أيار 15
شكلت الهجمات الإرهابية لتنظيم القاعدة في 11 أيلول 2001 باستهداف: مركز التجارة العالمي والبنتاغون والكونغرس في الولايات المتحدة الأمريكية، نقلة لافتة في مواجهة دول العالم للعمليات الإرهابية التي راحت تنشر الفكر الظلامي التدميري، وكانت وطأتها على العراق، بالغة الثقل، بالغة المأساوية، بسبب ما تركته تلك العمليات من دمار وخراب واحتلال ثلث العراق وعلى وجه الخصوص مدينة الموصل.
صحيح ان ظلامية هذا التنظيم جاءت بتأثير ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وسيد قطب وحسن البنا.. وقبل هؤلاء انتشار الأفكار المتطرفة والسلفية في حقب زمنية ظلامية مختلفة، الا ان هذا التوجه الرجعي كان يتسلل إلى الناس عن طريق زرع الممنوعات والفتن والفتاوى المجانية وإعمام الجهل.
وهذا يعني ان تنظيم القاعدة ومن ثم تنظيم داعش وكل التنظيمات الإرهابية المنتشرة في العالم تحت عدة عنوانات، ما كانت لتحمل السلاح، قبل أن تعد العدة لممارسة الإرهاب الفكري عبر سلسلة من المحظورات والدفوعات باتجاه الثواب في الآخرة. والاستغناء عن الحياة، أو التفاني من أجل كسب الحياة الأخرى.
ووجد هذا الخطاب قبولاً لدى كثير من الجهلاء الذين لم يتوقفوا عند طبيعة هذا الخطاب وماذا كان يراد منه.
لقد عمل هذا الفكر التضليلي على التأثير عاطفيا وروحيا من باب الدين بوصفه الأكثر حميمية لدى بسطاء الناس.
من هنا ظلت هذه التنظيمات الإرهابية تعمل وبشكل دؤوب على محاربة الأفكار الديمقراطية والليبرالية والعلمانية وكل فكر تقدمي متصالح مع الحياة والمستقبل...
وعمدت إلى تغييب المرأة عن العمل والتعليم، مثلما اسدلت الستار على الفنون والمعارف بوصفها توجهات تنويرية تخاطب العقل والحواس على حد سواء.
ووصل الأمر بهذه التنظيمات الإرهابية إلى محاربة العلم والعلماء وعدوا ذلك تدخلا في شؤون الخالق.. وفي تصورهم ان اي ابتكار علمي او معرفي او صحي مثير للجدل، لا يرغبون في اثارته.
وعندما نتحدث عن الإرهاب الثقافي، ندرك تماما ان هذا الإرهاب تمارسه كل السلطات الدكتاتورية التي تعمد إلى قمع الأفكار التنويرية ووأد كل ما يسهم في اغناء العقل والروح والحواس.
في حين تتيح الجهالة اطاعة أولي الأمر مهما كان طغيانهم وممارساتهم في نهب خيرات وارادة الشعوب.
من هنا نرى ان العلم والمعرفة، هما من أفضل واقوى الأسلحة التي يمكن ان نستخدمها في محاربة الإرهاب، قبل مواجهة هذا الإرهاب بقوة السلاح.. ذلك أن اي سلاح لا يعرف صاحبه كيف ولمن يوجهه مآله الفشل.. ونحن لا نريد لسلاح الوعي ان يغيب وأن يأخذ مداه على نطاق واسع.
لذلك نرى ان التوجه الوطني نحو بناء أجيال من الشبيبة المسلحة بالعلم والعطاء والابداع.. من أفضل السبل التي تغير العقول والدروب معا.. بحيث يصعب على هذه التنظيمات الإرهابية اختراق الشبيبة الواعية.
إن العمل الأساس الذي تعتمده قوى الإرهاب لا يخرج عن إطار الجهل الذي يعد الأرضية السهلة الاختراق والتي تمهد بالتالي الى كراهية الحياة والناس بحثا عن مجهول يغدقون عليه صفات الحياة السعيدة والثواب الامثل..
هذا التباين ما بين ارهاب يقمع الحريات ويعمد إلى اعمام الجهل من جهة، وفكر نيّر يسهم مساهمة اساسية في انتشال المرء من واقعه المر والجهل المخيم على واقعه إلى مصاف العقل واتخاذ اسلوب حياة ومسار عمل، هو السبيل للخلاص من كل قوى الإرهاب الظلامي التضليلي مهما كانت اساليبه وقواه وتسليحه، فالعقل هو ارادة البشر وبهذه الارادة نقوى على الضلالة أياً كان اصحابها