تشرين1/أكتوير 10
   
حنا غريب، من مواليد طرابلس في أيلول (سبتمبر) 1953. دخل الحزب من خلال العمل في (اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني)، مروراً بالعمل النقابي وقيادة الإضرابات
 
الثقافة الجديدة: الرفيق حنا غري  كنتُ في لبنان قبل أيام ورأيت أن المجتمع اللبناني منقسم. لا يشبه الانقسام الذي حصل في الحرب الاهلية. الانقسام موزع على أطراف عديدة. ما هو موقف الحزب الشيوعي اللبناني من هذا الانقسام؟ الدولة أم المقاومة؟
 حنّا غريب: الانقسام يتعلق بقرار الحكومة بحصر السلاح بيد الدولة، ويتعلق بالظروف التي جاء بها القرار. أولاً جاء القرار تحت ضغط متتالٍ قام  به المندوب الأميركي. زيارات متتالية بين لبنان والكيان الصهيوني وبنفس الوقت الى سوريا. خلال زياراته أراد أن يبين موقفا يتعلق بموضوع حصر السلاح. هناك موقف من الحكومة اللبنانية وموقف من الكيان الصهيوني إلى أن وصلت الأمور الى ما قبل اتخاذ القرار. جاء المبعوث الأميركي الى لبنان ووضع ورقته وطلب ان توضع هذه الورقة الأميركية على جدول عمل الحكومة اللبنانية، وطلب ان تترك جميع الأوراق الأخرى وان يتم الرد على هذه الورقة، إما بالموافقة أو بالرفض. لا ننسى ان هناك اتفاقية الهدنة بين لبنان وفلسطين المحتلة.. هذه الاتفاقية شطبت، وبالتالي ستصبح الحدود مفتوحة ومكشوفة وليس لها أي تغطية دولية ولا قوانين تحكمها. ما يحكمها فقط سياسة إسرائيل العدوانية التوسعية، وقد سبق وأعلن نتنياهو عن خريطة إسرائيل الكبرى التي تضم لبنان وسوريا والعراق وصولاً الى مصر. وهم يعملون على ذلك بشكل علني.
نحن نرى الموضوع من خلال البعدين، الداخلي والخارجي. ما يحصل في لبنان ليس بمعزل عما يحصل في سوريا وفلسطين، لذلك نحن نأخذ هذا البعد بعين الاعتبار. البعد الاخر يتعلق بالنظام الطائفي والمذهبي الذي يحوّل جميع القضايا إلى إنقسام طائفي ومذهبي. هذا يدل على فشل. نحن مع قرار حصر السلاح بيد الدولة، على أن يكون الأمر جزءا من خطة أمنية متكاملة جرت الإشارة لها في خطاب القسم لرئيس الجمهورية. موضوع حصر السلاح يجب ان يكون ضمن خطة متكاملة تضمن وقف العدوان الصهيوني. لأنهم لا يزالون يعبرون الشريط الحدودي ويغتالون بالإضافة الى المسيرات والقصف، بالتالي من المفترض ربط هذا الموضوع بوقف العدوان وانسحاب الاحتلال حتى خط الهدنة. ونحن هنا نحذر من أي تنازل يخص حقوق لبنان السيادية والوطنية. نقول ذلك لأنه سبق وتم تقديم تنازل، أشار إليه الحزب، بموضوع ترسيم الحدود البحرية فقد جرى تنازل كبير جدا ليس مع الكيان الصهيوني. بدل أن يكونوا على الدرجة تسعة وعشرين تنازلوا على الدرجة ثلاثة وعشرين خلافا لما يقوله الجيش اللبناني. كذلك جرى التنازل مع قبرص، بالإضافة الى الكثير من التنازلات في الحدود البحرية. وانتقلت هذه التنازلات للحدود البرية، وبالتالي تم ضرب خط الهدنة وانكشف لبنان وحدوده بدون اي مقابل وبدون اي شيء وهذا ما كنا نحاول ان نشير له.
 
 
الخارجي والداخلي
الثقافة الجديدة: اريد ان أسال عن فهم الدولة نفسها، الدولة التي تسلمت الورقة كيف تفهم المخاطر، الضغط الخارجي الأمريكي والإسرائيلي المعلن او الخوف من الجو الشعبي؟
حنا غريب: هذا يتعلق بموضوع السلطة السياسية، التي لم تقاوم، بتاريخها، الاحتلال. لذلك كنا نركز بالموقف على ان حصر السلاح بيد الدولة يجب ان يتلازم مع مقاومة الدولة لهذا الاحتلال. وهو ما لم تقم به الدولة اللبنانية طوال تاريخها بحكم طائفيتها، بحكم تبعيتها، بحكم رأسماليتها وسلطاتها والوصايات. وهي دائما تحكم الطوائف فيما بينها. كل طائفة تريد ان تحمي نفسها عن وصي لها بالخارج. وبالتالي هو نظام التبعية ونظام الوصايات. لذلك نركز على هذا الموضوع. والدولة بتاريخها لم تسلّح جيشها إلا بإرادة الامريكان. كنا نطالب على الاقل بعملية التسليح ومصادر التسليح من اجل يكون الجيش قادراً على مقاومة العدو في ظل التكنولوجيا المتطورة جدا. وهذا شيء جديد اظهرته المواجهة والمعركة الاخيرة التي حصلت في لبنان مع حزب الله. لم يكن هناك تقدير لحجم التحضير وحجم هذه التكنولوجيا المتطورة وحجم الاختراق التكنولوجي الكبير والذي حسم الكثير من المسائل، وادى لهذه الضربة الموجعة. نحن بحاجة إلى ان يحصل حصر السلاح بتفاهمات داخلية، لبنانية لبنانية، وليس بالخضوع، وهذا أمر له أولوية وبنفس الوقت يجب ان يكون ضمن خطة اصلاح سياسي، إصلاح اقتصادي، واصلاح اجتماعي.. كل هذه الاصلاحات التي تحدثوا عنها في خطاب القصر أو بالبيان الوزاري الذي رحب به كل اللبنانيين.
من المؤسف إن كل ما طرح تم شطبه ولم يبق الا موضوع حصر السلاح، في حين انه ما يحصل هو نوع من استكمال عملية النهب والسرقة والفساد المستمرة والتي لا تزال بدون اي اصلاح فعلي حقيقي. على سبيل المثال التعيينات أصبحت محاصصة طائفية مذهبية، والحكومة تشكلت بالمحاصصات الطائفية والمذهبية، والتحالف ايضا، بما فيها موضوع البلديات لم يتغير شيء. القوات اللبنانية وحزب الله تجدهم بنفس اللائحة في انتخابات البلدية ببيروت تحديدا، حتى بالانتخابات النقابية وانتخابات الأطباء وانتخابات أساتذة التعليم الثانوي. لم يتغير شيء، الأولوية التي تحصل بالداخل هي موضوع المصالح السلطوية والمحاصصة الطائفية. الاختلاف على حجم حصة كل واحد منهم، ورغم كل ذلك لا يزالون في الحكومة.
 
مقاومة وطنية لا طائفية!
الدفاع عن الشعب اللبناني ومقاومة الاحتلال هو حق مشروع. مكرس بالقوانين والمواثيق الدولية. طالما هناك احتلال ستواجهه مقاومة وطنية. عندما نقول وطنيّة نعني أن تكون معزولة عن اية هوية طائفية، شيعية او مسيحية او سنية او درزية الى آخره. وبالتالي فكرتنا التي نتمسك بها هي ان تكون المقاومة وطنية لبنانية. وهذا موجود في ثوابتنا التاريخية. 
 
الثقافة الجديدة: إذا حذفنا حزب الله من المقاومة او استثنيناه، فما هي تشكيلة المقاومة؟
 حنا غريب: إذا تحدثنا عن تشكيلات المقاومة الآن، فلا يوجد غير حزب الله. من وقت الطائف لغاية الان ضغطوا علينا وعلى غيرنا من القوى لتسليم السلاح. وبقينا نحن نقاوم لفترة لكن بضغط النظام السوري والنظام الإيراني والأميركي، بشكل او باخر بعد الطائف، مع ذلك بقينا نقاوم بما لدينا من إمكانيات. في التسعينات انهار الاتحاد السوفيتي وتغيرت الاولويات عند النظام السوري، فأصبح عليك ان تشارك بمقاومة وطنية بقرار وطني داخلي مستقل خارج اي الأجندات. وهذا كان مرفوضا. لذلك عندما يذهب الرفاق في عمليات، في هذه المرحلة تحديداً، يتعرضون للقتل سواء ذهاباً او إياباً. هذا الوضع الذي كنا نعيشه، بالاضافة إلى وقف الدعم. تظافرت الكثير من الأمور حينها.
المقاومة الوطنية ليست مجرد حمل سلاح لتحرير الأرض. هذا جانب من جوانب التحرر الوطني والاجتماعي. مهمتها كذلك بمفهومنا هو تحرير اللبنانيين من الطائفية، ومن الاستغلال الطبقي ومن الفساد ومن التبعية والارتهان للخارج والاملاءات الخارجية. ينبغي أن تكون نابعة من قرار وطني داخلي، وأن لا تقتصر على طائفة او منطقة معينة. مقاومتنا كانت من كل الطوائف ومن كل المذاهب، وكل مناطق لبنان. شاركت فيها احزاب وقوى اخرى ناصرية وقوميين الى اخره، وكانت ذات طابع شعبي. لذلك نجحت في تحرير ثلاثة ارباع الارض اللبنانية. هناك شهداء للحزب الشيوعي اللبناني وشهداء المقاومة الوطنية اللبنانية. على هذا الاساس تجمع وتوزع الاعباء والفوائد تعود على جميع اللبنانيين، وهذا ما حصل بالنسبة لنا، وهو توحيد الجهود والطوائف ولها مفعول بإطار مشروعك السياسي الداخلي وهو بناء دولة. عندما نقاوم ليس فقط بحمل السلاح وانما هو مشروع سياسي، هو تحرير القرار السياسي للدولة اللبنانية من الهيمنة والسيطرة ومن التبعية للاميركي وللخارج ولكل المشاريع الإقليمية والدولية. على الدولة ان تقاوم وهذا هو دورها، واذا لم تكن لديك القدرة على التسليح والمقاومة فليس من شأنك ان تمنع الناس من مقاومة العدوان. يجب ان تقوم الدولة بمسؤولياتها وان تكون الدولة هي المقاومة، نحن دعاة دولة مقاومة بكل الميادين، سياسية واقتصادية واجتماعية والعسكرية ايضا. اذا كان عديد الجيش قليلا لا ضير بان تكون هناك خدمة العلم او احتياط للجيش، فثلثا الجيش الصهيوني احتياط فماذا يمنعنا نحن، يجب ان تنتهي عملية الاحتكار، يجب ان يتم تجنيد الشباب عند وصولهم لعمر 18 ويدافعوا عن شعبهم وارضهم كما في باقي البلدان الأخرى، ومن يعمل على ذلك؟ يجب ان تعمل الدولة ولكن ليس الدولة الطائفية، بل دولة المواطنة، الدولة المدنية والديمقراطية ودولة العدالة الاجتماعية.
 
عقدة الطائفية
الثقافة الجديدة: كيف تتعاملون مع السلطة الحالية، مع الاحتمالات الموجودة مثل الضرب الإسرائيلي والاصطدام مع حزب الله، فكيف تتعاملون مع هذه السلطة؟
 حنا غريب: نحن نتعامل معها بناء على الوجهة والبرنامج السياسي الذي وضعناه، فعلى سبيل المثال عندما تم تكليف الرئيس جوزيف عون نحن تعاطينا بانفتاح مع البيان الوزاري ومع خطاب القسم، لكن بإطار الممارسة والتطبيق ما يحصل يشبه ما سبقه. لم يتغير شيء في هذا الموضوع. وبالحديث عن موضوع المحاصصات الطائفية والتعيين فحاكم مصرف لبنان تكلّف من قبل رئيس الحكومة، والجميع كلفه بمن فيهم حزب الله، فهم شركاء في الحكومة. الملفات الداخلية لم يحصل بها أي تغيير. زد على ذلك هناك استحقاقات مثل التحضير للانتخابات النيابية والتي ستكون في ايار المقبل، وهو موجود في البيان الوزاري وبخطاب الرئيس بأنهم يريدون تطبيق ما لم يطبق في اتفاق الطائف، وفي هذا الاتفاق هناك مجموعة بنود أساسية وجيدة وصالحة للوقت الحاضر مثل المادة (95)، تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية. منذ اتفاقية الطائف لغاية الآن لم تتقرب الحكومة من هذه المادة. أيضا المادة (22) والتي تقول بأن يكون في المجلس الثاني قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، لكنهم لغاية الان وبعد خمسين سنة يقدمون قوانين انتخابية غير دستورية وطائفية، حتى النسبية شوهوها بالطائفية. هم يرسمون كل شيء وفق قياساتهم، يقومون بتوزيع المقاعد النيابية بينهم، وان بقي عدد بسيط من المقاعد فيقومون باجراء الانتخابات. في المادة (24) والتي تتحدث عن مجلس الشيوخ الذي يهتم بالقضايا التي تخص الطوائف. خلاصة الحديث نحن فعليا ليس لدينا مجلس نواب، المجلس الذي لدينا هو مجلس شيوخ مبني على أساس طائفي، ولذلك كل الأمور تحل على هذه الأساس ويتم حل الأمور فيما بينهم، وان اختلفوا فعلى الحصص، اما جماهير الطوائف فهاجروا من البلد. نصف اللبنانيين والطبقة الوسطى والفئات المهنية والكوادر والعوائل الشابة هاجروا. عندما حاولوا الانتفاض (17 أكتوبر) تم قمعهم. قمعوا الانتفاضة من الداخل ومن الخارج، فبدل ان يتم استرجاع الأموال المنهوبة وحماية حقوق المهنيين ومعاشات التقاعد وصغار المودعين التي تم نهبها لغاية الآن، جرى الانقضاض على هذه الانتفاضة، وبالتالي الأولويات الإصلاحية السياسية لن يقتربوا منها، فهي ليست ضمن أولوياتهم. على أساس هناك قانون انتخابي، ولكن هذا القانون لن ينتج شيئا، بل سيكون أسوأ، فالامريكي اليوم والاسرائيلي والأنظمة الرجعية العربية والانظمة وغيرها تخطط، بعدما سيطرت على القرار في موضوع الرئاسة وفي موضوع الحكومة لم يعد هناك شيء اسمه السلطة التشريعية، فاذا الحكومة حصلت على الثلثين في المجلس النيابي وفق هذا القانون تكون قادرة على اصدار قرار بالتطبيع واتفاقيات التطبيع، وهذا هو الهدف بالنسبة لهم، وهذا هو المخطط الأمريكي والإسرائيلي، وهم يضغطون بكل الاتجاهات السياسية والعسكرية.
 
لبنان في خارطة الشرق الأوسط
الثقافة الجديدة: بالملموس تتوضح خارطة الشرق الأوسط (الجديد) جعل إسرائيل جزءا من النسيج الشرق الاوسطي وهي المتحكمة من حيث القوة، ما هو موقع لبنان في هذه الخارطة، وكيف سيكون؟
حنا غريب: وضع لبنان مرتبط بالمنطقة بشكل عام. مشروع (الشرق الاوسط الجديد) هو شكل جديد لتأبيد السيطرة الامبريالية الكاملة على المنطقة بعد ما استنفدت اتفاقية "سايكس بيكو" قدرتها على التحكم بارادة الشعوب ونضالها وكفاحها ومقاومتها طيلة القرن الماضي. الشعوب قاومت هذا المشروع من اجل الاستقلال، ومن اجل التحرر الوطني. القوى الاستعمارية، في وقتها بريطانيا وفرنسا، وضعت خرائط للمنطقة انطلاقا من هدفين، الاول هو تفتيت المنطقة لكيانات تابعة لها غير قادرة على النهوض والتطور من اجل ان لا تهدد مصالحها. والهدف الثاني هو ربط هذا التقسيم بمصالحها النفطية من اجل نهب هذا النفط. بريطانيا وفرنسا رسمتا الحدود وهي من متطلبات هذه السيطرة والنفوذ، ومن ثم دخلت اميركا على الخط واستلموا القيادة من اجل نهب الثروات وموضوع السيطرة على انتاج النفط والغاز. في هذا السياق تم زرع هذا الكيان الصهيوني بفلسطين لخدمة هذا المشروع الذي اسمه مشروع السيطرة والتبعية. أيضا وضعت جيوش قمعية، قمعية للحركات الشعبية وقمعية لليسار، وقمعية للاحزاب الشيوعية، من اجل ان تمنع الجماهير من التحرك من اجل حقوقها. كانت من جهة تقمع في الداخل تحت عنوان (لاصوت يعلو فوق صوت المعركة)، ولكن لم نر لا معركة ولا أي شيء ولم نر لا حرية ولا اشتراكية. تتغير خرائط الشرق الاوسط، الجديد او القديم، ولا تتغير الأهداف السياسية والاقتصادية للسيطرة والهيمنة ونهب الثروات والتحكم بالممرات. هذا هو مشروع الشرق الاوسط الجديد. لذلك رأينا منه عدة صيغ وعدة نسخ مرهونة بشكل او باخر بموازين القوى. منذ مئة عام ونحن نقاوم "سايكس بيكو" في مواجهة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وتأميم قناة السويس، وحرب أكتوبر عام 1973 للرد على النكسة وانطلاقة المقاومة الفلسطينية بعد النكسة، وكان هناك الحرس الشعبي وقوات الأنصار، وبدأ تحرير لبنان وانتفاضات الشعب الفلسطيني ونضالات كل الشعوب العربية التي واجهت كل هذه الانظمة. وفي 2011 قامت الشعوب باسقاط الحكام لكنها لم تقدر على اسقاط الأنظمة. وكانت هناك مواجهات بوجه الاتفاقيات المذلة وصولا لـ "7 أكتوبر"، ومعركة الاسناد الاخيرة التي حصلت في لبنان… السؤال الذي يُطرح في هذا الموضوع عن موقع لبنان كجزء من هذه العملية التي تحصل. فنحن تحدثنا عما نراه لدينا وعند الشعب الفلسطيني هذه المجازر التي تحصل وهذا الصمت وهذه الخيانة لدى الأنظمة.
  
التفوّق التكنولوجي
هناك أشياء لا يمكن تجاوزها مثل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. هناك تطور رهيب في هذا المجال يجب التوقف عنده ومراجعته. الإمبريالية لم تعد سياسية او اقتصادية وحسب، وانما اجتماعية أيضاً، مع امتلاكها للتكنولوجيا الرقمية اصبحنا عبارة عن ارقام عندهم، بالهاتف وبالانترنت وبالحواسيب محتكرين المعرفة كلها لهم، بها اصطادوا مقاومين من حزب الله. هناك اختراق رهيب عبر هذه التكنولوجيا الخطرة. الدول التي تصنّع السلاح جرى استهدافها لمنعها، والأماكن التي يكون فيها تأكيد على التعليم بما يخص موضوع التعليم التكنولوجي والرقمي والاتصالات وغيرها جرى استهدافها، لأنهم يريدوها ان تبقى جاهلة ومحكومة.. هذا هو وضعنا هنا، هذا هو وضع لبنان فنحن في مرحلة سياسية هي الأصعب واكثر المراحل خطورة. من الداخل هناك ازمة عميقة تعصف بالنظام السياسي والاقتصادي. الأطراف السياسية في لبنان تحاول من جديد بناء سلطتها في ظل هذا الواقع وفي ظل هذا المشروع السياسي، هي تواجه مشكلة كبيرة في الداخل.
 وهذا الأمر يؤثر علينا، فالشيعي سيتغلب على السني، والسني يتغلب على المسيحي والذي يدفع الثمن هو القوى اليسارية العلمانية التقدمية والديمقراطية. لذلك نحن نطرح موضوع السلم الأهلي لمنع انتقال هذا الخلاف السياسي الى صدام طائفي مذهبي. في الداخل يجري تفكيك ما هو موجود حتى الان وهو الجيش اللبناني، فابسط صدام طائفي سيؤثر وسيتفكك الجيش، واي شيء يحدث في الداخل هو خدمة لإسرائيل، لانها بشكل مباشر ستدخل على الخط وتوسع الاحتلال لتفرض شروطها بموضوع الشرق الأوسط الجديد وموضوع التطبيع. ونحن في هذا المجال ليس لدينا الا التمسك بما طرحناه، فهذا الحزب له تاريخه النضالي وفيه مدرسة وشهداء قدموا دماءهم، منهم فرج الله الحلو وجورج حاوي ومئات الشهداء والمثقفين والمقاومين والمفكرين، الحزب قاتل من الاستقلال للجلاء للاحتلال الصهيوني ولتحرير الأرض ومواجهة كل المشاريع المذهبية والطائفية. على هذا الأساس لا نقبل ان كل هذه التضحيات التي قدمها شعبنا وحزبنا والمناضلون التقدميون والوطنيون واليساريون، لا نرضى بان تذهب دماؤهم سدى.
الآن يجب ان ننتقل إلى مرحلة انتقالية، ويكون هناك برنامج يحتوي على عدة بنود ومدخله يكون مسألة الانسحاب الإسرائيلي حتى خط الهدنة، ومن جهة أخرى اصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي في الداخل.
 
التأثير السوري
الثقافة الجديدة: لدينا في العراق قلق من الوضع السوري ولا نعلم الى اين يتجه، كيف تنظرون في لبنان للوضع السوري؟ مع خطوات التطبيع مع إسرائيل والتفكك السوري؟ هل تعتقدون ان من الممكن عزل الوضع السوري عن الوضع اللبناني؟
حنا غريب: ما حصل في سوريا ليس إسقاطا للنظام فقط، بل تم إسقاط كل مؤسسات الدولة، الجيش والإدارات وكل المؤسسات. أصبحت سوريا منزوعة السلاح ومجردة من كل إمكانيات التغطية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي وضع اليد عليها. اتفاقيات التطبيع تتحرك بتسارع مع الإدارة السورية واللقاءات بين الإدارة السورية وممثلين عن الكيان الصهيوني متسارعة جدا. أعتقد أن الهدف من هذا الموضوع هو دفع سوريا للتقسيم، تحت هذا الضغط، والمشروع الإسرائيلي مع سوريا ليس فقط التطبيع وانما يريدون لسوريا التقسيم. رأينا التعامل مع الساحل السوري وموضوع السويداء والطروحات الانفصالية، ورأينا موضوع السيطرة على جبل الشيخ فهو عملياً على بعد 10 كيلو متر من طريق بيروت – الشام، وبالتالي يشرفون من جبل الشيخ على لبنان وعلى سوريا وعلى فلسطين وعلى العراق، ويكون لبنان هنا بين فكي كماشة، خصوصا اذا دخل في عملية التطبيع واعتقد ان مجرى الأمور يمشي في هذا الاتجاه. كان هناك وفد من الإدارة السورية من المفترض ان يصل الى لبنان للتحاور في ابرز العناوين المطروحة منها ترسيم الحدود البرية وترسيم الحدود البحرية، أيضا هناك الموضوع المتعلق بالنازحين السوريين الموجودين في لبنان وموضوع السجناء بالإضافة الى الكثير من الأمور العالقة بين البلدين.
اعتقد ان مصلحة لبنان ان تكون سوريا موحدة، وان يكون هناك حل سياسي ومؤتمر وطني تشارك فيه كل القوى السياسية، وأن يكون هناك نوع من السلم الأهلي ورفض لدعوات الانفصال، وان يكون هناك احترام للحريات العامة ووقف التهجير، بالتالي موضوع مواجهة الإرهاب مطلوب لإيقاف النزف في سوريا وقطع الطريق على التدخلات الخارجية. هذا هو ما نطرحه في اطار العلاقة بيننا وبين سوريا، لان ما قلته ان لم يتحقق ستكون انعكاساته سلبية على لبنان فنحن من دعاة بناء أسس للعلاقات الثنائية على أساس المادية بين البلدين والثقة المتبادلة واحترام سيادة البلدين واحترام حقوقهم ومصالحهم وتكاملهم، هذا ما نطرحه ونؤكد عليه.
 
انحسار الشيوعية
الثقافة الجديدة: كلبنانيين كيف تنظرون لظاهرة انحسار الاحزاب الشيوعية، انحسار جماهيريتها وانحسار دورها ؟ كيف تنظرون لها كمراجعة نقدية للوضع؟
 حنا غريب: الجميع يعترف بهذا الانحسار ولا يوجد حزب ينكره. نحن نعتقد ان الشكل الذي يتجلى فيه الصراع الطبقي في بلداننا العربية كان يتمحور حول الذي طرحه "لينين" في مقولته الشهيرة على شعوب الشرق والعالم بشكل عام وهي "يا عمال العالم اتحدوا"! نحن كحزب ترجمنا ذلك بنظرية ثورية وأطلقنا عليها اسم (نظرية التحرر الوطني) لشعوبنا العربية، وان القضية الفلسطينية هي القضية المركزية وكذلك القضايا الأخرى في عملية مواجهة هذه الأنظمة في الداخل. فكرتنا قائمة على تحرير علاقات الإنتاج التبعية في بلداننا في عملية صراع طويلة نراها على مراحل. بمعنى ليس علينا ان نجد المشكلة فقط وانما يجب ان نضع الحلول، ونقسّمها على ثلاث مراحل، أولا مرحلة النضال الديمقراطي لتحويل الأحزاب الشيوعية الى أحزاب جماهيرية، وهي ليست جماهيرية الآن وانما في حالة انحسار. المرحلة الثانية على ضوء نجاح هذا الموضوع وموازين القوى وتحالفاتها تكون قادرة على انتاج حكم وطني ديمقراطي بما يؤهلها للانتقال الى المرحلة الثالثة بما يتعلق بالمرحلة الاشتراكية. الأحزاب الشيوعية مطالبة وتتحمل مسؤولية هذا الانحسار، وعليها ان تجد الحل لأزمتها، فالبرجوازية فشلت وفشلها تجلى بزرع هذا الكيان وموضوع تقسيم فلسطين. في المرحلة الثانية التي خاضت فيها البرجوازية الصغيرة معاركها على اساس الانقلابات ومن ثم الوحدة والحرية والاشتراكية وغيرها، وأوصلتنا الى نفس النتيجة، فيما وصلنا اليها. وذكرت في هذه الانهيارات وفي نتائج انتفاضات شعوبنا العربية. وفي النهاية وصلنا الى ان الإسلام السياسي تم تصديره تحت عنوان الممانعة، وهو تصدر للواجهة وبدعم من ايران وبتحالف مع سوريا. ضمن هذا المحور تصدروا هذه المعركة، وقدموا ما لديهم ونحن قدمنا أيضا كاحزاب شيوعية ويسارية، لكن ما كان يحصل في قيادة هذه الحركة كانت تنتهي الى مساومات واتفاقيات، ومن ثم الى التراجعات التي تحصل بموضوع القضية الفلسطينية التي تجري تصفيتها بخطوات متسارعة ضمن المشروع الامريكي الصهيوني في تنفيذ مشروع الشرق الاوسط الجديد. وفي هذا الظرف السياسي التاريخي على الأحزاب الشيوعية ان تطرح حلا لأزمتها وأزمة حركة التحرر العربي وحل ازمة قيادتها بانها تتولى هي كيسار فعلي حقيقي في تحالف تقوده الطبقة العاملة واحزابها اليسارية، وتجدد هذه الحركة. المطلوب ليس تحرير الرأسمالية وانما التحرر من الرأسمالية. هذه الرأسمالية والتبعية وصلت بالمواجهة ومسار بلداننا الى طريق مسدود. وهم يعلمون ماذا فعلوا بحكم السيطرة وبحكم نظام السوق ومنع التصنيع ومنع الزراعة ومنع التكنولوجيا والتطور العلمي والأبحاث والجامعات. قاموا بضرب كل هذه الأمور، بالتالي اصبحنا مثل العبيد. لن يتم تحقيق التطور الوطني في بلداننا اذا لم يتسلم القيادة تحالف تقوده الطبقة العاملة وأحزابها اليسارية. على هذه الأحزاب ان تطرح نفسها وتعيد النظر في برامجها واضعة اولويتين: الأولى هي المقاومة بكل الوسائل المتاحة والملائمة وحسب ظروف كل بلد بما فيها البلدان التي تتعرض للاحتلال وبشكل أساسي موضوع المقاومة المسلحة ضد العدوان الصهيوني وضد الاحتلال الأجنبي. وفي نفس الوقت أولوية مواجهة التبعية والقمع والاستبداد السياسي والاجتماعي. وعلى هذا الأساس بالإمكان المعالجة ووضع النقاط على الحروف، والفكرة التي نطرحها في معالجة هذا الموضوع هي ان تتوحد الأحزاب الشيوعية على هذه النظرية، وهي نظرية التحرر الوطني والاجتماعي. لا توجد نظرية ثورية ولا أحزاب ثورية فعلية على ارض الواقع من دون نظرية التحرر الوطني. هذه النقطة لغاية الان غير محسومة بشكل جماعي وبشكل موحد، وبالتالي النقاش فيها أكثر من ضروري.
 
.