أيار 18
 
قَدَرُنا بيديكَ سيدي الدكتاتور
تعصِرُنا ، وتشربُنا بالكأس أو بالقصبة
وقَدَرُكَ أيضاً بيديك
فبعدَ قرون من التخمير في الرَحِم المقدّس
فتحتَ بيديك علبة الحلوى
وخرجتَ للنور معجوناً بالسُكّر
ولأني أتحاشى السُكّر
تركتُ محبتَكَ للنمل والصراصير
فمحبتُكَ تتسبّب بانفجار المثانة
فاعذر مثانتي
واعذرني لأني لا أحبّكَ سيدي المحبوب
بل لا أحبّ حزبَكَ المُدعّمَ بالأحذية المصفّحة
ولا وزراءّكَ الذين ينسَطِلون بضغطة زرّ
ولا جنرالاتِكَ المتخذين من رؤوسَ جنودِهم ربايا
لرصد قَطَعات القمل المعادية
ولا سكرتيرَكَ المزوّدَ بألسِنة إضافية لاصطياد اللقالق
وتسخيرِها قاذفاتِ قنابل
ولا رجالَ مخابراتِكَ المتكاثرين ذاتياً بالانشطار
ولا إخوتَكَ المُتدرعين بأطنانٍ من الأوسمة
لإجبار الأنهارِ والسواقي المتداخلة على طلب الطلاق
ولا أصهارَكَ الذين يشمّون نتنَ بطونِهم
فيتّخذون مواقعَ دفاعية
ولا أمَّكَ التي أنجبت من مِزق الثياب أجيالاً من القوارض
ولا ( زوجتَكَ ) المطلية بصفار البيض
لتَتَحرّرَ بالزَنَخ من الجاذبية الأرضية
ولا أبناءَكَ المولعين بالحيوانات المفترسة
يغرسون في فِرائها دولاراتِهم المزيفة
ولا بناتِكَ بوجوهِهِنّ المطّاطيةِ المتخذةِ مناضدَ ترامبولين
ولا خُطبَكَ المكويّة بآذان المجبرين على الإصغاء
ولا صلاتَكَ المعبّأةَ بصواريخَ
موجّهةٍ نحوَ مَلائكةٍ يخافون الصواعِق
***
بالرغم من كُرهي لمذاقِكَ السُكّريّ سيدي الدكتاتور
غنّيتُ من أنفي لكَ أغانيَ لزجةً كالمُخاط
ولبستُ بيريّتِكَ المُصمّغة
لأبدو كزرزورٍ خرج كالفقاعة من بالوعة الحمّام
هكذا مَشّطتُ ريشي استعداداً للطيران
فالحربُ أفرغتْ في باحاتِ بيوتِنا
ما في كيسِها من الأعاصير
النوافذ المتحمّسة انتزعتْ أحشاءَها من بطون النائمين
والمتطوّعون تدفقوا كالنزيف من شرايين آبائِهم
الحربُ المقدسة تناديكم أيها المجاهدونَ
ضمّوا صفوفَكم لبعضها بالإبرة والخيط
توجهوا إلى جبهات القدور المغليّة
لاستعادة الزائدةِ الدوديةِ للدكتاتور
فقد سُرقتْ أثناءَ نومِهِ من فمِهِ المفتوح
***
رأيتُكَ في الحُلم غاضباً سيدي الدكتاتور
تتطايرُ حولي أظفارُكَ المقتلعة كسكاكين لاعبي السيرك
وسألتني كأبٍ يهمّ بأكل أبنائه
عن اتخاذي لحذائي وسادةً
دونَ إخطارِ دائرةِ الأمن بأنّ رائحتَهُ
تتسبّبُ في انهيار أسعارِ النفط
وعن قِميصي الذي عبرَ ثقوبه
أكشفُ أسرار علاج كلابك من حموضة المعدة
وفي نوبة من الغضب
أخرجتَ الحرسَ الرئاسي من المُجمّدة
ثمّ اقتلعتَ من لثّتكَ إحدى قنابلك الذريّة
عندئذ أدركتُ أني لا محالة مأكولٌ على العِشاء
فسبقتُكَ بإعلان ولائي
للقلم الذي توقّع به صكوكَ التكريم
وقراراتِ الإعدام
وأعلنتُ براءتي من وطن
لا تفقسُ بيوضُ دجاجاتِهِ صيصاناً يشبهونك
ورجوتُكَ قبلَ أنْ تتعفّنَ الجبالُ من النوم
أنْ تعجِنَ كُرةَ الأرض أرغفة للحيتان التائهة
لعلها تأتي بالمحيطات مكبّلةً بسلاسلَ
إلى استعلامات القصر الجمهوري
***
نعم ، أنا لا أحبّكَ سيدي الدكتاتور المحبوب
لكنّ عينيك الفائرتين ككأسين من الجعة
تُشعراني بالعطش
كلما أفرغَهُما السُكارى ، فاضتا من جديد
آهٍ ، كم أحبّ عينيك سيدي الدكتاتور المكروه ؟
أطلّ عبرَ قوّةِ إبصارِهِما على قَدَرٍ أعمى
فأنتَ الخالدُ الوحيد في زمن الضروس المتساقطة
منذ قرونٍ وأنفاسُكَ تغطي الشرق بالخيام المهترئة
وأقلامُكَ تنفث دخاناً بنكهة النعناع
كلما مُتّ ، ودُفنتَ ، عادت أورامُكَ تنمو ،
وتنزّ في سواقي الحدائق العامة
وعادتْ كلماتُكَ المدعمة بجيوش من الجرارات
تحفر في الجماجم مجاريَ للمياه الآسنة
فليطمئنّ الذين لم يولَدوا بعد
ما دامتِ القاطرةُ العرجاءُ تعملُ بالطاقة المستجدّة
فسيبقَونَ إلى أبد الدهر
يتلمسون بأطراف العُكّازات الطريق
إلى بِطانات معاطفهم