تشرين1/أكتوير 10
   

  تحت هذا العنوان كتب د. حميد الهاشمي في مجلة الثقافة الجديدة 453 تموز/ 2025، مقالاً "مقتضباً" كما ذكر في مقدمته، تناول فيه المفكر العراقي البارز الاستاذ عبد الفتاح ابراهيم، بموضوعية، ورصانة علمية، معتبراً اياه "الرائد الأول لعلم الاجتماع في العراق، وفق معياري التخصص والتأليف فيه". وبذلك أصاب كبد الحقيقة، فقد تناول وبشكل "مقتضب" نشأته وسيرته ومسيرته، ومساهماته وتوجهاته الفكرية، ودوره التنويري، مركّزاً على الجانب الفكري لدى الاستاذ عبد الفتاح ابراهيم، وهو الركن الاساسي في المقال.

     قبل أن أطّلع على المقال، قرأت على صفحة فيسبوك الصديق الاستاذ فاضل البدراوي (أبو رنا) تعليقاً على مقال الأستاذ الهاشمي، صحّح بعض المعلومات التي وردت في المقال، حيث ذكر: "عند قراءتي للمقال المذكور وجدت عدم دقة في المعلومات التي سردها الكاتب عن الراحل عبد الفتاح ابراهيم … منها تأسيسه لحزب الشعب، وتأسيس نقابة عمال السكك". وكانت ملاحظاته هذه صحيحة من وجهة نظري، بحسب ما هو متوفر لدي من معلومات.

     وبعد أن اطلعت على المقال كاملاً في عدد المجلة المشار اليه في أعلاه، وجدت في المقال بعض المعلومات التي تحتاج لمزيد من التوضيح، فقد ذكر الكاتب: "قام المؤرشف والباحث شهاب احمد الحميد بجمع تراث المفكر عبد الفتاح ابراهيم وقام بتحقيقه وطبعه ونشره، ويربو على ثلاثة وثلاثين كتاباً …، وكتاب الجذور الفكرية للحركة الديمقراطية في العراق، تأليف مشترك مع كل من محمد حديد وعلي حيدر سليمان".

     لا شك أن الاستاذ شهاب أحمد الحميد قام بجهد توثيقي كبير في جمع تراث المفكر عبد الفتاح ابراهيم، وطبع ونشر عدداً من كتبه، ومن أجل دقة المعلومة، لم يتأكد لنا انه طبع "ثلاثة وثلاثين كتاباً" لعبد الفتاح ابراهيم.

     أما ما تم ذكره "أن عبد الفتاح ابراهيم ألّف كتاب الجذور الفكرية للحركة الديمقراطية في العراق بالاشتراك مع كل من محمد حديد وعلي حيدر سليمان"، أعتقد أن ثمة خطأ في المعلومة، وخلطا – حصل - بين الاسماء، ولكي تتضح الصورة نورد الأسباب والمعلومات الاتية:

أولا: من خلال قراءتي لمذكرات محمد حديد (مذكراتي - الصراع من أجل الديمقراطية في العراق - دار الساقي - لبنان - 2006) لم أجد ما يشير الى ما يؤكد هذه المعلومة، ولم يرد اسم علي حيدر سليمان، وربما يكون المقصود هو حكمت سليمان، الذي عمل مع محمد حديد وعبد الفتاح ابراهيم في "الشعبية". فقد ورد في ص 126 - 127 من المذكرات عن انتماء حكمت سليمان الى "الشعبية"، حيث يذكر محمد حديد: "حضر حكمت سليمان اجتماعاً تمهيدياً ضم كلا من جعفر ابو التمن، كامل الچادرچي. عبد الفتاح ابراهيم ومحمد حديد، وافق حكمت سليمان على الانضمام الى "الشعبية" في مطلع عام 1934". ولنفترض جدلاً أن المقصود هو حكمت سليمان، فهل يصّح أن يقبل به عبد الفتاح ابراهيم شريكاً في تأليف الكتاب وهو المختلف مع سليمان فكراً وسلوكاً وصل الى حد القطيعة.

ثانيا: ان علي حيدر سليمان هو وزير مخضرم في العهد الملكي، حيث شغل العديد من الوزارات التالية: المالية، المواصلات والأشغال، الاقتصاد، وزارة الإعمار، من عام 1948 حتى العام 1954.

ثالثاً: وجود خلاف في المنطلقات الفكرية بين عبد الفتاح أبراهيم وبين كل من محمد حديد، وعلي حيدر سليمان، سيما، الأخير، فكيف يتم الانسجام والاتفاق بين هذه الأطراف على تأليف كتاب موحَّد.

رابعاً- لم أجد، لهذه المعلومة، إشارة أو ذكراً في كل المصادر التي اطلعت وحصلت عليها من كتب، ومذكرات سردها معاصروه أو من العاملين معه، أو مقابلات تمت مع شخصيات وطنية وديمقراطية معروفة عملت معه لفترة طويلة، منها مقابلة هامة أجراها الرفيق الشهيد د. صفاء الحافظ مع الراحل الاستاذ حسين جميل الشخصية الوطنية الديمقراطية المعروفة، والتي عملت طويلاً مع عبد الفتاح ابراهيم، وقد نُشرت هذه المقابلة على صفحات مجلة الثقافة الجديدة في الأعداد (108 آب / 1978، 113 كانون أول/ 1978، 122 كانون الثاني/ 1979).

     ان الأخطاء "الضئيلة" التي أُشير إليها لا تُنقص أو تهضم من القيمة البحثية العلمية لهذا المقال، أو من الجهد الكبير الذي بذله الاستاذ الهاشمي، وربما جاءت تلك الأخطاء بسبب شحّة المصادر التي حصل عليها الكاتب، وندرة ما كُتب عن الاستاذ عبد الفتاح أبراهيم، وجحود المثقفين والكتاب والمتخصصين العراقيين، وبخلهم في الكتابة عنه طيلة ثمانية عقود، باعتباره أحد المفكرين العراقيين الأوائل، وأول من ألّف كتاباً في صلب علم الاجتماع، وهذا ما وضّحه وبيّنه الاستاذ الهاشمي وألقى الضوء عليه في مقاله آنف الذكر.

إن "عدم دقة" بعض المعلومات الني وردت في المقال لا تُثلم أو تُنقص من بحثية وعلمية المقال، ومن الجهد الكبير الذي بذله الاستاذ الهاشمي، ونشدّ على يديه في التوسع في البحث والكتابة عن عبد الفتاح ابراهيم، وكشف المرتكزات الهامة في فكره، التي غابت عن الذين كتبوا عنه.