكدت الحياة صحة تحليلات الرفيق فهد وخطاب الحزب الشيوعي العراقي حول القضية الفلسطينية وقرار التقسيم وآثاره المستقبلية والتي تتجسد اليوم على صعيد الواقع في الحرب على غزة والهجوم الفاشي العنصري على الشعب الفلسطيني.
والقضية الهامة التي واجهت الرفيق فهد هي إصلاح الموقف المتسرع لقيادة الحزب من حركة مايس 1941 والتي عبرت عن تطلعات البرجوازية الجديدة بعد  أن تخلت البرجوازية التقليدية عن دورها الوطني ومد  جسور علاقاتها مع الاستعمار وتقاسمها معه السلطة وشكلت حكوماتها المتعاقبة التي مثلت مصالح البرجوازية الكمبرادورية والاقطاع، لقد مثلت حركة مايس الوجه الجديد للحركة القومية و التي سادها التشوش الفكري في تبنيها الفكر الفاشي وفلسفة نيتشه الألمانية واعتبرت هتلر مثالها في الكفاح من أجل التحرر القومي ، ان عدم وضوح الرؤيا ساقها إلى تسلم قيادتها لذات القوى البرجوازية التي تعاملت مع الاستعمار والرجعية ، ففشلت في تحقيق التغير المنشود بالملكية الدستورية وتحقيق مطالب الشعب في الحريات العامة والتحرر من الاستعمار وتحقيق السيادة الوطنية والقيام في إصلاحات اقتصادية وتحسين أحوال الشعب المعاشية والصحية والتعليم والخدمات البلدية .
(إن الحزب الشيوعي العراقي لم يكن متفردا في تأييده لحركة مايس فقد كانت كل القوى الوطنية على اختلافها مع فتوى رجال الدين الكبار الشيعة والسنة في تأييدها أي أن الحركة حظيت بتعاطف شعبي، على الرغم من إشارة الحزب الشيوعي إلى عدم ملاءمة الظروف لتحدي الاستعمار البريطاني في ظل ظروف العراق آنذاك، وقد رأى الحركة هي دفاع عن كرامة الشعب وتطلعه إلى الاستقلال الكامل، ودعا الحزب في اليوم الثاني لاندلاعها إلى الالتفاف حول الحركة وكان البيان من دون علم الرفيق فهد)(7).
تتطلب محاكمة حركة مايس في اطار ظروفها الزمكانية، وكذلك موقف الحزب وتطوره في إطار الربط الجدلي بين الممارسة والواقع عند قراءة الاحداث والاشياء ومجرى تطورها في اطار النسغ الصاعد والنازل لحركة التاريخ، وننطلق من ذات المفهوم لمحاكمة حركة مايس وموقف الحزب منها، فالحركة التي مثلت الانقلاب الثاني بعد إنهاء  انقلاب بكر صدقي عام 1937 وسقوط حكومة جميل المدفعي وتسلم نوري سعيد الحكومة لثلاث مرات وتم حل البرلمان العديد من المرات على الرغم  من شكليته، وجرى الهجوم على الأحزاب الوطنية ومنعها من العمل وحجب الصحف والمجلات ووضعت حكومة السعيد العديد من القرارات والمراسيم والقوانين التي تتعارض مع الدستور الذي وضعته. وجاءت الحركة بعد عجز حكومة الهاشمي عن الاستمرار ، وتم تكليف رشيد عالي الكيلاني بتشكيل الحكومة و كان على خلاف مع الوصي بصدد العلاقة مع الاستعمار البريطاني ،وعلاقة رشيد عالي الكيلاني والعقداء الأربعة  مع دول المحور والتعويل عليهم في تحرير العراق من الاستعمار البريطاني، وقد اصطف العقداء الأربعة معه بسبب صراع الجيش مع القصر، وقد بلغت التناقضات بين القصر والعقداء الأربعة ورشيد علي الكيلاني ذروتها مما اضطر طه الهاشمي، تقديم اسـتقالته وتشـكيل حكومـة جديدة برئاسـة رشـيد عالي الكيلاني، بعدها هروب الوصي عبر الحبانية إلى البصرة واللجوء إلى دارعـة بريطانية كانـت ترسـو في شـط العـرب ولم يعترف بالحكومة الجديدة لرشيد عالي الكيلاني وانطلق العمل ضدها عبر التحريض عبر الرسائل اللاسلكية إلى أعوان النظام الملكي، وكانت حركة مايس تمثل التيار العروبي في الجيش والشرطة والوسط المدني والعشائري.
وقد أرسل الرفيق فهد مذكرة في تاريخ 2 أيار 1941 إلى رئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني وضح فيها موقف الحزب وطرح فيها العديد من المطالب بالحريات العامة واتخاذ موقف الحياد والتذكير بعدم وجود فوارق بين الاستعمار البريطاني والألماني والاشارة إلى دور العملاء في قضية الاعتداءات على الطائفة اليهودية.
لقد أدى فشل الحركة إلى الاحتلال الثاني للعراق والسيطرة الكاملة على موارده وأكدت صحة استنتاجات الرفيق فهد بعدم توفر الظروف المواتية لقيام الحركة وتبين فيما بعد وفق مراسلات رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل مع سفير بريطانيا في العراق، ان بريطانيا واستخباراتها هي التي جرت العقداء الأربعة للقيام في الحركة وخوض معارك غير متكافئة مع الجيش البريطاني(8).
رابعا: معالجة اهم القضايا الاقتصادية والاجتماعية: لقد عالج الرفيق فهد العديد من القضايا الاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بظروف العمال واكد على أهمية تمتعهم بحقهم في الضمان وساعة العمل والتقاعد وتوفير الحياة الكريمة لهم كما ساهم في التعريف بحياة الفلاحين واستغلال الاقطاع لهم وتشريع قانون العشائر الذي انتهك ادمية الفلاحين واعطائهم حقوقهم، كما كتب بشكل مفصل عن البطالة باعتبارها افة اجتماعية وتناول الحلول للقضاء عليها.
ان دور الرفيق فهد في رسم الفكر السياسي للحزب الشيوعي العراقي يظل حاضرا في العديد من المواضيع والقضايا الراهنة، لأنه رسم الخطوط العريضة لها ويستلهم الشيوعيون العراقيون تراث الرفيق الخالد فهد بروح الجدل المادي الديالكتيكي والنهج الماركسي.
 
الهوامش
1- فهد، المؤلفات الكاملة، منشورات الثقافة الجديدة، مطبعة الشعب، بغداد، 1973، ص226.
2- المصدر نفسه، ص303 -304.
3- المصدر نفسه، ص336.
4- كاظم حبيب وزهدي الداوودي، فهد والحركة الوطنية في العراق، ط 1، بيروت، دار الكنوز الأدبية،  2003، ص403.
5- المصدر نفسه، ص 319.
6- حنا بطاطو، العراق، الحزب الشيوعي العراقي، الكتاب الثاني، ترجمة عفيف الرزاز، بيروت، مؤسسة الأبحاث العربية، 1992، ص 257.
7- عزيز سباهي، عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، الجزء الأول، دمشق، منشورات الثقافة الجديدة،2002، ص203.
8- السير ونستون ليونارد سبنسر تشرشل (30 نوفمبر 1874 – 24 يناير 1965 ) تقلد منصب رئيس الوزراء مرتين من عام 1940-1945 ومن 1951 -1955 – متاح على الانترنيت.