أيار 18
 
كان خبازاً في مخبز العائلة في القصبة، ولجاذبيته الشديدة، وقوة منطقه استطاع أن يجند لتأييد التنظيم الوطني السري، معظم شباب القصبة، في الجزائر العاصمة ، وكان حزب الشعب الجزائري يقود النضال ضد الاستعمار، وكان يرفع شعاراً ثوريا، يجذب الجميع: "لا اندماج، لا انفصال، لكن تحرّر وكان الحزب يؤمن بشعار " أن الحقوق تؤخذ ولا تعطى ". ويظهر من خلال برنامج حزب الشعب الجزائري أنّه مثّل الحركة الوطنية الثورية في الثلاثينات بوصفه خطابا واضحا واعتماده مطالب وطنية بحتة تمثلت في: - إنشاء حكومة مستقلة عن فرنسا. مطالباً بإقامة برلمان جزائري، واحترام اللغة العربية والدين الإسلامي وإلغاء  القوانين الاستعمارية الجائرة، والاستثنائية. و ضمان حرية الصحافة إلى غيرها من المطالب التي عبّر عنها الحزب في مختلف المواقف، ونشرها في جرائده الخاصة
كان للحزب نشاطا سياسيا مكثفا مستمراً، ممّا أكسبه ثقة الشعب والتفافه حوله، فاتسعت قاعدته الشعبية في مختلف المدن الجزائرية، وأصبح في ظرف وجيز حزبا وطنيا شعبيا يحسب له ألف حساب خاصة من طرف السلطات الاستعمارية التي كانت تراقب تحركات الوطنين ونشاطهم، لكنها لم تتوان في إصدار قرار حل حزب الشعب يوم 26 سبتمبر 1939 والزج بزعمائه في السجن، والحكم على رئيسه مصالي الحاج بالأشغال الشاقة، وهكذا طويت صفحة حزب الشعب في نظر الإدارة الفرنسية لكن النشاط الوطني لم يتوقف، بل اندلع من جديد على يد قادة شباب ك: "ياسف سعدي" ورفاقه الجدد الذين كونوا نواة مناضلي جدد، لا يعرفون الراحة، وفي سنة 1956 عين ياسف قائداً للمنطقة المستقلة للعاصمة، وساهم في معركة الجزائر قائداً لسرية، من المناضلين، وحين القي القبض عليه حكم بالإعدام، لم يتم تنفيذ الحكم وأفرج عنه بعد وقف إطلاق النار.
في تأبينه وصف  الوزير الجزائري "لعيد ربيقة"  ياسف سعدي بالقائد الفذ. والمجاهد في سبيل تحرير وطنه، ورجوعاً للتاريخ، مثلت معركة الجزائر نقطة جذب براقة في نضال الشعوب العربية، فلقد أعطى الجزائريون تضحيات لا يمكن أن تقارن، أو تنسى، وعندما انتزعت الجزائر استقلالها، وذهب احمد بن بلا إلى كوبا ملبيا دعوة كاسترو قال له أنتم مناضلو الجزائر عبدتم الطريق لكل مناضلي العالم، إننا نقتدي بكم.
 وقعت "معركة الجزائر" عام 1957، وكان من السهل احتلال القصبة. والقصبة هي مجموعات محلات كونت المدينة القديمة لا في الجزائر العاصمة، بل في كل مدينة في شمال إفريقية، فهناك الرباط القصبة، والرباط الحديثة، والقنيطرة القصبة والقنيطرة الحديثة. وكان ياسف سعدي ومن معه من مناضلين قد سيطروا على القصبة، فحاول الجيش الفرنسي انتزاعها منهم، فلم يستطع إلا بعد استعماله عنفاً غير مسبوق، لم تعرفه الجزئر من قبل. كانت جثث القتلى ترتمي في الأزقة كلها. وبهذه الطريقة تم اعتقال ياسف سعدي في 14 تشرين الأول/أكتوبر 1957، ليمثل اعتقاله نهاية المعركة.
استطاع ياسف سعدي بعد الاستقلال في عام 1966، أن يعيد دوره النضالي، لكن بالمشاركة في فيلم معركة الجزائر، وبإشراف المخرج الشيوعي جيلو بونتيكورفو. هذا الفيلم أنتجه سعدي أيضا، لكنه منع في فرنسا ولم يُعرض في قاعات السينما إلا اعتبارا من عام 2004.
* روائي عراقي يقيم في شيكاغو