أيار 19

 

عنيت بوقت مبكر، بتتبع الاعداد الجديدة لمجلة الثقافة الجديدة، فهي في وقتنا المعاصر باتت حريصة على علاقة الثقافة بمفهومها العام بوصفها (بنية فوقية) مرت بأطوار حضارية وتحولات مجتمعية متنوعة. وتخص انعكاساتها من (بنية تحتية) لعلاقات الانتاج، وتاكيدها على ان (الثقافة) لا تحاكي المظهر انما تعنى بالجوهر التاريخي الحقيقي بعيداً عن (الطوباوية) وتهويماتها الاسطورية، والعرقية ومحاولة جعل مقولة الثقافة العالمية غريبة ووافدة علينا وهم بذلك يتناسون البعد الانساني للثقافة التي تعكس بقيمها الابداعية والفكرية ابعادا فلسفية ودينية للشعوب قاطبة بما فيها معطيات (ثقافتنا العربية) وتراثنا العريق. ولكل ثقافة خصوصيتها (النوعية) على وفق مسار التجربة التاريخية لكل أمة من الأمم. كالذي نجده اليوم من صراعات محتدمة مابين شعوب محتلة وملغمة بمكائد الامبريالية الرأسمالية القامعة لحرية الشعوب التي تقاومهم من اجل نيل الاستقلال بنضال عتيد ضد الاستعمار والاستبداد والاحتكار. تبنت (مجلة الثقافة الجديدة) موضوعات حيوية تخص (الفنون) و(الاداب) و (الفلسفة) من منظور اجتماعي وايدلوجي يساري لمقاربة الطروحات الثقافية سواء في (الشرق) و(الغرب) لمفكرين وسياسيين تقدميين مبدعين وعلماء ولما جادوا به من كشوفات علمية وانسانية وهذا ما احتوته طروحاتهم تلك، وقصصهم ورواياتهم ومسرحياتهم وفنونهم الموسيقية واشعارهم وبحوثهم السياسية الثمينة وكذلك جلاء المواقف النقدية، على سبيل المثال لروايات دوستويفسكي، بلزاك ، همنجواي، شولوخوف ، واشعار مايكوفيسكي ، ولوركا ، ونيرودا. وما ابدعه المسرح الاشتراكي كما في مسرحيات (غوركي) وسواه وكذلك ماقدمه من نظريات اخراجية رجال المسرح السوفيت والالمان والانكليز ( …) . وكذلك لمبدعين عرب ومفكرين يمثلون سائر المكونات القومية والدينية والايدلوجية في عالمنا العربي من (المشرق) الى (المغرب)، فضلا عن اهتمام مجلة الثقافة هذه بابواب تعنى بالظاهرة الثقافية الموزعة على ابواب وملفات فكرية متنوعة واجراء حوارات مع كبار الادباء والسياسيين والفنانين والرياضيين وعلماء الاجتماع والنفس واللغة، وكل ذلك من اجل تأكيد (القيم التنويرية) و(الوطنية) المشتركة، في التواصل مع (قراء المجلة). واحسب نفسي واحدا من بين أولئك الذين استهوتهم المجلة لتحفزنا على الاتصال بالقيم الرفيعة التي دونتها راسخة في الذاكرة هذه المجلة العتيدة.

- من الناحية (التقييمية) تبقى مجلة الثقافة من الذخائر والكنوز (الثقافية) الثمينة في رؤاها الرصينة شكلا ومضموناً لتفصح عن التزامها بقضايا (السلم العالمي) وتدحض تلك الرهانات الاستعمارية على حروبها التدميرية للقيم الإنسانية. ومنذ صدور (المجلة) الى اليوم بقيت ساعية للبحث بجدية عن اهم (اتجاهات) الثقافة الاجنبية والعربية، مبينة ذلك التفاعل بينهما بما تكتنزه الثقافة العالمية من قدرات ابداعية، فضلاً عن تسليط الضوء على فعاليات المهرجانات الثقافية والفنية والمؤتمرات الفكرية وهي تستقصي بأيدولوجيتها اليسارية كل ضروب الفكر والاجناس الفنية والادبية وتحلل أساليب وثيمات تخص الادب النسوي والطفولة والادب المقاوم في الحروب الوطنية ببعدها (الاممي). وترصد مناهل معرفية ونقدية وإعلامية بطرائق منهجية، واكاديمية (معاصرة). كما نجد ذلك في التحليل الماركسي للادب والفن وللمجتمع وكذلك النقد الثقافي واشكاليات الحداثة وما بعدها. وتلقي الضوء كذلك على مفاهيم الوجودية والمصطلحات السيميائية والمقولات الجمالية الفلسفية، فضلا عن اجراء حوارات رصينة مع مثقفين باختصاصاتهم المختلفة لاستشراف ابعاد تلك المرجعيات الثقافية وفرز الثقافة (العلمية) للاشتراكية وتاكيد نفورها من الثقافة العدمية السطحية، معرية غرضها الربحي والتجاري الاستهلاكي الذي يظهر متهافتا في بنيته الفنية ومحتواه ودلالاته العقيمة. 

- من مقترحاتي (التواصل) مع ما (استنته) الثقافة الجديدة من تأسيس ايدلوجي موضوعي والتمسك بالقيم الابداعية والفكرية الخاصة من اجل تقويم ظواهر الحياة الانسانية والوجود والقيم الاجتماعية المتطورة والمتحضرة. وكذلك مقاربة المنظومة الدينية والفلسفية والفنية والتشريعات القانونية. كما عودتنا المجلة بطروحاتها عميقة المغزى وانساقها التنظيرية والايدلوجية بموقف رصين يفسر علاقة الطبيعة بالمجتمع عامة وبالفرد خاصة في عالمنا المعاصر وهي تهدف بمثابرة متصاعدة لتغيير الواقع نحو الافضل، لكي ترسخ مفهوم (الملكية العامة) وتتصدى لسرقة المال العام، وللاحتكار والاستغلال من قبل افراد وفئة محدودة وهي بذلك تواكب فلسفة التاريخ المتجلية باحداث مجتمعاتنا المتعاقبة لتقف على تأمين حقوق الانسان المدنية بأساليب تقدمية بناءة وهي تقارن مابين علو (اليسار) وتردي (اليمين) لتفضح بذلك التفاوت الطبقي والعرقي والديني بين المواطنين. وكذلك تفكك الطروحات الرأسمالية الاستغلالية بعد ان مر (تاريخ البشرية) بالبدائية والعبودية والاقطاعية؛ اذ يتوجب (اليوم) تحقق (ثقافة جديدة) تقدمية في اتجاهات الفكر ووجهات النظر والمفاهيم وتتمسك بكفاح وطني ثوري فاضحة لقوالب جامدة وساكنة ومتصدية لبقايا ( الارواحية) و(الطوطمية) المحنطة لكي تستمر بتحفيز القراء الجدد وتحصنهم فكرياً وثقافياً على الابتعاد على التعصب المرذول بكل أصنافه واتاحة الفرصة للاطلاع على (ملفات) الفنون في العالم وتجاربه الاصيلة الملتزمة وفضح زيف الثقافة التافهة المخلة بالقيم الانسانية الرفيعة .