
مقدمة
يشهد عالمنا المعاصر تغيرات مناخية شاملة كافة أرجائه، وهي تتفاقم عاماً بعد اَخر، ولم يسلم من تداعياتها بلد واحد، وتحولت الى واحدة من أخطر المشكلات البيئية، ومن أبرز التحديات الكبرى التي تواجه البشرية بتبعاتها البيئية والاقتصادية - الاجتماعية والصحية والنفسية والأمنية، المهددة لحاضر ومستقبل أجيالها.
أكدت ذلك مئات الدراسات العلمية الدولية الرصينة، مبينة، على سبيل المثال، بان التغيرات المناخية كلفت الاقتصاد العالمي تريليونات الدولارات حتى الآن، وأضرت بدرجات متفاوتة معظم البرامج التنموية في جميع الدول، خاصة في البلدان النامية، التي لا تتحمل بمجموعها سوى نسبة ضئيلة (لا تتجاوز 5 %) من مسؤولية انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي وتداعياته.
والمفارقة، أن الدول الأقل مسؤولية في ظاهرة التغيرات المناخية وتداعياتها هي الأكثر تأثراً بعواقبها. وينطبق ذلك بشكل رئيس على دول أفريقيا واَسيا والشرق الأوسط، النامية منها بشكل عام، بينما ترتبط الانبعاثات الضارة المسببة للظاهرة بالنشاط الصناعي للدول الصناعية الكبرى. كما هي نتاج ممارسات للدول التي حققت تنمية بالفعل على مدار عقود من الزمن، على حساب الدول الأخرى(1).
من هذا المنطلق، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتّحدة، في أواخر اَذار 2023، بالإجماع، قراراً تاريخياً يطلب من محكمة العدل الدولية إبداء رأيها بشأن مسؤوليات الدول في مجال مكافحة احترار المناخ(2). ويبدو ان المحكمة تعرضت لضغوط كبيرة منعتها من ان لا تنظر بالدعوى طيلة قرابة عامين. وأخيراً بدأت المحكمة جلساتها (خلال الفترة 5/12 الى 13/12/2024)، وينتظر أن تعطي رأيها قبل انتهاء عام 2025.
والأمر الآخر المهم، ان تفاقم الظاهرة، وتصاعد المطالبة الدولية بإيجاد الحلول الجدية للحد من تبعاتها، ناهيكم عن معالجتها جذرياً، والتركيز على ما كشفه العلماء عن الدور البشري المدمر، ترافق مع حملة شعواء من المعلومات والمزاعم المضللة والدعائية، متواصلة حتى يومنا هذا، وتحولت الى مصاحب لصيق، مواجه ومضاد، للنجاحات التي حققها علماء المناخ العاملين في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ (IPCC)، والتي عززتها أكثر مؤتمرات الأمم المتحدة للمناخ (COP) وقممها الأممية التاسعة والعشرين لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، التي كشفت الأسباب الحقيقية للتغيرات المناخية، وسعت بجهود جماعية مثابرة ودؤوبة لمعالجات فاعلة وقابلة للتطبيق، وفق مبادئ العدالة المناخية.
كل هذا لم يعجب الدول الأكثر تلويثاً عبر صناعاتها الكبرى متعددة الجنسيات والعابرة للحدود والقارات، وفي مقدمتها الأمريكية والبريطانية والفرنسية، ولذا سلكت مسار التعتيم والتضليل عن طريق مراكز ودوائر مأجورة، مستغلة التطور العلمي والتكنولوجي، وخاصة التحولات التقنية السريعة، التي ميزت في العقود الأخيرة وغيرت طرق تفاعل الناس وتواصلهم وسبل حصولهم على المعلومات في كل أرجاء العالم. وغدا الناس الآن يمتلكون مجمل المعرفة البشرية في أجهزة يحملونها في كفوفهم، مما يعني سرعة نشر الأخبار والمعلومات في كل بقاع العالم في ثوانٍ قليلة معدودة.
سلاح ذو حدين
في سلسلة رحلة في عالم التحريف العلمي أوضح د. طارق قابيل، أكاديمي وخبير التقنية الحيوية وعضو المجموعة الاستشارية العربية للعلوم والتكنولوجيا، التابعة للمكتب الإقليمي للأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث للدول العربية:" بأنه في عصر الثورة الرقمية، باتت المعلومات سلاحًا ذا حدين؛ فهي أداة للتنوير والتطوير من جهة، وأداة للتضليل وإرباك الرأي العام من جهة أخرى. ويشهد العالم اليوم انتشاراً غير مسبوق للمعلومات الزائفة والمغلوطة، حيث أصبحت هذه الظاهرة أحد أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات والمؤسسات على حد سواء. ويستهدف التضليل المعلوماتي، بأساليبه الماكرة وأدواته المتطورة، تشكيل الوعي الجمعي وتوجيهه نحو أهداف تخدم مصالح ضيقة، متجاهلًا أثر ذلك على الحقيقة، والاستقرار، والمستقبل"(3).
التعتيم والمعلومات الزائفة
في تقرير واف سلطت الباحثة والكاتبة جوي سليم الضوء على الأبحاث التي أجراها العلماء في شركة (إكسون) (الآن هي إكسون موبيل، وهي شركة أمريكية متعددة الجنسيات تعمل في مجال النفط والغاز)، في أواخر سبعينيات القرن العشرين، والتي توصلت إلى حقيقةٍ مفادها أن حرق الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز) يوشك أن يغير مناخ الأرض بشكل كبير. وتوقّعت تلك الأبحاث المبكرة ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم، وتمكّنت من التنبؤ بدقّة بمستويات ثاني أوكسيد الكربون التي نشهدها اليوم.
وعندما بدأ العالم ينتبه إلى حقائق تغيّر المناخ، بحلول أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وقفت شركة (إكسون) على مفترق طرق: إما أن تكشف عن الحقيقة التي تعرفها بناءً على النتائج التي توصّل إليها علماؤها، وإما أن تسلك مساراً آخر هو مسار التعتيم، فاختارت بوضوح المسار الثاني.
واستكمالا لمسار التعتيم، صرفت (إكسون موبيل) خلال التسعينيات وأوائل الألفية، ملايين الدولارات على مراكز الأبحاث وجماعات الضغط التي قللّت من مخاطر تغيّر المناخ، وشكّكت في العلوم التي اكتشفها باحثوها أنفسهم، مقررة ً أن تسلك طريق "صناعة الشكّ". وعبر زرع بذور الشك بالمعلومات المضللة، وتعزيز عدم اليقين في العلوم، تمكّنت (إكسون موبيل) من تأجيل التدابير السياسية العامة التي قد تهدد أرباحها"(4).
نزاع حول الحقيقة
لعب الصحفيون الى جانب الباحثين دورًا حاسمًا في توفير معلومات دقيقة للجمهور حول ما تعرفه شركة (إكسون) وشركات الوقود الأحفوري الأخرى، عن مساهماتها الخاصة في تغير المناخ، وكيف قامت بإخفائها. وقد تحول ذلك الى أمر بالغ الأهمية لمساعي الحصول على تعويض للمتضررين.
بعد افتضاح أمر (إكسون)، طلب النائب العام في نيويورك، في عام 2015، بفتح تحقيق في الشركة، وأمرها بالكشف عن وثائق تظهر ما كانت تعلمه عن تغير المناخ وما قامت بإخفائه عن الجمهور.
وفي نفس العام، تم تقديم عريضة وقع عليها أكثر من 350 ألف مواطن أمريكي تطالب بإجراء تحقيق فيدرالي مع (إكسون).
وبدأت في عام 2017 مدن وولايات أمريكية مختلفة برفع دعاوى قضائية ضد (إكسون) وشركات الوقود الأحفوري الأخرى، مطالبة إياها بتعويضات عن الأضرار البيئية التي لحقت بها نتيجة لتغير المناخ، كما طالبت باتخاذ إجراءات عاجلة للحد من المزيد من الضرر. وقد استندت جميع الدعاوى القضائية على اتهامات بأن هذه الصناعة ضللت الجمهور عمدًا بشأن مخاطر حرق الوقود الأحفوري، مما أسهم في تفاقم هذه المشكلة.
لم تكن هذه المدن والولايات هي الوحيدة التي قاضت شركات الوقود الأحفوري، ولم تقتصر تلك القضايا على الولايات المتحدة فقط. ففي اَذار 2023، نظرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضية رفعها محامون يمثلون أكثر من 2000 امرأة سويسرية مسنة، اتهموا فيها سويسرا بأنها لم تتخذ الإجراءات الكافية للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، والعواقب المناخية، حيث جادل المحامون بأن أثارها تلحق أضرارًا خاصة بصحة المواطنين كبار السن.
وفي اَب 2023، حصلت محاكمة مناخية رائدة، أصدر خلالها قاضي أمريكي حكمًا لصالح 16 مدعيًا قاصرًا، اتهموا ولاية مونتانا بإتلاف البيئة بسبب سياستها الموالية لصناعة الوقود الأحفوري، التي انتهكت أحكامًا من دستور الولاية تضمن "بيئة نظيفة وصحية".
لى صعيد اَخر، تم توثيق أثر تغير المناخ على الشعوب الأصلية بشكل موسع. ورفعت عدة مجتمعات من السكان الأصليين دعاوى قضائية ضد شركات الوقود الأحفوري والحكومات، بما فيها تلك التي تعتمد بشكل كامل على دورات الطبيعة للبقاء على قيد الحياة.
في عام 2020 انضم شعب واوراني في الإكوادور إلى مجموعة من منظمات المجتمع المدني في تقديم دعوى قضائية ضد شركة( بترو أورينتال) لتسببها في تلوث الغلاف الجوي، وتأثيره المباشر على تغير المناخ.
وفي عام 2022، رفعت مجموعة من شباب السكان الأصليين في هاواي دعوى قضائية ضد وزارة النقل بسبب مشاريع البنية التحتية التي تزيد من استخدام الوقود الأحفوري، بدلًا من المشاريع التي تقلل من الانبعاثات.
وفي عام 2023، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا بناء على طلب فانواتو(دولة جزرية في المحيط الهادئ) طلبت فيه من محكمة العدل الدولية ان تفحص الالتزامات القانونية للدول في حماية النظام المناخي، والعواقب القانونية المترتبة على الفشل في القيام بذلك، ولا سيما فيما يتعلق بالدول الجزرية الصغيرة النامية، والأجيال المستقبلية.
الأمم المتحدة والتضليل الإعلامي المنظم
في عام 2021،أعربت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن قلقها من انتشار المعلومات المضللة والدعائية بشأن التغيرات المناخية، وطلبت من الأمين العام للأمم المحتدة أنطونيو غوتريش تقريراً عن الموضوع والموقف منه
واستجابة لطلب الجمعية العامة في قرارها المرقم 76/ 227، الصادر في كانون الأول 2021، أعد الأمين العام غوتيريش تقريره المرقم (A/77/287) ، والمؤرخ في أب 2022، وعنوانه: "مكافحة التضليل الإعلامي من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية "، بالاستناد الى معلومات وأدلة قاطعة، من عمل مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، واَراء الآليات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، بما في ذلك المعنيون المكلفين بولايات في إطار الإجراءات الخاصة، والى حلقة نقاش رفيعة المستوى لمجلس حقوق الإنسان (في 28/6/2022) بشأن مكافحة الأثر السلبي للتضليل الإعلامي على التمتع بحقوق الإنسان وأعمالها، وبشأن ضمان التصدي للتضليل على نحو يراعي حقوق الإنسان.
وبيّن الأمين العام في تقريره التحديات التي يشكلها التضليل الإعلامي وتدابير التصدي له. وحدد كذلك الإطار القانوني الدولي ذا الصلة. كما ناقش التدابير المُبلغ عنها دولياً، وما اتخذته مؤسسات التقانة في التصدي للتضليل الإعلامي ومكافحته.
ولاحظ التقرير ان التصدي لشتى مظاهر التضليل الإعلامي يتطلب معالجة التوترات المجتمعية الكامنة، وتعزيز احترام حقوق الإنسان، سواء على شبكة الإنترنيت أو خارجها، ودعم الحيز المدني والمشهد الإعلامي التعدديين.
وأشار إلى أن التعامل مع المشهد الإعلامي الحديث وضمان نهوضه بحماية حقوق الإنسان بدلاً من تقويضها، هو من تحديات العصر الرقمي. وذكر بأن إحدى الطرق التي بإمكان الدول اعتمادها كي تساعد في الحد من المخاطر المرتبطة بالتضليل الإعلامي، تتمثل في تهيئة الظروف الملائمة لتعزيز حقوق الإنسان والتعددية والتسامح.
الى هذا، أعلنت الأمينة العامة المساعدة لحقوق الإنسان إيلزي براندز- كيريس، في معرض تقديم تقرير الأمين العام إلى الجمعية العامة: "يأتي التضليل الإعلامي بأشكال شتّى، ويشمل العمليات المحدّدة الهدف التي تمارسها الدول ومسؤولوها، ونظريات المؤامرة بشأن السياسات الصحية واللقاحات، وحملات التشهير الرامية إلى تقويض مجموعات وأشخاص معينين، والعديد من أشكال التضليل الأخرى."..
من جهتها، ذكرت المقررة الخاصة المعنية بحرية الرأي والتعبير إيرين خان: " إذا لم تتمكن وسائط الإعلام المستقلة ذات النفع العام من البقاء موجودة - ناهيك عن الازدهار - فسيزدهر التضليل الإعلامي، ويزداد تعرّض الصحفيين للخطر، ويقوَّض حق المجتمعات في الإعلام"(5)
وأقرت الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان بان تدابير التصدي لانتشار التضليل ينبغي ان تمتثل للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وان تعزز وتحمي وتحترم حق الأفراد في حرية التعبير، بما في ذلك حرية التماس المعلومات وتلقيها ونقلها. ودعت الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان الى حماية هذه الحريات، وتجنب التعدي عليها، وفق ما نصت عليه المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والبند 1 من المادة 19 من (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية )، ووجوب محاسبة الدول لأولئك الذين يروجون للكراهية القومية أو العرقية أو الدينية. ويتطلب البند 2 من المادة 20 من العهد تجريم الدعاية للحرب أو الدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضًا على التمييز أو العداء أو العنف(6).
مبادرة دولية هامة لمحاربة حملات التضليل بشأن المناخ
على هامش قمة مجموعة العشرين أطلقت الأمم المتحدة والبرازيل "المبادرة الدولية لنزاهة المعلومات حول تغير المناخ" لتعزيز الأبحاث وجهود التصدي للتضليل الذي يهدف إلى تأخير وتقويض العمل المناخي. وتعد هذه المبادرة المشتركة إجراءً مهماً لتعزيز العمل المناخي العاجل في وقت يحذر فيه العلماء من أن الوقت ينفد أمام العالم في هذا المجال.
قال الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا إن جهود محاربة التغير المناخي تتأثر بشكل كبير بـ"الإنكار والتضليل" وهذه المبادرة ستجمع معا الدول والمنظمات الدولية والشبكات والباحثين لدعم الجهود المشتركة للتصدي للتضليل وتعزيز العمل تحضيراً لمؤتمر الأمم المتحدة الثلاثين للمناخ (COP30) المقرر في البرازيل في العام الجاري"(7).
من جهته، شدد الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش على ضرورة محاربة حملات التضليل المنسقة التي تعرقل التقدم الدولي في مجال المناخ. وأوضح أن تلك الحملات تتراوح بين إنكار حدوث التغير المناخي والتمويه الأخضر (أي الأساليب الخادعة وراء الادعاءات البيئية)، إلى مضايقة علماء المناخ. وقال: "عبر هذه المبادرة سنعمل مع الباحثين والشركاء لتعزيز العمل ضد التضليل المناخي"(8).
وقالت وكيلة الأمين العام للتواصل العالمي ميليسا فليمينغ إن المبادرة فرصة لمواجهة قوى التقاعس عن العمل.
وفيما تمت مناقشة المبادرة أوليا في إطار مجموعة العشرين، إلا أنها تعد عملا تعاونيا متعدد الأطراف بين الدول والمنظمات الدولية لتمويل البحث والعمل لتعزيز نزاهة المعلومات حول القضايا المناخية.
ويذكر ان الدول التي ستعلن التزامها بالمبادرة ستساهم في صندوق تديره منظمة (اليونسكو) بهدف جمع تمويل أولي يتراوح بين 10 و15 مليون دولار خلال الأشهر الستة والثلاثين المقبلة. وسيتم توزيع التمويل بشكل منح على منظمات غير حكومية لدعم عملها في مجال نزاهة المعلومات بشأن المناخ، وتطوير استراتيجيات تواصل وتنفيذ حملات عامة لرفع الوعي في هذا الشأن.
وحتى الآن أكدت تشيلي، الدنمارك، فرنسا، المغرب، المملكة المتحدة والسويد المشاركة في المبادرة.
وكانت اللجنة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي (IPCC) قد أقرت بمخاطر التضليل وآثاره على تحقيق الأهداف المناخية. وقالت اللجنة في عام 2022 إن التقويض المتعمد للعلم يسهم في إعطاء صورة خاطئة حول الإجماع العلمي وعدم اليقين وإلحاح القضية.
وشددت أودري أزولاي، المديرة العامة لمنظمة اليونسكو، على أهمية الوصول إلى المعلومات الموثوقة حول تغير المناخ. وقالت: "عبر هذه المبادرة، سندعم الصحفيين والباحثين الذين يحققون في قضايا المناخ ويواجهون في بعض الأحيان مخاطر كبيرة، وسنحارب التضليل المرتبط بالمناخ المنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي"(9).
تشكيك بالعلم وبالمخاطر التي يعيشها العالم
نشرت مجلة "مثر جونز""Mother Jones"الأميركية تقريراً تناول قضية الأخبار والمعلومات المضللة المتعلقة بالمناخ وأسباب سطوة هذه المعلومات على عقول الناس وانتشارها بينهم. وعرض بعض الأفكار بشأن مكافحتها.
وأشار التقرير، الذي أعدته كيت يودر، محررة الأخبار في موقع Grist"" الإخباري المتخصص في شؤون البيئة وتغيّر المناخ ، إلى إجماع العلماء منذ عام 1995 على وجود "تأثير بشري" على درجات حرارة الأرض مع عواقب "لا رجعة فيها"، وأن حرق الوقود الأحفوري أدى إلى اختلال مناخ الأرض.
وكتبت يودر إنه بعد مرور نحو 30 عاما على هذا التحذير، وفي هذا العام (2024)- وهو الأكثر سخونة على وجه الأرض منذ 125 ألف سنة- لا يزال الناس يُجادلون بأن العلم "غير جدير بالثقة" وأن التهديد "غير حقيقي" ولا ينبغي للبشر "التدخّل". وأضافت أن بحثا حديثا أظهر أن فهم السبب وراء اقتناع الناس بالأخبار الكاذبة يساعد في معرفة كيفية تحصين الناس منها.
وأوردت يودر آراء للفيلسوف الأميركي آندي نورمان، الذي شارك في تأسيس "مشروع المناعة العقلية" الهادف إلى حماية الناس من المعلومات الزائفة، قال فيها إن الناس يقتنعون بالمعلومات المغلوطة لأسباب مختلفة. ومن بين ما قاله: إن الأمر يمكن أن ينتهي بالناس إلى تجاهل الحقائق المزعجة عندما يواجهون الحجج التي تدعم معتقداتهم، وإنه كلما زاد الاعتماد على المعتقدات المفيدة لهم على حساب المعتقدات الحقيقية، أصبح التفكير أكثر اضطرابا. وإن انجذاب الناس إلى نظريات المؤامرة يعود إلى شعورهم بأنهم أمام سر كبير وراء التغيير في العالم. فعلى سبيل المثال يعتقد المقتنعون بنظرية أن الأرض مسطحة أنهم يرون ما هو أبعد من "الأوهام" التي لا تراها الغالبية العظمى.
وأوضحت يودر أن جزءا من المشكلة هو الجاذبية الحقيقية للأخبار الزائفة، فقد وجدت دراسة حديثة نُشرت في مجلة "نيتشر هيومان بيهافيور" Nature Human Behaviour أن المعلومات المضللة بشأن تغير المناخ كانت أكثر إقناعا من الحقائق العلمية. ونقلت عن توبيا سبامباتي، المشرفة على الدراسة، والباحثة في علم الأعصاب في جامعة جنيف، قولها: "إن التدخلات العلمية لم تنجح كما كان مأمولا، إذ كان لسيل الأخبار الزائفة تأثير أكبر".
ونقلت يودر عن إيما فرانسيس بلومفيلد، أستاذة الاتصالات في جامعة نيفادا في لاس فيغاس قولها: "من الصعب حقا التفكير في شخص لم يتعرض للتشكيك في المناخ أو من المعلومات المضللة من صناعات الوقود الأحفوري. فهي منتشرة للغاية. وأن المعلومات المضللة تنتشر لأسباب عديدة، وليس كافياً مجرد إخبار الأشخاص الذين يقعون ضحية لها بأن هناك إجماعا علميا على ذلك"، موضحة:" أنهم يشكون في تغير المناخ لأنهم يشكون في الهيئات العلمية. إنهم يتخذون قرارات بشأن البيئة ليس بناء على الحقائق أو العلوم، وإنما بناء على قيمهم، أو أشياء أخرى مهمة، ولهم فيها مصلحة ما. وإن من ينشرون الشكوك حول الحقائق العلمية لديهم مصالح مالية كبيرة، مثل شركات الوقود الأحفوري، ومتصيّدي منصات التواصل الاجتماعي، وحتى بعض الدول، وإن "نشر الشك" أسهل وأرخص بكثير من "نشر اليقين"(10).
وكشفت يودر إنفاق شركات النفط (شل) و(إكسون موبيل) و"bp"- عام 2023- نحو 4- 5 ملايين دولار على إعلانات فيسبوك المتعلقة بالقضايا الاجتماعية والسياسية، لكسب ودها.
ورأت الباحثة سبامباتي إن الطريقة المباشرة لمحاربة المعلومات المضللة هي منع حدوثها في المقام الأول. ولكن حتى لو تمكنت الهيئات التنظيمية من إقناع منصات التواصل الاجتماعي بمحاولة وقف انتشار نظريات المؤامرة والأكاذيب، فإن إزاحتها قصة مختلفة. ويسعى أحد الأساليب الواعدة، وهو "الفحص العميق"، إلى إقناع الناس من خلال محادثات فردية غير قضائية(11).
تأثير المعلومات الخاطئة على العمل المناخي
لقد وجهت لشركات الوقود الأحفوري الكبرى، مثل "شل" و "إكسون موبيل" و"bp"، وكذلك لما عُرِفَ بـ "تحالف المناخ العالمي" (مجموعة ضغط دولية تأسست في نهاية الثمانينات من قبل شركات تعمل في قطاعات كثيفة للكربون. وتم حل التحالف في عام 2002)، اتهامات بتشويه سمعة علوم المناخ، وإخفاء مسار الاستثمارات في الوقود الأحفوري، عبر حملات وإعلانات تبعث على الارتياح، لكن دون سند علمي.
وتستند شركات النفط والطاقة على كيانات مثل "تحالف التمكين" في الولايات المتحدة و" تحالف المواطن من أجل طاقة مسؤولة في أوروبا "، حيث تعتمد مجموعات الضغط على تكتيك مخادع يدخل في إطاره الإيحاء بأنها "حركات شعبية عفوية من أجل دعم الغاز الطبيعي"، بينما هي تشوه سمعة السياسات الخضراء. وتحصل هذه المجموعات على مصادر تمويل يكتنفها الغموض.
وعدا ذلك تقوم وسائل إعلام وسياسيون شعبويون بنشر معلومات مضللة عن تغير المناخ. فمثلا، عندما وقعت كارثة الإعصار الذي حمل معه أمطارا غزيرة وفيضانات في البرازيل وأسفر عن مقتل أكثر من 40 شخصاً، في أيلول 2023، ألقت أصوات معارضة للحكومة وصحفي بارز باللوم في الوفيات على انهيار السدود، في محاولة متعمدة لصرف الانتباه عن الجهود المبذولة للتخفيف من الآثار الشديدة لظاهرة الاحتباس الحراري(12).
وبين الباحث قاهِل شيرِن كيف يتلاعب الملوثون بمجال المعلومات لقمع الأصوات المعارضة، وتصعيد أزمة التغير المناخي، وكيف يعمل الأفراد على مقاومة ذلك. وكتب: "على الرغم من الإجماع الدولي على ضرورة معالجة تغير المناخ بشكل عاجل، إلا أن أنظمتنا السياسية عادة ما تفشل في تنفيذ الحلول الجذرية اللازمة للتصدي لهذه الأزمات البيئية. ويتم استبعاد معظم سكان العالم، ولا سيما أكثر الفئات تضررًا – مثل الشعوب الأصلية، والشباب، وذوي الدخل المحدود، وذوي الإعاقات – من عمليات صنع القرارات الحاسمة المتعلقة بالبيئة"(13).
وأوضح الباحث مارتن كوبلر كيف يتعمد منكرو ظاهرة التغير المناخي نشر معلومات كاذبة أو مضللة للترويج لأجندتهم الخاصة التي تتناقض مع علوم المناخ والسياسات الحكومية الرامية إلى محاربة تغير المناخ.
ونقل تحذير الباحثين من مخاطر نشر المعلومات المناخية المضللة التي قد تؤثر على طريقة تفكير الناس حيال سبل حماية الأرض، قائلين إن ذلك يحدث عندما تقدم مجموعة من الأشخاص على نشر معلومات خاطئة أو بيانات غير دقيقة عن أضرار الوقود الأحفوري سواء أكان ذلك عمداً أو من غير قصد. وأن "الغسل الأخضر" من أبرز الأمثلة على ذلك، حيث ينطوي على نشر مؤسسات وشركات معلومات مضللة لإثبات التزامها بمكافحة تغير المناخ عبر استثمارات ومنتجات صديقة للبيئة. ويحدث التضليل المعلوماتي عندما يتعمد منكرو التغير المناخي، سواء أكانوا شخصيات، أو مجموعات، أو حتى منظمات رسمية، نشر معلومات كاذبة أو مضللة للترويج لأجندتهم الخاصة التي تتناقض مع علوم المناخ(14).
منصات التواصل الاجتماعي والتضليل الإعلامي
تواجه منصات التواصل الاجتماعي الكثير من الضغوط للحد من انتشار ظاهرة إنكار تغير المناخ وهي التي ساعدت على التضليل والتزييف العميق، وغيرها من وسائل التلاعب بالصور والمقاطع المصورة، في جعل نشر المعلومات الخاطئة أمرا سهلا، خاصة عندما يقترن ذلك بنظريات المؤامرة.
وقد كشفت مجموعة "العمل المناخي ضد المعلومات المضللة" (تعنى بمراقبة المحتوى المناخي) عن تزايد وتيرة التغريدات المنكرة لظاهرة تغير المناخ المرفقة بوسم #ClimateScam بعد استحواذ إيلون ماسك على منصة "تويتر" أو "إكس" حاليا. ويزعم منكرو ظاهرة تغير المناخ بأن الطاقة النظيفة "ليست مصادر موثوق بها"، رغم أن هذا الزعم تفنده الحقائق العلمية الجلية.
وخلال السنوات الأخيرة وجدت المعلومات المضللة طريقها إلى عمليات صنع السياسات العامة في العديد من دول العالم، لاسيما خلال حقبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي دأب على انتقاد مصادر الطاقة المتجددة، وشكك بعلوم المناخ، حتى بلغ به وصف ظاهرة الاحتباس الحراري بـ "الخدعة". وخلال رئاسته إنسحبت أمريكا من اتفاقية باريس لعام 2015، التي كانت ومازالت ركيزة تعزيز الاستجابة العالمية لخطر تغير المناخ، زاعماً " من شأنها تقويض الاقتصاد الأمريكي". وبعد أن أعاد الرئيس بايدن أمريكا الى اتفاقية باريس، عاد ترامب، في أول يوم لرئاسته الحالية، وأمر بالانسحاب من الاتفاقية، بذات الذريعة، وكذلك من منظمة الصحة العالمية وأوقف تمويلها، متعمداً شل عملها.
هذا في الوقت الذي يؤكد العلماء فيه إن البشر يواجهون تحديا غير مسبوق. فمع ارتفاع انبعاثات غازات الدفيئة ودرجات الحرارة العالمية إلى مستويات قياسية، أطلقوا تحذيرات من أن الوقت ينفد أمام معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري. ويتفق معظم العلماء على ضرورة التحرك السريع.
لكن المعلومات الزائفة والخاطئة المتعلقة بالمناخ تدفع بعض الناس إلى التشكيك في علم المناخ الذي خلص إلى حقيقة مؤكدة مفادها أن البشر وراء ظاهرة تغير المناخ، وليست الطبيعة.
وتقلل حملات التضليل المعلوماتي من الدعم الشعبي لسياسات مكافحة تغير المناخ، إذ ذكرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ عام 2022 أن "الخطابات والمعلومات المضللة بشأن تغير المناخ والتقويض المتعمد للعلم، قد أسهمت في التصورات الخاطئة للإجماع العلمي، وعدم اليقين، وتجاهل المخاطر والإلحاح والاختلاف في الرأي"(15).
وفي إطار مكافحة التضليل المعلوماتي والإعلامي حول التغير المناخي، شدد خبراء على أهمية الجهود التي تقوم بها مجموعات مراقبة المحتوى المناخي والحكومات، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، ومنظمة الصحة العالمية. وأشادوا بتكريس كبرى المؤسسات الإعلامية، مثل "دويتشه فيله"، الكثير من الجهد لإعداد تقارير تدحض المعلومات المناخية الزائفة(16).
غوغل وسياساته لمكافحة المعلومات المضللة
كانت شبكة غوغل Google قد أعلنت في عام 2021، عن سياسة جديدة تهدف إلى منع عرض الإعلانات بجانب المحتوى الذي يُنكر تغيّر المناخ وأسبابه العلمية، في إطار مساعيها لتعزيز الشفافية ومكافحة المعلومات المضللة. جاءت تلك السياسة كجزء من التزام الشركة بالحد من انتشار الأخبار الكاذبة، في عصر يشهد تصاعدًا مقلقًا في حجم المعلومات المضللة وغير الدقيقة.
ومع ذلك، كشفت تقارير حديثة أن تنفيذ هذه السياسة لم يكن بالفعالية المرجوّة، إذ لا تزال العديد من المواقع التي تروّج لمعلومات غير صحيحة عن التغير المناخي تُحقق إيرادات من خلال منصات غوغل الإعلانية، وأشارت التقارير إلى أن الإعلانات لا تزال تظهر بجانب محتويات تُنكر تغيّر المناخ، مما يُعد تراجعًا عن الالتزامات التي أعلنتها الشركة سابقًا.
في ضوء هذه التطورات، وجّهت منظمات المجتمع المدني رسالة مفتوحة إلى سونداربيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة غوغل، تطالبه بتشديد الرقابة على تطبيق السياسات المناهضة للتضليل المناخي. وقد حظيت الرسالة بدعم آلاف الموقّعين.
ودعت الرسالة غوغل إلى مراجعة سياساتها وتطبيقها بحزم لضمان عدم استفادة المحتوى المضلل من عوائد الإعلانات. كما أكدت على ضرورة اتخاذ خطوات حاسمة تتماشى مع مسؤولية الشركات التكنولوجية الكبرى في مواجهة التحديات المناخية والمعلوماتية. لتقليل تأثير المعلومات الكاذبة والخطيرة التي تُنكر واقع تغير المناخ وأسبابه(17).
وأشارت دراسة نُشرت في المجلة الأكاديمية (PLOS ONE Journal) بينت أنّ تكرار الادعاءات الزائفة والمشككة في علم المناخ، يزيد من قابلية تصديقها، حتى بالنسبة للأشخاص الذين يقبلون العلم ويشعرون بالقلق من أزمة المناخ.
وتُعد الدراسة، التي أجراها باحثون من الجامعة الأسترالية الوطنية، بقيادة الباحثة الرئيسية ماري جيانغ، بمثابة ورقة علمية عن الدراسة الأولى، التي تختبر تأثير البيانات على أزمة المناخ، إذ تسلط الضوء على مخاطر تكرار ومشاركة المعلومات المضللة(18).
من المعالجات المطروحة
ضمن المعالجات المطروحة، يرى الخبير د. طارق قابيل ان مكافحة المعلومات المغلوطة تتطلب تعاونًا بين العديد من الأطراف، بما في ذلك الحكومات، والشركات التكنولوجية، والمؤسسات الإعلامية. ومن الضروري أن تعمل هذه الأطراف معًا لوضع سياسات وقواعد تحد من انتشار الأخبار الكاذبة. ويمكن لهذه المؤسسات تبادل المعلومات والخبرات لتعزيز الجهود المشتركة في هذا المجال.
ويجب أن تكون التوعية المجتمعية جزءًا أساسيًا من استراتيجية مكافحة المعلومات المغلوطة. ويمكن للمؤسسات التعليمية أن تلعب دورًا كبيرًا في هذا الصدد من خلال تضمين مواد تعليمية حول التفكير النقدي والتحليل الإعلامي في المناهج الدراسية. وإن تعليم الطلاب كيفية التحقق من صحة المعلومات وتطوير مهاراتهم في التحليل يمكن أن يكون له تأثير طويل الأمد في بناء مجتمع واعٍ وناقد.
ولا يمكن تجاهل الدور الذي يمكن أن تلعبه التشريعات والقوانين في مكافحة المعلومات المغلوطة. ومن المهم وضع قوانين تعاقب على نشر الأخبار الكاذبة عمدًا، وتشجع الشركات التكنولوجية على اتخاذ إجراءات صارمة ضد المحتوى المضلل. وينبغي أن تكون هناك معايير واضحة ومحددة لما يُعد محتوى مضللًا، وأن تكون هناك آليات فعالة للتحقق والتطبيق.
ورغم الجهود الجماعية المطلوبة، يبقى لكل فرد دور محوريً في التصدي للتضليل المعلوماتي. ويمكن للأفراد أن يسهموا من خلال ما يلي:
* التحقق من المصدر: التأكد من هوية الجهة التي نشرت المعلومة ودوافعها.
* ممارسة الشك المنهجي: التعامل مع المعلومات المثيرة للجدل بعقل مفتوح ولكن ناقد.
* مشاركة المعلومات الموثوقة فقط: عدم إعادة نشر المحتوى المشبوه.
وللمؤسسات الأكاديمية والبحثية دورها الكبير في مكافحة التضليل، حيث لعبت دورًا محوريًا في مواجهة التضليل المعلوماتي عبر إنتاج الأبحاث العلمية التي تدحض الادعاءات الزائفة، وتوفير مصادر موثوقة للجمهور وصناع القرار. ويمكن لهذه المؤسسات تعزيز تأثيرها من خلال:
- إنتاج محتوى علمي موجه للعامة: من خلال تبسيط المصطلحات العلمية وجعلها أكثر فهمًا للجمهور غير المتخصص.
- إنشاء قواعد بيانات موثوقة: تحتوي على دراسات محدثة وموثوقة، بحيث تكون مرجعًا لكل من يريد التحقق من صحة المعلومات.
- الشراكات مع وسائل الإعلام: لتقديم مصادر موثوقة تُستخدم في تقاريرها مما يعزز ثقة الجمهور في الإعلام العلمي.
- التوعية من خلال ورش العمل والندوات التي تشرح آليات التضليل وتكشف تقنياته(19).
خاتمة
كل ما أوردناه تتطلبه مهمة التصدي لمؤسسات ومراكز التضليل والخداع المأجورة، التي تواصل دورها المرسوم، الذي جعل "حرب الإعلام والمعلوماتية المضللة تشكل ثقلها وأهميتها في غسل الأدمغة والنفوس كذلك، ولا بد لنا من الانتباه إليها والعمل على كشفها وفضحها بكل الطرق والأساليب، التي نمتلكها على وفق حقائق منطقية واضحة وسليمة"(20).
وفي إطار التغيرات المناخية العالمية تواصل المنظمات الدولية المعنية جهودها الحثيثة لمكافحة التضليل الإعلامي على نطاق أوسع، اَخذة بنظر الاعتبار الأساليب الخبيثة المتبعة، وعودة ترامب للرئاسة، وانسحاب بلاده من الاتفاقيات الدولية، والأكيد ان ضم أيلون ماسك لإدارته سيسعى لتبرير الانسحاب بإمكاناته التكنولوجية، وبما يشجع التصدي لعلم المناخ. وبالتالي مواصلة التأثير على الرأي العام رغم صعوبة نجاح التضليل المعلوماتي والإعلامي في يومنا هذا، حيث يهيمن العلم، والتطور التكنولوجي، ورصد الأقمار الصناعية، وتنامي الوعي البيئي، وإمكانية التحقق، وسهولة سرعة التأكد من صحة المعلومة.
مع وجوب الإلتزام بما أورده الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره من ان مكافحة التضليل الإعلامي تتطلب استثماراً دائماً في بناء القدرة المجتمعية على الصمود واكتساب الدراية الإعلامية والمعلوماتية!
الهوامش
(1) انجي مجدي، العالم بحاجة إلى "محكمة مناخ" فمن يحاسب الأقوياء؟،" Independent عربية"،8 / 4/2023
(2) قرار أممي يطلب رأي محكمة العدل الدولية حول التزامات الدول تجاه المناخ،"أخبار الأمم المتحدة"، 29/3/2023
(3) طارق قابيل، "رحلة في عالم التحريف العلمي (7)"، "شبكة بيئة ابوظبي"، 29/11/ 2024.
(4) جوي سليم، التغيّر المناخي والمعلومات المضلّلة: كيف تحوّلت قضيّة البيئة إلى نزاع حول الحقيقة؟، "BBC Newsعربي"، 9/11/2024.
(5) حرية التعبير هي المفتاح لمكافحة التضليل الإعلامي، مكتب المفوض السامي، حقوق الإنسان، الأمم المتحدة، 3/ 11/ 2022.
(6) التضليل الإعلامي، مكافحة التضليل الإعلامي، الأمم المتحدة
(7) الأمم المتحدة والبرازيل تطلقان مبادرة لمحاربة حملات التضليل حول المناخ، المناخ والبيئة: "أخبار الأمم المتحدة"،19 /11/2024
(8) المصدر نفسه.
(9) "أخبار الأمم المتحدة"، 7/11/2024.
(10) الأخبار الكاذبة عن تغيّر المناخ.. لماذا لا تزال فعالة جدا؟،"الجزيرة نت"، 27/12/2023
(11) المصدر نفسه.
(12) سليم. (
13) فاهل شيرن، محاربة تلوث المعلومات لتعزيز بيئة أكثر صحة،" IFEX"،28/9/2023
(14) مارتن كوبلر، التضليل المعلوماتي اتجاه مضاد لجهود مكافحة التغير المناخي،"DW"، 28/1/2024
(15) المصدر نفسه.
(16) كوبلر.
(17) فاطمة حماد، دعوات لتعزيز سياسات مكافحة غوغل للمعلومات المضللة مع اقتراب مؤتمر المناخ، "مسبار"، 26/7/2024.
(18) بيان حمدان، دراسة: تكرار المعلومات المضللة المرتبطة بأزمة المناخ يزيد من إمكانية تصديقها، "مسبار"،13/8/2024
(19) قابيل.
(20) حسب الله يحيى، في التضليل المعلوماتي ،"الصباح"،3/12/2024