أيار 18
قحطان الداسي
 
بعد أن ضاقت عليّ سبل العيش في مدينتي وجعلتني أبيع اشياء من البيت من أجل سد رمق اولادي وبعدما اقتصر عشاؤنا على شاي مغلي لعدة مرات مع الخبز فقط وإلغاء وجبة الفطور ، سئمنا هذا الحال انا و أولادي وعائلتي ، فقررت الذهاب الى مدينة أخرى للبحث عن فرصة عمل إلى أن استقر بي الحال في مدينة البصرة وكان عملي الجديد يبدأ مع غروب الشمس ولا ينتهي حتى مطلعها في اليوم الثاني، وافقت رغم صعوبة السهر والوقت الطويل.
مضى شهر على وجودي في العمل وقد أنهكني السهر والعمل طوال الليل فضلاً عن اشتياقي لعائلتي وأولادي وعدم وجود وسيلة اتصال كي أطمئن عليهم، فقررت اخذ إجازة والذهاب إليهم والاطمئنان عليهم. اشتريت هدايا وألعابا لكل فرد من أفراد أسرتي لأجعلهم فرحين مثلي بأول راتب استلمته من العمل، وحين وصلت الدار عانقت أولادي وعائلتي وكأنني لم أرهم منذ سنين، بقيت أسبوعا وأبلغتهم اني سأغيب لفترة أطول لأنني أريد أن أغير من حالنا الميؤوس منه.
واصلت العمل فترة طويلة وكان فقرنا دافعا إضافيا يزيد من قدرتي على تحمل تعب العمل ، بين فترة طويلة وأخرى كنت اعود إلى البيت لكن مرة بعد أخرى كنت ألاحظ أن الأولاد لا يجلسون معي وان جلسنا معا ابدو غريباً بينهم.. حديثهم غير الحديث الذي كنت أتوقعه منهم ، كنت أحاول أن اشاركهم الحديث والآراء لكنهم كانوا لا يهتمون لرأيي وحديثي ، حتى زوجتي باتت غريبة في تصرفاتها وكأنها اعتادت أمر غيابي، عدت إلى عملي وكان القهر يملأ قلبي وكنت أحاول أن أستمر في العمل فترة أطول تهربا من الذهاب الى البيت، بعدها  قررت ترك العمل والتفرغ لعائلتي لعلي أستطيع إعادة الحب والألفة التي كانت بيننا سابقا، بقيت فترة طويلة بين اولادي وزوجتي ألبي طلباتهم وحاجاتهم لكن دون جدوى فكان التقرب لهم شبه مستحيل فقد كانوا يجلسون وحدهم في الغرفة كثيرا ووالدتهم معهم وانا أصارع الوحدة في غرفتي وما أن أذهب  إليهم حتى يتعذر الواحد تلو الآخر بأن لديهم عملا أو شيئا اخر ، تحدثت مع زوجتي في هذا الامر فقالت إنها مسألة وقت كونك قضيت فترة طويلة في البعد عنهم عليك أن تصبر.
صبرت وفعلت كما قالت زوجتي إلى أن جاء اليوم الذي صدمت به حين جاء ابني الكبير برفقة فتاة فسألت من هذه؟ أجابت زوجتي بكل برود أنها خطيبة ابني الكبير وقد نسيت هي والأولاد إخباري عن الخطوبة، شعرت بإحباط شديد ويأس عميق وتعب سنوات العمل قد تراكمت فوق راسي، مكثت صامتا عدة أيام لا أتكلم مع أحد إلى أن اتخذت قراري بالعودة إلى عملي لأني في كلتا الحالتين غريب، غريب في العمل وغريب في بيتي ووسط عائلتي.