أيار 18
كان الهدف الأساس من ثورة الرابع عشر من تموز هو تسنم السلطة وإعادة النظر في مشروع الدولة العراقية الذي انتجته معاهدة سايكس بيكو بعد الحرب العالمية الأولى من حيث المحتوى والشكل، وكان التناقض الرئيس في ظل النظام الملكي يجري بين الغالبية العظمى من ابناء الشعب العراقي من جهة وبين الاحتلال البريطاني والاقطاع وحلفائهما من جهة اخرى، وفي صبيحة الرابع عشر من تموز تم حل هذا التناقض لصالح الغالبية العظمى من ابناء الشعب عن طريق تحالف اجتماعي واسع سبقه، اشترك فيه العمال والفلاحون والبرجوازية المحلية بغالبية شرائحها وافراد القوات المسلحة من ضباط ومراتب اخرى، وانعكس هذا التحالف الاجتماعي الواسع المعبر عن مهمات مرحلة التحرر الوطني الديمقراطي على تحالف واسع للقوى السياسية مع منظمة الضباط الاحرار من اجل الانعتاق من الاحتلال الأجنبي، والقضاء على الاقطاع، وبناء دولة من طراز جديد، واعتماد ستراتيجية تنموية تستهدف القضاء على التخلف بمختلف جوانبه.
وتميزت اللوحة الاجتماعية والطبقية في العراق بتغيرات وتحولات متواصلة وانعكست هذه الحركة والتحولات على شكل ومحتوى الدولة العراقية، اذ استطاعت بريطانيا بين الأعوام (1921 - 1955) ان تحقق مشروعها في بناء الدولة على النحو الذي ارادته “لترسيخ تبعية العراق لبريطانيا والاستحواذ على مكامن النفط”، فصممت نظاما سياسيا “مستقلا في الظاهر تابعا خاضعا في الجوهر” اذ قطعت التبعية الكولونيالية التطور الطبيعي الداخلي للمجتمع العراقي وكرست العلاقات شبه الاقطاعية، شبه الراسمالية بقوانين واجراءات عديدة وربطت العراق بمعاهدات جائرة عززت من تلك التبعية وعمقت الاقتصاد احادي الجانب”(1). وبين الأعوام (1955 - 1980) دخلت فيها الدولة وقطاعها العام في معركة مع البرجوازية المحلية بكافة شرائحها الكبيرة والمتوسطة والصغيرة وبدأ مفهوما “الدولة الريعية” و”رأسمالية الدولة الوطنية” يأخذان حيزا كبيرا في الحياة السياسية والاقتصادية للمجتمع العراقي. حيث تولى مجلس الاعمار إقامة العديد من المشروعات الصناعية المشابهة لتلك التي يمتلكها القطاع الخاص، وفتح عددا من القنوات الجديدة، وانشأ طرقا جديدة لرفع مياه النهرين، وبناء مشاريع الري الحديثة: سدة الهندية عام 1913، ناظم الكوت 1929، مشروع الثرثار 1954، مشروع الحبانية 1956، سد دربنديخان 1961، سد دوكان 1959(2).
“وأخذت وتيرة نمو ما يعرف بصعود القطاع العام في حجم التراكم الرأسمالي والتأسيس لما يعرف برأسمالية الدولة الوطنية بعد ان توافر لهذه الدولة موارد مالية ريعية من عوائد النفط التي ارتفعت من 1,5 مليون جنيه إسترليني عام 1941 الى 79,8 مليون جنيه إسترليني عام 1958(3) فأصبحت الدولة مستقلة عن المجتمع وزادت قدرتها على ممارسة الحكم الاستبدادي المطلق. ومع بداية 1964 شهدت الدولة حمى إجراءات تعسفية لتقوية البنية التحتية لراسمالية الدولة عبر قرارات التأميم المعروفة والتي “أظهرت سياسات قمع ونهب صريح للموجودات الرأسمالية الوطنية العراقية”(4). كما تنامت الطبيعة الريعية للاقتصاد العراقي بسبب تنامي النشاطات الخدمية والإنتاجية ذات الطبيعة الاستهلاكية الغالبة الى جانب النشاطات الاسكانية او العمرانية على حساب نمو أي صناعات تصديرية غير نفطية مهمة(5). وبعد الثمانينيات من القرن العشرين، تحولت اتجاهات الدكتاتورية نحو الخصخصة، فعرضت الكثير من المشاريع والشركات الزراعية والصناعية للخصخصة. وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 بدأت ما تسمى “رزمة الاصلاحات الهيكلية “ في اطار توجيه الاقتصاد العراقي باتجاه اقتصاد السوق المنفلت، بهدف الاجهاز على ما تبقى من الدولة العراقية والشروع بمرحلة اللادولة والفوضى والمليشيات.. الخ.
 
اللوحة الاقتصادية - الاجتماعية قبل ثورة 14 تموز
تطور القطاع الزراعي في العراق خلال الحقبة (1864 - 1958) نتيجة لتوسع الطلب الأوروبي والهندي على المنتوجات العراقية فارتفع مجموع قيمة الصادرات من 2.900.000 دينار قبل الحرب العالمية الأولى، الى حوالي 16 مليون دينار قبل ثورة 14 تموز. وتحت تأثير تطور تجارة التصدير جرى التحول من الاقتصاد الطبيعي القائم على الاكتفاء الذاتي الى إنتاج السلع الزراعية والحيوانية لغرض السوق والربح(6). وكان لنمو تجارة التصدير اثره الكبير في زيادة السكان وتوطين البدو ونمو البرجوازية التجارية الأجنبية والمحلية، و”اصبح مصدرا للحصول على العملات الأجنبية لدفع قيمة الاستيرادات العراقية”(7) كما لعبت تجارة التصدير دورا مهما في تدهور الصناعات اليدوية القديمة وانحطاطها وظهور الصناعة الحديثة(8). وصار القطاع الصناعي العراقي استثمارا وانتاجا تحركه تجارة الاستيراد، اذ بلغت “قبيل الحرب العالمية الثانية مع بريطانيا 70 % من قيمة التجارة العراقية، وبقية البلدان الأوروبية 21 %(9). بعد الحرب العالمية الثانية حتى قيام ثورة 14 تموز شهدت عودة صادرات العراق الى أسواقها التقليدية، فقد ارتفعت حصة بريطانيا الى 22,5 % وألمانيا الغربية الى 7,8% وهولندا الى 7,2 % والدانمارك الى 6,4 % واليابان الى 3,6 % من مجموع صادرات العراق عدا النفط خلال 1952 - 1958(10).
البرجوازية المحلية العراقية تتكون اما من افراد ميسورين من سكان المدن ينتمون الى الاشراف او السادة او شيوخ العشائر الذين انتقلوا الى المدن، او من التجار المرتبطين بالشركات الأجنبية التجارية، وكبار الموظفين. وتشكلت منها ثلاث فئات اجتماعية لعبت دورا مهما في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد(11): البرجوازية الكبيرة أي البرجوازية الصناعية والتجارية بمراتبها المختلفة بما فيها الكومبرادور، التي نشأت في ظل العلاقات الاستعمارية وارتبطت بها في كثير من الوجوه واظهرت عجزا كبيرا في تنمية الاقتصاد، وقد اتجهت بصورة عامة نحو التجارة وامتلاك العقارات اكثر من الصناعة لسهولة الأرباح، وطابعها رجعي يساند النظام الملكي. والبرجوازية الصغيرة المتكونة من بعض الحرفيين وأصحاب المهن الصناعية الحرة التي تعرضت الى استغلال الراسمالية الاحتكارية وتضررت من سوء معاملة الدولة وجهازها الإداري ولعبت دورا تقدميا في المجتمع. وعلى صعيد المثقفين كانت هذه الطبقة أقرب الى الحركة الشعبية.
منح العثمانيون الاقطاعيين أي كبار ملاك الأراضي الزراعية الأراضي والامتيازات الاخرى بهدف تامين خضوع افراد العشيرة للشيخ والسلطة العثمانية، وحماية الامن الداخلي وطرق المواصلات والتعاون مع الجندرمة العثمانية لإسناد الحملات العسكرية (12).
واعتمدت بريطانيا على نظام العشائر كاداة لتعزيز دور شيوخ العشائر في حياة البلاد الداخلية وتحويلهم الى الى ملاكين كبار للأراضي الزراعية، وتوطين البدو الرحل وخلق قوة اجتماعية في الريف موازية للقوى الاجتماعية الأخرى في المدينة وفي تعزيز موقع بريطانيا في الصراع الدائر(13).
75 % من مساحة الأراضي الزراعية المستثمرة (لزمة، طابو، اميرية، صرفة) كانت بحيازة كبار الملاكين الذين تزيد حيازة كل منهم على (400) الف دونم، و25% فقط بحيازة بعض الفلاحين وصغار الملاكين. وبقي 85 % من سكان الريف لا يملكون شبرا واحدا من الأرض، في حين كان اقل من 1 % من سكان الريف يملكون ثلاثة ارباع الأراضي الزراعية وبعض كبار الملاكين كان يستثمر (20) الف عائلة فلاحية (14).
المشايخ العشائريون العرب والبكوات والاغوات الاكراد شكلوا الشريحة الأهم من طبقة ملاك الأراضي الذين سيطروا حتى العام 1958 على العدد الأكبر من فلاحي العراق.
كانت لحيازة الملكيات الكبيرة من قبل شيوخ العشائر نتائج خطيرة؛ فقد تبدلت العلاقة الابوية التقليدية الى علاقة مالك الأرض المستغِل والفلاح المستغَل. وفقد الشيوخ بذلك قاعدتهم الاجتماعية واصبح تحالفهم مع الإنكليز وجماعة البلاط والقوى المنتفعة من النظام الملكي تحالفا هشا معزولا عن غالبية العراقيين (15).
 تعمق التمايز الطبقي في المجتمع خلال السنوات السابقة لثورة 14 تموز في كل من الريف والمدينة على السواء. ودفع بمئات الالاف من الفلاحين للهجرة الى المدينة. وكان العامل الأول في افقار الفلاحين هو اتساع عملية استيلاء الملاكين الكبار على الأراضي الزراعية (16).
اثناء فترة الاحتلال البريطاني جرت تغيرات اجتماعية واقتصادية عميقة في العراق حيث تبدلت حياة الناس وقيمهم الاجتماعية والسياسية تبدلا جوهريا مع التغيرات الاقتصادية التي أحدثها الاحتلال في المدينة والريف (17). ففي عام 1957 اصبح مجموع السكان 6,3 ملايين نسمة، لم يبق بينهم من سكان العشائر البدوية الا 1 %، بينما ارتفعت نسبة سكان الأرياف ارتفاعا طفيفا 58 % وارتفع سكان المدن حيث اضحى 41 % من مجموع سكان العراق (18).
على ضوء اللوحة الاجتماعية السابقة يمكن اعتبار “النظام الملكي” كمفهوم الى جانب الاحتلال البريطاني هو الطرف الأول من الصراع التناحري قبل ثورة الرابع عشر من تموز ويتكون من الاحتلال البريطاني، الملك (فيصل الأول وغازي وفيصل الثاني) والوصي عبد الاله وشيوخ القبائل وأنصار النظام الملكي من الكومبرادور والوزراء والاعيان والنواب وكبار الموظفين المدنيين وكبار الضباط في القوات المسلحة.
ويتكون الطرف الثاني من الصراع التناحري قبل ثورة 14 تموز من الأغلبية الساحقة لسكان العراق وتشمل الفلاحين والعمال والجنود والضباط الثوريين والمثقفين الثوريين(19). إضافة الى البرجوازية الصغيرة من الحرفيين وغيرهم واطراف من البرجوازية المحلية التي تم تحجيمها بسبب السياسات الاقتصادية للاحتلال البريطاني وحلفائه.
 
حقائق رقمية عن الوضع الاقتصادي في العراق قبل ثورة 14 تموز
ان الاقتصاد العراقي قبل 14 تموز اقتصاد متخلف بسبب حقيقتين ثابتتين: الاولى “ان القوى البشرية والثروات الطبيعية كانت في حالة ناقصة وغير عقلانية من الاستثمار”. والثانية “ابقاء هذا الواقع على حاله من قبل قوى غير اقتصادية (التبعية الخارجية والعلاقات الاجتماعية شبه الاقطاعية). انعكس هذا التخلف على مجموعة من المظاهر:
منها ان سكان العراق ازداد عددهم خمس مرات من 1,280,000 نسمة عام 1867 الى 6,328,000 نسمة عام 1957. 80 % منهم عرب أي (5,018,962) مليون نسمة، وبلغ عدد السكان الاكراد (1,042,774) مليون نسمة، والتركمان (136,806) الف نسمة اما “الأقليات” الأخرى فبلغت حوالي (100) الف نسمة وهي من الكلدان والسريان(20).
 ثلث عوائل العراق (431526) الف عائلة تسكن غرفة واحدة فقط، و(200) الف عائلة تسكن الصرائف، و(300) الف عائلة تسكن بيوتا من الطين. وتبلغ العوائل التي تسكن بيوتا من الطابوق والصخر (20 %) فقط . مجموع بيوت الطين والصرائف والخيام هو 608,108 بيوت من مجموع مساكن العراق البالغة 766,106 بيوت، أي ان 80 % من المساكن العراقية هي ليست من الطابوق وغير صالحة للسكن وتحتاج الى تبديل. والمياه النقية تجهز 154.395 بيتا فقط من مجموع البيوت ويستعمل 370,785 بيتا الماء من النهر والجدول القريب من بيوتهم، ويستقي 59,476 بيتا من الابار، و154, 262 بيتا تأخذ مياهها من مصادر أخرى كمياه الامطار والعيون وما شابه (21).
اما بالنسبة للقطاع الصناعي، والاستيراد والتصدير وحصة الفرد في الدخل القومي، فقد بلغ رأسمال القطاع الصناعي الاجنبي عام 1951 (100) مليون دينار عراقي، بينما بلغ رأسمال القطاع الصناعي العراقي العام لنفس العام مليون دينار فقط. وبلغ رأسمال القطاع الصناعي العراقي الخاص (4) مليون دينار فقط. وواضح ان رأسمال القطاع الصناعي العراقي يشكل 5 % فقط من الرأسمال المستخدم في الصناعة و95 % منه رأسمال أجنبي عام 1957 بلغت نسبة الاستيراد من بريطانيا 24 % والصادرات اليها 28 %. وبلغ الدخل القومي لكل فرد في العراق بعد الحرب العالمية الثانية (20 – 30) باون استرليني، بينما بلغ في بريطانيا للعام نفسه (101) باون وفي امريكا (109) باون. وانعكس الدخل القومي الواطئ للفرد على كمية ونوع الغذاء وعلى نسبة الوفيات وعلى الحالة الصحية والاجتماعية والثقافية العامة للفرد (22).
وإذا نظرنا الى الوضع الصحي في البلاد، لوجدنا ان عدد المستشفيات (104) مستشفيات، 87 منها تابعة لوزارة الصحة والباقي لوزارات أخرى او أهلية. ويبلغ عدد الاسرّة حوالي (6,500) سرير بمعدل سرير واحد لكل الف نسمة. بلغ عدد الأطباء حوالي ألف طبيب (50 %) منهم في بغداد. بلغ عدد المصابين بالتراخوما عام 1956 (54660) والملاريا (24866) والدزاننتريا (41201) بينما بلغ عدد المصابين بالسل الرئوي (500) الف مواطن، منهم (50) الف مصاب في بغداد. وقد بلغت نسبة الاطباء (طبيب عراقي لكل 5800) مواطن، بينما تهبط هذه النسبة في البلدان المتقدمة للفترة نفسها (طبيب لكل 2000) مواطن.
اما بالنسبة للتعليم، فقد بلغ عدد الأميين عام 1957 (4,179,863) مليون نسمة، أي حوالي ثلاثة ارباع السكان. وبلغ عدد المدارس الابتدائية بضمنها رياض الاطفال (1844) وعدد الطلاب (367374) الف طالب وطالبة. أما عدد المعلمين فكان (11151) الف معلم.
وأخيرا، كان عدد الفاعلين من السكان عام 1957 (58 %) من المجموع الكلي. أي بلغت نسبة العاطلين عن العمل (46%). اذ بلغ عدد القادرين على العمل في الريف عام 1957 1,814,000 شخص لا يزيد عدد المشتغلين منهم على 852,000، أي بلغ عدد العاطلين 962,0000 ازداد عدد العاطلين عن العمل في المدن من 291,000 شخص في عام 1947 الى حوالي 405,000 شخص في عام 1957. لذلك تبرز احدى المشكلات الاقتصادية والاجتماعية هي مشكلة البطالة العامة وعجز النظام الاقتصادي عن تحقيق التشغيل التام للايدي العاملة الوطنية في القطاعين الريفي والمدني.
 
لحظة 14 تموز والتحضيرات للثورة
لم يكن أعداء الشعب قادرين على مواجهة شعب موحد ناهض، إضافة الى ذلك فان “ميزان القوى قبيل ثورة تموز بجانب الجماهير اذا ما احسن تعبئتها وقيادتها” (23) ان جبهة 1957 هي تحالف سياسي اجتماعي واسع اخذ مداه الأقصى والطبيعي بالوقت نفسه حين ارتبط بتحالف مع منظمة الضباط الاحرار التي حسمت صراعا شرسا وطويلا بدأ في 1921 وانتهى في صبيحة 14 من تموز 1958.
أنجزت الثورة تخطيطا وتنفيذا بواسطة العراقيين من دون علم أي من الجهات الأجنبية مما اذهلت القوى الاستعمارية ودفعتهم لتحريك جيوشهم الى داخل المنطقة العربية دون جدوى. وكانت اهداف الثورة واضحة للتخلص من قيود التبعية لبريطانيا واحلافها (24).
ان ثورة 14 تموز ليست وليدة الصدفة المحضة ولا حركة اعتباطية دفعت بها ظروف عارضة وانما هي حصيلة نضال طويل ومرير خاضه الشعب العراقي في اعقاب ثورة العشرين (25).
لقد دللت السرعة التي تمت فيها عمليات الثورة وسيطرة القوات الثائرة على أهدافها منذ لحظاتها الأولى وتحقيقها النصر الكامل على النظام وتخاذل القوى المضادة وعجزها عن ابداء مقاومة جدية للقوى المهاجمة في كل مكان، ان الثورة كانت قد نضجت تماما وان قوى النظام قد توصلت عن قناعة تامة ان لا نفع في مقاومتها لإرادة الشعب الثائر(26).
 
إنجازات ثورة 14 تموز
أولا، الإنجازات السياسية: قضت الثورة على النظام الملكي واقامت الجمهورية فأزالت الاستعمار والاقطاع والاستغلال، اصدرت الدستور المؤقت عام 1958، والغت المراسيم السعيدية التي صدرت ابان العهد الملكي الرجعي، اطلقت سراح المعتقلين والسجناء السياسيين، والغت قرارات نزع الجنسية عن العراقيين وسعت الى اعادة السياسيين الى الوطن، واطلاق الحريات العامة والنشاطات الحزبية والبدء بسياسة التطهير في الجهاز الحكومي والقضائي (27). تبنت سياسة عدم الانحياز، الغت جميع المعاهدات الاستعمارية المخلة بالاستقلال الوطني، وخرجت من حلف بغداد” (28) وانسحبت من الاتحاد العربي الهاشمي، وانسحبت من حلف بغداد، واعتمدت سياسة الحياد الإيجابي.
ثانيا، في المجال الاقتصادي والاجتماعي: وضعت الثورة أسسا لالغاء النظام الاقطاعي، فالغت نظام دعاوى العشائر، صادرت اموال واملاك الاسرة المالكة العراقية وتسجيلها باسم الدولة، نظمت شؤون مجلس الاعمار، الغت عقود بعض الشركات الأجنبية، وضعت مخططا عمليا للاعمار، اسست المصارف، نقحت المناهج الدراسية، قامت بإصلاحات واسعة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية وأصدرت قانون الإصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958 وانسحب العراق من المنطقة الاسترلينية. واصدرت قانون رقم 80 لسنة 1961 وأصدرت قانون الأحوال الشخصية، إضافة الى تغييرات أخرى وإصلاحات صحية وتربوية وفي مجال الإسكان والخدمات الأخرى (29). وعقدت اتفاقية التعاون الفني والاقتصادي مع الاتحاد السوفييتي”(30).
 
حقائق رقمية عن الوضع الاقتصادي في العراق بعد ثورة 14 تموز
مشاريع عامة:
بناء مجموعة احواض سباحة اولمبيىة في الكاظمية والاعظمية والضباط والكرادة والمنصور ومدينة القاسم، بناء المنشآت الآتية: مطار بغداد الدولي، قناة الجيش، ملعب الشعب الدولي متحف ومديرية الآثار في الصالحية، بناء اكبر مكتبة في الشرق الأوسط في المتحف الوطني، معرض بغداد الدولي، المركز الاذاعي والصوري، البنك المركزي، مصرف الرافدين في الشورجة، 14 فرعا من فروع مصرف الرافدين في كل محافظات العراق، 19 بناية للوزارات بأكملها، 57 متنزها في انحاء العراق، 45 دارا سياحية في الحبانية، انجاز شوارع 14 تموز، فلسطين، الجمهورية، الكريمات، شارع الفلوجة، شارع بيجي، شارع كرادة مريم، تأسيس اتحاد الادباء، نقابة الصحفيين، المهن الصحية، تأسيس 3680 جمعية نقابية، بناء 11 عمارة للضمان والمصارف في شارع الجمهورية، بناء نصب الحرية، بناء مجموعة كازينوهات في سوارة توكا والحبانية والهندية والناصرية والحلة، مجموعة فنادق حديثة في الرمادي والديوانية والكوت وكربلاء وسرسنك، تأسيس مصلحة المصايف السياحية، عشرات السايلوات لخزن الحبوب والمواد الغذائية، بناء رعاية الاحداث لكل محافظة، بناء دار للايتام لكل محافظة، بناء دار لرعاية المكفوفين والمعاقين لكل محافظة، بناء مراكز لرعاية كبار السن والارامل في كل انحاء العراق، تأسيس مصلحة المبيعات الحكومية، استيراد 105 باصات ذات طابقين من بريطانيا، انشاء 875 جمعية تعاونية استهلاكية، انشاء 175 جمعية لبناء المساكن حسب المهن، انشاء عشرات المخابز، بناء الجسر المعلق، بناء اذاعة الثورة واذاعة الحرية في ابي غريب، بناء المجلس الوطني، بناء قاعة الخلد، بناء سينما النصر، بناء مكتبة عامة لكل محافظة، تشييد نصب الجندي المجهول في ساحة الفردوس، بناء مجازر للحوم بفروعها العشرين في انحاء العراق، انشاء 12 علوة اسماك في جميع انحاء العراق، انشاء 10 مراكز لمحطات الإطفاء، انشاء شركة اعادة التأمين، انشاء محطة اذاعة الحرية في كصيبة، انشاء محطة اذاعة في كركوك، انشاء 15 محطة اذاعة صوتية في المحافظات، تأسيس دائرة مصلحة السينما والمسرح، استحداث وزارة الصناعة، استحداث وزارة التخطيط، استحداث الهيئة العليا للإصلاح الزراعي، تجهيز الجيش بالأسلحة والطائرات والمعدات، بناء سجون حديثة، استحداث ميناء ام قصر.
 
مشاريع الإسكان:
بناء 40 مدينة حديثة كاملة الخدمات، بناء مدينة الثورة في كل محافظة، انشاء حي جميلة التجاري، مشروع إسكان أصحاب الصرائف، مشروع الإسكان التجريبي، مشروع إسكان غربي بغداد وشرقي بغداد، مشاريع انشاء قرى في اللطيفية والمسيب، وسلمان باك، والداودية، انشاء مدينة الثورة، ومدينة الشعلة، واليرموك، والرشاد، والمعامل، والحرية، وحي السلام، ومدينة الشعب، وحي نواب الضباط، ودور لمعمل السكر في الموصل، ودور سرجنار. وانشاء مشاريع الإسكان في أربيل، كركوك، البصرة، الكوت، كربلاء، الكوفة، النجف، الحلة العمارة، الرمادي، وكذلك توزيع مليون ومئتي قطعة ارض سكنية، بناء مساكن للعمال والموظفين، بناء الاف الدور المتفرقة في العراق.
 
مشاريع الصحة:
انشاء مدينة الطب في بغداد وتوابعها، وانشاء المستشفيات التالية: الدار التمريض الخاص، اليرموك، الكرخ، ابن النفيس، النعمان، الشماعية، الطوارئ، الأطفال، تكريت، دهوك، الحلة، الفرات الأوسط، كركوك، كربلاء، الامراض الصدرية في الموصل، الكفل، عفك، الرمادي، الديوانية، الهندية، خانقين، شقلاوة، الشرطة، الموصل، الجذام، البصرة، العمارة، الكاظمية، أربيل، مستشفى السليمانية. وكذلك انشاء 32 مستوصفا، و33 مذخر ادوية في انحاء العراق، و160 دارا للأطباء، انشاء عشرات العيادات الطبية، انشاء المذخر الطبي المركزي، مع انشاء 12 مستشفىً للطلاب.
 
مشاريع التربية والتعليم:
جامعة بغداد، الجامعة المستنصرية، 776 مدرسة، انشاء عشرات المدارس الاهلية، تأسيس نقابة المعلمين وجمعيات تعاونية واسكان لهم، بناء كلية طب الموصل، بناء الجامعة التكنولوجية، بناء عشرات الأقسام الداخلية، انشاء المدارس الصناعية والزراعية، انشاء 66 مكتبة في كل العراق.
 
مشاريع الجسور
الكرادة المعلق، الكوت، علي الغربي، حديثة، معبر تكريت، جسر المهناوية، الفلوجة، جوارتا، جسر سوق الشيوخ، سيدي كان، كوردره، كرمة علي، باب المعظم، القيارة، ابي صخير، جلولاء، ديالى، الرفاعي، البو صالح، الكحلاء، قاشان في السليمانية .
 
مشاريع الكهرباء:
تلعفر، عقرة، السليمانية، بنجوين، بارزان، أربيل، شقلاوة، راوندوز، كويسنجق، الكوت، النعمانية، كربلاء، النجف، الكوفة، الديوانية، الشامية، السماوة، جوارته، ميركه سور، قره تبه، كرمة بني سعيد، الموفقية، بيجي، شيخ سعد، الكوبر، القادسية، الحويجة، الميمونة، أبو صيدا، المنصورية، كركوك، كفري، بعقوبة، المقدادية، الرمادي، هيت، عانة، قلعة صالح، الحلة، المحاويل، الهندية، المسيب، سدة الهندية، الناصرية، سوق الشيوخ.
 
مشاريع الصناعة:
مصنع الورق في البصرة، الزجاج في الرمادي، البان أبو غريب، البتروكيمياويات في البصرة، الادوية في سامراء، الحرير في الحلة، الحرير في الهندية، الحديد والصلب في البصرة، الأسمدة الكيمياوية في البصرة، الفولاذ والسباكة في بغداد، مصانع السيارات في الإسكندرية، الأحذية الشعبية في الكوفة، تعليب كربلاء، سمنت سرجنار، سمنت الموصل، معمل السكر في العمارة، السكاير في السليمانية، استخلاص الكبريت، المصابيح الكهربائية في بغداد، الصناعات الخفيفة في بغداد، الحياكة في الكوت، معمل النسيج في الكوت، الفرن الذري لأغراض طبية في بغداد، مصنع الثرمستون، الكتل الكونكريتية في بغداد، النسيج في الناصرية، الخياطة في بغداد، معمل السكر في الموصل، اللوازم والعدد الكهربائية، الالات والمعدات الزراعية، الإسكندرية للأسلحة الخفيفة،الطابوق الجمهوري، إطارات الديوانية، معامل الاعاشة للخبز الاوتوماتيكي، الاكياس الورقية، معمل طباعة الكرتون، الأثاث المعدنية، 25 معملا للطحين، صناعة الأبواب الخشبية، دباغة الجلود، الطابوق الناري والسيراميك، مصنع المواد المضادة والمستحضرات الصيدلانية، 14 معملا لكبس التمور، معامل العلف الحيواني، 16 مجزرة حديثة، 4 معامل لصناعة الصابون، معامل انتاج الأفلام السينمائية، معمل الاسبست والاخشاب المستعملة في انتاج الشخاط، معمل الانابيب العملاقة.
 
مشاريع الري
مشروع الغراف ونواظمه، الدلمج، الشحيمية في الصويرة، مبازل الدجيل، مشروع ري بدرة وجصان، مبازل الحلة والإسكندرية، محطة ضخ الرزازة، نواظم خان الجدول، جداول شط الشامية، ناظم المشخاب القاطع، مبازل ومحطة ضخ الرميثة، مبازل الشطرة، سداد نواظم سوق الشيوخ، بالإضافة الى انشاء المبازل التالية: الصقلاوية في أبو غريب، اليوسفية، المسيب الكبير، الحلة الكفل، الإسكندرية، الحلة الديوانية، كربلاء. وكذلك نواظم أبو التمن في الشامية، نواظم خان الجدول، نواظم شط الشامية، مبازل الرميثة .
              
السدود ومشاريع الماء
سد الموصل، سد دوكان، سد دربنديكان، مشروع ري كركوك، مشروع ري العظيم مشروع الحويجة، مياه مندلي،تحسين وتنظيم جدول ديالى، ماء بغداد الرصافة والكرخ، محطة ضخ غربي بغداد، واناء محطات المياه في: اليوسفية، بيجي، الشرقاط، كرمة بني سعيد، ماء الموفقية، الكوير، قره تبة، بنجوين، السويب، المنصورية، التحرير، الشيخ سعد، عين التمر، المحاويل، المحمودية، سامراء، عنه وراوه، مخمور، الدور، تلعفر، جوارتا، أربيل، الصويرة، حمام العليل، الناصرية، الحي، مء خان بني سعد، الطارمية، تلكيف، كبيسة، البطحاء، الزبيدية، العمارة، النجف، الديوانية، كربلاء، البصرة، الفلوجة، الكوت، الانبار، ميركه سور، الحويجة، ماء قره داغ، ابي صيدا، القادسية، الميمونة، الحسينية، الإسكندرية، الفاو، قلعه دزه، بعقوبة.
 
انتكاسة الثورة
لعب الاحتلال البريطاني وحلفاؤه من الدول الاستعمارية والدول التابعة له إضافة الى الطبقات والفئات والشرائح المحلية التي ضربتها الثورة، دورا تآمريا كبيرا في اسقاط هذه التجربة الرائدة. و”لقد غدت محاربة الشيوعية في العراق هي الراية التي يلتف حولها جميع الأطراف” (31). وأن “عملاء الاستعمار سيعمدون الى سلاح تفريق القوى الوطنية تمهيدا لإمرار مؤامراتهم. كما لعبت الصراعات والخلافات بين الضباط الاحرار، ونمو النزعات الفردية لدى بعض قياداتها دورا في اضعاف جبهة الثورة وانكشافها امام الأعداء، فبعدما اتفقت اللجنة العليا للضباط الاحرار على اسقاط النظام الملكي وإقامة الجمهورية على الأساس الديمقراطي البرلماني واجراء انتخابات حرة وتسليم الحكومة الى ممثلي الشعب الحقيقيين (32). تمسكت بالسلطة وتحولت الى أداة قمع لكل شكل من اشكال المعارضة. ولا ننفي الدور السلبي لأحزاب جبهة الاتحاد الوطني التي فرطت بالجبهة وتوزعت ما بين معارض متعاون مع أعداء الثورة او تابع منقاد لمجموعة الضباط الاحرار الماسكين بالسلطة او انقسام داخل بعض الأحزاب حول الموقف من عبد الكريم قاسم حرمهم من استغلال فرص عديدة لتصحيح مسار الثورة. فكان نصيب قاسم وجماعة من مؤيديه الإعدام بدون محاكمة، كما صفي الحزب الشيوعي والقوى اليسارية الديمقراطية والمستقلة تصفية لم يحصل ما يماثلها الا القليل في تاريخ العالم المعاصر(33).
 
***********
الهوامش:
  1. مؤلفات الرفيق فهد مع مقدمة زكي خيري، مطبعة الأديب، بغداد، 1974.
  2.  محمد سلمان حسن، التطور الاقتصادي في العراق، المكتبة العصرية للطباعة والنشر، صيدا، ص29.
  3. حنا بطاطو، العراق ج1، ترجمة عفيف الرزاز، بيروت 1990، ص52.
  4. د. موسى خلف عواد، إشكالية التطور الرأسمالي في العراق: تزاحم الدولة والطبقة، مجلة كلية الإدارة والاقتصاد للدراسات الاقتصادية و الإدارية والمالية، جامعة بابل، المجلد 2015، العدد 17 (31 ديسمبر/كانون الأول 2015)، ص:1-18، ص9.
  5. د. كامل العضاض، هيكلة الاقتصاد العراقي، والمسألة الريعية، عوائق امام تحقيق التنمية المستدامة، ورقة مقدمة الى وقائع الملتقى الاقتصادي العلمي الأول في بيروت 30 اذار – 1 نيسان 2013. منشورة على صفحات شبكة الاقتصاديين العراقيين على النت:
  6. http://iraqieconomists.net/ar/
  7. محمد سلمان حسن، التطور الاقتصادي في العراق، المطبعة العصرية، بيروت، ص 206 .
  8. المصدر السابق ص 209 .
  9. المصدر السابق   ص279.
  10. عزيز سباهي، عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، لندن، 2020 ، ص72.
  11. محمد سلمان حسن، التطور الاقتصادي في العراق، المطبعة العصرية، مصدر سبق ذكره.
  12. كاظم حبيب، لمحات من عراق القرن العشرين، أربيل ، 2013 ، ص 92.
  13. المصدر السابق، ص54.
  14. المصدر السابق .
  15. ليث الزبيدي، ثورة 14 تموز في العراق، مكتبة اليقظة، بغداد، 1981، ص30.
  16. د. طه ناجي، ثورة العراق المجيدة، دار الرواد، بغداد،  ص28.
  17. جاسم الحلوائي، محطات مهمة، دار الرواد. بغداد، ص55 .
  18. عزيز سباهي، عقود من تاريخ ...، مصدر سابق، ص62.
  19. محمد سلمان حسن، مصدر سابق ص 55.
  20. ليث الزبيدي، ص35.  
  21. المصدر السابق ص 28.
  22. موفق خلف غانم، نزيهة الدليمي ودورها في الحركة الوطنية ، دار الرواد المزدهرة، بغداد، 2014، من تقرير نزيهة الدليمي عن حالة المرأة العراقية، ص100.
  23. يمكن الاستفادة من كتاب “ الخلفيات الاقتصادية لثورة الرابع عشر من تموز”.
  24. عزيز سباهي، ج2 ص156 .  
  25. د.طه ناجي، ص10 .  
  26. ليث الزبيدي، ص13. مكتبة النهضة.
  27. عزيز سباهي، ص 226.
  28. ليث الزبيدي، ص260 .
  29. د. عبد الخالق حسين، ثورة وزعيم ص18، دار ميسبتوميا، بغداد 2007.
  30. ليث الزبيدي، ص 377 . 
  31. سلام إبراهيم كبة، التصنيع وثورة تموز .
  32. عزيز سباهي، ج2 ، ص309.
  33. د. فاضل حسين، سقوط النظام الملكي في العراق، ص55.
  34. د. طه ناجي، ص10.