تشرين2/نوفمبر 28
   
 
 
تقديم
 الدمقراطية: موجبات سياسية عصرية 
    اقترن استخدام لفظة الديمقراطية في بعض منتديات السياسة في العاصمة العثمانية إستانبول، بالتعبير عن مسعى فكري وسياسي قام به الصدر الاعظم مدحت باشا (1822-1884) لتعديل النظام القائم على الحكم المطلق نحو نظام دستوري يحد من السلطة المطلقة بمنحة طوعية يمن بها السلطان على رعاياه. ويعد دستور (1876) في عهد السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909) اول استجابة من مؤسسة السلطنة لشكل من اشكال الممارسة لفكرة الديمقراطية.(1).
    في سنة (1908) وقع الانقلاب العثماني الذي اجبر السلطان على اعادة العمل بالدستور مذ علق العمل به بعد نحو عام من صدوره، وكان شعار (حرية عدالة مساواة) تعبيرا عن المنهج الانقلابي لجمعية الاتحاد والترقي وريثة تركيا الفتاة. وقد اتخذ هذا المنحى الثوري الديمقراطي بعدا اقليميا بتزامن الانقلاب العثماني مع حركة المشروطة في ايران (1905-1911)(2).
    استنادا للدستور تشكل مجلس المبعوثان (النواب) الذي مقره إستانبول، ويمثل السلطة التشريعية، وتشكلت الاحزاب خصوصا الاتحاد والترقي الحاكم والحرية والائتلاف المعارض، ولكلاهما من يمثلهما في بغداد ومراكز الولايات. وبعد اغتيال الصدر الاعظم محمود شوكت باشا (1856-1913) هيمن الاتحاديون على الحكم وجروا الدولة العثمانية الى اتون الحرب العالمية الاولى (1914)(3).
  بعد الاحتلال البريطاني للعراق (1914-1918) وسنتين من الحكم المباشر (1918-1920) وتنفيذا لأهداف الانتداب على العراق الذي تقرر بموجب معاهدة سان ريمو (1920) ولاحتواء الثورة التي اندلعت احتجاجا على ذلك، قام برسي كوكس (1864-1937) المعتمد السامي البريطاني بتشكيل حكومة مؤقتة برئاسة عبد الرحمن النقيب (1841-1927) بتاريخ (25/10/1920)(4). وبعد تتويج الامير فيصل بن الحسين (1883-1933) ملكا على العراق في (23/8/1921) استقالت حكومة النقيب في اليوم نفسه تجاوبا مع "التقاليد الديمقراطية" ونسب الى توفيق السويدي (1893-1968) القول ان النقيب لم يقدم استقالة حكومته الا بعد وعد بإعادة تكليفه برئاسة الحكومة الجديدة(5)، والتي تأخر الاعلان عنها حتى (12/9/1921) بسبب ضغط الملك تحت عنوان " الشورى " لاقناع النقيب باستبدال بعض وجوه وزارته السابقة(6). وفي (13 تشرين الاول 1922) وقعت حكومة النقيب الثالثة (28/9/-16/11/1922) على صيغة معاهدة افرغت صك الانتداب في بنودها. واشترطت وجوب ابرامها من قبل مجلس تأسيسي منتخب(7)، وهذا يوجب اجراء انتخابات. تقول المس بيل ان النقيب وقع المعاهدة وهو معصوب الرأس يردد "أمري لله"(8)، واشتراط حكومة دستورية نيابية ديمقراطية، يعني ممارسة ثانية للديمقراطية بعد بيعة فيصل ملكا وكلاهما لم يكن النقيب راغبا فيهما(9). وبمناسبة اشتراطه حكومة ديمقراطية، روي ان النقيب سأل شيخا وفد عليه: هل انت ديمقراطي؟ فنفى الشيخ ذلك متسائلا عما تعنيه الكلمة؟ فأجابه النقيب: أنا شيخ الديمقراطية! فاستدرك الشيخ: انا أحدهم لأني في خدمتك دائما، ولكن ماذا تعني؟ فقال النقيب: تعني المساواة، فليس فيها كبير ولا صغير والجميع في سوية واحدة، فقال الشيخ: الله يشهد اني غير ديمقراطي(10). وطرفة كهذه تقدم انطباعا بأن الفكرة الديمقراطية كانت مشوشة بعيدة عن دلالاتها السياسية والاجتماعية وموضوع تندر لأرباب السلطة بين رؤساء المجتمع.
 
آفاق لديمقراطية مرتقبة في القانون الأساسي (1925)
  بعد جهود مضنية تمكنت حكومة عبد المحسن السعدون الاولى (18/11/1922-12/11/1923) من اجراء انتخابات المجلس التأسيسي، وقوامه (100) عضو يمثلون الوية العراق الاربعة عشر (احدث لواء كان اربيل في سنة 1923)، وقد تولى السعدون (1879-1929) نفسه رئاسة المجلس التأسيسي الذي صادق على المعاهدة في (10/6/ 1924). وفي شهري تموز وآب على التوالي من السنة نفسها شرع المجلس القانون الاساسي (الدستور) تلاه قانون انتخاب النواب وبهما اختتم المجلس التأسيسي اعماله(11). وتأخر نشر الدستور حتى آذار (1925).
    على الرغم من ان لفظة الديمقراطية لم ترد في القانون الاساسي الا ان مضامين النسق التراتبي في مواده الـ(123) كانت تقدم لأول مرة صياغات قانونية يفضي تنفيذها الى نظام سياسي بمبادئ ليبرالية وديمقراطية كالحرية والمساواة. وكان لهذه الالفاظ فضاءات في صحافة عهد الانقلاب من قبل، ثم ترددت في كلمات وخطب فيصل على مستمعيه وتناقلتها الصحافة قبل التتويج وبعده(12).
   كان ناجي السويدي (1882-1942) أبرز رجال القانون في المجلس التأسيسي ممن انيط بهم مراجعة لائحة (الدستور) المعدة من قبل موظفي المشورة البريطانية(13). وقد اقر القانون الاساسي للمملكة السيادة الدستورية للامة، وجعل النظام السياسي قائما على سلطات ثلاث هي السلطة التشريعية ممثلة بمجلس الامة، وهو مؤلف من نواب منتخبين من الذكور حصرا واعيان يسميهم الملك. وللحكومة مهام السلطة التنفيذية يختار الملك رئيسها ويوافق على من يسميهم رئيس وزراء فيها واستمرارهم مشروط بنيل عضوية أحد المجلسين (النواب او الاعيان)، ويتعين ان يقترن تشكيل الحكومة واستمرار بقائها بثقة مجلس الامة. ومن أخص واجبات الحكومة ضمان الامن وتعزيز علاقات التعاون الدولي وتحقيق التقدم والرفاهية في مجالات التعليم والصحة وغيرهما. والسلطة القضائية مستقلة وواجبها تحقيق العدل في تطبيق القانون. وكفل القانون الاساسي الحريات العامة وأخصها التعبير عن الرأي والاجتماع وتشكيل الجمعيات والاحزاب. وضمن حق الملكية. واقر مساواة العراقيين امام القانون وعدم التمييز بسبب الدين او القومية او اللغة. الا انه منح الملك صلاحيات واسعة اصبحت من عيوبه المهمة على صعيد الممارسة، وشكلت تدخلات الملك وتدخلات رئيس الحكومة اساس ما عرف في الادب السياسي "انحراف النظام البرلماني في العراق"(14)
 
 ملك وحكومة وبرلمان... ديمقراطية في الممارسة
   في المدة الواقعة بين اعتلاء الملك فيصل الاول العرش ودعوة المجلس النيابي لعقد اجتماعه الاول في دورته الاولى، تشكلت خمس وزارات كان لكل منها مهمة محددة من خلال التنسيق بين الملك والمعتمد السامي، وهذه المهمة تتقدم على واجبات الحكومة من خلال وزاراتها المتخصصة، فـ(الحكومة النقيبية الثالثة) وقعت المعاهدة العراقية البريطانية عام 1922، و(حكومة السعدون الاولى) قامت بإجراء انتخابات المجلس التأسيسي عام 1923، تلتها (الحكومة العسكرية الاولى) وفي عهدها (26/11/1923-2/8/ 1924) اقر المجلس التأسيسي المعاهدة. وفي عهد الحكومة الهاشمية الأولى التي تلتها (2/8/1924-21/6/1925) اجريت انتخابات اول مجلس نيابي عام 1925 استنادا الى قانون انتخاب النواب.
    بتخويل من الملك اتخذ المعتمد السامي اجراءات قمعية بنفي رموز المعارضة من حزبي الوطني والنهضة الى هنجام عام 1922 (15)، وبدعم منه تصدت حكومة السعدون الاولى للعلماء الذين دعوا الى مقاطعة انتخابات المجلس التأسيسي وقامت بنفيهم الى ايران عام 1923(16)، وفي المجلس التأسيسي لقي المندوبون المؤيدون لإبرام المعاهدة التهديد ومحاولات الاغتيال ما دفع العديد منهم الى الاستقالة او الانقطاع عن الحضور في 1924 (17). وفي عهد حكومة ياسين الهاشمي الاولى وهو زعيم كتلة معارضي المعاهدة في المجلس التأسيسي، كانت مهمة حكومته التوقيع على منح امتياز النفط للشركة الحائزة على امتيازه قبل نشر القانون الاساسي لتفادي عرض الامتياز على مجلس نيابي تكفلت حكومته بإجراء انتخاباته(18)!
    وبالرغم من انجاز الهاشمي للمهمتين الا انه شهد تدخل الملك والمعتمد السامي في اول انتخابات: الملك لصالح مؤيديه (جعفر ونوري)، والثاني لصالح السعدون؛ فتكليف السعدون بالحكومة ثانية (26/6/1925-21/11/ 1926) مع اغلبية سعدونية في المجلس ضروري لإقرار معاهدة معدلة (تمديد مدتها الى 25 سنة حسب قرار عصبة الامم بضم ولاية الموصل الى العراق)، وقد ساير الملك هذه الرغبة محتسبا من دار الاعتماد ثقتها بالسعدون ومنجزاته.
    في اختبار طريف للديمقراطية صوت مجلس النواب ضد حكمت سليمان (1889-1964) مرشح السعدون لرئاسة المجلس، وانتخب رشيد عالي الذي سبق ان استقال من رئاسة المجلس بدعوى عدم تقيّد وزير المالية (صبيح نشأت) بالنظام، فاستقال السعدون فورا (1/11/ 1926) وهو في اشد حالات الغضب، واصفا موقف اغلبية حزبه (التقدم) في المجلس بأنه استهتار بالتقاليد الحزبية. فلما كلف الملك السعدون ثالثة! اشترط حل المجلس، فرفض الملك واستدعى جعفر العسكري (1887-1936) وزيره المفوض في لندن لتشكيل حكومته الثانية (21/11/1926-14/1/1928) وبادر العسكري بالانتماء الى حزب التقدم صاحب الاكثرية في المجلس، فعدل الحزب نظامه وقبل العسكري في هيئته ثم انتخبه رئيسا للحزب خلفا للسعدون الذي استقال منه! ورشح العسكري السعدون رئيسا لمجلس النواب فكان له ما أراد(19)!!! تلك كانت مشاهد من مسرحية ديمقراطية للبلاط يد فيها.
   في المدة الواقعة بين انتخاب اول مجلس للنواب (1925) والعام (1930) تعاقبت على الحكم سبع وزارات كان حظ السعدون منها، غير وزارته الاولى، ثلاث وزارات فضلا عن صهره ناجي السويدي الذي سار على سياسته. بعد انتحار الأول. وقد كان الشغل الشاغل للحكومات السبع التوصل الى معاهدة تضمن حقوق العراق في السيادة بتقليص امتيازات بريطانيا في الاتفاقيتين المالية والعسكرية. وفي وزارته الاخيرة واجه السعدون في المجلس النيابي، مسرح الممارسة الديمقراطية، كلمات جارحة من خصومه فكانت منه زلة لسان اغضبت البريطانيين وعدت تحريضا عليهم: الاستقلال يؤخذ بالبنادق لا بالكلمات الجوفاء(20).
   ان المشكلات اعلاه شغلت الحكومات عن متابعة المحتوى الاجتماعي والاقتصادي للديمقراطية متمثلا بالمناهج الوزارية وسياساتها بشأن التقدم والرفاه، وبالرغم من اعتبارها تقاليد لتداول السلطة وفي ضوئها يمنح المجلس الحكومة ثقته بعد تشكيلها، لكن مظاهر الفشل عكسته اوضاع متدنية نجم عنها انتفاضات فلاحية واضرابات عمالية ومقاطعة لشركة الكهرباء في بغداد، ولأجل الاصلاح شهدت بغداد حراكا نقابيا (جمعية اصحاب الصنائع)، وطلابيا دفاعا عن حرية التعبير، وتوجهات اشتراكية (جماعة الصحيفة) وسجالا صحفيا لأجل تحرر المرأة(21).
    وكان تعثر الديمقراطية على مختلف المستويات سببا لتقدم الوعي بديمقراطية اكثر توافقا مع دلالاتها الموضوعية على مناحي الحياة. وهكذا منذ اوائل ثلاثينيات القرن الماضي تهيأت الاجواء لنخب جديدة من خارج الاطار التقليدي للطبقة الحاكمة، عرفت بجماعة الاهالي تحلقت حول جريدة الاهالي، هدفها تصحيح المسار الديمقراطي بتبني افكار "الشعبية مبدأ" و"منهجها مسارا او طريقا"، فمن تكن هذه الجماعة ومن هو مؤسسها؟           
 
عبد الفتاح ابراهيم وتنظير "ديمقراطية شعبية"
1/ عبد الفتاح ورفاقه.. تواصل وتجمع             
  تكاد تجمع مراجع الحركة الديمقراطية في العراق على ان عبد الفتاح ابراهيم (1904 أو 1907-2003) كان المتصدر لنخبة متنورة من شباب دارسين في الجامعة الامريكية في بيروت وآخرين في بغداد، كان على صلة زمالة او قرابة بهم، واخصهم محمد حديد الموظف في وزارة المالية (1907-1999)، وحسين جميل (1908-2001)، وعبد القادر اسماعيل (1907-1979)، وعزيز شريف (1914-1990)، وخليل كنة (1910-1995) وهم محامون. وعلي حيدر سليمان (1905-1991) ونوري روفائيل (1905-1985) وهما مدرسان في التعليم الثانوي، وآخرون كانوا يمثلون تجمعين اولهما تجمع بغداد تصدره حسين جميل وثانيهما تجمع بيروت وتصدره عبد الفتاح ابراهيم. وعلى الرغم من ان المرجعيات الاجتماعية لم تكن متماثلة. فأسرة حديد تجارية واسرة جميل من الاسياد وعبد القادر اسماعيل ابن حائك من اسرة وافدة متواضعة الحال(22). الا ان اسس الاستنارة الفكرية مرجعها توجيهات تربوية عقلانية من خلال دروس ومحاضرات معلمين سوريين انتدبتهم وزارة المعارف لمعهد المعلمين والمدرسة الثانوية، وكان تفاعلهم مع الاحداث محصلة موقفهم الثقافي. ومن صوره الكثيرة استذكار المطالبة بحرية التعبير 1927، والتظاهر ضد زيارة موند 1928، والتنادي للاحتجاج على المعاهدة 1929-1930(23)، ولينهلوا بعد هذه التجارب المبكرة المزيد مما تحفل به الاتجاهات الفكرية المعاصرة عن طريق التثقيف الذاتي خلال تعليمهم العالي والانتظام في نواد فكرية وسياسية(24).
    تعرف عبد الفتاح على لينين واللينينية اثناء دراسته في بيروت باحثا عن ثورة اكتوبر 1917 في روسيا. وتعرف على الامبريالية بعد قراءته كتاب "الامبريالية والسياسة الدولية" للأمريكي باركر مون (1892-1936) فاعجب به وقرر ان يتتلمذ عليه(25)، وتعرف محمد حديد على الفابية الجديدة في كليته (الاقتصاد والسياسة) بلندن وفيها اساتذة بارزون ينتمون الى اليسار الاشتراكي، هارولد لاسكي (1893-1950) وكول (1889-1959) وبرنادشو (1856-1950)، وشهد اسهامهم في الحملة الانتخابية التي فاز بها حزب العمال عام 1929 (26).
 
 2/ عبد الفتاح ابراهيم.. النشأة والتكوين
ان الوقوف عند السنوات المبكرة من حياة عبد الفتاح تعد مطلبا مهما، وهذا الامر ينصرف ايضا الى اخص اقربائه محمود احمد السيد (1901-1937). فهما ينتميان الى اسرة وفدت من مدينة عانه وسكنت باب الشيخ وفيها المدرسة الملحقة بجامعها، وتلقى ابواهما تعليما دينيا اهلهما لوظائف الخدمة في المساجد. فنسب السيد في جامع الحيدر خانه ونسب ابراهيم الى جامع ناصر باشا في الناصرية. وفيها تزوج من ابنة موظف ذكر من اولاده خالص ومخلص ورؤوف اخوال عبد الفتاح، ومن خالته ابنيها الضابطين علي غالب عزيز ويوسف عزيز، ومن خاله الدكتور صلاح خالص(27). ولا شك في انه قد يثار التساؤل في تفسير انخراط شبيبتهم في الحركة الديمقراطية واليسار الراديكالي لاحقا؟
   وكانت اسرة عبد القادر اسماعيل وافدة الى باب الشيخ ايضا. جده مريد للشيخ الكيلاني وابوه وكيل متولي وقف بستان، واخوته شغيلة ورشة نسيج(28). مثال آخر للتواصل مع الفلاحين والتنور المبكر والتطرف يسارا، أمثلة تعكس دراية ثلاثة شباب بأحوال الناس ومشاكلهم، يستشعرون أنين الجياع وشكاوى المضطهدين فيسعون بها الى مراجعهم او الى الصحافة، قبل مطالبتهم بالإصلاح والانتظام في الاحزاب التي تدعو الى التغيير. ومثل هذا التوجه يعد امرا طبيعيا حكمته ظروف المكان (باب الشيخ والناصرية والبصرة) والتواصل مع رموز الثقافة والادب في مرحلة الدراسة الثانوية. ومثل هذا الوعي وتلك الصلات نجد صدى مناظرا لها في أسرتين اعتمر رب كل منهما العمامة، وكلتاهما متنورتان متواصلتان مع الاهالي بما يرضي تعففهما. انجبت اولهما حسين محمد الشبيبي (صارم) (1919-1948) وانجبت ثانيهما حسين الرضي (سلام عادل) (1922 -1963)(29).
 
3/ المؤثرات الفكرية الأدبية المبكرة
   تتقدم الرواية الإيقاظية لسليمان فيضي (1885-1951) التي صدرت سنة 1919، المؤثرات الفكرية الادبية، يومها كان عبد الفتاح قد تجاوز الثالثة عشرة سنة، ففي اصرار (بافل) بطل الرواية على الرحلة لأجل العلم درس بليغ عن اهمية التعليم في حياة الناس ومستقبلهم. وصدى هذه الرواية بعنوانها ومضمونها سنجدها متجسدة في سيرة عبد الفتاح برحلة دراسته الى لبنان وامريكا واشتغاله في التعليم وسعيه لمكافحة الامية.
  اما ابن عمته محمود احمد السيد القاص والروائي فان تأثيره ناقدا ومترجما للأدب الملتزم في اطار الواقعية النقدية، والواقعية الاشتراكية والتي عكستها أعمال تولستوي دوستويفسكي وغوركي الروائية، شملت جيلا كان عبد الفتاح في الصميم منه؛ ففي تعبيره عن الواقعية استخدم مصطلح (الشعبية)(30). ومنهجها يعني مدى قدرة الاديب على استقراء الواقع ونقده في عمله الادبي. من هنا نستطيع ان نستنتج ان مبدأ الشعبية الذي آمنت به جماعة الاهالي قد وظفه محمود احمد السيد في مقالاته النقدية، وان عبد الفتاح وظفه في الميدان الذي رأى ان يمارس نشاطه فيه وهو السياسة والاجتماع. وغني عن القول ان عبد الفتاح لم يكن بعيدا عن نتاج محمود السيد القصصي المبكر الذي اهتم بقضايا المرأة (في سبيل الزواج 1920) و(فتاة بغداد 1922)، الا ان رواية (جلال خالد 1928) كانت كما نرى مرجعا لجانب مهم من افكار عبد الفتاح المبكرة التي استمدها من تجربة بطل الرواية في رحلته المثيرة الى الهند، والتي تعكس صورا من الممارسة الديمقراطية خصوصا مسألتي الحريات والحقوق. وفي رأي نقدي مثير: "ان السيد لم يترك قضية ساخنة من قضايا مجتمعه الا وجعلها هما من هموم شخصياته في روايته "جلال خالد" من قبيل التعايش بين الاديان، وحق الاضراب للعمال المضطهدين والمستغلين من اجل تحسين اوضاع معيشتهم. وتشخيص الوضع المستلب الذي تعيشه المرأة والإيمان بضرورة انعتاقها من التقاليد المقيدة لحركتها. وايمانه بمستقبل الشعب وترقب ثورته ضد الاحتلال. والوعي بقضايا الفلاح وظروفه ومشاكله. وكل ذلك جاء في مشاهدات وحوارات حفلت بها الرواية"(31). ولم يغفل مؤرخ الحركة العمالية الدكتور عبد الرزاق مطلك الفهد تأثير هذه الرواية في الوعي الاجتماعي عند تصديه لبدايات الفكر الاشتراكي في العراق ممهدا لمبحثه عن جماعة الاهالي. فقد استشهد بفقرات عديدة من حوارات شخوصها ومشاهدات الروائي في الهند التي زارها سنة (1919)، وقد افترض اصلا ان بطل الرواية جلال خالد هو محمود احمد السيد ذاته(32). وربما تبدو المقاربة مفيدة للبحث عن مرجعية الرفاه في اهداف (الأهالي/ الجريدة) ومبدأ "الشعبية" الذي تسعى اليه (الأهالي/الجماعة)، من خلال استقراء الفلسفات التي انتشرت اواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين، كالمنحى الاشتراكي لليبرالية الاجتماعية، ومنحى التوازن بين السلطة والحقوق الذي تقدمه الديمقراطية الاجتماعية(33).
    وصدى رواية "جلال خالد" في سيرة عبد الفتاح تمثل بإيمانه في بدايات عمله السياسي بالنضال السلمي ودعوته في رسالته الشهيرة على طريق الهند الى تحررها وتحرر شعوب الشرق من الاستعمار البريطاني، وكذلك زيارته الهند ودراسته تجربة زعيمها المهاتما غاندي وتجمع حزب المؤتمر، فضلا عن ترجمته لمذكرات غاندي.(34) أما مناظرة حكيم هندي فسبيلها العلم وهو تراكم معرفة مبتدأها تعلم ومكافحة امية بجمعية يؤسسها ويتولى سكرتاريتها  (1933)(35).
 
في النضال الدمقراطي جريدة "الأهالي" ومبدأ "الشعبية"
   عاد عبد الفتاح ابراهيم سنة 1931(36) من دراسته في جامعة كولومبيا الامريكية قبل ان يتم متطلبات الشهادة لأسباب غفلها البعض وعائلية برأي آخر. لكن استقراء التاريخ الامريكي يشير الى ظروف الازمة الاقتصادية العالمية التي يصعب تحملها، ومن تداعياتها 12 مليون عاطل عن العمل في أمريكا(37). وكان نوري روفائيل قد غادر امريكا وبعدها فرنسا للأسباب نفسها قبل عودته للعراق والتحاقه بجماعة الاهالي.
     توظف عبد الفتاح بعد عودته في مديرية ميناء البصرة، فاتصل به قريبه عبد القادر اسماعيل وزميله في الثانوية حسين جميل بمسعى لإصدار جريدة، وبوساطته تم الاتصال بمحمد حديد، وانضم اليهم المحامي خليل كنه، وقدموا طلب اصدار جريدة الاهالي في صيف (1931) وتمت الموافقة على الطلب فصدر العدد الاول من الجريدة في 2/1/1932(38).
     حملت ترويسة الجريدة تحت كلمة (الأهالي) عبارة "يصدرها فريق من الشباب" وهو امر لا سابقة له في العمل الصحفي، وقد عمّ استعمال لفظة (جماعة) الاكثر شيوعا والاسهل تداولا. وقصد بالجماعة ابتداء هيئة تحرير الجريدة ثم انصرفت دلالاتها، الى من وصفتهم مراجع الحركة الديمقراطية بتجمعي بغداد وبيروت. وانفرد عبد الغني الملاح بإضافة جماعة النشء العائدين من الخارج(39). والمثير للإعجاب ان جماعة الاهالي هذه لم تقتصر على جيل الشباب بل وجدت سياسيين خبروا العمل في الاحزاب انضموا اليها واخصهم كامل الجادرجي وحكمت سليمان عضوا الهيئة المركزية لحزب الاخاء الوطني وجعفر ابو التمن المعتمد الاسبق للحزب الوطني. وقد اقسم الثلاثة يمين الانتماء للشعبية، الجمعية السرية لجماعة الأهالي(40). ومن المفيد التنويه ان تقارير التحقيقات الجنائية غالبا ما تستخدم لفظة "جماعة" للتقليل من شأن التنظيمات التي ترصد تحركاتها(41). والى مثل هذا القصد استخدم طه الهاشمي في يومياته التي كتبها في زمن الاحداث لفظة (جماعة) وقصد بها الذوات الذين تولوا الحكم بانقلاب 1936 وفيهم اربعة من رموز جماعة الاهالي، فضلا عن قائد الانقلاب(42).
     نشدت (الأهالي) الجريدة المعبرة عن لسان (الفريق) او (الجماعة) رسالة تنوير بفكر تقدمي ومنهج اصلاحي، وتواصلت اعدادها ثابتة على النهج الذي اختطته بالرغم من تعرضها للتعطيل في عدة مناسبات(43). ان اخص ما ورد في افتتاحية العدد الاول: "الاهالي جريدة شعبية غايتها السعي لرفاه الاهلين وتقدمهم اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا والعمل على معالجة علل الوضع الحاضر من جميع وجوهه معالجة تتناول اساس الداء، تاركة وراءها الاشخاص والتحزبات"(44). ومن المفيد التنبيه الى ان مضمون هذه السطور الثلاثة فكرة وهدفا ستكون مبعثا لدهشة كل باحث عند استقرائه لجريدة (الأهالي) من تاريخ صدورها حتى تعطيلها، بقرار مجلس الوزراء في 24/7/1937. فقد انصرفت المقالات والتحقيقات التي كتبتها الجريدة او اعدت من قبل محرريها في السياسة والاقتصاد والاجتماع وما له صلة بها من احوال بالعربية او المترجم اليها، وكذلك بالأدب بأجناسه تأليفا وترجمة وتجليات وقضايا الثقافة والفنون، انصرفت الى تلك الفكرة وذلك الهدف وهو امر لا نجده الا في القليل من صحافة القرن الماضي.
   تشير مراجع الحركة الديمقراطية الى امثلة كثيرة مما كانت الاهالي تدبجه من مقالات من قبيل "منافع الشعب فوق كل المنافع" (ع/1)، وفي (ع/2 بتاريخ 3/1/1932) مقالها الافتتاحي "أفي البلاد نهضة؟" وفي (ع/3 بتاريخ 10/1/1932) مقال أثير "الثورتان الفكرية والروحية"(45). وحسب الدكتور فاضل حسين فان اغلب المقالات الافتتاحية كتبها حسين جميل، ونشر عبد الفتاح ابراهيم ترجمته لحياة المهاتما غاندي ومذكراته، وترجم محمد حديد فصولا من آراء هارولد لاسكي وكتب مقالات عن الجمعيات التعاونية، ونشر عبد القادر اسماعيل تحقيقا مسلسلا عن اهوار العمارة(46).
    تصدت الجريدة لمتابعة احوال الناس في عمود "في جهات العراق"، وفي "قصة اليوم" دبج عبد القادر اسماعيل قصصا بقلمه مثل: "ذكرى" و"سنا،" وترجم من الفرنسية اعمالا لتولستوي وغوركي، واسهم في حقل القصة عبد الوهاب الامين وعبد الله جدوع ولطفي بكر صدقي وقاسم حسن ويوسف متي. ومن الحقول الاخرى "شؤون الشباب" و"شؤون العمال" و"عالم المرأة" و"احوال الشرق" وغيرها. وكانت مادة الجريدة وموضوعاتها تتابع من قبل المتعلمين والعوام، ولم تغفل عنها سلطة تكونت بمشورة الانتداب وهو أمر لم يمض من غير احتساب.. كيف لها ان تطالب بتأميم شركة كهرباء بغداد الانكليزية، وتساند جمعيات العمال في مقاطعتها. وكيف لها ان تحتج على قانون حقوق وواجبات الزراع وان تعترض على قانون المطبوعات، فمثل هذه الاعتراضات يمكن ان تكون سببا لتعطيلها، وهكذا كان(47).
 
"الشعبية": ديمقراطية فكرة ومنهجا
    حين قررت الحكومة في أكثر من مناسبة ايقاف جريدة الاهالي عن الصدور ارتأت هيأتها اصدار مطبوعات بعنوان (رسائل الأهالي)، واخصها حسب مؤرخي الفكر الديمقراطي الرسالة التي حملت عنوان (الشعبية – المبدأ الذي تسعى الاهالي لتحقيقه: 1933). وهي الرسالة الثانية. وقد عبرت والرسالة التي تلتها (مطالعات في الشعبية: 1935) عن الفلسفة السياسية لجماعة الاهالي، فالفلسفة "صناعة نظر" في أوجز تعريف قدمه تراثنا الفكري، وهو ذات التعبير الذي تصدر (الشعبية) واحتوى مضمونها.
* (الشعبية) هي "وجهة نظر" معينة تجاه المشاكل التي تجابه المجتمع في نواحيه المختلفة. والمشاكل حسب طبيعتها تنقسم الى مشاكل سياسية واجتماعية واقتصادية ترمي الى حلها بصورة تكفل للمجتمع الاطمئنان والرفاه والتقدم.
  * الاطمئنان: هو ان يكون كل شخص آمنا على نفسه وحقوقه، والحقوق هي حق الحياة والحرية والمساواة وحق العمل الذي يكفل للشخص استخدام مواهبه.
  * الرفاه: هو العيش بمستوى يؤمن للفرد حاجاته الضرورية المادية والمعنوية والكمالية.
* التقدم: هو تحسن مطرد في مستوى حياة المجتمع.
  • (الشعبية) في الجانب السياسي تؤمن بضرورة وجود الدولة وسيادتها التامة، ودستورية وديمقراطية علاقتها بالأفراد، وحق تدخلها في شؤون المجتمع.
  • (الشعبية) في الجانب الاقتصادي تؤمن بوضع الدولة خطة لتوجيه الاقتصاد، وسيطرتها على الصناعات المهمة. وفي الزراعة تقوم الحكومة بتوزيع الاراضي الاميرية على الفلاحين ودعم الجمعيات التعاونية. ومن مسؤولياتها ايضا الخدمات العامة والمصارف وتأمين فرص العمل، وتقليل الفروق الاقتصادية.
  • (الشعبية) في الجانب الاجتماعي تؤمن بواجب الحكومة إعمام التعليم الابتدائي المجاني، ومكافحة الامية، وتأسيس المعاهد والمكتبات العامة، ومراكز التربية البدنية ومسارح الفنون.
في الصحة: تتولى الحكومة تأسيس المستشفيات والمراكز الصحية وتهتم بوسائل الوعي والوقاية الصحية.
  • وفي الاحوال الشخصية والنظام العائلي تسعى " الشعبية" الى: وضع قوانين توافق المدنية الحديثة للأحوال الشخصية، وتحرير المرأة مع الاحتفاظ بالنظام العائلي(48).
   كتب محمد حديد القسم الاقتصادي والمالي من "الشعبية"، وكتب عبد الفتاح ابراهيم باقي الاقسام. ويقول حديد ان كراس الشعبية مبوب كما لو انه برنامج حزبي، اذ احتوى على مطالب محددة بدقة وبإيجاز(49). والحق انه كان كذلك لأن عبد الفتاح كان يسعى اصلا الى تحويل (الشعبية) الى تنظيم سياسي في صيغة جمعية تنبثق من رحم الجماعة، وهكذا كان.
 
جمعية الشعبية.. تنظيما سياسيا
     قصد عبد الفتاح ابراهيم من اعداد كراس (الشعبية) مبدأ ومنهجا، وتوزيعها على الجماعة المتحلقين حول الاهالي، جعله مادة لنقاش يومي وسجال فكري اكتشف من خلاله النخبة التي يمكن ان تتجاوب مع سعيه لإحداث جمعية سياسية سرية، لأن معظم الجماعة موظفون حكوميون لا يحق لهم الانتماء للأحزاب والجمعيات السياسية.
   كان قطبا الجمعية عبد الفتاح ومحمد حديد، فقد وضعا منهاجها ولكل منهما خط تنظيمي، وبانضمام كامل الجادرجي وجعفر ابو التمن تراجع دور قطباها. وقد وثق محمد حديد بصفته القيادية وجود الجمعية تنظيما سياسيا قائلا: "وبموافقة ابو التمن على الانضمام للشعبية، اصبحت قيادة التنظيم مكونة من جعفر ابو التمن، عبد الفتاح ابراهيم، كامل الجادرجي، وأنـــــــا"(50). واقرار مؤسس كحديد اكثر اهمية مما ذكره الجادرجي حول قيادة الجمعية رغم اغفال المؤسس لعبد القادر اسماعيل(51). ويؤكد رجاء كمونة معلومات تتعلق بقَسَمْ الانتماء والتكتلات داخل التنظيم وعضوية صادق كمونة ومحمد صالح القزاز وناظم الزهاوي استنادا الى اكثر من لقاء اجراه مع عبد الفتاح في شهر آذار من العام 1997. اي حين كان عبد الفتاح في التسعين من عمره(52). والغريب انه في الوقت الذي توجهت فيه المساعي لضم حكمت سليمان وهو ما كان، الا ان المعلومات عن اسماء اعضاء التنظيم لم تتجاوز الحلقة الصغرى رغم مرور نحو تسعين عاما على انحلالها (1937)، وهذا ينصرف الى جماعة الاهالي نفسها، فضلا عن مدى حضور المرأة فيها.
 
ختام
الدمقراطية.. نداء الفكر وتجاذبات الممارسة  
   تابعت هذه المقالة مسألة الديمقراطية في العراق الحديث والمعاصر، وكانت اللفظة قد ظهرت بتأثير الانقلاب العثماني سنة 1908 قبل تبلور فكرة عامة عن معناها لفظة ومضمونها فكرا، وفوجئت الاوساط الاكثر تواصلا مع السلطة ببعض الممارسات الديمقراطية مثل ارسال مبعوثين الى استانبول يمثلون ولايات العراق في البرلمان واصدار العديد من الجرائد والمجلات وتشكيل بعض الاحزاب والجمعيات. ولفت انتباه العامة خفوت صوت التمسك بالتقاليد فظهرت الملاهي والسينما المتحركة وغيرها. وبعد الاحتلال والحكم البريطاني المباشر بدا للديمقراطية فهمان من قبل فريقين من طلاب الامارة، اولهما مصانع للمحتل يطلب ادارة ذاتية بإشراف بريطاني، وثانيهما مصانع للعثمانيين يدعو الى الاستقلال ورحيل البريطانيين. وكان التنافس كفيلا بترجيح الثاني على الاول فاندلعت الاضطرابات فجأة وهي التي عرفت في الادب السياسي بثورة العشرين اشارة الى سنة احتدام وقائعها (1920) وقد وجدت هذه الثورة جهود نخبة من ارباب القلم لتقديمها في اكثر من اطار فكري ولكن من دون تصريف لحق الثورة فكرة ديمقراطية في فلسفة جون لوك (1632-1704) وتسويغه حق الثورة عند الاخلال بالعقد الاجتماعي، وهو امر لم يكن بوسع ثوار العشرين تصوره، بينما اثار قيام الثورة استغراب الحاكم المدني لسلطة الاحتلال. ومن اجل حل توفيقي تشاوري (ديمقراطي) وافق المجلس التأسيسي (منتخب) رغم صخب المعارضة على انتداب بريطاني في صيغة عقد سياسي (معاهدة) بعد اكثر من اربع سنوات على اعلان الانتداب. وقد وافقت الدولة المنتدبة بموجب المعاهدة على اقامة دولة في ولايات العراق العثمانية السابقة المعروفة في تقارير الاحتلال باسم "ميسوبوتيميا" بنظام ملكي دستوري بسلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية ينظمها قانون اساسي (دستور) وقوانين لاحقة يشرعها مجلس الامة (البرلمان) على ان تكون نواة هذه الدولة الادارة المدنية والامنية والعسكرية التي اسستها سلطة الاحتلال وان يخضع تطور كافة مؤسسات الدولة خلال المدة المنصوص عليها في المعاهدة للمشورة البريطانية. 
   تلك كانت اول تجربة للديمقراطية في الممارسة في العراق المعاصر، عبرت عنها مقولة "ليس بالإمكان ابدع مما كان". لكن ثمة شبه اجماع في مواقف الحركة الوطنية على ان الانموذج الذي قدمته بريطانيا للعراق كان شكليا، غير ان الادب السياسي للحركة الوطنية لم يقدم منهجا ديمقراطيا بديلا قبل العام (1957)، فكان لكل حزب منهج يعكس توجهات فكرية ومصالح اجتماعية لا مجال لاستعراضها. ان جماعة الاهالي وهي من قوى الحركة الوطنية قدمت (الشعبية) فكرة ومنهجا يعتد به حاضرا ومستقبلا، غير ان جمعيتها السياسية استدرجت للمشاركة بانقلاب وقف مؤسسها ضد المشاركة، لأنه اعتبرها تمثل خرقا لمنهجها، وانسحب من الجمعية بسببها. وقد انتهت المغامرة بالفشل وطوحت بالجمعية معها، وهو ما ستتناوله دراسة لاحقة للديمقراطية في الفكر والممارسة.
 
 
الهوامش
(1) انظر: 
حسين جميل، الحياة النيابية في العراق 1925-1946 موقف جماعة الأهالي منها، منشورات مكتبة المثنى، بغداد 1983، ص 14-15. 
عباس العزاوي، تاريخ العراق بين احتلالين - العهد العثماني الاخير، ط1، ج8، بغداد، 1956، ص32-33. 
(2) جميل، ص16.
 وعن تزامن الثورة الدستورية في إيران انظر:
 محمد وصفي ابو مغلي، إيران دراسة عامة، مركز دراسات الخليج، جامعة البصرة، 1985، ص286-289.
(3) العزاوي، ص:157، 160، 167
(4)عبد الرزاق الحسني، تاريخ الوزارات العراقية، ط3، ج،1 صيدا، 1965، ص5-17. 
(5) توفيق السويدي، وجوه عراقية عبر التاريخ، رياض الريس للنشر، لندن، 1987، ص38. 
(6) الحسني، ص52-54 
(7) المصدر نفسه، ص103-105 
(8) العراق في رسائل المس بيل 1917-1926، ت: جعفر الخياط، الدار العربية للموسوعات، بيروت، 2003، ص514-515. 
(9)
- فيليب ايرلند، العراق دراسة في تطوره السياسي 1921-1936، ترجمة جعفر خياط، بيروت، 1949، ص261-262 
 - المس بيل، فصول من تاريخ العراق القريب 1914-1920، ترجمة جعفر الخياط، ط2، دار الكتب، بيروت، 1971، ص479-480. 
 - تابع نتائج البيعة في جريدة لسان العرب أعداد شهر تموز 1921، عدا لواءي كركوك والسليمانية؛ اولهما بايع أميرا تركيا وثانيهما لم يشارك في البيعة،
(10) ايرلند، ص290 
(11) الحسني، ص128-129، 135-137، 166-189، 194. 
(12)  انظر مثلا: 
      - حِكَمْ الامير فيصل، جريدة لسان العرب، العدد 24 حزيران1921. 
      - خطاب سمو الامير في دار الامارة إكراما للوزراء والاعيان، جريدة لسان العرب، العدد 18 تموز 1921، العدد 27 آب 1921. 
(13) السويدي، وجوه عراقية ، ص56-57 
(14)انظر نص القانون الأساسي في: الحسني، ج،1 ملحق3، ص279-294.
وانظر أيضا: فائز عزيز اسعد، انحراف النظام البرلماني في العراق، الاعلام بغداد 1975، هيمنة الملك التنفيذية ص41-124، هيمنة الملك التشريعية، ص 125-176. 
(15) انظر: محمد حسين الزبيدي، السياسيون العراقيون المنفيون الى جزيرة هنجام، وزارة الثقافة 1985، ويستعرض المؤلف الظروف التي استدعت النفي في ص11-58، وشخصيات المنفيين: ابو التمن، حمدي الباجه جي، عبد الرسول كبة، الجرجفجي، البصير، الخيزران، خوندة، من خلال لقاءاته بآخر ثلاثة احياء منهم، ص62-307. 
(16) الحسني، ص 134-135 
(17) المصدر نفسه، ص177-178، 191، وانظر المزيد في: محمد مظفر الأدهمي، المجلس التأسيسي العراقي دراسة تاريخية سياسية، منشورات الاعلام، بغداد .1976 
(18)  الحسني، ص225-228، وقد وقع الامتياز في (14/3/1925) وجرى الاحتفال بنشر القانون الاساسي بتاريخ 21/3/1925. 
(19) المصدر نفسه، ج2، ص 79-80، 82. 
(20) المصدر نفسه، ج2، ص269-271. 
(21) تابع هذه المسائل في: خيري امين العمري، حكايات سياسية من تاريخ العراق الحديث، مكتبة افاق عربية، بغداد، ص 91 وما يليها وبخاصة ف/3 معركة السفور، ص93-143، ف/4 كتاب وازمة، ص144-170، ف/5 عندما جاء موند، ص171-192. 
(22) فؤاد حسين الوكيل، جماعة الاهالي في العراق 1932-1937، الثقافة والاعلام، بغداد، 1979، ص58-59، 61. 
(23) المصدر نفسه، ص63-78. 
(24) المصدر نفسه، ص92-100. 
(25) المصدر نفسه، ص98-99. 
(26) محمد حديد، مذكراتي الصراع من اجل الديمقراطية في العراق، الساقي، بيروت، 2006، ص90-91. 
(27) عبد اللطيف الشواف، عبد الكرم قاسم وعراقيون آخرون ذكريات وانطباعات، الوراق، لندن، بيروت، 2004، ص 253-255. 
(28) الوكيل، ص 61. وقارن: سيف عدنان ارحيم، "عبد القادر اسماعيل البستاني ودوره السياسي والفكري 1907-1979"، مجلة مداد الآداب، مج7، ع13، ص 327، 349. 
(29) حنا بطاطو، العراق الكتاب الثاني الحزب الشيوعي، ترجمة عفيف الرزاز، ط1، فرصاد طهران، 2006، ص150-151، 338-339، وقارن: ثمينة ناجي يوسف ونزار خالد، سلام عادل سيرة مناضل، ط2، دار الرواد، بغداد، 2004، ج1 ص17-19. 
(30) احمد عواد الخزاعي، جلال خالد، رواية النشأة والتحول، موقع شبكة المثقف على الانترنت. 
(31) عبد الرحمن مجيد الربيعي، الشاطئ الجديد: قراءة في كتاب القصة العربية، الثقافة والفنون، بغداد 1979، ص 54-57. 
(32) عبد الرزاق مطلك الفهد، بدايات الفكر الاشتراكي في العراق 1917-1936، بغداد 2002، ص90-94. 
(33) في الهند الساحة الرئيسة لرواية السيد شرعن حزب المؤتمر الذي كان يقود نضال الشعب الهندي بقيادة غاندي (1869-1948) نهج التوازن الذي آمن به بعد نحو ثلاثة عقود، كما اقرت الاشتراكية الديمقراطية طريقا مثاليا للتقدم حسبما اقره دستور جمهورية الهند سنة (1949). 
(34)  الشواف، ص259. 
(35) لمزيد من التفاصيل: الوكيل، جماعة الاهالي، ص124-140. 
(36) المصدر السابق، ص99. في حين جعل حسين جميل، ص33، تاريخ عودته سنة 1930. 
(37) انظر: فرحات زيادة وابراهيم فريجي، اشراف فيليب حتي، تاريخ الشعب الامريكي، مطبعة جامعة برنستون 1946، ص 317-320. 
(38) فاضل حسين، تاريخ الحزب الوطني الديمقراطي 1946-1958، مطبعة الشعب، بغداد، 1963، ص 3-4. 
(39) عبد الغني الملاح، تاريخ الحركة الديمقراطية في العراق، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط2، 1980، ص93-94. 
(40) حديد، مذكراتي، ص111-114، 122-123، 126-128، عبد الرزاق عبد الدراجي، جعفر ابو التمن ودوره في الحركة الوطنية في العراق 1908-1945، الثقافة والفنون، بغداد، 1978، ص363، 370-373. 
(41) انظر مثلا: سمير عبد الكريم، اضواء على الحركة الشيوعية في العراق، ج1، 1934-1958، المرصاد، بيروت، ص63،60. 
(42) مذكرات طه الهاشمي 1919-1943، دار الطليعة، بيروت، 1967، ص:148، 155، 158، 159، 161، 165، 171، 183، 189، 203. 
(43) فاضل حسين، ص 3-4. 
(44) الوكيل، مصدر سابق، ص 106 
(45) الملاح، ص99. 
(46) فاضل حسين، ص8. 
(47)ىالوكيل، ص 107-109، فاضل حسين، ص8. 
(48) انظر: فاضل حسين، ص ص4-7. 
(49) حديد، ص115. 
(50) المصدر نفسه، ص123. 
(51) الجادرجي، مذكرات كامل الجادرجي، دار الطليعة، بيروت 1970، ص29-30. 
(52) رجاء كمونة، صادق كمونة ودوره السياسي بين 1928-1958، مطبعة حداد، بغداد، ص102-108.