أيار 05
مع ساعات الصباح الأولى هبت ريح مثقلة بسحب الدخان الكثيف راحت تكتسح الأجواء، فمنذ دخول القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها غطت سماء البصرة غيمة هائلة سوداء أحالت النهار ليلا في بعض الأنحاء، ما أدخل الكثير من مرضى الربو إلى المستشفيات التي لم تزل تعمل، حرائق اندلعت منذ أيام للإنذار بالهجوم، إذ تم قصف آبار وأهداف نفطية انبعثت منها سلسلة من حرائق ودخان، طائرات التحالف التي تتقدم على الطريق السريع نحو بغداد، ركزت في البصرة على قصف أهداف نفطية وأهداف عسكرية ولم تستثن الأهداف المدنية وبيوت وسيارات سحقها الطيران الأمريكي والبريطاني سحقا، وخلفت المدينة متسربلة بالدمار والدخان الأسود الذي يوزع روائحه الكريهة الخانقة في سماء المدينة للحد الذي يحجب النظر في أماكن أخرى، الأرجاء تكتظ بطوفان من دخان و رصاص وشظايا وهلع، ورائحة الموت في كل مكان تنافس الدخان ، الخراب والدمار لا يتركان  بشرا ولا ظلا ولا شجرة ، أوقيانوسيا من  الموت المائع  المكتسح يزحف على كل الأشياء، كأنه شلال أسود ينهد من أعلى ذروة للفواجع يسيح فيغطي الأفق والجهات بستارة من جزع  ونار ، الشباب الشرسون يخوضون متاهات نار كالضباب لاسع كالجمر، ينهال على أجسادهم وبيوتهم فتلوح في الأفق القريب كارثة محزمة بطيشها مثل مهرة يسبقها الصهيل،  ما جعل الكثيرين يلعبون لعبة التخفي تلافيا للوقوع في قلب وشراسة العاصفة ، ويراوغون يمينا وشمالا لتجنب الأسوأ، الانتقال إلى أماكن بعيدة عن مركز المدينة أو تغيير سكن بيوت قريبة من أماكن حكومية مهمة عسكرية أو مدنية، ومع هذه اللوحة القاتمة الضاجة بالموت والخراب والشعور المتزايد بأن الحياة لم تعد تطاق، من بعيد تناهت أصوات دوي عاصف غطت على هدير الطائرات وقصف المدفعية، جاء الصوت متدفقا كالسيل من شمال المدينة، هتافات عالية من جموع غاضبة تتفجر حماسا وعزما، غضب يسيح على الأرض ويصعد للسماء ..أيقظ سكان المدينة الذين خلدوا للنوم قبل قليل بعد هبوب نسمات شحيحة خالية قليلا من سحب الدخان، بعد أيام اصطبغت فيها السماء بلون اسود ساقت فيها ريح شرقية قطعان الدخان غربا، نسمات نقية باردة بعض الشيء جاد بها ليل قاتم، وأنا الرجل اليساري الذي ترنمت طويلا بأغان حماسية وسرديات طويلة عن قبح الاستعمار وبشاعة الامبريالية وقواميس السب والشتم لأمريكا، أنظر بقلق من كوى في سطح بيتنا إلى الأفق الغربي الذي يمطر دخانا أسود صوب الطريق السريع النازل من بغداد الى البصرة، إذ تتقدم الدبايات البريطانية بثبات برتل جبار يبصق الحمم على مركز المدينة وشمالها فيما أنسحب رجال النظام باكرا كل إلى بيته بعد ان نزعوا ملابسهم الكاكية ورموا أسلحتهم وارتدوا زيا مدنيا كانوا قد جلبوه من بيوتهم تحسبا للقبض عليهم ، كنت قلقا من تكرار تجربة 1991 بعد أن وضعوا المنتفضين بين فكي كماشة وتراجعوا ومنحوا ازلام النظام فرصة ذهبية في قمع كل من تحرك ضد النظام، كنت ارتجف من القلق والهلع من تراجعهم ثانية والسماح بقمع كل هذه الجموع المنتفضة،  ولكن بين ساعة من الوقت وأخرى كانت الحشود تتعاظم وتمتد طويلا، و تهرع مدججة بالعصي والأسلحة من كل محلة على الطريق أو منطقة سكنية تلتحق مجاميع جديدة وتنخرط بذات الحماس الهستيري مرددة نفس الأهازيج التي تطالب بإقامة حكم شيعي وإزاحة وقتل الدكتاتور وجماعته:  
ماكو ولي الا علي                     ونريد حاكم جعفري
أدركت حينها، وخصوصا مع هذا الحماس الفائر لهذه الجموع التي لا يربطها رابط سوى النقمة وكره النظام، أن هذه القوات الغازية لن تتراجع هذه المرة وأن صفحة الطاغية ستطوى، ولكن الأهازيج التي كانت في مجملها أهازيج شعبوية دينية متطرفة، جعلتني أتوقف عن الفرح بنهاية نظام الاستبداد، وأن المستقبل مجهول وغير واضح المعالم، خصوصا أن بعضهم كان لا يكتفي بالأهازيج التي تبشر وتطالب بنهاية النظام، بل أن الكثير منهم ينخرط في مواكب اللطم على الصدور والرؤوس وهي ممارسة أو جزء من طقس دأب عليه الكثير من العراقيين ومنعوا من ممارسته طوال حكم النظام السابق،  وهو إحياء المناسبات المتعلقة بمحرم ذكرى استشهاد الأمام الحسين ابن علي الأمام الثالث عند المسلمين الشيعة الذين يشكلون غالبية سكان الجنوب والوسط.  قلت لنفسي مطمئنا وأنا أنظر لهذه الجموع التي تطلق أهازيج تطالب بحكم شيعي، هي فورة ستخمد، البصرة لا تغير هويتها منذ زمن بعيد تنازعتها أهواء مختلفة لكنها تقاوم كل هذه الدعاوى لحيويتها الاجتماعية وموقعها الجغرافي، مرت بمئات الخرابات ونهضت من جديد، مدينة لا تشيخ ولا تستسلم للأهواء العابرة وللطغاة والدمار .... كأنها منحت سر الخلود .. تصارع الزوال بضراوة، راسخة ومتجددة وحية.. على الرغم من عواصف ومتواليات الموت والانتهاك التي مارسها الطغاة ضدها. لكنها تنهض من جديد وتعود أكثر حياة وقدرة واخضرارا وازدهارا، ثرواتها المتنوعة تجذب الكثيرين من بلدان مختلفة فضلا عن موقعها الجغرافي الاستثنائي الذي يستدعي الحياة ويحرض على الانطلاق، هذه المدينة الجاذبة التي كانت مطمحا للغزاة والفاتحين وعشاق السلطة والثروة عبر كل العصور.
 
أعاصير
 أعاصير الحرب وصخب الجياع تكتظ في قلبي حتى الساعة، إذ بعد أن أطمأنت الجموع الهادرة لسقوط النظام وانسحاب قواته، تدافعت بكثير من الهلع والخوف نحو مخازن السلاح والطعام، وفي محلتي حيث اسكن خرج الناس من البيوت ثائرين والتحق الكثير منهم بهذا السيل الدافق ليصب في الطريق العام الذي يربط بين البصرة وبغداد، نساء ورجال خرجوا من البيوت بعد أن أدركوا أن الطاغية يفقد السيطرة على نظامه وان جيشه تبعثر وأصبح مزقا، تبخر خوفهم وهبت عليهم عواصف الشجاعة، توجهوا إلى مخازن أسلحة في محلتنا، كانت تحتل إحدى المدارس واندفعوا بفوضى عارمة إلى الداخل، وفي دقائق معدودة أفرغوها تماما من كل محتوياتها، بنادق كلاشنكوف ومسدسات والكثير من الذخائر والنواظير الليلية والمسدسات، وخرجوا منتصرين، الرجال يلوحون بالبنادق، والنساء يطلقن الزغاريد كأنه عرس، ولا تعجب إذ ترى يافعا يلوح ببندقية كلاشنكوف، او يدور مسدسا بإصبعه على طريقة الكابوي رعاة البقر. والأطفال يتراشقون بالذخائر المختلفة وينظر بعضهم في النواظير الليلية، كان الجميع منشغلا بإحصاء غنائمه، وبعد ان جاؤوا كتظاهرة منظمة مرصوصة الصفوف تهتف برحيل النظام، رجعوا مبعثرين كل منهم يفحص ما غنم وبعضهم يهزج فرحا، ولا تدري هل كان فرحه بما كسب أو بالجموع الثائرة، تخلف عن هذا الكرنفال جماعة النظام، إذ جلسوا في بيوتهم مذعورين وأغلقوا أبوابهم عليهم في انتظار أسوأ الاحتمالات، لاسيما أن بعض المنتفضين راحوا يطاردون عناصر منهم أو من الشرطة والجيش الشعبي وهم من الذين لهم ثأرات معهم، أو من ما يسمى بكتّاب التقارير للوشاية بالمعارضين أو من الذين الحق ضررا بأحد أو أساء إليه، ورفع تقارير للحكومة والذين أطلق عليهم (شماشمة)، لاحق بعض المنتفضين والمتحمسين منهم الرفاق الهاربين وقتلوهم دون أدنى رحمة لا حساب ولا محاكمة، بل أحرقت جثة أحد الرفاق وكان بدرجة حزبية رفيعة، وبعد قتله وضعوا على جسده تلا من الحطب وأضرموا النار فيه دون أي تردد أو شعور بالعطف، وبرروا فعلتهم أن هذا الرفيق كان عدوانيا ونكل بالكثيرين بأشكال مختلفة، وبعد أن أفرغ المنتفضون مستودع الأسلحة لم يكفوا عن إطلاق الأهازيج والرقص بإيقاعات حماسية. ومن خلال هذا الصخب انطلق صوت ارتفع فوق ضجة المنتفضين، مشيرا إلى أن المدارس المقابلة التي على بعد 50 مترا فيها أنواع المواد الغذائية، ولم ينتظر الحشد طويلا، هرعوا يتسابقون بخفة نحو المدرسة، وفوجئوا أن الجدران حصينة جدا والأبواب مغلقة بإحكام .. وهناك كان مركز المدينة يموج بالصخب والنار، جلبة وضجيج وفوضى عارمة ومعارك دامية وعمليات سلب ونهب، كانت المدينة تنفث غضبها ونيرانها على الجوع والإهمال والسلطة وكل ما تراكم في رحمها المجتمع من سنين، اقتحموا البنوك وسلبوا خزائنها، وظلت الاوراق النقدية من كل الفئات تتطاير في الشوارع يلاحقها من لم يملك الجرأة للدخول للمصارف، فيما راحت أعداد كبيرة من شباب حزام الفقر في البصرة بكسر المحال التجارية، كانت الأصوات تعلو وتعلو والصخب يصعد للسماء وينزل إلى الأرض، لعلعة الرصاص وزمجرة مدافع أدمنت الثرثرة تكتسح الارجاء، دخان يغطي آفاق المدينة التي ترقص على إيقاع الحرب مدافع وراجمات ورصاص أنساها الصمت، كأنها تدافع عن اتهامها بالجبن والخيانة ولكن بأصوات مبحوحة، تثرثر وتثرثر وتتقيأ نارا وشظايا لتبيد كل من يقف في طريقها، وتخلف حقولا من النار والأشلاء الممزقة، يرتفع الصراخ بين الفينة والأخرى وتتناثر الأشلاء على التراب وتصبغ الثيل الأخضر ببقع حمر من الدم، المشهد ينضح ويلا ورعبا ودما يزيده هلعا صراخا حادا واستغاثات، جنود يريطانيون ينتشرون بكامل أسلحتهم وحقدهم ولكنهم يراقبون فقط دون أي تدخل، وعلى الرغم من كل هذا كان الكثير من الأهالي لا يعبأون بهذا، بل هم في غاية الانشغال في مهمة لا تتوفر لهم دائما، يركضون في كل الاتجاهات ليمارسوا عمليات السلب والنهب بكفاءة عالية كأنهم تدربوا عليها سنين، يهاجمون الدوائر الحكومية والمحال التجارية يجردونها من محتوياتها، ومن السهل أن تصطدم بين لحظة وأخرى بهؤلاء وتعجب من البعض منهم إذ كنت تصنفهم ضمن الأخيار ووجوه المدينة، وليس مصادفة أن تلتقي بالكثير من الرجال والنساء وهم يحملون معدات وأجهزة كهربائية وأغراضا مختلفة، مواد لا يشبه بعضها الاخر: ملابس... مواد إنشائية، قناني وسكي وغيرها . بعد ساعات افرغ هؤلاء مستشفى المدينة الكبير من كل محتوياته، حتى الأسرة والفرش نهبوها وكسرت المحال التجارية وسلب كل ما كان من الممكن حمله، مراوح.. مبردات مكيفات حاسبات وكل ما تحويه الدوائر الحكومية،  وقد تمتعت المصارف و البنوك بعدد أكبر من هذه الغارات، إذ رابط بعض لصوص محترفين هناك حتى كسروا باب المصرف وسلبوا محتوياته، واندلعت أمام أبواب المصارف معارك دامية بين اللصوص قتل فيها بعضهم، فوضى عارمة وجلبة مفزعة دون رادع ورقيب.
 
شمس شاحبة
شمس شاحبة تحتضر كأنها أصيبت بفقر الضوء .. مهزومة تتسلل بصعوبة بالغة من بين ظلال النخيل وتتعثر بالأنهر الصغيرة والكثبان، كانت الأيام بعد سقوط النظام أياما مضطربة قلقة، ورغم شمسها الهزيلة التي لا تخلّفُ ظلا إلا أن الوجوه لوحتها الأنواء وأحالتها إلى وجوه سمراء داكنة محتقنة زائغة بسبب التعب تتطلع بجزع نحو السماء، يرعبها عصف الرصاص وطلقات القناصة التي تأتي من كل صوب، فقد انطلق المارد من القمقم والعشائر في ضواحي المدينة واهوارها تعمل على تأكيد قوتها في سلوك ينم عن العنف والعدوانية والرغبة بتأكيد الذات، بحر من صراخ وسيول من دعاء وتراتيل لا تستجاب وضجيج يعم الأرجاء، موتى يتساقطون كالرطب الناضج، عبر تصفية حسابات وملاحقة حزبيين ورجال أمن وعداوات عشائرية وشخصية، أنها رحلة رعب حقيقي وخوف لم نألفه سابقا.
 
فوضى عارمة
انتهى نظام القمع والاستبداد، وتبخرت دوائر الحكومة التي كانت تفتك بالجميع بسبب او دون سبب وتحاسب حتى على الأحلام فيما لو شمت منها رائحة تتقاطع مع الحكومة، وبعد انهيار النظام وتداعي كل مؤسساته، اتجهت البصرة إلى فوضى عارمة ووقفت على رأسها، تترقب القادم بهلع كبير، خصوصا وان قوات التحالف الغازية، لم تتدخل لإيقاف الفوضى أو مواجهة أعمال العنف التي راحت تستشري في كل مناطق البصرة، وخصوصا شمالها حيث العشائر والاهوار والقيم المبنية على العنف، فالبصرة مدينة مفتوحة للجميع ولا تستجنب أحدا، كانت عشائر شمال البصرة من أشرس المعادين للنظام بسبب تجفيف الاهوار والتي أعقبتها عمليات عسكرية شرسة قتل فيها الكثير منهم وأبادت سبل ووسائل عيشهم مما اضطر معظمهم إلى النزوح لمركز المدينة او مدن أخرى، وبسبب العداء الأزلي بين هذه العشائر والسلطة، أمسك هؤلاء بزمام الوضع الأمني والتحكم في مختلف شؤون الحياة، وخصوصا الوضع الاقتصادي، قطعوا الطرق الرئيسة واكتسحوا أغلب الدوائر الحكومية، وراحوا يمارسون نوعا من الابتزاز على الشركات النفطية وبعض المشاريع التي هي قيد الإنشاء وبعض المقاولين، وحتى الأعداد القليلة جدا من الشرطة الذين عينتهم القوات البريطانية في البصرة لم تكن كافية ولا مؤثرة، إذ لا يستطيع الشرطي أو رجل الأمن، الوقوف بوجه هؤلاء لأنهم يخشون من سطوة العشائر المعتدية، وبدأت أحلام الناس الذين حلموا بالتغيير تذهب إدراج الرياح،  وذهبت المدينة التي كانت رمزا للتسامح والألفة إلى مدينة غير حضرية وعشائرية بامتياز، ونسى الناس فيها أنها كانت منذ الاحتلال الأول 1914 مدينة حضرية ذات فعالية، فيها الطوائف والشرائح الاجتماعية واختلاط الأعراق من الزنج والزطّ والعرب الأقحاح والعرب المستعربة والسريان والموالي والمعدان والهنود وبعض فلول الغزاة الذين تخلفوا عن جيوشهم، تمتزج فيها الأنغام والإيقاعات والعادات واللهجات والعطور والألوان، من حداء البدو وأغاني غارسي النخل والطواشات وأهازيج الصيادين وبحارة المراكب ونداءات المعدان ورطانة الأعاجم، من المسلمين والمسيحيين والمندائيين واليهود وغيرهم، فضلا عن استقبالها لهجرات واسعة من جميع محافظات العراق وخصوصا الناصرية والعمارة ومن الإحساء والقطيف والبحرين، وفي الزبير وفد إليها الآلاف من النجادة من أصول (نجدية) بنوا فيها محلات خاصة بهم وأسسوا تجارة واسعة، لكنهم هاجروا إلى  (السعودية) بعد منتصف القرن الماضي ربما بسبب استشفافهم لما يحدث مستقبلا، كما سكنها الكثير من الأرمن بعد المجزرة التي تعرضوا لها أواخر الدولة العثمانية مطلع القرن، وتدريجيا ذابوا في طيف البصرة الواسع وهم أهل حرف واشتهر الكثير منهم بحرفة التصوير، رحل آخرهم الى العالم الآخر قبل شهور، البصرة هي المدينة المدنية بالمفاهيم الديموغرافية والاجتماعية والجمالية، وتنازلت البصرة مكرهة عن كل هذا، واستسلمت لدوامات العنف والقيم العشائرية الغريبة عنها، استشرى العنف والسلب والنهب ليس بعيدا عن أنظار القوات المحتلة او الحليفة، وشرعنت عودة الكثير من العراقيين الذين عاشوا في ايران لعقود هذه الفوضى الاجتماعية، فضلا عن جماعات إيرانية دخلت وفق أجندات مرسومة لإدامة الفوضى وإشاعة العنف، إذ بدأت عصابات مسلحة بتصفية كفاءات عراقية تحت ذرائع بائسة لاتهامهم بالانتماء للنظام السابق أو هم من الجيش السابق من الطيارين والقادة العسكريين، الجدير بالإشارة ان القوات البريطانية عينت اثنين من المحافظين على التوالي للبصرة، وهما مزاحم التميمي وبعده القاضي وائل عبد اللطيف، وكانا مجرد أسماء او أرقام لم يفعلا أي شيء البتة. انفرط عقد الأمن والسلام وتحكمت الفوضى والعصابات لشهور، حتى صار منظر الشرطي في الشارع، الشرطي الذي كان مثارا للكراهية والتندر، أصبح مبعثا للبهجة والسرور وشعور خفي بالأمان، تبخرت الأحلام التي حلم بها البسطاء من الناس بعيش رغيد وحرية تحفظ كرامة ومستقبل الإنسان، ولم تستطع خمس دورات من مجالس المحافظات من إصلاح الوضع تماما، ولم تزل البصرة شمس تحجبها الغيوم.