
مقدمة
يواجه العراق تحديًا جوهريًا يتعلق بالانخفاض الكبير في الإيرادات المائية في أنهاره الرئيسية. يرجع ذلك بشكل أساسي إلى استنزاف الموارد المائية في المنابع، والسياسات المائية في الدول المشتركة بحوضي دجلة والفرات، فضلاً عن الزيادة الهائلة في الطلب المرتبطة بالاقتصاد وبالزيادة السكانية في المنطقة.
تتفاقم هذه المشكلة بسبب تأثيرات تغير المناخ، التي تزداد مخاطرها بالتفاعل مع الآثار الضارة للإدارة البشرية العشوائية للموارد الطبيعية للأراضي والمياه، ومنها انتهاك المحددات الفيزيائية والبيئية الضامنة للاستدامة.
يؤدي نقص المياه إلى نقص في مجمل الخدمات الأساسية التي يحتاجها المجتمع، وينتج عنه مشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية، تمثل خطراً جيوسياسياً، ومصدراً جديداً لعدم الاستقرار والصراعات. لذلك فإن الفشل في تطبيق سياسات مائية مناسبة يؤشر الى فشل عام في الأداء الحكومي.
السدود: حلول سريعة أم أضرار دائمة؟
اتضحت تحديات المياه في العراق في منتصف السبعينيات، بالتزامن مع اكتمال وملء سد كيبان التركي على نهر الفرات، بسعة تخزين تبلغ 30 مليار متر مكعب، وسد الطبقة السوري، أيضًا على الفرات، بسعة تخزين 12 مليار متر مكعب. اقترب نهر الفرات حينها من الجفاف، حيث انخفض تدفقه السنوي إلى العراق إلى 9 مليار متر مكعب لمدة عامين متتاليين، بعد ان كان معدل إيراده 30 مليار متر مكعب بسبب ملء السدين في وقت واحد. أي أن السعة التخزينية التي أنشئت على عمود النهر بلغت 42 مليار متر مكعب، أي ما يزيد على معدل إيراده السنوي بمرة ونصف المرة تقريباً!
جرى الملء المفاجئ للسدين التركي والسوري دون تنسيق مع العراق، وتسبب في نقص مهول للمياه في المدن العراقية الفراتية، وتوقفت الزراعة جزئياً، وكان ذلك حدثاً غير مسبوق تسبب فيه التدخل البشري. فقد كان الفرات قبل ذلك التاريخ يتدفق دون عوائق إلى العراق منذ انحسار العصر الجليدي!
دخل العراق إثر ذلك الحدث مرحلة جديدة، أشرت بوضوح إلى فقدان "السيادة المائية"، إن كان ثمة سيادة على الأنهار العابرة للحدود أصلاً. وحتى ذلك الوقت، لم يكن لدى العراق سدود أو سعة تخزين كبيرة على الفرات، باستثناء بحيرة الحبانية الصغيرة نسبيًا، بسعة تخزين قصوى تبلغ 3 مليارات متر مكعب. وبحيرة الحبانية هي منخفض طبيعي مدمج مع منظومة سدة الرمادي، التي افتتحها الملك الراحل فيصل الثاني في منتصف الخمسينيات. أما سد حديثة فقد أنشئ على الفرات في منتصف الثمانينيات، أي بعد عقد من الزمن عقب بناء سدي كيبان والطبقة في تركيا وسوريا.
تسببت السيطرة على الأجزاء العليا والوسطى من الفرات بصدمة اجتماعية وسياسية واقتصادية غير متوقعة، وسط "الحماس الثوري" المصاحب لصعود حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي حكم العراق منذ عام 1968.
كانت الحكومة العراقية تواجه حينها تحديات أمنية وسياسية داخلية وخارجية كبيرة، وكانت بحاجة إلى تعزيز سلطتها داخليًا. فقد ساهمت الأوضاع الإقليمية في زعزعة الاستقرار السياسي للعراق، خاصة بسبب دعم إيران المباشر للحركة القومية الكردية المسلحة وتدخلها في دعم معارضي حكم البعث في التخطيط لانقلابات عسكرية.
كذلك كانت العلاقات بين الفرعين العراقي والسوري لحزب البعث متوترة، وتميزت بتبادل لأعمال العنف والتفجيرات ومحاولات الانقلاب والتجسس والانشقاقات الحزبية. أما العلاقات مع تركيا فقد كانت أقل عدائية، على الرغم من عضوية تركيا في حلف الناتو، واصطفاف البعث العراقي مع الكتلة الاشتراكية، وتوقيع العراق معاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفيتي، مثّلت في حينها نقطة تحول كبيرة في مسيرة البعث وموقع العراق في الصراعات الدولية، أسفرت أيضاً عن انفتاح نسبي في السماح للحزب الشيوعي العراقي بالعمل العلني ضمن تحالف سياسي مع الحزب الحاكم.
فالدول الأربع التي تفرقها السياسة والمصالح، العراق وسوريا وتركيا وإيران، تشترك في مياه دجلة والفرات وروافدهما بدرجات متفاوتة. وفي خضم التوترات الثنائية والثلاثية والرباعية والتعقيدات الإقليمية، اتخذت مقاربة الموارد المائية المشتركة بعدًا جيوسياسيًا يسعى للتحكم بجريان المياه بمشاريع سدود كبرى أحادية الجانب، على الأقل بالنسبة لإيران وتركيا. لا شك ان هناك حاجة متصاعدة للمياه في تلك الدول، لكن الأنهار العابرة للحدود تخضع فيها المنشآت المخطط لإقامتها الى معايير مختلفة، وردت في قواعد هلسنكي عام 1966 الخاصة بالمياه العابرة للحدود ومنها الاستخدام المنصف والمعقول، وتجنب إيقاع أضرار جسيمة بالدول الأخرى، واللجوء الى مقاربات متكاملة تشمل الحوض النهري كله، وغير ذلك مما وجد طريقه الى اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 المسماة "اتفاقية قانون استخدام مجاري المياه الدولية في الأغراض غير الملاحية".
في العراق، لم تكن قضايا المياه أولوية لدى السلطة لسببين: أولاً، كانت الهموم الأمنية والعسكرية والحفاظ على السلطة أكثر إلحاحًا بالنسبة للحكومة العراقية من تحديات المياه؛ ثانيًا، كان هناك شعور سائد بالاطمئنان لدى الحكومة، والمجتمع العراقي عموماً، بشأن وفرة مياه دجلة والفرات، ولم يكن احتمال نقص المياه هاجساً أو مصدر قلق. بل على العكس، كان الشعور طافحاً بوفرة المياه، وصل حد اقتراح تزويد الكويت والأردن بالمياه، من قبل أعلى المستويات الحكومية ممثلةً بوزير الخارجية طارق عزيز على سبيل المثال. كانت النية هي استخدام المياه سياسياً لكسب النفوذ، وتحقيق هيمنة نسبية على الدول العربية المجاورة من خلال جعلها تعتمد على مياه العراق، دون أي إحساس بأن العراق نفسه سيواجه مأزقاً مائياً حقيقياً.
كانت تلك مقاربة متهورة ومغامرة ومحفوفة بالمخاطر، وقد فشلت في إدراك أن العراق كان يفقد تدريجيًا السيطرة والسيادة على جزء كبير من مياه دجلة والفرات. ولك ان تتصور الموقف لو أن جزءاً من مياه نهر الفرات قد جرى تحويلها الى الأردن، حسب رؤية طارق عزيز، وجزءاً آخر من مياه نهر دجلة جرى تحويله الى الكويت في أوج التسلط البعثي، الذي كان سيغطي الكلفة المالية للمشروعين أيضاً.
كان النقص الحاد في مياه الفرات في 1975 - 1976، الناجم عن إنجاز سدين فقط، نقطة تحول كبيرة، أزعجت حالة "الاسترخاء المائي" في العراق وأدخلته مرحلة الشحة المائية التي انكشفت بأبشع صورها في السنين الماضية. فقد تصاعدت المشاريع التنافسية على الموارد المائية منذ ذلك الحين، وظهر العراق خلال العقود الأربعة الماضية كأكبر الخاسرين، متأثرًا بعواقب الانتقال من وفرة المياه عبر كل تاريخه السابق، إلى الإجهاد المائي كدولة تقع في أسفل الأنهار التي يتحكم بها الجيران!
ومما يؤسف له هو أن مقاربة بناء السدود المتبعة في العراق لم تأخذ بالاعتبار التجربة الفاشلة للسدود الكبرى، التي يبدو أنها مغرية بسبب بعض الفوائد المؤقتة في البدء، لكنها تتحول الى أضرار فادحة على المدى المتوسط والطويل، هذا فضلاً عن دوافع الفساد التي تصاحب مشاريع الصرفيات الكبيرة في بيئة بعيدة كل البعد عن الشفافية.
السياق السياسي لمشكلة المياه
واجه العراق عبر العقود الماضية مخاطر وتحديات إضافية، ساهمت شدتها وتفاعلاتها في تدهور مقلق في الوضع المائي، الذي أصبح شحيحاً وهشّاً ويهدد استقرار المجتمع، الذي كان مهددًا بالتوترات السياسية والإرهاب والفساد والتدخلات الأجنبية.
ففي ضوء ما حصل في نهر الفرات في منتصف السبعينيات، وعوامل أخرى نابعة من أيديولوجية وطموحات حزب البعث، اتخذت السلطات العراقية قرارات وبدأت مشاريع كبرى في اتجاهين: أولاً، تدابير سياسية على المستويين المحلي والإقليمي؛ ثانيًا، تدابير فنية واقتصادية تتعلق بتنفيذ مشاريع البنى التحتية في قطاعات اقتصادية مختلفة، ومنها قطاع المياه.
كانت تلك التدابير مرتبطة بوضوح بتطورات السيطرة المفاجئة على تدفق نهر الفرات في السبعينيات في تركيا وسوريا، مع انعدام السيطرة في الجزء العراقي من النهر. وتمثل الجانب السياسي لتلك التدابير الحكومية على المستوى الإقليمي في اتفاقية الجزائر عام 1975 مع إيران لمعالجة قضية عراقية داخلية، هي القضية الكردية، وبعض تداعياتها الإقليمية.
أما الاتجاه الثاني فقد شمل تنفيذ مشاريع ري واستصلاح كبرى على نهري دجلة والفرات ردًا على التطورات غير المتوقعة، مثل تلك التي حدثت على الفرات. وهذه المشاريع الاستصلاحية الكبرى كانت تناسب العقلية "الثورية" لسلطة البعث المهووسة بحجم المشاريع وليس جدواها، والتي جرى تنفيذها في أوقات صار واضحاً حينها بأن مشاريع الاستصلاح الكبرى، التي تغطي مساحات شاسعة ومدن وقرى وأراضي هي أقصر طريق الى الفشل منه الى النجاح. وان كلفتها الاجتماعية والاقتصادية كبيرة جداً، مثل نزوح العوائل المستقرة والتعويضات، وإيقاف النشاط الزراعي لعدة سنوات، أو تجريف بساتين لفتح قنوات ومبازل، اتضح انها ليست ذات فائدة في ظل انحسار الإيرادات المائية.
كانت اتفاقية الجزائر واحدة من أخطر الأحداث التي رسمت مستقبل العراق والمنطقة، حيث كانت المياه، خاصة الحدود النهرية بين العراق وإيران، الشرارة التي أدت إلى الحرب العراقية الإيرانية المدمرة التي تلت ذلك. وقد شملت اتفاقية 1975 ترتيبات بشأن "الأنهار الحدودية" إلى جانب "الحدود النهرية". قُسّمت الأنهار الحدودية إلى ثلاث فئات:
- "الأنهار المتجاورة" وهي الأنهار التي تتبع خط الحدود بين البلدين، وقد ذكرت بالاسم على ان تجري قسمتها مناصفةً بين البلدين.
- "الأنهار المتتابعة" وهي الأنهار التي تقطع خط الحدود بين البلدين، وقد ذكرت بالاسم ايضاً، على أن تجري قسمتها على أساس تقارير لجنة تخطيط الحدود الإيرانية-العثمانية عام 1914.
- وفئة ثالثة غير مسماة كان سيتم الاتفاق بشأنها وفقاً لأحكام الاتفاقية القائمة (افتراضاً) على مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل.
أعتقد شخصياً بأن الاتفاقية نصّت على تقسيم عادل لمياه الأنهار المتجاورة والمتتابعة على أساس المناصفة أو على أساس مرجعية اتفاقية 1914 العثمانية-الإيرانية. أما الإشكالية الحقيقية فقد كانت في إعادة تعريف الحدود النهرية بين البلدين في شط العرب. فقد انتقلت الحدود بين البلدين من الضفة الشرقية، حيث تلتقي المياه باليابسة، مما يجعل شط العرب عراقيًا بالكامل، إلى خط التالوك (الخط العميق من الشط)، أي منح إيران السيادة على نصف شط العرب بعد عقود من النزاع بين الإيرانيين والعثمانيين والبريطانيين!
كانت هذه الاتفاقية، التي وقّعها صدام حسين في لحظة ضعف، السبب الرئيسي للحرب العراقية الإيرانية 1980-1988، بعد ان شعرت حكومة صدام حسين بالقوة إزاء إيران التي أنهكتها أحداث الثورة الإسلامية عام 1979، التي أدت الى إسقاط الشاه وإنشاء الجمهورية الإسلامية في إيران.
كانت الحرب العراقية الإيرانية صراعًا ساديّاً مدمراً، فشل في حلّ أي من القضايا العالقة بين البلدين، بما في ذلك قضية المياه والحدود النهرية لاتفاقية 1975. وما زالت القضية المائية بين البلدين مقلقة وغامضة، وقامت إيران، وبالضد مما جاء في نص الاتفاقية، بالسيطرة على جميع الروافد والأنهار المشتركة المتجاورة والمتتابعة، وأكملت سيطرتها على مياه نهري الكرخة والكارون وحجبهما عن الوصول إلى مصباتهما التقليدية في جنوب العراق. وكان لهذه الأفعال آثار مدمرة على الأهوار العراقية، وهي المناطق المغمورة تاريخيًا ومهد الحضارة السومرية.
العلاقة المائية مع تركيا
فيما يتعلق بعلاقة العراق المائية مع تركيا، يبدو الوضع أوضح منه مع إيران ولكنه لا يقل تعقيداً. على مدى أربعة عقود، نفذت تركيا "مشروع جنوب شرق الأناضول"، الذي يتضمن بناء سدود كبيرة لتخزين المياه للزراعة وتوليد الطاقة الكهرومائية. وقد أنشأت منذ منتصف السبعينيات، سلسلة من السدود، آخرها سد إليسو الضخم على نهر دجلة بالقرب من الحدود العراقية.
في عام 1946، وقّع العراق وتركيا معاهدة صداقة وحسن جوار مع ملحق خاص بالمياه. كانت المقاربة تجاه مياه دجلة والفرات متقدمة وواقعية ومتجذرة في حسن الجوار، وتهدف إلى استمرار السلام والتنمية. اتفق الطرفان على أن تُبنى السدود والبنية التحتية المتعلقة بالمياه، مثل محطات القياس الهيدرولوجية، في الأراضي التركية لقياس مستويات المياه أو تخزينها مع تحمل العراق التكاليف.
لم تكن لدى تركيا في ذلك الوقت مثل هذه البنى التحتية في الأجزاء العليا من الأنهار بسبب عدم الحاجة إليها، وكان بناء السدود طلبًا عراقيًا للتخفيف من أضرار الفيضانات في العراق. وكان من المفترض أن تحدد الفرق الفنية العراقية مواقع السدود ومحطات القياس في تركيا، مما يشير إلى تفوق العراق في القدرات الفنية والبشرية. للأسف، تم إهمال اتفاقية 1946، التي لا تزال سارية بسبب عدم وجود حد زمني لها من قبل العراق. أدى هذا الموقف غير المسؤول إلى خسائر كبيرة في تدفقات المياه إلى العراق، حيث قامت تركيا ببناء مشاريع ضخمة على دجلة والفرات بشكل أحادي دون تنسيق، تاركةً العراق كمتلقي سلبي في أسفل النهر.
أنجزت تركيا بناء سدود كبيرة وصغيرة، منها خمسة سدود على الفرات وحده (كيبان، كاراكايا، أتاتورك، كركامش، وبيرجيك)، بسعة تخزين مجمعة تتجاوز 90 مليار متر مكعب، أي ثلاثة أضعاف متوسط تدفق الفرات السنوي. ومع إضافة 14 مليار متر مكعب لسوريا و8 مليارات متر مكعب لسد الحديثة في العراق، يبرز التحكم المفرط في نهر بمتوسط تدفق سنوي يبلغ 30 مليار متر مكعب. نتيجة لذلك، خسر العراق 50% من تدفقات الفرات السنوية خلال العقود الأربعة الماضية، مع توقعات تشير إلى وضع أسوأ، قد يصل إلى خسارة ثلثي التدفقات بناءً على اتفاقية مؤقتة (أصبحت الآن شبه دائمة) حيث تطلق تركيا في المتوسط 500 متر مكعب في الثانية عند الحدود السورية، حيث يتلقى العراق 58% (9 مليارات متر مكعب سنويًا)، وتركيا 15 مليارا، وسوريا 6 مليارات.
المشاريع الاروائية
على خلفية الاحتياجات المائية المتزايدة، خاصة بعد السيطرة شبه الشاملة على جريان نهر الفرات خارج الحدود، نفذت الحكومة العراقية مشاريع ري كبرى، مثل مشروع الثرثار في نهاية 1978، الذي يربط بين دجلة والفرات. كان الهدف من مشروع الثرثار هو تعزيز تدفقات الفرات خلال فترات الشحة باستخدام مياه بحيرة الثرثار، التي تتغذى من نهر دجلة في مواسم الفيضان. فقد كانت إيرادات نهر دجلة تبلغ حوالي 50 مليار متر مكعب في بغداد، ولم يكن مسيطرا عليه وعلى روافده خارج الحدود، كما هو الآن.
سهّل مشروع الثرثار الربط الهيدروليكي بين النهرين عن طريق سدة سامراء الواقعة على نهر دجلة الى الشمال من بغداد، ومنح النظام المائي العراقي مرونة عالية تمثل استجابة ضرورية للتغيرات المباغتة لحالة نهر الفرات بعد انشاء السدين التركي والسوري، كيبان والطبقة، فضلاً عن تأمين حماية العاصمة بغداد من آثار الفيضانات المتوقعة، كما حصل في الأعوام 1954 و1969 وآخرها في عام 1988 الذي كان من أكبر الفيضانات التي شهدها العراق.
كذلك بدأت الحكومة تنفيذ مشاريع استصلاح أراضي واسعة النطاق، خاصة شمال وغرب بغداد وفي وسط العراق، لتأمين الأسواق الغذائية وإنعاش الزراعة، بعد ركود القطاع الزراعي وتلكؤ تنفيذ "قانون الإصلاح الزراعي" في العهد الجمهوري.
كان هدف الحكومة العراقية على مستوى الشعارات تحقيق التقدم وتنمية القطاع الزراعي، والوصول الى الاكتفاء الذاتي من الإنتاج والقضاء على الإقطاع وما شابه ذلك. إلا أن مفعول الإجراءات الحكومية كان في الكثير من الأحيان عكسياً، واعتمدت كلياً على العائدات النفطية التي تحوّل إثرها الريف العراقي الذي كان منتجاً، الى قطاع هامشي يتكئ على الدعم الحكومي، بعد أن كان في العهود التي سبقت ذلك، وبالأخص العهد الملكي، ينتج ما يزيد على حاجة السوق المحلي من المحاصيل.
توفر التكنولوجيا والعلوم والهندسة سبلاً ناجعة للتعاطي مع مشكلات نقص المياه وإدارتها، ولكنها تعجز عن ان تكون الحل الوحيد في بلد مثل العراق يقع في الجزء الأسفل من الأحواض النهرية ويعتبر بلد مصب، وحيث تتكون أكثر من 70% من مياهه خارج حدوده الوطنية.
بالطبع هناك إجراءات وسياسات لا تقل فعالية وكفاءة في الاستجابة للمتطلبات الضاغطة الجديدة، مثل تعزيز القدرات للصمود خلال فترات الإجهاد المائي، وتطوير البدائل المستدامة، والحوكمة الرشيدة واتباع المقاربة الذكية للموارد المتاحة فضلاً عن التوصل الى اتفاقات منصفة مع الجيران مبنية على مبادئ القانون الدولي، وابتكار سياسات تكيف مناسبة في ظل أوضاع تزداد تنافسية وصعوبة. وبدون ذلك تكون المقاربة ناقصة ووحيدة الجانب ولا تقدم حلولاً.
سياسات المياه في حوض الرافدين
تتبع الدول الأربعة المشتركة بحوضي دجلة والفرات سياسات مائية متشابهة في الجوهر برغم المقاربات والدوافع المختلفة لكل منها. فهي تعتمد سياسات السيطرة على المياه من خلال إنشاء سدود تخزينية كبيرة، ومنشآت تحويلية.
وهذه السياسة المائية كانت "مبررة" نسبياً في العراق الذي سبق جيرانه بعقود في بنائها، بسبب ان مياه الرافدين والروافد جميعها كانت تجد طريقها الى العراق بدون أي عوائق، وكانت تتسبب في أوقات الفيضان بأضرار مادية كبيرة في ظل محدودية الموارد المتاحة للدولة في معالجة آثار الفيضان وحماية المدن والأفراد والممتلكات. ولكن استمرار هذا النهج حتى الوقت الحاضر، وخاصة في دول الجوار، لم يعد مبرراً، لأنه مضرّ وغير مستدام. أما استمرار بناء سدود كبيرة في العراق فهو عمل غير مسؤول، ويعتبر هدراً للمال العام.
من الجدير ذكره أن سياسات السيطرة وبناء السدود سادت في النصف الثاني من القرن العشرين في مختلف بلدان العالم، ومنها منطقتنا. فقد فتح "اختراع" السدود المائية مجالاً واسعاً أمام الدول لتحقيق تنمية وإدارة "فعالة" للموارد المائية خلال فترات وجيزة نسبياً. وشهد القرن العشرون "ثورة" لبناء السدود على الأنهار بضمنها 60 ألف سداً كبيراً. ويحتل سد أتاتورك التركي على نهر الفرات مرتبة متقدمة في قائمة السدود الكبرى في العالم من حيث حجم التخزين.
لعبت السدود التخزينية التي أنشئت في البلدان المختلفة أدواراً متباينة في تغيير الدورة الطبيعية للمياه وأحدثت اضطرابات غير مفهومة كما ينبغي، لكنها فاقمت من الاضطرابات التي قد تكون ناتجة عن التغيرات المناخية أيضاً. ولدينا في حوضي دجلة والفرات نموذج لحجم السيطرة والتخزين والاضطراب في الدورة السنوية الطبيعية للموارد المائية. فحجم الطاقة التخزينية المنشأة على الفرات ودجلة والروافد يزيد على 170 مليار متر مكعب، وهذا الرقم أكبر بكثير من الإيرادات الطبيعية للنهرين وبالتالي فهو غير مستدام وجائر، ويؤدي على المدى البعيد الى تغيير أنماط ومواسم الأمطار وسقوط الثلوج في أعالي الأنهار وغير ذلك.
من الصحيح أن بعض السدود الكبرى أنقذت حياة ملايين الناس وأبعدت عنهم شبح الموت عطشاً أو جوعاً، إذ أنها وفّرت خزيناً مائياً في مواسم الوفرة لاستخدامها في مواسم الشحة والجفاف. فضلاً عن أنها وفرت وتوفر طاقة كهرومائية نظيفة وصديقة للبيئة. لكن مع تزايد الوعي البيئي منذ نهاية الثمانينات ظهر أن الفوائد القصيرة المدى من إنشاء السدود الكبرى لا تقارن بحجم الأضرار البيئية الناجمة عنها على المديات الأبعد. والعراق نموذج لحجم الضرر الذي أحدثته السدود ونتج عنها الانحسار البطيء المتجه نحو الجفاف لأهم ظاهرة هيدرولوجية وأيكولوجية وثقافية ممثلةً بالأهوار العراقية في الجنوب. هذا فضلاً عن التوسع المنفلت لظاهرة التصحر وانكماش الغطاء الأخضر وفقدان التنوع الأحيائي السائد عبر آلاف السنين وتحطيم الشروط الساندة للحياة في المناطق الريفية.
أهوار العراق: التجفيف المتعمد
على مدى الخمسين عامًا الماضية، شهد العراق أحداثًا كبيرة عطلت التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتميزت بعدم الاستقرار السياسي، والحروب غير المبررة، وسوء تخصيص الموارد المالية. وقع قطاع المياه ضحية للحروب، والأولويات المنحرفة، والتسييس، وبلغ ذروته في التجفيف المتعمد لأهوار العراق في التسعينيات كأحد أهداف الحكومة الصدامية. دمر ذلك إحدى أهم الظواهر الهيدرولوجية في العراق وغرب آسيا، مما قضى على احتياطي مائي هائل يتجاوز 20 مليار متر مكعب في الأراضي المنخفضة الجنوبية. وتسبب في تغييرات مدمرة في حوكمة وتشغيل المياه، ما أدى إلى تغيير قسري في الأنماط الزراعية واستخدام الأراضي. لقد حافظ احتياطي المياه في الأهوار على توازن بيئي قديم، وحفظ بقايا الحضارة السومرية، وضمن جودة المياه العذبة في شط العرب، وأثر إيجابيًا على المناخ المحلي، وكان محطة رئيسية للطيور المهاجرة، وقدم فوائد بيئية ومجتمعية لا حصر لها.
لم تواكب جهود الحكومة العراقية من أوائل التسعينيات حتى عام 2003 تدابير السيطرة التي اتخذتها الدول المجاورة، التي قلت من تدفقات المياه إلى العراق. وقامت الحكومة نفسها وبأوامر مباشرة في تجفيف 90% من الأهوار. وكان ذلك عملاً حكومياً سهلاً نسبياً، لأن القضاء على الأهوار العراقية "ينجز" عند تقليل، أو قطع، الإيرادات المائية عنها. وكانت الإجراءات التي قامت بها دول الجوار عن طريق السدود المنشأة حديثاً تؤدي نفس الغرض، وتحاكي رغبة الحكومة العراقية في منع وصول أي إيرادات مائية الى مناطق الأهوار، لأسباب سياسية وأمنية بحتة.
حصل، إثر التجفيف، اختلال في المعادلة العضوية بين الغذاء والمياه، وهو اختلال ما زال مستمراً الى اليوم. فالزراعة في العراق إروائية، أي أنها تعتمد كلياً على استخدام تقنيات الري ووسائل السيطرة على جريان المياه، والتحكم بتوزيعاتها وغير ذلك. أما الأهوار العراقية، التي جُففت بقرار سياسي وباستخدام جهد الدولة الهائل، فكانت تغطي أكثر من نصف حاجة السوق المحلي من الثروة السمكية والمنتجات الحيوانية الأخرى.
جرى الاختلال بين المياه والغذاء تحت ضغط توجهات أيديولوجية، أنتج التعسف في تطبيقها واقعاً زراعياً هجيناً ومشوهاً مقابل خدمات الري المستقرة منذ القدم بسبب الوفرة المائية المعتادة. انتهى الأمر الى ان القطاع الذي يستهلك 80% من موارد المياه العراقية، أي الزراعة، صار ينتج أقل من 30% من حاجة السوق المحلي للغذاء، واستمر النفط في تغطية تكاليف استيراد الـ 70% المتبقية من حاجة السوق. ونتيجة لتلك السياسات أمسى القطاع الزراعي، الذي يعمل فيه ثلث عدد السكان، عاجزاً عن الاستمرار من دون الدعم الذي تقدمه الحكومة للقطاع، وهو منذ عقود قطاع غير مربح مادياً برغم أهميته سياسياً واجتماعياً لاستقرار الدولة والمجتمع.
هناك أيضاً مشكلة أكثر تعقيداً وهي قيام العراق، ومنذ عقدين على الأقل، باستيراد مياهه افتراضياً من دول الجوار. أي أن المياه التي كانت تاريخياً تجري الى العراق لينتج منها كفايته من الغذاء، أمست تُحجز في بلدان الجوار وتستخدم في إنتاج محاصيل وثروة حيوانية تصدر منتجاتها إلى العراق لسد النقص الحاصل في السوق نتيجة لانحسار المياه. وهذه قضية غاية في الخطورة ولم تحظ للآن بانتباه الحكومة والمجتمع برغم التحذيرات المستمرة.
عامل تغير المناخ
تغيّر المناخ ظاهرة عالمية، وليست إقليمية أو وطنية، مع تأثيرات عابرة للحدود. لا يمكن لأي دولة أن تمنع تأثيراته بشكل فردي، والخيار الوطني الوحيد هو التكيف. يتعارض التكيف مع المقاربات الوطنية التقليدية في جميع القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك الموارد المائية. وفي العراق، لا يمكن تصنيف العوامل التي أدت وتؤدي الى ارتفاع حرارة سطح الأرض، وتقلص الغطاء الأخضر، وجفاف الأهوار وانتشار الفقر، والنزوح من القرى والأرياف الى حواشي المدن، على أساس كونها نابعة من التأثيرات المناخية، التي يشترك بها مع محيطه الإقليمي والعالم أجمع، فمعظمها نتاج عوامل محلية تتعلق بالتعسف في إدارة الموارد المائية، والسيطرة الشاملة عليها والتحكم في جريانها.
صحيح أن العلاقة بين ما هو محلي أو إقليمي وما هو عالمي (Global) هي علاقة تفاعلية يؤثر من خلالها أحدهما في الآخر، ولكن الانعكاس المحلي لمظاهر التغيرات في الطقس السائد، التي تفهم خطأً على انها تغير مناخي، تكون أكثر شدةً عندما تكون السياسات والبرامج والمشاريع الوطنية متعارضة مع مبادئ التكيف المعروفة.
على سبيل المثال تتعارض مشاريع السيطرة الشاملة على الموارد المائية لنهري دجلة والفرات عن طريق السدود ومنشآت تحويل مجاري الأنهار، مع فكرة التكيّف مع التغيرات المناخية. فالسيطرة الشاملة على موارد النهرين المائية والتحكم بها تخضعها تماماً الى "العامل البشري" في البلدان الأربعة. وأعمال تصميم وتنفيذ وتشغيل المنشآت العملاقة كالسدود مثلاً يقوم بها موظفون في العراق وتركيا وسوريا وإيران، وليس للمناخ من يمثله في تلك اللوحة الغامضة والمربكة من المصالح المتعارضة لدول الحوضين الأربعة، التي تقع جميعها بالنتيجة ضحية اضطرابات المناخ وتجلياته المتطرفة سواءً كانت جفافاً غير مألوف أو فيضاناً مفاجئاً.
ينطبق الشيء نفسه على جفاف الأهوار العراقية المدرجة منذ عام 2016 على لائحة التراث العالمي لليونسكو. فقد جففت بناءً على قرار سياسي في التسعينات وقطعت مغذياتها النهرية بإجراءات هندسية ومنشآت أقيمت لهذا الغرض. وبعد عام 2003 تغيرت السياسة الحكومية في العراق من التجفيف الى إنعاش الأهوار، ونجحت نجاحاً نسبياً لكنه ليس مستداماً بسبب توسع السيطرة على المنابع ومجاري الأنهار. مع ذلك هناك من يدعي بأن تقلص المساحات المغمورة بالمياه او جفافها هو بسبب التغير المناخي، وهذه مغالطة واضحة في إلقاء اللوم بعيداً عن المسؤولية النابعة عن فشل الحوكمة في هذا القطاع الهام الذي يمس حياة الملايين من المواطنين. فجفاف مساحات الأهوار في أعوام 2021 الى 2022 جرى بقرار تشغيلي قضى بتحويل الحصص المائية المخصصة لاستدامة الأهوار الى استخدامات أخرى.
يمكن على سبيل المثال تلمس التأثير المحلي المباشر لتجفيف المساحات المغمورة بالمياه في الجنوب العراقي نتيجة للقرارات التشغيلية إياها، في الفرق في درجة الحرارة على اليابسة او في مكان قريب في زورق وسط الأهوار. فالفرق المحسوس يكون بحدود 6 درجة مئوية في نفس اللحظة من اليوم نفسه. هذا الفرق الكبير ناتج عن فعل الأهوار، أو أي مساحات مغمورة بالمياه، باعتبارها سطحاً يمتص أشعة الشمس ولا يعكسها، أي يسهم مباشرة في الإحساس بلطافة الجو في أجواء الصيف الحارقة في العراق. أما المساحة الجافة فان قدرتها على عكس أشعة الشمس مباشرة عن سطح الأرض تقترب من 100% وتسهم في رفع حرارة الجو قرب السطح مباشرة، ويكون الفرق في الحالتين حوالي 6 درجات مئوية على الأقل. هذا الإحساس المباشر بالفرق في حرارة الجو ليس نابعاً من التغير المناخي بل من الإجراءات التشغيلية الخاطئة التي تضاعف من شدة تأثير التغير المناخي على المستوى المحلي. هذا التأثير سيكون على المديات الأبعد أكثر خطراً، لأنه تأثير تراكمي يشتد مع الابتعاد عن سياسات التكيف المطلوبة.
يخلق التغير المناخي شروطاً غير مألوفة وخطيرة في منطقتنا ذات تأثير يهدد الحياة بصورتها المألوفة. وهو إن لم يكن بحد ذاته تهديداً مباشراً ومحسوساً، فهو بدون شك يضاعف حجم المخاطر المألوفة الاخرى، التي يتسبب بها الإنسان ويزيد من تعقيداتها وشدة تأثيرها. وبما ان العراق والى جانبه إيران وسوريا وتركيا المشتركة بمياه الرافدين أعضاء في الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي (UNFCCC) فإن مواصلة السياسات المائية السائدة منذ قرون يؤدي الى فشل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وعلى وجه التحديد الأهداف: الاول والثاني والسادس والثالث عشر والخامس عشر. وإن الإخفاق في تحقيق تلك الأهداف يؤدي الى المزيد من الفقر، والنزوح، وانعدام الأمن الغذائي والمائي، وانتهاك حقوق الانسان، وخاصة الفئات الاكثر هشاشة في ظروف عدم الاستقرار. ولا شك في أن انعقاد مؤتمري الأطراف في دورته السابعة والعشرين في شرم الشيخ ودورته الثامنة والعشرين في دبي يقرّب هذه التظاهرة الكبرى من المنطقة، ويزيد الوعي بأهمية المقاربات الإقليمية المشتركة للتكيف مع التغيرات المناخية والابتعاد عن التضحية بالبيئة لصالح منافع مؤقتة توفرها السيطرة المطلقة على مجاري المياه الدولية العابرة للحدود.
الخلاصة العامة
يحتاج العراق بشكل عاجل إلى إعطاء الأولوية لقضية المياه كضرورة للاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. على الرغم من حساسية وضع المياه في العراق كدولة في أسفل النهر، فإن الاهتمام الرسمي والعام بالمياه يبلغ ذروته فقط خلال مواسم الندرة ويتلاشى عندما تتحسن تدفقات المياه. يجب على العراق تحويل هذه القضية إلى أولوية وطنية متجذرة في المجتمع، وليست مصدر قلق عابر. فمشاكل المياه هي حقائق ملحّة لا يمكن تجنبها من خلال الشكاوى من ظلم الجيران، بل تتطلب تدابير مبتكرة وفعالة لنقل العراق من الاستقبال السلبي إلى الاستجابة الاستباقية للظروف الجديدة، وتقديم خدمات مائية أفضل للمجتمع.
تتضمن إدارة الموارد المائية عمليات مترابطة تشمل التخطيط، والتشغيل، والصيانة، والتسعير، والتأهيل البيئي، وسن القوانين الضرورية، وتحديد مسؤوليات المؤسسات التي تدير أو تستخدم المياه، بهدف تحسين حوكمة قطاع المياه أفقيًا، عبر المؤسسات المركزية، وعموديًا في العلاقات بين المركز والأقاليم والمحافظات ومستخدمي المياه. وبالتالي، يجب على أصحاب المصلحة إعطاء الأولوية لإصلاح قطاع المياه كأداة رئيسية لمكافحة الفقر، وبالأخص في المناطق الريفية التي تعاني من ندرة المياه حيث الزراعة هي النشاط الاقتصادي الوحيد.
كذلك تشكّل ندرة المياه أو تلوثها مخاطر صحية عامة كبيرة، تتسبب في انتشار الأمراض، وسوء التغذية، والفقر. ولذلك يحتاج العراق بشكل عاجل إلى مراجعة تعامله مع قضية المياه المعقدة، سواء فيما يتعلق بانعدام التوافق الدولي مع الدول المجاورة التي تشترك في دجلة والفرات وروافدهما، أو تأثيرات تغير المناخ، أو الحاجة إلى فصل مياه الشرب عن قطاع الري لضمان الوصول بنسبة 100% إلى مياه الشرب بغض النظر عن السنة المائية (فيضانية كانت معتدلة أم شحيحة).
ويبقى الحل البارز، على الأقل للاستخدامات المنزلية هو تحلية مياه البحر لتلبية الاحتياجات في المدن وسط وجنوب العراق. فقد تغير الواقع السياسي في العراق منذ عام 2003، مع صلاحيات دستورية جديدة للأقاليم والمحافظات، ما يستلزم إصلاح قطاع المياه ليتناسب مع الظروف السياسية والمناخية والدستورية الجديدة. يتطلب ذلك خلق بيئة تشريعية وسياسية وتنظيمية لتنفيذ الإصلاحات القطاعية الضرورية، وتطوير آلية قانونية مخولة لتنفيذ هذه الإصلاحات، وضمان انتقالات سلسة من قطاع مجزأ بمسؤوليات مؤسسية غير واضحة إلى قطاع متماسك ومتكامل وشفاف يشرك أصحاب المصلحة بنشاط في صنع القرار ويستفيد من نتائج الإصلاح لتحقيق تنمية مستدامة لقطاع المياه.
د. حسن الجنابي: وزير الموارد المائية الأسبق، سفير سابق لدى تركيا واليابان ومنظمات الأمم المتحدة في روما