نيسان/أبريل 25
   
إنه الطاووس تماماً حين تومض في داخله العظمة، يبسط ذراعيه الى الخارج كما يفعل المراهقون ليشعروا بالقوة وبالعافية، مد يده الى أزرار معطفه الانيق ليتأكد من وجودها، سعل سعلة جافة لم تكن به حاجة اليها ، إنما ليوحي بشيء من القوة. نظر بطرف خفي الى حذائه فوجده يلمع فسره ذلك، وحين إقترب من باب مقره، إنطلق (مطيع) بكل قوته وفتح الباب، ولاهثا مد يده وانحنى: تفضل مولاي.. تفضل ما إنْ جلس الوالي على كرسيه الفخم جداً حتى جيىء بفنجان القهوة العثمانية اللذيذة جداً عنده. ارتشف منها، ثم ضغط على زر الجرس.
 حضر (مطيع) على الفور ذليلاً كعادته:
-  نعم مولاي
- هل أحضرت الذين طلبتهم؟
بفرح الذليل حين يحقق ما يريده سيده :
- نعم مولاي، ثمانية موظفين، وثمانية من افراد الحرس، وهم الان في القاعة ينتظرون أن تطل عليهم.
- طيب، نهض الوالي قائلاً بصوت عال: يا الله أسرع (مطيع) الى الحاضرين، وبصوت فيه حشرجة واضحة قال :
قفوا حين يدخل الوالي، أدوا التحية – كما علمتكم – لا تنظروا اليه كثيراً، لا تقتربوا منه، لا تحاولوا مصافحته، فهو – حفظه الله ورعاه – عسكري المزاج والطبع والتصرف، لا تنسوا الا يتكلم أحدكم الا اذا طلب الوالي منه ذلك، هذه هي الامانة من أجل الحفاظ عليكم، فأنا أحبكم ومن حاول أن يخالف (فذنبه على جنبه) كما يقول المثل الشعبي.
أومأ الجميع برؤوسهم إشارة الموافقة واستيعاب التعليمات، لكن بعضهم ابتسم، و(مطيع) لم يدر أكانت الابتسامة فرحاً أم تهكماً!! لا يهم مادام الوالي لما يحضر بعد.
وقف الحاضرون، رفع كل واحد يده اليمنى الى الجهة اليمنى من رأسه مؤدياً التحية العسكرية، وهو لا يقوى على كتم الاضطراب، والشوق الى معرفة سبب الاستدعاء جلس الوالي، وأشار - متفضلاً - اليهم بالجلوس، فتسلل بعض الامان الى صدورهم قال الوالي - حفظه الله ورعاه - العبارة التي كان يكررها ويحبها جداً: الحمدلله الذي هدانا لعمل الخير، وبخاصة في شهر الفضيلة والطاعة والمغفرة، شهر رمضان الكريم. نسأل الله أن يعيننا على صيامه وقيامه.
مقطباً وكأنه يشعر بالحزن، هذا ما حرصت عليه لقد تعب العراقيون حقاً، فمنذ ستين عاماً أو اكثر، ظهر قاموس جديد للعراقيين مفرداته قتل، سحل، حروب داخلية، خارجية، غزو وهجرة، تهجير، داعش، و و ..... كما ظهرت مصطلحات: خائن، متخاذل، شهيد، مختطف، اغتصاب مغيّب ثم الوباء كورونا.. اعانهم الله، صبرهم عظيم وأسطوري.. كان الله في عونهم.
لقد أن لنا أن نخفف عنهم، ولن نسألهم عليه أجرا. إنني - وقد تململ في مجلسه وشعر بشيء من -  أن يقول: ياسادة: إنني خادم لهم وليست سيداً عليهم.
سرت همهمات مكحلة بابتسامات خفيفة، خافتة، مهزومة، غير مصدقة، قال أحدهم وبصوت خافت تماماً :
والله، يبدو إنك الوحيد قد رضعت من ثدي أمك ما دمت تفكر هكذا، ثم قال متحسراً لو جئت قبل عشرين عاماً؟!
وبصوت يغلب عليه إصطناع الرزانة والحكمة والخبرة والعطف قال الوالي:
لقد قررت أن أوزع قطعاً من الاراضي على من لا يملكون أرضا ولا بيتاً، وهم كثيرون جداً جداً في البلاد.
وكل عمل يجب أن نخطط له لنضمن نجاحه ونبتعد عن تكرار الاخطاء، فلذا قررت أن يكون الدوام – فيما يتعلق بهذا الشأن – لمدة 12 ساعة بدءاً من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثامنة مساءً، فلذا يجب توزيع الواجبات بينكم.
المهم أن تستقبلوا الناس بلطف وكرم،
بلغة مؤدبة فيها الحب الكثير الواضح .
ولكي لا نتأثر بالوساطات والمؤثرات الاخرى لا تسمحوا لأي شخص مهما كانت هويته أن يدخل عليّ. اكتبوا يافطة كبيرة: ممنوع الزيارات ويافطة أخرى: يحق للمتظلمين فقط في قضية توزيع الاراضي، تقديم طلباتهم لمقابلة الوالي فورا.
إنني اتوقع أن الشكاوى ستكون كثيرة، وخاصة الشكاوى الكيدية، كل واحد لا يحصل على ما يشتهيه سوف يتذرع بشتى الوسائل ولا يهمه في أن تكون شكواه (كيدية.(
لذا لا تسمحوا لأي متظلم الدخول علي في هذه الفترة، اختلقوا الاعذار: عنده اجتماع.. طلب منه الحضور لدى البيت العالي في العاصمة، مريض، انه في جولة تفقدية للتأكد من سلامة وعدالة عملية التوزيع، أو .. أو .. أو
ولكن استقبلوهم بلطف، اطلبوا منهم أن يجلسوا قولوا: اننا مستعدون أن نوصل طلبك الى الوالي، كن مطمئنا.. وإذا وجدتم من يرفع صوته فافراد الحرس يتكفلون الامر. وإياكم إياكم ان تقولوا إن الوالي طلب كل ذلك. إنني والله حريص على سلامة العملية وعدالتها ولا أريد أن أتأثر بوساطة أو بنفوذ..
لقد خصصنا خمسة مراكز لاستقبال الطلبات لان الاعداد كبيرة جداً جداً جدا، وأنا حريص على تحقيق أمنياتهم.. ومن الله تعالى العون والتوفيق، وشكراً.
تناسل الفرح في مدينتي، تجمع الناس يبشر أحدهم الاخر ويردد أغنية (صبرنا وعوض الله، وداعاً يا حزن ولا ترجع بعد). ابتهل الناس الى الله ليحفظ واليهم الاصيل. قرر فريق منهم أن يخرجوا في مظاهرة للتعبير عن التأييد وللاحتفال بهذه المناسبة التي لم يمر مثلها اكثر من ستين عاماً، كل شيء كان يبتسم، صار الكثير يكرر: والله لقد ولدنا من جديد، إنها الخطوة الاولى على طريق السعادة والاستفادة من النفط.. هذه الثروة الهائلة التي ظلت في جيوب قلة من الحاكمين، وأغرت الاجانب بالغزو والتدمير، الحمدلله الذي وهب لنا على الكبر هذا الوالي أخيراً. أمتنا منجبة وليست عقيماً.. هكذا يقول تاريخنا قد يتأخر المنقذ، لكنه آت لا محالة !
قبالة كل مركز لقبول الطلبات ثلاثة دكاكين الاول يوزع الاستمارة، الثاني يملأ الاستمارة، الثالث يختم الاستمارة.
وضع في واجهة كل مركز وبخط كبير وواضح "يأمر الوالي بالاخبار الفوري عن كل من يحاول الضغط على الناس وابتزازهم.. تعاونوا معنا لنقطع دابر الفساد في هذا البلد الامين."
يافطة أخرى جوار أمر الوالي، تحمل حديثا نبويا شريفا
)لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما) قال أبو علاء، والفرح يأكله تماماً ، قال لزوجته: الله ياأم علاء.. هل تتحقق أمنيتي وأعيش تحت سقف هو ملكي؟!
إن شاء الله، يبدو أن الوالي الجديد رجل شريف، كريم، أصيل، مؤمن، سخره الله ليساعد الفقراء أمثالنا.
- غداً يا أم علاء، سأذهب مبكراً لأقدم الطلب، ها.. تذكرت.. لابد ان أكلم جارنا أبااحمد لنذهب معاً.
ثم أسرع ابوعلاء الى باب الجيران، طرقها بفرح عارم، خرج أبواحمد مبتسماً، وقبل أن يتكلم أبوعلاء إنطلق ابواحمد يردد: صبرنا وعوض الله. وداعاً يا حزن ولا ترجع بعد. رفع ابوعلاء يديه نحو السماء متضرعاً: إن شاء الله.. بعون الله.. نحن الفقراء عيالك يا الله !
اكمل أبو احمد .
وحاشا لله أن يهمل عياله !
أبو علاء: أمنت بالله، غداً، صباحاً، نذهب
قال ابواحمد على الفور: طبعاً طبعاً، والله كنت أفكر بهذا قبل أن تأتي ياأباعلاء، نتمنى الا يكون هناك معوقات مثل الازدحام، الانتظار، تعامل الموظفين ...
ظهرت أم احمد متلفعة بعباءتها: بالخير على جميع الناس، الحمدلله الذي رفع عنا هذه الغمة، قطعة الارض جعلتنا لا نفكر حتى بمخاطر (كورونا) .. الحمدلله ..
قال أبو علاء: هو الحافظ والرحيم بنا يا أم احمد،
في اليوم التالي، حضر أبو علاء وأبو احمد مبكرين واستطاعا أن يقفا في مقدمة الطابور قبالة الدكان الاول لاستلام الاستمارة.. تقدم ابوعلاء واستلم واحدة، وبود واضح من العامل في الدكان الذي أتبع تسليمه الاستمارة برقة قائلا: خمسة الاف فقط .
انتفض أبو علاء: خمسة الاف للاستمارة !!
قاطعه العامل: انها تعليمات الوالي .
أسرع ابواحمد وقرص اباعلاء بحنان: هذه بسيطة .. المهم قطعة الارض.. انا مستعد أن ادفع عنك يا جاري العزيز. اهدأ واترك عصبيتك. في الدكان الثاني: طلب العامل بطاقة أبي علاء ليملأ الاستمارة بموجبها، صرخ ابوعلاء: ولكني أقرأ واكتب وأستطيع إملاءها ..
قال العامل بصرامة وجفاء: إنها تعليمات الوالي، لنتجنب الاخطاء والشطب والحك. دفع ابوعلاء خمسة الاف – صاغراً – أجر ملء الاستمارة ثم قال في نفسه: هِي هِي وهو يحرك يده اليمنى إشارة الى التهكم بالحالة .
في الدكان الثالث ختم العامل الاستمارة وأمسك بها، نظر الى أبي علاء، وقال واثقاً سيدي خمسة الاف دينار لتأخذها.
- عجيب.. أمعقول ما يجري؟
- مستنكراً قال العامل: انها تعليمات الوالي يا سيدي، فان كان هذا يزعجك فلا تقدم الاستمارة، وستخسر الارض.
حين دخل أبوعلاء وأبواحمد الى مبنى المركز المخصص، وجدا طابوراً طويلاً قبالة باب الموظف المسؤول - حفظه الله - والحارس على الباب يتفنن في استفزاز الواقفين .
- أنت قف معتدلاً.. أنت لا تتكلم.. أنت هل هذه ملابس تراجع بها دائرة حكومية؟
أخذ أبو احمد جاره أبا علاء جانباً بعد أن لاحظ غليانه.. إنه على وشك أن ينفجر صارخاً، باكيا، أو أن يلقي عبارات قد تؤدي به الى الحبس. وبدأ يهون عليه، هذه أمور بسيطة مقابل قطعة الارض إن حصلنا عليها.. أبو علاء، سأقوم بمحاولة، إن نجحت افعل مثلي .
جاء أبو احمد الى الحارس، سلم عليه بحرارة قائلاً: ابن عمي، فانا مثلك
ذكر انتسابه لعشيرة، ثم دس في يده وهو يصافحه خمسة الاف دينار .
تهلل وجه الحارس وصرخ، سأخبره، يا أهلاً وسهلاً، إنه سيفرح حتماً
ثم دخل الحارس الى الغرفة وخرج بسرعة البرق ونادى أبا احمد: إبن عمي انه يريدك وأدخله قبل الاخرين
ظل أبو علاء مندهشاً، متعجباً.. ترى ماذا فعل أبو احمد؟ هل سأفعل مثله؟
حين خرج أبوأحمد من غرفة الموظف وفي يده ورقة، كان فرحاً، ردد.. الحمد لله.. صدق من قال: في كل خرابة - من حسن حظك - أن يكون لك فيها قرابة .
ثم سحب أبا علاء بقوة.. هيا، نخرج الى الساحة لاشرح لك .
وإنقاد أبو علاء متخاذلاً، مأخوذاً، يجرجر في مشيته
قال أبو احمد: أرجو الا تنفعل، والا تصرخ كل هذه الامور سهلة.. حين استقبلني الموظف –للأمانة–استقبلني بلطف لم أر مثله، أجلسني، سأل عن صحتي.. عن العائلة، كانت كلماته لذيذة، مغرية تطفح بالخير، ثم قدم لي قائمة مضمونها: يجب أن تدفع على وفق الجدول الاتي وعلى وفق رغباتك وإمكاناتك، الامر ليس إلزاماً، تستطيع أن تتراجع عن طلبك قطعة الارض 20 ورقة إذا كنت تريد قطعة مجاورة للمدينة.
15  ورقة.. القطعة على بعد خمسة كيلومترات.
10  ورقة..  عشرة كيلومترات.
 5  ورقة..  15كيلومترا.
قلت لنفسي، إنها فرصة ، وافقت على الصنف الاول، وسأبذل المستحيل لاقتراض المبلغ وأنت يا أبا علاء ، ماذا تقول؟
إنهار أبو علاء، تلجلج في إجابته، صار يسمع دقات قلبه تماماً ومن أين يا أبا احمد؟
ومن أين أحصل حتى على خمس أوراق؟
أنت أعرف بحالنا، (تعرف البير وغطاه)  .
وأين الوالي من كل هذا؟ والله لأقلب الدنيا عليهم،
سوف أصرخ باعلى صوتي
إبتسم أبوأحمد ومد يده ليسد فم أبي علاء .
قلت للموظف.. كيف يحدث هذا يا أخي؟
رد بثقة: إنها تعليمات الوالي
صرخ أبوعلاء بعنف كيف يحدث هذا يا الهي؟ ألسنا عيالك؟
بدأت لهجته تتصاعد، صار بعض الواقفين يلتفتون صوبهم، أسرع أبوأحمد يجر أباعلاء بقوة، وحاول أن يسد فمه أكثر من مرة، وهو يكرر: هس .. هس ..
سأقف معك، سأبذل المستحيل لا جعلك جاري هناك.. لا عليك.. المهم أحصل على قطعة الارض ثم إفعل ماتريد
قال ابوعلاء بعصبية ومن دون تردد : والله لاشتكي أمرهم الى أعلى المراتب ، ليؤدبوهم .. انا سوف
قاطعه أبو أحمد .. قبل أن تفعل أي شيء ، احصل على الارض .. هذا حلمنا منذ طفولتنا.
أبو علاء متخاذلاً: لاحول ولا قوة الا بالله، حسبنا الله ونعم الوكيل .. والله
اذن افعل ما فعلت مع الحارس.. هاك خمسة الاف لتدسها في يد الحارس، ولكن بطريقة جديدة قف انت هنا ، وأنا سأتصرف . ذهب قرب الحارس وهمس في أذنه وكأنه قال له أن ابنته قد جاءت تريده في أمر، وقد قالت له ياعم : أدع لي والدي ..
خرج الحارس مصعوقاً، في الباحة قال له أبو أحمد: لم تأت بنتك وإنما أردت ان تتعرف على إبن عمك الثاني وأشار قائلاً هذا هو أبو علاء. جاء ابوعلاء وصافحه وقد دس خمسة الاف في يده، قال الحارس: انتظرا هنا، فانا سوف أنادي عليك يااباعلاء .
"طيب" قالها أبوعلاء مكسور الخاطر ، مهزوماً وبدأ يلعن حظه و .. أشار أبو احمد اليه بيده، مرر يده على فمه بمعنى أسكت.
لحظات، دخل الحارس على الموظف، خرج ونادى: من هو أبو علاء؟ رفع يده أبو علاء وبصوت منفعل جداً.. نعم ..
- تفضل السيد المدير يطلبك.
اقترب أبو أحمد من أبي علاء، قال له سجل على الصنف الاول
نظر أبوعلاء مندهشاً.. ومن أين؟
قلت لك أفعل ذلك
دخل أبو علاء على السيد المدير، خرج ولم تظهر فرحة الظفر على وجه، انما نظرة حزينة بائسة وقال: حسبي الله ونعم الوكيل ..
أخذه أبواحمد برفق وهو يبتسم، فرحاً قال: يا أبا علاء سأدبر لك نصف المبلغ وعليك الباقي .
من أين يا أبا احمد؟ من أين؟
- دع زوجتك تبيع ماعندها من ذهب
قاطعه أبو علاء متعجباً: ذهب؟! . وهل عندها ذهب؟ ماذا تقول؟
- حاول أن تقترض من أصدقائك .. إنهم يحبونك ، ويتنافسون في خدمتك
- إنهم حائرون بالعيشة كما يقولون ، مساكين لانهم صاروا عيال الله
- لا تقلقل يا سيدي، فانا سأفعل ذلك
- وكيف أسدد؟
- على مهلك .. الى يوم الدين .. المهم أن تحصل على الارض وأن تكون جاري.. والله سوف أجعل أم احمد تبيع ذهبها وذهب بناتها، بكى أبوعلاء بحرارة وعانق أبا أحمد بقوة وهو يكرر يا الهي إن ابا أحمد نعمة من نعمك علي
ثم التفت الى أبي احمد: وهل نسكت عن كل هذا؟
ــ إفعل ماتشاء ولكن بعد تسجيل الارض! سجل أبوعلاء طلبه على الصنف الاول دفع عشرين ورقة، محاذية للمدينة، بشرط أن يكون جاراً لابي أحمد .
مرت ايام وليال، وأبو علاء شارد الذهن، بل صار يكرر: وهل نسكت على هذا الظلم، هل يعلم الوالي؟ ام علاء شكت أمره الى أم أحمد جارتها وقالت: والله إني اخاف عليه، اخشى أن يصاب بجلطة.
ردت أم احمد بود : اسم الله الرحمن ، قل أعوذ برب الفلق ، محفوظ بعون الله .
قال أبو علاء: والله لا اعتقد أن الوالي يعرف تفاصيل هذه الامور.. توكل على الله وقدم له شكوى أشرح له فيها كل شيء.. أنا متأكد من انه سيقلب الدنيا عليهم ..
قرر أبوعلاء ألا يخبر صديقه بذلك والا يخبر زوجته ..
ذهب وهو يحمل شكواه.. كان موزعاً بين أمواج من القلق والخوف.. قال إذا نجحت القضية فسأكون بطلاً يفتح الطريق للمظلومين، وبخلاف ذلك فسوف يهملون الطلب وينتهي الامر :
جاء ابو علاء الى مكتب الوالي استقبله الموظف بمنتهى اللطف والحنان ، قال له تفضل إجلس ، اصبر حتى تشرب شايك،
تعجب أبوعلاء قال في داخله: أمعقول أن يحدث هذا في دوائر الدولة في بلدنا؟ ثم أجاب قائلاً :
ولم لا؟ حين يكون الوالي إنساناً نظيفاً حريصاً على مصالح الناس يصبح هذا الامر مقبولاً، والرجل هو الذي بادر ولم يطلب أحد منه ذلك.. على كل حال
الموظف: تفضل سيدي ، ماعندك ؟
انتفض أبو علاء: عفواً سيدي .. لدي تظلم للوالي .
- وهذا حق أكد عليه حين اجتمع بنا، ولكن اليوم، الوالي سافر الى العاصمة لأنهم طلبوه، ولكي لا نتعبك إترك طلبك، وتعال بعد يومين ستجده جاهزاً بعون الله .
- حفظك الله يا ولدي، والله أنت أصيل، وكريم .
ثم غادر أبوعلاء
جاء أبوعلاء بعد يومين وتبين أن الوالي في جولة تفقدية وحين عرض الموظف طلب أبي علاء قال الوالي: يجب أن اقابل صاحب الشكوى بنفسه لأتأكد منه
وظل أبوعلاء – من غير أن يقول لصديقه ولا لزوجته – يراجع الموظف ولا يحظى بالوالي حفظه الله ولأسباب مختلفة، متنوعة، مقنعة، وخاصة ان الموظف لم يغير من اسلوبه في استقبال أبي علاء وطلب الشاي له: منتصف الليل، وقد عصى النوم على جفون ابي علاء، وقد نهشت الافكار رأسه حتى توصل الى فكرة مفادها :
سوف اخذ الطلب، وأقف قبالة الباب الذي يخرج منه الوالي، لاسلمه الطلب بنفسي
وقف أبوعلاء بعيداً عن البوابة الرئيسة وقلبه يدق بلا رحمة، يشعر بضيق في صدره، رأسه يكاد ينفجر، وهو يحسب الزمن باللحظات منتظراً خروج الوالي
جاءه أحد افراد الحرس، وبخشونة بالغة قال، هِي هي أنت .. لماذا تقف هنا؟
أبو علاء بصرامة: أنتظر خروج الوالي لأسلمه هذا التظلم .
ــ الا تخاف على نفسك ؟
ــ ماذا فعلت لكي أخاف ؟ هو الذي قال لنا في إعلانه، اخبروني فوراً عن كل من يسيء اليكم، أو يحاول ابتزازكم.
ـــــ ابتسم الحارس وقال: المهم إني أديت الامانة وقلت لك.. وذنبك على جنبك كما يقول المثل الشعبي.. ثم أقفل راجعاً. قفز أبو علاء.. تنحنح وقال :
الحمد لله.. الان ظهر الامل المرتجى، وقفز أمام سيارة الوالي وهو يرفع الطلب، لكن أحد حراس الوالي أطلق النار من غير تردد، وأردى أبا علاء قتيلاً، وربما شهيداً! خرّ أبو علاء مضرجاً بدمه وهو يقول: لا ضير سأحصل عليها هناك.. هناك .. والصوت يفتر.. هناك هناك، ورحل أبو علاء من غير أن يتوقف الوالي لحظة، لأنه حريص على تمشية شؤون الرعية.