مكتب المحقق، يدق التلفون،
يدخل الحارس، ويرفع السماعة
الحارس : ألو.
أم عامر "تضاء حاملة السماعة": أريد أبا عامر.
الحارس : أم عامر؟
أم عامر "مغالبة انزعاجها": نعم .
الحارس : عفواً، أبو عامر لم يصل بعد.
أم عامر : أخبره بأني اتصلت، حالما يصل.
الحارس : هل تريدين أن ..؟
أم عامر "تضع السماعة منزعجة" ....
الحارس : آه .. " يضع سماعة التلفون " وتريد
أمي أن أتزوج.
يُفتح الباب، ويدخل
أبو عامر، حاملاً حقيبته
الحارس : صباح الخير، سيدي
أبو عامر "يضع الحقيبة فوق المكتب": جئني
بفنجان قهوة.
الحارس "يتجه نحو الخارج ": حاضر سيدي.
"يتوقف عند الباب": سيدي ..
أبو عامر "يحدق فيه" ...
الحارس : اتصلت أم عامر قبل قليل..
أبو عامر "يقاطعه": اذهب، وجئني بفنجان
القهوة.
الحارس : حاضر سيدي "يخرج".
أبو عامر : هذا الأمر لا بدّ من حسمه، نعم، لا بدّ "يشعل سكارة". الآخرون ليسوا أفضل، ومع ذلك حصلوا على ما يبغون،
وهم ينعمون الآن بدخل عالٍ، يفيض عن
حاجتهم، أما أنا .. "يهزّ رأسه" لأكن
مثلهم، وأدوس .. "يدق التلفون" ومثلهم
سأصل، وأحقق كلّ ما أريده "ينظر إلى
التلفون" لا بدّ أنها هي، آه .. "يرفع
السماعة": ألو ..
أم عامر "تضاء حاملة السماعة ": أبو عامر؟
أبو عامر "مغالباً ضيقه": نعم.
أم عامر : ما زلت غاضباً..
أبو عامر : تكلمي، لستُ غاضباً.
أم عامر : بل غاضب، إنني أعرفك..
أبو عامر "يتمتم متأففاً": أعوذ بالله .
أم عامر : صارحني، فأنا زوجتك ..
أبو عامر : هناك أمر يقلقني، سأحدثك عنه فيما
بعد.
أم عامر : أبو عامر..
أبو عامر : لا بدّ لي أن أحسمه، في أقرب وقت
ممكن ، وسأحسمه.
أم عامر : ليتني أعرف هذا الأمر..
أبو عامر : ستعرفينه قريباً، هيا أغلقي التلفون.
أم عامر : أبو عامر، اسمعني ..
أبو عامر "يضع السماعة متضايقاً"...
أم عامر : ألو .. ألو .. "وهي تضع السماعة": لن أرتاح
حتى أعرف ما يقلقه، ويثير غضبه
"تطفأ الإضاءة عنها" ..
الحارس "يدخل مسرعاً": سيدي ..
أبو عامر : قلت لكَ، أن تجيئني بفنجان قهوة.
الحارس : لم أشأ أن أقاطعك، كنت تتحدث مع ..
أبو عامر : اذهب، وجئني بالقهوة .
الحارس : حاضر سيدي "عند الباب": سيدي ..
أبو عامر "يحدق فيه" ....
الحارس : المتهم بالباب.
أبو عامر : جئني بفنجان القهوة أولاً.
الحارس : حاضر سيدي "يخرج"
أبو عامر : هذا المتهم، إنه نموذجي "يسحق
السكارة في المنفضة" لأكن مثلهم تماماً،
أولئك الذين وصلوا، ومثلهم سأدوس كلّ
شيء، وليكن ما يكون، آه ..
الحارس "يدخل بفنجان القهوة": القهوة، سيدي.
أبو عامر "يشعل سكارة"...
الحارس "يضع فنجان القهوة أمامه": سيدي ..
أبو عامر : المتهم..
الحارس : بالباب، سيدي.
أبو عامر : ليدخل.
الحارس : لم تشرب قهوتك بعد، يا سيدي.
أبو عامر "يرتشف القهوة": اذهب، وجئني به.
الحارس "يتجه إلى الخارج": حاضر سيدي
"عند الباب": سيدي ..
أبو عامر : اذهب.
الحارس : حاضر سيدي "يخرج".
أبو عامر "من خلال دخان سكارته": سأثبت
للجميع، أنني مثل الآخرين ، بل أفضل
منهم، وسأحقق ما حققوه، وأفضل.
يُفتح باب الغرفة،
ويدخل الحارس والمتهم
الحارس : سيدي ..
أبو عامر : اذهب أنت .
الحارس : حاضر سيدي "يتجه نحو الخارج" ..
أبو عامر : أيها الحارس..
الحارس "عند الباب": نعم سيدي.
أبو عامر : ابقَ بالباب، ولا تدخل ، أو تسمح لأحد
بالدخول، حتى أناديك.
الحارس : حاضر سيدي "يخرج، ويغلق الباب"
أبو عامر "يحدق فيه": أنت ..
المتهم : خالد ..
أبو عامر "يشير إلى ملف ضخم أمامه": خالد
عبد الرحمن .
المتهم : نعم، هذا هو أنا.
أبو عامر :من يدري .."يدق الهاتف" لكن لا بدّ
أن أدري "يمد يده إلى سماعة الهاتف"
وسأدري ، منك أنت بالذات "في التلفون": ألو..
أم عامر "تضاء حاملة السماعة": أبو عامر ..
أبو عامر "مغالباً غضبه": هذا ليس وقته ..
أم عامر : فاتني أن أذكركَ ..
أبو عامر "يرمق المتهم بنظرة خاطفة" لدي ما
يشغلني الآن ..
أم عامر : لا تتأخر، لا بدّ أن نأخذ سناء عصراً
إلى الطبيب.
أبو عامر : حسناً، لن أتأخر .
أم عامر : ثم نذهب إلى السوق، ونشتري لها
حقيبة جديدة وملابس وحذاء ولوازم
مدرسية و ..
أبو عامر : أنتِ تعرفين أن الراتب أوشك أن ينتهي
، وما زلنا في أول الشهر ..
أم عامر : لكن سناء طفلة، ولا بدّ أن نشتري لها ..
أبو عامر : حسناً، كفى، سأستدين، اذهبي الآن،
ولا تتصلي ثانية.
أم عامر : لا تتأخر.
أبو عامر "يضع السماعة متضايقاً"...
أم عامر "تضع السماعة في مكانها، تطفأ
الأضواء عنها"...
المتهم "ينظر إلى أبي عامر": يا للحياة من
مهنة شاقة...
أبو عامر "يحدق فيه مغالباً غضبه"...
المتهم : وخاصة في ظروفنا هذه.
أبو عامر "بمرارة": هذا ما تجيدون العزف عليه
دائما.
المتهم : إنها الحقيقة، يا سيدي.
أبو عامر : ما دمت قد ذكرت الحقيقة، أريد أن
تكلمني عن حقيقتكَ.
المتهم : حقيقتي هنا، أمامك يا سيدي "يشير
إلى الملف الضخم الذي أمامه" في هذه
الأوراق.
أبو عامر : ليس في هذه الأوراق سوى اسمك
وعمرك وعنوانك وعملك "يصمت
محدقاً فيه": محامي، أنتَ محامي.
المتهم : نعم، يا سيدي ، أنا محامي .
أبو عامر : المحامي يدافع عن القوانين.
المتهم : بل يدافع عن الناس والحقيقة.
أبو عامر : ضمن القوانين.
المتهم : "يلوذ بالصمت"...
أبو عامر : القوانين فوق الجميع.
المتهم : إلا إذا تعارضت هذه القوانين مع
الإنسان والحقيقة.
أبو عامر "يحدق فيه"...
المتهم "يبادله النظر صامتاً"...
أبو عامر : حقاً أنت إنسان خطر.
المتهم "يلوذ بالصمت"...
أبو عامر : اسمع "بانفعال متدرج" قل لي صدقاً،
من أنتَ؟ ومن هم جماعتك الذين تنتمي
إليهم؟ "يصيح" تكلم.
المتهم : قلتُ مراراً، أنا خالد، محامي، أعمل
مع مجموعة من المحامين، ونحن لا
نهدف إلا إلى الحق والحقيقة.
أبو عامر "يحدق فيه" ....
المتهم : وأعترف، أنا ومجموعتي من المحامين
، أننا لم نحقق نجاحاً يذكر فيما نريده،
فالظروف كما تعرف صعبة للغاية .
أبو عامر : هراء ..
المتهم : نعم!
أبو عامر : كلّ ما قلته، حول الحق والحقيقة
والإنسان، مجرد هراء.
المتهم : هذا أمر مؤسف، لم أكن أتوقعه،
ومهما يكن، فليس من المستبعد أن ترى
، ربما فيما بعد، أن بعض ما قلته.. ليس
هراء.
أبو عامر "بشيء من الحدة": اسمعني ..
المتهم "يلوذ بالصمت " ....
أبو عامر : إذا لم تترك أسلوبك المراوغ هذا، وتعترف
اعترافاً كاملاً وصريحاً، فسأرسلك إلى
العالم السفلي، وما أدراك ما العالم السفلي
، ولن تخرج من هناك، حتى تعترف
بالحقيقة كاملة. هذا إن بقي منك شيء
يمكن أن يخرج، ويعترف بأيّ شيء .
المتهم : حكى لي أحدهم، أن شخصاً أرسل إلى
ما أسميته العالم السفلي، وتم التعامل معه
بمنطق العالم السفلي، ولم يخرج حتى
الآن.
أبو عامر : كان عليه أن يقول الحقيقة كاملة،
ويخرج من العالم السفلي، ويعود إلى
عائلته.
المتهم : لقد عرفوا بعد فوات الأوان، أن ذلك
الشخص، الذي لم يخرج ولن يخرج، لم
يكن لديه ما يعترف به.
أبو عامر : على العكس منك، سأرسلك إلى العالم
السفلي، وسنرى .
المتهم : تمهل، يا سيدي، فأنا أخشى أن تكتشف
، بعد فوات الأوان، أنه ليس لدي ما أقوله
لك.
أبو عامر : هذا لا يهم "عند النافذة": تعال.
المتهم "يقترب من النافذة" ....
أبو عامر "يزيح الستارة": انظر.
المتهم "ينظر عبر النافذة" ....
\أبو عامر : ماذا ترى؟
المتهم : مجموعة من القبور.
أبو عامر : بعض من فيها أبرياء.
المتهم : والبعض الآخر، وربما القلة منهم،
مذنبون .
أبو عامر : لا بأس، فالمهم أن لا تفلت منّا، وأنت
من هذه القلة "يسدل الستارة" نحن
نفضل أن نقبر مئة بريء، على أن
يفلت منّا مذنب واحد.
المتهم : للأسف، يا سيدي، إنها معادلة قاتلة،
غارقة بالدم .
أبو عامر : أردت أن تعرف هذه المعادلة، لتختار
على بينة، لعلك تعقل .
المتهم "ينظر إليه"...
أبو عامر : أنتَ حر، اختر .
المتهم : لا شكّ، يا سيدي، إن بين هؤلاء المائة
، من هم مثلي، وربما مثلك، أصحاب
عائلات.
أبو عامر : دعكَ مني، نحن نتحدث عنك أنت
بالذات.
المتهم "يتابع حديثه": وأنهم عانوا مثلما أعاني
، وربما .. "يصمت" عانوا من أوضاع
معيشية صعبة، فأنا مثلاً، رغم أنني
محامي، إلا أن دخلي محدود، لا يكاد
يفي بمتطلباتي، ومتطلبات العائلة، بيت
إيجار وزوجة وأولاد ، بنتان وولد واحد "
يصمت " أنت أيضاً متزوج.
أو عامر "يهز رأسه" ....
المتهم : وزوجة وأولاد ..
أبو عامر : ولد وثلاث بنات ..
المتهم : يحفظهم الله لك.
أبو عامر : وأمي وأختاي في القرية.
المتهم : والراتب، رغم أنك ضابط ..
أبو عامر "يلوذ بالصمت متضايقاً" ....
المتهم : ولابدّ أنك مثلي، ومثل أغلب الموظفين
الشباب، تسكن في بيت إيجار، و ..
أبو عامر "يهز رأسه حزيناً " ....
المتهم : والإيجارات مرتفعة بالنسبة للراتب،
وترتفع باستمرار ، ..
أبو عامر "يهز رأسه وحزنه يزداد" ....
المتهم : والزوجة والأولاد والمدارس و.. "يصمت لحظة" الزوجة إنسان، إنني لا ألومها، فهي ترى الأخريات أو بعضهن على الأقل، يعشن في رخاء .. "يصمت" ونحن، أنا وأنت، والآخرون أمثالنا ، هل نلام إذا .. حلمنا ..؟
أبو عامر "يحدق فيه" ....
المتهم : أتعرف ماذا قال أبو ذر الغفاري، في زمن أحد الخلفاء الراشدين، وليس في مثل هذا الزمان؟
أبو عامر "مازال يحدق فيه" ....
المتهم : عجبت لمريء جائع، لا يخرج إلى الناس شاهراً سيفه.
أبو عامر : مادمت تتحدث عن أبي ذر، فلابدّ أنك تعرف ما قاله له نبينا محمد ..
المتهم : ستعيش وحيداً، وتموت وحيداً، وتبعث وحيداً.
أبو عامر : وفعلاً مات أبو ذر في الربذة، حيث نفاه الخليفة عثمان بن عفان.
المتهم : لكنه ظلّ على مر العصور.. أبا ذر .
أبو عامر : لن يستطيع احد، في هذه الظروف الصعبة، أن يكون أبا ذر.
المتهم "يهز رأسه" من يدري ..
أبو عامر : فهذه المرة لن يُنفى إلى الربذة، بل سيلقى من .. "يشير إلى النافذة" ..
المتهم : لا بدّ أن هذا ما يستحقه.
أبو عامر "يحدق فيه متشككاً" ....
المتهم "يجلس وراء المكتب" ....
أبو عامر : ما هذا!
المتهم "يحدق فيه" ....
أو عامر "بحزم مترددا": اسمع، لابدّ أن تعترف، وتقول الحقيقة ، وإلا ..
المتهم : كفى.
أبو عامر "بتردد أكثر" سأرسلك إلى العالم السفلي، ولن تخرج منه حتى ..
المتهم "يشير له أن يصمت" ....
أبو عامر "يصمت محدقاً فيه مذهولاً" ....
المتهم : أنتَ لا تصلح لهذا الدور.
أبو عامر "يكاد ينهار": اسمع ..
المتهم : قل .. سيدي .
أبو عامر : ماذا!
المتهم : مرة أخرى، وأخيرة، فشلت في الاختبار.
أبو عامر : سيدي، أرجوك، أعطني فرصة ..
المتهم "يتجه إلى الخارج": كانت هذه فرصتك الأخيرة "وهو يخرج" ستحال إلى عمل آخر، يمكن أن يناسبك .
المتهم يخرج ، أبو عامر
يقف حزيناً محبطاً
إظلام
ستار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-
طلال حسن: كاتب قصصي ومسرحي عراقي/ حاز جائزة الإبداع في وزارة الثقافة للعام 2021.